المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صدام حسين .. ومعاني الشهادة



كمال صقر
25/12/2009, 10:20 PM
حزب الصواب الموريتاني الواجهة السياسية لحزب البعث في القطر الموريتاني
http://www.sawab.org/sawab/images/M_images/CIMG0022.JPG
الشهادة مرادف للتضحية، وهي بذل للنفس في سبيل قضية كبرى؛ وهي محل تقدير وافتخار في مختلف نماذج الموروث الإنساني لدى أمم الأرض.. فسجل الحاضرة الإنسانية على تنوع مصادرها ومراحلها مليء بتمجيد أصحاب التضحية الكبرى في التاريخ؛ لأن المضحين يمثلون علامات فارقة ومعاني عظيمة، تحرص كل أمة على توثيقها وحفظها ونقلها واستثمارها عبر سيرورة وصيرورة الأجيال والمجتمعات. والتضحية في التاريخ ترادف الخلود بل هي أقصى غاية الخلود، والاقتدار والقدرة على المسك بالحياة والتأثير فيها. ذلك أن البطل، وبالتالي المضحي يحتل مركز الضمير الجمعي، وأحيانا يجمع الحسنيين: الخلود بعظمة التضحية، وطول البقاء في الحياة، وقد قيل: أحرص على الموت توهب لك الحياة.
والأمة العربية من الأمم التي احتفت وحفلت بتاريخ البطولة فيها وبالتضحية والشهامة عبر مسيرتها الحضارية. وهذه التضحية والاستعداد للتضحية هو السر في قدرة هذه الأمة على الدفاع عن حقها في الحياة وإسهامها في الحضارة البشرية؛ فالشعوب والأمم الأكثر حرصا على الحياة، هي الأمم والشعوب الأكثر استعدادا للتضحية من أجلها، والأمم التي تبخل في مجال التضحية، هي الأمم التي عاشت بأفرادها، واندثرت بمعانيها وتميزها.
والتضحية ليست محصورة في بذل النفس، وإنما أيضا ببذل المال والجهد والوقت، ولكن أعلى درجات التضحية هي بذل النفس في سبيل قضية كبرى عادلة، والذي يضحي بنفسه هو أزهده أقرانه بمباهج الحياة.
إن العرب قبل الإسلام كانوا من أكثر الشعوب تمجيدا وتخليدا للبطولة، أي التضحية، ودونوها في روائع الشعر الخالدة؛ ولما جاء الإسلام أثرى فضيلة التضحية بالتوجيه نحو أسمى الأهداف وهو الموت في سبيل الله، بدلا من الموت في سبيل التفاخر وأخذ الثار.
إننا نريد الوصول إلى القول إن الأمة العربية مسكونة بروح التضحية، ضمن سجل مكارم الأخلاق التي جاء الرسول صلى الله عليه وسلم ليكملها في العرب.
فما هي الشهادة إذا؟
الشهادة في اللغة إخبار الحاضر عن حادث حدث، أو إفادة الحاضر عن حدث.. والشهود الحضور.
والشهادة في الاصطلاح هي الموت في سبيل الله، والشهيد في اللغة الحاضر، وفي الاصطلاح المقتول في سبيل الله.
والشهيد يأتي بمعنى الفاعل، ويأتي بمعنى المفعول.. وحتى في اللغة الإغريقية،فإن كلمة Martus أو Marturos تعني الشاهد، ومنها كلمة Martyr في اللغة الفرنسية التي تعني الشهيد.
أولا: فما هي الشهادة في الإسلام؟
الشهادة في الإسلام هي أعلى درجة بعد النبوة، والذين ينالون الشهادة يعني أنهم أصحاب حظ عظيم؛ لأنهم حصلوا على أعلى مطلب في الدنيا والآخرة، فهم في الدنيا أحياء؛ لأن الموت لا يطوي ذكرهم بين الناس، عكسا لما يحدث للذين يموتون موتا طبيعيا. فالناس يتحدثون عن الشهداء، خلفا عن سلف، إلى يوم القيامة.. ذلك أن الذين يموتون موتا عاديا يلفهم النسيان، والشهداء بذكر محامدهم ومآثرهم أحياء. فكم من السلاطين والملوك الجبابرة والرؤساء والأغنياء الذين عاشوا في هذه الدنيا ثم ماتوا، ولا أحد يعرف عنهم شيئا.
والشهداء في الآخرة ينالون النعيم الأبدي؛ لأنهم منذ لحظة انقطاع الحياة الفيزيائية تصعد أرواحهم إلى الرفيق الأعلى، راضين مرضيين، بين ترحيب وتمجيد، من سماء لسماء. فالشهيد في الإسلام إذن خالد في الدنيا بطيب ذكره في الناس بعد موته، وخالد في الآخرة لما يتمتع به من نعيم الجنان ورضى الرحمن.
ثانيا:لماذا سمي القتيل في سبيل الله شهيدا؟
1- قيل لأن روحه تشهد الجنة وتحضرها عند موته، أما غيره فلا يصل إليها إلا بعد الحساب.
2- قيل لأنه يشهد على الأمم يوم القيامة مع الأنبياء؛ والشهيد هنا بمعنى الشاهد. قال تعالى:" وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيئين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون"
3- قيل لأن الملائكة تشهد له بالجنة؛ والشهيد هنا بمعنى المشهود له، قال تعالى:" إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن".
4- قيل سمي شهيدا لأن له شاهد بقتله في سبيل الله وهو دمه؛ لأن هذا القتيل يبعث يوم القيامة وجرحه ينزف دما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يكلم أحد في سبيل الله- والله اعلم بمن يكلم في سبيله- إلا جاء يوم القيامة وجرحه ينزف، اللون لون الدم والريح ريح المسك، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
5- قيل لأنه يشهد له بالأمان من النار
6- قيل لأنه تشهد ملائكة الرحمة عند موته
7- قيل لأن الملائكة تشهد له بحسن الخاتمة
8- قيل لأن الأنبياء تشهد له بحسن الإتباع لهم
9- قيل لأن الله يشهد له بحسن النية والإخلاص
والشهادة في الإسلام واسعة النطاق حتى قيل إن أي مسلم يموت على عقيدة الإسلام دون شرك فهو شهيد، وأعلى درجات الشهادة المجاهد في السبيل الله يقتل في المعركة مقبل غير مدبر.
وقالوا:
- من قاتل وهو مسلم دفاعا عن العرض أو النفس أو المال فهو شهيد
- من قاتل دفعا للظلم فهو شهيد.
فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قاتل دون ماله فقتل فهو شهيد، ومن قاتل دون مظلمته فهو شهيد، ومن قاتل دون دمه فهو شهيد، ومن قاتل دون أهله فهو شهيد، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
ثالثا:فضل الشهيد في الإسلام
لقد بين القرآن والسيرة النبوية في أكثر من موضع فضل الشهداء، والدرجات العظيمة من النعيم التي تنتظرهم، لقاء ما بذلوه من جهد ومشقة وألم في سبيل الله. كما رغب الإسلام جدا في بذل النفس في سبيل الله وإعلاء كلمته.
قال تعالى:{ انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون} (سورة التوبة، الآية 41).
{ يا أبها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون} (سورة المائدة، الآية 37).
{ ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما}(سورة النساء، الآية 68)
{ فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نوتيه أجرا عظيما}( سورة النساء، الآية 73)
{ والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم}(سورة الحديد، الآية 18)
{ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون}(سورة آل عمران، الآية 169-170)
{ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين}( سورة الحج، الآية 56)
{ فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم}( آل عمران، الآية 195)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- إن الشهيد في سبيل الله لا يفضله النبيؤون إلا بدرجة النبوءة
- والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل
- إن الشهيد لا يعاني من شدة الموت شيئا ولا يجد من القتل إلا كما يجد أحدكم من القرصة، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
والشهيد يغفر الله له خطاياه عند أول دفقة من دمه، ويريه مقعده من الجنة، ويجيره من عذاب القبر، ويؤمنه من الفزع الأكبر، ويلبسه حلة الإيمان، ويتوجه بتاج الوقار، وتعرج الملائكة بروحه، فلا يمر بباب من أبواب السماء إلا فتح، ولا يمر بملك إلا صلى عليه واستغفر حتى يسجد لله تعالى مع الملائكة، فيأمر به الله تعالى بعد ذلك إلى منازل الشهداء فيشفع في سبعين من أهله.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر تدور في أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
والشهيد، لمنزلته الخاصة يدفن في مصرعه وهو مضرج بدمه، ومن أجل هذا الثواب العظيم وهذا التبجيل والحفاوة به، يتمنى الشهيد أن يعود إلى الدنيا ليقتل عشر مرات في سبيل الله.
رابعا:فكيف تتنزل معاني الشهادة على صدام حسين؟.
ثمة ملاحظات أولية:
1- لا بد في البداية أن نتفق أن الشهادة هي- بعد التوفيق من الله- ثمرة أو نتيجة للاستعداد الفطري للتضحية، وأن التضحية هي نتيجة للبطولة، وأن البطولة هي، مع ميزات شخصية، نتاج التنشئة الاجتماعية والتربية الأسرية؛ والتنشئة والتربية هما نتاج المنظومة القيمية السائدة التي تمجد فعل المقاومة بالمعنى الواسع. ومن هذا المنطلق فلا بد أن نعرف أن صدام حسين نشأ في أسرة عربية شريفة، ضاربة الجذور في القيم العربية والإسلامية.. ثم إن هذه الأسرة ريفية، أي نقية من شوائب المدينة التي تدجن أهلها على حب الخمول والاستمتاع بالملذات.
2- أن صدام حسين نشأ في بيت عز ولكنه بيت فقير؛ وهذا ما جعله يعطف دائما على الفقراء وينتصر للمظلومين ويحتمي للمهمشين، ويتمرد على كل أشكال الهيمنة والاستغلال.
3- أن صدام حسين تربى في بيت مقاومة وطنية وتمرد على الاستعمار الإبريطاني للعراق، وكان مشبعا بالروح القومية؛ فهو نشأ مع خاله الحاج خير الله طلفاح، الذي كان رجلا وطنيا وقوميا، وعسكريا شجاعا شارك في الثورة على الأنكليز في مايو 1941.
4- أن صدام حسين انتمى مبكرا لحزب البعث العربي الاشتراكي، الذي وفر التأطير السياسي والتكوين الفكري وطنيا وقوميا لصدام حسين. إن صدام حسين هو إذن محصلة لشخصية كاريزمية فطرية، وقيم عربية وإسلامية نقية، ومعاناة نضالية حزبية طويلة. إن هذه العوامل كلها هي التي أنتجت شخصية صدام حسين كما عرفناها: مناضلا بعثيا، مبدئيا مخلصا، صارما رحيما، ذا إحساس عالي بالمسؤلية، وصاحب ثقة لا حدود لها في الأمة، وبالمستقبل.
إن صدام حسين لم يأت هكذا بمحض الصدفة، بل هو نتاج نضال طويل وشاق وفقه الله في ختامه للموت شهيدا على تلك الصورة التي شاهدها العالم بأسره.
ويقينا إن صدام حسين كان شهيدا- ولا نزكي على الله أحدا- لكن كل معاني الشهادة في الإسلام توفرت فيه، فهو:
1- الرئيس العربي والمسلم الوحيد الذي بقي يصارع هيمنة جمع الكفار الجبابرة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا طيلة ثلاثة عشرة سنة
2- الرئيس الوحيد الذي ظل يدعم المقاومات في فلسطين بكافة تشكيلاتها وعناوينها، وفي الصومال وأريتيريا وفي توحيد اليمن.
3- بنى أكبر قاعدة اقتصادية وعلمية وثقافية في العراق وجعلها في خدمة العرب والمسلمين.
4- قام بأوسع حملة إيمانية في صفوف الشعب العراقي- رغم الحصار وإكراهاته- لمواجهة العولمة الثقافية الجارفة.
5- الرئيس العربي المسلم الذي كان يخلد ذكريات شهداء قطره، ويرعى عوائلهم، وهو القائل: الشهداء أكرم منا جميعا.
6- رفض إغراء جمع الأشرار له بالبقاء في السلطة مقابل الاعتراف بالكيان الصهيوني والانخراط في اتفاقيات أوسلو.
7- قاتل وأسر واغتيل وهو يدافع عن نفسه وعرضه وماله، وعن أهله ودينه وشعبه. وكان يقاتل عدوا كافرا، غازيا لبلده.. وقد مر بنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قاتل عن العرض أو النفس أو المال أو الأهل، أو لرد مظلمة أو لإعلاء كلمة الله فهو شهيد، وقد كان صدام حسين يقاتل عن كل هذا.
8- اغتيل مظلوما يوم عرفة على أيدي غزاة كافرين وعملائهم، وكانت آخر كلامه كلمة التوحيد.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من كانت آخر كلامه لا إله إلا الله ومحمد رسول الله دخل الجنة، أو كما قال.
بذلك، فإن صدام حسين كان شهيدا بتوفيق وفضل من الله الذي لا يرد فضله عن المحسنين، ولا يصد بأسه عن القوم المجرمين.