المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نادر بور : إطلالة إلى الآخر من نافذة الوجدان



بنده يوسف
26/12/2009, 07:51 PM
نادر بور : إطلالة إلى الآخر من نافذة الوجدان
" الأرض والزمان "
نادر نادر بور


" قالوا من الشعر تصنع الروابط ، وتلغى المسافات ، وتتقارب الأنا مع وجدان الآخر ، فلاشئ له إكسير سحر فى صنع العلاقات والتقارب مثل الشعر ، وفى هذه القراءة نفتش عن صورة لشاعر يرسم وجدانه ، ويخرج فضاءاته ليصنع مع كائنات الكون فضاء أرحب ، وهذه القراءة نقدمها كغصن وصل وفضل لراقية الحس وصاحبة الفضل فى رحلتنا لعوالم الدهشة والتأمل / الدكتورة رملة غانم أستاذة النقد والأدب الفارسي بجامعة عين شمس ، فكم صحبتنا لعوالم الشعر لتخبرنا كيف نجسد الخيال ونجرد الحس ، وبفيض معرفتها صار لنا معرفة من إشراق جمال حسها وحرفها ، فنسأل الله تعالى أن يدوم عليها جمال الشعور وبياض قلب الأم ، وبحق عذوبة حسها يرفع وجدانها على مقام الصفاء ، فلها منا السلام وذكرى الفضل والخير .


الأرض والزمان *
نهر قرية
مسقط رأسي الكبير
الذى كان يعبر من المنعطفات
الترابية والهامدة
كان له ماء بضياء المطر
وكان يسير ضاحكاً ومغرداً
كرياح الربيع
من بين ثنايا الكتل المليئة بالشوك والحجر
وفى عمق قاعه الشمسي :
لون الحصى
قد أبدع نقشاً بديعاً كالسجاد
بأطياف زرقاء وبرتقالية ونيلية
نهر قرية مسقط رأسي الكبير
فى نور السحر الفضى
كان يُحيي
صورة الحمام المهاجر
من بين أغصان
وأوراق الحور
على سطحه المتموج اللامع
كنقش النسيج
وفى الأيام الجافة المظلمة
كان يظهر على لوحه الطاهر
؛
صورة ضفائر شجر الشنار المحناة الأيدي
أو :
صورة بيت العنكبوت الزجاجي
بقطرات ندى الصباح الشفافة
على أجنحة الذباب الخشنة اللامعة
وفى ثنايا الخضرة الوارفة الأغصان
وذاك الجاري الرقراق دائماً
كان لديه فى حضنه الشديد
دوام و تناغم على الجانبين مع
النعناع البري ، ومع الجذور العتيقة
وفى حفر الأرض ينحدر
وفى ثنايا الحجر يختفي
ثم مرة أخرى
يتدفق نحو الأراضي البعيدة
بهدوء وبلاعجل
نهر قرية مسقط رأسي الكبير
كأنه كان نهر الزمان
الذى من
من ثنايا ذكريات العمر العزيزة
يفتح طريقاً صوب وادى المستقبل
بألوان زرقاء وبرتقالية ونيلية
أثقل وأغلظ من نهر العسل
فى روضة الجنة
الآن نفس العذوبة التى هى الماء أو الزمان
فى أنهار أسمنتية محكمة
من مملكة غربتنا : نحن العجائز
تفر مثل البرق ، وتذهب كالريح
لأن طريقها
ليس من بين كتل الحجر والعشب
وليس لها ميل
لأى ذكرى طوال الطريق
ولاتتوقف هي أبداً خلف أى جذر
ولا تبقى أمام أى نعناعة
ولاتخشي من أي ورقة ميتة
هنا : الزمان والذكرى غرباء عن بعضهم
ويفرون من بعضهم كالليل و النهار
حقا ، فى هذه الديار
فى غربة بسعة الحزن والإنتظار
نحن ، نرتحل مع الزمان صوب الفناء
بدون أى إشتياق
وبدون أي تذكار
............

برغم أن ملامح الفلسفة الوجودية فى الشعر منحت للشاعر وجود كيان فى سطور شعره ، وقيمة وحضور أول لإنسانيته ؛ إلا أن لاشئ أعطى للشاعر إعتبار وحرية تعبيرعن مشاعره مثل شعر الوجدان ومرسلات الذات .
فشاعرية الوجدان يفجرها آلام الانا والذات ، وحرقة الغربة وغصة الحرمان وطوق الحنين والإشتياق .

ونادر بور فى شاعريته يرفع راية الوجدان ، فهي ترسم ذاته ،وتجسد مشاعره ومعاناته الروحية ، وتفتش فى جواهر الأشياء ، وتسبر أغوار الطبيعة لتبحث معه عن وجدان كائن يتلاقى مع وجدانه وآلام معاناته ؛ فأحتضن الوجدان كل مظاهر الحياة والكون لتكون نافذة عبور له ، وصار للوجدان نفسٌ وحياة وفضاء كون .
ومجموعات نادر بور الشعرية العشرة تكاد لاتعبر إلا عن ذاته وقضايا وجدانه ، وهذا ليس بغريب على شاعريته ، فهى نتاج مرارة وآلام فراق وغربة وحنين وإشتياق وطن وذكرى ؛ طمس صورتها الظلم وضيق الزمان لإستيعاب حضورها .

وكان يصر على إستخدام ضمير ( أنا ) قبل ( نحن ) فيرى أن قوة الشعر فى عمق شاعره وصدق وجدانه ، وأن التبديل فى الضمائر لاقيمة له أمام عمق المعنى والدلالة الذى يقرب ويوحد الشاعر وشاعريته مع وجدان الآخرين ، ويدمجه مع معاناتهم وآلام وجدانهم ، ليصبح حديث نفسه لسان حال الجميع ، فراية وجدان الشاعر فوق أى شئ آخر ، ليس للتسلط على صورة الآخر، وتهميشها، ولكن كنافذة حضور للوجدان بصحبة مفردات الكون .

وفى قطعته " الأرض والزمان " يبرع فى رسم صورة شعرية ؛ تجعل من سطور الشعر كائنات تتنفس وتجسد حركة الحياة ، وتشع بألوانها بريق يسحر القارئ . وبالرغم من أن نادر بور لم يكن رائداً فى براعة الصورة الشعرية ، على عكس سهراب سبهرى الذى كان من الرواد فى ذلك ؛ إلا أن نادر بور يعد ممن أكملوا هذه المسيرة الشعرية بشئ من القوة . فقد جعل الصورة الشعرية أكثر إرتباطاً بالبوح بالقضايا والمفاهيم التى يريد أن يوصلها الشاعر إلى عقل القارئ بحس الوجدان ، فالصورة عنده كانت مهمة لتكون عرض جمالي لم يصيب وجدانه من أفكار وآلام وقضايا ، وأداة تقرب ذاته ووجدانه بسهولة من ذهن القارئ والمستمع .

ففى " الأرض والزمان " يرسم صورة نهر ، حياته تتقارب كثيراً مع ذكريات عمره ومراحل حياته ، يرسمه لإشتياق وجدانه لحياة قد كانت ، وفلسفة قيمة كانت ذاته تدركها ، فيرسم كيف كانت صورة حركة النهر ومراحل مروره من المنعطفات ، والعلاقات التى كان يصنعها مع كتل الصخر والشوك ، وكيف أن النهر كان وطن يتجلى وجوده فى كيان الكائنات ، فالطير المهاجر يعرفه ، وطيف شعاع الشمس ينعكس على حصى قاعه المتلون ، وحتى فى أيام جفافه لايتنكرون لقيمته ووجوده ، فيتجلى وجوده بقطرات الندى على بيت العنكبوت ، وعلى أغصان أشجار الشنار المدلاة على حافة شطه ، وعلى أجنحة حشرة الذباب التى تلمع من تجلي وجوده على أجنحتها والمعلق بها قطرات الندى ، فيظهر النهر وكأنه كائن له حياة يصنع فيها علاقات مع الكائنات الأخرى ، فهو يمر على الأعشاب وجذوع الاشجار العتيقة ويعانقها ويحمل شيئاً منها فى ذكرياته ، بل يغامر ويسافر من بين ثنايا الحجر والحفر ليزور كائنات فى مكان أبعد ليحمل معهم هناك ذكرى .

وبعد ذلك يخاطب قائلاً : قد تظن أنه من خلال الصورة التى ترسم عن حركة حياة النهر أن هذا يعبر عن زمانك وحياتك وذكرياتك، فهي بالفعل كذلك ؛ ولكن الزمان يعبر من منعطفات ذكرياتنا بحركة أبطئ وأثقل من حركة العسل فى مجراه النهري بالجنة ؛ فالزمان تغير وتبدل ، والذكرى لاتجد لها ساحة تهيئ لها الحضور ، فهي غريبة إن حضرت ، والزمان ليس كالنهر إن مر على منعطفات الذكريات ؛ يجد له شغفاً وتناغماً بها .

والنهر لم يكن يحمل ذكريات مع ماحوله من كائنات لزينة صفاء يتمتع بها ، ولكن لعلاقات ترابط ، ومعانقات يصنعها مع الكائنات ليحمل منها الذكرى التى تحقق قيمة وجوده .

فالآن الزمان والنهر نفسه لديهم صفاء متصنع ، لكنه فى قوالب أسمنية جافة تعزلهم عن الوصال بما حولهم من كائنات ، فعلى نهر الزمان ليست هناك عشبة يعانقها أو جذع شجرة له خلفه ذكرى إنعطاف ؛ فالزمان والنهر الأسمنتي يمر ويعبرمن هذه الدنيا بلا ذكرى وبلاقيمة ، وكذلك حال من يعيش بهم وهو الإنسان يرحل ولاذكرى له وكأنه كان عدم بلاقيمة ، فنهر زمانه الآن لايعرف علاقات مع العشب والصخر ، ولايحمل أى ذكرى توقفه عند موطنها ، وصار يخاف الآخر لأنه أصلاً لم يعرفه ، ولم يعد يدرك قيمة الحياة لتخلق له ذكرى البقاء ، فتسقط على صفحة نهر زمانه ورقة ذابلة ؛ ولايخاف منها فهو لم يعد يعرف إلا العدم ويرحل من عالم الحياة وكأنه لم يكن .
ومن خلال هذه القطعة يرسم نادر بور مايعترى وجدانه من آلام تحملها الذات ، ففى بوحه يقول : " نهر قرية مسقط رأسي الكبير " فهو يشتاق لصورة قديمة أراد أن يرسمها لتذكره بوطنه وذكريات عمره ، وكيف أن نهر مسقط رأسه كان يحيي صور الطير المهاجر ليرسمها كنقش القماش على صفحة ماءه اللامعة ، وكيف ينعزل عن العالم كعزلة الطير المهاجر عن الوصال بالأغصان وأوراق الشجر وحمل ذكريات خلود وبقاء .

والنهر يتساوى فى دلالته مع الزمان ، فقديماً نهر زمان وعمر نادر بور كان له فى كل موضع ذكرى ، غير أنه بعد هجرته من وطنه إيران لم يعد له هذا الصفاء ولاجمال الحركة التى يتمتع بها نهر وطنه ، فالصفاء مصطنع ، والحركة مشلولة ، أو تدفع فلا رغبة فيها ، ويعيش كالغريب ، وزمانه يفر من ذكراه كفرار النهار من الليل ، ليعلن فى النهاية مدى حزن وجدانه فى كون الإنسان البعيد عن وطنه لايملك منعطف يصنع عنده ذكريات ، وسيرحل ويفنى بلا ذكرى دون أن يشتاق إليه أحد أو يتذكره ، وكأنه كائن لم يعرف إلا قيمة الفناء والعدم .

[

بنده يوسف
26/12/2009, 08:05 PM
* زمين وزمان

جوي بزرگ دهكده ي زادگاه من
كز كوچه هاي خاكي و خاموش مي گذشت
آبي به روشنايي باران داشت
وز لابلاي توده ي انبوه خار و سنگ
خندان و نغمه خوان
سيري بسان باد بهاران داشت
در عمق آفتابي او : رنگ ريگ ها
با طيف هاي نيلي و نارنجي و كبود
نقشي به دلربايي فرش آفريده بود

جوي بزرگ دهكده ي زادگاه من
در نور نقره فام سحرگهان
عكس كبوتران مهاجر را
از پشت شاخ و برگ سپيداران
بر سطح موجدار درخشانش
مانند
طرح پارچه جان مي داد

در روزهاي تيره ي بي باران
تصوير گيسوان دست حنا بسته ي چنار
يا : عكس دام شيشه اي عنكبوت را
با قطره هاي شبنم شفاف صبحدم
بر بال هاي زبر و درخشنده ي مگس
در لابلاي سبزي انبوه شاخسار
بر لوح پاك خويش نشان مي داد

وان جاري زلال در آغوش تنگ او
همواره از دو سو
با پونه هاي وحشي و با ريشه هاي پير
آميزي مدام و ملايم داشت
در حفره هاي خاك فرو مي رفت
در لايه هاي سنگ نهان مي شد
وانگه دوباره سوي زمين هاي دوردست
آرام و بي شتاب روان مي شد

جوي بزرگ دهكده ي زادگاه من
پنداشتي كه جوي زمان بود
كز
لابلاي خاطره هاي عزيز عمر
با رنگ هاي نيلي و نارنجي و كبود
سنگين تر و غليظ تر از جوي انگبين
در گلشن بهشت
راهي به سوي وادي آينده مي گشود

اكنون همان زلال كه آب است يا زمان
در جوي هاي محكم سيماني
از سرزمين غربت ما : سالخوردگان
چون برق مي گريزد و چون باد مي
رود
زيرا كه راه او
از لابلاي توده ي سنگ و گياه نيست
ميلش به هيچ خاطره در طول راه نيست
او ،‌ پشت هيچ ريشه توقف نمي كند
يا پيش هيچ پونه نمي ماند
وز هيچ برگ مرده نمي ترسد

اينجا : زمان و خاطره بيگانه از همند
وز يكدگر بسان شب و روز مي رمند
آري، درين ديار
در غربتي به وسعت اندوه و انتظار
ما ،‌ با زمان به سوي فنا كوچ مي كنيم
بي هيچ اشتياق
بي هيچ يادگار