المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المشهد السياسي الفلسطيني قبيل الانتخابات التشريعية /أحمد العطاونة



غالب ياسين
20/02/2007, 09:31 AM
المشهد السياسي الفلسطيني قبيل الانتخابات التشريعية /أحمد العطاونة / اسير فلسطيني/ معتقل النقب الصحراوي





إعادة التموضع الفصائلي»

مختلفاً يبدو المشهد السياسي الفلسطيني ونحن على أبواب الانتخابات التشريعية، فانتفاضة الأقصى، عبر سنواتها الخمس، أحدثت تغيرات عميقة وواسعة شملت معظم نواحي الحياة الفلسطينية، وعلى رأس هذه التغيرات الانقلاب في المواقع والأدوار للفصائل السياسية الفلسطينية. فقد اعتاد الفلسطينيون على صورة تقليدية للمشهد الفلسطيني، استمرت عقوداً من الزمن، تتربع في وسطه، شاغلة حيزاً كبيراً، حركة التحرر الوطني الفلسطيني «فتح» مشكلة نقطة للارتكاز، ومركزاً للسلطة والقرار، ومحددا لمعظم الفعل الفلسطيني.

على اليمين من فتح تمركزت الحركات الإسلامية (حركة المقاومة الإسلامية «حماس» وحركة الجهاد الإسلامي)، متمسكة بالثوابت الوطنية الفلسطينية، محافظة على المسيرة الوطنية من التهاوي أو الانحراف المخل، وفي يسار المشهد الجبهات اليسارية ( الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية وحزب الشعب .....الخ من الجبهات والأحزاب ذات التاريخ اليساري)، تعيش حالة من التيه والبحث عن مسارات وأيدلوجيات وأفكار جديدة تعبر بها المرحلة، بعد انهيار الايدولوجيا ألام.

اليوم وفيما لا يفصلنا عن الانتخابات التشريعية سوى أيام قلائل، يبدو المشهد مختلفاً إلى حد كبير، لا بل يبدو وكأن زلزالاً سياسياً ضربه فأعاد صياغته من جديد فلا اليسار استمر في يساريته ولا اليمين بقي يمينياً. فقد حدثت إزاحات هامة غيرت تشكيلة المشهد السياسي الفلسطيني، فحركة فتح، والتي نقرأ سلوكها العام من خلال التيار السائد فيها والذي يتزعمه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تحركت بشكل ملحوظ، وبدرجة اكبر مما حدث في فترة الرئيس الراحل ياسر عرفات، باتجاه اليسار، فطروحاتها السياسية المتمثلة في برنامج عباس الانتخابي الذي اعتبر أن لا خيار أمام الشعب الفلسطيني الا خيار التسوية، وعارض بشكل صريح وحاد أي خيار أخر، وهاجم المقاومة في انتفاضة الأقصى في أكثر من مناسبة، واظهر معارضة لا تحتمل التأويل للمقاومة المسلحة، حتى انه وفي كل خطاباته في المهرجانات التي أعقبت الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، لم يأتي على ذكر كلمة المقاومة، فقد أعاد الفضل في النصر والانسحاب إلى كل شيء (الصمود، التضحية، الشهداء ، الأسرى والجهود الدبلوماسية السلمية .... الخ) ما عدا المقاومة لم تحظى حتى بمجرد الذكر وليس الإشادة.

ولهذا البرنامج الذي عبر ويعبر عنه عباس، بدت فتح وكأنها ستسير مستقبلاً على نهج غاندي وستتمثل قيم المسيح في التعامل مع الاحتلال.

أما حركة حماس، فقد تحركت وبشكل كبير نحو الوسط، وهي تتجه لتشكل التيار الفلسطيني الذي يحتل المساحة الأوسع من وسط المشهد الفلسطيني، فقد اقتربت أكثر من أي وقت مضى من نبض الشارع واهتماماته، والتصقت بقضايا الشعب الحيوية رافعة لواء حمايتها والعمل على إنجازها، ولعل ابلغ تعبير عن هذا التحرك هو قرارها المشاركة في الانتخابات التشريعية والدخول إلى مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وما يعنيه ذلك من تدخل، لا بل وتبني، لهموم الشعب الفلسطيني على اختلاف أشكالها، سياسية كانت أم اجتماعية أو اقتصادية. كما أنها بذلك تقف حيثما ينبغي أن تكون، حيث الفكر الإسلامي الوسطي الذي تتبناه، بعيداً عن الغلو والتطرف أو التفريط، لتأخذ بذلك موقعاً وسطاً بين الحركات الإسلامية أيضاً. فيما حركة الجهاد الإسلامي لم تحافظ على موقعها اليميني فقط، بل انها ازدادت يمينية، وازداد خطابها تشدداً، وتسللت اليه مفردات السلفية الجهادية وأيمن الظواهري، ويبدو ذلك أوضح ما يكون في خطاباتهم داخل المعتقلات، حيث وجودهم الأكبر، فقد قادهم هذا التشدد إلى التوجه في «التحريض» إلى الداخل الفلسطيني، وحتى إلى الداخل الإسلامي، بقدر ينذر بالخطر على صفهم الداخلي كما على الواقع الفلسطيني، فمصطلحات (القوى الكفرية، والكفر العالمي، والدم والنار، والفسطاطين، والقوى الصليبية......الخ من المصطلحات التي تحمل طابع الإطلاق وعدم التمييز بين الناس تزاد حضوراً يوماً بعد يوم في خطابهم الديني والسياسي. أما الجزء الهلامي، وغير المتشكل بعد في المشهد الفلسطيني، فهو ذلك الذي يخص ما كان يعرف سابقاً بقوى اليسار الفلسطيني، فهذه القوى بلغت حداً من الاهتراء أو الضياع لا تحسد عليه، فهي واقعة في تناقضات فكرية وايدولوجية وحتى سياسية عميقة، فهي لا تستطيع أن تحدد، وبالتأكيد لا تستطيع الجماهير أن تحدد أيضاً، أهي قوى يسارية ثورية تعادي الإمبريالية والرأسمالية الغربية، أم أنها اليوم وعبر عدد كبير مما يسمى المنظمات غير الحكومية الممولة غربياً «إمبرياليا ورأسمالياً» والتي تسيطر عليها هذه القوى، تشكل معبراً للنفوذ الثقافي والفكري الغربي. هل تعتمد في بنيتها على الطبقات الكادحة والشباب الثوري وتهتم بشأن الفقراء الكادحين، أم أنها أصبحت تقتصر على إعداد محدودة ممن اعتادوا العمل في المكاتب والمؤسسات ذات الرواتب المغرية. لكن رغم ذلك فهي تحاول ، بحسب تصريح قياداتها، أن تتجه نحو الوسط، مشكلة «تياراً ثالثاً»، بعيداً عن نفوذ الفصيلين الكبيرين (فتح وحماس)، رافعة شعارات، لا ندري مدى انسجامها مع ما كانت عليه من فكر وقيم، كالديمقراطية والتعددية والحريات و«تحرير» المرأة ...الخ من الشعارات التي أصبحت أشبه بجواز سفر للعبور إلى الغرب والقبول الدولي. لذلك فإنني اشكك في قدرة هذه القوى على إيجاد مكان لها في الوسط واعتقد بانها ستزداد هامشية مع مرور الوقت، لأن الأرضية الفكرية التي تقف عليها هلامية ومتحركة.

أخيرا ومن خلال هذه القراءة لما عليه المشهد السياسي الفلسطيني، وما حدث فيه من تغيرات، نخلص إلى الآتي:

• ان التنسيق والتوافق بين حركتي حماس وفتح، والاتفاق على قواسم مشتركة للبرامج المتعلقة بالقضايا الوطنية الكبرى، هو ضرورة وطنية ومصلحة لا بد من السعي الجاد إليها، ويتوقف على هذا التوافق مدى الانجاز الذي يمكن أن يقدم للشعب والقضية الفلسطينية.

• لا بد لحركة فتح أن تدرك أن تغيراً حقيقياً حدث في موازين القوى الداخلية، وان تتعامل مع هذا التغير بمسؤولية وطنية، فلم يعد يفيد التجاهل أو التغاضي عن هذا التغير، إنما ينبغي التعامل معه بحكمة وبما تتطلبه المصلحة العليا للشعب الفلسطيني من شراكة وتوافق داخلي.

• ان الموقع الجديد والمتقدم الذي أحرزته حماس في هذه الانتفاضة بحاجة، ومن أجل الحفاظ عليه، إلى احداث تحولات نوعية في الأداء والخطاب على الصعد المختلفة. فالمشاركة في إدارة شؤون الوطن والقضية يختلف تماماً عن إدارة مجموعة من المؤسسات الاجتماعية والتعليمية أو الصحية، أو ممارسة السياسة من موقع المعارضة والتعقيب على الأحداث، فالموقع الجديد يعني الانتقال إلى موقع صناعة الفعل ورسم السياسات.