المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ماء ودماء



بديعة بنمراح
21/02/2007, 01:26 AM
ماء ودماء

تحاول الممرضة أن تأخذ منها سلمى ! تصرخ زهرة في وجهها تخربشها ! ترتعش تسقط "سلمى" من يدها و تقع على الأرض..
تاتي ممرضتان أخريان ، فتأخذانها رغم الصراخ ...تحاول ان تهرب منهما ،تصرخ بكل قوتها :"سلمى ! سلمى ! الما ء النار ! يعلو صراخها، و لا تهدئها إلا تلك الجلسة الكهربائية التي تعودت أن تأخذها كلما جاءتها النوبة!!
تجري صديقتها نحو"سلمى" تحملها بين ذراعيها، و تضمها إلى صدرها!!
طول مدة إقامتها في المستشفى، لم يكن أحد ليجرأ و يأخذ منها ابنتها ! تحملها بين ذراعيها طول الوقت: وهي تأكل وهي تحلم ، وهي تغني ! حتى وهي نائمة!لم تكن تتخلى عنها إلا عندما يحين وقت الجلسة الكهربائية ، حيث يخضع العقل والجسد معا إلى ذلك النوع من التخدير المر! يئنان معا ويعلو أنينهما ! ثم يهدآن فجأة فيخبو كل أثر للمقاومة..
للنساء هناك أعمار مختلفة ، وأشكال مختلفة كذلك ! لكل واحدة علتها، يصرخن أحيانا ويضحكن أحيانا أخرى ! وبين الصراخ و الابتسام ،تجلس كل واحدة منهن مع نفسها ،تتذكر ماضيها وسبب التحاقها بهذا المكان! وقد تجلس إحداهن مع صديقة لها أو بضع صديقات. يتسامرن وتحكي كل واحدة منهن للأخرى مصابها
لو تسنى لك أن تراهن وهن يتألمن ،وهن يصرخن وهن يبكين .وكل واحدة منهن تحلم أن تخرج من ذلك المكان ، وتعود للحياة ثانية . كل واحدة تغوص بفكرها في ماضيها متمنية لو تستطيع تغيير قدرها ! لو تسنى لك ذلك لما ظننت لحظة واحدة أنك في مستشفى للأمراض العقلية..
زهرة أم سلمى عاشت في البادية . أحبت ابن عمها وتزوجته. قبل ذلك قضت معه أياما لا تنسى بين البساتين والحقول الخضراء. أحلامهما تكبر كلما نضج الزرع ، وتزداد اخضرارا مع اخضراره . هو فلاح صغير ، يعمل في الحقل مع أبيه متفائل جدا مبتسم دائما !نتقل تفاؤله وابتسامه لزهرة بعد زواجهما .ففرشت له رموشها وغطته يحبها وحنانها.و أزهرت ثمرة حبهما بنتا رائعة أسموها سلمى.تتذكر أمها أول صرخة لها وأول سِنّة، ويتذكر أبوها كل الآمال والأحلام التي نمت معها وترعرعت بعد مجيئها ..لم يكن يستطيع الذهاب إلى الحقل قبل أن يرى ابتسامتها أو صرختها . لو كانت نائمة أيقظها رغم اعتراض الأم ومحاولة منعه من إيقاظها.لم ينم يوما قبل أن يطبع قبلة على جبينها وينتظر رد التحية بأجمل منها .
في ذلك اليوم اللعين استيقظ أبو سلمى باكرا كعادته، وكذلك الأم وابنتها . بعد الفطور تهيأ الأب للذهاب إلى عمله، قبّل سلمى و أراد أن ينصرف، لكنها أمسكت به بيديها الصغيرتين، تعلقت بعنقه ورجته بدموعها أن يأخذها معه ، لكن كيف ذلك والعمل الشاق سيمنعه من الاهتمام بها! أصرت على موقفها ولم تهدأ إلا بعد أن وعدها الأب أنه سيأخذها في جولة بين الحقول بعد أن يعود من العمل ويرتاح.
عمرها ثلاث سنوات لكن كلامها وذكاءها يجبرك أن تعاملها كامرأة صغيرة! تحمل ابنتها دائما بين يديها. أسمتها "سلمى" على اسمها إنها هدية أبيها في عيد ميلادها الأول. تحبها سلمى كثيرا وتعتني بها .تحميها تغير ملابسها .وتصفف شعرها! تتحدث إليها وأحيانا كثيرة تثور في وجهها حين لا تتصرف التصرف اللائق!
أخبرتها أمها أنهما ستذهبان إلى بيت جدها ، تلعب هي مع بنات عمها في حين تغسل أمها الغسيل الذي تجمّع لديها. فالماء كثير هناك والمكان واسع، وسوف تعودان قي المساء..
الأم جالسة على الأرض تغسل الثياب..الجفنة الكبيرة موضوعة على النار الماء يغلي.. سلمى وابنة عمها جالستان على حائط صغير مرتقع قليلا عن سطح الأرض! علوه حوالي متر. تمسك سلمى بيدها دميتها الجميلة. تنظر إلى أمها وأمها تراقبها! تذهب الأم من حين لآخر لتقبلها. رجتها أكثر من مرة أن تنزل من على الحائط خوفا عليها!
" أنا كبرت.ماتخافيش!".. كانت ترد سلمى، ثم تمد رأسها الصغير لتشاهد أمها وهي تغرف الماء الساخن من " الجفنة " الكبيرة وتصبه على الملابس.
مثل الطوفان عندما يأتي فجأة. مثل الأعاصير المميتة. مثل الرعود والسيول و البركان كانت سقطة سلمى من على الحائط ليتغلغل جسمها الصغير وسط الجفنة الكبيرة . الدماء تسيل من عيني أمها بدل الدموع. تحاول أن تنقذ فلذة كبدها فتغلبها سخونة الماء. تحترق يداها. الهواء يصرخ لصرختها والجدران تشاركها الأنين.
يأتي الجد وبعض الرجال ليأخذوها إلى المستشفى.المسافة عشرون كيلومترا.الجسد الصغير في غيبوبة تامة تغيب بعده الروح إلى الأبد، قبل الوصول إلى المستشفى ! يوارى الجثمان التراب .وتوارى الأم داخل مستشفى للأمراض العقلية ...
قصة حقيقية

هري عبدالرحيم
21/02/2007, 02:40 AM
الأخت بديعة قرأت هذه القصة على الساعة 11 والنصف ليلا،تأثرت لما تحمله من صور إنسانية،وحين وصلتُ النهاية حيث تقولين إنها حقيقية ازداد تأثري كثيرا،لدرجة لم أََقْوَ على إعادة القراءة.
تحية لإبداعك

بديعة بنمراح
21/02/2007, 01:28 PM
الصديق العزيز عبد الرحيم
مرورك يسعدني دائما. وقراءاتك إضافة نوعية لنصوصي
تحياتي ومودتي العبقة

بديعة بنمراح
19/05/2008, 01:48 AM
يبدو أن قصتي مؤلمة، لدرجة لم بقو أحد على التعليق عليها.
آسفة إن سببت لكم ألما، لكن الحقيقة دوما قاسية.
تحيتي لكل من عبر من هنا، و لمن لم يعبر

بديعة بنمراح
19/05/2008, 01:48 AM
يبدو أن قصتي مؤلمة، لدرجة لم بقو أحد على التعليق عليها.
آسفة إن سببت لكم ألما، لكن الحقيقة دوما قاسية.
تحيتي لكل من عبر من هنا، و لمن لم يعبر

سماح شيط
03/06/2008, 05:25 PM
الاستاذة الجميلة دوما بديعة
لابد أن هذا الحدث المؤلم قد ألهب شعلة العواطف المتقدة في قلبك حتى آثرت أن تكتبيها أدبا علها تفرغ من وطأة الالم الذي ألم بقلبك الدافئ
انها مختلفة عن قصصك ....من ناحية واحدة .....هو أنه في كل مرة أقرأ قصة لك أجد حكمة معينة أو عظة بالغة تريدين إيصالها للقارئ ..
واليوم بحثت عن الحكمة أو العظة فلم أجد ....فأدركت على الفور أنك اليوم لم ترغبي أن تنقلي لنا حكمة وإنما أردت أن تعبري بألمك العميق لما حدث من خلال القصة وفعلا يا أستاذتي لقد تمكنت من ذلك ..وأنا سعيدة جدا أنك قصصتيها بأسلوبك الراقي دوما لندرك جل النعم التي نعيشها ....
العقل زينة ..والاولاد أزهار الحياة .....والمسؤولية كبيرة
أم سلمى فقدت عقلها لشدة الحزن ولشعورها الدفين بالذنب
ادعو الله ان لايبتلينا ويعافينا جميعا
شكرا لقصتك الرقيقة
وأتمنى على قلبك الدافئ أن لايحزن طويلا
فالحياة الدنيا دار عبور .....
أدعو الله تعالى أن يلهمنا السلوان والصبر والسلامة في عبورنا
تقبلي فائق تحياتي

سماح شيط
03/06/2008, 05:25 PM
الاستاذة الجميلة دوما بديعة
لابد أن هذا الحدث المؤلم قد ألهب شعلة العواطف المتقدة في قلبك حتى آثرت أن تكتبيها أدبا علها تفرغ من وطأة الالم الذي ألم بقلبك الدافئ
انها مختلفة عن قصصك ....من ناحية واحدة .....هو أنه في كل مرة أقرأ قصة لك أجد حكمة معينة أو عظة بالغة تريدين إيصالها للقارئ ..
واليوم بحثت عن الحكمة أو العظة فلم أجد ....فأدركت على الفور أنك اليوم لم ترغبي أن تنقلي لنا حكمة وإنما أردت أن تعبري بألمك العميق لما حدث من خلال القصة وفعلا يا أستاذتي لقد تمكنت من ذلك ..وأنا سعيدة جدا أنك قصصتيها بأسلوبك الراقي دوما لندرك جل النعم التي نعيشها ....
العقل زينة ..والاولاد أزهار الحياة .....والمسؤولية كبيرة
أم سلمى فقدت عقلها لشدة الحزن ولشعورها الدفين بالذنب
ادعو الله ان لايبتلينا ويعافينا جميعا
شكرا لقصتك الرقيقة
وأتمنى على قلبك الدافئ أن لايحزن طويلا
فالحياة الدنيا دار عبور .....
أدعو الله تعالى أن يلهمنا السلوان والصبر والسلامة في عبورنا
تقبلي فائق تحياتي

ريمه الخاني
03/06/2008, 09:25 PM
مؤلمه مؤلمه مؤلمه
ياه للحزن كيف يتغلغل
مرور وتحيه وتقدير
( نلتقي معا عبر رصد الواقع عزيزتي-وفقك الله)

ريمه الخاني
03/06/2008, 09:25 PM
مؤلمه مؤلمه مؤلمه
ياه للحزن كيف يتغلغل
مرور وتحيه وتقدير
( نلتقي معا عبر رصد الواقع عزيزتي-وفقك الله)

بديعة بنمراح
04/06/2008, 12:52 AM
العزيزة سماح
فعلا هي الحياة ألم و فرحة و أحلام
و الأم فقدت عقلها لأنها أحست أنها السبب فيما حصل لفلذة كبدها.
أحيانا كثيرة، تدفعنا العواطف لارتكاب أخطاء جسيمة، فيكون الثمن بحجم
المعاناة بل بحجم الموت و أكثر.
تسعدينني دائما بعبورك
محبتي و التقدير

بديعة بنمراح
04/06/2008, 12:52 AM
العزيزة سماح
فعلا هي الحياة ألم و فرحة و أحلام
و الأم فقدت عقلها لأنها أحست أنها السبب فيما حصل لفلذة كبدها.
أحيانا كثيرة، تدفعنا العواطف لارتكاب أخطاء جسيمة، فيكون الثمن بحجم
المعاناة بل بحجم الموت و أكثر.
تسعدينني دائما بعبورك
محبتي و التقدير

عبد العزيز غوردو
11/06/2008, 11:21 PM
هو مهرجان للوجع، يصنعه الواقع.. وتعيد الأقلام المبدعة صياغته...

حرفية في السرد، وفي الانسيابية نحو الفاجعة...

وهي أمور معهودة في قلمك أيتها المتألقة بديعة...

وأدعوك لتدارك كلمتين أو ثلاث، خانك رقنهما...

دمت بهية كما أنت..

ناهد يوسف حسن
12/06/2008, 01:20 AM
المبدعة بديعة
الواقع يرسم أجمل القصص المؤلمة والمفرحة
تحيتي

الحاج بونيف
21/06/2008, 12:36 AM
قصة مؤلمة بحق..
"أنا كبرت ما تخافيش" .. لعلها الجملة الأخيرة التي سمعتها الأم من فلذة كبدها..
مسؤولية المحافظة على الأبناء شاقة وعسيرة.. ولا راد لقضاء الله..
أحييك وأحيي قلمك الفياض.. ودمت متألقة أختي الغالية بديعة بنمراح...

الحاج بونيف
21/06/2008, 12:36 AM
قصة مؤلمة بحق..
"أنا كبرت ما تخافيش" .. لعلها الجملة الأخيرة التي سمعتها الأم من فلذة كبدها..
مسؤولية المحافظة على الأبناء شاقة وعسيرة.. ولا راد لقضاء الله..
أحييك وأحيي قلمك الفياض.. ودمت متألقة أختي الغالية بديعة بنمراح...

منى هلال
21/06/2008, 05:21 PM
السيدة الأديبة بديعة بنمراح
قصة مأساوية مؤلمة
أثـّرت فيّ كثيراً وأكثر ما أثر فيّ إنها حقيقية

ما بال هذه القصص المأساوية تتكرر في المنتديات هذه الأيام
سبق أن قرأت قصة "الثأر" للأخت زاهية بنت البحر وهي لا تقل ألماً عن قصتك هذه

أسجل إعجابي بأسلوبك القصصي فقد تناولتِ القصة ببراعة وأسلوب شائق

تحياتي لكِ

منى هلال
21/06/2008, 05:21 PM
السيدة الأديبة بديعة بنمراح
قصة مأساوية مؤلمة
أثـّرت فيّ كثيراً وأكثر ما أثر فيّ إنها حقيقية

ما بال هذه القصص المأساوية تتكرر في المنتديات هذه الأيام
سبق أن قرأت قصة "الثأر" للأخت زاهية بنت البحر وهي لا تقل ألماً عن قصتك هذه

أسجل إعجابي بأسلوبك القصصي فقد تناولتِ القصة ببراعة وأسلوب شائق

تحياتي لكِ

نزار ب. الزين
22/06/2008, 03:10 AM
اعتصرت القلب و أدمعت العين يا أختي المبدعة بديعة
سامحك الله ، و أثرت الذكريات
فقد كان عليَّ من ضمن مهام عملي ، أن أعرِّف خريجي الخدمة الإجتماعية بمؤسسات الرعاية المختلفة ، و كان مستشفى الأمراض العقلية واحداً من تلك المؤسسات ، و كنت أشاهدهم أو أشاهدهن بأوضاع مأسوية كالتي أجدت وصفها ، إنها تراجيديا بشرية بجميع ما تحمله من ألم
المسكينة فقدتهما ابنتها و عقلها بسبب لحظة إهمال
نص أكثر من رائع ، سلمت أناملك و دمت متألقة
نزار

نزار ب. الزين
22/06/2008, 03:10 AM
اعتصرت القلب و أدمعت العين يا أختي المبدعة بديعة
سامحك الله ، و أثرت الذكريات
فقد كان عليَّ من ضمن مهام عملي ، أن أعرِّف خريجي الخدمة الإجتماعية بمؤسسات الرعاية المختلفة ، و كان مستشفى الأمراض العقلية واحداً من تلك المؤسسات ، و كنت أشاهدهم أو أشاهدهن بأوضاع مأسوية كالتي أجدت وصفها ، إنها تراجيديا بشرية بجميع ما تحمله من ألم
المسكينة فقدتهما ابنتها و عقلها بسبب لحظة إهمال
نص أكثر من رائع ، سلمت أناملك و دمت متألقة
نزار

فايزة شرف الدين
24/06/2008, 07:55 PM
بعد أن انتهيت من القصة وجدتني أعود لقراءة مقدمتها وقد ارتبك على فهم بدايتها .. فقد تكررت الأسماء ثلاث مرات في السطر الأول .. ثم تكررت في السطور التالية .
ومع نهاية القصة بدأ الكشف وبدأت أدرك أن سلمي التي سقطت من بين يدي البطلة ، لم تكن سوى دمية ابنتها المتوفاة .
ولعل رقتك الشديدة وحسك المرهف جدا الذي عهدته فيك ، ورأفتك وعطفك حتى على الحيوان .. جعلتك تهتزين ألما وتكررين أسماء أبطال القصة .. كأنما لسان حالك يهدهد أحزانهم .
القصة حزينة ومأساة بكل المقاييس ، ولكن هناك أيضا ما هو أشد أسى منها .. ومن حظ الفتاة أنها ماتت ولم تتألم كثيرا .. وعلينا سواء شئنا أم أبينا أن نقبل قدر الله .. وندعو للأم الثكلى أن يتولاها الله برحمته ويخفف مصابها .

http://www.10neen.com/up/uploads/7ec9786eb3.gif (http://www.10neen.com/up/)

زاهية بنت البحر
25/06/2008, 03:26 AM
سبك بديع بقلم البديعة الرائعة، تألمت منذ قراءتي الأولى للنص في مكان آخر،ودمعت عيني لتذكري الطفلة فاطمة الزهراء ابنة أخي بالرضاعة فقد سقط فوقها سور الحديقة وهي تلعب فوقه، فأخرجت من تحت الأنقاض وقد فارقتها الروح. رحم الله الصغيرة وكان بعون والدتها، فالموقف صعب لايسعنا فيه القول إلا لاحول ولاقوة إلا بالله. بارك الله بك ورعاك
أختك
بنت البحر