عبدالقادربوميدونة
16/01/2010, 03:10 PM
الفصل الأول :
تأملات في اللغة ،الدين،التاريخ والسياسة
حِذق لغة أمِي.. وصِدق النبي الأمِي
1- مقدمة:
2- الإهداء
محتويات الكتاب:
1- في اللغة:
أ : اللغة العربية كانت وما تزال أم اللغات.
- من يطورالآخراللغة أم الإنسان؟
- اللغة العربية في خدمة حفيداتها..
- هي البحر في أحشائه الدر كامن..
ب: لا خصوصية ثقافية في ظل تبعية لغوية.
- إذا كنت أنت تبني وغيرك يهدم..
- لغة الإدارة والاقتصاد والديبلوماسية.
- اللغة فكرأم وسيلة؟
2 - في الدين:
ج- علمانيو العولمة والإعجاز القرآني.
- الله جل وعلا..
- وترى الجبال تحسبها جامدة..
- صنع الله الذي أتقن كل شيء..
- وأنزلنا الحديد..
- وما أنتم له بخازنين..
- كأنما يصعد في السماء..
- التوسع المستمر..
- هل هناك سفينة بدون ربان؟
د - الإفتاء والاستفتاء في حضن المصالحة الوطنية:
- تقنية الاتصالات وقتل النفس..
- هل يتغيرالإنسان بيولوجيا أولا أم أيديولوجيا؟
- هل الإسلام من غيرالشريعة يعني شيئا؟
3 ـ في التاريخ:
- الجزائريون هم أول من اكتشف قارة أمريكا
- الحضارة الفرنسية أمام محكمة التاريخ
- معلومات تبحث عن مصادر:
- الأمير عبدالقادرفي البيرين
- إنشاء زاوية الهامل
- عرش المويعدات
- الشيخ العلامة المرحوم عبدالحفيظ القاسمي والتنكر لمآثره
4 ـ في السياسة:
- هل تخشى العصى القلم؟
- لبنان نصر الله والحرب.. وحيوانات عواصم العرب
- اهبطوا مصر فإن لكم فيها حسنا مباركا
- وما نصرالله إلا شيخا هاج من قمم
- الإهداء:
إلى أرواح شهداء الجزائر الأبرار..أولئك الذين آثروا تحريرالوطن على مباهج الدنيا وزخرفها.. وإلى كل يتيم مضطهد.. وإلى كل من يؤمن بجدوى الكلمة الطيبة وأثرها في نفوس النشأ..
وإلى روحي أبي وأمي:" بن سالم الشهيد.. وخيرة بوزيد.. " اللذين علماني معاني الصبروالاجتهاد وفوائدهما.. والعمل والمثابرة ونتائجهما.. رحمهم الله جميعا وطيب ثراهم.. وإلى ابني الوحيد:
"رؤوف "الذي أمدني بكل الجهد والعون.... وإلى بناتي الثلاث: وداد ، فريدة ، خيرة وإلى أمهم:" الزهراء بالرجم " التي كانت نعم الأم لأبنائها.. ومثلا في التضحية والإيثار.. وإلى أحفادي: قاوي " زكرياء " أحمد " بختة " وفؤاد " وإلى كل من شجع وآزروساعد في طبع هذا العمل المتواضع.. وكذا في نشره على أعمدة الصحف الوطنية.. أهديه ، راجيا من الله عز وجل أن يكون جهدنا جميعا في ميزان الحسنات آمين.
سيرة ذاتية مختصرة:
Cirucculum Vitae
c.v
boumidouna abdelkader
عبدالقادربوميدونة..
ابن شهيد..
من مواليد 1949
بالبيرين ولاية الجلفة ..
1- شهادة الأهلية.. 1966bs1. bs2. cap .1970 ..بكالوريا 1980.
2- شهادة الليسانس في اللغة والأدب العربي 1984 م
3- على وشك الانتهاء من تحضيررسالة المجستير..
4- ممارسة مهنة التربية والتعليم لفترة 15 سنة.بولايات: المدية ..الجلفة ..تيارت ..البويرة ..البليدة.
5- منشط ثقافي للتربية والتعليم بولاية تيارت 1972.1970 ..
6- نائب مفتش للتربية والتعليم ولاية البليدة .1978.1977
7- أحد مؤسسي جريدة " المساء " اليومية الجزائرية ..1985
8- رئاسة عدة أقسام..
9- رئيس قسم التصحيح بجريدة " الصباح " الأسبوعية .
10- رئيس تحريربجريدة " كواليس " الأسبوعية .
11- محاضرممثل لجريدة" المساء " ووسائل الإعلام الجزائرية بالألمانيتين الشرقية والغربية قبل توحيدهما ..
" غرين ووش "..برلين..شتوتجارت.. كولون..فرانكفورت 1989
12- 1978.1977 رئيس لجنة الثقافة والإعلام والتوجيه بقسمة جبهة التحريرالوطني..الصومعة ولاية البليدة.
13- مدقق لغوي بجريدة " الشعب " الجزائرية.
14-مكلف بالإعلام ..الجبهة الوطنية الجزائرية ..
15- مكلف بالدراسات ..المعهد الوطني للتكوينات البيئية..وزارة تهيئة الإقليم والبيئة والسياحة .
16- خبيربيئوي محاضرفي مختلف ولايات الوطن..
17- عضوالجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب..معتمدة بالولايات المتحدة الأمريكية ..
18-نائب رئيس الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب..قطر.
19-عضوبمجلسها الاستشاري ..
20- مجموعة قصص ومسرحيات في المجال البيئي في انتظارالطبع.
21- أطرعدة دورات تكوينية كمكون وخبيرفي المجال البيئي عبرولايات الوطن.
22- نشرعدة أبحاث ودراسات بيئية مختلفة عبرالأنترنت...
23- سفيرالجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب .. بالجزائر..
24- مكرم من طرف الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب وعدة هيئات ومؤسسات وطنية ودولية.
25- عضوالمجلس الوطني للمنظمة الوطنية للدفاع عن السلم.
26- عشرة كتب في انتظارالطبع..في الفكرواللغة والدين والتاريخ والأنتربولوجيا.
بريد إلكتروني:boumidouna11@gmail.com
هدرة بالدراهـم: 00.213.07.74.17.13.11 : téléphone
* اللغة العربية كانت وما تزال أم اللغات *
حضرت في سنة 1984 ملتقى تعليم العربية في الجامعات العربية الذي عقدت جلساته بفندق الأوراسي بالجزائر العاصمة وقد ضم نخبة كبيرة من الأساتذة البارزين المشتغلين بميدان اللغة وبحوث اللسانيات، ومن ضمن من حضروا هذا الملتقى وكانت مداخلاتهم ملفتة للأنظار أكثر من غيرهم الأستاذ الفيلسوف والمفكر المغربي المعروف عبد العزيز الحبابي،الذي جاء بنظرية جديدة في اللغة أبهرت الحاضرين من طلبة وأساتذة، وتتعلق نظريته التي لم أحتفظ من خطوطها العريضة إلا بتحديه الواضح من أن اللغة العربية هي أم اللغات، ومن ضمن أدلته المقدمة في إحدى الحلقات الدراسية فكرته التي تقول: أن أي لفظ في اللغة الفرنسية أو في زميلاتها المتفرعات عن اللاتينية مهما كانت فصيحة أو دارجة، إلا ووجدتها قد أخذت ثلاثة أحرف ـ كحد أقصى أو حرفا واحدا كحد أدنى ـ من نظيرتها اللغة العربية، فإن صادف ولم تجد ذلك واعتقدت أن الأمر فيه خلل أو إشكال، فعد إلى المترادفات سواء تلك المستعملة أوالمهملة، فسوف تعثرعلى مبتغاك وعلى ما يحيرك ويثير فضولك، وقد ضرب لذلك أمثلة لا تحصى ولا تعد، ولا بأس أن أقدم لمن يروقه الاستمتاع نموذجا بسيطا عما ذهب إليه فيلسوفنا المغربي،
أما إن شئتم المزيد فما عليكم إلا إجراء التجربة بأنفسكم ولسوف ترون العجب من أمرهذه اللغة، وإن كنتم في ريب مما أقول، فمن باستطاعته أن يخبرني عن السرالذي جعل كل كلمة باللغة الفرنسية تتضمن حرفا واحدا أو حرفين أو ثلاثة أحرف من العربية والعكس غير صحيح، بدليل أنك إن أجريت تلك العملية على اللغة العربية فلن تجد لها مثيلا في اللغة الفرنسية، وإليكم المثال( تلعب، تبلع تعلب تبعل) أو ( لعبة علبة بعلة عبلة).
من الأسماء: جريدة : journal يجمع بينهما حرفا الراء والجيم.حبر: encre يجمع بينهما حرف ( الراء) طاولة:
table( الطاء) محل:local (اللام) أذن oreille (الألف ) ذراع: bras(الراء) شارع: boulvard (الراء) سيارة: voiture (الراء) شعر: ) cheveux الشين) جدار: mur (الراء) شجر: arbre (الراء) بحر: mer (الراء) نور lumiere(الراء)أرض terre (الراء) وقد أخذت الإنجليزية هذا اللفظ بقضه وقضيضه earthe أي أرض مبنى ومعنى.وجه visage (الجيم) سماء ciel (السين )
من الأفعال: رجع: retourne (الراء) جرى: couru (الراء) تلا أو قرأ liser ( اللام أو الراء ) mangerلايوجد حرف مشترك ، يوجد في المرادف التهم (حرف الميم)... وما أخذته اللغة الفرنسية بمظهره وجوهره نورد عينة عن ذلك:طاولة: table سكر: sucre قهوة: café شاي : the أي شيء
حليب : lait حذفت ح لصعوبة النطق بها وعوضت الباء بالتاء. طبيب toubibe......
ومن أراد التسلية اللسانية واللعب اللغوي المفيد، فليجعل ذلك بينه وبين من يحب وسيلة للترجمة.. وفرصة لاكتشاف أسرار اللغة العربية ومدى قدرتها على المبارزة والمنازلة ، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهوأحق بها.
- اللغة العربية بأحرف لاتينية ( ولا زيتونية )
اللغة: لسان ...... la langue أليست هذه لغة عربية كما ترون؟ the tongue ، البراري : les periris جمع بر ، وبرور فهي براري ، غراب : corbeau مبنى ومعنى، الأحرف الهجائية: ألف باء ، ألفباء alfab ،وليست أول حرف من الحروف الإغريقية )ألفا alfa ( نمرقة وسادة: c …oussin ... إضافة..c ، جمل : kamel chameau قطن : coton ، شكلا ومضمونا
الأنفلونزا: الأنف .... لو ...نزا.. أي الأنف إذا سال منه ماء أو دم أو أي سائل آخر وليس إنف الإوزة كما هو شائع ،...سوق : stooks..إضافة..t.. والسوق هو مخزن السلع والبضائع أو مكان جمعها وتكديسها
بوناتيرو، بالإسبانية : bonne terreبالفرنسية..أرض جميلة أي عند عودة العرب المسلمين من الأندلس إلى بلاد المغرب العربي مطرودين وجدوا أرضا جميلة فقالوا: ( بوناتيرو ) أي أرضا تشبه تلك التي طردوا منها.
- خلدونية......kalidounia - الأمير عمار: Miramar - العشابونlisbonne وهم أهل الأندلس الذين كانوا يرتحلون في كل اتجاه، بحثا عن حقول الأعشاب الوفيرة في شبه جزيرة أيبيريا ، فلقبوا ب" العشابين " فسمي الموقع الذي وصلوا إليه في أقاصي غرب تلك الجزيرة ( موقع العشابين) ثم أضحى بعد ذلك يطلق على عاصمة دولة البرتغال..
- صابرين:ceberia مجموعة من الدعاة المسلمين الأوائل الذين وصلوا إلى أقاصي )صيبيريا( أثناء رحلات المد الإسلامي الدعوي، فحاصرتهم الثلوج هناك وقد عانوا معاناة شديدة من جراء قسوة البرد، فصبروا وكانوا من الصابرين فلقبوا بالصابرين..
- وتأملوا اسم ذلك الممثل المعروف في المسلسلات الاجتماعية اللاتينية التي ماتزال تعرض على شاشاتنا والمعروف ب:
ali khandro : أي علي خان داره.. هذا هو اسمه الحقيقي.. ولسنا ندري لماذا ارتكب تلك الحماقة.. وأضحى الآن بطلا يستهوي المراهقات.
شأن البيت: champêtre
وتعني حارس " شأن البيت " وليس حقليا أو ريفيا أو قرويا، أي أن العرب أثناء انطلاقهم إلى ميدان الغزوات والحروب كانوا لا يتركون بيوتهم عرضة للاعتداءات والنهب والسرقة من قبل أعدائهم بل يعينون لشأن ذلك حارسا قويا، يتسم بالقدرة في الدفاع عن الحياض، فأطلقوا عليه اسم حارس " شأن البيت " ومع مرور الزمن وميلهم إلى الاقتصاد اللغوي في نطقهم للأسماء والأفعال، تحول اللفظ من " شأن البيت " إلى ( شانبيط ) فأخذته اللغة الفرنسية بقضه وقضيضه وصار اللفظ العربي فرنسيا على الرغم من إنفه.
أطاما :a ta main
هات ، مدني به إطاما حذاك ، أي ناولني ذاك الشيء، الذي هو في متناول يدك a ta main ، تأملوا كيف تحولت الألفاظ الفرنسية إلى عربية والألفاظ العربية إلى فرنسية...تلك نماذج وأمثلة صغناها ودوناها كمساهمة بسيطة في تنوير من يستحقون التنوير من أبنائنا.. ومحاولة متواضعة للدفاع عن اللغة العربية أم اللغات وما أكثر ماهو موجود من أمثالها، وتأملوا مليا في هذا الأمر الذي يبدوا بسيطا، ولكنه من ناحية الثقافة والشخصية الوطنية من الأهمية بمكان، إذ كيف يعقل أن ندع لغتنا العربية لغة القرآن تصبح مرتعا مستباحا لكل وافد دخيل دونما رادع أو مقاومة لغوية ويحق لنا أن نتساءل عمن تعود إليه مسؤولية ذلك؟
* من يطورالآخراللغة أم الإنسان ؟! *
- كل من يعتقد أن اللغة العربية لغة متخلفة، وأنه لم ولن يكون بإمكانها استيعاب مبتكرات العلوم الحديثة ومسايرة تطوراتها ومستحدثات العصرومبهراته التكنولوجية، وأنها قد تزدهر في قطرعربي ما، وتـنـدحـر في آخر، بحكم تلك السياسات العرجاء المتعلقة بمراحل تعريب مناهج التعليم وبرامجه، ومحاولات تعريب الجامعات الجزائرية والعربية بأسلوب التقطير، أن هذا الأمر لم يعد متحكما فيه الآن، وأن احتكار المعرفة قد أضحى في حكم الماضي الذي لن يعود.
لأن " قرينة " العالم وتقريب المسافات وإلغاء حدود المعرفة وإزالة ورقة التمسك باحتكار شؤون تطويراللغة العربية قد جعلها لغة مئات ملايين البشرعربا وغيرعرب، مسلمين وغيرمسلمين، فإن حاولت مثلا معرفة عدد الكلمات والمصطلحات الجديدة التي عرفت طريقها إلى الاستعمال المباشر ـ والتي ساهمت في انتشارها كثيرمن المؤسسات الغربية المتخصصة في مجال الدراسات اللغوية ليس بهدف تطوير العربية إنما لأسباب اقتصادية بحتةـ لرأيت أن ذلك قد صارمستحيلا، فليهنأ الجميع، وليتركوا اللغة العربية تشق طريقها إلى العولمة كبقية لغات العالم الأخرى حرة طليقة، فقد أضحت اللغة العربية شبيهة بالألحان الموسيقية فلا وطن لها ولاجنس، ألم يعد الإنسان الروسي والشيشاني والأمريكي والإفريقي والأسيوي متحكما في النطق بها؟! وقد ملك أحدهم حتى ناصيتها وصارأفصح من أبي الأسود الدؤلي؟!!
هل بقي الآن بعد الطفرة المعلوماتية التي اكتسحت العالم من أقصاه إلى أقصاه مجال واحد لم تستطع اللغة العربية ولوجه والتعبيرعنه؟!
- ها هي تدق أبواب مختلف مناحي الحياة، العلمية والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية، وذلك على الرغم من تقاعس الباحثين في مختلف المجامع اللغوية واللسانية المنتشرة عبرعواصم العالم العربي، والتي لم ترقَ بعد إلى المستوى المأمول منها، حتى إلى طبع أقراص مضغوطة لتضمنها ما وصلت إليه جهودها وجهود غيرها في ميدان ترجمة العلوم وتعريبها.
لقد دخلت اللغة العربية بجهود محبيها المحدودي الإمكانات إلى عالم الحاسوب وفضاء الاتصالات، هكذا دونما رصد مبالغ ضخمة لتعميمها ونشرها، فالمعارف كل المعارف قد انفتحت حنفياتها وتدفقت وشكلت جداول وأنهارا من الأفكاروالمعلومات، وعم نفعها مناكب الأرض كلها، ولم يعد باستطاعة أحد الإمساك بزمامها.
- إذن قضية اللغة العربية قد انكشفت معالمها وتبين أنها مسألة سياسية بالدرجة الأولى، يتمسك بورقتها من بيده مقاليد الأمورللمساومة بها في الوقت المناسب، هيئات مختلفة وأكاديميات لا توجد إلاعلى الورق ومجالس عليا فلا هي نزلت إلى أرض الواقع ولا الواقع استطاع الوصول إليها،( فرنسة وأجنبة المحيط تجري على قدمين وساقين ولامن رفع يافطة في وجهها معترضا) اللهم إلا المقرات الفخمة والمناصب المغرية.
الفرانكفونية يرى الملاحظ جهود العاملين فيها صبح مساء ولو بواسطة الإشهار التلفزي لحروف لغتهم( la 5 الفرنسية مثلا )على شكل أمواج بحرية وحبات برد تتساقط من السماء كوسيلة إغراء وتحبيب للناشئة.... بينما لغتنا تتعرض لمختلف ضربات معاول الهدم والتكسير المبرمج ، وذلك على مرأى ومسمع أهلها والناطقين بها والمتعاطفين معها.
وكأن هذه اللغة هي سبب تخلف الشعوب العربية والإسلامية! فإن كانت اللغة تعتبرفي نظرهم وسيلة فقط فلِمَ الخوف منها ؟! وإن كانت تحمل فكرا، فلِمَ لم تتطورتلك الشعوب التي أقصت العربية من مناهج منظوماتها التربوية وبرامج تعليمها ؟!! وإلا كيف نفسراعتماد جمهورية سوريا للغة العربية كلغة أولى للتدريس في مختلف شعب وتخصصات العلوم بجامعاتها منذ عشرات السنين، فهل تأخرت سوريا عن ركب العصر؟!! أم صارت أكثرتطورا بغض النظرعن التحولات السياسية فيها من عدمها؟!! وهل هناك مجال لمقارنة سوريا المعربة بدولة السنيغال المفرنسة؟ أو النيجرأو مالي؟! وكيف يمكن إجراء مقارنة بينهما والدولتان متخلفتان؟ فعلى أي مقياس أومعياريمكن تقييم ذلك؟
أفي مختلف المجالات؟ أم في المجال اللغوي فقط، لمعرفة إن كان سبب التخلف يعود إلى لغة التدريس،أم يرجع إلى أسباب أخرى لا علاقة لها بالمجال اللغوي.
اللغة العربية لم يبق أمامها الآن سوى ميدان قطع غيارالحواسيب والسيارات والطائرات والغواصات، تلك القطع التي تعد بالملايين ، وهي قادرة على القيام بالمهمة، ولكن في إطارالترجمة فقط ، وليس التعريب ، بحكم أن صانعي تلك الوسائل سبق لهم وأن أعطوا مبتكراتهم ألفاظا ومصطلحات نحتوها من لغاتهم، التي ينتمون إليها أو يتكلمونها، أويبحثون بها، بينما هذه المصنوعات منعدمة الوجود عندنا دراسة وبحثا وتصميما وتوفيرا للمصطلحات التي يحتاجون إليها، لإطلاقها على مسمياتهم المبتكرة.
إن العجزأوالقصورالذي يحاول أعداء اللغة العربية إلحاقه بها، هو عجزعائد بالضرورة للناطقين بها! وللعاملين عليها! وللمكلفين بالعمل على تطويرها! وللواقفين بالمرصاد لها من أعدائها ضد نموها وانتشارها، لكي لا يتمكن الدارسون والناطقون والمدافعون عنها من تحقيق أية قفزة نوعية نحو المستقبل المنشود.
وبالتالي ها نحن متخلفون جميعا فلا الناطق العامل باللغة الأجنبية تطور، ولا المتمسك بلغة أمه تقدم، كلنا في الهم لغة وتخلفا.
إن كل شكل من أشكال تخلف هذه اللغة، هو ناجم ـ أصلا في نظري ـ عن عجز أولئك المتقاعسين عن الدفاع عنها، وعن هؤلاء الذين يتوجسون خيفة منها، لأن اللغة كل لغة من لغات العالم، لا تتطور ولا تنمو إلا بنمو مستعمليها والناطقين بها، فإن تطوروا هم تطورت، وإن تخلفوا تخلفت، والعكس غير صحيح.
إن أية لغة إذا أردت لها أخي صديق العربية أن تزدهر وتزداد ثراء، فما عليك إلا أن تزدهرأنت أولا، في كيفية استعمالاتك لها، وفي تقدمك في مجال ما ابتكرت ومااخترعت، وفي مدى قدراتك على توظيفها، والانتفاع بفضائلها ومن ثم تستطيع البحث فيهاعن المشتقات والمنحوتات من مخزونها المجمد الضخم ، الذي علاه الصدأ، واكتنفه الغبار، وقد يزوره الموت حتما، وهي سنة الله في مخلوقاته، فإن عرفت أنت سبيلك إلى التقدم، وأنجزت الجديد، وحاولت البحث عن حزمة من الألفاظ والمصطلحات التي تريد إطلاقها على ذلك الجديد، فإن اللغة لن تبخل عليك بذلك أبدا.(المثال الحي: اللغتان العبرية والفيتنامية....).
فاللغة لا تتخلف ولاترضى لنفسها الجمود أوالموت ، كبقية مخلوقات الله.( إنا نحن نزلنا الذكروإنا له لحافظون)
إذن فلا يجوزلك أخي عدو العربية أن تتهمها بالتخلف وعدم مواكبة الركب، وأنت لم تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام بغيرها، ولم تتشرف بالتقدم إليها طالبا منها أن تمدك بتلك الدرروالكنوزالتي لا تنضب
* اللغة العربية في خدمة حفيداتها*
بهذه الانطباعات الاستفزازية السالفة الذكر يسعدني أن أعرض على الإخوة القراء بعض الألفاظ العربية التي أنجدت لغات أجنبية عديدة ، وسدت الفراغ بها، في فترة ازدهارثقافةأهل تلك اللغة الأعجمية، وفي فترة تخلف لغتنا بعد تخلف أهلها،هذه الألفاظ أقدمها كعينة تعميما للفائدة، ورفعا لمعنويات بعض الإخوة الذين لم يستطيعوا منازلة أعداء اللغة العربية، وإظهار فساد منطقهم، وعدم صلاحية أدلتهم ،التي كثيرا ما حاولوا ـ يائسين ـ ضرب اللغة العربية ورميها بالعقم تارة، وباتهامها بالعجز والتخلف تارة أخرى، جاحدين فضلها، من أنها لغة القرآن الكريم، ولغة أهل الجنة ـ جازمين عن جهل تام ـ أن اللغة العربية ليست لغة علم ولا تكنولوجيا، وكأن اللغة العربية ـ التي لم يستعمل مما تمتلكه من كنوز وذخائر إلا حوالي العشر ـ هي التي حالت دون تقدمهم وتطورهم في شتى مجالات العلوم وميادين المعرفة، وكأن كذلك هؤلاء الذين يتهمونها، وهم الذين يتكلمون بلسان ضراتها، ويستعملون مفردات ومصطلحات حفيداتها قد قطعوا ـ في مجال تطورالعلوم الفلكية والبحوث البيولوجية ـ شأوا طويلا، تحسدهم عليه لغة الضاد.!!
فتعالوا أصدقاء العربية وأعداءها معا، نستعرض بعضا مما اختلسته تلك اللغات الأجنبية وما سرقته، وما احتاجت إليه من لغتنا الماجدة، وذلك في أيام عزها وعزأهلها، وحتى اليوم مايزال مسلسل الاستعارة والاختلاس من العربية متواصلا.
ومن ناحية أخرى قد ظن البعض أو تناسى أن كل أس من أسس كل علم من العلوم الحديثة هو ثابت الرسوخ في الحضارة العربية الإسلامية أيام ازدهارها وانتشارها، من رياضيات وجبر وهندسة وفلك وحساب وعلم أحياء وفيزياء وكيمياء..
ولانعيد للأذهان جهود جابر بن حيان وحكاية الصفر الذي لا حياة لأي علم دقيق إلا به، فبعد مضي عدة قرون تأكد الناس كل الناس أن لا حساب ولاحضارة إلا بتلك (الدائرة) العربية المنشإ والابتكار(0101010101).
ومما يثير الدهشة أنه حتى الإخوة سكان الخليج العربي وما جاوره ما يزالون معتزين بذلك الصفرالذي ابتكره أجدادهم، وهم يمجدونه دوما بوضعه على كوفياتهم، ولايعرفون لذلك تفسيرا.
مادة سناء médecine
ولنبدأ بمجال الطب وبأول لفظ فيه médecine أتدرون ما أصل هذا اللفظ وما منشؤه؟! إنه يعود إلى ذلكم الطبيب الفذ صاحب كتاب (القانون في الطب) ابن سناء، وأن اللفظ لفظ عربي مركب من كلمتين الأولى وتعني مادة، والثانية وتعني سناء، أي مادة سناء.
فلماذا لم تجد اللغة الفرنسية مقابلا لهذا المعنى في لغتها؟! ولجأت إلى أخذ الكلمتين وركبت منها لفظا واحدا صار دالا على علم الطب؟! أيعود ذلك إلى عجز في بنية اللغة الفرنسية أم إلى قوة وثراء اللغة العربية؟!
أعتقد أنه لا يعود لاإلى هذا ولا إلى ذاك، بل إلى قدرة الإنسان الذي باستطاعته استعمال أي لفظ يراه مناسبا لإطلاقه على المسمى الذي يريده ومن هنا تنتفي تهمة عجز اللغة عن مواكبة عصرها، فالفرنسة لا تعني تعميم الفرنسية بل تعني ما لم تستطع نحته من لغتها فتأخذه من لغة أخرى، فيصير مفرنسا، فكذلك التعريب لا يعني تعميم اللغة العربية على بقية مجالات الحياة إنما يعني إدخال ألفاظ أجنبية عن اللغة العربية وضمها إلى الأسرة الواحدة مكرمة معززة ( بوجو، رونو، فيات، تيلفزيون.....).
كاظمة kasma
ولنأخذ من الألفاظ العربية القحة التي هاجرت ـ قسرا أو طوعا ـ إلى لغات أجنبية ، وتم تجنيسها بجنسية العائلة التي أدخلت إليها، لاسيما اللغة الفرنسية واعتقد مستعملوها أنها تنتمي إليهم مبنى ومعنى نجد لفظ ( الكازمة ) الذي يعود أصله إلى كلمة (الكاظمة) وذلك باعتبار أن (الكازمة) هي عبارة عن قبو أوحفرة تحفرفي الأرض، ويلجأ إليها أي هارب أومتخف من خطر قد داهمه، ومن الأمثلة على ذلك: (الكازمات) التي كان المجاهدون الجزائريون يستعينون بها للتخفي عن أنظار وملاحقة المستعمر الفرنسي لهم، فابتدعوا هذه الوسيلة للتخفي والاختباء حين يتأكدون أن ميزان القوى في المعركة غير متكافيء،وليست الفكرة عائدة إلى ابتداع فيتنامي كما قد يتوهم البعض، فالفيتناميون يلجأون إلى التخفي داخل جذوع الأشجار، وإلى الغوص داخل مياه الأنهار يتنفسون بواسطة أنابيب القصب، بينما الكاظمة لا تسمى كذلك إلا في عمق الأرض وفي الكهوف والمغارات.
ومنها على سبيل المثال (الحفرة) التي لجأ إليها الرئيس العراقي صدام حسين، أثناء اجتياح القوات الأمريكية للعراق سنة 2003 م.
و باعتبار أن اللغة الفرنسية لا تتحمل النطق بالظاء، فقد لجأت إلى أسهل طريقة لحل تلك المشكلة وهي تخفيف الظاء ، وتحويله إلى سين أو زي (zs) ليصير نطق الكلمة مناسبا، فتصبح (كازمة) بدلا من (كاظمة) العربية .
ومن المعروف أيضا أن لفظ (كاظمة) قد جاء من كظم يكظم ، أي حبس يحبس غضبه، ويكتم غيضه على مضض ، يكظم الملتجيء إلى هذه الكاظمة غيظه وغضبه وسخطه، في انتظار مجيء الفرج، أو الأمر بالخروج من تلك الحالة النفسية السيئة ، أويتخذ قراره بنفسه لللإفلات من حالة كظم الغيض والغضب، فيتنفس الصعداء، بعد زوال دواعي التسترالإجباري ، التي دعته إلى الهرب والفرارمن بعض المخاطر والمخاوف.
(سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين.)
الشاهد: الكاظمين الغيض.فهل هناك من يدخل (كاظمة) وهو فرح سعيد ؟! أم يدخلها وهو كظيم؟!!
طبعا يدخلها على مضض أوغصبا عن إرادته.
فما هو المعنى الذي قد يؤديه اللفظ الأعجمي إن كان لفظ kasma أعجميا؟!!
فإن كان ولابد من استنباط أي معنى قد يؤدي إلى الغرض المطلوب فهو معنى لا يخرج عن كونه عربيا.
فحتى قدرالطبخ التي توضع على النار، محكمة الإغلاق، لا تلبث أن تظهرغيضها جليا، عبرتلك الفوهة المخصصة لإخراج الفائض من الغليان ومن بخار الماء، وهي كاظمة غضبها وغيضها، فتسمى (كاظمة)cocotte minute
والله أعلم
قُمَيرَة camera
الكثير من مستعملي وسائل التصوير في العالم، يعتقدون أن ذلك الجهاز الذي يطلق على اسمه لفظ (كاميرةcamera ) هو من صنع وإبداع الغربيين دون غيرهم، وباعتبارأن هذه الآلة هي اختراع وابتكارأوروبي ـ حسب ما هو شائع ـ فإن أصولها ـ يا إخوة الكتابة من اليمين إلى اليسارـ ترجع ، إلى ذلكم الإنسان العالم العربي، عالم البصريات ابن الهيثم، الذي كرس كل حياته للبحث في علم الضوء، فقد ابتدع جهازا صغيرا كان يدرُس من خلاله ظاهرة الضوء، وكل ما يسمى الآن بالبصريات، في محاولات تجريبية للاطلاع على أسرارالنور وماهيته ، فقد لجأ أثناء محاولاته تلك للقبض على حقيقة الضوء، إلى صنع كوة من ورق، أو من جلد، أو من أي شيء آخر، لا نعلمه، وكان يتأمل من خلاله ضوء النجوم والكواكب، منعكسة على المرايا، وأطلق على جهازه الذي صنعه أوعلى تلك الكوة لفظ (قميرة) تصغير قمر،لأنها تشبه القمر، فسميت من ذلك الحين قميرة ابن الهيثم ، وبالاستعمال المستمر لدى الغربيين صارت كاميرة، فاستبدلوا حرف القاف بالكاف واعتقد الناس بعد ذلك أن camera هو لفظ فرنسي محض، بينما الحقيقة هي أن هذا اللفظ قد تعرض لعملية تجنيس قسري وإدماج إجباري، ومع ذلك يقال أن العربية متخلفة!
فمن يستطيع الاستغناء عن هذه (القميرة ) في العمليات الجراحية الآن؟! التصوير الفتوغرافي بالقميرة، البث التلفزي بالقميرة، الاستشعارعن بعد لسبر أغوار الأرض بالقميرة، من بإمكانه رؤية مجاهيل الفضاء وأعماق البحار والمحيطات دون الاعتماد على هذه القميرة العجيبة ؟!
نشر بجريدة " الشروق اليومي " الجزائرية يومي: 27.26 04 2005م
هي البحر في أحشائه الدر كامن..
ماتزال اللغة العربية تبحث عن غواص ماهر، يمكن أن يلج أعماق بحارها، ويستخرج منها تلك الدررالثمينة، والكنوزالغالية.
تعالوا أيها الإخوة القراء أدعوكم إلى وجبة لغوية لذيذة، وأنا متأكد أن طعمها سوف ينال إعجابكم ويحوز رضاكم، لاسيما وأنتم الذين لا تطيقون صبرا عن التهام سطورالعربية وفقراتها في كل حين، نطلع معاعلى غيض من فيض من تلك الألفاظ العربية التي أنجدت نظيراتها الأجنبيات وأعطتهن إكسيرالحياة، ودفعت بهن للارتقاء والانتشار والتطور.
من الألفاظ التي تم الاستحواذ عليها، وتم تصديرها دونما مقابل مادي ! ولامفاوضات لغوية ! ولا اتفاقيات لسانية ! والتي يعتقد كثير من الناس أنها ألفاظ أجنبية، ولاعلاقة لها باللغة العربية، وهي في حقيقتها أسماء عربية قحة وذات فصاحة وصحة، ولا تربطها باللغة اللاتينية أوالمتفرعات عنها من إيطالية وفرنسية وإسبانية، أية صلة، اللهم إلا صلة الاستعارة من العربية ووراثتها قسرا أو طوعا.
لنأخذ من ذلك مثالا بسيطا تتحدث به الألسن في كل آن، ولا تعيره أي اهتمام، (دارالبلدية) الذي يطلق عليها باللغة الفرنسية لفظ:
الأميرية la mairie
هذه التسمية يظن بعض أبنائنا أنها تسمية فرنسية الأصل، مبنى ومعنى، في الواقع تبدوكذلك، ولكنها في الحقيقة قد انحدرت من لفظ عربي صحيح وهو (الإمارة أوالأميرية) التي تعني مقرإصدارواتخاذ القرارات التنظيمية المحلية في مختلف مجالات الحياة، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لإدارة شؤون الرعية القاطنين ضمن إقليم جغرافي معين.
وقد ساد واستعمل هذا اللفظ أثناء ازدهارالدولة الإسلامية وفي أيام عزها ومجدها، والتي امتدت أرجاؤها من بغداد شرقا، إلى قرطبةغربا، ويبدوأن حاجة اللغة الفرنسية لهذه التسمية لم تكن من باب الترف اللغوي، أو بحثا عن المزيد من الثراء، فقد جاءت حاجتها إلى ذلك تحت ضغط مستحدثات التنظيمات الإدارية والتقسيمات الجغرافية للأقاليم المختلفة آنذاك، فلم تجد مناصا إلا الخضوع لتيارالتقليد، تقليد العرب والمسلمين المتحضرين ـ كما هو ساربالنسبة إلينا اليوم ـ فاتكأت على عكاز اللغة العربية لتعويض عجزها وتغطية افتقارها إلى المصطلحات والمفاهيم المستجدة في ذلك الوقت.
لقد حاولت اللغة الفرنسية أن تجد لهذا المسمى مرادفا آخر، يتلاءم ووظيفة مقرالإقليم الإداري المحلي، الأمرالذي قد يمكنها من أن تتخلص من تبعيتها للغة العربية فأطلقت اسم: hotel de ville على (دار البلدية) ولكن الناطقين باللغة الفرنسية والمنهزمين لغويا ـ مثلنا في الظرف الحالي ـ قد أحجموا عن استعمال هذا المصطلح وصاروا يفضلون إطلاق مصطلح (الأميرية) mairie la علىالمقرالإداري المحلي، في كل معاملاتهم ومراسلاتهم الرسمية، وغيرالرسمية ، بدلا من لفظ: hotele de ville الذي يبدو أنه لم يعد يفي بالغرض المطلوب، ولم يحقق الغاية المرجوة .
أما إذا التفتنا إلى أسماء المدن والحواضر، فسنجد أن حيل (اليربوع الأزرق) قد انقلبت، وتأكد لدينا فعلا أن (المغلوب دوما مولع بالغالب) ـ كما يقول ابن خلدون ـ سواء تعلق الأمر بنا المغلوبين حضاريا أم بهم الغالبين لغويا، فتعالوا نرى ما الذي يمكن أن نفهمه من لفظ اسم المدينة التي تجري بها ألعاب البحر الأبيض المتوسط في هذه الأيام:
ألأميرية : elmeria
تلك المدينة الإسبانية الجميلة الواقعة وسط شرق شبه جزيرة أيبيريا، والتي تحتضن ألعاب البحرالأبيض المتوسط، نلاحظ أن اللفظ هذا لا يعني باللغة الإسبانية شيئا،اللهم إلا معنى (الأميرية) فأداة التعريف في اللغة الفرنسية ـ كما هو معروف ـ هي ( le ) بينما في اللغة الإسبانية نجدها على العكس من ذلك ( el ) ( أل) المأخوذة أيضا من اللغة العربية، في حين نجد اللغة الفرنسية قد عكست هذه الأداة للتمويه والتضليل، حتى لا يقال عنها أنها أخذتها من اللغة العربية ! فهل بإمكان اللغة الإسبانية والفرنسية الآن أن تستغنيا عن أداة التعريف العربية؟!
فلولا أداة التعريف العربية هذه لأضحت هاتان اللغتان الفرنسية والإسبانية نكرتين! أليس كذلك ؟!
وهكذا نلاحظ إذن أن اللغة العربية حتى في هذه الجزئية التي تبدو بسيطة، قد سدت فراغا بنيويا رهيبا في اللغتين الإسبانية والفرنسية وأمدتهما برداءين من حرير، سترا عورتيهما.
ألا يدل هذا على أن أمهم الكبرى اللغة اللاتينية قد عجزت فعلاعن أن تجد أداتي تعريف لإبنتيها الفرنيسية والإسبانية؟! فاستنجدت أخيرا باللغة العربية التي سمحت بدورها لهما لتأخذا حاجتيهما دون عقدة ؟!.
إن الأصل في تسمية المدينة elmeriaبهذا الشكل والمحتوى يعود إلى اسم (الأميرية) نسبة إلىالأمير،(أميرالمؤمنين) وهي تعني مقرإدارة شؤون قاطني ذلك الإقليم الجغرافي المعين، ومركز اتخاذ القرارفيه.
متى تم هذا الأمر وكيف ولماذا ؟ الله أعلم، لعل بعض دارسي فقه اللغة والباحثين في اللسانيات وعلم النفس اللغوي واللسانيات المقارنة يعرفون جواب ذلك.
ولنعرج على بعض أسماء المدن الإسبانية الأخرى، التي هي أسماء عربية، قد بقيت على حالها مع مرور الزمن، دونما تحريف أوتشويه كبيرين، اللهم إلا فيما يخص متطلبات النطق الإسباني، فغيرت لذلك بعض الأحرف، وعلى سبيل لفت الانتباه لاغير نورد الأسماء التالية نموذجا، متدرجين من البسيط إلى المهم ثم إلى الأهم فالأغرب:
ملقى malaga
وتعني ملقى، أي ملتقى،أو موعد، والدليل هو عدم وجود أي معنى قد يؤديه هذا الاسم باللغة الإسبانية، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة ، مما يدلل على قوة تأثير هذه اللغة في ثقافات شعوب العالم.
غرٌ نهض grenada
وأصلها غرناضة، أي غرٌ نهض أو غر ناهض، أو صبي قائم، وهي تختلف عن معنى لون الرمان بدليل أن: grenade باللغة الفرنسية تعني القنبلة والرمانة
ما دريت Madrid
وتعني: ما دريت، أي كنت جاهلا بالأمر، أولم أكن على علم به، أو ليس لي به دراية.
ومن صور تشويه اللغة العربية في الجزائر وحتى في عهد استرداد استقلالها وسيادتها ما نزال نطلق بغباوة وبلاهة كبيرتين أسماء كثيرة مكسرة ومهرسة ومفرنسة على أماكن ومدن وأحياء لها أسماؤها العربية الأصيلة أو العثمانية الصحيحة، ولناخذ أمثلة بسيطة لذلك:
صالح باي le saint lombey
حاكم عثماني من هو؟ ؟ انظروا كيف تحول اللفظ من عربي إلى اسم قديس تلوكه الألسن صبح مساء دون انتباه
وما الفرق بين باي وداي ؟ حي " باينام " بالجزائر العاصمة هو في الحقيقة الباي..نام وكذا حي "ميرامار" أي حي الأمير عمار
حسين داي le saint dey
داي الجزائر المعروف في العهد العثماني الذي فاوض المحتلين الفرنسيين أثناء غزوهم للجزائر تحول من حسين داي إلى القديس داي يا سلام !!
من هو؟ وما قصته؟ ولماذا هذا التكسير في كتابةاسمه بالفرنسية؟ ربما اتنقاما منه، لأنه كان السبب الظاهر لغزو بلادنا؟
أزعم أن كثيرا من طلبتنا الجزائريين لا يعرفون عنه شيئا، ولا سيما منهم أولئك الذين ينطقون اسمه محرفا، سواء أكانوا متعلمين أم مثقفين وباللغات الثلاث الوطنيتين وكذا الأجنبية!
مصطفى والي staoueli
من هو ؟ وما علاقته بتلك المعارك الطاحنة التي خاضتها المقاومة الجزائرية بمنطقة (سطاوالي) ودارت رحاها ضد جحافل المحتلين الغزاة بداية من سنة 1830م؟
مصطفى غانم mostaganem
من يكون هذا الرجل؟ ولماذا يشاع أن لفظ (مستغانم ) يعني مسك غانم، أو مسك غنم أو مساحة مغانم إلخ...؟!! بينما الحقيقة التاريخية لعلها تكون على غير ذلك، فلماذا هذا التحريف الذي طرأ على أسماء شخصيات وطنية مهمة؟ والتشويه الذي مس ماضي مدن ذات عراقة وبطولة؟ وحجب رؤية الحقيقة التاريخية عن الأجيال الصاعدة، التي لم يعد لديها ربما وقت كاف للبحث في ماضي آلاف السنين والقرون الخالية، وهي تجهل ماضيها القريب ومآثره.
فحتى البرامج والمناهج التعليمية والتربوية التي يقال أنها علمية وتستند إلى أسس بيداغوجية ، نجدها تبدأ بدراسة وتدريس الأحداث التاريخية الموغلة في البعد الزمني، وتترك الماضي القريب الحافل بالوقائع، والأمجاد والمآسي، وعندما تعترض التلميذ أوالطالب صعوبات في مواصلة دراسته، وينقطع عنها، يجد نفسه جاهلا بأهم ما في ماضي بلاده ، ولا يظفر إلا ببعض المعلومات المضببة عن العصر الحجري الأول أوالثاني وهلم جرا ؟أعتقد أن الأمور معكوسة تماما.
ومن ناحية أخرى ما وظيفة الأجهزة السمعية البصرية الوطنية إن لم تكن في خدمة الأجيال وتبصيرها بما تجهله عن وطنها؟
أم أن سؤالا من نوع: ( في الفيلم الفلاني كم مرة رفع الممثل الفلاني أصبعه مشيرا إلى حبيبته؟)
أومن نوع: (واحدة من ثلاث هي عاصمة الجزائر: (عنابة، وهران، الجزائر) من يعرف الإجابة الصحيحة يتصل فورا على الرقم: 080.80.080) هو أولى وأهم؟!!
برج ليكسم luxemborg
ما هي قصة هذا البرج وماحكاية صاحبه وما علاقته بالعرب والمسلمين ؟ السؤال يبقى مطروحا إلى أن ينبري له من يهمه أمر هذه اللغة المعجزة فيبحث عن جواب شاف ومقنع تاريخيا وجغرافيا ولسانيا.
برج بطرس betresbeurg
من هو بطرس هذا؟ ولماذا سميت قلعته وحصنه ببرج؟ وما هي صلته بالحضارة العربية الإسلامية؟ نفس الشيء بالنسبة للإجابة فهل من فارس يقتحم هذا الميدان ويعود لنا بغنيمة قد تكون متواضعة ولكنها بالتأكيد ذات بعد ثقافي وعلمي لا يمكن الاستهانة بقيمته.
إرث héritage
(وإنا لنحن نحي ونميت ونحن الوارثون، الحجر الآية: 23) الوارثون " l'héritie de tous "
( أولئك هم الوارثون، المؤمنون الآية: 10) ce sont eux les héritiers
ألا تلاحظون أن الكلمتين العربية و(الفرنسية) هما كلمة واحدة شكلا ومحتوى؟! ماعدا تحويرطفيف قد اعترى اللفظ لضرورة قواعد النحووالصرف الفرنسيين؟!
(ورث يرث إرثا وميراثا ووارث وموروث héritier les héritiers
أليست هذه لغة عربية قحة وفصيحة وبشهادة القرآن الكريم،( بلسان عربي مبين) الشعراء، الآية 195، تقرأ وتكتب بأحرف فرنسية؟!
أم أن اللغة الفرنسية هي أقدم من لغة العرب؟!!
أمين السر Secrétaire
تأملوا هذه الفرنسية الفصيحة، لقد جاءت من لفظ (سكر) أي: أغلق وسد، أي حال دون ظهورالشيء، أوما يسوء من جراء ظهوره، أو كتم ما لا ينبغي إبرازه، أو سكر غاب وعيه، وحجب عقله ، وكذلك سكر بمعنى كتم وحجب ما يعلمه، وأبقاه سرا مكتوما، ومنها ركبت ( سكريتير) أي كاتم السر، وأمينه secrétaire
وهكذا.. نجد أن اللغة الفرنسية قد استنبطت اللفظ وسلخته،وفرنسته عنوة، بل أخذته من اللغة العربية بقضه وقضيضه.
واستفادت كثيرا من هذا اللفظ : secrète ،sécurité أي الأمن" rassurante " الذي جاءت منه أيضا كلمة:
سري secret
( واستعينوا في قضاء حوائجكم بالسر والكتمان) أي ب) secret) نعم، لم يضيفوا إلى اللفظ العربي الأصيل شيئا كبيرا، اللهم إلا حرف (c) لتصير لغة فرنسية صحيحة، ما شاء االله على هذه العبقرية اللغوية! ومع ذلك يقول المنسلخون عندنا:( لابد أن أعلم أبنائي لغة حية أجنبية، ابتداء من السنة الثانية أساسي، وبالخصوص اللغة الفرنسية، وهو لا يدري المسكين أنه يعلم أبناءه اللغة العربية بأحرف فرنسية !!
وبهذا أرجو أن أكون قد جبت بمحبي لغة الضاد والمتعاطفين معها سواحل جميلة، حتى ولوكانت ضيقة ، من بحراللغة العربية المترادف الأمواج، وتمتعوا بعذوبة مياه رافد واحد من روافدهاالمتعددة، التي تصب كلها في محيط أم اللغات الهادر، وتفسحوا قليلاعلى ضفاف نهر من أنهارها التي سقت وماتزال تسقي بساتين وحدائق لغات أخَر ولا فخر.
* لا خصوصية ثقافـيـة في ظل تبعـية لغـويـة *
إن التشويه اللغوي الذي اعترى الأسماء والأفعال العربية وقواعدهما، في مختلف مناحي الحياة ببلادنا، في المقاهي والمطاعم والمحلات التجارية والمهنية والشوارع والملاعب والإدارات، والمؤسسات وإشارات المرور، وأغلفة المنتوجات الغذائية، والمطبوعات الإدارية، الرسمية، وغيرالرسمية، وبعض الصحف الأسبوعية، والدوريات الإعلامية، لم يكن ليأتي هكذا عرضا واعتباطا، أوبحثا عن أسهل سبيل للتبليغ والإعلام والتواصل، أولتحريف غيرمقصود، إنما نجم عن نية مبيتة، ما تزال تضمرها أطراف عديدة، لها مصلحة في ذلك، وهي الحقيقة التي أضحت صارخة، وتدعو إلى الحسرة على مآل تلك الجهود الكبيرة التي بذلت فيما سبق، لتعريب المحيط وتعميم استعمال اللغة العربية على المجالات كافة.
هذه اللغة التي تعرضت ومنذ فترة زمنية طويلة، إلى محاولات خبيثة متعددة ، ومتعمدة للنيل منها، ومسخ صورتها، بتوقيع أيدي وألسنة أولئك الذين كانت وما تزال تدفعهم حساسيتهم المفرطة، تجاه كل ما يتعلق بهذه اللغة المتميزة بالقدرة على الحياة والنماء عبرالحقب والعصور، وبالصمود والتحدي في مواجهة أعدائها.
وعلى الرغم من كل ذلك، فإنه صارمن واجب كل من يملك مقدرة على الدفع ضد هذا التدهورأن يساهم بما استطاع من مقاومة، وأن يؤيد هذا الكلام ، أو ربما يعتراض عليه ولكن بمسوغات معقولة ومنطقية، وأن يدلي بدلوه في هذا الشأن، الذي بات يركن في دائرة من دوائر المسكوت عنه، وربما تحريم الاقتراب منه ، أوالخوض فيه، بحجة حساسيته وخطورته.
أية حساسية هاته وأية خطورة ؟! وقد بلغ الموسى العظم، في تشويه صورة لغة الشعب والأمة ، من خلال حصص وبرامج الإذاعات الرديئة وأطباق القنوات التلفزيونية التي وصل البعض منها في تدني مستوى الرسالة الإعلامية والتبليغية والتربوية إلى درجة الإسفاف، والتي لم تعد تشرف الشعب الجزائري أبدا.
وذلك باعتماد اللغة الدارجة والعامية المطعمتين بفرنسية ركيكة وتوسيع نطاق استعمالاتهما في إعلانات الجرائد والومضات الإشهارية التلفزيونية، وفي الأشرطة الغنائية التي لا ضابط لها ولا رقيب، وأشرطة الفيديو، وما تبثه من أفلام هابطة المستوى، وتضرب اللغة العربية في الصميم وذلك بحشوعقول الناشئة بخزعبلات ماهي بلغة ولا بلسان، والأقراص المضغوطة ومحتوياتها المشبعة بالأخطاء النحوية والصرفية والإملائية، وحجة من يقف وراء ذلك كله هو:
( أن هذه هي لغة الشعب ! لغة التبليغ والتواصل) وكأن هاته اللغة الممسوخة المليئة بالألفاظ المهرسة، والكلمات المفرنسة، والأفعال المرفسة، هي اللغة الرسمية للدولة الجزائرية، هذه اللغة الهجينة، التي تعرف دعما وتشجيعا كبيرين من قبل دوائر معينة، قد طالت كل شيء، في ظل تراجع اللغة العربية عن تأدية وظيفتها الحضارية وتقاعس المشرفين على حمايتها والدفاع عنها.
فهل صادف وأن شاهدتم أوسمعتم قناة إذاعية أوتلفزية فرنسية محترمة واحدة ، حاورت شخصا ما باللغة العربية على أمواجها أوشاشاتها أو ارتكب الناطقون بها أخطاء في حقها، حتى لوكانت بسيطة؟!
والله لوحدث ذلك لقامت قيامة فرنسا من أقصاها إلى أقصاها، لأنهم أصحاب نيف وغيرة على لغتهم،التي يعتبرونها عنوانا لشخصيتهم الحضارية ومبعثا لفخرهم واعتزازهم.
إنه من حق ومن واجب كل مواطن حروشريف، ويغارعلى شرف وقداسة لغة بلاده، ويحترم بنود ونصوص دستورها، أن يرفع يديه حاملا يافطة طويلة عريضة، صارخا معترضا على هذا الإهمال واللامسؤولية، فيما طال اللغة العربية من مساس مهين ومذل، مدركا قبل كل شيء، أن هذا الأمر هو واجب وطني وديني وأخلاقي.
وعلى الرغم من كل تلك المحاولات اليائسة، التي تعرضت وما تزال تتعرض لها اللغة العربية، وبحيل متنوعة الوسائل، ومختلفة الأشكال، وعلى أصعدة وسلاليم وظيفية، يعرف كثير من الناس أصحابها، ها هي تؤدي دورها التعليمي والتربوي والحضاري في صبروجلد منقطعي النظير، شامخة كالطود الأشم، منتظرة من أولئك السياسيين أصحاب القرارالقادرين على تشريفها بالدخول إلى غرف البحوث المخبرية العلمية، لتنتعش أكثر، وإقحامها مكاتب الدراسات الهندسية والدفع بها إلىالورشات الميكانيكية دون عقدة ، واستضافتها في أبراج الأبحاث الفيزيائية، والمعامل الكيميائية والنوادي الفلكية، وفي جامعات الوطن للعلوم والتكنولوجية، لتشرفهم هي بدورها وهي أهل لذلك، وترفع معنويات الناطقين بها، وتكون سندا قويا للمتعاطفين معها، إثباتا للذات، وتحقيقا للاستقلالية اللغوية، وتميزا في الإبداع الأدبي والفني والفكري والثقافي الداعم لعناصر الهوية الوطنية.
وبهذا الصدد ينبغي التثمين عاليا ذاك القرارالسياسي الصادرمؤخرا عن مجلس الوزراء، الخاص بدعم اللغة العربية والذي أعطى بصيصا من أمل، ورؤية تقترب من الوضوح، لمستقبل اللغة العربية، لأن تتبوأ مكانتها التي تليق بجلالها ومجدها وعلى أرضها، ولكن أين وسائل متابعة تنفيذ محتوى القرار وتطبيق ما ورد فيه ؟!
* لغة الإدارة والاقتصاد والديبلوماسية *
إلا أن القرارالصعب والجريء الذي ماتزال اللغة العربية في انتظاراتخاذه،هو ذاك القرارالتاريخي الذي يمكنها من أن تصبح لغة أولى للاقتصاد وللإدارة، وللديبلوماسية، على غرار بقية لغات العالم السيدة.
فالألماني لا يتعامل أو يتكلم إلا بلغته، مهما حاولت استدراجه لأن ينطق بغيرها! حتى ولوامتلك ناصية لغات العالم، وكذلك الفرنسي والأنجليزي والإيطالي والإسباني والياباني والصيني ..
فلماذا نجد فئة كبيرة من الجزائريين ـ وعلى الرغم من كون دستور بلادها ينص منذ أكثرمن أربعين سنةعلىأن اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية للدولة الجزائرية ـ تصر على التعامل بلغة غيرها، إن على المستوى الرسمي أوالشعبي؟!
ما تفسيرذلك لدى علماء النفس الاجتماعي واللغوي ؟!
وماهي الدوافع التي تجعل الإنسان الجزائري يتخلى طواعيةعن جزء من شخصيته وهويته ؟!
وما هي البواعث التي تدفعه إلى اعتماد هذا السلوك غير الحضاري ؟!
ألا يعد ذلك انفصاما في الشخصية ؟! وطمسا متعمدا لعنصرهام من عناصرهويته ؟! وتشويها ـ بوعي أو بغير وعي ـ لذاتيته الجزائرية؟!
فإن كانت المسألة تتعلق ( بغنيمة حرب ) ـ كما يدعي البعض ـ فلماذا لم تحتفظ الأندلس باللغة العربية كغنيمة حضارة ؟! وقد دامت فيها هذه الحضارة ما يربو عن الثمانية قرون ؟! بينما لم يدم الاستعمار الفرنسي ببلادنا سوى قرن ونيف ، وقد فعلت لغته فينا كل هذه الأفاعيل؟!
فمادامت الأندلس قد أخذت قسطها من الحضارة العربية الإسلامية، ولم تحتفظ بلغة الفاتحين العرب والأمازيغ، لماذا على الجزائر أن تحتفظ بلغة هؤلاء الفرنسيين الذين ما عمروا بلادنا وما حضروها وما طوروها، بل آثارهم تدل عليهم.
( تخريب العقول وإكلام الأفئدة وتمزيق الشخصية الجزائرية، و نشر سموم ثقافتهم الغربية التي لا تتماشى وأذواقنا الشرقية، تلك الثقافة التي من سماتها الأساسية بث روح التفرقة اللغوية، وإذكاء نارفتنة العنصرية النتنة، والتحريض على زرع بذورالجهوية المقيتة بين صفوف المواطنين الجزائريين، وتمهيد الأرضية لتنامي ظاهرة أخطبوط الرشوة والفساد الإداري، والتلوث الثقافي، وتمييع الذوق الفني السليم للأمة، بحجة دواعي التحديث والتطوير، فهاهي النتيجة ـ كما يلاحظ الجميع ـ بعد استهلاك ثقافتهم واعتماد أنماط معيشتهم، وجعل لغتهم وسيلة للتسيير والإدارة، لما يربو عن الأربعين سنة، نجد الأمة الجزائرية مكلومة في لغتها، مأزومة في ثقافتها، مهزومة في استقلاليتها،لا إنتاج غذائي وطني وفير، ولا مصنوعات محلية للتصدير، ولم يبق من اهتمام الفرد الجزائري إلا الكدح اليومي، من أجل توفير لقمة العيش والبقاء على قيد الحياة لا غير)
( طبعا هناك فئة غير قليلة من الطبقة المتوسطة وما فوقها ببلادنا، مستفيدة من هذا الوضع، ولا ترضى بتغييره ، وقد يربكها ويقلص من حظوظها، وهي محقة في الدفاع عن مكاسبها، ولو على حساب الآخرين ).
أحترم التارقي حين يتكلم بتارقيته، والشاوي بشاويته، والقبائلي بقبائليته، والزناتي بزناتيته، والميزابي بميزابيته، لأنه يعبرعن ذاتيته الأصيلة، وهو فخور بانتمائه إلى أمته العربية الإسلامية، ولا أحترم ذاك الذي يتقعر ويرطن بلغة مستعمره بالأمس القريب، أمام أبناء بلده ، دون حاجة ماسة لذلك، مزهوا مفاخرا، وكأنه وصل إلى زحل، أوخاض حروب حنابعل، أو شارك في معارك هرقل.
(أعرف أحد الجزائريين الذين درسوا في أمريكا وكندا، يجيد خمس لغات عالمية، نطقا وكتابة، ولم أسمع منه يوما كلمة واحدة باللغة الفرنسية في حواره مع أبنائه وأبناء وطنه إلا مضطرا.)
فهاهم الإخوة المسيحيون اللبنانيون والأقباط المصريون لا يتكلمون ولا يكتبون إلا بلغتهم الدستورية الواحدة، الجامعة لذلك التنوع اللغوي الثقافي لأمتيهما كبقية شعوب العالم المتحضرة.
* اللغة فكرأم وسيلة ؟ *
ـ فإن كانت اللغة فكرا ، فإننا قد صرنا نفكر انطلاقا من مرجعيتين مختلفتين ومتاضدتين، كل منهما تدعي أنها على هدى، وأن سبيلها هو سبيل الخلاص والانعتاق من ربقة التخلف.
ألا تحتاج هذه الإشكالية القائمة ببلادنا والتي لها تأثيراتها السلبية المزمنة، إلى ندوة وطنية سياسية فكرية ثقافية لدراستها والبت فيها بصفة نهائية ؟ حتى لا نورث الجيل الحالي والأجيال القادمة هذا التطاحن اللساني والتنابز اللغوي، الذي سوف يفضي في نهاية المطاف إلى التخلف بأسمى صوره لا محالة؟! والدليل على هذا التخلف ما نعيشه منذ الاستقلال من صراع لغوي حاد، معرقل لكل جهود التنمية، ومن فوضى ثقافية، أربكت أفراد المجتمع، وزادت في اتساع رقعة الشرخ الموجود بين الفصائل الثلاث للنخبة الوطنية ، (المعربة والمؤمزغة والمفرنسة).
قلت فكرين مختلفين عربي إفريقي، وفرنسي أوروبي، تطبع وتأثركل منهما بطابع جغرافيا وتاريخ مختلفين، ونستعمل وسيلتين تؤديان وظيفتين مختلفتين أيضا ومتضادتين، إحداهما تدفع بالفرد الجزائري للغرق في بحيرة الاغتراب والاستغراب والاستلاب، وتوفيرعناصرالقابلية للاستعمار، (وهذا ثابت علميا وأظن أنه لامجال فيه للنقاش) ، والأخرى تدعوه للغطس في بحيرة الاستقلالية الثقافية عن الغرب، وإمداده بما يحصن ذاتيته، ويصون كرامته، ويحفظ وجدانه، من مخاطر الذوبان في الآخر.
وإن لم يكن الأمركذلك، فما الجدوى من مساعي أنصارنشرالفرنكفونية في ربوع العالم ؟ والعمل على توسيع مجالات استعمالها في فضاءات خارج وطنها الأم؟ إن لم تكن من أجل استيعاب الآخر، وشل قدراته الفكرية والوجدانية، ومن ثم الهيمنة والسيطرة عليه لابتلاعه!!
إن الحضارات دورات ودول، فالدورالعربي الإسلامي قادم لا محالة بإذن الله ، وتلك سنته في كونه.
فمنطق التاريخ يؤكد أن دورة الحضارة لا يمكن أن تستقر في مكان وزمان واحد، (وتلك الأيام نداولها بين الناس).
إن ما يعرقل مسيرة وجهود المخلصين من أبناء هذا الوطن، التواق للتحررمن هيمنة الغرب الثقافية، هوهذه الخلافات الداخلية الطاحنة، السياسية منها والاجتماعية واللغوية بالخصوص.
( متى يبلغ البنيان يوما كماله * إذا كنت تبني وغيرك يهدم).
ـ أماإن كانت اللغة وسيلة فقط، فإننا نتناول طعامنا بملاعق لغة غيرنا، ونلبس سرابيلهم الفكرية الرثة، التي أثبتت التجربة عدم جدواها.
وبالتالي ها قد أضحينا بعد كل تلك التجارب المرة عراة مفضوحين، فلا مناسج لغتنا تركناها تكسونا، ولا أقمصة لغة غيرنا صارت تدفئنا.
ألم يصل الروائي الجزائري الكبير رشيد بوجدرة إلى طريق مسدود ـ بعد أن غامر لعدة عقود في رحلته اللغوية المعروفة، فعاد معترفا بعدم جدوى الإبحار في يم لغة يعيش أهلها الأصليون أزمات فكرية حادة، وربما الإفلاس ؟! وقد أدرك بحسه الحضاري في نهاية مطاف سفره ، وهو المتمكن الأمكن في ناصية اللغة الفرنسية، وبعد تجربة الكتابة الإبداعية بها وفيهاأن: (المكسي برزق الناس عريان؟!).
ها هو يعود للكتابة بلغة الوطن، لغة الهوية الحضارية, لغة الانتماء، لغة الأمة والشعب، لغة الأنا الجماعي الحضاري للشعب الجزائري المتميزعن الحضارات الأخرى، شئنا أم ابينا.
وكذلك الكاتبة والروائية الجزائرية المعروفة آسيا جبار، التي فازت مؤخرا بإحدى الجوائز الأدبية، قد صرحت أنها نادمة أشد الندم عن عدم تعلمها اللغة العربية.
مرحبا بالأمازيغية لغة وطنية للتفكير والإبداع الفني والثقافي ، وسحقا للغة عدوي الاستدماري بالأمس، وخصمي الحضاري اليوم، سحقا للغة امتدت أذرع أخطبوطها لتطال حتى قرى وسهول وجبال وصحارى الضفة الجنوبية من حوض المتوسط، ضفة الأحرار عربا وأمازيغ، محاولة التهامهم وعيونهم تنظر، وسواعدهم المفتولة تحاول الدفع ولكنها مغلولة، سحقا لمن لا غيرة له على دينه، وقدعلم أنه سوف يحاسب عن تفريطه في ذلك يوم القيامة، وسحقا لمن لا غيرة له على لغته الوطنية والرسمية، وقد أدرك أن الشهداء قد اطمأنوا عندما وضعوا الأمانة بين يديه، وبذلوا مهجهم رخيصة في سبيل تحريره واستقلالية شخصيته الثقافية والسياسية والاقتصادية، وتركوه ينعم بحرية وكرامة، وسحقا لمن لا غيرة له على انتمائه الحضاري المتميز ، سحقا لمن انسلخ عن جلده غصبا عنه، ولم يحاول الدفاع عن نفسه، أوعن طيب خاطر، وهو يردد أن ذلك لم يضره في شيء ، محاولا بإصرار سلخ الآخرين معه، دونما حياء ولا وجل.
نقول هذا لا لشيء، إلا لكون اللغة العربية ما تزال تبحث عن صاحب قرار شجاع، قد يقضي بقراره ذاك على كثير من بؤر التوتر الاجتماعي والتطاحن السياسي، ويحقق أسمى معاني المصالحة الوطنية المتمثلة أولا في الذات الجزائرية المستقلة، وثانيا في مسألة الانتماء الحضاري للأمة، وفض نزاعات إشكالية الهوية الثقافية، وثالثا في تخليص الأمة الجزائرية من أذرع أخطبوط التبعية اللغوية للغرب.
هذا الغرب الذي لم يستطع حتى اللحظة التخلص من حنينه الاستدماري وعقدة الهزيمة لديه.
إن كل من يبحث له عن أعذار في هذا الشأن هوواهم، ولم يستفد من دروس التاريخ شيئا.
( وما تكريم وتمجيد رموز الجريمة لليل الاستدمار سوى دليل على ذلك ).
نشر ب"صوت الأحرار" الجزائرية في 27. 11. 2005
في الدين..
* عَلمانيُوالعَولمة والإعجازاالعلمي للقرآن *
كثيرا ما نجد بعض الحداثيين وممتطيي موجة العولمة والعلمانية منهم العرب وغير العرب سواء أكانوا من أولئك الرافضين لوجود الدين أصلا، أوممن يميلون الى وجوده والاعتراف بنزوله، ولكنهم ينكرون قدرته على استغراق واحتواء مستحدثات العصر، ومبتكراته، ملمحين أحيانا الى أن الدين قد شل قدرة العقل البشري على التطور وحد من طاقته على التفكير، متحججين في ذلك بالدافع الذي يتمثل في صورالريبة والشك لديهم أنهم كلما أحسوا امتلاكهم قدرا من العلم، ومن أدوات تحليل وتركيب الأفكار،أصبح من واجبهم ومن حقهم امتلاك زمام ريادة الشعوب، وتنصيب أنفسهم أئمة عليها، ليوجهوها نحوالمزيد من التطوروالرقي ـ حسب أهوائهم طبعا ـ وأنه من واجب هذه الشعوب أن ترى ما يرون وتتبع وتنفذ ما فكروا فيه وإلافسوف يحملونها مسؤولية تقهقرها وتخلفها، في شتى الميادين، وأنها لن تستطيع تحقيق نتائج تذكر في مجال محاولات تطورها ورقيها ، وتقدم الإنسان العربي والمسلم وتوفير وسائل راحته وازدهاره.
فإن كان هؤلاء الحداثيون العلمانيون الذين ما فتئوا يطلون علينا كل يوم ـ تقريبا ـ عبر أعمدة الصحف واسعة الانتشار في مختلف أنحاء الوطنين العربي والإسلامي مرددين باحتشام أن التفكير العلمي الحر قد وقف في وجهه ذلك المقدس الذي لايجوزالاقتراب منه أو البحث فيه، فإن كانت لديهم الشجاعة والجرأة الكافيتين فليقولوا أولا ما رأيهم في خلق السماوات والأرض، وما هي نظرتهم للحياة وللوجود والكون، دونما ارتكازعلى أسس دين أو معتقد وينشرون أفكارهم تلك بدون تلميحات، كما نشر سلمان رشدي وتسليمة نسرين رأيهما بكل وضوح، وساعتها ينتظرون رد من يخالفهم الرأي،عارضين أدلتهم وبراهينهم للدلالة على ما ذهبوا إليه، دونما وجل أو تردد، من "أفكار"وهرطقات وتهويمات، قد خاض في يمها أغلبية المفكرين المسلمين وغيرهم، ولم يتركوا أي مجال لم يقلبوه من جميع أوجهه، فعاد بصرهم ـ بعد تلك الرحلة الشاقة ـ إليهم خاسئا حسيرا، بدءا من المعارك التي خاضها " المعتزلة والقرامطة وانتهاء بالحلاج وبابن رشد..مع بعض التحفظ حول تلك المدارس الفكرية والمداهب الدينية والمشارب السياسية " ومن حذا حذوهم، وما تمخض عنها من مآس ومحن، مانزال نتجرع مرارتها الى اليوم!
ـ أليس تخلف المسلمين في شتى مجالات الحياة مرده الى أسس فكرية خاطئة، قعد لها أولئك المرجفون وعبر الخريطة الزمنية لما يربو عن عشرة قرون ؟!
ـ أليس ذلك الصراع الخفي الهادف الى الهدم سعيا لإفشال وإلغاء أفكار الآخرهو ما يهدد وجود الطرفين معا ؟!
ألم تكن دورة الحضارات في صعودها وتقهقرها ناجمة أصلا عن أفكار ومعطيات أسست لها ؟!
ـ من باستطاعته البرهنة على أن الفساد السياسي والاقتصادي والثقافي الذي تعيش مظاهره الآن الأمتان العربية والإسلامية سببه تشبث العرب والمسلمين بمباديء عقيدتهم الدينية ؟!
لمحاولة الاقتراب من الإجابة عن تلك الأسئلة نورد بعض الآيات القرآنية ونقول: أن مثل هذه الأمورنراها لا تقدم ولا تؤخر في مجال البحوث التي تناولت أوستتناول قضايا غيبية كبرى لم يصبح باستطاعة العقل البشري تحمل مشاق الخوض فيها، وأن صراعا بين تيارين معروفين من المفكرين في عالمنا العربي والإسلامي قد استنفد كل منهما طاقاته في عملية محاولة إلحاق الهزيمة بمن يخالفه الرأي في هذا الشأن ، فليتقوا الله في أنفسهم أولا، وفي الأجيال الصاعدة التي لم تعد تتحمل مثل هذه المعارك الفكرية البيزنطية عديمة النفع ثانيا، فإن كان ولابد فليقترح كل من الطرفين عقد مؤتمرعالمي يتباريان فيه بالتوصيات والنتائج التي قد يتوصل إليها الجانبان للفصل في الموضوع، موضوع الديني واللاديني وتنويرالباحثين والمهتمين والمعنيين وكذا عموم الناس، فيظهر من هو على حق ومن يدعو الى باطل، وكل ذلك في إطار (ولا يزالون مختلفين ) (هود، الآية:118)
( الله جل وعلا)
( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) (الإسراء ،الآية :36 )
الله هو الأول، الذي لا شيء قبله، والآخِر الذي لاشيء بعده، الظاهر، الذي لا شيء يخفيه، الباطن الذي لا شيء يجليه، سبحانه وتعالى عما يصفون .
جاء جمع من سكان اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن كيفية بدء الخلق، فقالوا له: أخبرنا يا رسول الله، كيف كان الكون قبل أن يخلق الله مخلوقاته، أي قبل خلق القلم، واللوح المحفوظ، والعرش، وسائر مخلوقاته وموجوداته من جنة ونار و جن وبشر ووحوش والسماوات والأرض، فقال: كان الله.. فقالوا له كيف؟ فقال في عمى.. أي لا يستطيع العقل البشري تصور شيء.
فأول شيء خلقه الله هو القلم، و النون التي هي الدواة ( ن والقلم وما يسطرون ) قال الله للقلم : اكتب، قال يا رب ماذا أكتب؟ قال: اكتب علمي فيما هو كائن وما يكون إلى يوم القيامة، ثم خلق اللوح المحفوظ الذي كتب فيه كل شيء .( رفعت الأقلام وجفت الصحف )
ثم خلق العرش ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه:
إن السماء الدنيا ما هي بالنسبة للسماء الثانية، إلا كحلقة في صحراء، وأن السماء الثانية، بالنسبة للسماء الثالثة، ما هي إلا كحلقة في صحراء، وأن السماء الثالثة، بالنسبة للسماء الرابعة، ما هي إلا كحلقة في صحراء، وأن السماء الرابعة، بالنسبة للسماء الخامسة، ما هي إلا كحلقة في صحراء، وأن السماء الخامسة، بالنسبة للسماء السادسة، ما هي إلا كحلقة في صحراء، وأن السماء السادسة بالنسبة للسماء السابعة، ما هي إلا كحلقة في صحراء، وأن السماء السابعة بالنسبة للعرش، ما هي إلا كحلقة في صحراء، وأن العرش بالنسبة للكرسي، ما هو إلا كحلقة في صحراء.
( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية.) (الحاقة، الآية: 17 )
( ثم خلق باب التوبة من جهة الغرب ، يبلغ اتساع هذا الباب مسيرة سبعين عاما ، تركه مشرعا للتائبين، إلى أن تشرق الشمس من الغرب،أي أن باب التوبة يبقى مفتوحا لمن أذنب وعصى فيرجع ويتوب إلى رب العالمين، فإذا أشرقت الشمس من الغرب أغلق هذا الباب وانتهى الأمر فلا توبة بعده .
ثم خلق الرحم، التي تعلقت بعرش الرحمان قائلة: أعوذ بك ممن قطعني، فقال لها: (من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته، أترضين قالت رضيت)
ثم خلق مئة رحمة، فأنزل منها إلى مخلوقاته واحدة، واحتفظ بتسع وتسعين أخرى ليوم القيامة.
كل ما نراه ونحسه من عطف وتعاطف ومحبة وشفقة في الأمهات والأباء من بشر أو حيوان أو طير،ما هو إلا رحمة واحدة من مئة رحمة خلقها الله جل وعلا.
ثم خلق الملائكة والجن وبقية مخلوقاته (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة....)
( البقرة الآية 30) ما رأيهم في هذا فلسفيا ولاهوتيا ومنطقيا؟!!
( وترى الجبال تحسبها جامدة..)
توضيحا لذلك أحاول أن أستعرض بعض الآيات ، التي تتحدث عن حقائق إعجازية، وردت في القرآن الكريم وأثبتها العلم الحديث، متحدية أفهام الناس وعقولهم، أيام نزوله وإلى يوم يبعثون على لسان خير البشر، محمد صلى الله عليه وسلم، إذ لم يتعد فهم بعض الناس لمعاني بعض الآيات التفسيرالظاهري لها، وقد كانت تعتبر بالنسبة للكثيرمنهم ـ مؤمنين وكفارا ـ غاية في العمق والشمولية والدقة والبلاغة، وذلك على الرغم من كون القوم كانوا سادة العربية، وفحول بيانها، بينما البعض الآخر أدرك بإيمانه الراسخ، ويقينه الثابت، أن القرآن جملة وتفصيلا، بآياته المحكمات والمتشابهات، هي إعجاز بياني رباني، وإفحام منطقي،لا يمكن مضاهاتها أو التطاول عليها ،لأنها كلام رب العالمين (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. (فصلت، الآية: 43 )
لا ولن يمكن لأي مخلوق ـ وبأي حال من الأحوال ـ أن يأتي بمثله، ولو بآية واحدة منه، ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.)
(الإسراء ، الآية 88 )
ولنبدأ بالآية التالية، ثم نرى مدى قدرة وقوة حجج هؤلاء للرد على ذلك :
ــ (وترى الجبال تحسَبُها جامدة وهي تمرمرالسحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء..)
(النمل، الآية :88 )
من المعلوم، أن أعلى نقطة في العلو، وصل إليها الإنسان، أيام نزول القرآن الكريم، هي سنام الجمل، أوظهر الفيل، أو صهوة الجواد،أو سطح الكعبة، أو قمة الجبل،أوهرم، باستثناء محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي وصل إلى سدرة المنتهى، في رحلته المعروفة، ليلة الإسراء والمعراج، بينما ما عداه من الناس لم يكونوا يعرفون معنى لمرور الجبال كمر السحاب، فالآية تتحدث عن مرور الجبال وحركتها، وسفرها الدائمين، فقد كان بعض الناس يظنون أن الجبال، لا يمكن أن تتحرك من مكانها، وأنها ثابتة، ولذلك يُضرب بها المثل في الثبوت، وعدم الحركة، فيقال للشيء: (ثابت ثبوت الجبال). وأن الحديث عن مثل هذا الأمر،أي تحرك الجبال وطيرانها ـ إن جازالتعبيرـ يعتبر ضربا من ضروب الهراء، أو نوعا من أنواع الخبل، الذي قد يصيب عقل من يقول بذلك.
فلو كان المقصود ـ والله أعلم بمراده ـ رؤية الجبال في يوم القيامة فقط ، تتحرك، وتسير، لذكرت الآية مثلا : (ويومئذ ترى الجبال..) ولكنها قالت: وترى الجبال، أي أنها على غرار (سنريهم آياتنا في الآفاق..) ومن ثم ها نحن أهل القرون الحديثة والبعيدة عن ذلك العصر، نلاحظ أن الجبال تمرمرالسحاب، كيف؟
الجواب: بعد أن يسرالله للبشروسائل تجاوز الغلاف الجوي، والتخلص من الجاذبية الأرضية والنفوذ إلى الفضاء الخارجي ،بعد أن أخذوا بالأسباب طبعا (ثم أتبع سببا...)(الكهف، الآية: 89،92 )
(يا معشرالجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطارالسماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان..)
(الرحمن ،الآية :33)
وصعدوا إلى سطح القمر، بل إلى أكثر من ذلك إلى كواكب أخرى، ما كانت لتخطرعلى قلب بشر، وما نزول رائدي الفضاء (أرمونسترونغ وألدرين) وووضع قدميهما على أديم القمر سوى عينة على ذلك.
فلو فرضنا مثلا أن أحدا من أهل العصرالأول، الذي نزل فيه القرآن، هوالآن حاضر معنا، وذكرنا له أن الإنسان قد أصبح بإمكانه النزول على سطح القمر،هذا القمرالذي كان الشعراء يتغنون ببهائه وجماله، ويتغزلون بحسنه، صاراليوم جبالا وصخورا، لقال: أن هؤلاء الذين يستطيعون فعل ذلك هم الشياطين وليس البشر، وذلك نظرا لاستحالة تحمل عقله، لهذا الأمر، ناهيك عن التصديق به .وكما جاء في الأثر أن(الجبال لا يقهرها إلا الحديد، والحديد لاتقهره إلا النار ، والنارلا يقهرها إلا الماء ، والماء لا تقهره إلا الريح، والريح، لا تقهرها إلا الصدقات) الصدقات أسرع وأقوى من الريح.
و لنتلو الآية من جديد ،(وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) :
من كان يظن من هؤلاء الناس، أن الأرض مكورة الشكل! أوأنها عبارة عن كرة مستديرة ، تسبح في الفضاء اللامتناهي،أوهي مثل حبة رمل، ملقاة في صحراء، مترامية الأطراف، بالنسبة للمجموعة الشمسية، وللفضاء الفسيح، وما فيه من مجرات؟! أوأنها كوكب صغير،لا يكاد يرى ، في محيط مجرة، تسبح ضمن عدد غيرمعروف لحد الآن من المجرات ، التي لاعد لها ولا حصر، حسب آخر ما توصل إليه علماء الفلك والفضاء، وما تم استنتاجه من نظريات، ثبتت صحة فرضياتها، وذلك بعد أن غزا الإنسان الفضاء الخارجي بوساطة مختلف المسابرالفضائية، وما تم الوقوف عليه من حقائق علمية ثابتة، في أن الأرض ما هي إلا كوكب صغيرجدا جدا يسبح في الفضاء، كسائر الكواكب الأخرى. ألم يكونوا يعتقدون أنها مركز الكون ومحوره ؟!
وقد جاء في تفسير القرطبي، وابن كثير: أن الجبال يراها الناس يوم القيامة جامدة، أي واقفة، لا تتحرك بينما هي في واقع حالها تتجمع وتسير، لتصير كالعهن أو كالسراب، فتراها العين كأنها غير متحركة ، وهي تمر مر السحاب، وهذا ربما ـ والله أعلم ـ تفسير ظرفي ، جاء لزمانه، بينما الحقيقة الماثلة للعيان الآن، هي أن الجبال تسير، وتتحرك، وهي مسافرة سابحة في الفضاء، ولم يكن باستطاعة هؤلاء المؤمنين، آنذاك إدراك هذه الحقيقة، نظرا لعدم وجود وسائل، تساعدهم على فهم هذه الحقيقة المكتشفة حديثا، وكنوزالقرآن وحقأئقه لا تنتهي بانتهاء حقبة معينة أو عصر من العصور.
فهو تحدِ واضح جلي، لعقول سكان الجزيرة العربية من غير المؤمنين، الذين كانوا يعتقدون أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يأته جبريل، ولم ينزل عليه الوحي من ربه، بل ربما طاف به طائف من الجن،أو أنه سحر أوأن القرآن الذي أتى به لم يكن سوى من نسج خياله، فهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم خبيرا في علم الجغرافيا؟! أو في علم الجيولوجيا؟! أوفي علم الفلك؟! أو أنه كان يملك مراكب فضائية تساعده على الانطلاق في أجواء الفضاء الرحب، ومن ثم يتوصل إلى حقيقة أن الأرض كروية الشكل، وأن الجبال تمر مرالسحاب، بالنسبة للملاحظ الموجود خارج الغلاف الجوي للأرض ....؟!
فكيف يتسنى لرجل لم يغادر شبه الجزيرة العربية، إلا نحو الشام تاجرا، في رحلة الشتاء والصيف؟!
( لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف) (قريش، الآية:2 )
أن يعرف هذه الحقائق من دون وحي، أومن دون وسائل ارتقاء؟!.....
( وكل في فلك يسبحون) ( يس، الآية 40) كل شيء في الكون يَسبح ويُسبح بما فيها الأرض التي كانوا يرونها، وهم يمشون على أديمها أنها مركز الكون، فالأوائل لم يكن بإمكانهم إدراك أن الأرض تسبح مثلها مثل بقية الكواكب والنجوم، باعتبار أنهم كانوا يلاحظون بأعينهم أن تلك الكواكب والنجوم من غير الأرض تتحول من مكان الى مكان في حين أن الحقيقة هي أن ما كانوا يشاهدونه هو مواقع النجوم وليست النجوم ذاتها، فالمدة التي يستغرقها وصول الضوء الى الأرض تتطلب زمنا طويلا،(8 دقائق) وبالتالي فالنجوم قد غادرت مكانها منذ فترة غير قصيرة، فهؤلاء لم يكونوا يشاهدون سوى مواقع للنجوم، وهو الأمر الذي ورد في الآية:( فلا أقسم بمواقع النجوم)(الواقعة، الآية:75)
إذن الأرض تدور حول نفسها دورة كاملة خلال أربع وعشرين ساعة بما فيها الجبال الراسيات على أديمها وفي عمقها وتدور حول الشمس دورة كاملة خلال ثلاث مئة وخمس وستين يوما (وترى الجبال ...نحن نراها من خلال هذه الدورات المتتاليات تمر كمرالسحاب ، فالسحاب يمرحولها سواء أأفرغ حمولته أم لم يفرغها، أأكمل دورة حول الأرض أم لم يكملها، فهو متنقل إذن والجبال متنقلة كذلك.من أين لمحمد صلى الله عليه وسلم معرفة ذلك إن لم يكن ما يقول به وحيا يوحى وتنزيل من رب العالمين؟!!!
(صنع الله الذي أتقن كل شيء)
كل المصنوعات التي نعرفها ونلمسها بأيدينا ونعرف منافعها من أدوات مختلفة ووسائل مادية نستعملها في حياتنا اليومية فيقال أنها من صنع الشركة الفلانية أو العلانية ومن إبداع وتخطيط وتنفيذ وتركيب فلان، هي في حقيقة الامراكتشافات لحقائق كانت موجودة من قبل، فالشركة لم تصنع شيئا يذكرابدا، إنما الإنسان، بعد أن هداه الله الى ذلك توصل إلى قوانين وجودها وتركيباتها المختلفة، وأنه لم يضف إليها شيئا أبدا، فالصانع المبدع هو الله سبحانه وتعالى، فكما أن الإنسان الأول توصل إلى معرفة كيفية إشعال النار بوساطة احتكاك الأشياء بعضها ببعض، كذلك إنسان اليوم توصل إلى حقيقة تذويب الحديد والنحاس ومعادن أخرى وصهرها وتركيب أجزائها، وضمها إلى بعضها البعض، ثم ركب السيارة والطائرة والغواصة ومختلف وسائل التمدن التي نلمس منافعها المباشرة وغير المباشرة، فبعد إعماله النظر في الشيء، وكذا التامل في مكوناته، والعناصر التي يتركب منها ، تاتيه الفكرة،،أية فكرة،، من شأنها أن تقوده إلى الاستفادة من ذلك الشيء، فيحلل، ويركب ويعيد التحليل والتركيب وهو ما يسمى بالتقنية، أي أن الفكرة تتحول من شيء نظري إلى شيء ملموس، فتسمى هذه العملية (تكنولوجية) كل ما يخطر على البال ويمكن استغلاله لصالح الإنسان والاستفادة منه يحول إلى ملموسات ومحسوسات، أصوات.... الصوت مادة، أبواق ،أجراس، طبول،أشرطة اسطوانا... روائح، عطور طيبة، وغير طيبة ،، مأكولات ... ملبوسات .... صنع الله الذي أتقن كل شيء ،، نعم كل شيء،، هل هناك من شيء يمكن استثنا ؤه؟! أبدا المعنى واضح جلي ولا يحتاج إلى تفسير أو تأويل، أتقن أي: عمله بإتقان متناه في أية صورة ما شاء ركبه.في البحر نرى الرخويات، والثديات، بألوانها الزاهية وأشكالها المختلفة،،،،وفي البر نفس الشيء، وفي السماء الأمر ذاته.
هو المبدع المصور، فاطر السماوات والارض، بينما البشر ماهم إلا مكتشفين لأمور كانت وما تزال موجودة أصلا، في الكون فالإنسان لم يضف إلى تلك الموجودات ولو جناح بعوضة، بل ولو جزء من مليار من جناح بعوضة.
فكل العناصر المادية الموجودة، المعروفة وغير المعروفة، من حديد وفضة وذهب ونحاس، هي من خلق وصنع الله ، والانسان منذ أن خلقه الله كبقية مخلوقاته، يحاول باستمرار أن يعرف ماهية الأشياء، وكنهها، ولكنه بعد الجهد والعناء والبحث المتواصل عبر مختلف الأجيال والعصور ، يعجزعن إدراك جوهر الأشياء وماهيتها، من ذرات ونترونات... فيعود بصره إليه حسيرا، فلا يستطيع الوصول إلى حقيقة خلق الأشياء، إنما الله هوالذي ييسرله معرفة مكوناتها، للاستفادة منها ومن خصائصها، وتطويعها لصالحه، ولذلك فلا ينبغي أن نقول بضرورة استيراد التكنولوجيا من دول الغرب، فالتكنولوجيا لا تستورد، إنما هي مجرد اكتشافات لقوانين علاقات ونواميس تضبط الأشياء التي غابت عن إدراكنا. فلولا تلك الحواجز والقيود السياسية، والعادات السيئة، والأعراف البالية، التي تعيق جهود النوابغ والعباقرة وتجعل الأجيال تراوح مكانها مقلدة ،غير مكتشفة، مستهلكة غير منتجة ولا مضيفة لما سبق ، في كل شيء، وهي الظروف التي لاتسمح بمحاولة إعمال النظر والتأمل في موجودات الله، الذي أتقن كل شيء، لسارت وقطعت أشواطا طويلة في ميدان الاكتشافات واستغلال العناصر الطبيعية التي أوجدها الله منذ أن فطرالسموات والأرض وما بينهما.
فالعمل الصالح في نظري الذي فاق إماطة الأذي من الطريق هو صناعة الطائرة واكتشاف الكسندر فليمينغ للبنسيلين واكتشاف الكهرباء ... الى غير ذلك من الأعمال النافعة للإنسان فما الذي جعل المغضوب عليهم والضالين يتمكنون من الوصول الى اكتشاف أسرار قوانين الطبيعة في الجو والبر والبحر ويصنعون ـ لغيرهم الذين أنعم الله عليهم بنور القرآن ـ السيارة والطائرة والباخرة والهاتف والحاسوب والأقمار الاصطناعية، إنها الحواجز السياسية التي تجعل الأجيال متخلفة ثقافيا واقتصاديا ومن ثم اجتماعيا وأخلاقيا فلا تستطيع حتى اكتشاف عوامل تخلفها ولا أسبابه فما بالك باكتشاف أسرار وقوانين موجودات الله في العالم!!
(وأنزلنا الحديد..)
( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس..) ( الحديد، الآية: 25)
ربما لم يسأل بعض الناس عن كيفية نزول الحديد، وأن مفهومهم لمعنى نزول الحديد، لم يتعد الإيمان، والتسليم، لأن البحث بدون توفرالأسباب مضيعة للوقت، وتضييع للجهد، وقفز في الفراغ، في حين نجد أهل العصور الحديثة، قد هيأ لهم المولى تبارك وتعالى، كل أسباب البحث والتنقيب والاطلاع والاكتشاف، وربما قد سألوا عن كيفية نزوله، فاقتنعوا لضرورات الإيمان، وقد جاء في الحديث الشريف عن رسول الله أن الله أنزل أربعة أشياء من رحمته هي الحديد والنار والماء والملح.
وقالوا كذلك أن الحديد قد أنزل مع آدم كالميقعة أي المطرقة والسندان وكذا الحجرالأسود الذي كان أبيض ثم تحول الى أسود.
أما الآن فقد زود المبديء المعيد عباده بوسائل علمية، سخرها لهم، وعلموا أن الحديد قد أنزله الله إلى كوكب الأرض، منذ ملايير السنين، ولم يكن عنصرا من العناصرالطبيعية المعروفة ، حسب نتائج آخر الدراسات والبحوث العلمية، أي منذ الإنفجارالأول للكون،(كانتا رتقا ففتقناهما) بإرادة الله ،
وأن الحديد قد أنزله الله من خارج كوكب الأرض ، فكان الناس لا يسألون إلاعما تصل إليه مداركهم العقلية، والحسية
(ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أوكرها قالتا أتينا طائعين..)
(أولم يرالذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ....)( الأنبياء، الآية:30 )
أي أن السماوات والأرض كانتا ملتصقتين ففصلهما الله عن بعضهما، وخلق من السماء سبع سماوات ومن الأرض سبع أراضين،أي أن السماء كانت لا تمطر والأرض لا تنبت، وبعد فتقهما وفصلهما عن بعضهما،أنزل ما شاء من المعادن، وهوالأمرالذي يعبرعنه العلماء الآن بالإنفجار الأول للكون، فكيف تسنى لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يدرك هذا الأمر دونما وحي؟! ولماذا كانت (وأنزلنا الحديد.. هي الآية:26 كما يقول العلماء بإضافة آية البسملة إليها التي تأتي في مقدمة كل سورة من سور القرآن وليست مقصورة فقط على سورة الفاتحة، تتوافق مع عدد الوزن الذري للحديد وهو 26 ؟!!.......
( وما أنتم له بخازنين)
( وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين ..)(الحجر ألآية: 22)
إن الكميات المعروفة من الماء أو غيرالمعروفة،الموجودة على سطح كوكب الأرض، سواء كانت محمولة في ركام السحب أوهي في باطن الأرض أوهي في البحار والمحيطات هي نفسها بأوزانها وأحجامها منذ أن خلق الله الأرض وما عليها، لم تضف إليها قطرة أو تنقص، سواء تبخر الماء، أو لم يتبخر، تحول من سائل إلى غاز، أو جامد، فالكمية هي نفسها، تنتقل من حالة إلى أخرى، دون زيادة، أو نقصان ، الماء نشربه، ثم تخرجه أجسامنا بشكل أوآخر، فيسلك طريقه إلى الأرض، ثم إلى النهر، أو إلى البحر، ثم يتبخر ويتكثف عبر السحاب،وهكذا دواليك، يعيد الكرة نفسها...
(ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله..) (النور ، الآية: 43)
(ويجعله، كسفا فترى الودق يخرج من خلاله..) (الروم، الآية:48)
فينزل مرة أخرى مطرا، فننستعمله في أغراض كثيرة، أو نشربه، مرة أولى، وثانية، وثالثة، ورابعة ومليون مرة.... ولذلك يقال:( دورة المياه) وهكذا، (فما أنتم له بخازنين..)
من بإمكانه تخزين الماء ؟! أفي براميل ؟! أفي أوعية؟! أفي أحواض؟! هذا ليس بتخزين، فالتخزين ألا يغادر مكانه، ولا أن تتحول حالته من حالة إلى حالة، خارج إرادتنا، ذلك مستحيل طبعا .
تتدخل مشيئة الله، فتغيره من وضع إلى وضع آخر، سواء، بفعل الزلازل والفيضانات والطوفان، أوبحالات التجمد والتبخر...فهل محمد صلى الله عليه وسلم كان كيميائيا! حتى يطلع على هذه الحقيقة العلمية، ألم يكن النبي أميا! لا يقرأ ولا يكتب ؟! من زوده بهذه الحقيقة الثابتة، الراسخة رسوخ الشمس الساطعة ؟! أليس علام الغيوب، غفار الذنوب، ستار العيوب؟! سبحانه وتعالى عما يصفون ...؟
(كأنما يصعد في السماء)
( يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء..) ( سورة الأنعام، الآية: 125 )
ـ كيف عرف النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا ما قطع مسافة ما في ارتفاعه وابتعاده عن سطح الأرض يضيق صدره، ويكاد ينفجر، إن لم يكن مزودا بأجهزة، تمده بالأوكسوجين، وهي نفس العملية التي تحدث للإنسان أثناء غوصه في أعماق البحار، يضيق صدره ولا يستطيع تحمل ضغط المياه ؟!
فكذلك لا يمكنه تحمل ضغط الجو الخارجي ، كيف كان بإمكان النبي الأمي أن يصل إلى هذه الحقيقة الثابتة التي وقف عليها علماء البحار وعلماء الفضاء والفلك في العصرالحديث؟! أفبعد هذا ينكرون؟!! فبأي حديث إذن يؤمنون؟!!أليست الآيات باهرات ومعجزات ؟!! أليست لهم عقول يفكرون بها؟!! وأبصار ينظرون بها؟!! المجهر والتليسكوبات والقميرات وليعلم القاريء الكريم أن الكاميرة هي لفظ عربي شكلا ومحتوى فابن الهيثم هو من ابتدع تلك الكوة الصغيرة التي كان يرى بها الأشياء بوساطة تسليط الضوء فسماها قميرة أي تصغير قمر ومن ثم أخذها الغرب وغربت لتعود إلينا في شكل قميرات فيديو وعدسات تصوير سنمائي وتلفزي ردت إلينا بضاعتنا مطورة ونحن نائمون، فصح النوم. لقد أوصلتهم كاميرات المصورين الى أعماق البحار والى ظلمات المحيطات وشاهدوا عن قرب مخلوقات لا تعد ولا تحصى بأشكال وألوان وأحجام لم يكن في إمكان أي بشرآخرأن يراها أويرى مثل ما يرون اليوم ؟!! ماذا يريد هؤلاء الناكرون الجدد؟!! أتحييد القرآن وتعطيل آياته لدى الذين آمنوا به؟!! أم إلغاء عقول وأفهام من آمن وترسخ إيمانه بفضل من الله وهدايته ؟!! هيهات، وعبثا يحاولون!.
(التوسع المستمرثم الرجوع )
(والسماء بنيناها بأيد وإنا لمُوسِعون) (الذاريات الآية: 47 ) إن آخر ما توصل إليه العلم الحديث، في مجال بحوث الفضاء وسبرأغواره هو أن الكون ما فتيء يتوسع ، وهو في حالة امتداد متواصل، منذ أن خلقه الله ، وسوف يستمر في توسعه إلى ما شاء له، ثم يعود مرة أخرى إلى حالته التي انطلق منها، وهي حالة التكثف والانزواء، والانكماش آي إلى نقطة الصفر، التي بدأ منها، ( كانتا رتقا ففتقناهما )(الأنبياء الآية: 30 )..
(ويعرج إاليه في يوم مقداره ألف سنة مما تعدون..)
الكلم الطيب يصعد الى الله سبحانه وتعالى في يوم ، اليوم عند البشر يتكون من أربع وعشرين ساعة هذا الوقت الذي نحسبه ونقول أن تاريخ نشوء الأرض هو كذا مليار سنة هذا، المليار من السنوات كم من يوم فيه فإذا حسبنا كم فيه من يوم فقط ، مع علمنا أن اليوم مقداره ألف سنة من حسابنا البشري هل باستطاعة أي جهاز حاسوب أن تحتوي ذاكرته حساب مليون يوم فقط؟!!فما بالك بملايير السنوات!! زد على ذلك فإذا كانت تلك السنوات تحسب بالسنوات الضوئية؟!!وهي وسيلتنا وحسابنا الذي نعد به المسافات والأبعاد الفلكية،وأن سرعة الضوء كما هو معروف هي ثلاث مئة ألف كلم في الثانية لأدركنا أن هذا الأمر فوق طاقة البشر وفوق أن يتصور المرء حدا له سبحان الله المبدع المصورالعزيز الحكيم...وبالتالي فإن تاريخ الرتق والفتق أو الانفجار الأول للكون لايقدر بزمن ومن ثم فتاريخ عودته الى الانزواء والانكماش والرتق من جديد أي يوم القيامة لا يعلمه إلا الله.
( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه..)(الزمر، الآية: 67)
(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) (فصلت: الآية 53)
من المعروف لغويا أن حرف ( السين) إذا دخل على الفعل المضارع يفيد حصول ذلك الفعل فيما استقبل من الزمن، الزمن القريب، بينما ،( سوف) تفيد حصول الفعل في المستقبل البعيد، فالآية تتحدث عن حتمية إظهار آيات الله في الآفاق لكل ما استقبل من الزمن، أي زمن وصل وحصل، أو ما زال لم يحن ميعاد حصوله ، لكل جيل من الأجيال معجزات تبهر عقولهم وتحير أفهامهم على إدراك حقيقة ما يتوصلون إليه من حقائق كونية لم تكن من قبل لتدرك .
ففي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كان الناس يعتقدون أن الآفاق هي المسافة أو المساحة التي يصلها البصر أفقيا، أما عموديا الىحيث القمر وما وراء القمر من مجرات ونجوم فلم يخطر على قلب بشر آنذاك، وأنه سيأتي يوم يصعد فيه الإنسان الى ما فوق السحاب وأنه بإمكانه قطع مسافات تقدر بملايين الكيلومترات و بالسنوات الضوئية إلى المريخ والزهراء وما بعدهما من كواكب وأجرام ونجوم ومجرات ،، فذاك أمر يعد ضربا من ضروب المحال آنذاك.
سنريهم: من هم هؤلاء الذين سيريهم الله؟ سيبين لهم؟ سيظهر لهم؟ علامات وجوده؟ وقدرته؟ وعظمته، جل وعلا ؟
الكفار ، الملاحدة، والعياذ بالله ، الذين ينكرون وجوده ، والذين يقولون بخلق الكون هكذا عبثا، دون مبدع ، دون خالق
( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون...)(المؤمنون، الآية 115)
ففيما تتبين لهؤلاء الكفارعلامات وجود الله ؟!
في الآفاق أولا، أي في السماوات وما تحتويه من كواكب ونجوم ومجرات ...
وفي أنفسهم ثانيا أي في نتائج تلك البحوث البيولوجية والفيزيولوجية وعلوم النفس والخلايا وعمل آلاف الأعصاب والمخ ووظائف القلب المبهرة هذا القلب الذي يتحرك ويضخ الدم الى مختلف أنحاء الجسم من دون محرك كهربائي أو بطارية فلا يكل ولا يتوقف ولا يستريح، نائما كنت أم يقظا، متحركا أم ساكنا ، في جهازالسمع والبصر، وحركة اليدين والرجلين ما الذي يجعل هذه الأعضاء تتحرك دون محرك يمنة ويسرة فوقا وتحتا؟!! الله سبحانه وتعالى، هل استطاعوا جعل ( الروبو) يمشي ويتحرك دونما طاقة كهربائية أو نفطية هل بإمكان هذا (الروبو) الحركة والسير ذاتيا دون دفع خارجي أو داخلي ؟!!
يسمى (آليا) ولكن هذه الآلية ما الذي يدفعها للحركة؟ إن لم تكن مزودة بشكل ما من أشكال الطاقة.
لا سفينة بدون ربان ؟!
قد يجيب أحدهم أنه توجد الآن سفينة بدون ربان أي تسير متحكما في سيرها عن بعد، ذلك وارد الآن وممكن، ولكن ما نقصده هو الصانع فلا مصنوع بدون صانع. ولا بأس أن نورد ها هنا تلك الحادثة التاريخية التي جرت وقائعها بين أحد كبارعلماء المسلمين، وبين أحد الكفار، الذي سمع بغزارة علم هذا العالم، وقوة منطقه، وكثرة أدلته،،، هذا الكافر، كان ملكا بإحدى دول آسيا الصغرى ، فأرسل في طلب العالم (أعتقد أنه الإمام أبي حنيفة )، ليرى ويسمع مباشرة، منه، وليقف على أدلته، التي يقول بها للتدليل على وجود الله.
فلما وصل العالمَ المسلمَ خطابُ السلطان أو الملك، يدعوه بالحضور إليه ، شد رحاله فورا الى ذلك الملك أو السلطان ، وعوضا من أن يصل اليه في ظرف يوم أو يومين، تأخر كثيرا متعمدا هذا التأخر، فغضب الملك عليه كثيرا ولما وصل، سأله : لماذا تأخرت كل هذا التأخر؟! وما الذي أخرك ؟!
فقال العالم المسلم: لقد مررت بنهر عظيم ، فلم أستطع عبوره، وبقيت أنتظر حتى تجمعت أخشاب الأشجار، وضمت إلى بعضها البعض، ثم تحولت إلى سفينة، فركبت هذه السفينة، وقطعت بي النهر، دون أن يكون بها أي ربان أو ملاح ، فها أنا كما ترى قد وصلت .
فقال له الملك: ويحك، أتهزأ بي؟! كيف للأخشاب أن تتجمع وتتلاصق ويشد بعضها بعضا، ثم تصير سفينة، فتركبها أنت دون أن يكون لها صانع ولا ربان ؟! فرد العالم المسلم قائلا:
وكيف يمكن أن تصدق أنت أن هذا الكون الفسيح، يشد بعضه، بعضا، في انسجام تام وبديع دونما خالق مدبر؟!
فبهت الملك، ولم يستطع الرد ولو بكلمة واحدة.
إذن المسألة مفصول فيها عقلا ومنطقا، ومنذ مئات آلاف السنين، إن لم نقل ملايين أو حتى ملايير، ومع ذلك مايزال بعض المتنطعين الجدد في العالم الإسلامي يحاولون السيرعكس التيارـ تيارعودة الأمم والشعوب الى ينبوع الإيمان الذي لا ملاذ لهم غيره، سواء وصلوا الى نهاية العالم ونفاد الزمن أم بقوا يتأرجحون في بداياتهما ـ بتلك النتائج التي توصلوا إليها عبرالبحث في الجينات البشرية والحيوانية، وإنجاب الأطفال بواسطة الأنابيب والاستنساخ المتكرر للمخلوقلت، في محاولة يائسة للوصول الى عدم صدقية الأنبياء والرسل ،وهي محاولات كمن ينطح الصخر الصوان برأسه، أملا في تفتيته بلحم وشحم، فمن كان يمتلك القدرة على التفكير والإبداع، فليقل للبشرية عن الكيفية التي يمكن بها القضاء على مختلف الأمراض والأوبئة، وكذا الوسائل والطرق التي من شأنها الحد من مآسي الفقر والأمية والجهل المتفشية في ربوع العالم ، وما هي الآليات المثلى لتحجيم الصراعات وتقليصها إلى أدنى حد ممكن ، حتى تعيش البشرية في وئام وانسجام، وحتى يعم الرخاء سائر انحاء الكرة الأرضية، ويعيش الجميع متحابين متآزرين، من شاء يؤمن فليؤمن ومن شاء يكفر فليكفر ولكن دونما صدام،ولا سفك للدماء في إطار حريتك تنتهي عند بدء حريتي، وليس بتسفيه إيمان الآخرين ومحاولات حصرهم في زاوية الضالين المتحجرين المتخلفين، ظلما وعدوانا ومن ثم إلغاء حقهم في الوجود.
ذاك ما يحاول قطيع العلمانيين والشيوعيين والملاحدة القدامى والجدد نشره وتعميمه على كل من أدرك أو لم يدرك أن الآية الأكثر إبهارا ودهشة وتعجيزا للبشرية جمعاء هي تلك التي تثبت أن الناس مبعوثون ليوم معلوم، آلا وهي آية الموت التي لاجدال فيها منذ عهد آدم الى يوم يبعثون متناسين أو ناسين أو لم يطلعوا على التراث الفكري والأدبي وأسس المذاهب الكبرى في الفقه الإسلامي أن فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة ابن الرومي قد فصل في هذا الأمر منذ قرون، عندما أنكر بعض العلمانيين والملاحدة القدامى أن لا حياة بعد الموت، تصديقا لرأي الطبيب والمنجم اللذين أثبتا أن ما يقوم به المصلي من حركات ودعاء ما هو إلاعبث مؤكدين أن ذلك سوف يذهب سدى، فالفناء أوالموت يعني عندهما التلاشي ،العلم يقول :(لا فناء للمادة ولا تستخرج من عدم ) والقرآن يقول:( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) لا تعارض ولا تناقض، صحيح لا يمكن استخراج أي شيء من عدم منطقيا وعقليا، تسنده فكرة أن المادة لا تفنى وإنما تتحول من شكل إلى شكل آخر جامد، سائل، غاز ...ثم تبعث في شكل آخر، جسد الإنسان يتحلل في القبر ولا يبقى منه إلا عظم العصعص الذي هو على شكل حبة خردل ....وهذا قد جاء في أحاديث الرسول الأعظم عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام وأثبته العلم الحديث .
وأن لا أمل في بعث وجزاء وعقاب، فقال ابن الرومي فاصلا في المسألة:
قال الطبيب والمنجم كلاهما * لاتبعث الأجسام قلت إليكما
إن كان ذا حقاماخسرت شيئا * وإن كان باطلا فالخسارعليكما.
يعني أن الإنسان المؤمن بالله وباليوم الآخروبالبعث والجزاء والعقاب وبالقضاء والقدر خيره وشره وبالرسل والملائكة والكتب، يصلي ويصوم ويزكي ويحج ويوحد الله ويتبع الرسول، فإن كان في ريب ولم يبلغ درجة المؤمنين بالغيب يقينا، فلا يخسر في نهاية المطاف شيئا في دنياه، بينما من أنكر وتولى فسيكون الخاسر الأكبربالتأكيد. (والعصر إن الإنسان لفي خسرإلاالذين آمنوا وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) ؟!!!
نشر ب" الشروق اليومي " الجزائرية 26 و27. 04 2005
تأملات في اللغة ،الدين،التاريخ والسياسة
حِذق لغة أمِي.. وصِدق النبي الأمِي
1- مقدمة:
2- الإهداء
محتويات الكتاب:
1- في اللغة:
أ : اللغة العربية كانت وما تزال أم اللغات.
- من يطورالآخراللغة أم الإنسان؟
- اللغة العربية في خدمة حفيداتها..
- هي البحر في أحشائه الدر كامن..
ب: لا خصوصية ثقافية في ظل تبعية لغوية.
- إذا كنت أنت تبني وغيرك يهدم..
- لغة الإدارة والاقتصاد والديبلوماسية.
- اللغة فكرأم وسيلة؟
2 - في الدين:
ج- علمانيو العولمة والإعجاز القرآني.
- الله جل وعلا..
- وترى الجبال تحسبها جامدة..
- صنع الله الذي أتقن كل شيء..
- وأنزلنا الحديد..
- وما أنتم له بخازنين..
- كأنما يصعد في السماء..
- التوسع المستمر..
- هل هناك سفينة بدون ربان؟
د - الإفتاء والاستفتاء في حضن المصالحة الوطنية:
- تقنية الاتصالات وقتل النفس..
- هل يتغيرالإنسان بيولوجيا أولا أم أيديولوجيا؟
- هل الإسلام من غيرالشريعة يعني شيئا؟
3 ـ في التاريخ:
- الجزائريون هم أول من اكتشف قارة أمريكا
- الحضارة الفرنسية أمام محكمة التاريخ
- معلومات تبحث عن مصادر:
- الأمير عبدالقادرفي البيرين
- إنشاء زاوية الهامل
- عرش المويعدات
- الشيخ العلامة المرحوم عبدالحفيظ القاسمي والتنكر لمآثره
4 ـ في السياسة:
- هل تخشى العصى القلم؟
- لبنان نصر الله والحرب.. وحيوانات عواصم العرب
- اهبطوا مصر فإن لكم فيها حسنا مباركا
- وما نصرالله إلا شيخا هاج من قمم
- الإهداء:
إلى أرواح شهداء الجزائر الأبرار..أولئك الذين آثروا تحريرالوطن على مباهج الدنيا وزخرفها.. وإلى كل يتيم مضطهد.. وإلى كل من يؤمن بجدوى الكلمة الطيبة وأثرها في نفوس النشأ..
وإلى روحي أبي وأمي:" بن سالم الشهيد.. وخيرة بوزيد.. " اللذين علماني معاني الصبروالاجتهاد وفوائدهما.. والعمل والمثابرة ونتائجهما.. رحمهم الله جميعا وطيب ثراهم.. وإلى ابني الوحيد:
"رؤوف "الذي أمدني بكل الجهد والعون.... وإلى بناتي الثلاث: وداد ، فريدة ، خيرة وإلى أمهم:" الزهراء بالرجم " التي كانت نعم الأم لأبنائها.. ومثلا في التضحية والإيثار.. وإلى أحفادي: قاوي " زكرياء " أحمد " بختة " وفؤاد " وإلى كل من شجع وآزروساعد في طبع هذا العمل المتواضع.. وكذا في نشره على أعمدة الصحف الوطنية.. أهديه ، راجيا من الله عز وجل أن يكون جهدنا جميعا في ميزان الحسنات آمين.
سيرة ذاتية مختصرة:
Cirucculum Vitae
c.v
boumidouna abdelkader
عبدالقادربوميدونة..
ابن شهيد..
من مواليد 1949
بالبيرين ولاية الجلفة ..
1- شهادة الأهلية.. 1966bs1. bs2. cap .1970 ..بكالوريا 1980.
2- شهادة الليسانس في اللغة والأدب العربي 1984 م
3- على وشك الانتهاء من تحضيررسالة المجستير..
4- ممارسة مهنة التربية والتعليم لفترة 15 سنة.بولايات: المدية ..الجلفة ..تيارت ..البويرة ..البليدة.
5- منشط ثقافي للتربية والتعليم بولاية تيارت 1972.1970 ..
6- نائب مفتش للتربية والتعليم ولاية البليدة .1978.1977
7- أحد مؤسسي جريدة " المساء " اليومية الجزائرية ..1985
8- رئاسة عدة أقسام..
9- رئيس قسم التصحيح بجريدة " الصباح " الأسبوعية .
10- رئيس تحريربجريدة " كواليس " الأسبوعية .
11- محاضرممثل لجريدة" المساء " ووسائل الإعلام الجزائرية بالألمانيتين الشرقية والغربية قبل توحيدهما ..
" غرين ووش "..برلين..شتوتجارت.. كولون..فرانكفورت 1989
12- 1978.1977 رئيس لجنة الثقافة والإعلام والتوجيه بقسمة جبهة التحريرالوطني..الصومعة ولاية البليدة.
13- مدقق لغوي بجريدة " الشعب " الجزائرية.
14-مكلف بالإعلام ..الجبهة الوطنية الجزائرية ..
15- مكلف بالدراسات ..المعهد الوطني للتكوينات البيئية..وزارة تهيئة الإقليم والبيئة والسياحة .
16- خبيربيئوي محاضرفي مختلف ولايات الوطن..
17- عضوالجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب..معتمدة بالولايات المتحدة الأمريكية ..
18-نائب رئيس الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب..قطر.
19-عضوبمجلسها الاستشاري ..
20- مجموعة قصص ومسرحيات في المجال البيئي في انتظارالطبع.
21- أطرعدة دورات تكوينية كمكون وخبيرفي المجال البيئي عبرولايات الوطن.
22- نشرعدة أبحاث ودراسات بيئية مختلفة عبرالأنترنت...
23- سفيرالجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب .. بالجزائر..
24- مكرم من طرف الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب وعدة هيئات ومؤسسات وطنية ودولية.
25- عضوالمجلس الوطني للمنظمة الوطنية للدفاع عن السلم.
26- عشرة كتب في انتظارالطبع..في الفكرواللغة والدين والتاريخ والأنتربولوجيا.
بريد إلكتروني:boumidouna11@gmail.com
هدرة بالدراهـم: 00.213.07.74.17.13.11 : téléphone
* اللغة العربية كانت وما تزال أم اللغات *
حضرت في سنة 1984 ملتقى تعليم العربية في الجامعات العربية الذي عقدت جلساته بفندق الأوراسي بالجزائر العاصمة وقد ضم نخبة كبيرة من الأساتذة البارزين المشتغلين بميدان اللغة وبحوث اللسانيات، ومن ضمن من حضروا هذا الملتقى وكانت مداخلاتهم ملفتة للأنظار أكثر من غيرهم الأستاذ الفيلسوف والمفكر المغربي المعروف عبد العزيز الحبابي،الذي جاء بنظرية جديدة في اللغة أبهرت الحاضرين من طلبة وأساتذة، وتتعلق نظريته التي لم أحتفظ من خطوطها العريضة إلا بتحديه الواضح من أن اللغة العربية هي أم اللغات، ومن ضمن أدلته المقدمة في إحدى الحلقات الدراسية فكرته التي تقول: أن أي لفظ في اللغة الفرنسية أو في زميلاتها المتفرعات عن اللاتينية مهما كانت فصيحة أو دارجة، إلا ووجدتها قد أخذت ثلاثة أحرف ـ كحد أقصى أو حرفا واحدا كحد أدنى ـ من نظيرتها اللغة العربية، فإن صادف ولم تجد ذلك واعتقدت أن الأمر فيه خلل أو إشكال، فعد إلى المترادفات سواء تلك المستعملة أوالمهملة، فسوف تعثرعلى مبتغاك وعلى ما يحيرك ويثير فضولك، وقد ضرب لذلك أمثلة لا تحصى ولا تعد، ولا بأس أن أقدم لمن يروقه الاستمتاع نموذجا بسيطا عما ذهب إليه فيلسوفنا المغربي،
أما إن شئتم المزيد فما عليكم إلا إجراء التجربة بأنفسكم ولسوف ترون العجب من أمرهذه اللغة، وإن كنتم في ريب مما أقول، فمن باستطاعته أن يخبرني عن السرالذي جعل كل كلمة باللغة الفرنسية تتضمن حرفا واحدا أو حرفين أو ثلاثة أحرف من العربية والعكس غير صحيح، بدليل أنك إن أجريت تلك العملية على اللغة العربية فلن تجد لها مثيلا في اللغة الفرنسية، وإليكم المثال( تلعب، تبلع تعلب تبعل) أو ( لعبة علبة بعلة عبلة).
من الأسماء: جريدة : journal يجمع بينهما حرفا الراء والجيم.حبر: encre يجمع بينهما حرف ( الراء) طاولة:
table( الطاء) محل:local (اللام) أذن oreille (الألف ) ذراع: bras(الراء) شارع: boulvard (الراء) سيارة: voiture (الراء) شعر: ) cheveux الشين) جدار: mur (الراء) شجر: arbre (الراء) بحر: mer (الراء) نور lumiere(الراء)أرض terre (الراء) وقد أخذت الإنجليزية هذا اللفظ بقضه وقضيضه earthe أي أرض مبنى ومعنى.وجه visage (الجيم) سماء ciel (السين )
من الأفعال: رجع: retourne (الراء) جرى: couru (الراء) تلا أو قرأ liser ( اللام أو الراء ) mangerلايوجد حرف مشترك ، يوجد في المرادف التهم (حرف الميم)... وما أخذته اللغة الفرنسية بمظهره وجوهره نورد عينة عن ذلك:طاولة: table سكر: sucre قهوة: café شاي : the أي شيء
حليب : lait حذفت ح لصعوبة النطق بها وعوضت الباء بالتاء. طبيب toubibe......
ومن أراد التسلية اللسانية واللعب اللغوي المفيد، فليجعل ذلك بينه وبين من يحب وسيلة للترجمة.. وفرصة لاكتشاف أسرار اللغة العربية ومدى قدرتها على المبارزة والمنازلة ، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهوأحق بها.
- اللغة العربية بأحرف لاتينية ( ولا زيتونية )
اللغة: لسان ...... la langue أليست هذه لغة عربية كما ترون؟ the tongue ، البراري : les periris جمع بر ، وبرور فهي براري ، غراب : corbeau مبنى ومعنى، الأحرف الهجائية: ألف باء ، ألفباء alfab ،وليست أول حرف من الحروف الإغريقية )ألفا alfa ( نمرقة وسادة: c …oussin ... إضافة..c ، جمل : kamel chameau قطن : coton ، شكلا ومضمونا
الأنفلونزا: الأنف .... لو ...نزا.. أي الأنف إذا سال منه ماء أو دم أو أي سائل آخر وليس إنف الإوزة كما هو شائع ،...سوق : stooks..إضافة..t.. والسوق هو مخزن السلع والبضائع أو مكان جمعها وتكديسها
بوناتيرو، بالإسبانية : bonne terreبالفرنسية..أرض جميلة أي عند عودة العرب المسلمين من الأندلس إلى بلاد المغرب العربي مطرودين وجدوا أرضا جميلة فقالوا: ( بوناتيرو ) أي أرضا تشبه تلك التي طردوا منها.
- خلدونية......kalidounia - الأمير عمار: Miramar - العشابونlisbonne وهم أهل الأندلس الذين كانوا يرتحلون في كل اتجاه، بحثا عن حقول الأعشاب الوفيرة في شبه جزيرة أيبيريا ، فلقبوا ب" العشابين " فسمي الموقع الذي وصلوا إليه في أقاصي غرب تلك الجزيرة ( موقع العشابين) ثم أضحى بعد ذلك يطلق على عاصمة دولة البرتغال..
- صابرين:ceberia مجموعة من الدعاة المسلمين الأوائل الذين وصلوا إلى أقاصي )صيبيريا( أثناء رحلات المد الإسلامي الدعوي، فحاصرتهم الثلوج هناك وقد عانوا معاناة شديدة من جراء قسوة البرد، فصبروا وكانوا من الصابرين فلقبوا بالصابرين..
- وتأملوا اسم ذلك الممثل المعروف في المسلسلات الاجتماعية اللاتينية التي ماتزال تعرض على شاشاتنا والمعروف ب:
ali khandro : أي علي خان داره.. هذا هو اسمه الحقيقي.. ولسنا ندري لماذا ارتكب تلك الحماقة.. وأضحى الآن بطلا يستهوي المراهقات.
شأن البيت: champêtre
وتعني حارس " شأن البيت " وليس حقليا أو ريفيا أو قرويا، أي أن العرب أثناء انطلاقهم إلى ميدان الغزوات والحروب كانوا لا يتركون بيوتهم عرضة للاعتداءات والنهب والسرقة من قبل أعدائهم بل يعينون لشأن ذلك حارسا قويا، يتسم بالقدرة في الدفاع عن الحياض، فأطلقوا عليه اسم حارس " شأن البيت " ومع مرور الزمن وميلهم إلى الاقتصاد اللغوي في نطقهم للأسماء والأفعال، تحول اللفظ من " شأن البيت " إلى ( شانبيط ) فأخذته اللغة الفرنسية بقضه وقضيضه وصار اللفظ العربي فرنسيا على الرغم من إنفه.
أطاما :a ta main
هات ، مدني به إطاما حذاك ، أي ناولني ذاك الشيء، الذي هو في متناول يدك a ta main ، تأملوا كيف تحولت الألفاظ الفرنسية إلى عربية والألفاظ العربية إلى فرنسية...تلك نماذج وأمثلة صغناها ودوناها كمساهمة بسيطة في تنوير من يستحقون التنوير من أبنائنا.. ومحاولة متواضعة للدفاع عن اللغة العربية أم اللغات وما أكثر ماهو موجود من أمثالها، وتأملوا مليا في هذا الأمر الذي يبدوا بسيطا، ولكنه من ناحية الثقافة والشخصية الوطنية من الأهمية بمكان، إذ كيف يعقل أن ندع لغتنا العربية لغة القرآن تصبح مرتعا مستباحا لكل وافد دخيل دونما رادع أو مقاومة لغوية ويحق لنا أن نتساءل عمن تعود إليه مسؤولية ذلك؟
* من يطورالآخراللغة أم الإنسان ؟! *
- كل من يعتقد أن اللغة العربية لغة متخلفة، وأنه لم ولن يكون بإمكانها استيعاب مبتكرات العلوم الحديثة ومسايرة تطوراتها ومستحدثات العصرومبهراته التكنولوجية، وأنها قد تزدهر في قطرعربي ما، وتـنـدحـر في آخر، بحكم تلك السياسات العرجاء المتعلقة بمراحل تعريب مناهج التعليم وبرامجه، ومحاولات تعريب الجامعات الجزائرية والعربية بأسلوب التقطير، أن هذا الأمر لم يعد متحكما فيه الآن، وأن احتكار المعرفة قد أضحى في حكم الماضي الذي لن يعود.
لأن " قرينة " العالم وتقريب المسافات وإلغاء حدود المعرفة وإزالة ورقة التمسك باحتكار شؤون تطويراللغة العربية قد جعلها لغة مئات ملايين البشرعربا وغيرعرب، مسلمين وغيرمسلمين، فإن حاولت مثلا معرفة عدد الكلمات والمصطلحات الجديدة التي عرفت طريقها إلى الاستعمال المباشر ـ والتي ساهمت في انتشارها كثيرمن المؤسسات الغربية المتخصصة في مجال الدراسات اللغوية ليس بهدف تطوير العربية إنما لأسباب اقتصادية بحتةـ لرأيت أن ذلك قد صارمستحيلا، فليهنأ الجميع، وليتركوا اللغة العربية تشق طريقها إلى العولمة كبقية لغات العالم الأخرى حرة طليقة، فقد أضحت اللغة العربية شبيهة بالألحان الموسيقية فلا وطن لها ولاجنس، ألم يعد الإنسان الروسي والشيشاني والأمريكي والإفريقي والأسيوي متحكما في النطق بها؟! وقد ملك أحدهم حتى ناصيتها وصارأفصح من أبي الأسود الدؤلي؟!!
هل بقي الآن بعد الطفرة المعلوماتية التي اكتسحت العالم من أقصاه إلى أقصاه مجال واحد لم تستطع اللغة العربية ولوجه والتعبيرعنه؟!
- ها هي تدق أبواب مختلف مناحي الحياة، العلمية والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية، وذلك على الرغم من تقاعس الباحثين في مختلف المجامع اللغوية واللسانية المنتشرة عبرعواصم العالم العربي، والتي لم ترقَ بعد إلى المستوى المأمول منها، حتى إلى طبع أقراص مضغوطة لتضمنها ما وصلت إليه جهودها وجهود غيرها في ميدان ترجمة العلوم وتعريبها.
لقد دخلت اللغة العربية بجهود محبيها المحدودي الإمكانات إلى عالم الحاسوب وفضاء الاتصالات، هكذا دونما رصد مبالغ ضخمة لتعميمها ونشرها، فالمعارف كل المعارف قد انفتحت حنفياتها وتدفقت وشكلت جداول وأنهارا من الأفكاروالمعلومات، وعم نفعها مناكب الأرض كلها، ولم يعد باستطاعة أحد الإمساك بزمامها.
- إذن قضية اللغة العربية قد انكشفت معالمها وتبين أنها مسألة سياسية بالدرجة الأولى، يتمسك بورقتها من بيده مقاليد الأمورللمساومة بها في الوقت المناسب، هيئات مختلفة وأكاديميات لا توجد إلاعلى الورق ومجالس عليا فلا هي نزلت إلى أرض الواقع ولا الواقع استطاع الوصول إليها،( فرنسة وأجنبة المحيط تجري على قدمين وساقين ولامن رفع يافطة في وجهها معترضا) اللهم إلا المقرات الفخمة والمناصب المغرية.
الفرانكفونية يرى الملاحظ جهود العاملين فيها صبح مساء ولو بواسطة الإشهار التلفزي لحروف لغتهم( la 5 الفرنسية مثلا )على شكل أمواج بحرية وحبات برد تتساقط من السماء كوسيلة إغراء وتحبيب للناشئة.... بينما لغتنا تتعرض لمختلف ضربات معاول الهدم والتكسير المبرمج ، وذلك على مرأى ومسمع أهلها والناطقين بها والمتعاطفين معها.
وكأن هذه اللغة هي سبب تخلف الشعوب العربية والإسلامية! فإن كانت اللغة تعتبرفي نظرهم وسيلة فقط فلِمَ الخوف منها ؟! وإن كانت تحمل فكرا، فلِمَ لم تتطورتلك الشعوب التي أقصت العربية من مناهج منظوماتها التربوية وبرامج تعليمها ؟!! وإلا كيف نفسراعتماد جمهورية سوريا للغة العربية كلغة أولى للتدريس في مختلف شعب وتخصصات العلوم بجامعاتها منذ عشرات السنين، فهل تأخرت سوريا عن ركب العصر؟!! أم صارت أكثرتطورا بغض النظرعن التحولات السياسية فيها من عدمها؟!! وهل هناك مجال لمقارنة سوريا المعربة بدولة السنيغال المفرنسة؟ أو النيجرأو مالي؟! وكيف يمكن إجراء مقارنة بينهما والدولتان متخلفتان؟ فعلى أي مقياس أومعياريمكن تقييم ذلك؟
أفي مختلف المجالات؟ أم في المجال اللغوي فقط، لمعرفة إن كان سبب التخلف يعود إلى لغة التدريس،أم يرجع إلى أسباب أخرى لا علاقة لها بالمجال اللغوي.
اللغة العربية لم يبق أمامها الآن سوى ميدان قطع غيارالحواسيب والسيارات والطائرات والغواصات، تلك القطع التي تعد بالملايين ، وهي قادرة على القيام بالمهمة، ولكن في إطارالترجمة فقط ، وليس التعريب ، بحكم أن صانعي تلك الوسائل سبق لهم وأن أعطوا مبتكراتهم ألفاظا ومصطلحات نحتوها من لغاتهم، التي ينتمون إليها أو يتكلمونها، أويبحثون بها، بينما هذه المصنوعات منعدمة الوجود عندنا دراسة وبحثا وتصميما وتوفيرا للمصطلحات التي يحتاجون إليها، لإطلاقها على مسمياتهم المبتكرة.
إن العجزأوالقصورالذي يحاول أعداء اللغة العربية إلحاقه بها، هو عجزعائد بالضرورة للناطقين بها! وللعاملين عليها! وللمكلفين بالعمل على تطويرها! وللواقفين بالمرصاد لها من أعدائها ضد نموها وانتشارها، لكي لا يتمكن الدارسون والناطقون والمدافعون عنها من تحقيق أية قفزة نوعية نحو المستقبل المنشود.
وبالتالي ها نحن متخلفون جميعا فلا الناطق العامل باللغة الأجنبية تطور، ولا المتمسك بلغة أمه تقدم، كلنا في الهم لغة وتخلفا.
إن كل شكل من أشكال تخلف هذه اللغة، هو ناجم ـ أصلا في نظري ـ عن عجز أولئك المتقاعسين عن الدفاع عنها، وعن هؤلاء الذين يتوجسون خيفة منها، لأن اللغة كل لغة من لغات العالم، لا تتطور ولا تنمو إلا بنمو مستعمليها والناطقين بها، فإن تطوروا هم تطورت، وإن تخلفوا تخلفت، والعكس غير صحيح.
إن أية لغة إذا أردت لها أخي صديق العربية أن تزدهر وتزداد ثراء، فما عليك إلا أن تزدهرأنت أولا، في كيفية استعمالاتك لها، وفي تقدمك في مجال ما ابتكرت ومااخترعت، وفي مدى قدراتك على توظيفها، والانتفاع بفضائلها ومن ثم تستطيع البحث فيهاعن المشتقات والمنحوتات من مخزونها المجمد الضخم ، الذي علاه الصدأ، واكتنفه الغبار، وقد يزوره الموت حتما، وهي سنة الله في مخلوقاته، فإن عرفت أنت سبيلك إلى التقدم، وأنجزت الجديد، وحاولت البحث عن حزمة من الألفاظ والمصطلحات التي تريد إطلاقها على ذلك الجديد، فإن اللغة لن تبخل عليك بذلك أبدا.(المثال الحي: اللغتان العبرية والفيتنامية....).
فاللغة لا تتخلف ولاترضى لنفسها الجمود أوالموت ، كبقية مخلوقات الله.( إنا نحن نزلنا الذكروإنا له لحافظون)
إذن فلا يجوزلك أخي عدو العربية أن تتهمها بالتخلف وعدم مواكبة الركب، وأنت لم تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام بغيرها، ولم تتشرف بالتقدم إليها طالبا منها أن تمدك بتلك الدرروالكنوزالتي لا تنضب
* اللغة العربية في خدمة حفيداتها*
بهذه الانطباعات الاستفزازية السالفة الذكر يسعدني أن أعرض على الإخوة القراء بعض الألفاظ العربية التي أنجدت لغات أجنبية عديدة ، وسدت الفراغ بها، في فترة ازدهارثقافةأهل تلك اللغة الأعجمية، وفي فترة تخلف لغتنا بعد تخلف أهلها،هذه الألفاظ أقدمها كعينة تعميما للفائدة، ورفعا لمعنويات بعض الإخوة الذين لم يستطيعوا منازلة أعداء اللغة العربية، وإظهار فساد منطقهم، وعدم صلاحية أدلتهم ،التي كثيرا ما حاولوا ـ يائسين ـ ضرب اللغة العربية ورميها بالعقم تارة، وباتهامها بالعجز والتخلف تارة أخرى، جاحدين فضلها، من أنها لغة القرآن الكريم، ولغة أهل الجنة ـ جازمين عن جهل تام ـ أن اللغة العربية ليست لغة علم ولا تكنولوجيا، وكأن اللغة العربية ـ التي لم يستعمل مما تمتلكه من كنوز وذخائر إلا حوالي العشر ـ هي التي حالت دون تقدمهم وتطورهم في شتى مجالات العلوم وميادين المعرفة، وكأن كذلك هؤلاء الذين يتهمونها، وهم الذين يتكلمون بلسان ضراتها، ويستعملون مفردات ومصطلحات حفيداتها قد قطعوا ـ في مجال تطورالعلوم الفلكية والبحوث البيولوجية ـ شأوا طويلا، تحسدهم عليه لغة الضاد.!!
فتعالوا أصدقاء العربية وأعداءها معا، نستعرض بعضا مما اختلسته تلك اللغات الأجنبية وما سرقته، وما احتاجت إليه من لغتنا الماجدة، وذلك في أيام عزها وعزأهلها، وحتى اليوم مايزال مسلسل الاستعارة والاختلاس من العربية متواصلا.
ومن ناحية أخرى قد ظن البعض أو تناسى أن كل أس من أسس كل علم من العلوم الحديثة هو ثابت الرسوخ في الحضارة العربية الإسلامية أيام ازدهارها وانتشارها، من رياضيات وجبر وهندسة وفلك وحساب وعلم أحياء وفيزياء وكيمياء..
ولانعيد للأذهان جهود جابر بن حيان وحكاية الصفر الذي لا حياة لأي علم دقيق إلا به، فبعد مضي عدة قرون تأكد الناس كل الناس أن لا حساب ولاحضارة إلا بتلك (الدائرة) العربية المنشإ والابتكار(0101010101).
ومما يثير الدهشة أنه حتى الإخوة سكان الخليج العربي وما جاوره ما يزالون معتزين بذلك الصفرالذي ابتكره أجدادهم، وهم يمجدونه دوما بوضعه على كوفياتهم، ولايعرفون لذلك تفسيرا.
مادة سناء médecine
ولنبدأ بمجال الطب وبأول لفظ فيه médecine أتدرون ما أصل هذا اللفظ وما منشؤه؟! إنه يعود إلى ذلكم الطبيب الفذ صاحب كتاب (القانون في الطب) ابن سناء، وأن اللفظ لفظ عربي مركب من كلمتين الأولى وتعني مادة، والثانية وتعني سناء، أي مادة سناء.
فلماذا لم تجد اللغة الفرنسية مقابلا لهذا المعنى في لغتها؟! ولجأت إلى أخذ الكلمتين وركبت منها لفظا واحدا صار دالا على علم الطب؟! أيعود ذلك إلى عجز في بنية اللغة الفرنسية أم إلى قوة وثراء اللغة العربية؟!
أعتقد أنه لا يعود لاإلى هذا ولا إلى ذاك، بل إلى قدرة الإنسان الذي باستطاعته استعمال أي لفظ يراه مناسبا لإطلاقه على المسمى الذي يريده ومن هنا تنتفي تهمة عجز اللغة عن مواكبة عصرها، فالفرنسة لا تعني تعميم الفرنسية بل تعني ما لم تستطع نحته من لغتها فتأخذه من لغة أخرى، فيصير مفرنسا، فكذلك التعريب لا يعني تعميم اللغة العربية على بقية مجالات الحياة إنما يعني إدخال ألفاظ أجنبية عن اللغة العربية وضمها إلى الأسرة الواحدة مكرمة معززة ( بوجو، رونو، فيات، تيلفزيون.....).
كاظمة kasma
ولنأخذ من الألفاظ العربية القحة التي هاجرت ـ قسرا أو طوعا ـ إلى لغات أجنبية ، وتم تجنيسها بجنسية العائلة التي أدخلت إليها، لاسيما اللغة الفرنسية واعتقد مستعملوها أنها تنتمي إليهم مبنى ومعنى نجد لفظ ( الكازمة ) الذي يعود أصله إلى كلمة (الكاظمة) وذلك باعتبار أن (الكازمة) هي عبارة عن قبو أوحفرة تحفرفي الأرض، ويلجأ إليها أي هارب أومتخف من خطر قد داهمه، ومن الأمثلة على ذلك: (الكازمات) التي كان المجاهدون الجزائريون يستعينون بها للتخفي عن أنظار وملاحقة المستعمر الفرنسي لهم، فابتدعوا هذه الوسيلة للتخفي والاختباء حين يتأكدون أن ميزان القوى في المعركة غير متكافيء،وليست الفكرة عائدة إلى ابتداع فيتنامي كما قد يتوهم البعض، فالفيتناميون يلجأون إلى التخفي داخل جذوع الأشجار، وإلى الغوص داخل مياه الأنهار يتنفسون بواسطة أنابيب القصب، بينما الكاظمة لا تسمى كذلك إلا في عمق الأرض وفي الكهوف والمغارات.
ومنها على سبيل المثال (الحفرة) التي لجأ إليها الرئيس العراقي صدام حسين، أثناء اجتياح القوات الأمريكية للعراق سنة 2003 م.
و باعتبار أن اللغة الفرنسية لا تتحمل النطق بالظاء، فقد لجأت إلى أسهل طريقة لحل تلك المشكلة وهي تخفيف الظاء ، وتحويله إلى سين أو زي (zs) ليصير نطق الكلمة مناسبا، فتصبح (كازمة) بدلا من (كاظمة) العربية .
ومن المعروف أيضا أن لفظ (كاظمة) قد جاء من كظم يكظم ، أي حبس يحبس غضبه، ويكتم غيضه على مضض ، يكظم الملتجيء إلى هذه الكاظمة غيظه وغضبه وسخطه، في انتظار مجيء الفرج، أو الأمر بالخروج من تلك الحالة النفسية السيئة ، أويتخذ قراره بنفسه لللإفلات من حالة كظم الغيض والغضب، فيتنفس الصعداء، بعد زوال دواعي التسترالإجباري ، التي دعته إلى الهرب والفرارمن بعض المخاطر والمخاوف.
(سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين.)
الشاهد: الكاظمين الغيض.فهل هناك من يدخل (كاظمة) وهو فرح سعيد ؟! أم يدخلها وهو كظيم؟!!
طبعا يدخلها على مضض أوغصبا عن إرادته.
فما هو المعنى الذي قد يؤديه اللفظ الأعجمي إن كان لفظ kasma أعجميا؟!!
فإن كان ولابد من استنباط أي معنى قد يؤدي إلى الغرض المطلوب فهو معنى لا يخرج عن كونه عربيا.
فحتى قدرالطبخ التي توضع على النار، محكمة الإغلاق، لا تلبث أن تظهرغيضها جليا، عبرتلك الفوهة المخصصة لإخراج الفائض من الغليان ومن بخار الماء، وهي كاظمة غضبها وغيضها، فتسمى (كاظمة)cocotte minute
والله أعلم
قُمَيرَة camera
الكثير من مستعملي وسائل التصوير في العالم، يعتقدون أن ذلك الجهاز الذي يطلق على اسمه لفظ (كاميرةcamera ) هو من صنع وإبداع الغربيين دون غيرهم، وباعتبارأن هذه الآلة هي اختراع وابتكارأوروبي ـ حسب ما هو شائع ـ فإن أصولها ـ يا إخوة الكتابة من اليمين إلى اليسارـ ترجع ، إلى ذلكم الإنسان العالم العربي، عالم البصريات ابن الهيثم، الذي كرس كل حياته للبحث في علم الضوء، فقد ابتدع جهازا صغيرا كان يدرُس من خلاله ظاهرة الضوء، وكل ما يسمى الآن بالبصريات، في محاولات تجريبية للاطلاع على أسرارالنور وماهيته ، فقد لجأ أثناء محاولاته تلك للقبض على حقيقة الضوء، إلى صنع كوة من ورق، أو من جلد، أو من أي شيء آخر، لا نعلمه، وكان يتأمل من خلاله ضوء النجوم والكواكب، منعكسة على المرايا، وأطلق على جهازه الذي صنعه أوعلى تلك الكوة لفظ (قميرة) تصغير قمر،لأنها تشبه القمر، فسميت من ذلك الحين قميرة ابن الهيثم ، وبالاستعمال المستمر لدى الغربيين صارت كاميرة، فاستبدلوا حرف القاف بالكاف واعتقد الناس بعد ذلك أن camera هو لفظ فرنسي محض، بينما الحقيقة هي أن هذا اللفظ قد تعرض لعملية تجنيس قسري وإدماج إجباري، ومع ذلك يقال أن العربية متخلفة!
فمن يستطيع الاستغناء عن هذه (القميرة ) في العمليات الجراحية الآن؟! التصوير الفتوغرافي بالقميرة، البث التلفزي بالقميرة، الاستشعارعن بعد لسبر أغوار الأرض بالقميرة، من بإمكانه رؤية مجاهيل الفضاء وأعماق البحار والمحيطات دون الاعتماد على هذه القميرة العجيبة ؟!
نشر بجريدة " الشروق اليومي " الجزائرية يومي: 27.26 04 2005م
هي البحر في أحشائه الدر كامن..
ماتزال اللغة العربية تبحث عن غواص ماهر، يمكن أن يلج أعماق بحارها، ويستخرج منها تلك الدررالثمينة، والكنوزالغالية.
تعالوا أيها الإخوة القراء أدعوكم إلى وجبة لغوية لذيذة، وأنا متأكد أن طعمها سوف ينال إعجابكم ويحوز رضاكم، لاسيما وأنتم الذين لا تطيقون صبرا عن التهام سطورالعربية وفقراتها في كل حين، نطلع معاعلى غيض من فيض من تلك الألفاظ العربية التي أنجدت نظيراتها الأجنبيات وأعطتهن إكسيرالحياة، ودفعت بهن للارتقاء والانتشار والتطور.
من الألفاظ التي تم الاستحواذ عليها، وتم تصديرها دونما مقابل مادي ! ولامفاوضات لغوية ! ولا اتفاقيات لسانية ! والتي يعتقد كثير من الناس أنها ألفاظ أجنبية، ولاعلاقة لها باللغة العربية، وهي في حقيقتها أسماء عربية قحة وذات فصاحة وصحة، ولا تربطها باللغة اللاتينية أوالمتفرعات عنها من إيطالية وفرنسية وإسبانية، أية صلة، اللهم إلا صلة الاستعارة من العربية ووراثتها قسرا أو طوعا.
لنأخذ من ذلك مثالا بسيطا تتحدث به الألسن في كل آن، ولا تعيره أي اهتمام، (دارالبلدية) الذي يطلق عليها باللغة الفرنسية لفظ:
الأميرية la mairie
هذه التسمية يظن بعض أبنائنا أنها تسمية فرنسية الأصل، مبنى ومعنى، في الواقع تبدوكذلك، ولكنها في الحقيقة قد انحدرت من لفظ عربي صحيح وهو (الإمارة أوالأميرية) التي تعني مقرإصدارواتخاذ القرارات التنظيمية المحلية في مختلف مجالات الحياة، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لإدارة شؤون الرعية القاطنين ضمن إقليم جغرافي معين.
وقد ساد واستعمل هذا اللفظ أثناء ازدهارالدولة الإسلامية وفي أيام عزها ومجدها، والتي امتدت أرجاؤها من بغداد شرقا، إلى قرطبةغربا، ويبدوأن حاجة اللغة الفرنسية لهذه التسمية لم تكن من باب الترف اللغوي، أو بحثا عن المزيد من الثراء، فقد جاءت حاجتها إلى ذلك تحت ضغط مستحدثات التنظيمات الإدارية والتقسيمات الجغرافية للأقاليم المختلفة آنذاك، فلم تجد مناصا إلا الخضوع لتيارالتقليد، تقليد العرب والمسلمين المتحضرين ـ كما هو ساربالنسبة إلينا اليوم ـ فاتكأت على عكاز اللغة العربية لتعويض عجزها وتغطية افتقارها إلى المصطلحات والمفاهيم المستجدة في ذلك الوقت.
لقد حاولت اللغة الفرنسية أن تجد لهذا المسمى مرادفا آخر، يتلاءم ووظيفة مقرالإقليم الإداري المحلي، الأمرالذي قد يمكنها من أن تتخلص من تبعيتها للغة العربية فأطلقت اسم: hotel de ville على (دار البلدية) ولكن الناطقين باللغة الفرنسية والمنهزمين لغويا ـ مثلنا في الظرف الحالي ـ قد أحجموا عن استعمال هذا المصطلح وصاروا يفضلون إطلاق مصطلح (الأميرية) mairie la علىالمقرالإداري المحلي، في كل معاملاتهم ومراسلاتهم الرسمية، وغيرالرسمية ، بدلا من لفظ: hotele de ville الذي يبدو أنه لم يعد يفي بالغرض المطلوب، ولم يحقق الغاية المرجوة .
أما إذا التفتنا إلى أسماء المدن والحواضر، فسنجد أن حيل (اليربوع الأزرق) قد انقلبت، وتأكد لدينا فعلا أن (المغلوب دوما مولع بالغالب) ـ كما يقول ابن خلدون ـ سواء تعلق الأمر بنا المغلوبين حضاريا أم بهم الغالبين لغويا، فتعالوا نرى ما الذي يمكن أن نفهمه من لفظ اسم المدينة التي تجري بها ألعاب البحر الأبيض المتوسط في هذه الأيام:
ألأميرية : elmeria
تلك المدينة الإسبانية الجميلة الواقعة وسط شرق شبه جزيرة أيبيريا، والتي تحتضن ألعاب البحرالأبيض المتوسط، نلاحظ أن اللفظ هذا لا يعني باللغة الإسبانية شيئا،اللهم إلا معنى (الأميرية) فأداة التعريف في اللغة الفرنسية ـ كما هو معروف ـ هي ( le ) بينما في اللغة الإسبانية نجدها على العكس من ذلك ( el ) ( أل) المأخوذة أيضا من اللغة العربية، في حين نجد اللغة الفرنسية قد عكست هذه الأداة للتمويه والتضليل، حتى لا يقال عنها أنها أخذتها من اللغة العربية ! فهل بإمكان اللغة الإسبانية والفرنسية الآن أن تستغنيا عن أداة التعريف العربية؟!
فلولا أداة التعريف العربية هذه لأضحت هاتان اللغتان الفرنسية والإسبانية نكرتين! أليس كذلك ؟!
وهكذا نلاحظ إذن أن اللغة العربية حتى في هذه الجزئية التي تبدو بسيطة، قد سدت فراغا بنيويا رهيبا في اللغتين الإسبانية والفرنسية وأمدتهما برداءين من حرير، سترا عورتيهما.
ألا يدل هذا على أن أمهم الكبرى اللغة اللاتينية قد عجزت فعلاعن أن تجد أداتي تعريف لإبنتيها الفرنيسية والإسبانية؟! فاستنجدت أخيرا باللغة العربية التي سمحت بدورها لهما لتأخذا حاجتيهما دون عقدة ؟!.
إن الأصل في تسمية المدينة elmeriaبهذا الشكل والمحتوى يعود إلى اسم (الأميرية) نسبة إلىالأمير،(أميرالمؤمنين) وهي تعني مقرإدارة شؤون قاطني ذلك الإقليم الجغرافي المعين، ومركز اتخاذ القرارفيه.
متى تم هذا الأمر وكيف ولماذا ؟ الله أعلم، لعل بعض دارسي فقه اللغة والباحثين في اللسانيات وعلم النفس اللغوي واللسانيات المقارنة يعرفون جواب ذلك.
ولنعرج على بعض أسماء المدن الإسبانية الأخرى، التي هي أسماء عربية، قد بقيت على حالها مع مرور الزمن، دونما تحريف أوتشويه كبيرين، اللهم إلا فيما يخص متطلبات النطق الإسباني، فغيرت لذلك بعض الأحرف، وعلى سبيل لفت الانتباه لاغير نورد الأسماء التالية نموذجا، متدرجين من البسيط إلى المهم ثم إلى الأهم فالأغرب:
ملقى malaga
وتعني ملقى، أي ملتقى،أو موعد، والدليل هو عدم وجود أي معنى قد يؤديه هذا الاسم باللغة الإسبانية، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة ، مما يدلل على قوة تأثير هذه اللغة في ثقافات شعوب العالم.
غرٌ نهض grenada
وأصلها غرناضة، أي غرٌ نهض أو غر ناهض، أو صبي قائم، وهي تختلف عن معنى لون الرمان بدليل أن: grenade باللغة الفرنسية تعني القنبلة والرمانة
ما دريت Madrid
وتعني: ما دريت، أي كنت جاهلا بالأمر، أولم أكن على علم به، أو ليس لي به دراية.
ومن صور تشويه اللغة العربية في الجزائر وحتى في عهد استرداد استقلالها وسيادتها ما نزال نطلق بغباوة وبلاهة كبيرتين أسماء كثيرة مكسرة ومهرسة ومفرنسة على أماكن ومدن وأحياء لها أسماؤها العربية الأصيلة أو العثمانية الصحيحة، ولناخذ أمثلة بسيطة لذلك:
صالح باي le saint lombey
حاكم عثماني من هو؟ ؟ انظروا كيف تحول اللفظ من عربي إلى اسم قديس تلوكه الألسن صبح مساء دون انتباه
وما الفرق بين باي وداي ؟ حي " باينام " بالجزائر العاصمة هو في الحقيقة الباي..نام وكذا حي "ميرامار" أي حي الأمير عمار
حسين داي le saint dey
داي الجزائر المعروف في العهد العثماني الذي فاوض المحتلين الفرنسيين أثناء غزوهم للجزائر تحول من حسين داي إلى القديس داي يا سلام !!
من هو؟ وما قصته؟ ولماذا هذا التكسير في كتابةاسمه بالفرنسية؟ ربما اتنقاما منه، لأنه كان السبب الظاهر لغزو بلادنا؟
أزعم أن كثيرا من طلبتنا الجزائريين لا يعرفون عنه شيئا، ولا سيما منهم أولئك الذين ينطقون اسمه محرفا، سواء أكانوا متعلمين أم مثقفين وباللغات الثلاث الوطنيتين وكذا الأجنبية!
مصطفى والي staoueli
من هو ؟ وما علاقته بتلك المعارك الطاحنة التي خاضتها المقاومة الجزائرية بمنطقة (سطاوالي) ودارت رحاها ضد جحافل المحتلين الغزاة بداية من سنة 1830م؟
مصطفى غانم mostaganem
من يكون هذا الرجل؟ ولماذا يشاع أن لفظ (مستغانم ) يعني مسك غانم، أو مسك غنم أو مساحة مغانم إلخ...؟!! بينما الحقيقة التاريخية لعلها تكون على غير ذلك، فلماذا هذا التحريف الذي طرأ على أسماء شخصيات وطنية مهمة؟ والتشويه الذي مس ماضي مدن ذات عراقة وبطولة؟ وحجب رؤية الحقيقة التاريخية عن الأجيال الصاعدة، التي لم يعد لديها ربما وقت كاف للبحث في ماضي آلاف السنين والقرون الخالية، وهي تجهل ماضيها القريب ومآثره.
فحتى البرامج والمناهج التعليمية والتربوية التي يقال أنها علمية وتستند إلى أسس بيداغوجية ، نجدها تبدأ بدراسة وتدريس الأحداث التاريخية الموغلة في البعد الزمني، وتترك الماضي القريب الحافل بالوقائع، والأمجاد والمآسي، وعندما تعترض التلميذ أوالطالب صعوبات في مواصلة دراسته، وينقطع عنها، يجد نفسه جاهلا بأهم ما في ماضي بلاده ، ولا يظفر إلا ببعض المعلومات المضببة عن العصر الحجري الأول أوالثاني وهلم جرا ؟أعتقد أن الأمور معكوسة تماما.
ومن ناحية أخرى ما وظيفة الأجهزة السمعية البصرية الوطنية إن لم تكن في خدمة الأجيال وتبصيرها بما تجهله عن وطنها؟
أم أن سؤالا من نوع: ( في الفيلم الفلاني كم مرة رفع الممثل الفلاني أصبعه مشيرا إلى حبيبته؟)
أومن نوع: (واحدة من ثلاث هي عاصمة الجزائر: (عنابة، وهران، الجزائر) من يعرف الإجابة الصحيحة يتصل فورا على الرقم: 080.80.080) هو أولى وأهم؟!!
برج ليكسم luxemborg
ما هي قصة هذا البرج وماحكاية صاحبه وما علاقته بالعرب والمسلمين ؟ السؤال يبقى مطروحا إلى أن ينبري له من يهمه أمر هذه اللغة المعجزة فيبحث عن جواب شاف ومقنع تاريخيا وجغرافيا ولسانيا.
برج بطرس betresbeurg
من هو بطرس هذا؟ ولماذا سميت قلعته وحصنه ببرج؟ وما هي صلته بالحضارة العربية الإسلامية؟ نفس الشيء بالنسبة للإجابة فهل من فارس يقتحم هذا الميدان ويعود لنا بغنيمة قد تكون متواضعة ولكنها بالتأكيد ذات بعد ثقافي وعلمي لا يمكن الاستهانة بقيمته.
إرث héritage
(وإنا لنحن نحي ونميت ونحن الوارثون، الحجر الآية: 23) الوارثون " l'héritie de tous "
( أولئك هم الوارثون، المؤمنون الآية: 10) ce sont eux les héritiers
ألا تلاحظون أن الكلمتين العربية و(الفرنسية) هما كلمة واحدة شكلا ومحتوى؟! ماعدا تحويرطفيف قد اعترى اللفظ لضرورة قواعد النحووالصرف الفرنسيين؟!
(ورث يرث إرثا وميراثا ووارث وموروث héritier les héritiers
أليست هذه لغة عربية قحة وفصيحة وبشهادة القرآن الكريم،( بلسان عربي مبين) الشعراء، الآية 195، تقرأ وتكتب بأحرف فرنسية؟!
أم أن اللغة الفرنسية هي أقدم من لغة العرب؟!!
أمين السر Secrétaire
تأملوا هذه الفرنسية الفصيحة، لقد جاءت من لفظ (سكر) أي: أغلق وسد، أي حال دون ظهورالشيء، أوما يسوء من جراء ظهوره، أو كتم ما لا ينبغي إبرازه، أو سكر غاب وعيه، وحجب عقله ، وكذلك سكر بمعنى كتم وحجب ما يعلمه، وأبقاه سرا مكتوما، ومنها ركبت ( سكريتير) أي كاتم السر، وأمينه secrétaire
وهكذا.. نجد أن اللغة الفرنسية قد استنبطت اللفظ وسلخته،وفرنسته عنوة، بل أخذته من اللغة العربية بقضه وقضيضه.
واستفادت كثيرا من هذا اللفظ : secrète ،sécurité أي الأمن" rassurante " الذي جاءت منه أيضا كلمة:
سري secret
( واستعينوا في قضاء حوائجكم بالسر والكتمان) أي ب) secret) نعم، لم يضيفوا إلى اللفظ العربي الأصيل شيئا كبيرا، اللهم إلا حرف (c) لتصير لغة فرنسية صحيحة، ما شاء االله على هذه العبقرية اللغوية! ومع ذلك يقول المنسلخون عندنا:( لابد أن أعلم أبنائي لغة حية أجنبية، ابتداء من السنة الثانية أساسي، وبالخصوص اللغة الفرنسية، وهو لا يدري المسكين أنه يعلم أبناءه اللغة العربية بأحرف فرنسية !!
وبهذا أرجو أن أكون قد جبت بمحبي لغة الضاد والمتعاطفين معها سواحل جميلة، حتى ولوكانت ضيقة ، من بحراللغة العربية المترادف الأمواج، وتمتعوا بعذوبة مياه رافد واحد من روافدهاالمتعددة، التي تصب كلها في محيط أم اللغات الهادر، وتفسحوا قليلاعلى ضفاف نهر من أنهارها التي سقت وماتزال تسقي بساتين وحدائق لغات أخَر ولا فخر.
* لا خصوصية ثقافـيـة في ظل تبعـية لغـويـة *
إن التشويه اللغوي الذي اعترى الأسماء والأفعال العربية وقواعدهما، في مختلف مناحي الحياة ببلادنا، في المقاهي والمطاعم والمحلات التجارية والمهنية والشوارع والملاعب والإدارات، والمؤسسات وإشارات المرور، وأغلفة المنتوجات الغذائية، والمطبوعات الإدارية، الرسمية، وغيرالرسمية، وبعض الصحف الأسبوعية، والدوريات الإعلامية، لم يكن ليأتي هكذا عرضا واعتباطا، أوبحثا عن أسهل سبيل للتبليغ والإعلام والتواصل، أولتحريف غيرمقصود، إنما نجم عن نية مبيتة، ما تزال تضمرها أطراف عديدة، لها مصلحة في ذلك، وهي الحقيقة التي أضحت صارخة، وتدعو إلى الحسرة على مآل تلك الجهود الكبيرة التي بذلت فيما سبق، لتعريب المحيط وتعميم استعمال اللغة العربية على المجالات كافة.
هذه اللغة التي تعرضت ومنذ فترة زمنية طويلة، إلى محاولات خبيثة متعددة ، ومتعمدة للنيل منها، ومسخ صورتها، بتوقيع أيدي وألسنة أولئك الذين كانت وما تزال تدفعهم حساسيتهم المفرطة، تجاه كل ما يتعلق بهذه اللغة المتميزة بالقدرة على الحياة والنماء عبرالحقب والعصور، وبالصمود والتحدي في مواجهة أعدائها.
وعلى الرغم من كل ذلك، فإنه صارمن واجب كل من يملك مقدرة على الدفع ضد هذا التدهورأن يساهم بما استطاع من مقاومة، وأن يؤيد هذا الكلام ، أو ربما يعتراض عليه ولكن بمسوغات معقولة ومنطقية، وأن يدلي بدلوه في هذا الشأن، الذي بات يركن في دائرة من دوائر المسكوت عنه، وربما تحريم الاقتراب منه ، أوالخوض فيه، بحجة حساسيته وخطورته.
أية حساسية هاته وأية خطورة ؟! وقد بلغ الموسى العظم، في تشويه صورة لغة الشعب والأمة ، من خلال حصص وبرامج الإذاعات الرديئة وأطباق القنوات التلفزيونية التي وصل البعض منها في تدني مستوى الرسالة الإعلامية والتبليغية والتربوية إلى درجة الإسفاف، والتي لم تعد تشرف الشعب الجزائري أبدا.
وذلك باعتماد اللغة الدارجة والعامية المطعمتين بفرنسية ركيكة وتوسيع نطاق استعمالاتهما في إعلانات الجرائد والومضات الإشهارية التلفزيونية، وفي الأشرطة الغنائية التي لا ضابط لها ولا رقيب، وأشرطة الفيديو، وما تبثه من أفلام هابطة المستوى، وتضرب اللغة العربية في الصميم وذلك بحشوعقول الناشئة بخزعبلات ماهي بلغة ولا بلسان، والأقراص المضغوطة ومحتوياتها المشبعة بالأخطاء النحوية والصرفية والإملائية، وحجة من يقف وراء ذلك كله هو:
( أن هذه هي لغة الشعب ! لغة التبليغ والتواصل) وكأن هاته اللغة الممسوخة المليئة بالألفاظ المهرسة، والكلمات المفرنسة، والأفعال المرفسة، هي اللغة الرسمية للدولة الجزائرية، هذه اللغة الهجينة، التي تعرف دعما وتشجيعا كبيرين من قبل دوائر معينة، قد طالت كل شيء، في ظل تراجع اللغة العربية عن تأدية وظيفتها الحضارية وتقاعس المشرفين على حمايتها والدفاع عنها.
فهل صادف وأن شاهدتم أوسمعتم قناة إذاعية أوتلفزية فرنسية محترمة واحدة ، حاورت شخصا ما باللغة العربية على أمواجها أوشاشاتها أو ارتكب الناطقون بها أخطاء في حقها، حتى لوكانت بسيطة؟!
والله لوحدث ذلك لقامت قيامة فرنسا من أقصاها إلى أقصاها، لأنهم أصحاب نيف وغيرة على لغتهم،التي يعتبرونها عنوانا لشخصيتهم الحضارية ومبعثا لفخرهم واعتزازهم.
إنه من حق ومن واجب كل مواطن حروشريف، ويغارعلى شرف وقداسة لغة بلاده، ويحترم بنود ونصوص دستورها، أن يرفع يديه حاملا يافطة طويلة عريضة، صارخا معترضا على هذا الإهمال واللامسؤولية، فيما طال اللغة العربية من مساس مهين ومذل، مدركا قبل كل شيء، أن هذا الأمر هو واجب وطني وديني وأخلاقي.
وعلى الرغم من كل تلك المحاولات اليائسة، التي تعرضت وما تزال تتعرض لها اللغة العربية، وبحيل متنوعة الوسائل، ومختلفة الأشكال، وعلى أصعدة وسلاليم وظيفية، يعرف كثير من الناس أصحابها، ها هي تؤدي دورها التعليمي والتربوي والحضاري في صبروجلد منقطعي النظير، شامخة كالطود الأشم، منتظرة من أولئك السياسيين أصحاب القرارالقادرين على تشريفها بالدخول إلى غرف البحوث المخبرية العلمية، لتنتعش أكثر، وإقحامها مكاتب الدراسات الهندسية والدفع بها إلىالورشات الميكانيكية دون عقدة ، واستضافتها في أبراج الأبحاث الفيزيائية، والمعامل الكيميائية والنوادي الفلكية، وفي جامعات الوطن للعلوم والتكنولوجية، لتشرفهم هي بدورها وهي أهل لذلك، وترفع معنويات الناطقين بها، وتكون سندا قويا للمتعاطفين معها، إثباتا للذات، وتحقيقا للاستقلالية اللغوية، وتميزا في الإبداع الأدبي والفني والفكري والثقافي الداعم لعناصر الهوية الوطنية.
وبهذا الصدد ينبغي التثمين عاليا ذاك القرارالسياسي الصادرمؤخرا عن مجلس الوزراء، الخاص بدعم اللغة العربية والذي أعطى بصيصا من أمل، ورؤية تقترب من الوضوح، لمستقبل اللغة العربية، لأن تتبوأ مكانتها التي تليق بجلالها ومجدها وعلى أرضها، ولكن أين وسائل متابعة تنفيذ محتوى القرار وتطبيق ما ورد فيه ؟!
* لغة الإدارة والاقتصاد والديبلوماسية *
إلا أن القرارالصعب والجريء الذي ماتزال اللغة العربية في انتظاراتخاذه،هو ذاك القرارالتاريخي الذي يمكنها من أن تصبح لغة أولى للاقتصاد وللإدارة، وللديبلوماسية، على غرار بقية لغات العالم السيدة.
فالألماني لا يتعامل أو يتكلم إلا بلغته، مهما حاولت استدراجه لأن ينطق بغيرها! حتى ولوامتلك ناصية لغات العالم، وكذلك الفرنسي والأنجليزي والإيطالي والإسباني والياباني والصيني ..
فلماذا نجد فئة كبيرة من الجزائريين ـ وعلى الرغم من كون دستور بلادها ينص منذ أكثرمن أربعين سنةعلىأن اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية للدولة الجزائرية ـ تصر على التعامل بلغة غيرها، إن على المستوى الرسمي أوالشعبي؟!
ما تفسيرذلك لدى علماء النفس الاجتماعي واللغوي ؟!
وماهي الدوافع التي تجعل الإنسان الجزائري يتخلى طواعيةعن جزء من شخصيته وهويته ؟!
وما هي البواعث التي تدفعه إلى اعتماد هذا السلوك غير الحضاري ؟!
ألا يعد ذلك انفصاما في الشخصية ؟! وطمسا متعمدا لعنصرهام من عناصرهويته ؟! وتشويها ـ بوعي أو بغير وعي ـ لذاتيته الجزائرية؟!
فإن كانت المسألة تتعلق ( بغنيمة حرب ) ـ كما يدعي البعض ـ فلماذا لم تحتفظ الأندلس باللغة العربية كغنيمة حضارة ؟! وقد دامت فيها هذه الحضارة ما يربو عن الثمانية قرون ؟! بينما لم يدم الاستعمار الفرنسي ببلادنا سوى قرن ونيف ، وقد فعلت لغته فينا كل هذه الأفاعيل؟!
فمادامت الأندلس قد أخذت قسطها من الحضارة العربية الإسلامية، ولم تحتفظ بلغة الفاتحين العرب والأمازيغ، لماذا على الجزائر أن تحتفظ بلغة هؤلاء الفرنسيين الذين ما عمروا بلادنا وما حضروها وما طوروها، بل آثارهم تدل عليهم.
( تخريب العقول وإكلام الأفئدة وتمزيق الشخصية الجزائرية، و نشر سموم ثقافتهم الغربية التي لا تتماشى وأذواقنا الشرقية، تلك الثقافة التي من سماتها الأساسية بث روح التفرقة اللغوية، وإذكاء نارفتنة العنصرية النتنة، والتحريض على زرع بذورالجهوية المقيتة بين صفوف المواطنين الجزائريين، وتمهيد الأرضية لتنامي ظاهرة أخطبوط الرشوة والفساد الإداري، والتلوث الثقافي، وتمييع الذوق الفني السليم للأمة، بحجة دواعي التحديث والتطوير، فهاهي النتيجة ـ كما يلاحظ الجميع ـ بعد استهلاك ثقافتهم واعتماد أنماط معيشتهم، وجعل لغتهم وسيلة للتسيير والإدارة، لما يربو عن الأربعين سنة، نجد الأمة الجزائرية مكلومة في لغتها، مأزومة في ثقافتها، مهزومة في استقلاليتها،لا إنتاج غذائي وطني وفير، ولا مصنوعات محلية للتصدير، ولم يبق من اهتمام الفرد الجزائري إلا الكدح اليومي، من أجل توفير لقمة العيش والبقاء على قيد الحياة لا غير)
( طبعا هناك فئة غير قليلة من الطبقة المتوسطة وما فوقها ببلادنا، مستفيدة من هذا الوضع، ولا ترضى بتغييره ، وقد يربكها ويقلص من حظوظها، وهي محقة في الدفاع عن مكاسبها، ولو على حساب الآخرين ).
أحترم التارقي حين يتكلم بتارقيته، والشاوي بشاويته، والقبائلي بقبائليته، والزناتي بزناتيته، والميزابي بميزابيته، لأنه يعبرعن ذاتيته الأصيلة، وهو فخور بانتمائه إلى أمته العربية الإسلامية، ولا أحترم ذاك الذي يتقعر ويرطن بلغة مستعمره بالأمس القريب، أمام أبناء بلده ، دون حاجة ماسة لذلك، مزهوا مفاخرا، وكأنه وصل إلى زحل، أوخاض حروب حنابعل، أو شارك في معارك هرقل.
(أعرف أحد الجزائريين الذين درسوا في أمريكا وكندا، يجيد خمس لغات عالمية، نطقا وكتابة، ولم أسمع منه يوما كلمة واحدة باللغة الفرنسية في حواره مع أبنائه وأبناء وطنه إلا مضطرا.)
فهاهم الإخوة المسيحيون اللبنانيون والأقباط المصريون لا يتكلمون ولا يكتبون إلا بلغتهم الدستورية الواحدة، الجامعة لذلك التنوع اللغوي الثقافي لأمتيهما كبقية شعوب العالم المتحضرة.
* اللغة فكرأم وسيلة ؟ *
ـ فإن كانت اللغة فكرا ، فإننا قد صرنا نفكر انطلاقا من مرجعيتين مختلفتين ومتاضدتين، كل منهما تدعي أنها على هدى، وأن سبيلها هو سبيل الخلاص والانعتاق من ربقة التخلف.
ألا تحتاج هذه الإشكالية القائمة ببلادنا والتي لها تأثيراتها السلبية المزمنة، إلى ندوة وطنية سياسية فكرية ثقافية لدراستها والبت فيها بصفة نهائية ؟ حتى لا نورث الجيل الحالي والأجيال القادمة هذا التطاحن اللساني والتنابز اللغوي، الذي سوف يفضي في نهاية المطاف إلى التخلف بأسمى صوره لا محالة؟! والدليل على هذا التخلف ما نعيشه منذ الاستقلال من صراع لغوي حاد، معرقل لكل جهود التنمية، ومن فوضى ثقافية، أربكت أفراد المجتمع، وزادت في اتساع رقعة الشرخ الموجود بين الفصائل الثلاث للنخبة الوطنية ، (المعربة والمؤمزغة والمفرنسة).
قلت فكرين مختلفين عربي إفريقي، وفرنسي أوروبي، تطبع وتأثركل منهما بطابع جغرافيا وتاريخ مختلفين، ونستعمل وسيلتين تؤديان وظيفتين مختلفتين أيضا ومتضادتين، إحداهما تدفع بالفرد الجزائري للغرق في بحيرة الاغتراب والاستغراب والاستلاب، وتوفيرعناصرالقابلية للاستعمار، (وهذا ثابت علميا وأظن أنه لامجال فيه للنقاش) ، والأخرى تدعوه للغطس في بحيرة الاستقلالية الثقافية عن الغرب، وإمداده بما يحصن ذاتيته، ويصون كرامته، ويحفظ وجدانه، من مخاطر الذوبان في الآخر.
وإن لم يكن الأمركذلك، فما الجدوى من مساعي أنصارنشرالفرنكفونية في ربوع العالم ؟ والعمل على توسيع مجالات استعمالها في فضاءات خارج وطنها الأم؟ إن لم تكن من أجل استيعاب الآخر، وشل قدراته الفكرية والوجدانية، ومن ثم الهيمنة والسيطرة عليه لابتلاعه!!
إن الحضارات دورات ودول، فالدورالعربي الإسلامي قادم لا محالة بإذن الله ، وتلك سنته في كونه.
فمنطق التاريخ يؤكد أن دورة الحضارة لا يمكن أن تستقر في مكان وزمان واحد، (وتلك الأيام نداولها بين الناس).
إن ما يعرقل مسيرة وجهود المخلصين من أبناء هذا الوطن، التواق للتحررمن هيمنة الغرب الثقافية، هوهذه الخلافات الداخلية الطاحنة، السياسية منها والاجتماعية واللغوية بالخصوص.
( متى يبلغ البنيان يوما كماله * إذا كنت تبني وغيرك يهدم).
ـ أماإن كانت اللغة وسيلة فقط، فإننا نتناول طعامنا بملاعق لغة غيرنا، ونلبس سرابيلهم الفكرية الرثة، التي أثبتت التجربة عدم جدواها.
وبالتالي ها قد أضحينا بعد كل تلك التجارب المرة عراة مفضوحين، فلا مناسج لغتنا تركناها تكسونا، ولا أقمصة لغة غيرنا صارت تدفئنا.
ألم يصل الروائي الجزائري الكبير رشيد بوجدرة إلى طريق مسدود ـ بعد أن غامر لعدة عقود في رحلته اللغوية المعروفة، فعاد معترفا بعدم جدوى الإبحار في يم لغة يعيش أهلها الأصليون أزمات فكرية حادة، وربما الإفلاس ؟! وقد أدرك بحسه الحضاري في نهاية مطاف سفره ، وهو المتمكن الأمكن في ناصية اللغة الفرنسية، وبعد تجربة الكتابة الإبداعية بها وفيهاأن: (المكسي برزق الناس عريان؟!).
ها هو يعود للكتابة بلغة الوطن، لغة الهوية الحضارية, لغة الانتماء، لغة الأمة والشعب، لغة الأنا الجماعي الحضاري للشعب الجزائري المتميزعن الحضارات الأخرى، شئنا أم ابينا.
وكذلك الكاتبة والروائية الجزائرية المعروفة آسيا جبار، التي فازت مؤخرا بإحدى الجوائز الأدبية، قد صرحت أنها نادمة أشد الندم عن عدم تعلمها اللغة العربية.
مرحبا بالأمازيغية لغة وطنية للتفكير والإبداع الفني والثقافي ، وسحقا للغة عدوي الاستدماري بالأمس، وخصمي الحضاري اليوم، سحقا للغة امتدت أذرع أخطبوطها لتطال حتى قرى وسهول وجبال وصحارى الضفة الجنوبية من حوض المتوسط، ضفة الأحرار عربا وأمازيغ، محاولة التهامهم وعيونهم تنظر، وسواعدهم المفتولة تحاول الدفع ولكنها مغلولة، سحقا لمن لا غيرة له على دينه، وقدعلم أنه سوف يحاسب عن تفريطه في ذلك يوم القيامة، وسحقا لمن لا غيرة له على لغته الوطنية والرسمية، وقد أدرك أن الشهداء قد اطمأنوا عندما وضعوا الأمانة بين يديه، وبذلوا مهجهم رخيصة في سبيل تحريره واستقلالية شخصيته الثقافية والسياسية والاقتصادية، وتركوه ينعم بحرية وكرامة، وسحقا لمن لا غيرة له على انتمائه الحضاري المتميز ، سحقا لمن انسلخ عن جلده غصبا عنه، ولم يحاول الدفاع عن نفسه، أوعن طيب خاطر، وهو يردد أن ذلك لم يضره في شيء ، محاولا بإصرار سلخ الآخرين معه، دونما حياء ولا وجل.
نقول هذا لا لشيء، إلا لكون اللغة العربية ما تزال تبحث عن صاحب قرار شجاع، قد يقضي بقراره ذاك على كثير من بؤر التوتر الاجتماعي والتطاحن السياسي، ويحقق أسمى معاني المصالحة الوطنية المتمثلة أولا في الذات الجزائرية المستقلة، وثانيا في مسألة الانتماء الحضاري للأمة، وفض نزاعات إشكالية الهوية الثقافية، وثالثا في تخليص الأمة الجزائرية من أذرع أخطبوط التبعية اللغوية للغرب.
هذا الغرب الذي لم يستطع حتى اللحظة التخلص من حنينه الاستدماري وعقدة الهزيمة لديه.
إن كل من يبحث له عن أعذار في هذا الشأن هوواهم، ولم يستفد من دروس التاريخ شيئا.
( وما تكريم وتمجيد رموز الجريمة لليل الاستدمار سوى دليل على ذلك ).
نشر ب"صوت الأحرار" الجزائرية في 27. 11. 2005
في الدين..
* عَلمانيُوالعَولمة والإعجازاالعلمي للقرآن *
كثيرا ما نجد بعض الحداثيين وممتطيي موجة العولمة والعلمانية منهم العرب وغير العرب سواء أكانوا من أولئك الرافضين لوجود الدين أصلا، أوممن يميلون الى وجوده والاعتراف بنزوله، ولكنهم ينكرون قدرته على استغراق واحتواء مستحدثات العصر، ومبتكراته، ملمحين أحيانا الى أن الدين قد شل قدرة العقل البشري على التطور وحد من طاقته على التفكير، متحججين في ذلك بالدافع الذي يتمثل في صورالريبة والشك لديهم أنهم كلما أحسوا امتلاكهم قدرا من العلم، ومن أدوات تحليل وتركيب الأفكار،أصبح من واجبهم ومن حقهم امتلاك زمام ريادة الشعوب، وتنصيب أنفسهم أئمة عليها، ليوجهوها نحوالمزيد من التطوروالرقي ـ حسب أهوائهم طبعا ـ وأنه من واجب هذه الشعوب أن ترى ما يرون وتتبع وتنفذ ما فكروا فيه وإلافسوف يحملونها مسؤولية تقهقرها وتخلفها، في شتى الميادين، وأنها لن تستطيع تحقيق نتائج تذكر في مجال محاولات تطورها ورقيها ، وتقدم الإنسان العربي والمسلم وتوفير وسائل راحته وازدهاره.
فإن كان هؤلاء الحداثيون العلمانيون الذين ما فتئوا يطلون علينا كل يوم ـ تقريبا ـ عبر أعمدة الصحف واسعة الانتشار في مختلف أنحاء الوطنين العربي والإسلامي مرددين باحتشام أن التفكير العلمي الحر قد وقف في وجهه ذلك المقدس الذي لايجوزالاقتراب منه أو البحث فيه، فإن كانت لديهم الشجاعة والجرأة الكافيتين فليقولوا أولا ما رأيهم في خلق السماوات والأرض، وما هي نظرتهم للحياة وللوجود والكون، دونما ارتكازعلى أسس دين أو معتقد وينشرون أفكارهم تلك بدون تلميحات، كما نشر سلمان رشدي وتسليمة نسرين رأيهما بكل وضوح، وساعتها ينتظرون رد من يخالفهم الرأي،عارضين أدلتهم وبراهينهم للدلالة على ما ذهبوا إليه، دونما وجل أو تردد، من "أفكار"وهرطقات وتهويمات، قد خاض في يمها أغلبية المفكرين المسلمين وغيرهم، ولم يتركوا أي مجال لم يقلبوه من جميع أوجهه، فعاد بصرهم ـ بعد تلك الرحلة الشاقة ـ إليهم خاسئا حسيرا، بدءا من المعارك التي خاضها " المعتزلة والقرامطة وانتهاء بالحلاج وبابن رشد..مع بعض التحفظ حول تلك المدارس الفكرية والمداهب الدينية والمشارب السياسية " ومن حذا حذوهم، وما تمخض عنها من مآس ومحن، مانزال نتجرع مرارتها الى اليوم!
ـ أليس تخلف المسلمين في شتى مجالات الحياة مرده الى أسس فكرية خاطئة، قعد لها أولئك المرجفون وعبر الخريطة الزمنية لما يربو عن عشرة قرون ؟!
ـ أليس ذلك الصراع الخفي الهادف الى الهدم سعيا لإفشال وإلغاء أفكار الآخرهو ما يهدد وجود الطرفين معا ؟!
ألم تكن دورة الحضارات في صعودها وتقهقرها ناجمة أصلا عن أفكار ومعطيات أسست لها ؟!
ـ من باستطاعته البرهنة على أن الفساد السياسي والاقتصادي والثقافي الذي تعيش مظاهره الآن الأمتان العربية والإسلامية سببه تشبث العرب والمسلمين بمباديء عقيدتهم الدينية ؟!
لمحاولة الاقتراب من الإجابة عن تلك الأسئلة نورد بعض الآيات القرآنية ونقول: أن مثل هذه الأمورنراها لا تقدم ولا تؤخر في مجال البحوث التي تناولت أوستتناول قضايا غيبية كبرى لم يصبح باستطاعة العقل البشري تحمل مشاق الخوض فيها، وأن صراعا بين تيارين معروفين من المفكرين في عالمنا العربي والإسلامي قد استنفد كل منهما طاقاته في عملية محاولة إلحاق الهزيمة بمن يخالفه الرأي في هذا الشأن ، فليتقوا الله في أنفسهم أولا، وفي الأجيال الصاعدة التي لم تعد تتحمل مثل هذه المعارك الفكرية البيزنطية عديمة النفع ثانيا، فإن كان ولابد فليقترح كل من الطرفين عقد مؤتمرعالمي يتباريان فيه بالتوصيات والنتائج التي قد يتوصل إليها الجانبان للفصل في الموضوع، موضوع الديني واللاديني وتنويرالباحثين والمهتمين والمعنيين وكذا عموم الناس، فيظهر من هو على حق ومن يدعو الى باطل، وكل ذلك في إطار (ولا يزالون مختلفين ) (هود، الآية:118)
( الله جل وعلا)
( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) (الإسراء ،الآية :36 )
الله هو الأول، الذي لا شيء قبله، والآخِر الذي لاشيء بعده، الظاهر، الذي لا شيء يخفيه، الباطن الذي لا شيء يجليه، سبحانه وتعالى عما يصفون .
جاء جمع من سكان اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن كيفية بدء الخلق، فقالوا له: أخبرنا يا رسول الله، كيف كان الكون قبل أن يخلق الله مخلوقاته، أي قبل خلق القلم، واللوح المحفوظ، والعرش، وسائر مخلوقاته وموجوداته من جنة ونار و جن وبشر ووحوش والسماوات والأرض، فقال: كان الله.. فقالوا له كيف؟ فقال في عمى.. أي لا يستطيع العقل البشري تصور شيء.
فأول شيء خلقه الله هو القلم، و النون التي هي الدواة ( ن والقلم وما يسطرون ) قال الله للقلم : اكتب، قال يا رب ماذا أكتب؟ قال: اكتب علمي فيما هو كائن وما يكون إلى يوم القيامة، ثم خلق اللوح المحفوظ الذي كتب فيه كل شيء .( رفعت الأقلام وجفت الصحف )
ثم خلق العرش ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه:
إن السماء الدنيا ما هي بالنسبة للسماء الثانية، إلا كحلقة في صحراء، وأن السماء الثانية، بالنسبة للسماء الثالثة، ما هي إلا كحلقة في صحراء، وأن السماء الثالثة، بالنسبة للسماء الرابعة، ما هي إلا كحلقة في صحراء، وأن السماء الرابعة، بالنسبة للسماء الخامسة، ما هي إلا كحلقة في صحراء، وأن السماء الخامسة، بالنسبة للسماء السادسة، ما هي إلا كحلقة في صحراء، وأن السماء السادسة بالنسبة للسماء السابعة، ما هي إلا كحلقة في صحراء، وأن السماء السابعة بالنسبة للعرش، ما هي إلا كحلقة في صحراء، وأن العرش بالنسبة للكرسي، ما هو إلا كحلقة في صحراء.
( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية.) (الحاقة، الآية: 17 )
( ثم خلق باب التوبة من جهة الغرب ، يبلغ اتساع هذا الباب مسيرة سبعين عاما ، تركه مشرعا للتائبين، إلى أن تشرق الشمس من الغرب،أي أن باب التوبة يبقى مفتوحا لمن أذنب وعصى فيرجع ويتوب إلى رب العالمين، فإذا أشرقت الشمس من الغرب أغلق هذا الباب وانتهى الأمر فلا توبة بعده .
ثم خلق الرحم، التي تعلقت بعرش الرحمان قائلة: أعوذ بك ممن قطعني، فقال لها: (من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته، أترضين قالت رضيت)
ثم خلق مئة رحمة، فأنزل منها إلى مخلوقاته واحدة، واحتفظ بتسع وتسعين أخرى ليوم القيامة.
كل ما نراه ونحسه من عطف وتعاطف ومحبة وشفقة في الأمهات والأباء من بشر أو حيوان أو طير،ما هو إلا رحمة واحدة من مئة رحمة خلقها الله جل وعلا.
ثم خلق الملائكة والجن وبقية مخلوقاته (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة....)
( البقرة الآية 30) ما رأيهم في هذا فلسفيا ولاهوتيا ومنطقيا؟!!
( وترى الجبال تحسبها جامدة..)
توضيحا لذلك أحاول أن أستعرض بعض الآيات ، التي تتحدث عن حقائق إعجازية، وردت في القرآن الكريم وأثبتها العلم الحديث، متحدية أفهام الناس وعقولهم، أيام نزوله وإلى يوم يبعثون على لسان خير البشر، محمد صلى الله عليه وسلم، إذ لم يتعد فهم بعض الناس لمعاني بعض الآيات التفسيرالظاهري لها، وقد كانت تعتبر بالنسبة للكثيرمنهم ـ مؤمنين وكفارا ـ غاية في العمق والشمولية والدقة والبلاغة، وذلك على الرغم من كون القوم كانوا سادة العربية، وفحول بيانها، بينما البعض الآخر أدرك بإيمانه الراسخ، ويقينه الثابت، أن القرآن جملة وتفصيلا، بآياته المحكمات والمتشابهات، هي إعجاز بياني رباني، وإفحام منطقي،لا يمكن مضاهاتها أو التطاول عليها ،لأنها كلام رب العالمين (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. (فصلت، الآية: 43 )
لا ولن يمكن لأي مخلوق ـ وبأي حال من الأحوال ـ أن يأتي بمثله، ولو بآية واحدة منه، ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.)
(الإسراء ، الآية 88 )
ولنبدأ بالآية التالية، ثم نرى مدى قدرة وقوة حجج هؤلاء للرد على ذلك :
ــ (وترى الجبال تحسَبُها جامدة وهي تمرمرالسحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء..)
(النمل، الآية :88 )
من المعلوم، أن أعلى نقطة في العلو، وصل إليها الإنسان، أيام نزول القرآن الكريم، هي سنام الجمل، أوظهر الفيل، أو صهوة الجواد،أو سطح الكعبة، أو قمة الجبل،أوهرم، باستثناء محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي وصل إلى سدرة المنتهى، في رحلته المعروفة، ليلة الإسراء والمعراج، بينما ما عداه من الناس لم يكونوا يعرفون معنى لمرور الجبال كمر السحاب، فالآية تتحدث عن مرور الجبال وحركتها، وسفرها الدائمين، فقد كان بعض الناس يظنون أن الجبال، لا يمكن أن تتحرك من مكانها، وأنها ثابتة، ولذلك يُضرب بها المثل في الثبوت، وعدم الحركة، فيقال للشيء: (ثابت ثبوت الجبال). وأن الحديث عن مثل هذا الأمر،أي تحرك الجبال وطيرانها ـ إن جازالتعبيرـ يعتبر ضربا من ضروب الهراء، أو نوعا من أنواع الخبل، الذي قد يصيب عقل من يقول بذلك.
فلو كان المقصود ـ والله أعلم بمراده ـ رؤية الجبال في يوم القيامة فقط ، تتحرك، وتسير، لذكرت الآية مثلا : (ويومئذ ترى الجبال..) ولكنها قالت: وترى الجبال، أي أنها على غرار (سنريهم آياتنا في الآفاق..) ومن ثم ها نحن أهل القرون الحديثة والبعيدة عن ذلك العصر، نلاحظ أن الجبال تمرمرالسحاب، كيف؟
الجواب: بعد أن يسرالله للبشروسائل تجاوز الغلاف الجوي، والتخلص من الجاذبية الأرضية والنفوذ إلى الفضاء الخارجي ،بعد أن أخذوا بالأسباب طبعا (ثم أتبع سببا...)(الكهف، الآية: 89،92 )
(يا معشرالجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطارالسماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان..)
(الرحمن ،الآية :33)
وصعدوا إلى سطح القمر، بل إلى أكثر من ذلك إلى كواكب أخرى، ما كانت لتخطرعلى قلب بشر، وما نزول رائدي الفضاء (أرمونسترونغ وألدرين) وووضع قدميهما على أديم القمر سوى عينة على ذلك.
فلو فرضنا مثلا أن أحدا من أهل العصرالأول، الذي نزل فيه القرآن، هوالآن حاضر معنا، وذكرنا له أن الإنسان قد أصبح بإمكانه النزول على سطح القمر،هذا القمرالذي كان الشعراء يتغنون ببهائه وجماله، ويتغزلون بحسنه، صاراليوم جبالا وصخورا، لقال: أن هؤلاء الذين يستطيعون فعل ذلك هم الشياطين وليس البشر، وذلك نظرا لاستحالة تحمل عقله، لهذا الأمر، ناهيك عن التصديق به .وكما جاء في الأثر أن(الجبال لا يقهرها إلا الحديد، والحديد لاتقهره إلا النار ، والنارلا يقهرها إلا الماء ، والماء لا تقهره إلا الريح، والريح، لا تقهرها إلا الصدقات) الصدقات أسرع وأقوى من الريح.
و لنتلو الآية من جديد ،(وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) :
من كان يظن من هؤلاء الناس، أن الأرض مكورة الشكل! أوأنها عبارة عن كرة مستديرة ، تسبح في الفضاء اللامتناهي،أوهي مثل حبة رمل، ملقاة في صحراء، مترامية الأطراف، بالنسبة للمجموعة الشمسية، وللفضاء الفسيح، وما فيه من مجرات؟! أوأنها كوكب صغير،لا يكاد يرى ، في محيط مجرة، تسبح ضمن عدد غيرمعروف لحد الآن من المجرات ، التي لاعد لها ولا حصر، حسب آخر ما توصل إليه علماء الفلك والفضاء، وما تم استنتاجه من نظريات، ثبتت صحة فرضياتها، وذلك بعد أن غزا الإنسان الفضاء الخارجي بوساطة مختلف المسابرالفضائية، وما تم الوقوف عليه من حقائق علمية ثابتة، في أن الأرض ما هي إلا كوكب صغيرجدا جدا يسبح في الفضاء، كسائر الكواكب الأخرى. ألم يكونوا يعتقدون أنها مركز الكون ومحوره ؟!
وقد جاء في تفسير القرطبي، وابن كثير: أن الجبال يراها الناس يوم القيامة جامدة، أي واقفة، لا تتحرك بينما هي في واقع حالها تتجمع وتسير، لتصير كالعهن أو كالسراب، فتراها العين كأنها غير متحركة ، وهي تمر مر السحاب، وهذا ربما ـ والله أعلم ـ تفسير ظرفي ، جاء لزمانه، بينما الحقيقة الماثلة للعيان الآن، هي أن الجبال تسير، وتتحرك، وهي مسافرة سابحة في الفضاء، ولم يكن باستطاعة هؤلاء المؤمنين، آنذاك إدراك هذه الحقيقة، نظرا لعدم وجود وسائل، تساعدهم على فهم هذه الحقيقة المكتشفة حديثا، وكنوزالقرآن وحقأئقه لا تنتهي بانتهاء حقبة معينة أو عصر من العصور.
فهو تحدِ واضح جلي، لعقول سكان الجزيرة العربية من غير المؤمنين، الذين كانوا يعتقدون أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يأته جبريل، ولم ينزل عليه الوحي من ربه، بل ربما طاف به طائف من الجن،أو أنه سحر أوأن القرآن الذي أتى به لم يكن سوى من نسج خياله، فهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم خبيرا في علم الجغرافيا؟! أو في علم الجيولوجيا؟! أوفي علم الفلك؟! أو أنه كان يملك مراكب فضائية تساعده على الانطلاق في أجواء الفضاء الرحب، ومن ثم يتوصل إلى حقيقة أن الأرض كروية الشكل، وأن الجبال تمر مرالسحاب، بالنسبة للملاحظ الموجود خارج الغلاف الجوي للأرض ....؟!
فكيف يتسنى لرجل لم يغادر شبه الجزيرة العربية، إلا نحو الشام تاجرا، في رحلة الشتاء والصيف؟!
( لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف) (قريش، الآية:2 )
أن يعرف هذه الحقائق من دون وحي، أومن دون وسائل ارتقاء؟!.....
( وكل في فلك يسبحون) ( يس، الآية 40) كل شيء في الكون يَسبح ويُسبح بما فيها الأرض التي كانوا يرونها، وهم يمشون على أديمها أنها مركز الكون، فالأوائل لم يكن بإمكانهم إدراك أن الأرض تسبح مثلها مثل بقية الكواكب والنجوم، باعتبار أنهم كانوا يلاحظون بأعينهم أن تلك الكواكب والنجوم من غير الأرض تتحول من مكان الى مكان في حين أن الحقيقة هي أن ما كانوا يشاهدونه هو مواقع النجوم وليست النجوم ذاتها، فالمدة التي يستغرقها وصول الضوء الى الأرض تتطلب زمنا طويلا،(8 دقائق) وبالتالي فالنجوم قد غادرت مكانها منذ فترة غير قصيرة، فهؤلاء لم يكونوا يشاهدون سوى مواقع للنجوم، وهو الأمر الذي ورد في الآية:( فلا أقسم بمواقع النجوم)(الواقعة، الآية:75)
إذن الأرض تدور حول نفسها دورة كاملة خلال أربع وعشرين ساعة بما فيها الجبال الراسيات على أديمها وفي عمقها وتدور حول الشمس دورة كاملة خلال ثلاث مئة وخمس وستين يوما (وترى الجبال ...نحن نراها من خلال هذه الدورات المتتاليات تمر كمرالسحاب ، فالسحاب يمرحولها سواء أأفرغ حمولته أم لم يفرغها، أأكمل دورة حول الأرض أم لم يكملها، فهو متنقل إذن والجبال متنقلة كذلك.من أين لمحمد صلى الله عليه وسلم معرفة ذلك إن لم يكن ما يقول به وحيا يوحى وتنزيل من رب العالمين؟!!!
(صنع الله الذي أتقن كل شيء)
كل المصنوعات التي نعرفها ونلمسها بأيدينا ونعرف منافعها من أدوات مختلفة ووسائل مادية نستعملها في حياتنا اليومية فيقال أنها من صنع الشركة الفلانية أو العلانية ومن إبداع وتخطيط وتنفيذ وتركيب فلان، هي في حقيقة الامراكتشافات لحقائق كانت موجودة من قبل، فالشركة لم تصنع شيئا يذكرابدا، إنما الإنسان، بعد أن هداه الله الى ذلك توصل إلى قوانين وجودها وتركيباتها المختلفة، وأنه لم يضف إليها شيئا أبدا، فالصانع المبدع هو الله سبحانه وتعالى، فكما أن الإنسان الأول توصل إلى معرفة كيفية إشعال النار بوساطة احتكاك الأشياء بعضها ببعض، كذلك إنسان اليوم توصل إلى حقيقة تذويب الحديد والنحاس ومعادن أخرى وصهرها وتركيب أجزائها، وضمها إلى بعضها البعض، ثم ركب السيارة والطائرة والغواصة ومختلف وسائل التمدن التي نلمس منافعها المباشرة وغير المباشرة، فبعد إعماله النظر في الشيء، وكذا التامل في مكوناته، والعناصر التي يتركب منها ، تاتيه الفكرة،،أية فكرة،، من شأنها أن تقوده إلى الاستفادة من ذلك الشيء، فيحلل، ويركب ويعيد التحليل والتركيب وهو ما يسمى بالتقنية، أي أن الفكرة تتحول من شيء نظري إلى شيء ملموس، فتسمى هذه العملية (تكنولوجية) كل ما يخطر على البال ويمكن استغلاله لصالح الإنسان والاستفادة منه يحول إلى ملموسات ومحسوسات، أصوات.... الصوت مادة، أبواق ،أجراس، طبول،أشرطة اسطوانا... روائح، عطور طيبة، وغير طيبة ،، مأكولات ... ملبوسات .... صنع الله الذي أتقن كل شيء ،، نعم كل شيء،، هل هناك من شيء يمكن استثنا ؤه؟! أبدا المعنى واضح جلي ولا يحتاج إلى تفسير أو تأويل، أتقن أي: عمله بإتقان متناه في أية صورة ما شاء ركبه.في البحر نرى الرخويات، والثديات، بألوانها الزاهية وأشكالها المختلفة،،،،وفي البر نفس الشيء، وفي السماء الأمر ذاته.
هو المبدع المصور، فاطر السماوات والارض، بينما البشر ماهم إلا مكتشفين لأمور كانت وما تزال موجودة أصلا، في الكون فالإنسان لم يضف إلى تلك الموجودات ولو جناح بعوضة، بل ولو جزء من مليار من جناح بعوضة.
فكل العناصر المادية الموجودة، المعروفة وغير المعروفة، من حديد وفضة وذهب ونحاس، هي من خلق وصنع الله ، والانسان منذ أن خلقه الله كبقية مخلوقاته، يحاول باستمرار أن يعرف ماهية الأشياء، وكنهها، ولكنه بعد الجهد والعناء والبحث المتواصل عبر مختلف الأجيال والعصور ، يعجزعن إدراك جوهر الأشياء وماهيتها، من ذرات ونترونات... فيعود بصره إليه حسيرا، فلا يستطيع الوصول إلى حقيقة خلق الأشياء، إنما الله هوالذي ييسرله معرفة مكوناتها، للاستفادة منها ومن خصائصها، وتطويعها لصالحه، ولذلك فلا ينبغي أن نقول بضرورة استيراد التكنولوجيا من دول الغرب، فالتكنولوجيا لا تستورد، إنما هي مجرد اكتشافات لقوانين علاقات ونواميس تضبط الأشياء التي غابت عن إدراكنا. فلولا تلك الحواجز والقيود السياسية، والعادات السيئة، والأعراف البالية، التي تعيق جهود النوابغ والعباقرة وتجعل الأجيال تراوح مكانها مقلدة ،غير مكتشفة، مستهلكة غير منتجة ولا مضيفة لما سبق ، في كل شيء، وهي الظروف التي لاتسمح بمحاولة إعمال النظر والتأمل في موجودات الله، الذي أتقن كل شيء، لسارت وقطعت أشواطا طويلة في ميدان الاكتشافات واستغلال العناصر الطبيعية التي أوجدها الله منذ أن فطرالسموات والأرض وما بينهما.
فالعمل الصالح في نظري الذي فاق إماطة الأذي من الطريق هو صناعة الطائرة واكتشاف الكسندر فليمينغ للبنسيلين واكتشاف الكهرباء ... الى غير ذلك من الأعمال النافعة للإنسان فما الذي جعل المغضوب عليهم والضالين يتمكنون من الوصول الى اكتشاف أسرار قوانين الطبيعة في الجو والبر والبحر ويصنعون ـ لغيرهم الذين أنعم الله عليهم بنور القرآن ـ السيارة والطائرة والباخرة والهاتف والحاسوب والأقمار الاصطناعية، إنها الحواجز السياسية التي تجعل الأجيال متخلفة ثقافيا واقتصاديا ومن ثم اجتماعيا وأخلاقيا فلا تستطيع حتى اكتشاف عوامل تخلفها ولا أسبابه فما بالك باكتشاف أسرار وقوانين موجودات الله في العالم!!
(وأنزلنا الحديد..)
( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس..) ( الحديد، الآية: 25)
ربما لم يسأل بعض الناس عن كيفية نزول الحديد، وأن مفهومهم لمعنى نزول الحديد، لم يتعد الإيمان، والتسليم، لأن البحث بدون توفرالأسباب مضيعة للوقت، وتضييع للجهد، وقفز في الفراغ، في حين نجد أهل العصور الحديثة، قد هيأ لهم المولى تبارك وتعالى، كل أسباب البحث والتنقيب والاطلاع والاكتشاف، وربما قد سألوا عن كيفية نزوله، فاقتنعوا لضرورات الإيمان، وقد جاء في الحديث الشريف عن رسول الله أن الله أنزل أربعة أشياء من رحمته هي الحديد والنار والماء والملح.
وقالوا كذلك أن الحديد قد أنزل مع آدم كالميقعة أي المطرقة والسندان وكذا الحجرالأسود الذي كان أبيض ثم تحول الى أسود.
أما الآن فقد زود المبديء المعيد عباده بوسائل علمية، سخرها لهم، وعلموا أن الحديد قد أنزله الله إلى كوكب الأرض، منذ ملايير السنين، ولم يكن عنصرا من العناصرالطبيعية المعروفة ، حسب نتائج آخر الدراسات والبحوث العلمية، أي منذ الإنفجارالأول للكون،(كانتا رتقا ففتقناهما) بإرادة الله ،
وأن الحديد قد أنزله الله من خارج كوكب الأرض ، فكان الناس لا يسألون إلاعما تصل إليه مداركهم العقلية، والحسية
(ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أوكرها قالتا أتينا طائعين..)
(أولم يرالذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ....)( الأنبياء، الآية:30 )
أي أن السماوات والأرض كانتا ملتصقتين ففصلهما الله عن بعضهما، وخلق من السماء سبع سماوات ومن الأرض سبع أراضين،أي أن السماء كانت لا تمطر والأرض لا تنبت، وبعد فتقهما وفصلهما عن بعضهما،أنزل ما شاء من المعادن، وهوالأمرالذي يعبرعنه العلماء الآن بالإنفجار الأول للكون، فكيف تسنى لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يدرك هذا الأمر دونما وحي؟! ولماذا كانت (وأنزلنا الحديد.. هي الآية:26 كما يقول العلماء بإضافة آية البسملة إليها التي تأتي في مقدمة كل سورة من سور القرآن وليست مقصورة فقط على سورة الفاتحة، تتوافق مع عدد الوزن الذري للحديد وهو 26 ؟!!.......
( وما أنتم له بخازنين)
( وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين ..)(الحجر ألآية: 22)
إن الكميات المعروفة من الماء أو غيرالمعروفة،الموجودة على سطح كوكب الأرض، سواء كانت محمولة في ركام السحب أوهي في باطن الأرض أوهي في البحار والمحيطات هي نفسها بأوزانها وأحجامها منذ أن خلق الله الأرض وما عليها، لم تضف إليها قطرة أو تنقص، سواء تبخر الماء، أو لم يتبخر، تحول من سائل إلى غاز، أو جامد، فالكمية هي نفسها، تنتقل من حالة إلى أخرى، دون زيادة، أو نقصان ، الماء نشربه، ثم تخرجه أجسامنا بشكل أوآخر، فيسلك طريقه إلى الأرض، ثم إلى النهر، أو إلى البحر، ثم يتبخر ويتكثف عبر السحاب،وهكذا دواليك، يعيد الكرة نفسها...
(ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله..) (النور ، الآية: 43)
(ويجعله، كسفا فترى الودق يخرج من خلاله..) (الروم، الآية:48)
فينزل مرة أخرى مطرا، فننستعمله في أغراض كثيرة، أو نشربه، مرة أولى، وثانية، وثالثة، ورابعة ومليون مرة.... ولذلك يقال:( دورة المياه) وهكذا، (فما أنتم له بخازنين..)
من بإمكانه تخزين الماء ؟! أفي براميل ؟! أفي أوعية؟! أفي أحواض؟! هذا ليس بتخزين، فالتخزين ألا يغادر مكانه، ولا أن تتحول حالته من حالة إلى حالة، خارج إرادتنا، ذلك مستحيل طبعا .
تتدخل مشيئة الله، فتغيره من وضع إلى وضع آخر، سواء، بفعل الزلازل والفيضانات والطوفان، أوبحالات التجمد والتبخر...فهل محمد صلى الله عليه وسلم كان كيميائيا! حتى يطلع على هذه الحقيقة العلمية، ألم يكن النبي أميا! لا يقرأ ولا يكتب ؟! من زوده بهذه الحقيقة الثابتة، الراسخة رسوخ الشمس الساطعة ؟! أليس علام الغيوب، غفار الذنوب، ستار العيوب؟! سبحانه وتعالى عما يصفون ...؟
(كأنما يصعد في السماء)
( يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء..) ( سورة الأنعام، الآية: 125 )
ـ كيف عرف النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا ما قطع مسافة ما في ارتفاعه وابتعاده عن سطح الأرض يضيق صدره، ويكاد ينفجر، إن لم يكن مزودا بأجهزة، تمده بالأوكسوجين، وهي نفس العملية التي تحدث للإنسان أثناء غوصه في أعماق البحار، يضيق صدره ولا يستطيع تحمل ضغط المياه ؟!
فكذلك لا يمكنه تحمل ضغط الجو الخارجي ، كيف كان بإمكان النبي الأمي أن يصل إلى هذه الحقيقة الثابتة التي وقف عليها علماء البحار وعلماء الفضاء والفلك في العصرالحديث؟! أفبعد هذا ينكرون؟!! فبأي حديث إذن يؤمنون؟!!أليست الآيات باهرات ومعجزات ؟!! أليست لهم عقول يفكرون بها؟!! وأبصار ينظرون بها؟!! المجهر والتليسكوبات والقميرات وليعلم القاريء الكريم أن الكاميرة هي لفظ عربي شكلا ومحتوى فابن الهيثم هو من ابتدع تلك الكوة الصغيرة التي كان يرى بها الأشياء بوساطة تسليط الضوء فسماها قميرة أي تصغير قمر ومن ثم أخذها الغرب وغربت لتعود إلينا في شكل قميرات فيديو وعدسات تصوير سنمائي وتلفزي ردت إلينا بضاعتنا مطورة ونحن نائمون، فصح النوم. لقد أوصلتهم كاميرات المصورين الى أعماق البحار والى ظلمات المحيطات وشاهدوا عن قرب مخلوقات لا تعد ولا تحصى بأشكال وألوان وأحجام لم يكن في إمكان أي بشرآخرأن يراها أويرى مثل ما يرون اليوم ؟!! ماذا يريد هؤلاء الناكرون الجدد؟!! أتحييد القرآن وتعطيل آياته لدى الذين آمنوا به؟!! أم إلغاء عقول وأفهام من آمن وترسخ إيمانه بفضل من الله وهدايته ؟!! هيهات، وعبثا يحاولون!.
(التوسع المستمرثم الرجوع )
(والسماء بنيناها بأيد وإنا لمُوسِعون) (الذاريات الآية: 47 ) إن آخر ما توصل إليه العلم الحديث، في مجال بحوث الفضاء وسبرأغواره هو أن الكون ما فتيء يتوسع ، وهو في حالة امتداد متواصل، منذ أن خلقه الله ، وسوف يستمر في توسعه إلى ما شاء له، ثم يعود مرة أخرى إلى حالته التي انطلق منها، وهي حالة التكثف والانزواء، والانكماش آي إلى نقطة الصفر، التي بدأ منها، ( كانتا رتقا ففتقناهما )(الأنبياء الآية: 30 )..
(ويعرج إاليه في يوم مقداره ألف سنة مما تعدون..)
الكلم الطيب يصعد الى الله سبحانه وتعالى في يوم ، اليوم عند البشر يتكون من أربع وعشرين ساعة هذا الوقت الذي نحسبه ونقول أن تاريخ نشوء الأرض هو كذا مليار سنة هذا، المليار من السنوات كم من يوم فيه فإذا حسبنا كم فيه من يوم فقط ، مع علمنا أن اليوم مقداره ألف سنة من حسابنا البشري هل باستطاعة أي جهاز حاسوب أن تحتوي ذاكرته حساب مليون يوم فقط؟!!فما بالك بملايير السنوات!! زد على ذلك فإذا كانت تلك السنوات تحسب بالسنوات الضوئية؟!!وهي وسيلتنا وحسابنا الذي نعد به المسافات والأبعاد الفلكية،وأن سرعة الضوء كما هو معروف هي ثلاث مئة ألف كلم في الثانية لأدركنا أن هذا الأمر فوق طاقة البشر وفوق أن يتصور المرء حدا له سبحان الله المبدع المصورالعزيز الحكيم...وبالتالي فإن تاريخ الرتق والفتق أو الانفجار الأول للكون لايقدر بزمن ومن ثم فتاريخ عودته الى الانزواء والانكماش والرتق من جديد أي يوم القيامة لا يعلمه إلا الله.
( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه..)(الزمر، الآية: 67)
(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) (فصلت: الآية 53)
من المعروف لغويا أن حرف ( السين) إذا دخل على الفعل المضارع يفيد حصول ذلك الفعل فيما استقبل من الزمن، الزمن القريب، بينما ،( سوف) تفيد حصول الفعل في المستقبل البعيد، فالآية تتحدث عن حتمية إظهار آيات الله في الآفاق لكل ما استقبل من الزمن، أي زمن وصل وحصل، أو ما زال لم يحن ميعاد حصوله ، لكل جيل من الأجيال معجزات تبهر عقولهم وتحير أفهامهم على إدراك حقيقة ما يتوصلون إليه من حقائق كونية لم تكن من قبل لتدرك .
ففي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كان الناس يعتقدون أن الآفاق هي المسافة أو المساحة التي يصلها البصر أفقيا، أما عموديا الىحيث القمر وما وراء القمر من مجرات ونجوم فلم يخطر على قلب بشر آنذاك، وأنه سيأتي يوم يصعد فيه الإنسان الى ما فوق السحاب وأنه بإمكانه قطع مسافات تقدر بملايين الكيلومترات و بالسنوات الضوئية إلى المريخ والزهراء وما بعدهما من كواكب وأجرام ونجوم ومجرات ،، فذاك أمر يعد ضربا من ضروب المحال آنذاك.
سنريهم: من هم هؤلاء الذين سيريهم الله؟ سيبين لهم؟ سيظهر لهم؟ علامات وجوده؟ وقدرته؟ وعظمته، جل وعلا ؟
الكفار ، الملاحدة، والعياذ بالله ، الذين ينكرون وجوده ، والذين يقولون بخلق الكون هكذا عبثا، دون مبدع ، دون خالق
( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون...)(المؤمنون، الآية 115)
ففيما تتبين لهؤلاء الكفارعلامات وجود الله ؟!
في الآفاق أولا، أي في السماوات وما تحتويه من كواكب ونجوم ومجرات ...
وفي أنفسهم ثانيا أي في نتائج تلك البحوث البيولوجية والفيزيولوجية وعلوم النفس والخلايا وعمل آلاف الأعصاب والمخ ووظائف القلب المبهرة هذا القلب الذي يتحرك ويضخ الدم الى مختلف أنحاء الجسم من دون محرك كهربائي أو بطارية فلا يكل ولا يتوقف ولا يستريح، نائما كنت أم يقظا، متحركا أم ساكنا ، في جهازالسمع والبصر، وحركة اليدين والرجلين ما الذي يجعل هذه الأعضاء تتحرك دون محرك يمنة ويسرة فوقا وتحتا؟!! الله سبحانه وتعالى، هل استطاعوا جعل ( الروبو) يمشي ويتحرك دونما طاقة كهربائية أو نفطية هل بإمكان هذا (الروبو) الحركة والسير ذاتيا دون دفع خارجي أو داخلي ؟!!
يسمى (آليا) ولكن هذه الآلية ما الذي يدفعها للحركة؟ إن لم تكن مزودة بشكل ما من أشكال الطاقة.
لا سفينة بدون ربان ؟!
قد يجيب أحدهم أنه توجد الآن سفينة بدون ربان أي تسير متحكما في سيرها عن بعد، ذلك وارد الآن وممكن، ولكن ما نقصده هو الصانع فلا مصنوع بدون صانع. ولا بأس أن نورد ها هنا تلك الحادثة التاريخية التي جرت وقائعها بين أحد كبارعلماء المسلمين، وبين أحد الكفار، الذي سمع بغزارة علم هذا العالم، وقوة منطقه، وكثرة أدلته،،، هذا الكافر، كان ملكا بإحدى دول آسيا الصغرى ، فأرسل في طلب العالم (أعتقد أنه الإمام أبي حنيفة )، ليرى ويسمع مباشرة، منه، وليقف على أدلته، التي يقول بها للتدليل على وجود الله.
فلما وصل العالمَ المسلمَ خطابُ السلطان أو الملك، يدعوه بالحضور إليه ، شد رحاله فورا الى ذلك الملك أو السلطان ، وعوضا من أن يصل اليه في ظرف يوم أو يومين، تأخر كثيرا متعمدا هذا التأخر، فغضب الملك عليه كثيرا ولما وصل، سأله : لماذا تأخرت كل هذا التأخر؟! وما الذي أخرك ؟!
فقال العالم المسلم: لقد مررت بنهر عظيم ، فلم أستطع عبوره، وبقيت أنتظر حتى تجمعت أخشاب الأشجار، وضمت إلى بعضها البعض، ثم تحولت إلى سفينة، فركبت هذه السفينة، وقطعت بي النهر، دون أن يكون بها أي ربان أو ملاح ، فها أنا كما ترى قد وصلت .
فقال له الملك: ويحك، أتهزأ بي؟! كيف للأخشاب أن تتجمع وتتلاصق ويشد بعضها بعضا، ثم تصير سفينة، فتركبها أنت دون أن يكون لها صانع ولا ربان ؟! فرد العالم المسلم قائلا:
وكيف يمكن أن تصدق أنت أن هذا الكون الفسيح، يشد بعضه، بعضا، في انسجام تام وبديع دونما خالق مدبر؟!
فبهت الملك، ولم يستطع الرد ولو بكلمة واحدة.
إذن المسألة مفصول فيها عقلا ومنطقا، ومنذ مئات آلاف السنين، إن لم نقل ملايين أو حتى ملايير، ومع ذلك مايزال بعض المتنطعين الجدد في العالم الإسلامي يحاولون السيرعكس التيارـ تيارعودة الأمم والشعوب الى ينبوع الإيمان الذي لا ملاذ لهم غيره، سواء وصلوا الى نهاية العالم ونفاد الزمن أم بقوا يتأرجحون في بداياتهما ـ بتلك النتائج التي توصلوا إليها عبرالبحث في الجينات البشرية والحيوانية، وإنجاب الأطفال بواسطة الأنابيب والاستنساخ المتكرر للمخلوقلت، في محاولة يائسة للوصول الى عدم صدقية الأنبياء والرسل ،وهي محاولات كمن ينطح الصخر الصوان برأسه، أملا في تفتيته بلحم وشحم، فمن كان يمتلك القدرة على التفكير والإبداع، فليقل للبشرية عن الكيفية التي يمكن بها القضاء على مختلف الأمراض والأوبئة، وكذا الوسائل والطرق التي من شأنها الحد من مآسي الفقر والأمية والجهل المتفشية في ربوع العالم ، وما هي الآليات المثلى لتحجيم الصراعات وتقليصها إلى أدنى حد ممكن ، حتى تعيش البشرية في وئام وانسجام، وحتى يعم الرخاء سائر انحاء الكرة الأرضية، ويعيش الجميع متحابين متآزرين، من شاء يؤمن فليؤمن ومن شاء يكفر فليكفر ولكن دونما صدام،ولا سفك للدماء في إطار حريتك تنتهي عند بدء حريتي، وليس بتسفيه إيمان الآخرين ومحاولات حصرهم في زاوية الضالين المتحجرين المتخلفين، ظلما وعدوانا ومن ثم إلغاء حقهم في الوجود.
ذاك ما يحاول قطيع العلمانيين والشيوعيين والملاحدة القدامى والجدد نشره وتعميمه على كل من أدرك أو لم يدرك أن الآية الأكثر إبهارا ودهشة وتعجيزا للبشرية جمعاء هي تلك التي تثبت أن الناس مبعوثون ليوم معلوم، آلا وهي آية الموت التي لاجدال فيها منذ عهد آدم الى يوم يبعثون متناسين أو ناسين أو لم يطلعوا على التراث الفكري والأدبي وأسس المذاهب الكبرى في الفقه الإسلامي أن فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة ابن الرومي قد فصل في هذا الأمر منذ قرون، عندما أنكر بعض العلمانيين والملاحدة القدامى أن لا حياة بعد الموت، تصديقا لرأي الطبيب والمنجم اللذين أثبتا أن ما يقوم به المصلي من حركات ودعاء ما هو إلاعبث مؤكدين أن ذلك سوف يذهب سدى، فالفناء أوالموت يعني عندهما التلاشي ،العلم يقول :(لا فناء للمادة ولا تستخرج من عدم ) والقرآن يقول:( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) لا تعارض ولا تناقض، صحيح لا يمكن استخراج أي شيء من عدم منطقيا وعقليا، تسنده فكرة أن المادة لا تفنى وإنما تتحول من شكل إلى شكل آخر جامد، سائل، غاز ...ثم تبعث في شكل آخر، جسد الإنسان يتحلل في القبر ولا يبقى منه إلا عظم العصعص الذي هو على شكل حبة خردل ....وهذا قد جاء في أحاديث الرسول الأعظم عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام وأثبته العلم الحديث .
وأن لا أمل في بعث وجزاء وعقاب، فقال ابن الرومي فاصلا في المسألة:
قال الطبيب والمنجم كلاهما * لاتبعث الأجسام قلت إليكما
إن كان ذا حقاماخسرت شيئا * وإن كان باطلا فالخسارعليكما.
يعني أن الإنسان المؤمن بالله وباليوم الآخروبالبعث والجزاء والعقاب وبالقضاء والقدر خيره وشره وبالرسل والملائكة والكتب، يصلي ويصوم ويزكي ويحج ويوحد الله ويتبع الرسول، فإن كان في ريب ولم يبلغ درجة المؤمنين بالغيب يقينا، فلا يخسر في نهاية المطاف شيئا في دنياه، بينما من أنكر وتولى فسيكون الخاسر الأكبربالتأكيد. (والعصر إن الإنسان لفي خسرإلاالذين آمنوا وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) ؟!!!
نشر ب" الشروق اليومي " الجزائرية 26 و27. 04 2005