المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ليس للاطلاع ...



عبدالقادربوميدونة
16/01/2010, 03:10 PM
الفصل الأول :

تأملات في اللغة ،الدين،التاريخ والسياسة
حِذق لغة أمِي.. وصِدق النبي الأمِي
1- مقدمة:
2- الإهداء
محتويات الكتاب:
1- في اللغة:
أ : اللغة العربية كانت وما تزال أم اللغات.
- من يطورالآخراللغة أم الإنسان؟
- اللغة العربية في خدمة حفيداتها..
- هي البحر في أحشائه الدر كامن..
ب: لا خصوصية ثقافية في ظل تبعية لغوية.
- إذا كنت أنت تبني وغيرك يهدم..
- لغة الإدارة والاقتصاد والديبلوماسية.
- اللغة فكرأم وسيلة؟
2 - في الدين:
ج- علمانيو العولمة والإعجاز القرآني.
- الله جل وعلا..
- وترى الجبال تحسبها جامدة..
- صنع الله الذي أتقن كل شيء..
- وأنزلنا الحديد..
- وما أنتم له بخازنين..
- كأنما يصعد في السماء..
- التوسع المستمر..
- هل هناك سفينة بدون ربان؟
د - الإفتاء والاستفتاء في حضن المصالحة الوطنية:
- تقنية الاتصالات وقتل النفس..
- هل يتغيرالإنسان بيولوجيا أولا أم أيديولوجيا؟
- هل الإسلام من غيرالشريعة يعني شيئا؟
3 ـ في التاريخ:
- الجزائريون هم أول من اكتشف قارة أمريكا
- الحضارة الفرنسية أمام محكمة التاريخ
- معلومات تبحث عن مصادر:
- الأمير عبدالقادرفي البيرين
- إنشاء زاوية الهامل
- عرش المويعدات
- الشيخ العلامة المرحوم عبدالحفيظ القاسمي والتنكر لمآثره
4 ـ في السياسة:
- هل تخشى العصى القلم؟
- لبنان نصر الله والحرب.. وحيوانات عواصم العرب
- اهبطوا مصر فإن لكم فيها حسنا مباركا
- وما نصرالله إلا شيخا هاج من قمم
- الإهداء:
إلى أرواح شهداء الجزائر الأبرار..أولئك الذين آثروا تحريرالوطن على مباهج الدنيا وزخرفها.. وإلى كل يتيم مضطهد.. وإلى كل من يؤمن بجدوى الكلمة الطيبة وأثرها في نفوس النشأ..
وإلى روحي أبي وأمي:" بن سالم الشهيد.. وخيرة بوزيد.. " اللذين علماني معاني الصبروالاجتهاد وفوائدهما.. والعمل والمثابرة ونتائجهما.. رحمهم الله جميعا وطيب ثراهم.. وإلى ابني الوحيد:
"رؤوف "الذي أمدني بكل الجهد والعون.... وإلى بناتي الثلاث: وداد ، فريدة ، خيرة وإلى أمهم:" الزهراء بالرجم " التي كانت نعم الأم لأبنائها.. ومثلا في التضحية والإيثار.. وإلى أحفادي: قاوي " زكرياء " أحمد " بختة " وفؤاد " وإلى كل من شجع وآزروساعد في طبع هذا العمل المتواضع.. وكذا في نشره على أعمدة الصحف الوطنية.. أهديه ، راجيا من الله عز وجل أن يكون جهدنا جميعا في ميزان الحسنات آمين.
سيرة ذاتية مختصرة:
Cirucculum Vitae
c.v
boumidouna abdelkader
عبدالقادربوميدونة..
ابن شهيد..
من مواليد 1949
بالبيرين ولاية الجلفة ..
1- شهادة الأهلية.. 1966bs1. bs2. cap .1970 ..بكالوريا 1980.
2- شهادة الليسانس في اللغة والأدب العربي 1984 م
3- على وشك الانتهاء من تحضيررسالة المجستير..
4- ممارسة مهنة التربية والتعليم لفترة 15 سنة.بولايات: المدية ..الجلفة ..تيارت ..البويرة ..البليدة.
5- منشط ثقافي للتربية والتعليم بولاية تيارت 1972.1970 ..
6- نائب مفتش للتربية والتعليم ولاية البليدة .1978.1977
7- أحد مؤسسي جريدة " المساء " اليومية الجزائرية ..1985
8- رئاسة عدة أقسام..
9- رئيس قسم التصحيح بجريدة " الصباح " الأسبوعية .
10- رئيس تحريربجريدة " كواليس " الأسبوعية .
11- محاضرممثل لجريدة" المساء " ووسائل الإعلام الجزائرية بالألمانيتين الشرقية والغربية قبل توحيدهما ..
" غرين ووش "..برلين..شتوتجارت.. كولون..فرانكفورت 1989
12- 1978.1977 رئيس لجنة الثقافة والإعلام والتوجيه بقسمة جبهة التحريرالوطني..الصومعة ولاية البليدة.
13- مدقق لغوي بجريدة " الشعب " الجزائرية.
14-مكلف بالإعلام ..الجبهة الوطنية الجزائرية ..
15- مكلف بالدراسات ..المعهد الوطني للتكوينات البيئية..وزارة تهيئة الإقليم والبيئة والسياحة .
16- خبيربيئوي محاضرفي مختلف ولايات الوطن..
17- عضوالجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب..معتمدة بالولايات المتحدة الأمريكية ..
18-نائب رئيس الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب..قطر.
19-عضوبمجلسها الاستشاري ..
20- مجموعة قصص ومسرحيات في المجال البيئي في انتظارالطبع.
21- أطرعدة دورات تكوينية كمكون وخبيرفي المجال البيئي عبرولايات الوطن.
22- نشرعدة أبحاث ودراسات بيئية مختلفة عبرالأنترنت...
23- سفيرالجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب .. بالجزائر..
24- مكرم من طرف الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب وعدة هيئات ومؤسسات وطنية ودولية.
25- عضوالمجلس الوطني للمنظمة الوطنية للدفاع عن السلم.
26- عشرة كتب في انتظارالطبع..في الفكرواللغة والدين والتاريخ والأنتربولوجيا.
بريد إلكتروني:boumidouna11@gmail.com
هدرة بالدراهـم: 00.213.07.74.17.13.11 : téléphone
* اللغة العربية كانت وما تزال أم اللغات *
حضرت في سنة 1984 ملتقى تعليم العربية في الجامعات العربية الذي عقدت جلساته بفندق الأوراسي بالجزائر العاصمة وقد ضم نخبة كبيرة من الأساتذة البارزين المشتغلين بميدان اللغة وبحوث اللسانيات، ومن ضمن من حضروا هذا الملتقى وكانت مداخلاتهم ملفتة للأنظار أكثر من غيرهم الأستاذ الفيلسوف والمفكر المغربي المعروف عبد العزيز الحبابي،الذي جاء بنظرية جديدة في اللغة أبهرت الحاضرين من طلبة وأساتذة، وتتعلق نظريته التي لم أحتفظ من خطوطها العريضة إلا بتحديه الواضح من أن اللغة العربية هي أم اللغات، ومن ضمن أدلته المقدمة في إحدى الحلقات الدراسية فكرته التي تقول: أن أي لفظ في اللغة الفرنسية أو في زميلاتها المتفرعات عن اللاتينية مهما كانت فصيحة أو دارجة، إلا ووجدتها قد أخذت ثلاثة أحرف ـ كحد أقصى أو حرفا واحدا كحد أدنى ـ من نظيرتها اللغة العربية، فإن صادف ولم تجد ذلك واعتقدت أن الأمر فيه خلل أو إشكال، فعد إلى المترادفات سواء تلك المستعملة أوالمهملة، فسوف تعثرعلى مبتغاك وعلى ما يحيرك ويثير فضولك، وقد ضرب لذلك أمثلة لا تحصى ولا تعد، ولا بأس أن أقدم لمن يروقه الاستمتاع نموذجا بسيطا عما ذهب إليه فيلسوفنا المغربي،
أما إن شئتم المزيد فما عليكم إلا إجراء التجربة بأنفسكم ولسوف ترون العجب من أمرهذه اللغة، وإن كنتم في ريب مما أقول، فمن باستطاعته أن يخبرني عن السرالذي جعل كل كلمة باللغة الفرنسية تتضمن حرفا واحدا أو حرفين أو ثلاثة أحرف من العربية والعكس غير صحيح، بدليل أنك إن أجريت تلك العملية على اللغة العربية فلن تجد لها مثيلا في اللغة الفرنسية، وإليكم المثال( تلعب، تبلع تعلب تبعل) أو ( لعبة علبة بعلة عبلة).
من الأسماء: جريدة : journal يجمع بينهما حرفا الراء والجيم.حبر: encre يجمع بينهما حرف ( الراء) طاولة:
table( الطاء) محل:local (اللام) أذن oreille (الألف ) ذراع: bras(الراء) شارع: boulvard (الراء) سيارة: voiture (الراء) شعر: ) cheveux الشين) جدار: mur (الراء) شجر: arbre (الراء) بحر: mer (الراء) نور lumiere(الراء)أرض terre (الراء) وقد أخذت الإنجليزية هذا اللفظ بقضه وقضيضه earthe أي أرض مبنى ومعنى.وجه visage (الجيم) سماء ciel (السين )
من الأفعال: رجع: retourne (الراء) جرى: couru (الراء) تلا أو قرأ liser ( اللام أو الراء ) mangerلايوجد حرف مشترك ، يوجد في المرادف التهم (حرف الميم)... وما أخذته اللغة الفرنسية بمظهره وجوهره نورد عينة عن ذلك:طاولة: table سكر: sucre قهوة: café شاي : the أي شيء
حليب : lait حذفت ح لصعوبة النطق بها وعوضت الباء بالتاء. طبيب toubibe......
ومن أراد التسلية اللسانية واللعب اللغوي المفيد، فليجعل ذلك بينه وبين من يحب وسيلة للترجمة.. وفرصة لاكتشاف أسرار اللغة العربية ومدى قدرتها على المبارزة والمنازلة ، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهوأحق بها.
- اللغة العربية بأحرف لاتينية ( ولا زيتونية )
اللغة: لسان ...... la langue أليست هذه لغة عربية كما ترون؟ the tongue ، البراري : les periris جمع بر ، وبرور فهي براري ، غراب : corbeau مبنى ومعنى، الأحرف الهجائية: ألف باء ، ألفباء alfab ،وليست أول حرف من الحروف الإغريقية )ألفا alfa ( نمرقة وسادة: c …oussin ... إضافة..c ، جمل : kamel chameau قطن : coton ، شكلا ومضمونا
الأنفلونزا: الأنف .... لو ...نزا.. أي الأنف إذا سال منه ماء أو دم أو أي سائل آخر وليس إنف الإوزة كما هو شائع ،...سوق : stooks..إضافة..t.. والسوق هو مخزن السلع والبضائع أو مكان جمعها وتكديسها
بوناتيرو، بالإسبانية : bonne terreبالفرنسية..أرض جميلة أي عند عودة العرب المسلمين من الأندلس إلى بلاد المغرب العربي مطرودين وجدوا أرضا جميلة فقالوا: ( بوناتيرو ) أي أرضا تشبه تلك التي طردوا منها.
- خلدونية......kalidounia - الأمير عمار: Miramar - العشابونlisbonne وهم أهل الأندلس الذين كانوا يرتحلون في كل اتجاه، بحثا عن حقول الأعشاب الوفيرة في شبه جزيرة أيبيريا ، فلقبوا ب" العشابين " فسمي الموقع الذي وصلوا إليه في أقاصي غرب تلك الجزيرة ( موقع العشابين) ثم أضحى بعد ذلك يطلق على عاصمة دولة البرتغال..
- صابرين:ceberia مجموعة من الدعاة المسلمين الأوائل الذين وصلوا إلى أقاصي )صيبيريا( أثناء رحلات المد الإسلامي الدعوي، فحاصرتهم الثلوج هناك وقد عانوا معاناة شديدة من جراء قسوة البرد، فصبروا وكانوا من الصابرين فلقبوا بالصابرين..
- وتأملوا اسم ذلك الممثل المعروف في المسلسلات الاجتماعية اللاتينية التي ماتزال تعرض على شاشاتنا والمعروف ب:
ali khandro : أي علي خان داره.. هذا هو اسمه الحقيقي.. ولسنا ندري لماذا ارتكب تلك الحماقة.. وأضحى الآن بطلا يستهوي المراهقات.
شأن البيت: champêtre
وتعني حارس " شأن البيت " وليس حقليا أو ريفيا أو قرويا، أي أن العرب أثناء انطلاقهم إلى ميدان الغزوات والحروب كانوا لا يتركون بيوتهم عرضة للاعتداءات والنهب والسرقة من قبل أعدائهم بل يعينون لشأن ذلك حارسا قويا، يتسم بالقدرة في الدفاع عن الحياض، فأطلقوا عليه اسم حارس " شأن البيت " ومع مرور الزمن وميلهم إلى الاقتصاد اللغوي في نطقهم للأسماء والأفعال، تحول اللفظ من " شأن البيت " إلى ( شانبيط ) فأخذته اللغة الفرنسية بقضه وقضيضه وصار اللفظ العربي فرنسيا على الرغم من إنفه.
أطاما :a ta main
هات ، مدني به إطاما حذاك ، أي ناولني ذاك الشيء، الذي هو في متناول يدك a ta main ، تأملوا كيف تحولت الألفاظ الفرنسية إلى عربية والألفاظ العربية إلى فرنسية...تلك نماذج وأمثلة صغناها ودوناها كمساهمة بسيطة في تنوير من يستحقون التنوير من أبنائنا.. ومحاولة متواضعة للدفاع عن اللغة العربية أم اللغات وما أكثر ماهو موجود من أمثالها، وتأملوا مليا في هذا الأمر الذي يبدوا بسيطا، ولكنه من ناحية الثقافة والشخصية الوطنية من الأهمية بمكان، إذ كيف يعقل أن ندع لغتنا العربية لغة القرآن تصبح مرتعا مستباحا لكل وافد دخيل دونما رادع أو مقاومة لغوية ويحق لنا أن نتساءل عمن تعود إليه مسؤولية ذلك؟
* من يطورالآخراللغة أم الإنسان ؟! *
- كل من يعتقد أن اللغة العربية لغة متخلفة، وأنه لم ولن يكون بإمكانها استيعاب مبتكرات العلوم الحديثة ومسايرة تطوراتها ومستحدثات العصرومبهراته التكنولوجية، وأنها قد تزدهر في قطرعربي ما، وتـنـدحـر في آخر، بحكم تلك السياسات العرجاء المتعلقة بمراحل تعريب مناهج التعليم وبرامجه، ومحاولات تعريب الجامعات الجزائرية والعربية بأسلوب التقطير، أن هذا الأمر لم يعد متحكما فيه الآن، وأن احتكار المعرفة قد أضحى في حكم الماضي الذي لن يعود.
لأن " قرينة " العالم وتقريب المسافات وإلغاء حدود المعرفة وإزالة ورقة التمسك باحتكار شؤون تطويراللغة العربية قد جعلها لغة مئات ملايين البشرعربا وغيرعرب، مسلمين وغيرمسلمين، فإن حاولت مثلا معرفة عدد الكلمات والمصطلحات الجديدة التي عرفت طريقها إلى الاستعمال المباشر ـ والتي ساهمت في انتشارها كثيرمن المؤسسات الغربية المتخصصة في مجال الدراسات اللغوية ليس بهدف تطوير العربية إنما لأسباب اقتصادية بحتةـ لرأيت أن ذلك قد صارمستحيلا، فليهنأ الجميع، وليتركوا اللغة العربية تشق طريقها إلى العولمة كبقية لغات العالم الأخرى حرة طليقة، فقد أضحت اللغة العربية شبيهة بالألحان الموسيقية فلا وطن لها ولاجنس، ألم يعد الإنسان الروسي والشيشاني والأمريكي والإفريقي والأسيوي متحكما في النطق بها؟! وقد ملك أحدهم حتى ناصيتها وصارأفصح من أبي الأسود الدؤلي؟!!
هل بقي الآن بعد الطفرة المعلوماتية التي اكتسحت العالم من أقصاه إلى أقصاه مجال واحد لم تستطع اللغة العربية ولوجه والتعبيرعنه؟!
- ها هي تدق أبواب مختلف مناحي الحياة، العلمية والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية، وذلك على الرغم من تقاعس الباحثين في مختلف المجامع اللغوية واللسانية المنتشرة عبرعواصم العالم العربي، والتي لم ترقَ بعد إلى المستوى المأمول منها، حتى إلى طبع أقراص مضغوطة لتضمنها ما وصلت إليه جهودها وجهود غيرها في ميدان ترجمة العلوم وتعريبها.
لقد دخلت اللغة العربية بجهود محبيها المحدودي الإمكانات إلى عالم الحاسوب وفضاء الاتصالات، هكذا دونما رصد مبالغ ضخمة لتعميمها ونشرها، فالمعارف كل المعارف قد انفتحت حنفياتها وتدفقت وشكلت جداول وأنهارا من الأفكاروالمعلومات، وعم نفعها مناكب الأرض كلها، ولم يعد باستطاعة أحد الإمساك بزمامها.
- إذن قضية اللغة العربية قد انكشفت معالمها وتبين أنها مسألة سياسية بالدرجة الأولى، يتمسك بورقتها من بيده مقاليد الأمورللمساومة بها في الوقت المناسب، هيئات مختلفة وأكاديميات لا توجد إلاعلى الورق ومجالس عليا فلا هي نزلت إلى أرض الواقع ولا الواقع استطاع الوصول إليها،( فرنسة وأجنبة المحيط تجري على قدمين وساقين ولامن رفع يافطة في وجهها معترضا) اللهم إلا المقرات الفخمة والمناصب المغرية.
الفرانكفونية يرى الملاحظ جهود العاملين فيها صبح مساء ولو بواسطة الإشهار التلفزي لحروف لغتهم( la 5 الفرنسية مثلا )على شكل أمواج بحرية وحبات برد تتساقط من السماء كوسيلة إغراء وتحبيب للناشئة.... بينما لغتنا تتعرض لمختلف ضربات معاول الهدم والتكسير المبرمج ، وذلك على مرأى ومسمع أهلها والناطقين بها والمتعاطفين معها.
وكأن هذه اللغة هي سبب تخلف الشعوب العربية والإسلامية! فإن كانت اللغة تعتبرفي نظرهم وسيلة فقط فلِمَ الخوف منها ؟! وإن كانت تحمل فكرا، فلِمَ لم تتطورتلك الشعوب التي أقصت العربية من مناهج منظوماتها التربوية وبرامج تعليمها ؟!! وإلا كيف نفسراعتماد جمهورية سوريا للغة العربية كلغة أولى للتدريس في مختلف شعب وتخصصات العلوم بجامعاتها منذ عشرات السنين، فهل تأخرت سوريا عن ركب العصر؟!! أم صارت أكثرتطورا بغض النظرعن التحولات السياسية فيها من عدمها؟!! وهل هناك مجال لمقارنة سوريا المعربة بدولة السنيغال المفرنسة؟ أو النيجرأو مالي؟! وكيف يمكن إجراء مقارنة بينهما والدولتان متخلفتان؟ فعلى أي مقياس أومعياريمكن تقييم ذلك؟
أفي مختلف المجالات؟ أم في المجال اللغوي فقط، لمعرفة إن كان سبب التخلف يعود إلى لغة التدريس،أم يرجع إلى أسباب أخرى لا علاقة لها بالمجال اللغوي.
اللغة العربية لم يبق أمامها الآن سوى ميدان قطع غيارالحواسيب والسيارات والطائرات والغواصات، تلك القطع التي تعد بالملايين ، وهي قادرة على القيام بالمهمة، ولكن في إطارالترجمة فقط ، وليس التعريب ، بحكم أن صانعي تلك الوسائل سبق لهم وأن أعطوا مبتكراتهم ألفاظا ومصطلحات نحتوها من لغاتهم، التي ينتمون إليها أو يتكلمونها، أويبحثون بها، بينما هذه المصنوعات منعدمة الوجود عندنا دراسة وبحثا وتصميما وتوفيرا للمصطلحات التي يحتاجون إليها، لإطلاقها على مسمياتهم المبتكرة.
إن العجزأوالقصورالذي يحاول أعداء اللغة العربية إلحاقه بها، هو عجزعائد بالضرورة للناطقين بها! وللعاملين عليها! وللمكلفين بالعمل على تطويرها! وللواقفين بالمرصاد لها من أعدائها ضد نموها وانتشارها، لكي لا يتمكن الدارسون والناطقون والمدافعون عنها من تحقيق أية قفزة نوعية نحو المستقبل المنشود.
وبالتالي ها نحن متخلفون جميعا فلا الناطق العامل باللغة الأجنبية تطور، ولا المتمسك بلغة أمه تقدم، كلنا في الهم لغة وتخلفا.
إن كل شكل من أشكال تخلف هذه اللغة، هو ناجم ـ أصلا في نظري ـ عن عجز أولئك المتقاعسين عن الدفاع عنها، وعن هؤلاء الذين يتوجسون خيفة منها، لأن اللغة كل لغة من لغات العالم، لا تتطور ولا تنمو إلا بنمو مستعمليها والناطقين بها، فإن تطوروا هم تطورت، وإن تخلفوا تخلفت، والعكس غير صحيح.
إن أية لغة إذا أردت لها أخي صديق العربية أن تزدهر وتزداد ثراء، فما عليك إلا أن تزدهرأنت أولا، في كيفية استعمالاتك لها، وفي تقدمك في مجال ما ابتكرت ومااخترعت، وفي مدى قدراتك على توظيفها، والانتفاع بفضائلها ومن ثم تستطيع البحث فيهاعن المشتقات والمنحوتات من مخزونها المجمد الضخم ، الذي علاه الصدأ، واكتنفه الغبار، وقد يزوره الموت حتما، وهي سنة الله في مخلوقاته، فإن عرفت أنت سبيلك إلى التقدم، وأنجزت الجديد، وحاولت البحث عن حزمة من الألفاظ والمصطلحات التي تريد إطلاقها على ذلك الجديد، فإن اللغة لن تبخل عليك بذلك أبدا.(المثال الحي: اللغتان العبرية والفيتنامية....).
فاللغة لا تتخلف ولاترضى لنفسها الجمود أوالموت ، كبقية مخلوقات الله.( إنا نحن نزلنا الذكروإنا له لحافظون)
إذن فلا يجوزلك أخي عدو العربية أن تتهمها بالتخلف وعدم مواكبة الركب، وأنت لم تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام بغيرها، ولم تتشرف بالتقدم إليها طالبا منها أن تمدك بتلك الدرروالكنوزالتي لا تنضب
* اللغة العربية في خدمة حفيداتها*
بهذه الانطباعات الاستفزازية السالفة الذكر يسعدني أن أعرض على الإخوة القراء بعض الألفاظ العربية التي أنجدت لغات أجنبية عديدة ، وسدت الفراغ بها، في فترة ازدهارثقافةأهل تلك اللغة الأعجمية، وفي فترة تخلف لغتنا بعد تخلف أهلها،هذه الألفاظ أقدمها كعينة تعميما للفائدة، ورفعا لمعنويات بعض الإخوة الذين لم يستطيعوا منازلة أعداء اللغة العربية، وإظهار فساد منطقهم، وعدم صلاحية أدلتهم ،التي كثيرا ما حاولوا ـ يائسين ـ ضرب اللغة العربية ورميها بالعقم تارة، وباتهامها بالعجز والتخلف تارة أخرى، جاحدين فضلها، من أنها لغة القرآن الكريم، ولغة أهل الجنة ـ جازمين عن جهل تام ـ أن اللغة العربية ليست لغة علم ولا تكنولوجيا، وكأن اللغة العربية ـ التي لم يستعمل مما تمتلكه من كنوز وذخائر إلا حوالي العشر ـ هي التي حالت دون تقدمهم وتطورهم في شتى مجالات العلوم وميادين المعرفة، وكأن كذلك هؤلاء الذين يتهمونها، وهم الذين يتكلمون بلسان ضراتها، ويستعملون مفردات ومصطلحات حفيداتها قد قطعوا ـ في مجال تطورالعلوم الفلكية والبحوث البيولوجية ـ شأوا طويلا، تحسدهم عليه لغة الضاد.!!
فتعالوا أصدقاء العربية وأعداءها معا، نستعرض بعضا مما اختلسته تلك اللغات الأجنبية وما سرقته، وما احتاجت إليه من لغتنا الماجدة، وذلك في أيام عزها وعزأهلها، وحتى اليوم مايزال مسلسل الاستعارة والاختلاس من العربية متواصلا.
ومن ناحية أخرى قد ظن البعض أو تناسى أن كل أس من أسس كل علم من العلوم الحديثة هو ثابت الرسوخ في الحضارة العربية الإسلامية أيام ازدهارها وانتشارها، من رياضيات وجبر وهندسة وفلك وحساب وعلم أحياء وفيزياء وكيمياء..
ولانعيد للأذهان جهود جابر بن حيان وحكاية الصفر الذي لا حياة لأي علم دقيق إلا به، فبعد مضي عدة قرون تأكد الناس كل الناس أن لا حساب ولاحضارة إلا بتلك (الدائرة) العربية المنشإ والابتكار(0101010101).
ومما يثير الدهشة أنه حتى الإخوة سكان الخليج العربي وما جاوره ما يزالون معتزين بذلك الصفرالذي ابتكره أجدادهم، وهم يمجدونه دوما بوضعه على كوفياتهم، ولايعرفون لذلك تفسيرا.
مادة سناء médecine
ولنبدأ بمجال الطب وبأول لفظ فيه médecine أتدرون ما أصل هذا اللفظ وما منشؤه؟! إنه يعود إلى ذلكم الطبيب الفذ صاحب كتاب (القانون في الطب) ابن سناء، وأن اللفظ لفظ عربي مركب من كلمتين الأولى وتعني مادة، والثانية وتعني سناء، أي مادة سناء.
فلماذا لم تجد اللغة الفرنسية مقابلا لهذا المعنى في لغتها؟! ولجأت إلى أخذ الكلمتين وركبت منها لفظا واحدا صار دالا على علم الطب؟! أيعود ذلك إلى عجز في بنية اللغة الفرنسية أم إلى قوة وثراء اللغة العربية؟!
أعتقد أنه لا يعود لاإلى هذا ولا إلى ذاك، بل إلى قدرة الإنسان الذي باستطاعته استعمال أي لفظ يراه مناسبا لإطلاقه على المسمى الذي يريده ومن هنا تنتفي تهمة عجز اللغة عن مواكبة عصرها، فالفرنسة لا تعني تعميم الفرنسية بل تعني ما لم تستطع نحته من لغتها فتأخذه من لغة أخرى، فيصير مفرنسا، فكذلك التعريب لا يعني تعميم اللغة العربية على بقية مجالات الحياة إنما يعني إدخال ألفاظ أجنبية عن اللغة العربية وضمها إلى الأسرة الواحدة مكرمة معززة ( بوجو، رونو، فيات، تيلفزيون.....).
كاظمة kasma
ولنأخذ من الألفاظ العربية القحة التي هاجرت ـ قسرا أو طوعا ـ إلى لغات أجنبية ، وتم تجنيسها بجنسية العائلة التي أدخلت إليها، لاسيما اللغة الفرنسية واعتقد مستعملوها أنها تنتمي إليهم مبنى ومعنى نجد لفظ ( الكازمة ) الذي يعود أصله إلى كلمة (الكاظمة) وذلك باعتبار أن (الكازمة) هي عبارة عن قبو أوحفرة تحفرفي الأرض، ويلجأ إليها أي هارب أومتخف من خطر قد داهمه، ومن الأمثلة على ذلك: (الكازمات) التي كان المجاهدون الجزائريون يستعينون بها للتخفي عن أنظار وملاحقة المستعمر الفرنسي لهم، فابتدعوا هذه الوسيلة للتخفي والاختباء حين يتأكدون أن ميزان القوى في المعركة غير متكافيء،وليست الفكرة عائدة إلى ابتداع فيتنامي كما قد يتوهم البعض، فالفيتناميون يلجأون إلى التخفي داخل جذوع الأشجار، وإلى الغوص داخل مياه الأنهار يتنفسون بواسطة أنابيب القصب، بينما الكاظمة لا تسمى كذلك إلا في عمق الأرض وفي الكهوف والمغارات.
ومنها على سبيل المثال (الحفرة) التي لجأ إليها الرئيس العراقي صدام حسين، أثناء اجتياح القوات الأمريكية للعراق سنة 2003 م.
و باعتبار أن اللغة الفرنسية لا تتحمل النطق بالظاء، فقد لجأت إلى أسهل طريقة لحل تلك المشكلة وهي تخفيف الظاء ، وتحويله إلى سين أو زي (zs) ليصير نطق الكلمة مناسبا، فتصبح (كازمة) بدلا من (كاظمة) العربية .
ومن المعروف أيضا أن لفظ (كاظمة) قد جاء من كظم يكظم ، أي حبس يحبس غضبه، ويكتم غيضه على مضض ، يكظم الملتجيء إلى هذه الكاظمة غيظه وغضبه وسخطه، في انتظار مجيء الفرج، أو الأمر بالخروج من تلك الحالة النفسية السيئة ، أويتخذ قراره بنفسه لللإفلات من حالة كظم الغيض والغضب، فيتنفس الصعداء، بعد زوال دواعي التسترالإجباري ، التي دعته إلى الهرب والفرارمن بعض المخاطر والمخاوف.
(سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين.)
الشاهد: الكاظمين الغيض.فهل هناك من يدخل (كاظمة) وهو فرح سعيد ؟! أم يدخلها وهو كظيم؟!!
طبعا يدخلها على مضض أوغصبا عن إرادته.
فما هو المعنى الذي قد يؤديه اللفظ الأعجمي إن كان لفظ kasma أعجميا؟!!
فإن كان ولابد من استنباط أي معنى قد يؤدي إلى الغرض المطلوب فهو معنى لا يخرج عن كونه عربيا.
فحتى قدرالطبخ التي توضع على النار، محكمة الإغلاق، لا تلبث أن تظهرغيضها جليا، عبرتلك الفوهة المخصصة لإخراج الفائض من الغليان ومن بخار الماء، وهي كاظمة غضبها وغيضها، فتسمى (كاظمة)cocotte minute
والله أعلم
قُمَيرَة camera
الكثير من مستعملي وسائل التصوير في العالم، يعتقدون أن ذلك الجهاز الذي يطلق على اسمه لفظ (كاميرةcamera ) هو من صنع وإبداع الغربيين دون غيرهم، وباعتبارأن هذه الآلة هي اختراع وابتكارأوروبي ـ حسب ما هو شائع ـ فإن أصولها ـ يا إخوة الكتابة من اليمين إلى اليسارـ ترجع ، إلى ذلكم الإنسان العالم العربي، عالم البصريات ابن الهيثم، الذي كرس كل حياته للبحث في علم الضوء، فقد ابتدع جهازا صغيرا كان يدرُس من خلاله ظاهرة الضوء، وكل ما يسمى الآن بالبصريات، في محاولات تجريبية للاطلاع على أسرارالنور وماهيته ، فقد لجأ أثناء محاولاته تلك للقبض على حقيقة الضوء، إلى صنع كوة من ورق، أو من جلد، أو من أي شيء آخر، لا نعلمه، وكان يتأمل من خلاله ضوء النجوم والكواكب، منعكسة على المرايا، وأطلق على جهازه الذي صنعه أوعلى تلك الكوة لفظ (قميرة) تصغير قمر،لأنها تشبه القمر، فسميت من ذلك الحين قميرة ابن الهيثم ، وبالاستعمال المستمر لدى الغربيين صارت كاميرة، فاستبدلوا حرف القاف بالكاف واعتقد الناس بعد ذلك أن camera هو لفظ فرنسي محض، بينما الحقيقة هي أن هذا اللفظ قد تعرض لعملية تجنيس قسري وإدماج إجباري، ومع ذلك يقال أن العربية متخلفة!
فمن يستطيع الاستغناء عن هذه (القميرة ) في العمليات الجراحية الآن؟! التصوير الفتوغرافي بالقميرة، البث التلفزي بالقميرة، الاستشعارعن بعد لسبر أغوار الأرض بالقميرة، من بإمكانه رؤية مجاهيل الفضاء وأعماق البحار والمحيطات دون الاعتماد على هذه القميرة العجيبة ؟!
نشر بجريدة " الشروق اليومي " الجزائرية يومي: 27.26 04 2005م
هي البحر في أحشائه الدر كامن..
ماتزال اللغة العربية تبحث عن غواص ماهر، يمكن أن يلج أعماق بحارها، ويستخرج منها تلك الدررالثمينة، والكنوزالغالية.
تعالوا أيها الإخوة القراء أدعوكم إلى وجبة لغوية لذيذة، وأنا متأكد أن طعمها سوف ينال إعجابكم ويحوز رضاكم، لاسيما وأنتم الذين لا تطيقون صبرا عن التهام سطورالعربية وفقراتها في كل حين، نطلع معاعلى غيض من فيض من تلك الألفاظ العربية التي أنجدت نظيراتها الأجنبيات وأعطتهن إكسيرالحياة، ودفعت بهن للارتقاء والانتشار والتطور.
من الألفاظ التي تم الاستحواذ عليها، وتم تصديرها دونما مقابل مادي ! ولامفاوضات لغوية ! ولا اتفاقيات لسانية ! والتي يعتقد كثير من الناس أنها ألفاظ أجنبية، ولاعلاقة لها باللغة العربية، وهي في حقيقتها أسماء عربية قحة وذات فصاحة وصحة، ولا تربطها باللغة اللاتينية أوالمتفرعات عنها من إيطالية وفرنسية وإسبانية، أية صلة، اللهم إلا صلة الاستعارة من العربية ووراثتها قسرا أو طوعا.
لنأخذ من ذلك مثالا بسيطا تتحدث به الألسن في كل آن، ولا تعيره أي اهتمام، (دارالبلدية) الذي يطلق عليها باللغة الفرنسية لفظ:
الأميرية la mairie
هذه التسمية يظن بعض أبنائنا أنها تسمية فرنسية الأصل، مبنى ومعنى، في الواقع تبدوكذلك، ولكنها في الحقيقة قد انحدرت من لفظ عربي صحيح وهو (الإمارة أوالأميرية) التي تعني مقرإصدارواتخاذ القرارات التنظيمية المحلية في مختلف مجالات الحياة، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لإدارة شؤون الرعية القاطنين ضمن إقليم جغرافي معين.
وقد ساد واستعمل هذا اللفظ أثناء ازدهارالدولة الإسلامية وفي أيام عزها ومجدها، والتي امتدت أرجاؤها من بغداد شرقا، إلى قرطبةغربا، ويبدوأن حاجة اللغة الفرنسية لهذه التسمية لم تكن من باب الترف اللغوي، أو بحثا عن المزيد من الثراء، فقد جاءت حاجتها إلى ذلك تحت ضغط مستحدثات التنظيمات الإدارية والتقسيمات الجغرافية للأقاليم المختلفة آنذاك، فلم تجد مناصا إلا الخضوع لتيارالتقليد، تقليد العرب والمسلمين المتحضرين ـ كما هو ساربالنسبة إلينا اليوم ـ فاتكأت على عكاز اللغة العربية لتعويض عجزها وتغطية افتقارها إلى المصطلحات والمفاهيم المستجدة في ذلك الوقت.
لقد حاولت اللغة الفرنسية أن تجد لهذا المسمى مرادفا آخر، يتلاءم ووظيفة مقرالإقليم الإداري المحلي، الأمرالذي قد يمكنها من أن تتخلص من تبعيتها للغة العربية فأطلقت اسم: hotel de ville على (دار البلدية) ولكن الناطقين باللغة الفرنسية والمنهزمين لغويا ـ مثلنا في الظرف الحالي ـ قد أحجموا عن استعمال هذا المصطلح وصاروا يفضلون إطلاق مصطلح (الأميرية) mairie la علىالمقرالإداري المحلي، في كل معاملاتهم ومراسلاتهم الرسمية، وغيرالرسمية ، بدلا من لفظ: hotele de ville الذي يبدو أنه لم يعد يفي بالغرض المطلوب، ولم يحقق الغاية المرجوة .
أما إذا التفتنا إلى أسماء المدن والحواضر، فسنجد أن حيل (اليربوع الأزرق) قد انقلبت، وتأكد لدينا فعلا أن (المغلوب دوما مولع بالغالب) ـ كما يقول ابن خلدون ـ سواء تعلق الأمر بنا المغلوبين حضاريا أم بهم الغالبين لغويا، فتعالوا نرى ما الذي يمكن أن نفهمه من لفظ اسم المدينة التي تجري بها ألعاب البحر الأبيض المتوسط في هذه الأيام:
ألأميرية : elmeria
تلك المدينة الإسبانية الجميلة الواقعة وسط شرق شبه جزيرة أيبيريا، والتي تحتضن ألعاب البحرالأبيض المتوسط، نلاحظ أن اللفظ هذا لا يعني باللغة الإسبانية شيئا،اللهم إلا معنى (الأميرية) فأداة التعريف في اللغة الفرنسية ـ كما هو معروف ـ هي ( le ) بينما في اللغة الإسبانية نجدها على العكس من ذلك ( el ) ( أل) المأخوذة أيضا من اللغة العربية، في حين نجد اللغة الفرنسية قد عكست هذه الأداة للتمويه والتضليل، حتى لا يقال عنها أنها أخذتها من اللغة العربية ! فهل بإمكان اللغة الإسبانية والفرنسية الآن أن تستغنيا عن أداة التعريف العربية؟!
فلولا أداة التعريف العربية هذه لأضحت هاتان اللغتان الفرنسية والإسبانية نكرتين! أليس كذلك ؟!
وهكذا نلاحظ إذن أن اللغة العربية حتى في هذه الجزئية التي تبدو بسيطة، قد سدت فراغا بنيويا رهيبا في اللغتين الإسبانية والفرنسية وأمدتهما برداءين من حرير، سترا عورتيهما.
ألا يدل هذا على أن أمهم الكبرى اللغة اللاتينية قد عجزت فعلاعن أن تجد أداتي تعريف لإبنتيها الفرنيسية والإسبانية؟! فاستنجدت أخيرا باللغة العربية التي سمحت بدورها لهما لتأخذا حاجتيهما دون عقدة ؟!.
إن الأصل في تسمية المدينة elmeriaبهذا الشكل والمحتوى يعود إلى اسم (الأميرية) نسبة إلىالأمير،(أميرالمؤمنين) وهي تعني مقرإدارة شؤون قاطني ذلك الإقليم الجغرافي المعين، ومركز اتخاذ القرارفيه.
متى تم هذا الأمر وكيف ولماذا ؟ الله أعلم، لعل بعض دارسي فقه اللغة والباحثين في اللسانيات وعلم النفس اللغوي واللسانيات المقارنة يعرفون جواب ذلك.
ولنعرج على بعض أسماء المدن الإسبانية الأخرى، التي هي أسماء عربية، قد بقيت على حالها مع مرور الزمن، دونما تحريف أوتشويه كبيرين، اللهم إلا فيما يخص متطلبات النطق الإسباني، فغيرت لذلك بعض الأحرف، وعلى سبيل لفت الانتباه لاغير نورد الأسماء التالية نموذجا، متدرجين من البسيط إلى المهم ثم إلى الأهم فالأغرب:
ملقى malaga
وتعني ملقى، أي ملتقى،أو موعد، والدليل هو عدم وجود أي معنى قد يؤديه هذا الاسم باللغة الإسبانية، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة ، مما يدلل على قوة تأثير هذه اللغة في ثقافات شعوب العالم.
غرٌ نهض grenada
وأصلها غرناضة، أي غرٌ نهض أو غر ناهض، أو صبي قائم، وهي تختلف عن معنى لون الرمان بدليل أن: grenade باللغة الفرنسية تعني القنبلة والرمانة
ما دريت Madrid
وتعني: ما دريت، أي كنت جاهلا بالأمر، أولم أكن على علم به، أو ليس لي به دراية.
ومن صور تشويه اللغة العربية في الجزائر وحتى في عهد استرداد استقلالها وسيادتها ما نزال نطلق بغباوة وبلاهة كبيرتين أسماء كثيرة مكسرة ومهرسة ومفرنسة على أماكن ومدن وأحياء لها أسماؤها العربية الأصيلة أو العثمانية الصحيحة، ولناخذ أمثلة بسيطة لذلك:
صالح باي le saint lombey
حاكم عثماني من هو؟ ؟ انظروا كيف تحول اللفظ من عربي إلى اسم قديس تلوكه الألسن صبح مساء دون انتباه
وما الفرق بين باي وداي ؟ حي " باينام " بالجزائر العاصمة هو في الحقيقة الباي..نام وكذا حي "ميرامار" أي حي الأمير عمار
حسين داي le saint dey
داي الجزائر المعروف في العهد العثماني الذي فاوض المحتلين الفرنسيين أثناء غزوهم للجزائر تحول من حسين داي إلى القديس داي يا سلام !!
من هو؟ وما قصته؟ ولماذا هذا التكسير في كتابةاسمه بالفرنسية؟ ربما اتنقاما منه، لأنه كان السبب الظاهر لغزو بلادنا؟
أزعم أن كثيرا من طلبتنا الجزائريين لا يعرفون عنه شيئا، ولا سيما منهم أولئك الذين ينطقون اسمه محرفا، سواء أكانوا متعلمين أم مثقفين وباللغات الثلاث الوطنيتين وكذا الأجنبية!
مصطفى والي staoueli
من هو ؟ وما علاقته بتلك المعارك الطاحنة التي خاضتها المقاومة الجزائرية بمنطقة (سطاوالي) ودارت رحاها ضد جحافل المحتلين الغزاة بداية من سنة 1830م؟
مصطفى غانم mostaganem
من يكون هذا الرجل؟ ولماذا يشاع أن لفظ (مستغانم ) يعني مسك غانم، أو مسك غنم أو مساحة مغانم إلخ...؟!! بينما الحقيقة التاريخية لعلها تكون على غير ذلك، فلماذا هذا التحريف الذي طرأ على أسماء شخصيات وطنية مهمة؟ والتشويه الذي مس ماضي مدن ذات عراقة وبطولة؟ وحجب رؤية الحقيقة التاريخية عن الأجيال الصاعدة، التي لم يعد لديها ربما وقت كاف للبحث في ماضي آلاف السنين والقرون الخالية، وهي تجهل ماضيها القريب ومآثره.
فحتى البرامج والمناهج التعليمية والتربوية التي يقال أنها علمية وتستند إلى أسس بيداغوجية ، نجدها تبدأ بدراسة وتدريس الأحداث التاريخية الموغلة في البعد الزمني، وتترك الماضي القريب الحافل بالوقائع، والأمجاد والمآسي، وعندما تعترض التلميذ أوالطالب صعوبات في مواصلة دراسته، وينقطع عنها، يجد نفسه جاهلا بأهم ما في ماضي بلاده ، ولا يظفر إلا ببعض المعلومات المضببة عن العصر الحجري الأول أوالثاني وهلم جرا ؟أعتقد أن الأمور معكوسة تماما.
ومن ناحية أخرى ما وظيفة الأجهزة السمعية البصرية الوطنية إن لم تكن في خدمة الأجيال وتبصيرها بما تجهله عن وطنها؟
أم أن سؤالا من نوع: ( في الفيلم الفلاني كم مرة رفع الممثل الفلاني أصبعه مشيرا إلى حبيبته؟)
أومن نوع: (واحدة من ثلاث هي عاصمة الجزائر: (عنابة، وهران، الجزائر) من يعرف الإجابة الصحيحة يتصل فورا على الرقم: 080.80.080) هو أولى وأهم؟!!
برج ليكسم luxemborg
ما هي قصة هذا البرج وماحكاية صاحبه وما علاقته بالعرب والمسلمين ؟ السؤال يبقى مطروحا إلى أن ينبري له من يهمه أمر هذه اللغة المعجزة فيبحث عن جواب شاف ومقنع تاريخيا وجغرافيا ولسانيا.
برج بطرس betresbeurg
من هو بطرس هذا؟ ولماذا سميت قلعته وحصنه ببرج؟ وما هي صلته بالحضارة العربية الإسلامية؟ نفس الشيء بالنسبة للإجابة فهل من فارس يقتحم هذا الميدان ويعود لنا بغنيمة قد تكون متواضعة ولكنها بالتأكيد ذات بعد ثقافي وعلمي لا يمكن الاستهانة بقيمته.
إرث héritage
(وإنا لنحن نحي ونميت ونحن الوارثون، الحجر الآية: 23) الوارثون " l'héritie de tous "
( أولئك هم الوارثون، المؤمنون الآية: 10) ce sont eux les héritiers
ألا تلاحظون أن الكلمتين العربية و(الفرنسية) هما كلمة واحدة شكلا ومحتوى؟! ماعدا تحويرطفيف قد اعترى اللفظ لضرورة قواعد النحووالصرف الفرنسيين؟!
(ورث يرث إرثا وميراثا ووارث وموروث héritier les héritiers
أليست هذه لغة عربية قحة وفصيحة وبشهادة القرآن الكريم،( بلسان عربي مبين) الشعراء، الآية 195، تقرأ وتكتب بأحرف فرنسية؟!
أم أن اللغة الفرنسية هي أقدم من لغة العرب؟!!
أمين السر Secrétaire
تأملوا هذه الفرنسية الفصيحة، لقد جاءت من لفظ (سكر) أي: أغلق وسد، أي حال دون ظهورالشيء، أوما يسوء من جراء ظهوره، أو كتم ما لا ينبغي إبرازه، أو سكر غاب وعيه، وحجب عقله ، وكذلك سكر بمعنى كتم وحجب ما يعلمه، وأبقاه سرا مكتوما، ومنها ركبت ( سكريتير) أي كاتم السر، وأمينه secrétaire
وهكذا.. نجد أن اللغة الفرنسية قد استنبطت اللفظ وسلخته،وفرنسته عنوة، بل أخذته من اللغة العربية بقضه وقضيضه.
واستفادت كثيرا من هذا اللفظ : secrète ،sécurité أي الأمن" rassurante " الذي جاءت منه أيضا كلمة:
سري secret
( واستعينوا في قضاء حوائجكم بالسر والكتمان) أي ب) secret) نعم، لم يضيفوا إلى اللفظ العربي الأصيل شيئا كبيرا، اللهم إلا حرف (c) لتصير لغة فرنسية صحيحة، ما شاء االله على هذه العبقرية اللغوية! ومع ذلك يقول المنسلخون عندنا:( لابد أن أعلم أبنائي لغة حية أجنبية، ابتداء من السنة الثانية أساسي، وبالخصوص اللغة الفرنسية، وهو لا يدري المسكين أنه يعلم أبناءه اللغة العربية بأحرف فرنسية !!
وبهذا أرجو أن أكون قد جبت بمحبي لغة الضاد والمتعاطفين معها سواحل جميلة، حتى ولوكانت ضيقة ، من بحراللغة العربية المترادف الأمواج، وتمتعوا بعذوبة مياه رافد واحد من روافدهاالمتعددة، التي تصب كلها في محيط أم اللغات الهادر، وتفسحوا قليلاعلى ضفاف نهر من أنهارها التي سقت وماتزال تسقي بساتين وحدائق لغات أخَر ولا فخر.
* لا خصوصية ثقافـيـة في ظل تبعـية لغـويـة *
إن التشويه اللغوي الذي اعترى الأسماء والأفعال العربية وقواعدهما، في مختلف مناحي الحياة ببلادنا، في المقاهي والمطاعم والمحلات التجارية والمهنية والشوارع والملاعب والإدارات، والمؤسسات وإشارات المرور، وأغلفة المنتوجات الغذائية، والمطبوعات الإدارية، الرسمية، وغيرالرسمية، وبعض الصحف الأسبوعية، والدوريات الإعلامية، لم يكن ليأتي هكذا عرضا واعتباطا، أوبحثا عن أسهل سبيل للتبليغ والإعلام والتواصل، أولتحريف غيرمقصود، إنما نجم عن نية مبيتة، ما تزال تضمرها أطراف عديدة، لها مصلحة في ذلك، وهي الحقيقة التي أضحت صارخة، وتدعو إلى الحسرة على مآل تلك الجهود الكبيرة التي بذلت فيما سبق، لتعريب المحيط وتعميم استعمال اللغة العربية على المجالات كافة.
هذه اللغة التي تعرضت ومنذ فترة زمنية طويلة، إلى محاولات خبيثة متعددة ، ومتعمدة للنيل منها، ومسخ صورتها، بتوقيع أيدي وألسنة أولئك الذين كانت وما تزال تدفعهم حساسيتهم المفرطة، تجاه كل ما يتعلق بهذه اللغة المتميزة بالقدرة على الحياة والنماء عبرالحقب والعصور، وبالصمود والتحدي في مواجهة أعدائها.
وعلى الرغم من كل ذلك، فإنه صارمن واجب كل من يملك مقدرة على الدفع ضد هذا التدهورأن يساهم بما استطاع من مقاومة، وأن يؤيد هذا الكلام ، أو ربما يعتراض عليه ولكن بمسوغات معقولة ومنطقية، وأن يدلي بدلوه في هذا الشأن، الذي بات يركن في دائرة من دوائر المسكوت عنه، وربما تحريم الاقتراب منه ، أوالخوض فيه، بحجة حساسيته وخطورته.
أية حساسية هاته وأية خطورة ؟! وقد بلغ الموسى العظم، في تشويه صورة لغة الشعب والأمة ، من خلال حصص وبرامج الإذاعات الرديئة وأطباق القنوات التلفزيونية التي وصل البعض منها في تدني مستوى الرسالة الإعلامية والتبليغية والتربوية إلى درجة الإسفاف، والتي لم تعد تشرف الشعب الجزائري أبدا.
وذلك باعتماد اللغة الدارجة والعامية المطعمتين بفرنسية ركيكة وتوسيع نطاق استعمالاتهما في إعلانات الجرائد والومضات الإشهارية التلفزيونية، وفي الأشرطة الغنائية التي لا ضابط لها ولا رقيب، وأشرطة الفيديو، وما تبثه من أفلام هابطة المستوى، وتضرب اللغة العربية في الصميم وذلك بحشوعقول الناشئة بخزعبلات ماهي بلغة ولا بلسان، والأقراص المضغوطة ومحتوياتها المشبعة بالأخطاء النحوية والصرفية والإملائية، وحجة من يقف وراء ذلك كله هو:
( أن هذه هي لغة الشعب ! لغة التبليغ والتواصل) وكأن هاته اللغة الممسوخة المليئة بالألفاظ المهرسة، والكلمات المفرنسة، والأفعال المرفسة، هي اللغة الرسمية للدولة الجزائرية، هذه اللغة الهجينة، التي تعرف دعما وتشجيعا كبيرين من قبل دوائر معينة، قد طالت كل شيء، في ظل تراجع اللغة العربية عن تأدية وظيفتها الحضارية وتقاعس المشرفين على حمايتها والدفاع عنها.
فهل صادف وأن شاهدتم أوسمعتم قناة إذاعية أوتلفزية فرنسية محترمة واحدة ، حاورت شخصا ما باللغة العربية على أمواجها أوشاشاتها أو ارتكب الناطقون بها أخطاء في حقها، حتى لوكانت بسيطة؟!
والله لوحدث ذلك لقامت قيامة فرنسا من أقصاها إلى أقصاها، لأنهم أصحاب نيف وغيرة على لغتهم،التي يعتبرونها عنوانا لشخصيتهم الحضارية ومبعثا لفخرهم واعتزازهم.
إنه من حق ومن واجب كل مواطن حروشريف، ويغارعلى شرف وقداسة لغة بلاده، ويحترم بنود ونصوص دستورها، أن يرفع يديه حاملا يافطة طويلة عريضة، صارخا معترضا على هذا الإهمال واللامسؤولية، فيما طال اللغة العربية من مساس مهين ومذل، مدركا قبل كل شيء، أن هذا الأمر هو واجب وطني وديني وأخلاقي.
وعلى الرغم من كل تلك المحاولات اليائسة، التي تعرضت وما تزال تتعرض لها اللغة العربية، وبحيل متنوعة الوسائل، ومختلفة الأشكال، وعلى أصعدة وسلاليم وظيفية، يعرف كثير من الناس أصحابها، ها هي تؤدي دورها التعليمي والتربوي والحضاري في صبروجلد منقطعي النظير، شامخة كالطود الأشم، منتظرة من أولئك السياسيين أصحاب القرارالقادرين على تشريفها بالدخول إلى غرف البحوث المخبرية العلمية، لتنتعش أكثر، وإقحامها مكاتب الدراسات الهندسية والدفع بها إلىالورشات الميكانيكية دون عقدة ، واستضافتها في أبراج الأبحاث الفيزيائية، والمعامل الكيميائية والنوادي الفلكية، وفي جامعات الوطن للعلوم والتكنولوجية، لتشرفهم هي بدورها وهي أهل لذلك، وترفع معنويات الناطقين بها، وتكون سندا قويا للمتعاطفين معها، إثباتا للذات، وتحقيقا للاستقلالية اللغوية، وتميزا في الإبداع الأدبي والفني والفكري والثقافي الداعم لعناصر الهوية الوطنية.
وبهذا الصدد ينبغي التثمين عاليا ذاك القرارالسياسي الصادرمؤخرا عن مجلس الوزراء، الخاص بدعم اللغة العربية والذي أعطى بصيصا من أمل، ورؤية تقترب من الوضوح، لمستقبل اللغة العربية، لأن تتبوأ مكانتها التي تليق بجلالها ومجدها وعلى أرضها، ولكن أين وسائل متابعة تنفيذ محتوى القرار وتطبيق ما ورد فيه ؟!
* لغة الإدارة والاقتصاد والديبلوماسية *
إلا أن القرارالصعب والجريء الذي ماتزال اللغة العربية في انتظاراتخاذه،هو ذاك القرارالتاريخي الذي يمكنها من أن تصبح لغة أولى للاقتصاد وللإدارة، وللديبلوماسية، على غرار بقية لغات العالم السيدة.
فالألماني لا يتعامل أو يتكلم إلا بلغته، مهما حاولت استدراجه لأن ينطق بغيرها! حتى ولوامتلك ناصية لغات العالم، وكذلك الفرنسي والأنجليزي والإيطالي والإسباني والياباني والصيني ..
فلماذا نجد فئة كبيرة من الجزائريين ـ وعلى الرغم من كون دستور بلادها ينص منذ أكثرمن أربعين سنةعلىأن اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية للدولة الجزائرية ـ تصر على التعامل بلغة غيرها، إن على المستوى الرسمي أوالشعبي؟!
ما تفسيرذلك لدى علماء النفس الاجتماعي واللغوي ؟!
وماهي الدوافع التي تجعل الإنسان الجزائري يتخلى طواعيةعن جزء من شخصيته وهويته ؟!
وما هي البواعث التي تدفعه إلى اعتماد هذا السلوك غير الحضاري ؟!
ألا يعد ذلك انفصاما في الشخصية ؟! وطمسا متعمدا لعنصرهام من عناصرهويته ؟! وتشويها ـ بوعي أو بغير وعي ـ لذاتيته الجزائرية؟!
فإن كانت المسألة تتعلق ( بغنيمة حرب ) ـ كما يدعي البعض ـ فلماذا لم تحتفظ الأندلس باللغة العربية كغنيمة حضارة ؟! وقد دامت فيها هذه الحضارة ما يربو عن الثمانية قرون ؟! بينما لم يدم الاستعمار الفرنسي ببلادنا سوى قرن ونيف ، وقد فعلت لغته فينا كل هذه الأفاعيل؟!
فمادامت الأندلس قد أخذت قسطها من الحضارة العربية الإسلامية، ولم تحتفظ بلغة الفاتحين العرب والأمازيغ، لماذا على الجزائر أن تحتفظ بلغة هؤلاء الفرنسيين الذين ما عمروا بلادنا وما حضروها وما طوروها، بل آثارهم تدل عليهم.
( تخريب العقول وإكلام الأفئدة وتمزيق الشخصية الجزائرية، و نشر سموم ثقافتهم الغربية التي لا تتماشى وأذواقنا الشرقية، تلك الثقافة التي من سماتها الأساسية بث روح التفرقة اللغوية، وإذكاء نارفتنة العنصرية النتنة، والتحريض على زرع بذورالجهوية المقيتة بين صفوف المواطنين الجزائريين، وتمهيد الأرضية لتنامي ظاهرة أخطبوط الرشوة والفساد الإداري، والتلوث الثقافي، وتمييع الذوق الفني السليم للأمة، بحجة دواعي التحديث والتطوير، فهاهي النتيجة ـ كما يلاحظ الجميع ـ بعد استهلاك ثقافتهم واعتماد أنماط معيشتهم، وجعل لغتهم وسيلة للتسيير والإدارة، لما يربو عن الأربعين سنة، نجد الأمة الجزائرية مكلومة في لغتها، مأزومة في ثقافتها، مهزومة في استقلاليتها،لا إنتاج غذائي وطني وفير، ولا مصنوعات محلية للتصدير، ولم يبق من اهتمام الفرد الجزائري إلا الكدح اليومي، من أجل توفير لقمة العيش والبقاء على قيد الحياة لا غير)
( طبعا هناك فئة غير قليلة من الطبقة المتوسطة وما فوقها ببلادنا، مستفيدة من هذا الوضع، ولا ترضى بتغييره ، وقد يربكها ويقلص من حظوظها، وهي محقة في الدفاع عن مكاسبها، ولو على حساب الآخرين ).
أحترم التارقي حين يتكلم بتارقيته، والشاوي بشاويته، والقبائلي بقبائليته، والزناتي بزناتيته، والميزابي بميزابيته، لأنه يعبرعن ذاتيته الأصيلة، وهو فخور بانتمائه إلى أمته العربية الإسلامية، ولا أحترم ذاك الذي يتقعر ويرطن بلغة مستعمره بالأمس القريب، أمام أبناء بلده ، دون حاجة ماسة لذلك، مزهوا مفاخرا، وكأنه وصل إلى زحل، أوخاض حروب حنابعل، أو شارك في معارك هرقل.
(أعرف أحد الجزائريين الذين درسوا في أمريكا وكندا، يجيد خمس لغات عالمية، نطقا وكتابة، ولم أسمع منه يوما كلمة واحدة باللغة الفرنسية في حواره مع أبنائه وأبناء وطنه إلا مضطرا.)
فهاهم الإخوة المسيحيون اللبنانيون والأقباط المصريون لا يتكلمون ولا يكتبون إلا بلغتهم الدستورية الواحدة، الجامعة لذلك التنوع اللغوي الثقافي لأمتيهما كبقية شعوب العالم المتحضرة.
* اللغة فكرأم وسيلة ؟ *
ـ فإن كانت اللغة فكرا ، فإننا قد صرنا نفكر انطلاقا من مرجعيتين مختلفتين ومتاضدتين، كل منهما تدعي أنها على هدى، وأن سبيلها هو سبيل الخلاص والانعتاق من ربقة التخلف.
ألا تحتاج هذه الإشكالية القائمة ببلادنا والتي لها تأثيراتها السلبية المزمنة، إلى ندوة وطنية سياسية فكرية ثقافية لدراستها والبت فيها بصفة نهائية ؟ حتى لا نورث الجيل الحالي والأجيال القادمة هذا التطاحن اللساني والتنابز اللغوي، الذي سوف يفضي في نهاية المطاف إلى التخلف بأسمى صوره لا محالة؟! والدليل على هذا التخلف ما نعيشه منذ الاستقلال من صراع لغوي حاد، معرقل لكل جهود التنمية، ومن فوضى ثقافية، أربكت أفراد المجتمع، وزادت في اتساع رقعة الشرخ الموجود بين الفصائل الثلاث للنخبة الوطنية ، (المعربة والمؤمزغة والمفرنسة).
قلت فكرين مختلفين عربي إفريقي، وفرنسي أوروبي، تطبع وتأثركل منهما بطابع جغرافيا وتاريخ مختلفين، ونستعمل وسيلتين تؤديان وظيفتين مختلفتين أيضا ومتضادتين، إحداهما تدفع بالفرد الجزائري للغرق في بحيرة الاغتراب والاستغراب والاستلاب، وتوفيرعناصرالقابلية للاستعمار، (وهذا ثابت علميا وأظن أنه لامجال فيه للنقاش) ، والأخرى تدعوه للغطس في بحيرة الاستقلالية الثقافية عن الغرب، وإمداده بما يحصن ذاتيته، ويصون كرامته، ويحفظ وجدانه، من مخاطر الذوبان في الآخر.
وإن لم يكن الأمركذلك، فما الجدوى من مساعي أنصارنشرالفرنكفونية في ربوع العالم ؟ والعمل على توسيع مجالات استعمالها في فضاءات خارج وطنها الأم؟ إن لم تكن من أجل استيعاب الآخر، وشل قدراته الفكرية والوجدانية، ومن ثم الهيمنة والسيطرة عليه لابتلاعه!!
إن الحضارات دورات ودول، فالدورالعربي الإسلامي قادم لا محالة بإذن الله ، وتلك سنته في كونه.
فمنطق التاريخ يؤكد أن دورة الحضارة لا يمكن أن تستقر في مكان وزمان واحد، (وتلك الأيام نداولها بين الناس).
إن ما يعرقل مسيرة وجهود المخلصين من أبناء هذا الوطن، التواق للتحررمن هيمنة الغرب الثقافية، هوهذه الخلافات الداخلية الطاحنة، السياسية منها والاجتماعية واللغوية بالخصوص.
( متى يبلغ البنيان يوما كماله * إذا كنت تبني وغيرك يهدم).
ـ أماإن كانت اللغة وسيلة فقط، فإننا نتناول طعامنا بملاعق لغة غيرنا، ونلبس سرابيلهم الفكرية الرثة، التي أثبتت التجربة عدم جدواها.
وبالتالي ها قد أضحينا بعد كل تلك التجارب المرة عراة مفضوحين، فلا مناسج لغتنا تركناها تكسونا، ولا أقمصة لغة غيرنا صارت تدفئنا.
ألم يصل الروائي الجزائري الكبير رشيد بوجدرة إلى طريق مسدود ـ بعد أن غامر لعدة عقود في رحلته اللغوية المعروفة، فعاد معترفا بعدم جدوى الإبحار في يم لغة يعيش أهلها الأصليون أزمات فكرية حادة، وربما الإفلاس ؟! وقد أدرك بحسه الحضاري في نهاية مطاف سفره ، وهو المتمكن الأمكن في ناصية اللغة الفرنسية، وبعد تجربة الكتابة الإبداعية بها وفيهاأن: (المكسي برزق الناس عريان؟!).
ها هو يعود للكتابة بلغة الوطن، لغة الهوية الحضارية, لغة الانتماء، لغة الأمة والشعب، لغة الأنا الجماعي الحضاري للشعب الجزائري المتميزعن الحضارات الأخرى، شئنا أم ابينا.
وكذلك الكاتبة والروائية الجزائرية المعروفة آسيا جبار، التي فازت مؤخرا بإحدى الجوائز الأدبية، قد صرحت أنها نادمة أشد الندم عن عدم تعلمها اللغة العربية.
مرحبا بالأمازيغية لغة وطنية للتفكير والإبداع الفني والثقافي ، وسحقا للغة عدوي الاستدماري بالأمس، وخصمي الحضاري اليوم، سحقا للغة امتدت أذرع أخطبوطها لتطال حتى قرى وسهول وجبال وصحارى الضفة الجنوبية من حوض المتوسط، ضفة الأحرار عربا وأمازيغ، محاولة التهامهم وعيونهم تنظر، وسواعدهم المفتولة تحاول الدفع ولكنها مغلولة، سحقا لمن لا غيرة له على دينه، وقدعلم أنه سوف يحاسب عن تفريطه في ذلك يوم القيامة، وسحقا لمن لا غيرة له على لغته الوطنية والرسمية، وقد أدرك أن الشهداء قد اطمأنوا عندما وضعوا الأمانة بين يديه، وبذلوا مهجهم رخيصة في سبيل تحريره واستقلالية شخصيته الثقافية والسياسية والاقتصادية، وتركوه ينعم بحرية وكرامة، وسحقا لمن لا غيرة له على انتمائه الحضاري المتميز ، سحقا لمن انسلخ عن جلده غصبا عنه، ولم يحاول الدفاع عن نفسه، أوعن طيب خاطر، وهو يردد أن ذلك لم يضره في شيء ، محاولا بإصرار سلخ الآخرين معه، دونما حياء ولا وجل.
نقول هذا لا لشيء، إلا لكون اللغة العربية ما تزال تبحث عن صاحب قرار شجاع، قد يقضي بقراره ذاك على كثير من بؤر التوتر الاجتماعي والتطاحن السياسي، ويحقق أسمى معاني المصالحة الوطنية المتمثلة أولا في الذات الجزائرية المستقلة، وثانيا في مسألة الانتماء الحضاري للأمة، وفض نزاعات إشكالية الهوية الثقافية، وثالثا في تخليص الأمة الجزائرية من أذرع أخطبوط التبعية اللغوية للغرب.
هذا الغرب الذي لم يستطع حتى اللحظة التخلص من حنينه الاستدماري وعقدة الهزيمة لديه.
إن كل من يبحث له عن أعذار في هذا الشأن هوواهم، ولم يستفد من دروس التاريخ شيئا.
( وما تكريم وتمجيد رموز الجريمة لليل الاستدمار سوى دليل على ذلك ).
نشر ب"صوت الأحرار" الجزائرية في 27. 11. 2005
في الدين..
* عَلمانيُوالعَولمة والإعجازاالعلمي للقرآن *
كثيرا ما نجد بعض الحداثيين وممتطيي موجة العولمة والعلمانية منهم العرب وغير العرب سواء أكانوا من أولئك الرافضين لوجود الدين أصلا، أوممن يميلون الى وجوده والاعتراف بنزوله، ولكنهم ينكرون قدرته على استغراق واحتواء مستحدثات العصر، ومبتكراته، ملمحين أحيانا الى أن الدين قد شل قدرة العقل البشري على التطور وحد من طاقته على التفكير، متحججين في ذلك بالدافع الذي يتمثل في صورالريبة والشك لديهم أنهم كلما أحسوا امتلاكهم قدرا من العلم، ومن أدوات تحليل وتركيب الأفكار،أصبح من واجبهم ومن حقهم امتلاك زمام ريادة الشعوب، وتنصيب أنفسهم أئمة عليها، ليوجهوها نحوالمزيد من التطوروالرقي ـ حسب أهوائهم طبعا ـ وأنه من واجب هذه الشعوب أن ترى ما يرون وتتبع وتنفذ ما فكروا فيه وإلافسوف يحملونها مسؤولية تقهقرها وتخلفها، في شتى الميادين، وأنها لن تستطيع تحقيق نتائج تذكر في مجال محاولات تطورها ورقيها ، وتقدم الإنسان العربي والمسلم وتوفير وسائل راحته وازدهاره.
فإن كان هؤلاء الحداثيون العلمانيون الذين ما فتئوا يطلون علينا كل يوم ـ تقريبا ـ عبر أعمدة الصحف واسعة الانتشار في مختلف أنحاء الوطنين العربي والإسلامي مرددين باحتشام أن التفكير العلمي الحر قد وقف في وجهه ذلك المقدس الذي لايجوزالاقتراب منه أو البحث فيه، فإن كانت لديهم الشجاعة والجرأة الكافيتين فليقولوا أولا ما رأيهم في خلق السماوات والأرض، وما هي نظرتهم للحياة وللوجود والكون، دونما ارتكازعلى أسس دين أو معتقد وينشرون أفكارهم تلك بدون تلميحات، كما نشر سلمان رشدي وتسليمة نسرين رأيهما بكل وضوح، وساعتها ينتظرون رد من يخالفهم الرأي،عارضين أدلتهم وبراهينهم للدلالة على ما ذهبوا إليه، دونما وجل أو تردد، من "أفكار"وهرطقات وتهويمات، قد خاض في يمها أغلبية المفكرين المسلمين وغيرهم، ولم يتركوا أي مجال لم يقلبوه من جميع أوجهه، فعاد بصرهم ـ بعد تلك الرحلة الشاقة ـ إليهم خاسئا حسيرا، بدءا من المعارك التي خاضها " المعتزلة والقرامطة وانتهاء بالحلاج وبابن رشد..مع بعض التحفظ حول تلك المدارس الفكرية والمداهب الدينية والمشارب السياسية " ومن حذا حذوهم، وما تمخض عنها من مآس ومحن، مانزال نتجرع مرارتها الى اليوم!
ـ أليس تخلف المسلمين في شتى مجالات الحياة مرده الى أسس فكرية خاطئة، قعد لها أولئك المرجفون وعبر الخريطة الزمنية لما يربو عن عشرة قرون ؟!
ـ أليس ذلك الصراع الخفي الهادف الى الهدم سعيا لإفشال وإلغاء أفكار الآخرهو ما يهدد وجود الطرفين معا ؟!
ألم تكن دورة الحضارات في صعودها وتقهقرها ناجمة أصلا عن أفكار ومعطيات أسست لها ؟!
ـ من باستطاعته البرهنة على أن الفساد السياسي والاقتصادي والثقافي الذي تعيش مظاهره الآن الأمتان العربية والإسلامية سببه تشبث العرب والمسلمين بمباديء عقيدتهم الدينية ؟!
لمحاولة الاقتراب من الإجابة عن تلك الأسئلة نورد بعض الآيات القرآنية ونقول: أن مثل هذه الأمورنراها لا تقدم ولا تؤخر في مجال البحوث التي تناولت أوستتناول قضايا غيبية كبرى لم يصبح باستطاعة العقل البشري تحمل مشاق الخوض فيها، وأن صراعا بين تيارين معروفين من المفكرين في عالمنا العربي والإسلامي قد استنفد كل منهما طاقاته في عملية محاولة إلحاق الهزيمة بمن يخالفه الرأي في هذا الشأن ، فليتقوا الله في أنفسهم أولا، وفي الأجيال الصاعدة التي لم تعد تتحمل مثل هذه المعارك الفكرية البيزنطية عديمة النفع ثانيا، فإن كان ولابد فليقترح كل من الطرفين عقد مؤتمرعالمي يتباريان فيه بالتوصيات والنتائج التي قد يتوصل إليها الجانبان للفصل في الموضوع، موضوع الديني واللاديني وتنويرالباحثين والمهتمين والمعنيين وكذا عموم الناس، فيظهر من هو على حق ومن يدعو الى باطل، وكل ذلك في إطار (ولا يزالون مختلفين ) (هود، الآية:118)
( الله جل وعلا)
( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) (الإسراء ،الآية :36 )
الله هو الأول، الذي لا شيء قبله، والآخِر الذي لاشيء بعده، الظاهر، الذي لا شيء يخفيه، الباطن الذي لا شيء يجليه، سبحانه وتعالى عما يصفون .
جاء جمع من سكان اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن كيفية بدء الخلق، فقالوا له: أخبرنا يا رسول الله، كيف كان الكون قبل أن يخلق الله مخلوقاته، أي قبل خلق القلم، واللوح المحفوظ، والعرش، وسائر مخلوقاته وموجوداته من جنة ونار و جن وبشر ووحوش والسماوات والأرض، فقال: كان الله.. فقالوا له كيف؟ فقال في عمى.. أي لا يستطيع العقل البشري تصور شيء.
فأول شيء خلقه الله هو القلم، و النون التي هي الدواة ( ن والقلم وما يسطرون ) قال الله للقلم : اكتب، قال يا رب ماذا أكتب؟ قال: اكتب علمي فيما هو كائن وما يكون إلى يوم القيامة، ثم خلق اللوح المحفوظ الذي كتب فيه كل شيء .( رفعت الأقلام وجفت الصحف )
ثم خلق العرش ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه:
إن السماء الدنيا ما هي بالنسبة للسماء الثانية، إلا كحلقة في صحراء، وأن السماء الثانية، بالنسبة للسماء الثالثة، ما هي إلا كحلقة في صحراء، وأن السماء الثالثة، بالنسبة للسماء الرابعة، ما هي إلا كحلقة في صحراء، وأن السماء الرابعة، بالنسبة للسماء الخامسة، ما هي إلا كحلقة في صحراء، وأن السماء الخامسة، بالنسبة للسماء السادسة، ما هي إلا كحلقة في صحراء، وأن السماء السادسة بالنسبة للسماء السابعة، ما هي إلا كحلقة في صحراء، وأن السماء السابعة بالنسبة للعرش، ما هي إلا كحلقة في صحراء، وأن العرش بالنسبة للكرسي، ما هو إلا كحلقة في صحراء.
( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية.) (الحاقة، الآية: 17 )
( ثم خلق باب التوبة من جهة الغرب ، يبلغ اتساع هذا الباب مسيرة سبعين عاما ، تركه مشرعا للتائبين، إلى أن تشرق الشمس من الغرب،أي أن باب التوبة يبقى مفتوحا لمن أذنب وعصى فيرجع ويتوب إلى رب العالمين، فإذا أشرقت الشمس من الغرب أغلق هذا الباب وانتهى الأمر فلا توبة بعده .
ثم خلق الرحم، التي تعلقت بعرش الرحمان قائلة: أعوذ بك ممن قطعني، فقال لها: (من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته، أترضين قالت رضيت)
ثم خلق مئة رحمة، فأنزل منها إلى مخلوقاته واحدة، واحتفظ بتسع وتسعين أخرى ليوم القيامة.
كل ما نراه ونحسه من عطف وتعاطف ومحبة وشفقة في الأمهات والأباء من بشر أو حيوان أو طير،ما هو إلا رحمة واحدة من مئة رحمة خلقها الله جل وعلا.
ثم خلق الملائكة والجن وبقية مخلوقاته (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة....)
( البقرة الآية 30) ما رأيهم في هذا فلسفيا ولاهوتيا ومنطقيا؟!!
( وترى الجبال تحسبها جامدة..)
توضيحا لذلك أحاول أن أستعرض بعض الآيات ، التي تتحدث عن حقائق إعجازية، وردت في القرآن الكريم وأثبتها العلم الحديث، متحدية أفهام الناس وعقولهم، أيام نزوله وإلى يوم يبعثون على لسان خير البشر، محمد صلى الله عليه وسلم، إذ لم يتعد فهم بعض الناس لمعاني بعض الآيات التفسيرالظاهري لها، وقد كانت تعتبر بالنسبة للكثيرمنهم ـ مؤمنين وكفارا ـ غاية في العمق والشمولية والدقة والبلاغة، وذلك على الرغم من كون القوم كانوا سادة العربية، وفحول بيانها، بينما البعض الآخر أدرك بإيمانه الراسخ، ويقينه الثابت، أن القرآن جملة وتفصيلا، بآياته المحكمات والمتشابهات، هي إعجاز بياني رباني، وإفحام منطقي،لا يمكن مضاهاتها أو التطاول عليها ،لأنها كلام رب العالمين (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. (فصلت، الآية: 43 )
لا ولن يمكن لأي مخلوق ـ وبأي حال من الأحوال ـ أن يأتي بمثله، ولو بآية واحدة منه، ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.)
(الإسراء ، الآية 88 )
ولنبدأ بالآية التالية، ثم نرى مدى قدرة وقوة حجج هؤلاء للرد على ذلك :
ــ (وترى الجبال تحسَبُها جامدة وهي تمرمرالسحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء..)
(النمل، الآية :88 )
من المعلوم، أن أعلى نقطة في العلو، وصل إليها الإنسان، أيام نزول القرآن الكريم، هي سنام الجمل، أوظهر الفيل، أو صهوة الجواد،أو سطح الكعبة، أو قمة الجبل،أوهرم، باستثناء محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي وصل إلى سدرة المنتهى، في رحلته المعروفة، ليلة الإسراء والمعراج، بينما ما عداه من الناس لم يكونوا يعرفون معنى لمرور الجبال كمر السحاب، فالآية تتحدث عن مرور الجبال وحركتها، وسفرها الدائمين، فقد كان بعض الناس يظنون أن الجبال، لا يمكن أن تتحرك من مكانها، وأنها ثابتة، ولذلك يُضرب بها المثل في الثبوت، وعدم الحركة، فيقال للشيء: (ثابت ثبوت الجبال). وأن الحديث عن مثل هذا الأمر،أي تحرك الجبال وطيرانها ـ إن جازالتعبيرـ يعتبر ضربا من ضروب الهراء، أو نوعا من أنواع الخبل، الذي قد يصيب عقل من يقول بذلك.
فلو كان المقصود ـ والله أعلم بمراده ـ رؤية الجبال في يوم القيامة فقط ، تتحرك، وتسير، لذكرت الآية مثلا : (ويومئذ ترى الجبال..) ولكنها قالت: وترى الجبال، أي أنها على غرار (سنريهم آياتنا في الآفاق..) ومن ثم ها نحن أهل القرون الحديثة والبعيدة عن ذلك العصر، نلاحظ أن الجبال تمرمرالسحاب، كيف؟
الجواب: بعد أن يسرالله للبشروسائل تجاوز الغلاف الجوي، والتخلص من الجاذبية الأرضية والنفوذ إلى الفضاء الخارجي ،بعد أن أخذوا بالأسباب طبعا (ثم أتبع سببا...)(الكهف، الآية: 89،92 )
(يا معشرالجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطارالسماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان..)
(الرحمن ،الآية :33)
وصعدوا إلى سطح القمر، بل إلى أكثر من ذلك إلى كواكب أخرى، ما كانت لتخطرعلى قلب بشر، وما نزول رائدي الفضاء (أرمونسترونغ وألدرين) وووضع قدميهما على أديم القمر سوى عينة على ذلك.
فلو فرضنا مثلا أن أحدا من أهل العصرالأول، الذي نزل فيه القرآن، هوالآن حاضر معنا، وذكرنا له أن الإنسان قد أصبح بإمكانه النزول على سطح القمر،هذا القمرالذي كان الشعراء يتغنون ببهائه وجماله، ويتغزلون بحسنه، صاراليوم جبالا وصخورا، لقال: أن هؤلاء الذين يستطيعون فعل ذلك هم الشياطين وليس البشر، وذلك نظرا لاستحالة تحمل عقله، لهذا الأمر، ناهيك عن التصديق به .وكما جاء في الأثر أن(الجبال لا يقهرها إلا الحديد، والحديد لاتقهره إلا النار ، والنارلا يقهرها إلا الماء ، والماء لا تقهره إلا الريح، والريح، لا تقهرها إلا الصدقات) الصدقات أسرع وأقوى من الريح.
و لنتلو الآية من جديد ،(وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) :
من كان يظن من هؤلاء الناس، أن الأرض مكورة الشكل! أوأنها عبارة عن كرة مستديرة ، تسبح في الفضاء اللامتناهي،أوهي مثل حبة رمل، ملقاة في صحراء، مترامية الأطراف، بالنسبة للمجموعة الشمسية، وللفضاء الفسيح، وما فيه من مجرات؟! أوأنها كوكب صغير،لا يكاد يرى ، في محيط مجرة، تسبح ضمن عدد غيرمعروف لحد الآن من المجرات ، التي لاعد لها ولا حصر، حسب آخر ما توصل إليه علماء الفلك والفضاء، وما تم استنتاجه من نظريات، ثبتت صحة فرضياتها، وذلك بعد أن غزا الإنسان الفضاء الخارجي بوساطة مختلف المسابرالفضائية، وما تم الوقوف عليه من حقائق علمية ثابتة، في أن الأرض ما هي إلا كوكب صغيرجدا جدا يسبح في الفضاء، كسائر الكواكب الأخرى. ألم يكونوا يعتقدون أنها مركز الكون ومحوره ؟!
وقد جاء في تفسير القرطبي، وابن كثير: أن الجبال يراها الناس يوم القيامة جامدة، أي واقفة، لا تتحرك بينما هي في واقع حالها تتجمع وتسير، لتصير كالعهن أو كالسراب، فتراها العين كأنها غير متحركة ، وهي تمر مر السحاب، وهذا ربما ـ والله أعلم ـ تفسير ظرفي ، جاء لزمانه، بينما الحقيقة الماثلة للعيان الآن، هي أن الجبال تسير، وتتحرك، وهي مسافرة سابحة في الفضاء، ولم يكن باستطاعة هؤلاء المؤمنين، آنذاك إدراك هذه الحقيقة، نظرا لعدم وجود وسائل، تساعدهم على فهم هذه الحقيقة المكتشفة حديثا، وكنوزالقرآن وحقأئقه لا تنتهي بانتهاء حقبة معينة أو عصر من العصور.
فهو تحدِ واضح جلي، لعقول سكان الجزيرة العربية من غير المؤمنين، الذين كانوا يعتقدون أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يأته جبريل، ولم ينزل عليه الوحي من ربه، بل ربما طاف به طائف من الجن،أو أنه سحر أوأن القرآن الذي أتى به لم يكن سوى من نسج خياله، فهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم خبيرا في علم الجغرافيا؟! أو في علم الجيولوجيا؟! أوفي علم الفلك؟! أو أنه كان يملك مراكب فضائية تساعده على الانطلاق في أجواء الفضاء الرحب، ومن ثم يتوصل إلى حقيقة أن الأرض كروية الشكل، وأن الجبال تمر مرالسحاب، بالنسبة للملاحظ الموجود خارج الغلاف الجوي للأرض ....؟!
فكيف يتسنى لرجل لم يغادر شبه الجزيرة العربية، إلا نحو الشام تاجرا، في رحلة الشتاء والصيف؟!
( لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف) (قريش، الآية:2 )
أن يعرف هذه الحقائق من دون وحي، أومن دون وسائل ارتقاء؟!.....
( وكل في فلك يسبحون) ( يس، الآية 40) كل شيء في الكون يَسبح ويُسبح بما فيها الأرض التي كانوا يرونها، وهم يمشون على أديمها أنها مركز الكون، فالأوائل لم يكن بإمكانهم إدراك أن الأرض تسبح مثلها مثل بقية الكواكب والنجوم، باعتبار أنهم كانوا يلاحظون بأعينهم أن تلك الكواكب والنجوم من غير الأرض تتحول من مكان الى مكان في حين أن الحقيقة هي أن ما كانوا يشاهدونه هو مواقع النجوم وليست النجوم ذاتها، فالمدة التي يستغرقها وصول الضوء الى الأرض تتطلب زمنا طويلا،(8 دقائق) وبالتالي فالنجوم قد غادرت مكانها منذ فترة غير قصيرة، فهؤلاء لم يكونوا يشاهدون سوى مواقع للنجوم، وهو الأمر الذي ورد في الآية:( فلا أقسم بمواقع النجوم)(الواقعة، الآية:75)
إذن الأرض تدور حول نفسها دورة كاملة خلال أربع وعشرين ساعة بما فيها الجبال الراسيات على أديمها وفي عمقها وتدور حول الشمس دورة كاملة خلال ثلاث مئة وخمس وستين يوما (وترى الجبال ...نحن نراها من خلال هذه الدورات المتتاليات تمر كمرالسحاب ، فالسحاب يمرحولها سواء أأفرغ حمولته أم لم يفرغها، أأكمل دورة حول الأرض أم لم يكملها، فهو متنقل إذن والجبال متنقلة كذلك.من أين لمحمد صلى الله عليه وسلم معرفة ذلك إن لم يكن ما يقول به وحيا يوحى وتنزيل من رب العالمين؟!!!
(صنع الله الذي أتقن كل شيء)
كل المصنوعات التي نعرفها ونلمسها بأيدينا ونعرف منافعها من أدوات مختلفة ووسائل مادية نستعملها في حياتنا اليومية فيقال أنها من صنع الشركة الفلانية أو العلانية ومن إبداع وتخطيط وتنفيذ وتركيب فلان، هي في حقيقة الامراكتشافات لحقائق كانت موجودة من قبل، فالشركة لم تصنع شيئا يذكرابدا، إنما الإنسان، بعد أن هداه الله الى ذلك توصل إلى قوانين وجودها وتركيباتها المختلفة، وأنه لم يضف إليها شيئا أبدا، فالصانع المبدع هو الله سبحانه وتعالى، فكما أن الإنسان الأول توصل إلى معرفة كيفية إشعال النار بوساطة احتكاك الأشياء بعضها ببعض، كذلك إنسان اليوم توصل إلى حقيقة تذويب الحديد والنحاس ومعادن أخرى وصهرها وتركيب أجزائها، وضمها إلى بعضها البعض، ثم ركب السيارة والطائرة والغواصة ومختلف وسائل التمدن التي نلمس منافعها المباشرة وغير المباشرة، فبعد إعماله النظر في الشيء، وكذا التامل في مكوناته، والعناصر التي يتركب منها ، تاتيه الفكرة،،أية فكرة،، من شأنها أن تقوده إلى الاستفادة من ذلك الشيء، فيحلل، ويركب ويعيد التحليل والتركيب وهو ما يسمى بالتقنية، أي أن الفكرة تتحول من شيء نظري إلى شيء ملموس، فتسمى هذه العملية (تكنولوجية) كل ما يخطر على البال ويمكن استغلاله لصالح الإنسان والاستفادة منه يحول إلى ملموسات ومحسوسات، أصوات.... الصوت مادة، أبواق ،أجراس، طبول،أشرطة اسطوانا... روائح، عطور طيبة، وغير طيبة ،، مأكولات ... ملبوسات .... صنع الله الذي أتقن كل شيء ،، نعم كل شيء،، هل هناك من شيء يمكن استثنا ؤه؟! أبدا المعنى واضح جلي ولا يحتاج إلى تفسير أو تأويل، أتقن أي: عمله بإتقان متناه في أية صورة ما شاء ركبه.في البحر نرى الرخويات، والثديات، بألوانها الزاهية وأشكالها المختلفة،،،،وفي البر نفس الشيء، وفي السماء الأمر ذاته.
هو المبدع المصور، فاطر السماوات والارض، بينما البشر ماهم إلا مكتشفين لأمور كانت وما تزال موجودة أصلا، في الكون فالإنسان لم يضف إلى تلك الموجودات ولو جناح بعوضة، بل ولو جزء من مليار من جناح بعوضة.
فكل العناصر المادية الموجودة، المعروفة وغير المعروفة، من حديد وفضة وذهب ونحاس، هي من خلق وصنع الله ، والانسان منذ أن خلقه الله كبقية مخلوقاته، يحاول باستمرار أن يعرف ماهية الأشياء، وكنهها، ولكنه بعد الجهد والعناء والبحث المتواصل عبر مختلف الأجيال والعصور ، يعجزعن إدراك جوهر الأشياء وماهيتها، من ذرات ونترونات... فيعود بصره إليه حسيرا، فلا يستطيع الوصول إلى حقيقة خلق الأشياء، إنما الله هوالذي ييسرله معرفة مكوناتها، للاستفادة منها ومن خصائصها، وتطويعها لصالحه، ولذلك فلا ينبغي أن نقول بضرورة استيراد التكنولوجيا من دول الغرب، فالتكنولوجيا لا تستورد، إنما هي مجرد اكتشافات لقوانين علاقات ونواميس تضبط الأشياء التي غابت عن إدراكنا. فلولا تلك الحواجز والقيود السياسية، والعادات السيئة، والأعراف البالية، التي تعيق جهود النوابغ والعباقرة وتجعل الأجيال تراوح مكانها مقلدة ،غير مكتشفة، مستهلكة غير منتجة ولا مضيفة لما سبق ، في كل شيء، وهي الظروف التي لاتسمح بمحاولة إعمال النظر والتأمل في موجودات الله، الذي أتقن كل شيء، لسارت وقطعت أشواطا طويلة في ميدان الاكتشافات واستغلال العناصر الطبيعية التي أوجدها الله منذ أن فطرالسموات والأرض وما بينهما.
فالعمل الصالح في نظري الذي فاق إماطة الأذي من الطريق هو صناعة الطائرة واكتشاف الكسندر فليمينغ للبنسيلين واكتشاف الكهرباء ... الى غير ذلك من الأعمال النافعة للإنسان فما الذي جعل المغضوب عليهم والضالين يتمكنون من الوصول الى اكتشاف أسرار قوانين الطبيعة في الجو والبر والبحر ويصنعون ـ لغيرهم الذين أنعم الله عليهم بنور القرآن ـ السيارة والطائرة والباخرة والهاتف والحاسوب والأقمار الاصطناعية، إنها الحواجز السياسية التي تجعل الأجيال متخلفة ثقافيا واقتصاديا ومن ثم اجتماعيا وأخلاقيا فلا تستطيع حتى اكتشاف عوامل تخلفها ولا أسبابه فما بالك باكتشاف أسرار وقوانين موجودات الله في العالم!!
(وأنزلنا الحديد..)
( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس..) ( الحديد، الآية: 25)
ربما لم يسأل بعض الناس عن كيفية نزول الحديد، وأن مفهومهم لمعنى نزول الحديد، لم يتعد الإيمان، والتسليم، لأن البحث بدون توفرالأسباب مضيعة للوقت، وتضييع للجهد، وقفز في الفراغ، في حين نجد أهل العصور الحديثة، قد هيأ لهم المولى تبارك وتعالى، كل أسباب البحث والتنقيب والاطلاع والاكتشاف، وربما قد سألوا عن كيفية نزوله، فاقتنعوا لضرورات الإيمان، وقد جاء في الحديث الشريف عن رسول الله أن الله أنزل أربعة أشياء من رحمته هي الحديد والنار والماء والملح.
وقالوا كذلك أن الحديد قد أنزل مع آدم كالميقعة أي المطرقة والسندان وكذا الحجرالأسود الذي كان أبيض ثم تحول الى أسود.
أما الآن فقد زود المبديء المعيد عباده بوسائل علمية، سخرها لهم، وعلموا أن الحديد قد أنزله الله إلى كوكب الأرض، منذ ملايير السنين، ولم يكن عنصرا من العناصرالطبيعية المعروفة ، حسب نتائج آخر الدراسات والبحوث العلمية، أي منذ الإنفجارالأول للكون،(كانتا رتقا ففتقناهما) بإرادة الله ،
وأن الحديد قد أنزله الله من خارج كوكب الأرض ، فكان الناس لا يسألون إلاعما تصل إليه مداركهم العقلية، والحسية
(ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أوكرها قالتا أتينا طائعين..)
(أولم يرالذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ....)( الأنبياء، الآية:30 )
أي أن السماوات والأرض كانتا ملتصقتين ففصلهما الله عن بعضهما، وخلق من السماء سبع سماوات ومن الأرض سبع أراضين،أي أن السماء كانت لا تمطر والأرض لا تنبت، وبعد فتقهما وفصلهما عن بعضهما،أنزل ما شاء من المعادن، وهوالأمرالذي يعبرعنه العلماء الآن بالإنفجار الأول للكون، فكيف تسنى لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يدرك هذا الأمر دونما وحي؟! ولماذا كانت (وأنزلنا الحديد.. هي الآية:26 كما يقول العلماء بإضافة آية البسملة إليها التي تأتي في مقدمة كل سورة من سور القرآن وليست مقصورة فقط على سورة الفاتحة، تتوافق مع عدد الوزن الذري للحديد وهو 26 ؟!!.......
( وما أنتم له بخازنين)
( وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين ..)(الحجر ألآية: 22)
إن الكميات المعروفة من الماء أو غيرالمعروفة،الموجودة على سطح كوكب الأرض، سواء كانت محمولة في ركام السحب أوهي في باطن الأرض أوهي في البحار والمحيطات هي نفسها بأوزانها وأحجامها منذ أن خلق الله الأرض وما عليها، لم تضف إليها قطرة أو تنقص، سواء تبخر الماء، أو لم يتبخر، تحول من سائل إلى غاز، أو جامد، فالكمية هي نفسها، تنتقل من حالة إلى أخرى، دون زيادة، أو نقصان ، الماء نشربه، ثم تخرجه أجسامنا بشكل أوآخر، فيسلك طريقه إلى الأرض، ثم إلى النهر، أو إلى البحر، ثم يتبخر ويتكثف عبر السحاب،وهكذا دواليك، يعيد الكرة نفسها...
(ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله..) (النور ، الآية: 43)
(ويجعله، كسفا فترى الودق يخرج من خلاله..) (الروم، الآية:48)
فينزل مرة أخرى مطرا، فننستعمله في أغراض كثيرة، أو نشربه، مرة أولى، وثانية، وثالثة، ورابعة ومليون مرة.... ولذلك يقال:( دورة المياه) وهكذا، (فما أنتم له بخازنين..)
من بإمكانه تخزين الماء ؟! أفي براميل ؟! أفي أوعية؟! أفي أحواض؟! هذا ليس بتخزين، فالتخزين ألا يغادر مكانه، ولا أن تتحول حالته من حالة إلى حالة، خارج إرادتنا، ذلك مستحيل طبعا .
تتدخل مشيئة الله، فتغيره من وضع إلى وضع آخر، سواء، بفعل الزلازل والفيضانات والطوفان، أوبحالات التجمد والتبخر...فهل محمد صلى الله عليه وسلم كان كيميائيا! حتى يطلع على هذه الحقيقة العلمية، ألم يكن النبي أميا! لا يقرأ ولا يكتب ؟! من زوده بهذه الحقيقة الثابتة، الراسخة رسوخ الشمس الساطعة ؟! أليس علام الغيوب، غفار الذنوب، ستار العيوب؟! سبحانه وتعالى عما يصفون ...؟
(كأنما يصعد في السماء)
( يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء..) ( سورة الأنعام، الآية: 125 )
ـ كيف عرف النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا ما قطع مسافة ما في ارتفاعه وابتعاده عن سطح الأرض يضيق صدره، ويكاد ينفجر، إن لم يكن مزودا بأجهزة، تمده بالأوكسوجين، وهي نفس العملية التي تحدث للإنسان أثناء غوصه في أعماق البحار، يضيق صدره ولا يستطيع تحمل ضغط المياه ؟!
فكذلك لا يمكنه تحمل ضغط الجو الخارجي ، كيف كان بإمكان النبي الأمي أن يصل إلى هذه الحقيقة الثابتة التي وقف عليها علماء البحار وعلماء الفضاء والفلك في العصرالحديث؟! أفبعد هذا ينكرون؟!! فبأي حديث إذن يؤمنون؟!!أليست الآيات باهرات ومعجزات ؟!! أليست لهم عقول يفكرون بها؟!! وأبصار ينظرون بها؟!! المجهر والتليسكوبات والقميرات وليعلم القاريء الكريم أن الكاميرة هي لفظ عربي شكلا ومحتوى فابن الهيثم هو من ابتدع تلك الكوة الصغيرة التي كان يرى بها الأشياء بوساطة تسليط الضوء فسماها قميرة أي تصغير قمر ومن ثم أخذها الغرب وغربت لتعود إلينا في شكل قميرات فيديو وعدسات تصوير سنمائي وتلفزي ردت إلينا بضاعتنا مطورة ونحن نائمون، فصح النوم. لقد أوصلتهم كاميرات المصورين الى أعماق البحار والى ظلمات المحيطات وشاهدوا عن قرب مخلوقات لا تعد ولا تحصى بأشكال وألوان وأحجام لم يكن في إمكان أي بشرآخرأن يراها أويرى مثل ما يرون اليوم ؟!! ماذا يريد هؤلاء الناكرون الجدد؟!! أتحييد القرآن وتعطيل آياته لدى الذين آمنوا به؟!! أم إلغاء عقول وأفهام من آمن وترسخ إيمانه بفضل من الله وهدايته ؟!! هيهات، وعبثا يحاولون!.
(التوسع المستمرثم الرجوع )
(والسماء بنيناها بأيد وإنا لمُوسِعون) (الذاريات الآية: 47 ) إن آخر ما توصل إليه العلم الحديث، في مجال بحوث الفضاء وسبرأغواره هو أن الكون ما فتيء يتوسع ، وهو في حالة امتداد متواصل، منذ أن خلقه الله ، وسوف يستمر في توسعه إلى ما شاء له، ثم يعود مرة أخرى إلى حالته التي انطلق منها، وهي حالة التكثف والانزواء، والانكماش آي إلى نقطة الصفر، التي بدأ منها، ( كانتا رتقا ففتقناهما )(الأنبياء الآية: 30 )..
(ويعرج إاليه في يوم مقداره ألف سنة مما تعدون..)
الكلم الطيب يصعد الى الله سبحانه وتعالى في يوم ، اليوم عند البشر يتكون من أربع وعشرين ساعة هذا الوقت الذي نحسبه ونقول أن تاريخ نشوء الأرض هو كذا مليار سنة هذا، المليار من السنوات كم من يوم فيه فإذا حسبنا كم فيه من يوم فقط ، مع علمنا أن اليوم مقداره ألف سنة من حسابنا البشري هل باستطاعة أي جهاز حاسوب أن تحتوي ذاكرته حساب مليون يوم فقط؟!!فما بالك بملايير السنوات!! زد على ذلك فإذا كانت تلك السنوات تحسب بالسنوات الضوئية؟!!وهي وسيلتنا وحسابنا الذي نعد به المسافات والأبعاد الفلكية،وأن سرعة الضوء كما هو معروف هي ثلاث مئة ألف كلم في الثانية لأدركنا أن هذا الأمر فوق طاقة البشر وفوق أن يتصور المرء حدا له سبحان الله المبدع المصورالعزيز الحكيم...وبالتالي فإن تاريخ الرتق والفتق أو الانفجار الأول للكون لايقدر بزمن ومن ثم فتاريخ عودته الى الانزواء والانكماش والرتق من جديد أي يوم القيامة لا يعلمه إلا الله.
( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه..)(الزمر، الآية: 67)
(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) (فصلت: الآية 53)
من المعروف لغويا أن حرف ( السين) إذا دخل على الفعل المضارع يفيد حصول ذلك الفعل فيما استقبل من الزمن، الزمن القريب، بينما ،( سوف) تفيد حصول الفعل في المستقبل البعيد، فالآية تتحدث عن حتمية إظهار آيات الله في الآفاق لكل ما استقبل من الزمن، أي زمن وصل وحصل، أو ما زال لم يحن ميعاد حصوله ، لكل جيل من الأجيال معجزات تبهر عقولهم وتحير أفهامهم على إدراك حقيقة ما يتوصلون إليه من حقائق كونية لم تكن من قبل لتدرك .
ففي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كان الناس يعتقدون أن الآفاق هي المسافة أو المساحة التي يصلها البصر أفقيا، أما عموديا الىحيث القمر وما وراء القمر من مجرات ونجوم فلم يخطر على قلب بشر آنذاك، وأنه سيأتي يوم يصعد فيه الإنسان الى ما فوق السحاب وأنه بإمكانه قطع مسافات تقدر بملايين الكيلومترات و بالسنوات الضوئية إلى المريخ والزهراء وما بعدهما من كواكب وأجرام ونجوم ومجرات ،، فذاك أمر يعد ضربا من ضروب المحال آنذاك.
سنريهم: من هم هؤلاء الذين سيريهم الله؟ سيبين لهم؟ سيظهر لهم؟ علامات وجوده؟ وقدرته؟ وعظمته، جل وعلا ؟
الكفار ، الملاحدة، والعياذ بالله ، الذين ينكرون وجوده ، والذين يقولون بخلق الكون هكذا عبثا، دون مبدع ، دون خالق
( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون...)(المؤمنون، الآية 115)
ففيما تتبين لهؤلاء الكفارعلامات وجود الله ؟!
في الآفاق أولا، أي في السماوات وما تحتويه من كواكب ونجوم ومجرات ...
وفي أنفسهم ثانيا أي في نتائج تلك البحوث البيولوجية والفيزيولوجية وعلوم النفس والخلايا وعمل آلاف الأعصاب والمخ ووظائف القلب المبهرة هذا القلب الذي يتحرك ويضخ الدم الى مختلف أنحاء الجسم من دون محرك كهربائي أو بطارية فلا يكل ولا يتوقف ولا يستريح، نائما كنت أم يقظا، متحركا أم ساكنا ، في جهازالسمع والبصر، وحركة اليدين والرجلين ما الذي يجعل هذه الأعضاء تتحرك دون محرك يمنة ويسرة فوقا وتحتا؟!! الله سبحانه وتعالى، هل استطاعوا جعل ( الروبو) يمشي ويتحرك دونما طاقة كهربائية أو نفطية هل بإمكان هذا (الروبو) الحركة والسير ذاتيا دون دفع خارجي أو داخلي ؟!!
يسمى (آليا) ولكن هذه الآلية ما الذي يدفعها للحركة؟ إن لم تكن مزودة بشكل ما من أشكال الطاقة.
لا سفينة بدون ربان ؟!
قد يجيب أحدهم أنه توجد الآن سفينة بدون ربان أي تسير متحكما في سيرها عن بعد، ذلك وارد الآن وممكن، ولكن ما نقصده هو الصانع فلا مصنوع بدون صانع. ولا بأس أن نورد ها هنا تلك الحادثة التاريخية التي جرت وقائعها بين أحد كبارعلماء المسلمين، وبين أحد الكفار، الذي سمع بغزارة علم هذا العالم، وقوة منطقه، وكثرة أدلته،،، هذا الكافر، كان ملكا بإحدى دول آسيا الصغرى ، فأرسل في طلب العالم (أعتقد أنه الإمام أبي حنيفة )، ليرى ويسمع مباشرة، منه، وليقف على أدلته، التي يقول بها للتدليل على وجود الله.
فلما وصل العالمَ المسلمَ خطابُ السلطان أو الملك، يدعوه بالحضور إليه ، شد رحاله فورا الى ذلك الملك أو السلطان ، وعوضا من أن يصل اليه في ظرف يوم أو يومين، تأخر كثيرا متعمدا هذا التأخر، فغضب الملك عليه كثيرا ولما وصل، سأله : لماذا تأخرت كل هذا التأخر؟! وما الذي أخرك ؟!
فقال العالم المسلم: لقد مررت بنهر عظيم ، فلم أستطع عبوره، وبقيت أنتظر حتى تجمعت أخشاب الأشجار، وضمت إلى بعضها البعض، ثم تحولت إلى سفينة، فركبت هذه السفينة، وقطعت بي النهر، دون أن يكون بها أي ربان أو ملاح ، فها أنا كما ترى قد وصلت .
فقال له الملك: ويحك، أتهزأ بي؟! كيف للأخشاب أن تتجمع وتتلاصق ويشد بعضها بعضا، ثم تصير سفينة، فتركبها أنت دون أن يكون لها صانع ولا ربان ؟! فرد العالم المسلم قائلا:
وكيف يمكن أن تصدق أنت أن هذا الكون الفسيح، يشد بعضه، بعضا، في انسجام تام وبديع دونما خالق مدبر؟!
فبهت الملك، ولم يستطع الرد ولو بكلمة واحدة.
إذن المسألة مفصول فيها عقلا ومنطقا، ومنذ مئات آلاف السنين، إن لم نقل ملايين أو حتى ملايير، ومع ذلك مايزال بعض المتنطعين الجدد في العالم الإسلامي يحاولون السيرعكس التيارـ تيارعودة الأمم والشعوب الى ينبوع الإيمان الذي لا ملاذ لهم غيره، سواء وصلوا الى نهاية العالم ونفاد الزمن أم بقوا يتأرجحون في بداياتهما ـ بتلك النتائج التي توصلوا إليها عبرالبحث في الجينات البشرية والحيوانية، وإنجاب الأطفال بواسطة الأنابيب والاستنساخ المتكرر للمخلوقلت، في محاولة يائسة للوصول الى عدم صدقية الأنبياء والرسل ،وهي محاولات كمن ينطح الصخر الصوان برأسه، أملا في تفتيته بلحم وشحم، فمن كان يمتلك القدرة على التفكير والإبداع، فليقل للبشرية عن الكيفية التي يمكن بها القضاء على مختلف الأمراض والأوبئة، وكذا الوسائل والطرق التي من شأنها الحد من مآسي الفقر والأمية والجهل المتفشية في ربوع العالم ، وما هي الآليات المثلى لتحجيم الصراعات وتقليصها إلى أدنى حد ممكن ، حتى تعيش البشرية في وئام وانسجام، وحتى يعم الرخاء سائر انحاء الكرة الأرضية، ويعيش الجميع متحابين متآزرين، من شاء يؤمن فليؤمن ومن شاء يكفر فليكفر ولكن دونما صدام،ولا سفك للدماء في إطار حريتك تنتهي عند بدء حريتي، وليس بتسفيه إيمان الآخرين ومحاولات حصرهم في زاوية الضالين المتحجرين المتخلفين، ظلما وعدوانا ومن ثم إلغاء حقهم في الوجود.
ذاك ما يحاول قطيع العلمانيين والشيوعيين والملاحدة القدامى والجدد نشره وتعميمه على كل من أدرك أو لم يدرك أن الآية الأكثر إبهارا ودهشة وتعجيزا للبشرية جمعاء هي تلك التي تثبت أن الناس مبعوثون ليوم معلوم، آلا وهي آية الموت التي لاجدال فيها منذ عهد آدم الى يوم يبعثون متناسين أو ناسين أو لم يطلعوا على التراث الفكري والأدبي وأسس المذاهب الكبرى في الفقه الإسلامي أن فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة ابن الرومي قد فصل في هذا الأمر منذ قرون، عندما أنكر بعض العلمانيين والملاحدة القدامى أن لا حياة بعد الموت، تصديقا لرأي الطبيب والمنجم اللذين أثبتا أن ما يقوم به المصلي من حركات ودعاء ما هو إلاعبث مؤكدين أن ذلك سوف يذهب سدى، فالفناء أوالموت يعني عندهما التلاشي ،العلم يقول :(لا فناء للمادة ولا تستخرج من عدم ) والقرآن يقول:( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) لا تعارض ولا تناقض، صحيح لا يمكن استخراج أي شيء من عدم منطقيا وعقليا، تسنده فكرة أن المادة لا تفنى وإنما تتحول من شكل إلى شكل آخر جامد، سائل، غاز ...ثم تبعث في شكل آخر، جسد الإنسان يتحلل في القبر ولا يبقى منه إلا عظم العصعص الذي هو على شكل حبة خردل ....وهذا قد جاء في أحاديث الرسول الأعظم عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام وأثبته العلم الحديث .
وأن لا أمل في بعث وجزاء وعقاب، فقال ابن الرومي فاصلا في المسألة:
قال الطبيب والمنجم كلاهما * لاتبعث الأجسام قلت إليكما
إن كان ذا حقاماخسرت شيئا * وإن كان باطلا فالخسارعليكما.
يعني أن الإنسان المؤمن بالله وباليوم الآخروبالبعث والجزاء والعقاب وبالقضاء والقدر خيره وشره وبالرسل والملائكة والكتب، يصلي ويصوم ويزكي ويحج ويوحد الله ويتبع الرسول، فإن كان في ريب ولم يبلغ درجة المؤمنين بالغيب يقينا، فلا يخسر في نهاية المطاف شيئا في دنياه، بينما من أنكر وتولى فسيكون الخاسر الأكبربالتأكيد. (والعصر إن الإنسان لفي خسرإلاالذين آمنوا وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) ؟!!!
نشر ب" الشروق اليومي " الجزائرية 26 و27. 04 2005

عبدالقادربوميدونة
16/01/2010, 06:19 PM
الفصل الثاني :
* الإفتاء والاستفتاء في حضن المصالحة الوطنية الجزائرية *
إذا أردت منع جريان الهواء بغرفتك والحؤولة دون تسربه ، فلا تغلق النافذتين معا، بل قم بغلق إحداهما فقط ، واترك الأخرى مشرعة، فالهواء لايمكنه التسرب من نافذة واحدة، بحكم أن الغرفة ليست فارغة، بل مليئة به، وإن لم تدرك هذه الحقيقة العلمية، وسعيت لإغلاق النافذتين معا، بهدف تفادي تعرض رأسك للوجع، وأمراض الشقيقة، فقد تموت اختناقا.
وإن أردت أن لا يقوم بمسألة الإفتاء في الدين كل من هب ودب في عصرالعولمة المعلوماتية والاتصالات، فلا تفرض على من يفتي ضرورة الحصول على أعلى المستويات من العلم الشرعي، لأن ذلك يعتبر في وقتنا الحالي ضربا من ضروب العبث، أو مقاومة الريح بهراوة، فالمستفتي قد لا يحتاج إلى ذاك المفتي المحلي، مهما كان مستواه العلمي والتكويني والتوجيهي، فأبواب الإفتاء ونوافذه قد أضحت مفتوحة مشرعة على مصراعيها ، ومنابع الإجابة عن تلك الاستفسارات ا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا.المائدة، الآية 32)
فهل يقوم بارتكاب ما طلب منه وهو يردد:( أن ما قام به هو أمر واجب التنفيذ وقد ورد إليه من أهل الحل والعقد وأولي الأمر) أم يجب عليه العودة إلى عقله وقلبه محكما إياهما فيما يدعوه إليه دينه القويم، وتوجيهاته الصحيحة ؟! أنحاسبه هو، أم ندين أولئك الذين أفتوا له بتلك الفتوى المجانبة للصواب؟! سواء أكانوا معروفين لديه كمسلمين، أومجهولي الهوية، كيهود صهاينة غلاة، أو كعملاء ليهود حاقدين على الإسلام والمسلمين، عاقدين العزم على تشويه صورته وحقيقته الأزلية، أومندسين كعناصر تعمل لحساب أطراف خارجية ؟! أم نعمل على تثقيف أمثاله وتنويرعقول عموم أفراد الشعب، بإزالة أميتهم السياسية والدينية والمدنية، وحتى توعيتهم بخطورة وسائل الاتصالات الحديثة، التي لم تعمل الدولة الجزائرية لها حسابا جادا ، كأسلحة جديدة ذات فتك رهيب، إن على المستوى الاجتماعي، أو السياسي، أو الاستخباراتي حتى، وقد تركت الحبل على الغارب. طبعا من السهل على من يطلق الأحكام جزافا ـ دون استشارة من مراكز متخصصة في علوم التربية والتعليم ومعاهد علم الاجتماع بفروعه ومنه السياسي بالخصوص، ومراكز الدراسات الاستراتيجية الشاملة، ـ أن يقول أن القرار الصادر قرار سيد لا رجعة فيه، ففي أية بيئة ترانا نعيش ياترى ؟ أتحت سقف الديمقراطية التعددية ؟ أم في شباك التعددية الديمقراطية ؟ أفي ظل حرية التعبير الفردي والجماعي؟ أم في (تغننانت) الاستبداد والتفرد بالرأي، وإلغاء الآراء الأخرى، مهما كان صعود مؤشر عددها في تزايد؟
فالعنف كما يمكن أن يكون مصدره الاستقصاءات في شؤون الدين والدنيا، قد صارت أيضا عالمية، وما القنوات الفضائية التي تعد بالمئات، إلا وسيلة بسيطة من تلك الوسائل المتعددة، بدءا بالقنوات الإذاعية ومرورا بالنهر المعلوماتي المتدفق عبروسيلة الانترنت، وانتهاء بالرسائل القصيرة للهواتف المحمولة.
فإذا كان دارس علوم الشريعة ومدرسها قد يضلل ربما بعد تخرجه من يفتي لهم في أمور دينهم ودنياهم عن جهل، أو عن نقص فهم، أويدفع بهم إلى التشدد والتطرف في إطلاق أحكامهم على شؤون الحياة، أو يقودهم لاعتماد أسلوب العنف، بهدف فرض وجهات نظرمعينة، أوإلى الانحراف أثناء ممارسة النضال من أجل الوصول إلى السلطة.
فمن باستطاعته إذن الوقوف في وجه تلك الفتاوى والتفسيرات القرآنية العابرة للحدود والقارات عبر الفضائيات المتخصصة في المذاهب المختلفة؟! ومن ثم فقد أصبح شأن الإفتاء والاستفتاء في شؤون الدين والدنيا في عالمنا الحالي مثلهما كمثل الهواء، لا يمكن صده بفتح الأصابع العشر في وجهه، أوبسن قوانين متشددة، أو بتقليص حصص تدريس مباديء الدين وأصوله.
فهل من الممكن إصدارأحكام مسبقة على من لجأ إلى استعمال أسلوب العنف ـ المرفوض شرعا وقانونا وأخلاقا ـ وعلى من قام بتعليمه في صغره، وزوده بقيم وطنية ودينية معينة، صونا لذاته ودعما لشخصيته، وتحصينا لهويته الوطنية والإسلامية، وتحميله مسؤولية العنف الممارس؟! وعلى من أفتى له بذاك في كبره؟!
أم أن الحكم الصحيح ينبغي أن يكون انطلاقا من مبدأ: (لا تزر وازرة وزرأخرى) الواردة في كل شرائع الدين السماوي، والديانات الوضعية للمجتمعات المتحضرة ؟! فإن كان من تلقى واستقبل واستوعب الفتوى جاهلا, أوأميا، أوناقص عقل، أومهتزالشخصية، وارتكب جرما ما ـ يعاقب عليه الشرع والقانون ـ استجابة لتلك الفتوى بطريقة عمياء وخاطئة، هل نقوم بتجريمه وإدانته هو ذاته؟ أم نبحث عن الأسباب والمسببات التي جعلته يقوم بذلك الجرم ؟! سواء أكانت تلك الأسباب اجتماعية أو سياسية أو اقتصاديةأو ثقافية.
أم نعود به إلى المراحل الأولى من تعليمه وتربيته، إن كان من دفعه إلى فعل ذلك هو أمه، أو أبوه، أومعلمه، أوأستاذه، في مرحلة الحضانة والمرحلة الابتدائية ؟! ثم من قال أن كل من ارتكب أوهو بصدد ارتكاب فعل إجرامي، قد تلقى تعليمه وتكوينه في علم من علوم الشريعة؟! فإن فعلنا ذلك، آلا يعد حكمنا ذاك تجنيا وإجحافا في حق مادة التربية الإسلامية التي تشبع بفضائلها الجمة، وقيمها النبيلة مجاهدو ثورة التحريرالكبرى التي قهرت أعتى قوة استعمارية آنذاك تحت راية الله أكبر؟!
ومن ذا الذي قال أن كل من لجأ إلى العنف خلال الازمة الأمنية التي عرفتها الجزائر هو معرب يميني متطرف، وقد أفرز سلوكه المشين ذاك تكوينه الديني البحت؟! ألا يوجد من ضمن هؤلاء الذين اختاروا سبيل العنف وسيلة لحل مشاكلهم الاجتماعية والسياسية، أولاسترداد حق مهضوم أو مغتصب، من هو يساري متطرف؟! متشبع بمباديء غير إسلامية ؟!آلا يوجد من ضمنهم من كونتهم أفكارعديدة، سواء أكانت تلك الأفكاروالمباديء شيوعية حمراء، أو لبيرالية متعالية، أوسلفية متطرفة، أووسطية متزلفة، أو حداثية مخرفة، أو أصولية منحرفة، دارسا في شعبة علوم الشريعة، أومتخصصا في النصب والحيلة والخديعة، وقد قام برتكاب فعل مخالف للدين والقانون مستغلا ذريعة أن الكل يتهم ـ في هذا الأمر المسمى (إرهابا) عند من تضرروا به و(جهادا) عند الذين مارسوه أو ساندوه أو تعاطفوا معه ـ الإسلاميين ؟! ألا يوجد في صفوف هؤلاء الإسلاميين من هو مندس ومبرمج خصيصا للقيام بما يخدم أعداء الجزائر في الداخل وفي الخارج؟!
تقنية الاتصالات وقتل النفس
ولنفرض أن شخصا ما في فترة ما تلقى مئات المكالمات والرسائل القصيرة عبرالهاتف الثابت أو المحمول، أوعبرنهرالانترنت المتدفق، طالبة منه وجوب القيام بفعل معين، وتحت ضغط مغريات معينة مادية أو ابتزازية أو مساوماتية، فهذه الرسائل الكثيرة تعد في نظره ـ إن كان جاهلا، أو متنطعا، أو غوغائيا ـ إجماعا دينيا ومصدرا لا يرقى إليه شك ، وتبريرا شرعيا لتنفيذ جريمته. (من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا ...)
التربية الدينية وتدريس علوم الشريعة في المرحلة الثانوية، يمكن يكون مصدره منابع أخرى كثيرة ومتعددة لايمكن التنبه إليها إلا بعد فوات الأوان.
فماذا نقول لو أن هذه الطفرة المعلوماتية الجديدة أضلت ـ لا قدر الله طائفة كبيرة من الشعب الجزائري وهذا مانراه يتزايد ويتفاقم يوما بعد يوم ـ ، وصارت مسيحية، ثم طفق بعض هؤلاء المسيحيين الجدد يتطرفون ويرتكبون أخطاء ويقومون بأفعال تتنافي والقوانين السائدة ؟ هل نقول أنهم درسوا علوم الشريعة المسيحية ويجب إزالة وتحييد تعاليم الدين المسيحي من مراحل التعليم ،التي أنجبت لنا هذا العنف المنبوذ اجتماعيا وقانونيا ؟ أم نقول أن هؤلاء المتطرفين الجدد في الدين المسيحي قد تأثروا بماضيهم الإسلامي؟!.
ومن ناحية أخرى آلا يعد قرار إلغاء أو تقليص أو زحزحة تدريس شعبة الشريعة الإسلامية والامتحان فيها في المرحلة الثانوية بمثابة قرار إلغاء المسار الانتخابي في بداية التسعينات من القرن الماضي؟! فإن كان كذلك ها نحن نؤسس ونمهد لظهورعنف سياسي أو اجتماعي آخرين، مدركين أوغيرمدركين، لما سوف يترتب عنه من نتائج مضرة بالمجتمع إن عاجلا أو آجلا ؟!
وماذا يكون عليه الحال ـ فرضا ـ لوأن أغلبية الشعب الجزائري صار شيوعيا ( والعياذ بالله) وقد لجأت شريحة كبيرة منه إلى أسلوب المغالبة بالاحتجاجات المتواصلة تارة وبالعنف تارة أخرى، للمطالبة بضرورة إدراج مادة تدريس الإلحاد، في كل مراحل التعليم، هل نقف لهم في سبيل إلحادهم بقرار سيادي لا رجعة فيه؟ أم ندعو بضرورة اعتناق مباديء الدين الإسلامي وتطبيق شريعته، تفاديا لخطرهم الداهم؟!
أم نبحث عن الدوافع الحقيقية الداخلية، والبواعث الفعلية الخارجية للأفراد، التي جعلتهم يشرُدون عن السرب الاجتماعي المتماسك ؟
من جهة أخرى وبناء على ذلك يمكن لأي أحد منا أن يتساءل:
من أعطى مفاتيح الحل والربط لذاك المسؤول الذي يريد أن يعلم الشعب الجزائري ما يجب أن يقرأه وما ينبغي أن يدرسه وما لايجوز قراءته وما لا يحبذ تدريسه ؟ أنزل هذا المسؤول من السماء؟ وصارأعلم وأفقه من كل هؤلاء وأولئك المعترضين، حتى يعلمهم شؤون دينهم ودنياهم ؟ ولا يريهم إلا ما يرى ؟ هل له من سلطان مبين؟ أين حجته التي قد يحاجج بها عموم المسلمين، لو كانت في بلادنا ديمقراطية حقيقية، وشورى فعلية، ومناظرات مبثوثة على المباشر كما هو جارفي بعض القنوات الفضائية التي قطعت شوطا بعيدا في مجال ممارسة حرية الرأي والرأي الآخر، حتى ينصب نفسه مفتيا في شؤون التربية والتعليم والشريعة الإسلامية التي لا يعلم منها إلا كلمة
Charia la ؟ أليس القول بضرورة تحجيم وزحزحة هذه المادة أو بالأحرى إلغاء شعبة الشريعة من شهادة البكالوريا دون استفتاء شعبي، أو مصادقة من برلمان ناجم عن تطرف كان خفيا، وقد تلقاه صاحب القرار وتشبع به في سن مبكرة من عمره، حتى صارالآن ، لا يستمع لأحد، ولا يبالي بعدد المعترضين عليه، ولا تهمه النتائج السلبية التي قد يتمخض عنها هذا القرار الخطير؟ كيف يكون موقفه لو طالب الشعب بتنحيته من منصبه؟ ألا يمكن أن يلجأ هو نفسه إلى نوع آخرمن الاحتجاج أو العنف أكثر تطورا وتقية، من العنف الذي قيل أن تدريس الشريعة الإسلامية قد أنتجته أو سوف تنتجه؟!
آلا تعتبر (التغننانت أومعزة ولوطارت) اللتين ورثناهما عن أجدادنا شكلين من أشكال الاستبداد والاستحواذ بالرأي وعدم الالتفات لآراء الآخرين حتى ولو كانوا على حق؟
كيف يمكن لهذه الدولة أن تعرف الاستقرارالسياسي والتماسك الاجتماعي والعيش في جو ديمقراطي، ما دام أمثال هؤلاء المسؤولين الذين كانوا بالأمس القريب يدافعون باستماتةعن الرأي الواحد والفكر الواحد قد صاروا الآن ديمقراطيين (شكلا؟). ألايعد ذلك كذبا وافتراءا على الشعب؟
ما قول المختصين في دراسة (الشخصية) وهل صحيح أنه يمكن أن يتغير الإنسان من حال إلى حال في توجهاته وقناعاته الفكرية والسياسية بنسبة 180 درجة ؟! هل هذا ممكن علميا؟ هل ارتقى ذاك المسؤول إلى هذا المستوى بوسائل ديمقراطية حقيقية ؟ فإن كان كذلك، فكيف أخطأ الشعب فيه ؟ وولاه على إدارة شؤون أبنائه، ورجال مستقبل الجزائر، لا سيما وهوالذي لا تروقه من القرارات ومقترحات مشاريع القوانين إلا ما يتعارض مع طموحات الشعب وآماله؟.
هل يتغيرالإنسان بيولوجيا أولا أم أيديولوجيا ؟
قال ذات يوم الفيلسوف اليوناني المعروف أرسطولأستاذه سقراط: ( أنه قد توصل بعد تأملات طويلة في ماهية الإنسان وشخصيته، فوجد أنه بين الفينة والأخرى يتحول ويصير شخصا آخر غير الشخص الأول تماما، (بيولوجيا ونفسيا ووجدانيا) وقدم أدلته وبراهينه التي تثبت ذلك، ويبدوأن تلك الأدلة والبراهين لم تقنع أستاذه، ولم يجد الأستاذ وسيلة فعالة لدفعه للعدول عن رأيه بعد نقاش طويل ومساجلات حادة، إلا فكرة بسيطة رآها حاسمة وفعالة ، وبدت له أنها قد تكون ذات تأثير كبير على عقل أرسطو، فقال له:( اقترب مني يا أرسطو وانظر إلي جيدا، فاقترب التلميذ من أستاذه سقراط ، وبعد ذاك رفع سقراط يده عالية فاتحا كفه وهوى بها على وجه أرسطو بصفعة قوية ، اهتزلها أرسطو مرتعدا ومتسائلا :( لماذا صفعتني ياأستاذ ؟ قال سقراط: أأنا الذي صفتعك أبدا.. أنا لم أصفعك، فقد تغيرت وصرت شخصا آخر، فاسأل سقراط الأول الذي صفعك،أما أنا الواقف أمامك فقد تغيرت).
مما يدلل أن الإنسان لا يتغير بين الفينة والأخرى وبتلك السرعة التي أشار إليها أرسطو، إنما يحصل التغيروالتغيير بالتدرج والتدريج، ومع ذلك فقد يتغير الإنسان جسديا، ولكنه لن يتغير في قناعاته وتوجهاته ونفسيته وذهنيته إلا بعد فترة أطول، وقد لا يتغير إطلاقا ونسميه صاحب تغننانت ومكابرة والحديث قياس.
هل الإسلام من غير الشريعة يعني شيئا ؟
دين الدولة الإسلام، هكذا يقول الدستور، فهل الإسلام من غيرالشريعة يعني شيئا؟! أم الشريعة تعني غيرالإسلام ؟! ما معنى الشريعة إن لم تكن نبعا وطريقة ومنهاجا وسبيلا وصراطا مستقيما ؟ ما معنى أن يقول القائمون على شؤون هذا البلد أن لكل حريته، ولا تطبق هذه الحرية إلا في حالات معينة، فمن شاء خمروسكر، ومن شاء صلى وصام ؟ومن شاء آمن واتقى، ومن شاء كفر؟ ومن أراد خاف مقام ربه، ومن شاء فجر؟!
إذن من شاء تعلم اللغة الفرنسية، فليتعلم، ومن شاء تعلم اللغة العربية فليتعلمها، من شاء تنصر وتمسح، ومن شاء آمن وأسلم، وبالتالي من شاء يستمع عبر الإذاعات والقنوات الفضائية إلى مفتي المسيحية، والدعوة إلى التنصير فليستمع، ومن شاء يستمع لقناة ( إقرأ ) فليسمع ويستمتع ، أليست هذه هي الحرية المطلوبة؟.
إذن ما معنى حرية التعبيرإن لم تكن إفتاء واستفتاء واستفسارا واستقصاء فيما أحب الإنسان وفيما كره؟! أليست قضية شعبة الشريعة الإسلامية شبيهة إلى حد بعيد بقضية الحجاب في فرنسا؟ إن لم تكن امتدادا لها؟!
ما معنى أن يفرض على المواطن الاستماع ومشاهدة قناة واحدة ووحيدة وما يبث عبرها من عري وخلاعة، وحصص وبرامج لا تعبر ولا تعكس ولا ترقى إلى المستوى السياسي والثقافي والاجتماعي الحقيقي للشعب الجزائري الأصيل؟ ولا يسمح بفتح قنوات أخر، لمن لا يريد مشاهدة ما تفرضه عليه في وطنه؟ لماذا لا يسمح بإلقاء محاضرات وعقد لقاءات وبرمجة حصص خاصة بالشريعة الإسلامية؟ طبعا ذاك حرام في دين الآخرين ولا يسمح به لأسباب لا يعلمها إلا الأوصياء على الشعب والأمة، وطبعا هناك ضرورة المصلحة العليا ، وأمن البلد، ونصف الشعب يعيش الفقر والنكد، ويخوض مع حكوماته وولاة أمره حروبا دونكيشوتية، تجعله دوما منصرفا عن الالتفات لقضاياه الحقيقية والمصيرية..كيف يمكن فهم الازدواجية في حرية التعبير؟ أنت تقول ما تشاء، وتقرر ما تشاء، بينما الآخرون عليهم السمع والطاعة وتنفيذ ما تقرره دون مناقشة أو اعتراض ولو كانوا مئات الآلاف أو ملايين؟
أليست هذه أبوية في أرقى صورها ؟هل من اتخذ هذا القرار هو أكبر سنا أم أطول باعا في العلم ؟ أم أشرف نسبا حتى يفرض وجهة نظره تلك بالقوة والسلطان ؟ فإن كانت المعايير علمية، فكم من علماء تعج بهم الجامعات الجزائرية ويفوقونه سنا ومعرفة واطلاعا ؟ فإن كانت المقاييس نضالا وتضحية، فهل هو أقدم من هؤلاء الذين يعدون بالمئات وقد تجاوز الكثير منهم النصف قرن نضالا وجهادا؟ فإن كانت المعايير موالاة للغرب وتطبيقا لتوصياته، فأين شخصيتنا وذاتيتنا أوَصل الأمر في انبطاحنا واستسلامنا إلى هذه الدرجة من فقدان السيادة والاستقلال؟ نقرأ ونتعلم ما يقرره الغرب لنا، تارة باسم شروط دخول المنظمة العالمية للتجارة، وتارة باسم محاربة منابع الإرهاب، وتارة ثالثة باسم ضرورة العصرنة والتحديث.
أليس الأجدروالأولى أن يفكرهؤلاء "العباقرة " في كيفية تجنيد كل الإمكانات المتوفرة لدينا للقضاء على الفقر المنتشر في ربوع قرانا وحواضرنا؟! وإزالة وتنقية أقبية عمارات ثمان وأربعين ولاية من القاذورات والمياه الآسنة؟! وكذا العمل على إيجاد وظائف حقيقية لطوابير الخريجين من المعاهد والمدارس والجامعات؟! بدلا من هدر الجهد في محاربة ومعاداة وهم إسمه منابع الإرهاب، أكاد أقول أن هؤلاء الذين يختلقون هذه المشاكل والقلاقل، هم الذين يحاولون تأجيج نار الإرهاب ، إذ كلما خمد أوارها، كلما طلع على الشعب الجزائري مصدر جديد بإعلان جديد يخص مبدأ أو ثابتا من ثوابت هذه الأمة، التي ملت وضجرت أيما ضجر من مثل هذه القرارات الاستفزازية، التي يتجه دوما مؤشرها إلى الخلف بدلامن الاتجاه إلى الأمام.
لماذا لا يبشرهؤلاء التنفيذيون الخالدون في كراسيهم الشعب الجزائري يوما أنهم قد اتفقواعلى اقتراح مشروع عملية استثمارية ضخمة وحضارية، تتعلق بانطلاق دراسة وتنفيذ مشروع السكة الحديدية العابر للجزائر من شمالها إلى جنوبها، 2400 كلم، وهو المشروع الاستثماري الأضخم في تاريخ الجزائرعلى الإطلاق، المضمون النتائج بكل المقاييس10ولايات لن تعرف معنى للبطالة ولا الفقر ولا الإرهاب ولا الاحتجاجات الاجتماعية لأن المشروع سوف تنعش حركة قاطرته كل ميادين النشاطات الزراعية والصناعية والسياحية والاجتماعية، وأن عائداته على المستوى النفسي والأمن الاجتماعي ستكون أكثر وأجدى مما يتوقعه كل خبراء الدولة ومن مداخيل النفط.
ولكن هذا العمل الكبير لا يعرف المسؤولون جدواه ونتائجه، على الرغم من كونه يشكل ركيزة كل اقتصاد وعصبه الحيوي.
فحتى لوكلف الدولة 40 مليار دولار فهو الخطوة الحقيقية الأولى لكل مصالحة ووئام، ومن يقول بغير ذلك فهو واهم.
طبعا هذا المشروع العملاق لو يفكر في إنجازه هؤلاء المسؤولون الذين ألفوا دراسة مشاريع من نوع:
( الولي، شعبة الشريعة، الكل أمني، التحالف، االائتلاف، الانشقاق، سحب الثقة ( وهل هناك فعلا ثقة!!!) تفجير الحزب، عقد الجلسات، توزيع ألف محفظة، منح أربع حافلات، منع الحوار مع من يستحق الاعتماد، التحاور مع من لا اعتماد له، رفع أسعار الماء ، زيادة أو تقليص حصة الخبازين من الفارينة، هدم عشرة أكواخ بقرار حكومي، إلى غير ذلك من االتدشينات التي يراها المواطن الجزائري وهمية، والمساجلات الفارغة، والإنجازات الإسفنجية،الكارطونية، التي استهلكت الأموال الطائلة، وأهدرت الجهود الهائلة).فوالله لو فكروا فعلا في هذا المشروع الحضاري السالف الذكر، لرفعت الولايات المتحدة أو فرنسا في وجهه حق الفيتو في مجلس الأمن للاعتراض علي تسجيله وإنجازه ، كما جرى لعبد الناصر مع السد العالي، لأنه يمثل اللعبة الاقتصادية الأخطر في تاريخ الجزائر من حيث الأهمية الاستثمارية، والاستقرار السياسي والاجتماعي، ولأنه هوالذي سوف ينقل الجزائر من مستواها الحالي إلى مستوى ماليزيا أو كوريا الجنوبية.
الفاتِكان بالمسلمين جورج بوش وبن ديكت
قال العرب وغيرالعرب: أن الامبراطورية الأمريكية التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية كانت قد قارعت - وبكل الوسائل - عدوها الشيوعي اللدود، المسمى الخطرالأحمر، الاتحاد السوفياتي ( سابقا) ، وبعد أن خاضت ضده حروبا عديدة متنوعة، تجسسية واقتصادية وإعلامية، تمت تصفيته وهزيمته ، وانهارت إمبراطوريته ، بعد أن اعتمد سياستي ( البرسترويكا والقلاست نوست) أي الشفافية وإعادة البناء، وتفككت مفاصله تماما، وأضحى دولا شرقية وأخرى غربية.. وصارالأخطبوط الأحمر في خبركان.
تنفست أمريكا الصعداء بعد أن أنفقت الملايير من الدولارات استثمارا في عمليات تحطيم وتكسير ذلك العدو التاريخي، ثم حاولت مباشرة بعد دلك الهيمنة والتوسع والامتداد إلى بقية أنحاء العالم، بغرض الاستحواذ منفردة على خيرات الشعوب والأمم ، ولكن الخطرالآخر الأصفرالكامن لها في مساحة أخرى من العالم، لم تجرله حسابا.. فوقف لها بالمرصاد على مستوى الجوانب الاقتصادية والعسكرية ، وقد وجدت أمريكا نفسها عاجزة أمام نموه الاقتصادي المتسارع وتطوره التكنولوجي المذهل، بلد المليار ونصف المليارمن البشر " الصين" حاولت تطويقه بشتى السبل والوسائل المشروعة وغيرالمشروعة ،بحروب إقليمية من شأنها الحد من توسعه نحو بقية العالم.. وقد أنشأت له بؤرتوترسياسية مجاورة له، ككشمير، في الهند وفرموزة (طايوان) المنفصلة عنه غصبا عن إرادته.. و وصلت جيوشها وقواعدها العسكرية إلى أطرافه ، افغانيستان، وكوريا الجنوبية واليابان وغيرها من وسائل التلهية ولفت الانتباه المغرض.. وأبرمت اتفاقيات سياسية وعسكرية مع عدة دول مجاورة له وأقامت فيها قواعد عسكرية ، لكن دون جدوى على ما يبدو...
وحينما ارتاحت - جزئيا - من متاعب هذين الخطرين الأحمر والأصفر المحدقين بمصالحها الاستراتيجية، حاولت خلق عدو خارجي جديد وهوالعدوالأخضرهذه المرة، لكي تشغل رأيها العام الداخلي عن مشاكله المتفاقمة مثل نمومؤشرالجريمة فيه.. ومحاولة تحويله وتخويفه بمخاطرخارجية، ترى أمريكا أن تلك المخاطرأضحت تتهدد وجودها ووجود ديمقراطيتها.. فالتفت قادتها المحافظون الجدد بذكائهم المتعجرف إلى العالم الإسلامي، فكانت أولى الخطوات العملية التي قاموا بها تمثلت في الحرب الاستباقية فتم احتلت العراق - كما هو معروف - بذرائع واهية.. وكانت تصريحات بوش - أثناء شنه للحرب على تنظيم القاعدة وحركة طالبان في افغانستان - القائلة بوجوب شن حرب صليبية على العالم الإسلامي،و قيل بعد ذلك لتبرير قوله ، بعد أن استنكرالمسلمون تلك التصريحات.. أنه لم يكن يقصد بها شيئا، إنما هي " زلة لسان " ..ثم ها هي تترافق وتتزامن تلك الحروب مع حملات أغلبية وسائل الإعلام الغربية لتنشررسومات مسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم... وكان قد سبقهم في كل ذلك سلمان رشدي وتسليمة نسرين.. بخزعبلاتهما وترهاتهما المشككتين في صحة نزول القرآن الكريم.. وفي آياته التي كانت كذا وكذا...
واليوم ها هوالمشهد التآمري على الأمة الإسلامية - وعلى دينها السمح الحنيف، دين المحبة والتسامح والإخاء - يكتمل بأقوال الحبرالأعظم بن ديكت ( وليس بن ديك) قائلا بصريح العبارة أثناء محاضرة له ألقاها ببلده الأصلي ألمانيا متدثرا بأقوال غيره ، المستمدة من مناظرة جرت وقائعها بين رجل مسلم فارسي وبين الامبراطورالبيزنطي إمانويل الثاني في القرن الخامس عشر( 1350 م 1425 م) ..أن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم:
(( لم يأت بالجديد)).. وإنما نقل ما كان ورد في الكتب السماوية التي سبقته كالإنجيل والتوراة، وأنه لم يأت (( إلا بالسيء من القول)).. وأن الإسلام قد تم نشره عبر((العنف والسيف)) ناسيا هذا الحبرالمتحبرمتعمدا، أن من بين ما جاء به القرآن الكريم من جديد هو تصحيح ما أوقعوا هم أنفسهم فيه من أخطاء وتحريفات لكتبهم التي حرفوها بقولهم: أن السيد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام هو ابن الله..سبحانه وتعالى علوا كبيرا عما يشركون، وتغاضى هذا الحبرأن القرآن قد تحدث عن هذا الأمر بعين العقل وسلامة المنطق، حيث ورد في القرآن الكريم ما معناه أن كلا من عيسى وموسى ومحمد وبقية الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ما هم إلا بشركبقية البشريوحى إليهم، وهنا يظهرمكمن جهلهم المطبق، وبعدهم الكبيرعن فهم روح وجوهرالدين الإسلامي ومعجزاته.. وأن مريم العدراء البتول هي معجزة ربانية.. وهي نتاج كلمة منه ألقاها إليها.. فكان عيسى عليه السلام
" إنما أمره إدا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.."
وكأن الحديث في هذا الشأن يعتبرجديدا على العالم، ولم تتم مناقشته، والبحث فيه، عبرمختلف العصور.. هذا الحبرالمتنطع المتطاول على عقيدة المسلمين ودينهم ..وكأني به اكتشف قارة سادسة أو سابعة في الكرة الأرضية.. أو سماء ثامنة في الفضاء الفسيح.. مع أن مثل هذه الحوارات والمساجلات والمناظرات مبثوثة في مختلف كتب الفكرالإسلامي والمذاهب الدينية المختلفة وفي كل الديانات والمدارس والتيارات عبرعصوراحتكاك الإسلام بالحضارات والأمم الأخرى، ومع ذلك لم يطعن أحد من هؤلاء الباحثين المجادلين، في صدقية النبي عليه أفضل صلاة وأزكى سلام.
وليسمح لي القراء الكرام أن أسرد في هذا المجال نكتة دينية وفكرية جرت وقائعها في وقت من أوقات ازدهارحرية الفكروالتعبير في عصرمن عصورازدهارالإسلام مفادها :
أن جدلا فلسفيا أوحوارا فكريا منطقيا جرى بين أحد المسلمين الأوائل وبين أحد المسيحيين
- لا نعرف إن كان كاثوليكيا أم بروستانتينيا أم ارثدوكسيا أم إنجيليا- الرافضين لقدرة الدين الإسلامي على الحوار والمجادلة الجادة، وكان من بين نقاط الحواروالمناظرة التي تمت بين هذين الرجلين نقطة فكرية واحدة تمحورموضوعها في تعريف: ظاهرة " التصوف" ومحاولة تحديد مفهومه لدى كل من الطرفين، هذا الموضوع تناوله الرجلان المنتميان لديانتين سماويتين ( وليس لدينين مختلفين كما هو شائع خطأ فالدين دين واحد منزل في رسالات مختلفة متفاوتة الأزمنة.. ) فقال ذلك الرجل المسيحي للمسلم :
ماهو التصوف في دينكم؟
فما كان من المسلم - بعد أن تنبه للفخ المنصوب له - إلا أن ترجى المسيحي أن يقوم هوأولا بتعريف التصوف، ثم يأتي دوره ليقدم تعريفا للتصوف عند المسلمين.
فقال الرجل المسيحي :
" إن التصوف عندنا نحن المسيحيين هو: أن الله إن أعطانا شكرناه.. وإن منعنا صبرنا.
فقال الرجل المسلم للمسيحي: هدا تصوف كلاب ، وتدفق الجمع الحاضر ضاحكا ..
قال الرجل المسيحي:كيف ترى ذلك ؟
قال الرجل المسلم :نحن المسلمين إن صادف وكنا نتناول غداءنا وكان موجودا بالبيت كلب ينتظر ما نجود به عليه من طعامنا، فإن أعطيناه شكر، أي لوح بذيله يمنة ويسرة تعبيرا عن الاعتراف بالجميل، وإن منعناه صبر. باسطا ذراعيه بالوسيد..
قال الرجل المسيحي :إدن ماهوالتصوف عندكم ؟
قال الرجل المسلم: نحن على العكس منكم تماما، فإن أعطانا الله أنفقنا، وليس شكرناه، وإن منعنا شكرناه وليس صبرنا.
وبهذا الجواب المقنع المفحم ظهرجليا أن قول المسلم أقرب إلى التقوى والتعبد وأقوى حجة، وأسلم منطقا وأكثرمسايرة للعقل، فما كان على ذلك الرجل المسيحي إلا أن تحول إلى الإسلام بعد اقتناعه، وبروزخطأ فهمه للدين الإسلامي.
والعبرة كما ترون تظهر في كون أن الإسلام لم ولن ينتشربقوة السيف ، إنما قد دخل الناس فيه أفواجا، بعد اقتناعهم اقتناعا تاما، بقوة حجته وسلامة أدلته وتطابقه مع الفطرة البشرية، وكذا إعجازه الذي حيرأفهام الناس وأعجزعقول العلماء، وتحدت آياته المعجزات الأمكنة والأزمنة.. ولم يستحوذ على عقول وقلوب البشرإلا بسماحته وصحة دعوته وتوحيده لله عز وجل، وبتطابقه مع ما يدعوا إليه العقل البشري والمنطق السليم معا،فإن كان هذا الحبرقد وصلته تقاريراستخباراتية تؤكدأن أمواجا بشرية كثيرة وأفواجا هائلة من الناس قد انضوت تحت لواء الإسلام في مختلف بقاع الأرض، فما عليه إلا الإنصياع والاعتراف بذلك
( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين..)،
إذ كلما وجهت الضربات الإعلامية المختلفة للإسلام، وأحيكت المؤامرات السياسية ضد المسلمين إلا وازدادت أمواج وأفواج الداخلين فيه، من مشارق الأرض ومغاربها، ( والله متم نوره ولو كره الكافرون.)
.. في التاريخ..
الجزائريون هم أول من اكتشف قارة أمريكا
goidalaghara يقع ( وادي الحجارة ) هذا بدولة أمريكية لاتينية، هل تعلمون أحبة الكتابة من اليمين إلى اليسار حكاية هذا الاسم؟ وما علاقته بما يؤكد عليه المؤرخون من أن الجزائريين هم أول من اكتشف قارة أمريكا، وقد سبقوا (كريستوف كولومب) إلى ذلك بمئات السنين؟ هذا الخبر الذي قد يفاجيء كثيرا من الناس.. فلا يجوز لكم أن تستغربوا ذلك، فهوحقيقة واقعة، ألم يتم نفي وتهجير الكثير من الجزائريين إلى أقاصي البحاروالمحيطات ككاليدونيا وكايان؟!
لقد نشرت بجريدة (المساء) في بداية التسعينات من القرن الخالي تحقيقا مفصلاعن هذا النبأ وعلى امتداد صفحتين كاملتين ، وموثق بمجلات متخصصة ودوريات عربية وغربية، ومدعوما بأحد أعداد مجلة (الباحث) التي تصدرعن متحف (المجاهد) وبتوقيع أستاذ التاريخ الدكتورابراهيم فخار،الذي له بحث علمي دقيق في هذا الأمر، وقد توصل علميا إلىأن اسم (البرازيل) لاوجود له في أية لغة من لغات العالم، بما فيها اللغتان البرتغالية والإسبانية، ماعدا اسم ( بني برزل أوالبرازلة ) القاطنين بولاية المسيلة وضواحيها.
فبسبب نشوب عدة حروب داخلية طاحنة قبلية وطائفية قد عرفتها تلك المناطق في حقبة زمنية معروفة، هاجرت هذه القبيلة إلى الأندلس هروبا من تلك الفتن المشتعل أوارها، ثم استقرت بالبرتغال، ثم لجأت إلى بعض الجزرالواقعةعلى ساحله الغربي بالمحيط الأطلسي، ما تزال آثارهم بمغارات تلك الجزر قائمة إلىحد الآن، ثم تاهت بهم السبل في عرض المحيط الأطلسي، فوجدوا أنفسهم قد رسوا بسفنهم على شاطيء أرض جديدة بكر، لم تطأها قدم من قبل، فأطلقوا اسم قبيلتهم ( البرازيل) عليها.
ما دفعني للبحث في ذاك الموضوع هو الخبر الذي طالعتنا به المذيعة التلفيزيونية –آنذاك- السيدة زهية بن عروس ليلة الإثنين 30مارس 1987 عندما قالت : لوطرح علينا أحد سؤالا عمن اكتشف قارة أمريكا لقلنا على الفور أنه كريستوف كولومب، ثم طفقت تسرد تفاصيل الخبر الذي كان بحوزتها ومؤداه أن مجموعة من الباحثين الأمريكيين قد أثبتوا بالدليل على إثر عثورهم على نقوش حجرية تعود لألف سنة قبل تاريخ الاكتشاف المزعوم لكريستوف أن الأوروبيين هم الذين بفضلهم تم " الكشف " عن هذه القارة..
عدت إلى ما توفر لدي من مراجع وقمت بجمع كل الإشارات التي وردت في بعض الكتب والمجلات والتي تناولت بشيء من التفصيل هذه المسألة وها أنا أعرض بعضا من ذلك أمام القراء كما نشرتها في جريدة " المساء" آنذاك أولا لتعميم الفائدة وثانيا لدعوة من يهمه الأمر لمواصلة البحث في الموضوع الذي قد يراه البعض غير ذي أهمية ولكن الحقيقة العلمية التي أعتبرها حكمة هي ضالة المؤمن فأنى وجدها فهو أحق بها.
وعلى الرغم من رفض بعض الباحثين الغربيين لهذه الفكرة مقدمة ونتيجة(1) وعلىالرغم من انعدام المصادر فإن الإشارات النادرة في بعض المخطوطات والجرأة العلمية لدى بعض أساتذتنا تجعلنا نميل إلى الدكتور محمد حميد الله وغيره بأن اسم برازيل نفسه يرجع إلى اسم القبيلة البربرية المسيلية بني برازل أو البرازلة الذين هاجروا من المسيلة(الجزائر) في القرن 10 م إلى الأندلس ومنه أيام ملوك الطوائف إلى امريكا حيث انتهى بهم المطاف في برازيل(2)
العرب وركوب البحر
يعتبرأهل الجزر وأشباه الجزر والمدن المطلة على البحار والأنهار والمحيطات هم أكثر الناس حبا وتعاملا وفهما للبحر ..وهم في نفس الوقت أكثر الناس مهارة وخبرة في صناعة السفن ، وحيث إن الجزيرة العربية تقع بين بحار ثلاثة هي البحر الأحمر غربا والمحيط الهندي جنوبا والخليج العربي من جهة الشرق ..فقد كان من الطبيعي أن يكون أهلها من ركاب وصناع وتجار السفن ..فقد ثبت أنهم كانوا يحملون تجارتهم بالبحر إلى كل من مصر وإيران وبلاد النهرين والبحرين وعمان ..وذلك قبل ثلاثة آلاف عام من ميلاد السيد المسيح عليه السلام ، كما هو واضح في النقوش السومرية والأكادية
أيضا كان تجار ساحل الأحساء ( بالمملكة العربية السعودية)يركبون البحر بتجارتهم إلى مدينة "سلوقية: على نهر دجلة.
أما في القرن الثاني الميلادي فقد وجدت نقوش معينية وسبأية ،وذلك بجزيرة "ديلوس" الواقعة في بحر إيجة ، الأمر الذي يؤكد وصول العرب بسفنهم التجارية إلى الشواطيء الجنوبية للقارة الأوروبية
المسلمون والأسطول
نكاد لا نصادف أخبارا تتعلق بالسفن أو ركوب البحر سواء قبل الإسلام بقليل أو في السنين الأولى للبعثة النبوية ، لكن ثمة واقعة مادية تتمثل في أول هجرة وقعت في الإسلام وهي هجرة السيد جعفر بن أبي طالب مع بعض المسلمين إلى الحبشة فرارا بدينهم الوليد – آنذاك - من طغيان قريش وبطشها ، ومحاولة لنشر الإسلام في إفريقيا انطلاقا من الحبشة ، وهذا يؤكد إقرارنا لصمت كتب التاريخ إزاء ركوب قريش للبحر قبل الإسلام وبعده بقليل .
أجل فقد كانت أشهر رحلاتهم للتجارة هي رحلة الشتاء والصيف إلى اليمن والشام بطريق البر.
المعروف أنه لم تقع معارك بحرية أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك في أيام أول الخلفاء الراشدين أبي بكر الصديق ويمكن القول أن أول معركة بحرية إسلامية قد حدثت في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك عندما أبحر عثمان بن العاص الثقفي والي البحرين - آنذاك - من عمان إلى ساحل الهند ، فوصل بلدة "تانة" القريبة من مدينة مومباي المعروفة غير أنه عندما كتب بغارته تلك إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب هاله أن يتلقى منه ردا يعنفه فيه ويوبخه ويقول فيه :"يا أخا ثقيف حملت دودا على عود وإني أحلف بالله لو أصيبوا لأخذت من قومك مثلهم"
على أن هذا الرد القاسي من أمير المؤمنين يعني أنه كان شديد الخوف على المسلمين من ركوب البحر.
أيضا يعتبر العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه هو أول من ركب البحر من المسلمين مجاهدا في سبيل الله
(مجلة الفيصل عدد91 ص 95)
في الأندلس كان المؤسس الحقيقي للأسطول العربي هناك هو الخليفة عبد الرحمن الناصر (300- 350هـ)
(في عام 1495 أبحر فاسكو دي غامة حول رأس الرجاء الصالح وقبل ذلك بخمس سنوات كان كريستوف كولومب قد اكتشف الساحل الشرقي لقارة أمريكا الشمالية وفي عام 1519 اكتشف ماجلان قارة أمريكا الجنوبية وفي نفس الرحلة اكتشف جزر الفليبين)
كان البحارة القدامى يركبون البحر دون استخدام لأية آلات أو معدات مساعدة ، ومن ثم فقد كانوا بالغي الحرص على أن يظلوا على مقربة من شاطيء البحر .
ومع اختراع الاسطرلاب في حوالي عام 150 ق م أصبح بالإمكان قياس زاوية الجرم السماوي من مستوى الأفق ، الأمر الذي ساعدهم على الإبحار بامتداد خطوط الطول في الاتجاهات التي يبغون السفر إليها
وفي القرن العاشر الميلادي ابتكر الصينيون " البوصلة " المغناطيسية ، وبعد ذلك بمئتي عام (1200م) استخدمها بحارة أوروبا ومنذ ذلك الحين أصبح بالإمكان الإبحار إلى أي اتجاه دون الاقتصار على الالتزام بخطوط الطول كما كان الحال بالماضي (نفس المرجع ص:100 .
ليس هناك من شك في أن دراسات وبحوثا كثيرة تناولت في الدرجة الأولى هجرة الأفارقة إلى أمريكا اللاتينية و أشارت في الدرجة الثانية إلى موضوع استقرار بعض المغاربة لاسيما الجزائريين في أمريكا الجنوبية .
والموضوع على جدته و طرافته يحتاج إلى مزيد من التمحيص وبعد النظرو يلزمه التحقيق والتدقيق.
وحيث أن هجرة الأفارقة والمغاربة موضوع مغمور ، فالرغبة الملحة في تقصي الحقائق العلمية تدفعنا إلى إلقاء بصيص من النور على هجرة أو وجود بني برزال المسيلة في البرازيل.
وعلى الرغم من رفض بعض الباحثين الغربيين لهذه الفكرة مقدمة و نتيجة (1) بالرغم من انعدام المصادر،فإن الإشارات النادرة في بعض المخطوطات والجرأة العلمية لدى بعض أساتذتنا تجعلنا نميل إلى رأي الدكتور محمد حميد الله و غيره بأن اسم برازيل يرجع إلى اسم القبيلة البربرية المسيلية بني برازل أو البرازلة الذين هاجروا من المسيلة ( الجزائر ) في القرن 10 م إلى الأندلس ومنه أيام ملوك الطوائف إلى أمريكا حيث انتهى بهم المطاف في برازيل .
ولكي نلغي أو نبعد على الأقل أسطورة كريستوف كولومب ثم نثبت عن طريق الأدلة المادية تعرف الأفارقة والمغاربة على العالم الجديد لابد من إلقاء نظرة تاريخية مختصرة ولو مقتضبة عن صلة العالم القديم بالعالم الجديد ، أي قبل اكتشاف كريستوف كولومب لأمريكا .
على شاطىء البرازيل الشمالي وعلى بعد 250 كلم من ( ريو دي جانيرو ) اكتشف العمال البرازيليون عام 1872 بلاطة منقوش عليها نص تاريخي يرجع إلى ألفين و خمسين عاما .
أخذت صورة لهذه الوثيقة الأثرية ثم أرسلت إلى معهد العلوم التاريخية في البرازيل للتعرف عليها ودراسة محتواها و إعطاء القيمة التاريخية لها .
وكان الذي انتدب لهذه المهمة العلمية أحد المتخصصين في الدراسات السامية ، وذلك هو أرنيست رينان (4) الذي أنكر على الفور أصلها ومضمونها ولكن رينان عندما أنكر التعرف على هذه الوثيقة أو تعمد إخفاء الحقيقة كان مدفوعا .
في رأي العلماء النزهاء والموضوعيين بعاملين إثنين :
أولهما : أن تفكير رينان لم يكن ليقبل هكذا و يسلم بسهولة على أن البرازيل أو أمريكا الجنوبية كانت بعد معروفة و مكتشفة قبل كريستوف كولومب .
ثانيهما : أن التعصب الديني الأوروبي جعل الكثير من الحقائق التاريخية المتعلقة بتاريخ أفريقيا والمغرب تظل مطمورة وفي طي الكتمان والغموض ، لاسيما إذا كانت الأدلة المادية والوثائق العلمية معدومة عن عمد .
و إذا كان رينان و أضرابه من المفكرين الغربيين قد تجاهلوا هذه الحقيقة وحاولوا طمسها طيلة قرن كامل ، فهناك من الباحثين من تحدوهم النزاهة في البحث و الرغبة الصادقة في الاكتشافات العلمية ،ويشير الدكتور ابراهيم فخار في هذا الموضوع إلى الأستاذ ( سيريوس قوردون) عميد قسم الدراسات للبحر الأبيض المتوسط بجامعة برانديس الذي أصدر كتابا تحت عنوان " ما قبل كولومب " أوضح قوردون في هذا الكتاب الكثير من الحقائق التاريخية و الاكتشافات الأثرية التي لم تعد اليوم لغزا يمكن إخفاؤه أو إنكاره.
و أهم الموارد التي اعتمد عليها المؤلف عند تعرضه لعلاقات أمريكا اللاتينية مع العالم الخارجي قبل كريستوف كولومب هي :
1- الاعتماد على بعض النقوش التي عثرعليها في الحفريات والتي تتضمن العديد من المفردات السامية " يد بعل " التي يقصد بها القدرة الألهية .
2- إن تسمية برازيل بجزيرة الحديد يعني أمرين .
أولا: أن الفنيقيين الذين نقشوا محنتهم ورحلتهم على هذه الصخرة كانوا يعرفون أن المورد الأصلي والمعدن الأساسي الذي يعتمد عليه البرازيل هو الحديد.
ثانيا : أن اسم "برازيل " لم يأت إلا فيما بعد ، لا سيما وأنه اسم لم يرد له أصل في اللغة البرازيلية (الإسبانية) ولا في اللغات الأوروبية ، إلى جانب الاعتماد على هذه الحفريات التي ترجع إلى عهد ما قبل كريستوف كولومب ، فهناك العمل المشترك الذي قام به علماء الآثار والخرائط ، فقد جمعوا هم أيضا في أعقاب السنوات الأخيرة مجموعة من الوثائق التي لم تدع مجالا للشك في وجود علاقات ما بين العالمين القديم والجديد وهذا في العصور المبكرة للتاريخ .
عثر في (جواتيمالا) على إناء تحرق فيه البخور وعليه نقش وجه سام يحمل الملامح والصفات التالية :
أ- أنف قان
ب- شعر اللحية أجعد ( وعلى طريقة الآشوريين )
ج- وجه طلق المحيا
وحسب التحاليل العلمية لهذا النقش تبين أنه من عمل هنود أمريكا الوسطى ماياس وذلك في الفترة ما بين
300و 600 للميلاد..
وقد قام الدكتور ابراهيم فخار أستاذ التاريخ بإجراء بحث علمي قيم نشره في مجلة " الباحث " الجزائرية التي كانت تصدر عن متحف المجاهد استعرض فيه مقارنات ثقافية ومادية عديدة بين عادات وتقاليد وأعراف سكان ساحل البرازيل الشرقي، من طقوس ومراسم دفن للأموات، وحفلات الأعراس والصناعات التقليدية وبين سكان ( بني برزل أو قبيلة البرازلة ) الموجودة بولاية المسيلة، فوجد أنها متطابقة تمام التطابق بالإضافة إلى تشابه آخركبيرفي ميادين أخرى، لا يتسع المجال لذكرها.
فعلى المعنيين والمهتمين من المؤرخين والطلبة إلا مواصلة البحث في هذا الموضوع ، وسوف يزيلون - بإذن الله - كثيرا من الغبار والأكسدة عن صفحات مجيدة من تاريخ أمتنا العظيمة.
(هذا يعني أن اللاعبين العالميين رونالدو ورونالدهينو هما برزاليان ومسيليان مئة بالمئة.. انعام إيه.. تلك أمجاد ومآثرأجدادنا صدقوا أو لا تصدقوا).
الهوامش:
1: أرنيست رينان ( مقالة في جريدة الشعب للدكتورسليم قلالة
2: نبذة عن وصول الأفارقة إلى البرازيل في مجلة الدوحة
* المراجع:
- مجلة " الباحث " الجزائرية تصدر عن متحف المجاهد..
- لغز القارة الغارقة ، مجلة "الدوحة" ص:28 عدد 100
- جزائر " الواق واق" مجلة "الدوحة " ص: 130 عدد112
- جزيرة الساء مجلة "الدوحة " ص : 74 عدد111
- جمهوريات الجزر في المحيط الهندي ص : 110 عدد 110
- السفن وركوب البحر مجلة "الفيصل" ص: 91 عدد91
إذن..المسلمون اكتشفوا أمريكا.. أم كولومبوس؟!
بين حين وآخرتظهرمعلومة جديدة حول موضوع ما لتركزأولتمحو ما علق في الذهن عنه
وقصة اكتشاف أمريكا يمكن اعتباره ضمن هذا السياق.
على هامش أحد الكتب الشخصية التي كان يحتفظ بها كولومبوس الرحالة الذي اقترن اكتشاف أمريكا باسمه كررذكراسم: (أحمد الفرغاني) الذي استرشد بقياساته لمحيط الكرة الأرضية، من الثابت على شخصية (كريستوفر كولومبوس) كما تقول الرواية أنه بعد أن وطأ أرض القارة الأمريكية والتقى بعدد من الهنود الحمرأصل سكان أمريكا خاطبهم بتحية: (السلام عليكم) وفي ذلك برهان على أنّ كولومبوس لم يكن بعيداً عن بلاد العرب وأهل العرب وإسم العالم الرياضي الكبير أحمد الفرغاني الذي أقيم له تمثال كبيرفي مسقط.. كان يدورعلى لسانه.
وقد أتمّ كولومبوس رحلته إلى أمريكا دون أن يعرف أن المسلمين سبقوه إلى هناك بمئتي عام، فكيف حدث هذا؟!.
كان كولومبوس على يقين بأنه سوف يرسوبسفينة على شواطىء الهند لم يخطربباله أن أرض العالم الجديد (أمريكا) حيث كان يعلم أن العرب قد سبقوه إليها، في اليوم الثالث والثلاثين لرحلاته الذي وافق تشرين الأول (اكتوبر) 1492م وجد (كولومبوس) شاطئاً يرسوعلى ضفافه وفي هذه اللحظة ساد الاعتقاد بأنه إنما يقف على شاطئ جزيرة البهاما التي كان يطلق عليها (غوانا هالي) وأعتاد تسمتيها (سان سلفادور) مؤكداً سيادة ملك أسبانيا على هذه الأرض.
ومع ذلك فهو يشير في مذكراته الشخصية إلى أنه كان متأكداً من أن عليه أن يبحرأكثرعبر هذه الجزرالمجاورة للهند ليصل إلى أراضي كيبانجو (اليابان والصين) وهي رحلة قدرمسافتها في مذكراته بحوالي 1000 ميل أخرى. وهكذا بدا كولومبوس مقتنعاً بأنه سوف يُحيىّ الخان أو الخاقان الأكبر، الامبراطور الثري الذي يتحدث بالعربية ويحكم أرض الذهب والفضة والأحجار الكريمة والحرير والتوابل والأدوية الثمينة.
وربما جاز للبعض أن يتساءل كيف أخطأ رجل مثل كولومبوس آنذاك في حساباته بعد أن أمضى معظم سنوات عمره منذ أن كان شاباً وهو يخطط لرحلته الكبرى وبعد أن شاع اسمه كونه بحاراً محترفاً إلى جانب كونه سياسياً فطناً، وكمسيحي تحظى رحلته الاستكشافية بتحويل ملكين مسيحيين هما الملك فرديناندو الثاني ملك أراغون والملكة (ايزابيلا ملكة قشتالة.
وطوال القرون السبعة التي سيطر فيها العرب على الأندلس (اسبانيا والبرتغال) وتحديداً بين عامي 711 و1492 ميلادي نشأت وتطورت حضارة تضم علوم وفنون الإسلام التي كان لها تأثيرعميق على علوم أوربا ففي حين كان العالم العربي متقدماً على أوربا بكثير كانت العصورالأوربية المظلمة تتحفظ من أي جديد...
لقد ازدهرت نظرية (العالم الجديد) آنذاك، وهي تتحدث عن وجود قارة عذراء تقع غربي العالم القديم، ولم يكن هناك شك كبير في أن العرب هم الذين وضعوا أولى الخرائط التي قادت (كولومبوس) إلى العالم الجديد.
ولا شك في أن العرب كانوا يملكون قدرات رياضية وفلكية فذّة بفضل علماء مثل (الخوارزمي) و(البستاني) الذين أطلقوا عليه في أوربا (البتاغينوس) وقد اسهموا جميعاً في تطوير علوم الرياضيات والفلك ودقّة الحسابات خصوصاً في الرحلات والأسفار المختلفة، يضاف إلى ذلك جهود العالم الأندلسي الكبير الأدريسي الذي كان قد وضع أطلس العالم الذي ضم عشرات الخرائط والحسابات الدقيقة.
ومن الأهمية القصوى ضرورة الإشارة لما أورده البروفيسور (فان سيريتما) أستاذ الدراسات الأفريقية في جامعة (روتجرز) الأمريكية في كتابه (لقد جاءوا إلى أمريكا قبل كولومبوس الذي صدر في منتصف السبعينات من القرن الماضي العشرين أي قبل ما يناهز الربع قرن والذي جاء فيه: (أن المسلمين الأفارقة سبقوا كولومبوس في اكتشاف أمريكا بزمن طويل، واعتمد في استنتاجه هذا على عدد من البراهين المعزوزة بالوثائق التاريخية التي تؤكد أن مجموعة مغامرة برئاسة أحد سلاطين مملكة مالي الإسلامية استطاعت الوصول إلى سواحل أمريكا عام 1300م أي قبل وصول كولومبوس بحوالي 200 سنة والمقصود بإحد السلاطين هنا هو (منسي بن موسى)
ويمكن سرد بعض الأدلة التاريخية الأخرى لدعم وجهة نظر اكتشاف المسلمين لأمريكا أولاً من أن بعض العلماء الأجانب تناولوا هذا الموضوع قبلاً إذ نشرت الصحف الأمريكية سنة 1954م أن الدكتور (جيفري) الأستاذ المحاضر في جامعة (أوتو) ذكر في أحدى محاضراته: (أن الرحالة العرب الذين اكتشفوا القارة الأمريكية قبل أن يبلغ كولومبوس سواحلها بنحو (500) سنة ونشرت مجلة (نيوزويك) الأمريكية الشهيدة في أعدادها مقالاً للدكتور (هوي لين لي) الأستاذ في جامعة هارفارد وهو من أصل صيني أكد: (أن البحارة العرب أجتازوا الأطلنطي بزهاء قرنين أو (3) قرون.
المصدر: شبكة النبأ المعلوماتية
شبكة النبأ المعلوماتية - الأربعاء 23/7/2003 - 23/ جمادى الأولى/1424
أنورالحمدوني
"... وقال شيخنا فريد الدهرأبو الثناء محمود بن أبي القاسم الأصفهاني أمتع الله به:
لا أمنع أن يكون ما انكشف عنه الماء من الأرض من جهتنا منكشفا من الجهة الأخرى، وإذا لم أمنع أن يكون منكشفا من تلك الجهة لا أمنع أن يكون به من الحيوان والنبات والمعادن مثل ما عندنا أو من أنواع وأجناس أخرى " (1).
في الثالث من أغسطس ( آب ) 1492م ( 898هـ )
أبحر كريستوف كولمبوس CHRISTOPHE COLOMBOS لأول مرة في المحيط الأطلسي بثلاث سفن، تحمل العلم الإسباني وبـ (120) بحارا وذلك انطلاقا من بلدة بالوس بعد أن أقنع الملكين ( فرناندو) و (إيزابيلا) بنجاح مشروعه، وبالفعل فقد وصل في العاشر من تشرين الأول ( أكتوبر) من نفس السنة إلى جزر الأنتيل في أمريكا الوسطى معتقدا أنه دخل بعض الجزر الآسيوية القريبة من الهند، لذلك سموها في البداية بجزر الهند الغربية؛ إلى أن سافر إليها فيما بعد البحار الفلورنسي ( أمريكو فيسبوتشي ) ليعلن لأوربا أن كولمبوس إنما اكتشف " عالما جديدا " أطلق عليه ـ من ثم ـ اسم " أمريكا ".
هذا باختصار ما يقوله لنا " علم التاريخ " بصيغته السائدة حاليا وهذه هي الرواية التي ينقلها لنا الأوربيون قائلين من خلالها إنهم " أصحاب الفضل " في اكتشاف العالم الجديد أمريكا، لكننا نطرح هنا تساؤلات: هل هذا فعلا هو " تاريخ " اكتشاف أمريكا؟ وهل كان الأوربيون أول من وطئت أقدامهم هذه الأرض؟ وبوضوح أكثر: هل اكتشف العرب المسلمون أمريكا قبل كولمبوس؟ أو على الأقل: ما هو دورهم في هذا الاكتشاف؟ لقد أثير هذا الموضوع مند منتصف القرن الحالي واهتم به عدد من الكتاب والمفكرين في العالم العربي والإسلامي ومن هؤلاء أحمد زكي باشا الذي نشر في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق مقالا ذكر فيه: " ان العرب سبقوا الأوربيين إلى التفكير في كشف أمريكا وحاولوا الوصول إليها مرتين بالفعل: الأولى من لشبونة و الأخرى من غانة في السودان الغربي على ساحل المحيط الأطلنطي، وكان تخيلهم لها بطريقة منطقية عقلية هي أفضل من التي اتبعها كريستوف كولمبوس فإنه لم يكتشفها إلا بطريق الصدفة " (2).
المسلمون أول من اقتحم
" بحر الظلمات ":
أما المحاولتان المشار إليهما أعلاه فنستعرضهما كما يلي:
ـ ورد في كتاب " إفريقيا الشمالية والصحراوية " نقلا عن الشريف الإدريسي (560هـ) فصل خاص جاء فيه أن ثمانية من " الشبان المغرورين " الأندلسيين أبحروا انطلاقا من شواطئ الأندلس الغربية في القرن الرابع الهجري آملين في استكشاف بحر الظلمات، البحر المحيط فساروا غربا ثم جنوبا فرسوا عند جزيرة ثم تابعوا المسير حتى وصلوا جزيرة أخرى فوجدوا فيها عمالقة حمر اللون، طوال الشعور، وقابلوا ملك الجزيرة وأخبروه بأنهم خرجوا لاستكشاف مجاهل المحيط إلى نهايته ولما أقنعهم باستحالة مشروعهم غادروا شرقا وساروا ستين يوما حتى وصلوا ميناء لشبونة في غرب الأندلس(3).
ـ جاء في كتاب " مسالك الأبصار في ممالك الأمصار " أن منسى بن موسى أحد سلاطين مملكة التكرور في مالي روى لبعض خلصائه أن السلطان الذي كان قبله وهو "محمد بن قو " جهز مئين السفن وشحنها بالرجال والأزواد التي تكفيهم سنين وأمر من فيها أن لا يرجعوا حتى يبلغوا نهاية بحر الظلمات ( المحيط الأطلسي ) فغابوا أمدا طويلا ثم رجعت منهم سفينة وحضر مقدم ربابنتها فسأله الملك عن أمرهم فقال: سارت السفن زمانا طويلا حتى عرض لها في البحر واد له جرية عظيمة فابتلع تلك المراكب وكنت آخر القوم فرجعت بسفينتي فلم يصدقه السلطان ( محمد بن قو ) وجهز ألفي سفينة ألفا للرجال وألفا للأزواد واستخلفني على الملك وسار بنفسه ليعلم الحقيقة فكان آخر العهد به وبمن معه (4). وقد أورد الأمير شكيب أرسلان هذه القصة في كتاب ( حاضر العالم الإسلامي ) وعقب عليه بقوله: " إن صحت هذه الرواية ولا يوجد دليل على كذبها فيكون المسلمون قد حاولوا اكتشاف القارة الجديدة مرتين: أولاهما عندما أبحر الإخوة المغرورون من لشبونة عاصمة البرتغال متوغلين بحر الأطلنتيك، والثانية على يد هذا الملك الذي حاول الأمر مرتين وذهب في سبيله شهيدا ".
إضافة إلى هذا، يقول أبو عبد الله محمد في كتابه " صفة جزيرة الأندلس": " وقد خاطر بنفسه خشخاش من الأندلس وكان من فتيان قرطبة في جماعة من أحداثها فركبوا مراكب استعدوها ودخلوا هذا البحر وغابوا فيه مدة ثم أتوا بغنائم واسعة وأخبار مشهورة"(5) . بعد هذا نود أن ننصت إلى مداخلة المؤرخ الألماني ( هـ . فتزلر ) الذي يقول: " إن العرب المسلمين قاموا برحلات بحرية متعددة قبل البرتغاليين لاكتشاف سواحل إفريقيا الغربية ومن ثم السير في البحر غربا أيضا، ونذكر أن الجغرافي العربي الإدريسي ألف رسالة شهيرة ذكر فيها حملة بحرية عظيمة جهزت في لشبونة وكانت غايتها اكتشاف الأراضي الجديدة في الغرب، وكتب ابن الفضل العمري رسالتين وصف فيهما وصفا مفصلا حملتين بحريتين كان قد جهزهما في القرن الثالث عشر الميلادي (محمد جاو ) ملك غينيا وكانت غايتها أيضا اكتشاف الساحل الواقع غربي المحيط الأطلسي فهلك في إحدى هاتين الحملتين، وقد جمع ملك البرتغال هذه الرسائل العربية وترجمها.. ولا بد من التسليم إذن بأن العرب هم الذين بدأوا هذه الرحلات الاستكشافية التي نجحت في الأخير "(6).
باحثون من الغرب وقرائن جديدة:
* يؤكد عالم الأجناس الأمريكي " الدكتور جيفري " المحاضر بجامعة أوتو في أبحاثه ومحاضراته عن أصل الشعوب الأمريكية القديمة، أن العرب كانوا على صلة بالشواطئ الأمريكية قبل مجيء كولمبوس وقد صرح في إحدى المحاضرات التي ألقاها بالجامعة سنة 1954م: أن العرب هم الذين اكتشفوا القارة الأمريكية قبل كولمبوس بنحو خمسمائة سنة، وبنى أقواله على أن العرب كانوا في القرن العاشر يسيطرون على البحر الأبيض المتوسط وبلغوا السواحل الغربية للقارة الإفريقية وأنهم توغلوا في المحيط الأطلسي كما استدل بجماجم بشرية من سكان إفريقيا تم العثور عليها في كهوف " البهاما " بخليج المكسيك.
* توصل الأستاذ " البرتن كلين " كما جاء في مقالة نشرتها له مجلة World Today(7) إلى: "أن كلمات عربية موجودة في لغات هنود أمريكا أصحاب البلاد الأصليين... ويعود قدم هذه الكلمات إلى عام (1290م ) ـ 689هـ ـ أي قبل قرنين من وصول كولمبوس إلى أمريكا " . وأشارت بعض الصحف المهجرية إلى وجود قبائل تتكلم لغة عربية في منطقة سيمو جوفل المكسيكية وإلى وجود قبائل تدين بالإسلام في مجاهل ولاية باهيا البرازيلية يعرف أهلها بالوفائيين أو قبائل الوفاء... كما ذكرت مجلة العالم اليوم المذكورة أن بعض الشعوب الأمريكية القديمة كالأستك والمايا كانت لها مظاهر حضارية ذات طابع عربي.
* تم العثور على نباتات كالجوافة والباباي والأناناس يعتقد أنها نقلت إليها من القارة الإفريقية منذ زمن بعيد، ويستنتج الدكتور " هوي لن لي " أن البحارة المسلمين حملوها معهم وزرعوها في القارة الأمريكية. والدكتور لن لي عالم نباتي من أصل صيني اضطلع بمهمة تصنيف النبات في دائرة علم النبات بجامعة بنسلفانيا وقد أعلن عن أطروحته أمام المؤتمر الواحد والسبعين بعد المائة للجمعية الشرقية الأمريكية بفيلادلفيا ونشرت آراءه مجلةNews Week في أوائل الستينات(8).
أما كيف أصبح ( لي ) مهتما بمسألة وصول المسلمين إلى أمريكا قبل كولمبوس فيعود إلى اطلاعه على كتاب لأحد علماء الصين في القرن الثاني عشر الميلادي إسمه(تشوجوـ كو ) ترجمه إلى الإنجليزية عام 1911م الألماني ( فريدريك هيرت ) والأمريكي (و. روكهيل) وأصدرته الأكاديمية الإمبراطورية للعلوم في الصين، وقد كان جوكو من أقرباء الأسرة الإمبراطورية ( صونغ ) رئيسا لمصلحة الموانئ الصينية التي تشرف على السفن الأجنبية التي كانت ترسو في ميناء ( تشيان تشو ) بولاية ( فوكيان ) وكانت السفن العربية أكثر السفن الراسية في ذلك المرفأ حركةونشاطا، وكان جوكو يسجل بدقة المعلومات التي كان التجار العرب المسلمون يزودونه بها حول البلدان التي يرتادونها للتبادل التجاري، ومن تلك المعلومات وصف "لبحر له رائحة " كان التجار المسلمون يمخرون عبابه خلال رحلتهم التي تستغرق " مائة يوم يقطعونها بحرا " يصلون بعدها إلى بلاد غريبة على السواحل الجنوبية للقارة الأمريكية وهنا يقول الدكتور لي: " قد يكون هذا بحر هو سرغاس ".
كما ساعد الدكتور لي على بناء نظريته في هذا المجال اطلاعه في مكتبة جامعة بنسلفانيا على مخطوطة للشريف الإدريسي طبعت في القرن الحادي عشر للميلاد بفرنسا وفيها رواية البحارة الأندلسيين الثمانية الذين زاروا جزرا وراء بحر الظلمات ووصفوا جميع المحاصيل الغريبة التي تنتجها أرضها، ووصفوا سكانها بأنهم سمر الجلود وليس لهم لحى، وبأن رجالهم ونساءهم يبدون متشابهين كما وصفوا طائرا بحريا أحمر غريب الشكل الذي " قد يكون طائر أبو لهب ( الفلامنجو) المعروف جيدا في جزر الهند الغربية".
عـــلامــة استفهـــــام:
هذه إذن نصوص ووثائق تطرح علامة استفهام حول أسبقية كريستوف كولمبوس في اكتشاف أمريكا نظرا للمبادرات التي قام بها المسلمون قبله، والتي سجلها لنا المؤرخون والجغرافيون. ويذهب بعض الباحثين إلى أن البرتغاليين والإسبان، وهم الذين عرفوا بحركة " الكشوفات الجغرافية " الحديثة قد استطاعوا الحصول بطرق عديدة على الخرائط والرسائل التي دون فيها البحارة المسلمون معلوماتهم حول تلك الرحلات ومن ثم ترجموها واستفادوا منها فيما ادعوا الأسبقية، كما أن المعطيات الأنتربولوجية والنباتية تؤيد هي الأخرى أن المسلمين سبقوا الأوربيين في ارتياد القارة الأمريكية بزمن طويل. والمؤمل أن يقوم العلماء اليوم بمزيد من البحث والتقصي ونفض الغبار عن كثير من المخطوطات التي لازالت رهينة الرفوف، وكذلك القيام بأبحاث علمية ميدانية لنصل بكل ذلك إلى الوقوف على صفحات لازالت مطوية تبرهن هي الأخرى على عبقرية الحضارة الإسلامية وأسبقيتها في المجال الجغرافي.
هـــــــوامش:
(1) مسالك الأبصار في ممالك الأمصار لابن فضل العمري ـ ج1ـ ص31 دار الكتب المصرية 1924.
(2) مجلة العربي ( الكويت ) ع223 حزيران 1977.
(3) " وصف إفريقيا الشمالية والصحراوية " ـ وهو مأخوذ من كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق للإدريسي ـ طبعة الجزائر 1957، ص113.
(4) مسالك الأبصار، لابن الفضل العمري الباب العاشر من النوع الثاني: في ذكر مملكة مالي.
(5) أبو عبد الله محمد: صفة جزيرة الأندلس مطبعة اللجنة 1937 ص28.
(6) مجلة آفاق عربية ( بغداد ) ع 6 شباط 1978 ( وأخذنا عنها الإحالات: (1ـ3ـ4ـ5).
(7) لخصت هذه المقالة مجلة المقتطف في عدد أغسطس 1926م ( 1345هـ ). انظر:
مجلة الأمة (الدوحة ) ع15 كانون الثاني 1982.
(8) انظر: مجلة " الأخبار" مكتب المعلومات الأمريكي مجلد. (8)
للأستاذ : أنور الحمدوني
" الحضارة " الفرنسية في الجزائرأمام محكمة التاريخ
في الوقت الذي كان الشعب الجزائري ينتظرمن الدولة الفرنسية أن تتدارك أخطاءها، التي تمثلت في اعترافها بمن أجرموا في حق الشعب الجزائري وضربها صفحا عمن يجب الاعتراف لهم، بتقديم كلمتين قصيرتين رسميتين
أولاهما: الاعتذار
وثانيهما: الاعتراف، جاء قرار بلدية " مارينيان " في مرسيليا بإنشاء تمثال يخلد ذكرى السفاح روجي دوغالدر أحد أشهر قادة المنظمة السرية الإجرامية الفاشية ومؤسس عصابة (ديلتا) الجناح العسكري لها الذي عاث فسادا ودمارا في الجزائرـ قبيل استردادها لسيادتها وحريتها ـ من حرق للمكتبات واغتيالات المثقفين..إلخ وبعد اعترافها بالحركى وقدماء منظمة الجيش السري، وربما في الوقت القريب قد تطالب الشعب الجزائري بتعويضات لأولئك المجرمين من أبنائها الذين قضوا أثناء حرب التحرير الوطنية.
ويبدوأن هذه الاعترافات المتلاحقة والمدعومة بقانون 23 فيفري 2005 للمجرمين وتمجيد ما اقترفوه من جرائم وإبادة جماعية للجزائريين، وغض الطرف عن أولئك الضحايا الشهداء الجزائريين الذين حاربوا من أجل تحرير بلادهم، الذين ما تزال تعتبرهم (فلاقة وخارجين عن القانون) واعتبارها لما قامت به في الجزائرمن تدمير شامل هوتعمير وليس تدميرا.
ومن خلال هذه الحملات المتلاحقة والتي تعتبر جس نبض عن بعد للشعب الجزائري، ما هي في حقيقة الأمر إلا حلقة من تلك الحلقات التي أصبحت تستهدف وعلى المباشر أسس حضارة الأمة ومقومات وجودها، سواء تعلق الأمر بدعم اللغة الفرنسية في الجزائر، أووضع الحواجز والمطبات في طريق انتشار اللغة العربية، أوبمحاولات تكييف المنظومتين التربوية والثقافية وفق الأهداف الاستراتيجية لمستعمر الأمس، فإنه قد أضحى من واجب كل مواطن حر أن يستخدم ما لديه من وسائل مقاومة، الاستخدام الأمثل للوقوف في وجه هذه الحملات التي ظاهرها برد وحرير، وباطنها من قبله العذاب.
وأرى أن أفضل وسيلة لحماية الأجيال الجديدة، من آثار محاولات طمس هويتهم وانتمائهم العربي الأمازيغي الإسلامي، هي تنويرهم بماضيهم، وماضي أجدادهم الأمجاد.
تاريخ يلهب ويحمس
مثلما قال الفيلسوف الألماني فيخته:(...تحتم علينا كتابة تاريخ أمتنا، تاريخ يلهب ويحمس ويدفع بنا إلى الأمام، تاريخ يكون لدينا مثل الإنجيل، ويقرأ بنفس الحب والتقديس والإجلال، تمجيدا للأجداد وحثا لأنفسناعلى إقتفاء أثرهم، لنكون جديرين بالانتساب إليهم، ولنترك شيئا للأجيال المقبلة يضمن استمرارية شخصيتها).
ولذلك وغيره، فإنه من دواعي الواجب والحق أن نقدم للشعب الجزائري عموما ولشبابه خصوصا، مناظرة قانونية، تمثلت في وقائع محاكمة تاريخية لليل الاستعمار، قام بتبويب فصولها الأستاذ مجاهدي بالقاسم، الذي تناول بالتفصيل أحداث وحوادث ووقائع فترة الاستعمار، عارضا جزءا كبيرا من تلك الجرائم التي تفاقمت، حتى وصلت درجة الإبادة الجماعية، الأمر الذي يضع الجيل الحالي والصاعد أمام الصورة الحقيقية لجرائم فرنسا، ويذكره بتلك المآسي والمحن التي كابد ويلاتها أجداده، وذاق مرارتها آباؤه، الذين ما يزال القليل ممن يعيش بين ظهرانينا، يحفظ قصصها وحكاياتها المرعبة، التي تواترت أنباؤها عبرعدة أجيال.
لقد تحدث العديد من المؤرخين الجزائريين عن هذا الأمر المر، ومنهم على وجه الخصوص الدكتورين أبي القاسم سعد الله ويحي بوعزيز وغيرهما، فأحاطوا بجميع جوانب تلك الوقائع والأحداث، وتطرقوا بالتحقيقات العلمية لمختلف عمليات الحرق الجماعي، والخنق بالغازات السامة في الكهوف والمغارات التي لجأت إليها الأسر الجزائرية الهاربة من بطش الغزاة ، تلك المجازروالجرائم التي لا تعتبر في كل الأعراف والقيم الإنسانية النبيلة، إلا شكلا من أشكال الإبادة الجماعية الهمجية.
هذه الإبادة التي لابد من التذكير بمآسيها، في كل وقت وفي كل حين، حفظا للذاكرة الجماعية للأجيال الحالية والقادمة، وحماية لهم من الإصابة بفيروس النسيان، هذا الداء الذي يحاول البعض من أبناء جلدتنا زرعه في صفوف الأمة الجزائرية ، لاسيما وقد لاحت تباشيره في الأفق، وبدأت تتجسد في محاولات تقليص الحجم الساعي لتدريس مادة التاريخ، بمختلف مراحل التعليم، والعمل على طمس وقائع ماضينا، وماضي جرائم من أبادوا وشردوا وحرقوا وتلذذوا بصور شواء جلود أجدادنا العظام.
وهل من سلامة العقل وتوازن الشخصية نسيان تضحيات الأمير عبد القادر؟!
وعدم تذكركفاح الشيخ بوعمامة؟!
ومواقف وفحولة فاطمة نسومر؟!
وغض الطرف عن ثورة بوبغلة والشيخ الحداد؟!
والاستغناء عن دروس انتفاضة الزعاطشة؟!
وأحمد باي ومعارك الصحراء الطاحنة ؟!!
مرورا بسنمفونية ثورة التحريرالخالدة (54 / 62) ؟!
هؤلاء الشهداء الذين من ـ دون شك ـ كانوا يعلقون آمالا عريضة في أعناق ذرياتهم، لأن تنتقم لهم ولحرائرهم المأسورات وأمهاتهم المفجوعات وأخواتهم المنتهكة أعراضهن، ولأبنائهم الذين تم نفيهم إلى أقاصي البحار والمحيطات (كايان وكاليدونيا) ولممتلكاتهم المسلوبة وكنوز مدنهم وحواضرهم المنهوبة، ومنها على سبيل المثال العاصمة، التي استولى هؤلاء الأوغاد وشذاذ الآفاق على ذخائرها ومعادنها النفيسةالتي لا تقدر بثمن . لكننا لا نريد الانتقام ـ قطعا ـ ونفضل أن ندعه للتاريخ وساما في جبين فرنسا الاستعمارية (المتحضرة).
اللهم إلا المطالبة بالحد الأدنى المتمثل في وجوب الاعتراف بما قامت به فرنسا الاستعمارية من جرائم وتخريب في حق الشعب الجزائري طيلة وجودها بهذه الأرض الطيبة.
والتمسك بحق عدم نسيان الماضي وعدم تمزيق الصفحة بتاتا، أوحرقها أو منع المؤرخين من الاطلاع على محتوياتها ـ كما قال هواري بومدين رحمه الله : (نعم لطي الصفحة ولكن لا لتمزيقها).
جاعلين نصب أعيننا ذلكم القسم الغليظ الذي آل به الشيخ عبد الحميد بن باديس وما أدراك من هو عبد الحميد بن باديس!!
قائلا ذات يوم:
( والله لوطلبت مني فرنسا أن أقول : لا إله إلا الله ما قلتها ) أتدرون لماذا ؟!
لأنه ببساطة لا يثق بها وأدرك بعمق أهداف فرنسا الاستعمارية، واطلع على جرائمها، وما فعلته بعموم الشعب الجزائري المسلم.
عشر محاكمات كافية..
أثناء محاولاتي استعراض تلك الصورالبشعة والجرائم المرتكبة في حق الشعب الجزائري، عثرت على كتيب سيء الطبع حديث التأليف ، لم يكتب له الحظ لأن يعرف طريقه إلى التوزيع والنشر، إذ قام صاحبه بتدوين مادته الثقافية وجمع قصاصاته التاريخية، وتبويب فصوله بشكل جيد جدا وبأسلوب تربوي هادف، الأستاذ مجاهدي بالقاسم مفتش التربية والتعليم، الذي قدم عمله هذا بكيفية لا تخلو من جدة وابتكار، فقد اهتدى إلى أسلوب سهل وطريقة مبسطة لعرض جرائم المستعمر الفرنسي، فوضعها على شكل محاكمات تاريخية، وعقد جلسات هذه المناظرة بمحكمة التاريخ المفترضة، و تولىالدفاع فيها عن الطرفين الجزائري والفرنسي محاميان انتدبهما المؤلف لشرح وتوضيح وجهتي النظرالمختلفتين، محامي دفاع الطرف الجزائري، يقوم باستعراض أمجاد الأمة الجزائرية، مذكرا بمآثرها، ومنجزاتها في مختلف الميادين، ولافتا الانتباه لصور وأشكال الخراب والتعذيب والتنكيل التي تعرض لها الشعب الجزائري ، وكذا الدمار الهائل الذي لحق بالوطن ( ثقافة واقتصادا ) وأثبت بالأدلة القاطعةوالبراهين الساطعة، أن الأمة الجزائرية أمة عريقة في تاريخها، وقد سبق نشوؤها حتى نشوء الأمة الفرنسية ذاتها، وذلك بشهادة أغلبية المؤرخين الموضوعيين المنصفين.
بينما يقوم محامي الطرف الفرنسي بتولي جانب الدفاع عن فرنسا الاستعمارية التي ما جاءت إلى الجزائر ـ حسب زعمه ـ إلا لتقديم أساليب تمدن جديدة، وأنماط حياة عصرية، وأشكال تحضر وتحديث لعموم الشعب الجزائري.
وقد حاول الطرفان أثناء مرافعاتهما الوقوف باستماتة من أجل تبرير وتسويغ مواقف موكلهما، وظهر في نهاية الجلسات وتبادل التهم أن براهين وأدلة محامي دفاع الشعب الجزائري كانت الأقوى دليلا، والأدحض عقلا، والأفحم منطقا، والأقنع حجة لقضاة مختلف الجلسات، تلكم الجلسات التي امتدت لتتتشكل من عشر محاكمات، غطت في مجملها كل فترة الوجود الأجنبي، بما فيه الاحتلال الفرنسي الذي دام مئة وإثنتين وثلاثين سنة.
وتجدرالإشارة إلى أن هذه المحاكمات بما تحمله من زخم معرفي وفيض دلالي، ينبغي بل يجب أن تعرض في شكل مسرحية متكاملة الفصول، يسند تمثيل أدوارها لشبابنا من الممثلين المثقفين، خريجي مختلف مدارس الفنون الدرامية.
لكن أين ذلكم المخرج المسرحي الكفؤ والغيور؟ الذي باستطاعته ماديا وفنيا تحويل هذا العمل الجميل، إلى قطعة فنية خالدة، قد تتوفر لها سبل النجاح، فتجوب مختلف ركوح مسارح العالم، مستعرضة لوحاتها وفصولها بشكل فني وبسنوغرافيا راقية، ما عاناه آباؤنا من ويلات الاستعمار الفرنسي، وكذا الأسباب العميقة التي جعلت الشعب الجزائري يثور ثورته الخالدة( أول نوفمبر 54 ).
هذه الثورة التي أزالت ـ بفضل تضحيات ذريات أولئك الذين تم تشريدهم وتعذيبهم والتنكيل بهم ـ إلى الأبد كابوس الظلم والقهروالحرمان والغطرسة، ومع كل ذلك ها هم ـ وخلافاؤهم ممن أسندت إليهم مهام تحقيق أهداف الاستعمار الجديد التي سطرت برامجها في مراكز متخصصة من وراء البحار لزعزعة استقرارالشعوب، والعمل على بقائها تابعة متخلفة ـ يحاولون العودة مرة ثانية، متسللين من عدة نوافذ، (سميها الشراكة، التعاون ، الاستثمار، بلا دينار ولا دولار، الذي إن شاؤوا حولوه بين عشية وضحاها إلى استعمار، لاسيما والقابلية لهاذا الاستعمار متوفرة عندنا وبشكل فضيع، ونموذج العراق ليس ببعيد) متدثرين بأشكال وألوان حربائية، ومعتمدين أساليب ثعلبائية ماكرة، قد لا تشعرالأجيال الحالية بخطورتها ، ولا بما يمكن أن تترتب عنه من نتائج وخيمة، مؤكدة التأثير، تمهيدا للسطوة الكبرى.
إذن فالحذرواليقضة مسؤولية وطنية ودينية، باتت ملقاة على عاتق كل جزائري واع بما يخطط لوطنه.
لذلك، فإني أدعوكم (أيها القراء الأعزاء) لشد رحال السفر والإبحار في ليل الاستعمار، واكتشاف مآسيه وجرائمه، وهي فرصة متاحة للالتقاء بأجدادنا الميامين، الذين عبدوا لنا بأجسادهم الطاهرة طريق الحرية والاستقلال، ، ولتكن رحلتنا تلك عبر سفينة مرافعات تاريخية ومحاججات ثقافية وسجال قانوني، فإلى قاعة المناظرة الكبرى:
نشر ب" صوت الأحرار"الجزائرية في 2006.02.27.
( ملاحظة: لم تنشر"صوت الأحرار" تلك المحاكمات العشربعد أن قامت بنشر التقديم السالف الذكرلأسباب غير معروفة،
معلومات تبحث عن مصادر:
* الأميرعبدالقادرالجزائري في البيرين *
هذه مجموعة من تساؤلات حائرة ينبغي أن يطلع عليها كل من يقطن مدينة البيرين ولاية الجلفة، أوعاش فيها، أوله صلة بأهلها أوكان رأسه قد لامس أرضها أثناء ولادته، أو من هومقيم بها فقط ، فكل مدينة في العالم لابد أن يعرف أهلها عنها الحد الأدنى من تاريخها، وكيفية نشوئها ومما وممن تتكون؟. وهي تساؤلات أطرحها كعامل استفزاز لمن يملك معلومات كافية عن مدينة البيرين، ليقدمها لمن يهمه أمرالمدينة ، وذلك سعيا لطبع دليل سياحي، مهما كان متواضعا، قد يكون عبارة عن مرآة عاكسة لماضيها، وما توفرت عليه من مآثروأمجاد ، ومرجعا سياحيا واجتماعيا ولبنة ثقافية، تؤسس لسلوك حضاري مطلوب، ينبغي أن يتشبع الجيل الجديد بقيمه وفضائله كبقية شباب العالم المتحضر.
مع العلم أن هذه المعلومات الواردة لاحقا، ماهي إلا انطباعات ذاتية، أملتها ضرورة لفت انتباه أبنائنا من المتعلمين إلى أن هناك ميادين أخرى يمكن أن يجد فيها المرء ضالته كمتنفس ثقافي، متجاوزا ولو مرحليا اهتمامات المعيشة ومعاناة التغلب عليها.
هذه الانطبات قد تصيب أهدافها وقد تخطيء، فإن أصابت فلها أجرها ، وإن أخطأت فيكفيها فخرا أنها كانت سباقة الى المبادرة ، فأين الساكتون جهرا أوالناطقون صمتا؟
نشأت مدينة البيرين بولاية الجلفة منذ قرنين من الزمن، ولا نعرف تاريخا محددا لبناء أول بيت تم تشييده على أرضها، وتلك مشكلة، فما قول مصالح التعمير والبناء وتخطيط المدن عندنا،؟! أيعقل أن تكون في القرن الحادي والعشرين مدينة تضم بين جنباتها ما يربو عن الأربعين ألفا من السكان ولا تتوفر على خريطة جغرافية أو مسح عمراني يبين موقعها من الجزائر أو تاريخ يحكي نضال أهلها في كل الميادين ولا متحف يضم ما يدلل على وجود ماض لها، وما تركه الأجداد من مآثر مادية،وثقافية وفنية، مهما كانت بسيطة أومتواضعة؟! فلكل قرية أو مدينة في العالم لها تاريخ وقصة تحكي مراحل نشأتها وتكونها إلا أن أغلبية مدننا قد شذت عن هذه القاعدة، فالناس لا تتحدث إلا عن الكسب والنهب وكأن الحياة التي يعيشونها لا تتطلب ولا تحتاج الى مآثر المجد وحكايات البطولة والفخر ونشاطات أخرى للاعتبار والذكرى.
قيل ويقال أن اسم البيرين يعود إلى أول خيمة حطت رحالها وأوتادها وركائزها وقنطاسها، بهذه البقعة الواقعة بين حد الصحاري جنوبا، وعين بوسيف شمالا، وعين الحجل شرقا، وقصر البخاري غربا، حيث حفرأهلها بئرين لاستخراج الماء الشروب، وسقي مواشيهم.
هاتان البئران ماتزالان تنضحان بالماء،الصالح للشرب إلى اليوم، ويبدوأن القوم كانوا خبراء في عمليات البحث عن أماكن تواجد المياه الجوفية، ومما دل على خبرتهم تلك ما أظهرته الدراسات العلمية الهيدروليكية التي أجريت حديثا، وأثبتت أن منطقة البيرين، تعد ثاني أكبرمنطقة، في احتياطي المياه الجوفية، بالجزائر، بعد منطقة أدرار، وما تشييد مركز نووي بها، يعمل بالمياه ، وتزويد مدينتي قصر البخاري، وسيدي عيسى، بمياهها، سوى دليل على ذلك. وربما الاستثناء الوحيد الذي قد يعترض هذه التسمية، هوأن القوم كانوا ومايزالون يطلقون على البئروالجب لفظ (الحاسي) المشتق من فعل حسا، يحسو، حسوة ، فهو حاسي، ومحسو، هذا الحاسي، الذي يستخرجون منه ماء الشرب، ويسقون به مزروعاتهم ،هو الذي يدعو الى الاعتقاد أن اسم البيرين لا يأخذ هويته من لفظ البئر، فلفظ البئر هو لفظ عربي صحيح، وقد يكون ذلك هو المقصود .
2ــ بالإضافة الى ذلك ،هناك رواية أخرى، ويبدو أنها بعيدة عن الواقع قليلا، فالقوم لم يكونوا يفقهون معنى لاسم المسرح، بل المسرح نفسه، لم يدخل الجزائر،آنذاك، فقد قيل أن اسمها يعود الى لفظ غربي محض، وهو ذلك الاسم الذي يطلق على فرقة مسرحية ألمانية، كانت وما تزال تسمي نفسها بهذا اللفظ ، (birine ) وهي موجودة الى الآن، ببرلين عاصمة ألمانيا، وتكتب بالأحرف اللاتينية،على نفس الشكل كما اسم البيرين تماما، ولكن لا دليل ماديا، لدينا، يثبت هذا الأمر، ولا حتى ما ينفيه.
ولكن المرجح، والأقرب الى الصواب، هو أن اسم المدينة، قد اشتق من تثنية لفظ البر، وهو الأمر الذي سنستعرضه فيما يلي:
تذكربعض الأخبار التي تواترت، ومن مصادر عثرت عليها، شخصيا، بزاوية الهامل ولاية المسيلة و توجد بحوزتي ،الى أن الأقرب إلى الصواب، هو أن أصل التسمية ترجع الى تاريخ حديث ، وبالضبط، الى ذلك اللقاء، الذي ضم بطل المقاومة الشعبية، الجزائرية، الأميرعبد القادر، بالشيخ محمد بن أبي القاسم،أحد علماء الجزائر،المعروفين، فعندما توسعت مقاومة الأميرعبد القادر، ضد الاحتلال الأجنبي، في النصف الأول، من القرن التاسع عشر، حاولت هذه المقاومة،الامتداد، إلى بقية مناطق الوطن، ولما قاربت الوصول الى القطاعات الشرقية، ، كان الأمير وفرسانه، قد سلكوا الطريق الممتدة من تاقدامت، بتيارت، في طريقهم الى الشرق اللجزائري للالتقاء بأحمد باي ، فكان سكان الوسط عموما، ومنطقة البيرين وما جاورها خصوصا، ما فتئوا يوجهون له دعوات للالتقاء بهم، في محاولة منهم لتنسيق جهودهم، وتنظيم جبهات المقاومة والقتال ، وحين حظوا برضاه، في هذا الشأن، تم اللقاء بإحدى ضواحي البيرين، (مفترق الطرق، الرابطة بين البيرين، و عين بوسيف، من جهة، وبين بوقزول، وعين الحجل، من جهة أخرى، وكان من ضمن من التقى بهم في هذه الناحية وأجرى معهم محادثات سياسية، أمنية، عسكرية، تتعلق بكيفية تنظيم جيوب المقاومة المسلحة، الشيخ محمد بن أبي القاسم شيخ زاوية الهامل، التي لم يتم تأسيسها آنذاك ، ومن ضمن ما دار بينهما من أحاديث، حسب ما تذكره الروايات المختلفة،أن الاميرقد اقترح على الشيخ محمد بن أبي القاسم، ضرورة الاستعداد، لجهاد متعدد الجبهات، ولا يقتصرعلى الكفاح المسلح فقط ، وأن سبب ضعف المقاومة ببعض جهات الوطن، مرده أساسا الى تدني مستوى الوعي الديني، والسياسي، وذلك نظرا لشساعة الوطن الجزائري، فقال له:أنت لك << البر>> الشرقي، تتولى فيه التعبئة، وبث الوعي الديني، تمهيدا للكفاح المسلح ، في انتظار، قدوم الفرصة المناسبة، أما أنا فسأتولى << البر>> الغربي، الذي انطلق به الكفاح منذ سنوات.
فسميت تلك النقطة التي التقيا بها (البرين) أي البرالشرقي، والبر الغربي، ومن ساعتها أصبح يطلق على هذه البقعة لفظ (البرين) وصارت التثنية المرفوعة، (البران) منصوبة، بحيث لا تلفظ مرفوعة، بل منصوبة من غير أداة نصب(البرين)، وهذا لسهولة النطق بها ، وهذا الخطأ اللغوي معروف في اللغة العربية عموما، وفي الجزائر خصوصا. وبالاستعمال المستمر تحولت البرين الى (البيرين) ميلا واستئناسا، بتصديق مقولة، أن أصل الكلمة يعود إلى تثنية البئر(البئرين) فتحولت من البرين ،الى البيرين، بزيادة ياء، خلف الباء، ثم تحول اللفظ، من برين، الى بئرين، ثم إلى بيرين، وبعد ذلك، زاد الأهالي الى اللفظ أداة التعريف، فأضحت البيرين.
والله أعلم.
ــ البيرين وإنشاء زاوية ــ
ـ ومما يدعو للدهشة هو أنه حتى التفكير في إنشاء زاوية الهامل، على يد الشيخ محمد بن أبي القاسم الذي تخرج، بدوره من زاوية الشيخ بوداود، في أقبو ولاية بجاية ، كان بمناسبة لقاء الشيخ محمد بن ابي القاسم، بالأميرعبدالقادرالجزائري سنة 1260 هـ 1844 بالبيرين، حيث التحق عدد كبير من سكان المنطقة ، التي احتضنت اللقاء، بجيش الأمير، وقد نصح الأمير الشيخ ، بأن يكون أحد حراس دين الأمة الجزائرية، وأن يكون جهاده بالعمل، لتكوين جيل صالح، لمقاومة الاحتلال ، ذلك لأن الأمير كان قد اطلع وقتها جيدا، على حالة شعبه، وأدرك أن تقاعس بعض المواطنين، عن الجهاد، ـ الذي يعود الى جهلهم بمخططات العدو الرامية، أصلا الى محاولة تدميرالذات الجزائرية، والقضاء نهائيا، على مقومات الأمة المسلمة، ولم يكن احتلاله لبلادنا بغية التعمير، والتحديث، كما كان يطبل ويزمر لمن لاوعي لهم ولا غيرة على دينهم ـ وانعدام الوعي الديني، والوطني لديهم، ولا تذكر المصادر التاريخية، أية تفاصيل إضافية كافية، عن هذا الأمر، الذي يبدو من الخطورة بمكان، فالتاريخ كما هو معروف لا يدون إلا وقائع وأحداثا رسمية، أما ما جرى ويجري من صراعات عرقية ومذهبية وطائفية وسياسية بالدرجة الأولى، فيغض عنها الطرف لاعتبارات باتت الآن معروفة ! .
حث الأميرعبد القادر الشيخ القاسمي على ضرورة إنشاء مركز ديني علمي ثقافي، يضطلع برسالة العلم، ونشر مباديء الدين الاسلامي، وإعداد الأجيال الصالحة، التي تضمن لهذه الأمة تحررها، وانعتاقها في ظل الاسلام، فكان له ذلك وتم إنشاء زاوية الهامل المعروفة الآن بإشعاعها العلمي، والديني، والأدبي، خصوصا.
وهكذا نجد أن فكرة إنشاء زاوية الهامل، الشهيرة، قلعة العلم والعلماء، قد فازت البيرين بشرف فكرة بعثها إلى الوجود،على أرضها، وبإيحاء وتشجيع، من بطل المقاومة، والجهاد، العالم المتصوف، الأديب الشاعر الأميرعبد القادر ...الذي تناقلت أخبار بطولاته الركبان، وذاع صيته في مقاومة العدو الفرنسي، جميع أصقاع العالم آنذاك .
وما العلاقات الحميمية التي كانت وما تزال تربط الزاوية القاسمية، بسكان البيرين وما جاورها، والاحترام الذي يكنه لها عرش المويعدات، لا يعد سوى انعكاس لتلك الجهود، التي بذلها القوم لمناصرة ومؤازرة المقاومة المسلحة.
ــ الأسئلة التي لامناص منها ــ
ـ من هم هؤلاء أعيان عرش البيرين وما جاورها، الذين حضروا هذا اللقاء، الذي جمع بين محمد بن أبي القاسم، والأميرعبد القادر؟!
وما النتائج التي تمخض عنها من غير إنشاء الزاوية ؟
ـ و لماذا لم تتواتر أسماء هؤلاء، الأشخاص، الذين حضروا هذا الاجتماع، في الحكايات، والأشعارالشعبية وإن توفرت فمن يقوم بالبحث عنها وجمعها ؟!
ـ وماذا كان دورهم في هذا الأمر،الذي تشرفوا بحضوره؟ ورتبوا لنتائجه،التي لم يظهر عنها الكثير، والتي تعتبرهزيلة،وغير مقنعة ، مقارنة باجتماعات أخرى، تمت في أمكنة، وأزمنة مماثلة ؟! ـ ومن هم هؤلاء الذين تولوا تأمين نجاح اللقاء؟! تموينا، وأمنا، وإمدادا بالرجال والمال، والذخائر؟! ـ أيعقل أن يجرى لقاء، تاريخي، بمثل هذه الأهمية ، بين قطبين، من أقطاب المقاومة الشعبية الجزائرية، كل على طريقته، بهذه المنطقة، دون أن يكون لهؤلاء السكان، بصمات يذكرها لهم التاريخ ؟!
ـ من بإمكانه، أن يمد المؤرخين، بتلك الوثائق الثمينة، التي تكون ـ قطعا ـ في حوزة الأحفاد، وأحفاد الأحفاد، وفي زاوية الهامل، وبالضبط في أرشيفها الضخم؟!
ـ ولماذا لم تنشر مضامين هذه الوثائق، إلى الآن ؟! خوفا من ماذا؟! وممن طبعا قد تكون هناك بعض الاعتبارات السياسية، والاجتماعية، التي قد تحول دون إبراز هذا الأمر إلى حيز الوجود، وكشف ما يحتويه وما تجدر الإشارة إليه، من حيث القيمة التاريخية والمعنوية هوأن مدينة البيرين، كانت محط رحال ألأميرعبد القادر،المجاهد،البطل والمقاوم الشرس، فلو لم تكن هناك مقاومة، ومساندة له ولجيشه في هذه الناحية، ما استطاع ، أن يحل بها إطلاقا.
وصدق عندما قال :
رجال للرجال هم الرجال * بهم حدث الزمان ولا يزال.
فالأمير،وما عرف به من دهاء سياسي، وحنكة حربية، لا يمكنه أن يمنح ثقته لعقد اجتماع هام كهذا دون أن تكون له قواعد جهادية متينة بهذه الناحية ، فالسكان، هم الذين رحبوا بجيشه، وهم الذين رتبوا ونسقوا لتنظيم ذلك اللقاء، بين الشيخين، سعيا منهم ، لتنظيم صفوف المقاومة، المختلفة الأشكال، والوسائل، ولتحقيق غاية نبيلة، غاية دحر المحتل، الغاصب، وطرده، من أرض العروبة والإسلام، وما على المخالفين لوجهة النظر هاته، إلا الإتيان بأدلتهم التي تدحض ما ذهبنا إليه؟!!!.... والله أعلم
ـ عبدالحفيظ القاسمي مدرسًا في البيرين ـ
لم يكن اختيار الشيخ عبد الحفيظ القاسمي ـ ذلك العالم الجليل يرحمه الله، وجزاه الله كل خير، عما غرسه بهذه المدينة من فضائل ـ للإقامة بالبيرين والتدريس فيها ـ اعتباطا ، فقد التقى هو بدوره، بخلفاء االعلامة عبد الحميد بن باديس، بقسنطينة، وقد حدثني شخصيا، عن رحلته تلك، التي قادته إلى قسنطينة، وعن مدى إعجابه، بجمالها، وجمال جسورها المعلقة، وكذا التقائه بعلماء أجلاء، في ذلك الوقت، منهم الشيخان الجليلان، العربي التبسي، والطيب العقبي، بالإضافة الى أعلام آخرين وعن الجامع الأخضر،الزاهر، وما يؤمه من طلاب علم ومعرفة، وقد رأيت بأم عيني صورا جمعته بهؤلاء، ولم يسعفني الحظ ،لأن أتذكرالآن، من كانت بحوزتهم تلك الصور؟!
فقد انتدبه من خلفوا الإمام بن باديس، لفتح مدرسة حرة بالبيرين ( مدرسة النجاح) لتضطلع بمهام التربية والتعليم، في هذه المدينة ،الطيب سكانها، وليكون لمدرستهم تلك، شرف تخريج العدد غير اليسير، من طلبة العلوم الشرعية والعلمية، وقد أم هذه المدرسة، العديد من الطلاب من مختلف مناطق الوطن، ولم يمض على فتح أبوابها، سوى سنوات قلائل، من بعد استرداد الجزائر لحريتها واستقلالها، حتى أمدت وأطرت، العديد، من ولايات الوطن، بنخبة من المعلمين، والأساتذة، الذين ما يزال العديد منهم، يتولى هذه المهمة النبيلة الى حد الآن، وبكفاءة، تدعو الى الفخر والاعتزاز. ومنهم من تولوا مناصب ساسية عالية..
هذا الشيخ الجليل الذي لم يلق بعد، الاهتمام الذي يستحقه، فقد كان قطبا من أقطاب العلم، في زمن كانت الأمة الجزائرية، تغط في ظلمات الجهل، والأمية ، وقدم الكثير، الكثير، لهذه المدينة، وضواحيها .
وبهذه المناسبة أقترح ضرورة إعادة النظر في هذا الأمر، ووجوب تخصيص مناسبة سنوية،لعقد ندوة فكرية ثقافية علمية بالبيرين، من شأنها البحث فيما تركه من مخطوطات، ضمت العديد من فروع العلم، والمعرفة، وهي توجد من غيرشك، بحوزة أرشيف زاوية الهامل، وعند بعض تلامذته وزملائه، الأجلاء،
فأرجو ألا يبخل كل من يمتلك شيئا من ذلك ولو كان زهيدا، فقد يساعد العديد من المهتمين والمعنيين ويمدهم بوثائق وأدلة، هم في حاجة ماسة إليها بالتأكيد.
ــ عرش المويعدات ــ
أعتقد أن عرش المويعدات يعود أصله اللغوي الى كلمة الوعد والموعد فجمع اللفظ الى مويعدات،أي تصغير موعد فهم إذن أصحاب مواعيد، باللهجة السائدة، آنذاك، فكسرت وجمعت وتحولت من مواعيد، ومويعد، الى مويعدات .
من ناحية أخرى ـ وعلى سبيل التنكيت ـ قد يكون الأصل راجعا الى ذلك المثل العربي الشهير الذي يضربه العرب، لمن اشتهر بين الناس، بخصال حميدة، فيودون الاتصال بصاحبه، ولكنهم يعجزون عن ذلك، فلا يعرفون طريقا اليه، فيرى المضروب به المثل، أن عدم رؤيته، والاكتفاء بما يقال عنه خير له، ولهم، من الالتقاء به، فيقال ( تسمع بالمعيدي، خير من أن تراه) فربما لعيب خلقي، أو تشوهات ما، قد أصابته في وجهه ، وأن بيتا أو بيتين أو بطنا، أو بطنين، أو فخذا، أو فخذين، من تلك القبيلة، قد نزلت بهذه الناحية، ونظرا لسمعة القوم في فن القول، وما اشتهروا به، من حكمة، ورجاحة عقل، سموا بالمويعدات، أي ينتسبون الى ذلك المعيدي المشهور، بأشعاره، وحكمه، وجميل أقواله. والله أعلم.
أما الأعراش التي سكنت البيرين، فأود في البداية أن أنبه إلى خطإ قد صار شائعا، وكثيرا ما تداوله الناس فيما بينهم دون الانتباه إليه، وهو أن لفظ الأعراش يعني من جملة ما يعنيه (وما يعرشون) أي يبنون البيوت والرفوف والأسقف ، بينما المقصود من لفظ الأعراش خطأ هو العروش، فالعرش كما هومعروف الملك والسلطان، بينما الأعراش غير ذلك. قال زهير :
تداركتما عبسًا وقد ثل عرشها * وذبيان إذ ذلت بأقدامها النعل.
فعرش المويعدات، لا يضم حاليا وحسب علمنا، إلا عرشا واحدا، تنضوي تحته، عدة قبائل وفرق، كفرقة أولاد مختار، وفرقة أولاد زيان، وفرقة السحابات، وفرقة التريرات، والحمز.. الخ ....وهي فرق قد تصاهرت، فيما بينها وتناسبت وتناسلت وصارت تكون فرقة واحدة، ويصعب في الوقت الحالي، أن تعرف الأصول، من الفروع، وذلك بحكم زوال تلك الفروق، العرقية، التي زرع الاستعمار بذورها، في صفوف المواطنين، وكذا بحكم تمسك السكان بمباديء الدين الإسلامي، الذي ينبذ مثل هذه الفروق ،لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى.
أما الآن وبعد دخول مدينة البيرين في عصر قريَنة العالم ، دخل إليها أناس، من عروش مختلفة، وأضحوا يشكلون عرشا واحدا، وقد قال فيهم الشيخ محمد بن أبي القاسم:
تحكي الروايات المتواترة أن شيخ زاوية الهامل كان عائدا من رحلة الشتاء والصيف، التي قادته الى شمال البلاد فسأل أثناء مروره بجنوب عين بوسيف عن الموقع الذي وصلت إليه قافلته، فذكروا له أنها وصلت الى موضع يسمى (الحواجب) فقال: < < أحسب أن تحت كل حاجب عين!! ومن ذلك اليوم يشاهد المرء تحت كل بستان من تلك البساتين الوارفة الظلال بجنوب عين بوسيف عينا تنضح بالمياه، وبعدما وصل نواحي البيرين، سأل نفس السؤال، فقيل له أنها قد دخلت تراب البيرين فقال: قولته المشهور: (البيرين العرش المدلل* الواقع بين الصحراء والتل)
ثم واصلت القافلة مسيرتها حتى وصلت مدينة حد الصحاري، فأعاد طرح نفس السؤال، فقيل له أنها وصلت الحد، فأجاب نعم هنا الحد، أي النهاية، فكانت نهايته في هذه الدنيا بحد الصحاري، رحمة الله عليه
ـ الجوابروالشطحات الصوفية ـ
يعرف عرش المويعدات كذلك باسم الجوابر ، وهو جمع لجابر فقد اشتهر كثير من قبيلة الجوابر بالطب التقليدي ومن هؤلاء مثلا من يملك حكمة جبر الكسورالتي يصاب بها كثير من الناس أثناء الحروب والغزوات، وقد برع في هذا الفرع من الطب التقليدي جماعة من عرش المويعدات فسموا بالجوابر، و ربما يعود الى اسم عالم الرياضيات والجبر،جابر بن حيان التوحيدي.
فلمَ لا يكون أحفاد جابر، هم الجوابر الذين انحدروا من سلالته؟! باعتبار أن جل القبائل المعروفة على المستوى الوطني لها جذور، في شبه الجزيرة العربية، ولست أدري فقط، من أي شيء اكتسب الجوابر صفة الصوفية، فهم أولياء ويمارس بعضهم أحيانا شكلا من أشكال الدروشة والادعاء بأن له شطحات صوفية وإشراقات...فكل جابري، هو صوفي، يجب احترامه، وتقديره، وتبجيله، وذلك نظرا لما يتصف به من صفات حميدة، كتقوى الله، والتعلق بمباديء الدين الاسلامي الحنيف، ولا نقول بالخوف من دعواته، لأن ذلك لم يكن صحيحا، فالولي الصالح لا يدعوعلى من خالفه الرأي، أو عاداه أبدا، إنما يدعو له بالهداية والتوفيق، إلا إذا ظلم وتعدى ، فذاك أمر آخر .وقد تكون هذه المسألة عائدة الى تلك الشطحات الصوفية التي عرف بها بعض الجوابر والحلقات التي كانت تقام بالساحات العمومية وتحضرها جموع غفيرة من المتفرجين كلجوء بعض من برع في مثل هذا الأمر، حيث الجابري يغرز المسلات الحادة في خده الأيمن حتى تخرج من خده الأيسر، دون أن يتعرض لأي أذى، وكذا مضغه لشفرات الحلاقة الحادة التي يضعها بين أضراسه، وعلى مرأى من الناس. فيصاب جميع المتفرجين بالدهشة والحيرة، ولا يجدون تفسيرا لذلك، وكذا أكله للزجاج، بالإضافة الى طعن بطنه بسكين طويلة، تغوص حتى مقبضها، ثم يقوم باستخراجها من دون أن يصاب بأي نزيف، ومن أراد التأكد من ذلك فليسأل أهل الذكر إن كان لا يعلم .
ــ البيت الحمراء لها خصال ــ
يمتاز أغلبية سكان عرش المويعدات المنتمين الى ثقافة وعادات وتقاليد العرب خصوصا والمسلمين عموما، بعدم الاستقرار والترحال، الدائمين، بين السفوح، والتلال، صيفا وضفاف الصحراء، شتاء، بحثا عن الجو الملائم، لمعيشتهم والكلأ، لماشيتهم ، وقد اتخذ سيدي نائل، كبير عروش مناطق السهوب سمة خاصة لخيمته متمثلة، في نسجها بأشرطة حمراء متناوبة، مع سوداء، وهي ميزة ما تزال مخلدة، الى يومنا هذا، وتعرف بها خيم أولاد نائل، وكل المناطق المحيطة بهم، إذ كان كل السكان، الذين يقطنون، من قصر البخاري شمالا وما جاورها ، حتى تخوم الصحراء، يعرفون بالبيت الحمراء، ومن هؤلاء عرش المويعدات، وهي بيت تحتوي على كل متطلبات الراحة، بدءا بالجزء المخصص للضيوف، وهو عبارة عن نصف الخيمة المقسمة طوليا بحنبل أوحولي أو حيال منسوج باليد، والنصف الباقي يفصل حسب حاجة كل أسرة، فإن كانت الأسرة كبيرة، قسمت البيت بستائر، تجعلها تضم عدة غرف، كالغرفة المخصصة للمؤونة، وأخرى لصاحب البيت، وثالثة لبقية الأبناء ، ناهيك عن الجزء الأهم، وهو غرفة الطبخ، التي عادة ما تكون في واجهة الخيمة، وذلك لضرورة أن يرى عابر السبيل نارالمطبخ مشتعلة، متقدا أوارها ، فيحل عندهم ضيفا مكرما معززا وهذا الاستقبال يشرف أصحاب البيت، ويتفاخرون به، ولا يبدون أي تضايق، لا سيما وقد أفردوا للضيف جناحا خاصا به، في خيمة منعزلة عن بيت المضيف، فستار الخيمة يبقى طوال اليوم مرفوعا، وذلك للدلالة على الكرم وحسن الاستقبال.
أما عن تاريخ الخيمة الحمراء، فنجد أن تاريخ نشأة كل من البيتين الحمراء والسوداء والفرق بينهما ليس كما يقال، أن البيت الحمراء تعود الى أولاد نائل المنحدرين بدورهم من سلالة إدريس الأكبر، وأن السوداء ترجع لغيرأولاد نائل، أي الى الذين لا ينحدرون من سلالة شريفة، وهذه فيها أقوال، وتضاربات كثيرة . فمن أراد معرفة الفرق بينهما فما عليه إلا معرفة تاريخ اكتشاف الأصباغ، وأيهما كان الأول؟! ومما يستخرج كل من اللونين؟!
أمن الأصواف ذاتها؟! أم من النباتات؟! وأية نباتات تعطينا ذلك اللون؟! وكيف يتم استخلاصه؟ وما اللون الأول الذي تم اكتشافه واستخدامه في صباغة الخيمة العربية في الجزيرة العربية ، ثم في بقية مناطق الفتوحات الإسلامية؟ وهل أن أصل اللونين عربي أم إفريقي ؟! أم أن اللون الأحمرعربي، بينما الأسود يعود للأفارقة ؟! من يدري ؟!!
على كل هذه مسألة،لا تهم الأجيال الحالية كثيرا، وبأي شكل من الأشكال، فقد صارت في حكم الماضي، وإذا ما حاولنا البحث في هذا الأمر فما على السائلين إلا تقبل النكتة التي تفيد:( أنه ما دامت البيت السوداء، قد أخذت لونها من لون أستار الكعبة، فالحمراء تكون قد أخذت طيفها من دم شهداء بدر!!!)
ــ الزواج عندالمويعدات ــ
يتم الزواج عند أهالي المنطقة على أسس الشريعة الإسلامية ويمتاز بعادات وأعراف تميزه عن باقي المناطق ، فلا يمكن للرجل أن يرى خطيبته إلا بعد الدخول ، وذلك محافظة على شرفها وشرف عائلتها وهي عادة بطبيعة الحال مخالفة نوعا ما عما جاء به الإسلام ولكن نظرا للهجمات الاستعمارية التي توالت على الوطن الجزائري والتي كانت تهدف أول ما تهدف اليه محاولة القضاء على مقومات الأمة الإسلامية فعوضا من التمسك بالقيم الإسلامية النبيلة بالغ الأهالي في ذلك، حتى وصلوا الى ما وصلوا اليه من غلو وإفراط، سواء فيما يتعلق بالمهر أو بما يتعلق بأساليب ومراسم الخطبة والزواج، ويتم الزواج بمراحل ثلاث :
أولها الخطبة. وثانيها عقد القران.وثالثها الدخول.
والزواج يتم وفقا لأعراف نبيلة تمليها طبعا العقيدة الإسلامية، ويتميز العرس بتزيين العروس بألبسة تقليدية وبتنقلها الى دار زوجها على الهودج المتمثل في بيت صغير يوضع على ظهر الجمل لكن، أين نحن الآن من ذلك التقليد،الآن أضحى الاتصال يتم عن طريق الهاتف المحمول، وفترة الخطبة قد تدوم سنوات للتعارف واكتشاف مزايا وعيوب الآخر، فأيهما أفضل في رأيكم أيها الأفاضل؟
ثم تقام الأفراح وتدق الطبول وتذبح الشياه، ويقبل الضيوف فيخصص للرجال جناح وللنساء جناح آخر، وكثيرا ما تستعمل بعض العائلات الميسورة حلقات لما يسمى (العلفة) أي تسابق الفرسان وسباق الخيل، وإطلاق البارود، وكذا القيام بمختلف الألعاب الشعبية ، بالإضافة الى فرق الموسيقى المعروفة بالغايطة والبندير.
ــ التويزة عندالعرش المدلل ــ
ظاهرة التعاون عند الجزائريين عموما وعند المويعدات خصوصا ظاهرة متأصلة تمليها عليهم قيم أخلاقية نابعة من مباديء الدين الإسلامي الحنيف ، استجابة لقوله تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) فترى القوم يتسابقون لمساعدة بعضهم البعض في شتى المناسبات كعملية زج الصوف والحصاد وجمع الغلة وبناء المساكن الطوبية المسلحة بالتبن ، وتشييد المساجد، وإقامة الأعراس والتكافل الاجتماعي عند الملمات والمحن، وما تزال هذه الخصال الحميدة قائمة الى الآن، وبذلك فقد ضربوا أروع الأمثلة في توادهم وتعاونهم، وتراحمهم، ونرجو ألا تزول هذه العادات المحببة بحكم تفشي ظاهرة انفصال الأبناء عن الأباء، واعتناق فلسفة مبدأ الفردانية الوافد من الغرب أصلا، ومع الأسف فقد حلت محلها عادات أخر، لا تمت الى الأسرة العربية المعروفة بقيمها الأصيلة وعاداتها الحميدة بصلة.
ــ الكرم عندهم عنوان ــ
الكرم كما هو معروف شيمة أخلاقية حميدة وصفة انسانية نابعة من دوافع أخلاقية فطرية متأصلة في النفس البشرية وقد اشتهرالعربي بهذه الصفة السامية وتطبع عليها فظلت صفة الكرم جزءأ من حياته ووجوده ، وقد مثلت على مرالزمن جانبا كبيرا من حياة العرب الاجتماعية، فكانت دوما عاملا هاما في إبراز فضائلهم النفسية وصفاتهم العالية، هذه الصفة الجليلة ماتزال قائمة الى الآن، إن لم نقل قد ازدادت تأصلا ورسوخا، فكل أسرة من أسر عرش المويعدات حاليا لايمكن لها أن تقيم بيتا أو تبني منزلا إن لم تكن أوسع غرفة فيه آلا وهي دار الضياف، فإن قادتك قدماك يوما الى عرش المويعدات فلا تسأل عن الفندق أو الحمام أو المرقد، فكل بيوت العرش تحت تصرفك، ضيفا مكرما معززا، شرط أن تكون عارفا بما يحبون وما يثير كراهيتهم، فقد تكاد تقرأ في جباههم ذلك البيت الشعري المعروف الذي يقول :
يا ضيفنا إن جئتنا لوجدتنا * نحن الضيوف وأنت رب المنزل
وقد كتب بعضهم في واجهة باب منزله :
آلا يادارلا يأتيـــك هم ولا * يكبـو بصاحبـك الزمـان
فنعم الدارأنت لكل ضيف * إذا ما ضاق بالضيف المكان
هذا ناهيك عن تلك الهدايا التي قد تظفر بها إن كنت تعرف من أين تؤكل الكتف، نعم الكتف، فالقوم لا يعرفون من ألوان الطعام إن كان الضيف ذا مكانة مرموقة، ويستحق التبجيل والتكريم، إلا ذبح الخراف وشواء لحومها على نار هادئة، لها مختصوها، وبطريقة لا تخلو من أسرار فن الطبخ والشواء، فإن كنت ممن يشتهون التلذذ بلحم الخروف الطري، الذي قد تغذى هو بدوره من أعشاب مختلفة ألوانها، فالأجدر لك أن تأكل عندهم، من أن تتناول لحم الطيور والغزلان، وتلوك ملاعق (الكافيار) في أفخم الفنادق، عديمة اللذة والاشتهاء، ولا نذكر لك تلك القصاع والجفان المسماة (فريحة) أي التي تفرح أفراد عائلتها، وكل من تقع عينه عليها.
تلك القصاع والجفان المملوءة (بالكسكسي) المكللة بقطع اللحم والحوتة،والتي لا يقل وزن إحداها عن الرطل أبدا، فإذا بدأت تناول وجبتك فلن تستطيع التوقف عن التهام ما لذ وطاب من ذلك الطعام، إلا وقد امتلأت بطنك من غيرندم إطلاقا، ويسعدني في هذاالحديث عن تلك الأكلة الشعبية الجزائرية أن أنبه الى أن كلمة ( كسكسي) التي تتباهى بها كثير من العائلات الجزائرية أصلها وفصلها فرنسي محض،
و ينبغي تعويضها بلفظ (الطعام) وهو الأقرب والأكثر شيوعا بمختلف المناطق الجزائرية ، والدليل على ما أقول: أن أحد المعمرين من ذوي المكانة المرموقة والمؤثرة في محيطه، كان قد نزل ضيفا عند جزائري، فقدمت له هذه الأكلة التي لم يرها قط في حياته، وبعدأن تناول قسطا منها وأعجبه طعمها، قال باللغة الفرنسية متسائلا عن ماهية هذا الغذاء ؟!
Quest cequecest? فلم يجبه أحد، ربما لانعدام وجود مترجم، ثم ردد الشخص الذي طرح عليه السؤال، السؤال نفسه ، قائلا: (كسكسي) وهكذا صار يطلق على الطعام لفظ ( كسكسي ) والله أعلم.
ــ ولهم في الطب التقليدي بصمات ــ
ففي الوقت الذي بلغ فيه الطب أرقى درجاته، هناك من يعتمد على الدواء التقليدي، المتمثل في النباتات والأعشاب، لما لها من فائدة، مما يجسد الصراع، القائم، بين الطب التقليدي، والطب المتطور، أو بالأحرى الصراع، بين التجديد والتقليد .
وقد اتخذ المويعدات ، من الطبيعة، صيدلية لهم حيث وجدوا من النباتات دواء، لكل داء، وما لم يكتشف عندهم اليوم، فسيتم الفوز به غدا، وأدركوا أن هناك أعشابا، تتشابه في أشكالها، وألوانها بعضها نافع، وبعضها ضار، فكانوا ينتدبون لمن يقوم بجمعها وانتقائها أمهرالعارفين والعارفات بأسرار تلك الأعشاب والنباتات واشترطوا عليه أن يكون شديد الانتباه والحذر ولا يجمعها إلا من أماكن بعيدة، عن التلوث، وإذا غرس أحدهم بعضها في أرضه، وجب عليه أن يحتاط من الرش بالمبيدات، والأسمدة الكيماوية .
أما جمعها، فيتم في ظروف معينة ، كزوال الندى والطل عنها ، ثم يقوم بتجفيفها في الظل، وبمكان نظيف تعلوه النسمات.
اكتسب سكان البيرين، في هذا المجال خبرة كبيرة، ولا سيما ذلك الذي يستعملون فيه مختلف الأعشاب الطبية والنباتات، والتي تكثر بمنطقتهم، وهي الوصفة التي توارثوا استعمالاتها، أبا عن جد، بالإضافة الى مهارتهم، في جبر مختلف كسورالعظام ، ومن هذه الأعشاب، التي ماتزال صالحة، الى يومناهذا، ولا يستطيع من ألفوا استعمالها التخلي عنها، على الرغم من تقدم الطب وسهولة معالجة مختلف الأمراض المزمنة والعابرة، نذكرعلى سبيل المثال بعضا منها، دون الدعوة لاتخاذها وصفة، فقد يكون ضرها أكثر من نفعها لدى من لا يعرف خصائص الأعشاب الطبية معرفة كاملة :
حب الرشاد : للتداوي من آلام المفاصل والتوائها ،الحبة الحلوة : ضد آلام عسر التبول ،الكمون الأبيض : لآلام الدماغ ،الشيح : يستعمل للضيقة ،القرنفل : لأوجاع الرأس وحبوب الجلد الكروية : لألام الصدر، التسلقة: لأوجاع القلب ، كما أنها تسهل عملية الوضع لدى المرأة الحامل ،الحلبة: لأوجاع القلب والسقم والتسمم ،الفيجل: لألام المعدة ومضاد للجروح وآلام القلب ،الحنتيت : لألام المعدة والأضراس، الفليو : يستعمل لدوران الدورة الدموية ،الكحل : لتنظيف وتطهير العين الشب : للسعال وأمراض الصدر العرعار : لأمراض الجهاز الهضمي وآلام البطن ،رأس الحانوت : لآلام البطن عند الأطفال ،الجرة السوداء : لتسويد شعر الرأس ، الثوم : للسكري وصعوبات التنفس ومقوي لعضلات القلب، ومخفف لوطأة السموم ومنق للدم
والقائمة طويلة ومعروفة لدى عموم العائلات الجزائرية.
ــ الأغاني والأشعارالشعبية ــ
تتوفر مدينة البيرين على نخبة كبيرة من شعراء الملحون ، الذين خلدوا في أشعارهم وقصائدهم جل ما ذكرناه سابقا، من مدح وفخر وهجاء ، وقد ضاع أغلبه نظرا لعدم وجود من يهتم بتلك الأشعار والقصائد ما عدا بعض الأبيات المتناثرة هنا وهناك، والبيتان التاليان عينة من تلك الأشعارذات الأبعاد الوطنية الدالة على تشبث الناس بأوطانهم على الرغم من كل المغريات التي كانت تقدم إليهم في أرض الغربة فبمجرد ما يتعرضون لأبسط إهانة مهما كانت طفيفة وخفيفة يقلبون الطاولة وما عليها ويشدون الرحال عائدين إلى أرض الأجداد، يبدو أن صاحبهما غير معروف، وقد قال هذين البتين أثناء وجوده بفرنسا المحتلة لأرضه آنذاك ، حيث يصب فيهما جام غضبه عن تلك الأرض التي جعلته يعاني الأمرين من أشغال شاقة، وبعد عن الأهل والأقارب، فيلعنهم جميعا كبارا وصغارا ولا يستثني منهم سوى الصبيان الذين هم في القبور، فيقول :
انروحو لبلادنا ما ردنا مال * فيــلاج الغربة انخلـــوه ورانا
يلعن جد بلادهم شايب وشباب * حاشا الصبيان اللي في الجبانة.
أما في الفترة التي استردت الجزائر فيها استقلالها فقد نبغ العديد من الشعراء والكتاب، والقصاصين وما تلك الأسماء اللامعة في مجال الشعر ونظمه كالأخوات محمدي نصيرة وحبيبة وغيرهما وكذا الشاعرين الشابين الفذين الواعدين سعد زيان هيثم، ويوسف الباز ومجاهدي بالقاسم سوى عينة بارزة من هؤلاء الشعراء والقصاصين، الذين طبع عدد غير يسير منهم دواوينهم وشرفوا البيرين في كثير من المهرجانات واللقاءات الفكرية والأدبية والمجال لا يسمح بذكر البقية...
وهذا نموذج آخرمن تلك الأشعارالتي كان ينظمها حتى الفتيان الذين لم يتجاوزوا سن الرابعة عشرعاما من عمرهم بعد الاستقلال، تعبيرا عن فرحتهم بعودة الحرية وذهاب الاستعمار، وتوصيفا لتلك المعارك التي خاضها المجاهدون ضده، وإثباتا للذات وقد حفظت عن جدتي من أمي رحمها الله ( قشيدة عائشة بنت جديد) البيت الأول مما يلي ونسجت على منواله هذا النظم التوصيفي لتلك المعارك وحكايات المجاهدين وعمري لم يتجاوز الأربعة عشر سنة:
طيـارات فرنسا جـات اتهـجم * ماذا نقلـت من العساكر والمينـات
والاطناق الزاحفة راهي تتـلمم * دحست كل اعشاب والنعـمة ما خلات
هذا جراد ربي عـنا راه اهجم * تحفظ العربـان من خرايـبه والممـات
يا مصعب ذا النهـارعلينا يتغـمم * تحسب السماء فيـــه بالدود تغطــات
" ليبارة " تنزل على الخـلايق يافاهم * ضربـت كل رجـال والنسـا ماخـلات
هـذا " كـور"عـنا راه يدمـدم * رعبـت منه كـل الحراير والصغارات
تشوف فيه الظـلم يجري يتجسـم * والحـــق راهم قالوا علـيه الممــات
وينــك يا أميرالجهاد لينا تنتـقـم * راهم خلفــــوا منا كل الطيــحات
هذي كفـــرة راها ليــنا تتحزم * ما قـدرت للفــلاقة في البطـــحات
مـاذا مـاذا مـنا سال الـدم * والنســوان عليه زغرتــــات
تشوف العربي يجـاهد ماهو نـادم * ولسانـه مليـان بالشهادة والتكبيـرات
هذا يوم ما ينفـع فيه غيرالإسلام * وبالجهــاد راها فيه اتم المعجــزات
جاوالخاوة كي السبوعة منهم تتعلم * ضربوا الـعدو من عدوانه ملكوا خبرات
واحد يحلف شاد شلاغمه ويبرم * وآخر سنـطرته معمـرة يستنىاللحظات
وعدوا الشعب والوطن اللي تظلم * بللي في الغد راهـم يقومو بالواجبـات
خيرولـهم موضع اللي ما يتعـلم * ثم نطـحو الكفرة بالرصاص وبالطعنات
دام الضرب نهاروالبـارود يتـكلم * طاحت فيه عسكر ما يتحسبـوهيهات
داروا فيهم فرتولة ما بقى منهم ظالم * وسلاحهم راهم جابـوه لينا مغنمــات
صار اللي مات له خيو وبيو والعم * يتبسم لجيش التحرير صاحب الخصلات
زغرتو يا نسوان رانا بدينا نتعلم * والحرية الحمراء في طريقها راهي جات.
نظم: المؤلف
لبنان الحرب..وعواصم العرب
كنت مضطجعا على سريري كبقية الحكام العرب، أتابع آخرأخبار بعدغد تنهض(بغداد) وبمجرد مسي.. قط، كان بجانبي ( مسقط) اتهمني أحد الحكام العرب بمعاداة حيوانات العرب.. حاولت النهوض مستنكرا هذه التهمة غير المؤسسة.. ولكنني لم أستطع، لقصور ذاتي ومكتسب ، وبعد برهة من الزمن، حلمت أني بإحدى الرياض
( السوء.. عدي ) فما رأيت اخضرارا بتلك الربوع.. وما وجدت في واحاتها قطوفا دانية، وعند ذاك انتابني قلق شديد منددا بهذا القحط الذي استشرى في أرض " بدر" وأخواتها .. ما عدت أحتمل ، فامتشقت سيفي ( أسد دمشق) وامتطيت صهوة جوادي واتجهت صوب بي.. روت ( بيروت) أراضي الشهامة العربية.. الشام، التي أمطرت دماء زكية لبنانية.. ومعرجا على ضفاف الرافدين.. عراق الشرف الصامد .. ( حكايات ألف ليلة وليلة.. ميسون.. جالجامش..) ومع ذلك لم يطب لي المقام هناك..لأن قطيع العلوج والخنازير البشرية الغازية قد اكتسحت أديم ربوع القادسية من أقصاه إلى أقصاه.. ثم قفلت راجعا إلى أقصى شرق المغرب العربي.. بعد أن أغواني إطراء.. بليس (طرابلس) ، فقيل لي هناك:
" لم يعد عندنا قذاف بل مقذوف، لابد لك من التخلص من كل حيوانات الخزي والعار بوسيلة أخرى " حاولت متسللا إلى أرض الكنانة لعل وعسى.. فأجمع القوم على اتهامي مرة أخرى وقالوا :
" انظروا إليه.. لقد ألقى من بين يديه هرة ( القاهرة) إنه لا يشفق ولا يرفق بالحيوانات.." وفي هذه الحالة صممت على الذهاب إلى المغرب الأقصى غربا عابرا تلك الأطاليس الوعرة ومتخطيا فيافيها الشاسعة.. حتى وصلت رباط الخيل (الرباط).. ربما يمنحوني حصانا عربيا أصيلا أتسلى - على الأقل - بركوبه.. يا إلهي في كل بقعة من بقاع عالمنا العربي " حيوانات " من مشرقه إلى مغربه، ما هذا ؟ ثم بعد ذلك ظننت - خطأ - أنه لا يمكن أن يخلصني من هذه التهمة إلا البحث عن سلاح نووي.. قد يساعدني في القضاء على هؤلاء الأعداء، فوجدته في نواة.. الشط ، لا، لا نوق.. الشط ، شط النجاة من مهازل العرب (نواقشط) ومع ذلك ماحصلت على مبتغاي بسبب اعتراض سفير الصهاينة هناك على قدومي المفاجيء.. لم يبق لي الآن إلا التيمن نحو ما صنعه العرب بالعرب (صنعاء).. مصطحبا معي تلك الفتاة الجميلة المحايدة التي كانت ترافقني- (تونس).. كانت على شاكلة:tous nice الكل يحاكي نمط سكان( نيس ) كانت تلح علي لأن أقضي ليلة من ليالي حزني وحسرتي على ما آل إليه الوضع في بلاد الرافدين ولبنان.. فكنت أرفض.. فإذا بي أجد نفسي فجأة في ( خر.. طوم.. وجيري..) على جنوب وغرب السودان ، رموني بخرطوم فيل، هذا حيوان أكبرهذه المرة ( السوء ..دان) نالني ما نالني من بخه ورشه ، حتى صرت أرتعد مذعورا كالقط تحت أمطار الصيف الإسرائيلية في فلسطين ..وبعد أن تخلصت من ذلك الكابوس المزعج، عدت على أعقابي أشكو حالي لعمين لي ( عمان الأردن) فنهراني وأنباني تأنيبا كبيرا لعدم تعلمي السباحة والعَومَان في بحر العرب المتلاطم (عُمان ).. ثم قلت: لمَ لا أذهب إلى جدتي لعلها تجد لي مخرجا من هذه الورطة؟ جدة ( السوء.. عدي) وجدتها هي أيضا تندب حظها العاثر من جراء خدوش مخالب ذلك ( الفهد ) الذي ما ترك لها مكانا سالما من جسدها إلا وملأه علوجا وقرادا، ورأيتها تبكي مآسي ومهازل الوضع العربي العام - عدا نصر الله وحزب الله - وما وصل إليه من انحداروتدهور إلى درجة أن خلعوا لنا حتى المنامة من على جلودنا( المنامة البحرين) وعيرونا بأننا رعاة عنز وغزلان وظباء (أبو ظبي ، الإمارات) وقالوا: أننا لا يمكن أن نصلح للعيش إلا في الصحارى أو في أدغال الغابات كالدببة دبين دبين ( دبي..) العاصمة الاقتصادية للإمارات، لماذا لماذا ؟؟ لأننا لم يعد لأي أحد منا قدٌ يناسبه.. ما صار على قده شيء ( مقاديشو) السموأل، أو الصوم مال. لحظات بعدها ووجدت نفسي أجوب شوارع بها.. اتكويت ( الكويت ) لا نخوة لدى البعض من حكامها ولا أنفة.. وكأنني ما توضيت ولا صليت ولا اعتمرت ولا حجيت، بل ما زلت قاعدا في البيت، أصب على النار الزيت.. وباتقاد أوارها احتفيت.. وبعد أن اختلطت علي الأمور في الحلم المزعج، قررت وأنا نائم - كبقية النائمين العرب – قراري الشجاع، الوحيد في حياتي النائمة، وودعت الأهل والأصحاب وانضممت إلى قوافل الاستشهاديين الذين توجهوا إلى بعدغد، تنهض بغداد ولبنان، وكان رائدي وغايتي في كل ذلك النصرأوالنصر..(الاستشهاد أضحى ممنوعا) ولكن تجري الرياح بما لا يشتهيه الاستشهادي.. فقد تخلوا كلهم عني بعد وصولي إلى هناك وقالوا :" انظروا إليه، لم يأت للجهاد والقتال، إنما جاء زائر ( الجزائر) يا إلهي.. حتى الموت في سبيل الله أضحى مرفوضا؟ أيريدون فرض نظام التأشيرة على من يريدون الانتقال إلى العالم الآخر؟ ما هذا؟ أنحن عرب أحرار أم عبيد أشرار؟ في حلم أم في علم؟ وبعد أن أدركت الحقيقة المرة، أني كنت أحلم - ليس أثناء النوم فقط وإنما طوال حياتي- وأن هذا الحال سوف يستمر على نفس المنوال.. ولم يبق لي إلا تعليق الآمال على من لم تنل بعد الاستقلال، واستنجدت بالآية الكريمة:
" ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " ( رام الله ، ( فلسطين).. فلسطين المحتلة وبخذلان العرب معتلة، فقد رفع عنها القلم.. وحين دخلت رام الله ، سمعت مناديا يناديني من بعيد ويقول:
" اسمع يا هذا ، دعني أطرح عليك سؤالا واحدا وابحث له عن جواب لدى من يدعون امتلاك كل شيء إلا الكرامة.. فقلت اسأل ولا تخف، فنحن بالنسبة للقيل والقال، علماء فطاحل.
قال: " أيها العرب متى تولدون ؟ أم تظنون أنكم موجودون؟ كيف تتركون نصر الله يجابه لوحده أعداء الله؟
" فخرصت، ولم أعد أعي..أأنا موجود أم مفقود.
اهبطوا مصرفإن لكم فيها حسنا مباركا
شمال " إسرائيل " يتعرض منذ 2006.07.13 لقصف صاروخي بطولي متواصل، من قبل حزب الله ، هذا الحزب الأسطورة الذي خرق السائد وعكس كل قواعد اللعب السياسي والديبلوماسي رأسا على عقب، بعد أن كان جيش الاحتلال الإسرائيلي جيشا لا يقهر في عرف المنهزمين من الحكام العرب ، نعم هكذا زرعوا في عقولهم الهزيمة والجبن قبل أن تحتل إسرائيل أرضنا العربية وملأوا أفئدتهم بالرعب قبل أن يجربوا مقارعتها..
ها هو "الوعد الصادق " يُنفذ - رغم إنف المتخاذلين والمترددين - في الميدان.. ويَنفذ إلى جوف البوارج الحربية الإسرائيلية، موازاة مع خطاب صدام الثاني حسن نصره الله ، ألم يقل في خطابه الناري قبل بدء عملية الولوج إلى ساح الوغى: " الآن سترون البارجة الحربية الإسرائيلية التي قصفت الأبرياء في بيروت تحترق وتغرق..
وكان وعده صادقا فعلا ووصلت الرسالة إلى الأمتين العربية والإسلامية 10على 10. ومباشرة بعد ضرب البارجة بصاروخين جو أرض وأرض أرض أحدهما أصاب رأسها والآخر فجر جوفها.. وكعادته ادعى جيش الاحتلال الإسرائيلي أن أربعة فقط من جنوده فقدوا.. مع اعترافه بالضربة الموجعة، والحقيقة كما نعرفها دائما من زيف أقوال جنرالات جيوش الغرب الغادرة هي التكتم الدائم عن خسائرهم كدأب جيش أمريكا المنهزم في العراق.. حيث نشاهد المدرعات تتلاشى شظايا في السماء ومع ذلك يقولون : لقد جرح مارينز واحد. وتلك حكاية اعتاد عليها المشاهد العربي وأضحت مدعاة للسخرية ودلالة واضحة على عدم صدقية بياناتهم العسكرية.
أما حكومات دولنا التي تغط في نومها المعتاد اللامتناهي فهي حكومات تملك من الأسلحة ومن العتاد ما لو جمعناه ووضعناه بأيد أمينة لاحتلت به قارة بأكملها.. مئات البوارج الحربية وآلاف الطائرات من مختلف الأصناف والأشكال والسرعات.. ومئات الآلاف من الجنود المدربين تدريبا عاليا في مختلف مدارس العالم العسكرية وآلافا أخرى من الدبابات والصواريخ لا تصلح إلا لدك حصون بعضهم البعض وقمع شعوبهم، لا يستطيع أي قائد أو رئيس منهم التجرؤ بقول كلمة واحدة لصالح الحق والعدل، حتى لو احتل الغرب الغاشم دولا كاملة من دولهم ، كالعراق وفلسطين ولبنان والصومال ، بينما نجد حزبا أو فصيلا واحدا كحزب الله لا يتعدى تعداده خمسة وعشرين ألفا، يمرغ أنف الصهاينة في رمال بحر لبنان، وعلى مرأى من أعين العالم أجمع وعلى المباشر، وأدخل نصف عدد الصهاينة في المغارات والأقبية والملاجيء مذعورين كالأرانب والفئران.
قال صدام الثاني حسن نصره الله :" سنضرب حيفا وما بعد بعد حيفا، يعني أن الصهاينة إن استمر الوضع على ماهو عليه فسوف يرحلون في اتجاه الجنوب إلى مصر، وبذلك قد يكونون في مأمن من صواريخ نصر الله وضربات رجال حزب الله .. نعم.. ادخلوا مصر فإن لكم فيها حسنا مباركا..
الجيش الإسرائيلي يقول في بيان له يوم 2006.07.14 أن البارجة الحربية الإسرائيلية قد أصيبت بأضرار بالغة، أفدح مما كان يعتقد، ثم بعد ذلك يقوم باستعراض بارجة أخرى بيضاء اللون وقد تم رش نقطتين على جانبها الأيمن باللون الأسود كعلامة لإصابتها (زعمة ) دون حدوث ثقوب بها، بينما كانت البارجة التي تم قصفها رمادية اللون، وقد شاهدناها على المباشر عبر " كاميرة " الجزيرة ثم يأتي بيان آخر للجيش الإسرائيلي يقول فيه أنهم يبحثون عن أربعة جنود فقدوا، بعد تعرض بارجتهم للقصف الصاروخي ، ثم بعد ذلك يعودون ويقرون أنه قد تم انتشال جثة أحد جنودهم ولم يعثروا على الثلاثة المتبقين، وكل ذلك في محاولة يائسة لإخفاء آثارغرق البارجة التي شاهدها شهود عيان لبنانيون وهي تحترق وتغرق ، فالصاروخ الأول أصابها في رأسها بينما اخترق الثاني جوفها، مما تسبب في انفجار ضخم بداخلها نجم عن مخزوناتها من الذخيرة الحربية، كل ذلك التخبط في البيانات والتصريحات دلالة واضحة على حجم الخسائر الكبيرة التي جعلت الجيش الإسرائيلي يحاول عدم الاعتراف بهذه الضربة الموجعة جدا.
والدليل الأبرز هو منع مصوري محطات العالم التلفيزيونية من الاقتراب من المواقع التي تم قصفها من طرف حزب الله.. ثم بعد ذلك يصدر بيان آخر عن الجيش الأسرائيلي يقول فيه أن 12 بحارا مصريا كانوا متواجدين على متن البارجة الإسرائيلية، ثم يعودون ليقولوا أن البحارة كانوا على متن باخرة تجارية تايلاندية وقد أصابها القصف الصاروخي لحزب الله... وبعد فترة قصيرة يأتي خبر آخر أوردته وكالة (أ. ب) ليؤكد أن الباخرة التجارية قد أصابتها نيران البوارج الحربية الإسرائيلية المتواجدة بالمياه الإقليمية اللبنانية وكل ذلك نتيجة للهلع الذي أصابهم من جراء رؤية البارجة الأولى تحترق وتغرق، وها هو يتم قصف مدن طبرية وعكة وحيفا.. وهكذا فالعملية مستمرة إلى ما شاء الله..
من نتائج ذلك ارتفاع مؤشرالنخوة العربية والإسلامية إلى أعلى مستوياته، تماما كما ارتفاع سعر النفط إلى 78 دولارا.. ومهما كانت نتائج الحرب الدائرة رحاها الآن فإن جدار الجبن قد تحطم والعقول العربية الإسلامية قد تحررت من خوفها المزمن.. ولم يبق سوى البحث عن القائد وحادي العيس، الذي سوف يحشد إمكانات الأمة لتحقيق النصر.. ما أحوجنا يا أحرار العالم إلى مثل هذا الرجل الأسطورة، الذي لا يملك من الوسائل والإمكانات إلا الشجاعة والحق والموقف الثابت ، فها هو يهزم معنويات الغاصبين الصهاينة قبل هزيمة جيوشهم التي " لا تقهر "
( ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى..) صدر بجريدة " البلاد" الجزائرية يوم 2006.07.20
وما نصرالله..إلا شيخا هاج من قمم..
ماذا بإمكانها أن تفعل اليوم دويلة الكيان الصهيوني ـ بعد أن تم تمريغ أنف صفوة الصفوة من جنودها في تراب قرى " بنت جبيل( هذه بنت فماذا لوكانت إبنا؟) ومارون الرأس ( مرفوعة الرأس أو ما رأوا الرأس ) وعيترون ( أي آية هارون ) وعيتا الشعب ( آيتا الشعب).. تلك القرى التي تربعت على عرش إحدى القمم المنيرة في تاريخ العرب والمسلمين.. كالأوراس وبوزقزة وفلاوسن وبوكحيل وجرجرة والبيبان في الجزائر.. وأم قصر.. في حرب الخليج الثالثة ـ بعد أربع وثلاثين يوما من الممانعة والمقاومة؟ أتعمد إلى ضرب لبنان برأسها النووي؟ فإن ارتكبت تلك الحماقة غيرالمحسوبة - حتى لو كانت قنبلة محلية محدودة- فقد تقضي على نفسها بنفسها.. من جراء انتشار الغبارالنووي في محيط المشرق العربي، أم تعترف بهزيمتها النكراء وقد شهد العالم بأسره، أنها لم تستطع منازلة أسود حزب الله في ميدان الوغى.. على الرغم من كل محاولات تنفيذ خطط جنرالاتها الذين ألفوا حصد نتائج نصرحروبهم العدوانية بواسطة قصف طيرانهم المتفوق والأعمى ..أليسوا هم أحفاد ماسو ولاكوست وبيجار في الجزائر هؤلاء الذين لم يفلحوا هم أيضا مع " الفلاقة " الذين لم يكونوا يملكون إلا الإيمان بعدالة قضيتهم؟
لقد اكتسبت المقاومة اللبنانية الحرب.. وبكل المقاييس، الإعلامية والنفسية والعسكرية، فلا الانتقام من الأبرياء من الأطفال والنساء واللاجئين.. قانة الثانية وعيترون والقاع.. ولا التدمير الشامل للبنى التحتية للدولة اللبنانية بكاف، لاسترداد " شرف" جيش الكيان الصهيوني المنتهك عرضه.. والمفضوضة بكارته، من قبل جنود حزب الله .. ولا الكذب الممارس على شاشات قنوات العالم.. ولا الهدنة المؤقتة التاكتيكية ولا القصف الجوي المركز على البنى التحتية للاقتصاد والأحراش والأبرياء.. بقادرين على استعادة هيبة جيشها المدجج بأحدث أسلحة الدمارالأمريكية.. ولا الضغط الديبلوماسي المساند للعدوان على شعب أعزل، عار من أية تغطية أومقاومة جوية ردعية ومن أية مؤازرة لوجيستيكية عربية .. فلا طائرات تقلع من مطارات عواصم عربية.. حاملة المؤونة والذخيرة الحربية،.. بل إننا نرىعلى العكس من ذلك تماما، فحتى أقرب الناس إلى حزب الله والمقاومة اللبنانية دما وتاريخا ودينا ولغة، أضحوا إلى جانب المعتدي ، موفرين له غطاء سياسيا كافيا للاستمرار في عدوانه..
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة * على المرء من وقع الحسم المهند.
وكأني بالشيخ حسن نصر الله قد كان على دراية تامة، بتلك التصريحات والوقفات المخزية الصادرة عن بني جلدته.. وهو القائل قبل بدء المنازلة: لا نريد قلوبكم ولا مساندتكم ، فقط .." فكوا عنا " ومع ذلك لم يكتف هؤلاء - خادعو الحرمين الشريفين وغيرهم من الذين فضحتهم تصريحات القادة الصهاينة - بالصمت الذي كان العرب والمسلمون عموما منذ زمان ينددون به .. وقد أضحوا اليوم يحبذونه.. " فكوا عنا " يعني بالفصيح الشعبي دعونا وشأننا فنحن قادرون على " شقانا " وبعد أن أثبتت المقاومة نديتها وتفوقها على عدوها بضرب وتحطيم بارجتين حربيتين إسرائيليتين وتدمير أكثر من ثلاثين دبابة ومدرعة وحاملة جند وجرافة.. ها هي آلة الديبلوماسية تعمل عملها لسلب ومحاولة امتصاص نتائج النصر لتجريد المقاومة الإسلامية من كل ما يمكن أن يستثمر فيما بعد على مستوى الجبهات العربية النائمة ، تلك الجبهات التي رضيت بالهوان واختارت الاستسلام خيارا استراتيجيا.. تاركة قضيتها الأولى، فلسطين بين أحضان الصهاينة.. القضية التي ناضلت من أجلها سنين طويلة.. وتلقت من أجل تحرير جزء من أراضيها الهزيمة تلو الهزيمة.. لقد عبدت المقاومة اللبنانية اليوم سبيل التحرير ووضحت معالمه.. ولم يبق سوى فتح الأبواب لتحريرالأرض وصيانة العرض .. ألم يصبح المثل الشعبي الجزائري اليوم ذا جدوى كبيرة حين قال: ( خلطها تصفى ) ومن يرى غير ذلك سبيلا لعودة كرامة العرب والمسلمين فهو واهم.. والدليل هو دروس تاريخ الحروب عبر الخريطة الزمنية - أفقيا وعموديا- فاسألوا أهل فيتنام والجزائر يخبرونكم الخبراليقين، إن كنتم في شك مما يقول الكاتيوشا وخيبر1 و2 وزلزال.
يأبى في هذا الشأن الشاعر الأخضر رحموني إلا أن يضع قذيفة موجهة توجيها فنيا على فوهة راجمة جزائرية وقد كتب على رأسها الأبيات التالية قائلا لحسن نصر الله:
لا تكترث بعتاب - النفط مرجفهم- * واللاهثين وراء الوهم والصنم
مثل البراميل تمشي في تبخترها * والقدس تشكو حصار الجوع والألم
الساكتون –مدى الأعوام – ياخجلا * نواب شعب تساق اليوم كالغنم
إني أرى النصر في كفي مقاومة * وفي سواعد شيخ هاج من " قمم"
وفي صدور تناجي الكون خاشعة * لخفقة القدر الضمـآن للـنـعم
وفي طيور أبابيل التي قصفت * يوم التحدي فصار النذل كالرمم
لا يُعرف اللحن إلا من بنادقنا * ومن حجارة طفل هب للحرم..
وما النصر إلا صبر ساعة ، فقد اكتسبت المقاومة اللبنانية الحرب.. ولا نقول المعركة.. حتى لو انهزمت في معارك تفاوضية جزئية ، أو خسرت جولة ثانية أو ثالثة - لا قدر الله - من جولات الحرب،هذه التي ماتزال رحاها تدور لحد الساعة . فالعز والمجد قد عرفا سبيلهما إلى مرابع العرب والمسلمين.. والعار والخزي الأبديين قد لحقا بالجيش الصهيوني الذي لا " يقهر" والبقية - إن شاء الله - أشد وأمر، فإذا فتحت الأبواب لجهاد العدو التاريخي وبكل الوسائل الممكنة، فسوف لن ينال من يلحق متأخرا من المجاهدين نصيبه من نتف جلود الصهاينة، حفدة القردة والخنازير.. أبعد كل الذي ارتكبوه في فلسطين ولبنان ما يزال البعض منا يقول أن هؤلاء اليهود هم أبناء عمومتنا.. وأنه يمكن التعايش معهم في سلام ؟ فوالله لوانتصرت الصهيونية العالمية هذه المرة على المقاومة فما عليكم أيها العرب والمسلمون إلا انتظارأن تأتيكم التعليمات من مجلس الأمن الأمريكي والكنيست الصهيوني لتغيير مناهج وبرامج منظوماتكم التربوية والتعليمية لتعليم أبنائكم اللغة العبرية غصبا عن أنوفكم مطالبينكم بوجوب تدريس أمجاد تاريخ اليهود.. وكيف أن الإسلام قد ظلمهم قبل أن يظلمهم الغرب..وأن الأرض العربية من محيطها إلى خليجها هي أرضهم وأرض أجدادهم بني قريضة وقينوقاع.. وقد كانوا فيما مضى يعيشون فيها.. وساعتها لا ينفعكم الندم، بل ترى المنبطحين منكم يسعون لاهثين من أجل تبوؤ المناصب في برلمانات صهيونية إقليمية في كل دويلة "عربية " تابعة للكنيست الأكبرفي القدس الشريف، واقتسام مداخيل الحج مع ( بقية مسلمين وعربا) بمكة المكرمة.. هذه التي أنشأها وأقام قواعدها إبراهيم عليه السلام الذي كان يهوديا - في نظرهم - وجعل المدينة المنورة معلما سياحيا مباحا للجميع.. يِؤمه شذاذ الآفاق من مختلف أصقاع العالم دونما تمييز عرقي أو ديني فهما إرث مشترك للبشرية جمعاء..حتى ولو لم يكونوا مسلمين.. أم أن ذلك يعد بعيد المنال ولا يمكن تنفيذه وتطبيقه؟ فمادامت القدس قد تم الاستحواذ عليها واتخاذها عاصمة أبدية للصهاينة ولم يستطع المسلمون استردادها على الرغم من كثرتهم وتعدد دولهم، فما المانع من الوصول إلى مكة المكرمة لاسيما والقابلية للتصهين والاستهواد ( التايهوديت) قد صارت متوفرة لدى المسلمين وبالشكل الكافي في ربوع جزيرة العرب وفي غيرها؟؟..تلك هي مهمة السرطان ولا مهمة له غيرها.
ألم يقل الأطباء: أن خلية الورم السرطاني إذا ظهرت في موضع ما من جسد المريض، لا يمكن إزالتها أو القضاء عليها إلا بمحاصرتها أولا، وذلك للحؤولة دون امتدادها وانتشارها إلى بقية الأعضاء السليمة ، ثم مداومة عملية العلاج بصبر للقضاء عليها وبكل الإمكانات المتاحة ، فإن لم يتم اتباع تلك الطريقة الفعالة المجربة، فإن العلاج لا جدوى منه، فخلية السرطان الصهيونية قد امتدت ومنذ زمان إلى مختلف أنحاء الجسد العربي من محيطه إلى خليجه، بواسطة زرع سفاراته وممثليه الديبلوماسيين والتجاريين والثقافيين والمخابراتيين بحجة جدوى التطبيع والتعايش السلمي بين الشعوب وهي حيلة ذكية جدا استعان بها الصهاينة للتغلغل والامتداد داخل الخلايا الحية للأمة.. وأن الأمراض السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي نعاني من ويلاتها الآن كان وما يزال مصدرها ومنشأها تلك الخلية الخبيثة التي زرعت في أجسادنا منذ معركة خيبر وما تلاها من صراع ديني بين المسلمين واليهود..وهاهو الصراع يؤتي أكله متمثلا في الفاسدين منا.. وعلى كل المستويات، السياسية منها والفكرية والثقافية.. ألم يحن الوقت بعد للوقوف في وجه هذا الامتداد المتسارع لهذا الورم القاتل ؟ أم أنه ما زال فينا من يعتقد أنه يمكن التعايش في سلام مع هذا المرض الذي أضحى مزمنا وفتاكا، بعد أن قضى على أغلب أوردتنا الدفاقة وسد جريان شراييننا الحية.. وشل قدرة أعصابنا وصرنا خياليين عاطفيين..( لا إنتاج ولا تطور) وجعل لويحات دمنا وبقية خلايانا الحية تنقسم انقساما فوضويا..والدليل في رأينا تلك الحروب الطائفية والعشائرية واللغوية التي ماتزال تنخر جسد العالمين العربي والإسلامي منذ اتفاقيات سايكس بيكوالمشؤومة..فلولا بعض النجوم التي مايزال ألقها وهاجا من أمثال الظاهر بيبرس و قطز وجمال الدين الأفغاني وصلاح الدين الأيوبي وعبد الناصر وبومدين وصدام حسين وأخيرا وليس آخرا حسن نصر الله لقضي الأمرالذي ما زلنا فيه مختلفين.
الكاتب ورجل الأمن
ـ رجل الأمن:إياك أن تنكرأنك تتنفس.
ـ الكاتب: أنا أقروأعترف بأني أتنفس
ـ رجل الأمن : الزفير يحتاج إلى إذن من وزارة الثقافة، والشهيق يحتاج إلى إذن من وزارة الاتصال، فهل حصلت على هذين الإذنين؟
ـ الكاتب: سأكف فورا عن التنفس ولن أعود إليه إلا بعد أن أحصل على الوثائق الرسمية اللازمة .
ـ رجل الأمن: ما مهنتك ؟ لماذا احمروجهك خجلا؟ أأنت شحاذ؟
ـ الكاتب: لا أنا كاتب.
ـ رجل الأمن: ما دمت تدعي أنك كاتب فلماذا لا أراك ممسكا بقلم وتكتب بدلا من التثاؤب والكسل ؟ ألا تعلم أن الكلمة الشريفة لا تقل أهمية عن المحراث والمصنع والبندقية ؟
ـ الكاتب : أنا راغب فعلا في الكتابة ولكن رأسي خاوية ولا أجد موضوعا أكتب عنه
ـ رجل الأمن: اكتب عن رئيس الحكومة، رئيسنا
ـ الكاتب: سأكتب عنه غدا
ـ رجل الأمن: بل ستكتب عنه اليوم
ـ الكاتب: سأبدأ بالكتابة عنه بعد دقائق.
ـ رجل الأمن: وماذا ستكتب عنه؟
ـ الكاتب: سأقول عنه أنه عظيم
ـ رجل الأمن: عظيم فقط؟ بعد كل التضحيات التي يقدمها كل لحظة تكتب عنه لتصفه بأنه عظيم .
ـ الكاتب: سأكتب عنه بإنصاف وأقول أن الإنسانية عاشت في ظلام حتى جاء ومعه الشمس والقمروالنجوم .
ـ رجل الأمن: لا تنس محيطه
ـ الكاتب: لن أنسى محيطه وجيران محيطه
ـ رجل الأمن: ولا تنسى منجزاتهم في كل الميادين
ـ الكاتب:كيف أنساها ونحن نعيش في بلد تكاد منجزاته تنافس منجزات الجنة ؟
ـ رجل الأمن: أحرص على أن تكون كتابتك مملوءة بالحشمة والحياء.
ـ الكاتب: وهل أنا غبي ومغفل حتى أقول الصدق والحقيقة؟
ـ رجل الأمن: إذن أنت كاذب ولست كاتبا.
ـ الكاتب: نعم قلنا صدقا فلاحقونا وجرجرونا نحو قاعات المحاكم.
ـ رجل الأمن : وحينما تكذب أيتركونك ؟
ـ الكاتب: نعم يا سيدي.. ألم تر- بعد- أن الكذب والنفاق أضحيا يسيران على قدميهما في شوارع وأزقة وقاعات الاجتماعات في الدول العربية والإسلامية..؟ وأن لا أحد تجرأ وقال للآخر: أنت كاذب ومنافق وانتهازي.
ــ رجل الأمن : إذا صرنا جميعا نكذب كيف يصبح الأمرإذن؟
ــ الكاتب: ساعتها نكون قد مهدنا السبيل لجيل جديد يسيرعكس اتجاهاتنا الفكرية وتوجهاتنا الانسانية.. فالتجربة علمتنا أننا كلما حاولنا غرس مباديء وطنية في نفوس ناشئتنا وإحياء أفكارقومية في أذهان أبنائنا.. وزرع قيم أخلاقية راقية، في بلادنا العربية والإسلامية.. كلما ازددنا بعدا عنها.
ــ رجل الأمن: وما الحل إذن ؟
الكاتب : الحل في هذه الحالة لابد من عودة الكاتب إلى وظيفته الحقيقية وهي الأمن االفعلي والدفاع عن الحياض الإسلامية ضد الهجمات الحضارية الأجنبية الهدامة.. فيصيررجل الأمن كاتبا.. أي كاتب مخالفات قانونية ومسجل شكاوى ومحررمحاضراستماع للمواطنين.
ــ رجل الأمن : يا صاحبي ..يبدوأنه معك حق.. فعلا ساعتها تصبح أنت رجل أمن الأمة الحقيقي..
أتحول أنا إلى كاتب ومحرر لمختلف المخالفات القانونية.. التي ساهمت أنت في صياغتها وتشريعها بفضل كتاباتك ومقترحاتك..
الكاتب: ذاك هوالواقع الموضوعي المفترض والواجب حدوثه.. وهو تفكيرسليم.. ومنطق صحيح.. لدى كل من ألقى السمع وهو شهيد
شكرا أخي ثامر