المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العربية والفارسية قرابة تحتاج إلى الوصل



رشيد يلوح
16/01/2010, 08:05 PM
يُشَبّهُ تاريخ التواصل الثقافي العربي الفارسي عادة بعلاقة حيوية تعيش حالة مد وجزر، بينما يعتبر البعد اللغوي السمة البارزة لهذه العلاقة، والمتتبع لوضعية انتقال المفردات بين العرب والفرس سيلاحظ حجم التداخل الحاصل بين الثقافتين، تداخل بدأت بوادره منذ الجاهلية، حيث لم يجد الشاعر الأعشى أي حرج في الترنم بألفاظ فارسية رقيقة في مجلس لهو وطرب، قال فيها:
لنا جلسان عندها وبنفسجٌ * وسِيْسَنْبَرٌ والمَرْزَجُوشُ مُنَمْنما
وقد شهدت الضفتين العربية والفارسية مناسبات كثيرة على مر تاريخيهما. نقل المؤرخ المسعودي في مروجه عن رحلات الفرس إلى بيت الله الحرام قبل الإسلام، وما ذكره ابن الأثير من دفاع الفرس عن عرب اليمن أمام هجمات الأحباش، وما تناقلته مصادر الأخبار القديمة من روايات تصف احتفاء ملوك الفرس وأمراءهم بخطباء العرب وشعراءهم، ويعتبر نموذج "بهرام جور" وهو أحد ملوك الساسانيين -آخر سلالة حكمت إيران قبيل الفتح الإسلامي- مثالا بارزا في تقدير الفرس للغة العربية واهتمامهم بها، فقد كان هذا الملك شغوفا باللغة العربية يتقنها وينشد بها الأشعار الحماسية.
ويذكر التاريخ أن الفارسية استقبلت لغة الفاتحين العرب واحتضنت بتدرج الكثير من خصائصها ابتداء من القرن الأول الهجري، إلى أن استغرب الجاحظ في القرن الثاني لقوة التزاوج الذي حصل في لسان القاص موسى بن يسار الأسواري حين وصفه قائلا: (كان من أعاجيب الدّنيا، كانت فصاحته بالفارسية في وزن فصاحته بالعربيّة، وكان يجلس في مجلسه المشهور به فيقعد العرب عن يمينه، والفرس عن يساره، فيقرأ الآية من كتاب اللّه‏ ويفسّرها للعرب بالعربيّة، ثمّ يحوّل وجهه إلى الفرس فيفسّرها لهم بالفارسية، فلا يُدرى بأيّ لسان هو أبين. واللغتان إذا التقتا في اللسان الواحد أدخلت كل واحدة منهما الضيم على صاحبتها، إلاّ ما رووا من لسان موسى بن يسار الأسواري)البيان والتبيين، 1 / 234.
وكانت الترجمة بين الثقافتين العربية والفارسية سوقا مزدهرة ونشيطة، في حين كان معظم أفراد الشعبين يتكلم أو يفهم لغة الآخر، ويعد ابن المقفع أول مترجم ترجم من الفارسية إلى العربية، إذ ترجم كليلة ودمنة واليتيمة والأدب الكبير والأدب الصغير وغيرها، أما الشاعر ناصر خسرو فقد سافر إلى فلسطين ومصر ومكة وإلى بلدان عربية أخرى، وكذلك سعدي الشيرازي وجلال الدين المولوي الرومي وحافظ الشيرازي وعبد الرحمن الجامي وغيرهم..ويستطيع القارئ أن يعثر بسهولة في آثارهم الشعرية والنثرية على مقتطفات باللغة العربية.
إلا أن الانكسار الذي أصاب الخلافة الإسلامية وألحق في مابعد خسارة بالغة بكل جوانب الحياة الإسلامية، جمد ذلك التواصل المعنوي، مما فتح الباب واسعا أمام أعداء الأمة لانتهاز الفرص والإمعان في تمزيق الجسد الواحد، ولاشك أن هذه المأساة التاريخية هي التي أفضت بالجارين الشقيقين العربي والفارسي إلى قطيعة ثقافية، أضحى كل واحد منهما في حاجة إلى وسيط أجنبي لتجاوزها. الوضع الذي يستحق بالضرورة اهتماما عاجلا وشاملا، يأتي على رأسه إيجاد أو بالأحرى إحياء ثقافة الترجمة بين العربية والفارسية.
شهدت بداية القرن العشرين انتشارا واسعا للأفكار القومية والوطنية، مما كرس القطيعة العربية الفارسية، نظرا للسياسات التي نهجتها الملكية الشاهنشاهية في إيران من جهة، ولاستبداد تلك الأفكار بعقول الكثير من المثقفين العرب، مما كرس في النهاية وضع القطيعة الثقافية العربية الفارسية، ورغم ذلك ترجم باحثون وشعراء عرب شذرات من الأدب الفارسي القديم، نذكر منهم بطرس البستاني وأحمد رامي والزهاوي وأحمد الصافي النجفي ومحمد الفراتي وعبد الوهاب عزام وإبراهيم الشواربي.
وفي دراسة أنجزها الباحث والمترجم الإيراني موسى بيدج ذكر أن أكثر من خمسة آلاف رواية ترجمت من الآداب العالمية إلى اللغة الفارسية خلال قرنين، لا تمثل فيها الروايات العربية في أحسن الأحوال سوى مائة رواية، مما يبين فداحة الخلل في ميزان الترجمة من العربية إلى الفارسية، ذلك أن القارئ الإيراني المعاصر لم يتعرف على الشعر العربي الحديث إلا من خلال ترجمات قليلة أنجزت في نهاية الستينيات من القرن الماضي، مع مترجمات لقصائد البياتي والفيتوري ومحمود درويش، إذ استقطبت روح النضال والثورة العربية اهتمام ومشاعر المترجم الإيراني.
وبعد انتصار الثورة في إيران استمرت الترجمة في عقد الثمانينات، فكان النصيب الأكبر من الجهد لصالح شعر المقاومة الفلسطينية، ولشعراء عرب سلكوا ذات المسلك، مما أتاح للقارئ الإيراني التعرف على أسماء جديدة أمثال سميح القاسم ومعين بسيسو ومحمد علي شمس الدين ومظفر النواب وأحمد مطر.
عرف العقد الأخير من القرن20 ضعف إنجذاب في إيران نحو شعر المقاومة، فظهرت ترجمات لقصائد تحكي عن الضائقة الإنسانية وعن الحب والحنان أو عن مشاعر صوفية، مما أفسح المجال لقصائد نزار قباني التي تصدرت قائمة الشعر العربي الحديث المنقول إلى الفارسية، حيث أشارت دراسة موسى بيدج إلى حوالي 14 ديوانا صدرت للقباني في سنوات قليلة، عشرة تشمل مختارات شعرية، والبقية تختص بكتاباته النثرية، بينما تحتل الشاعرة الكويتية سعاد الصباح المرتبة الثانية في القائمة، بعشرة دواوين شعرية مترجمة إلى الفارسية، منها المكرر بالطبع، وفي المرتبة الثالثة تأتي الشاعرة السورية غادة السمّان بخمس إصدارات، ثم أدونيس بأربعة كتب، وفي الأخير تأتي حصص الشعراء الآخرين بمجموع سبعين إصدارا شعريا.
وفي الأدب القصصي العربي الحديث المترجم الى الفارسية لايتجاوز عدد الأعمال المنجزة مائة كتاب، تقتصر على أربعة أسماء تستحوذ على غالبية العناوين وهي كالتالي: جرجي زيدان، غسان كنفاني، جبران خليل جبران، نجيب محفوظ، فالعقدين الخمسيني والستيني كانت الترجمة من العربية تدور حول الأعمال التاريخية أو ما شاكلها كأعمال جرجي زيدان، وفي العقدين السبعيني والثمانيني صارت أعمال الفلسطيني غسان كنفاني نظراً للمد الثوري في المجتمع الإيراني، هي المهيمنة على أجواء الترجمة القصصية من العربية. وبعد ذلك جاءت مرحلة أخرى تقاسمتها أعمال جبران ونجيب محفوظ. ويبقى جزء متواضع من القائمة مزعا كما يلي: (يوميات نائب في الأرياف-توفيق الحكيم)، (موسم الهجرة الى الشمال) و(عرس الزين) للطيب صالح، (أقدام حافية فوق البحر-إحسان عبدالقدوس)،( أرض النفاق-يوسف السباعي)، (رأيت رام الله-مريد البرغوثي)، (حب تحت المطر-كمال السيد)، (عكاز الأبنوس-فاطمة العلي)، ( يوميات مدينة حزينة-ليلى محمد صالح).
أما الأدب المسرحي العربي فلم يجد طريقه إلى اللغة الفارسية إلا نادراً، ويشبهه قليلا وضع ترجمة الدراسات الأدبية العربية، التي نذكر منها: (الأدب الحديث في فلسطين (1960 – 1860) - كامل السوافيري)، (مقدمة للشعر العربي- أدونيس)، (النقد العربي- شوقي ضيف)، (مصادر مسرح توفيق الحكيم- أحمد عثمان)، (تاريخ الأدب العربي- حنا الفاخوري)، (الأدب المقارن- طه ندا)، (الصورة الشعرية عند الجرجاني- كمال أبو ديب)، (فلسطين في الشعر العربي الحديث - خالد سليمان).
رغم كل التسهيلات التي تمنح للمترجم إلى اللغة الفارسية في إيران، وعدم توقيع طهران على اتفاقية الملكية الفكرية، لازال المترجم من العربية إلى الفارسية ضئيلا جدا بالمقارنة مع مايترجم من اللغات العالمية الأخرى إلى الفارسية، وكيف ما كان الحال، تشكل تلك الترجمات من العربية إنجازا كبيرا أمام ما ترجمه العرب من لغة أهل فارس، فإلى متى سينتظر القارئ العربي وصول قطار الثقافة الفارسية، التي لاتمثل في الحقيقة سوى الوجه الآخر لتاريخه.
رشيد يلوح
صحفي في جريدة العرب القطري

افتخار موسوي
18/02/2010, 04:01 PM
بکل تاکید للثقاف دورا هام للتواصل