د.محمد فتحي الحريري
17/01/2010, 01:13 PM
بين بشار بن برد وحمّاد عجرد
بقلم د. محمد فتحي راشد الحريري
كان بشار بن برد العقيلي( بالولاء ت167هـ=784م ) ابو معاذالأعمى شاعرا هجاءً خليعا خبيثا، بذيء اللسان سيء الطباع والمعتقد ، كأن لسانه أفعى في فمه، وكان فوق ذلك وفوق جرأته، شعوبيا يكره العرب متهما بالزندقة. اما عن طبعه فيمكن أن يثور لأقل الأسباب، وكان متبرما بالحياة والناس، ولم يترك بشار كبيرا ولا صغيرا من معاصريه إلا هجاه، ولم يتورع عن هجاء العلماء والفضلاء والوزراء بل روي أنه هجا الخليفة المهدي ذاته .
أما حَـمـَّـاد عجرد فمولى وشاعر مُجيد معاصر له،اسمه حماد بن عمر بن يونس السوائي الكوفي( ت161هـ=778م ) و عجرد شهرة حملها ، فقد روي أنه كان يلعب عُريانا مع صبية في يوم شديد البرد ، إذ مرّ بهم أعرابي فقال له : تعجردت يا غلام ؟! فأطلق عليه عجرد، والعجردة في اللغة، هي التعري ، يقال تعجرد الرجل إذا تعرى ، والعجرد : الذهب أيضا . وكان في الكوفة ثلاثة نفر شعراء يقال لهم الحمادون: حماد عجرد ، وحماد الراوية ، وحماد بن الزبرقان النحوي، ثلاثتهم كانوا يتنادمون على الشراب ، و يتعاشرون ويُتـَّهمون بالزندقة ! ومن اقذاع بشار قوله يهجو يعقوب بن داؤد وزير المهدي:
بني أميـة هبـوا طال نومكـم = إن الخليفة يعـقـوب ابن داؤدِ
ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا = خليفة الله بين الناي والعـودِ
وقوله في هجاء سيبويه العالم النحوي الشهير بسبب ما أخذه عليه في اللغة:
اسبويه يا بن الفارسية ما الذي=تحدثت عن شتمي وما كنت تنبذ
أظـلت تغني سادرا في مساءتي = وأمـك بالمصـرين تعطي وتأخذ
وهكذا أكثر بشار في الهجاء، حتى وقع على شاعر خليع ماجن من جنسه،وأشد منه فحشا في القول، ألا وهو حمّاد عجرد ، ويبدو أن بشار بن برد كان قد استثاره عندما هجاه قائلا:
نعــم الفتى لو كان يعبــد ربـه = ويقيــم وقت صلاته حمـادّ
وأبيض من شرب المدامة وجهه = وبياضه يوم الحساب سواد
فحمل حمّاد عجرد على بشار فأوجع، وهجاه فأقذع، وجعله يتجرع من الكأس المرة النتنة التي كان بشار يسقي الناس منها، بالحق حينا وبالباطل في معظم الأحيان. ولم يكن فيما هجا به حمّاد عجرد بشار بن برد أشدّ على بشار من قوله فيه:
ألا مـــن مبلـغ عنــ *****ـ ـي الذي والـده بُــــردُ
إذا ما نُســبَ النـاسُ***** فـلا قبـلُ ولا بعـــــــــدُ
ويـا أقبـــح من قـردٍ ***** إذا ما عـَمـي القــــردُ
دنيء لم يــرح يـومـا ***** إلى مجــدٍ ولم يـغــــدُ
وقـــولـــه:
ما صـــوّر الله شبـهـاً لــه = من كل من، من خلقـه صوّرا
أشبه بالخنـزير وجهـاً ولا = بالكلب أعـراقاً ولا مكسـرا
ولا رأينــــا أحـداً مثـلـه = أنجس أو أطـفس أو أقــذرا
لو طليــت جلدته عنـبـرا = لنتــنّت جلدتـه العـنـبــرا
أو طليـت مسكا ذكيــا، إذا تحـــول المسك عليـه خـــرا
ويروى أن بشاراً أبكاه هذا القول، أكثر من كل هجاءٍ سبقه, ولما سألوه عن سبب بكائه, أجاب : يراني فيصفني وأنا لا أراه فأصفه.لكن بشارا– وإن رفع الراية البيضاء أمام حماد عجرد – لم ينته عن هجاء للناس والتطاول عليهم ، بل والجرأة على تعاليم الدين ، وما لبث أن سيق بشار إلى حتفه بلسانه. وكان حماد عجرد قد مات قبله بست ....وقد روي أنه حين مات حماد عجرد دفن على تلعة ، وقتل الخليفةبشارا ، فدفن على تلك التلعة ، فمر بقبريهما أبو هاشم الباهلي ، الشاعر البصري الذي كان يهاجي بشارا، فانشد :
قد تبــع الأعمى قفا عجرد = فأصبحا جــارين في دار ِ
تجــاورا بعــد تنائيهمــا = ما أبغض الجار الى الجار ِ
صاروا جميعا في يدي مالكٍ = في النار والكافر في النار ِ
للابيات بيت خامس بعد الاخير
آثرنا ان نعرض عنه فلا نذكره بسبب قافيته السيئة
وهي من مآثر حـمّـــــــــــــــــــاد وطفاسته !!!
مراجع البحث :
وفيات الاعيان1/88 +1/165والشعر والشعراء291 و302 ووالاغاني3/135 و6/242 ونكت الهميان للصفدي125 وتاريخ بغداد 7/112 +8/148
وينظر لسان الميزان2/349 وحماد قتل غيلة بالاهواز ، اما بشار فقتله الخليفة المهدي وقبراهما متجاوران كما اشرنا .
بقلم د. محمد فتحي راشد الحريري
كان بشار بن برد العقيلي( بالولاء ت167هـ=784م ) ابو معاذالأعمى شاعرا هجاءً خليعا خبيثا، بذيء اللسان سيء الطباع والمعتقد ، كأن لسانه أفعى في فمه، وكان فوق ذلك وفوق جرأته، شعوبيا يكره العرب متهما بالزندقة. اما عن طبعه فيمكن أن يثور لأقل الأسباب، وكان متبرما بالحياة والناس، ولم يترك بشار كبيرا ولا صغيرا من معاصريه إلا هجاه، ولم يتورع عن هجاء العلماء والفضلاء والوزراء بل روي أنه هجا الخليفة المهدي ذاته .
أما حَـمـَّـاد عجرد فمولى وشاعر مُجيد معاصر له،اسمه حماد بن عمر بن يونس السوائي الكوفي( ت161هـ=778م ) و عجرد شهرة حملها ، فقد روي أنه كان يلعب عُريانا مع صبية في يوم شديد البرد ، إذ مرّ بهم أعرابي فقال له : تعجردت يا غلام ؟! فأطلق عليه عجرد، والعجردة في اللغة، هي التعري ، يقال تعجرد الرجل إذا تعرى ، والعجرد : الذهب أيضا . وكان في الكوفة ثلاثة نفر شعراء يقال لهم الحمادون: حماد عجرد ، وحماد الراوية ، وحماد بن الزبرقان النحوي، ثلاثتهم كانوا يتنادمون على الشراب ، و يتعاشرون ويُتـَّهمون بالزندقة ! ومن اقذاع بشار قوله يهجو يعقوب بن داؤد وزير المهدي:
بني أميـة هبـوا طال نومكـم = إن الخليفة يعـقـوب ابن داؤدِ
ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا = خليفة الله بين الناي والعـودِ
وقوله في هجاء سيبويه العالم النحوي الشهير بسبب ما أخذه عليه في اللغة:
اسبويه يا بن الفارسية ما الذي=تحدثت عن شتمي وما كنت تنبذ
أظـلت تغني سادرا في مساءتي = وأمـك بالمصـرين تعطي وتأخذ
وهكذا أكثر بشار في الهجاء، حتى وقع على شاعر خليع ماجن من جنسه،وأشد منه فحشا في القول، ألا وهو حمّاد عجرد ، ويبدو أن بشار بن برد كان قد استثاره عندما هجاه قائلا:
نعــم الفتى لو كان يعبــد ربـه = ويقيــم وقت صلاته حمـادّ
وأبيض من شرب المدامة وجهه = وبياضه يوم الحساب سواد
فحمل حمّاد عجرد على بشار فأوجع، وهجاه فأقذع، وجعله يتجرع من الكأس المرة النتنة التي كان بشار يسقي الناس منها، بالحق حينا وبالباطل في معظم الأحيان. ولم يكن فيما هجا به حمّاد عجرد بشار بن برد أشدّ على بشار من قوله فيه:
ألا مـــن مبلـغ عنــ *****ـ ـي الذي والـده بُــــردُ
إذا ما نُســبَ النـاسُ***** فـلا قبـلُ ولا بعـــــــــدُ
ويـا أقبـــح من قـردٍ ***** إذا ما عـَمـي القــــردُ
دنيء لم يــرح يـومـا ***** إلى مجــدٍ ولم يـغــــدُ
وقـــولـــه:
ما صـــوّر الله شبـهـاً لــه = من كل من، من خلقـه صوّرا
أشبه بالخنـزير وجهـاً ولا = بالكلب أعـراقاً ولا مكسـرا
ولا رأينــــا أحـداً مثـلـه = أنجس أو أطـفس أو أقــذرا
لو طليــت جلدته عنـبـرا = لنتــنّت جلدتـه العـنـبــرا
أو طليـت مسكا ذكيــا، إذا تحـــول المسك عليـه خـــرا
ويروى أن بشاراً أبكاه هذا القول، أكثر من كل هجاءٍ سبقه, ولما سألوه عن سبب بكائه, أجاب : يراني فيصفني وأنا لا أراه فأصفه.لكن بشارا– وإن رفع الراية البيضاء أمام حماد عجرد – لم ينته عن هجاء للناس والتطاول عليهم ، بل والجرأة على تعاليم الدين ، وما لبث أن سيق بشار إلى حتفه بلسانه. وكان حماد عجرد قد مات قبله بست ....وقد روي أنه حين مات حماد عجرد دفن على تلعة ، وقتل الخليفةبشارا ، فدفن على تلك التلعة ، فمر بقبريهما أبو هاشم الباهلي ، الشاعر البصري الذي كان يهاجي بشارا، فانشد :
قد تبــع الأعمى قفا عجرد = فأصبحا جــارين في دار ِ
تجــاورا بعــد تنائيهمــا = ما أبغض الجار الى الجار ِ
صاروا جميعا في يدي مالكٍ = في النار والكافر في النار ِ
للابيات بيت خامس بعد الاخير
آثرنا ان نعرض عنه فلا نذكره بسبب قافيته السيئة
وهي من مآثر حـمّـــــــــــــــــــاد وطفاسته !!!
مراجع البحث :
وفيات الاعيان1/88 +1/165والشعر والشعراء291 و302 ووالاغاني3/135 و6/242 ونكت الهميان للصفدي125 وتاريخ بغداد 7/112 +8/148
وينظر لسان الميزان2/349 وحماد قتل غيلة بالاهواز ، اما بشار فقتله الخليفة المهدي وقبراهما متجاوران كما اشرنا .