المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : انــتــظـــار



محمد المهدي السقال
12/10/2006, 03:02 AM
قصة قصيرة

أبي زوجته و أنا


تمتد خيوط الفجر المتباعدة , نابعة من مدى أفق كليح بلون التراب , تنسج بساطَ ضوءٍ باهتٍ فوق وجه دربنا المتعب الجنبات ,
يطلُّ يوم آخر , فلا نعدُّه إلاّ فضلاً من الله ,
أما العبد فلا فضل له , يحسن لعبة التستر على تشفِّيه بما نحن فيه من ضيق العيش وسوء الحال ,
نسميه أيضا العبد مثقوب" الودنين " , لأنه كان من أولياء نعمة الصفوة في سوق النخاسة ,
رغم عملية التجميل , ظلت أذنه اليمنى محتفظة بعلامة العبيد , بالإجماع , نحن رعية لا تنتج غير النفايات السامة ,
تتحدث التقارير عن إتقاننا لعبة التناسل في مختبرات البطالة المقنعة , نملأ البطون بما تيسر لإقامة الأوَد ,
ثم نعمد للتفريغ خلسة من عيون العسس في الليل ,
كم تفضحنا هذه الأكياس البلاستيكية السوداء , حين تمزقها قطط وكلاب هاربة من أحياء الناس الكبار ,
تتلقف أيدي عمال النظافة من القطاع الخاص مخلفاتِهم , قبل أن يرتد إلى الخدم طرفهم في وضح النهار ,
صارتْ تألف ساعة تسلل النسوة في جنح الظلام ,
يُـرْكِـنَّ الزبل في زاوية ضيقة,
يأتون أفواجا يسبقهم مواء التعرف على رائحة بقايا السردين ,
أما الكلاب فلا تَسمعُ لها نُباحَ تَشَمُّمِ عَظْمٍ أوْ شَحْمٍ ,
يعبثون بأظافرهم في أكياس نتِنَة ,
وجه الحي لوحة فلكلورية بألوان قشور الخضر الموسمية .
كَمْ ظلَّ أبي يُنكِر عليَّ الشَّكْوَى من شماتة زوجته به ,
حين يسألها عن تأخرها , كلما نزلت مثل باقي النساء لرمي الكيس اليومي ,
تحرك كتفيها منسحبة إلى الفراش , تلتقي نظراتنا , أسبقه إلى التظاهر بالانشغال عن حركتها ,
يعرف شباب الحي أن عيونها خضراء ,
ويعرف أبي أنها مهيأة للزيغ مع أقرب عابر سبيل ,
بيني وبين نفسي ,
كنت أجد لها ألف عذر للبحث عن أنوثتها الطافحة , فعلاً , كانت جميلة حتى في هزئها مني بنظراتها الجارحة ,
لا شك أنه في سره لا يتوقف عن لعن خالتي " الضاوية ",
أوهَمَتْهُ باستمرار رجولته في سن الخامسة والستين , فقبل الزواج على أمي ولم يمرَّ على وفاتها سوى عام أو أقله ,
أحسَنَ عملاً باشتراط دخولها البيتَ ساكتةً من غير " هيللة ",
في الحي لا يشار إليها إلا بِ " مْرَاتْ الشيباني " ,
لم يكن يتقزز من الوصف في الظاهر ,
هل كان يشعر بحقيقة عجزه عن مجاراة فتوتها ,
لا يتجاوز البيت مساحة الأربعين مترا ,
مرحاض بالكاد تستقيم فيه على ركبتيك طولا وعرضا بعد إغلاق الباب من الخلف ,
غرفة أبي لم تعد غرفة أمي أدخلها متى أشاء ,
يفصلني عنها في النوم جدار لا يمنع من تسمع أدنى تنفس طبيعي في الليل , ناهيك عن تنهد أو شخير ,
أما المطبخ , فإنه يحتل أخطر موقع ,
لا يمكن للعابر إليه أن يمر في غفلة عن العيون ,
كما لا يمكن للخارج منه أن يمر دون انفتاح بصره على خدر زوجة أبي , وتلك حكاية أخرى ,
أنزل مبكراً بحثاً عن مورد لاستنشاق الدخان ,
وحده يفتح عيني إلى حين , يشدني إلى الأرض ,
فلا يأخذني التيه إلى الحلم أبعد من أنفي ,
حين أفتقد مقدار حاجتي للسكينة في الصباح ,
يأخذ صدري في الاهتزاز مترنحاً يلعن الفراغ , ثم يُسمع صوتي منكراً ظلم الناس بغير ما أنزل الله من سلطان ,
تتسع مساحة الضوء , فتتكشف وضعية حيِّنا البئيس من الشمال إلى الجنوب ,
أكثر من خمسين عاماً مرت ,
تناوب خلالها خمسة برلمانيين بألوان الطيف من اليمين إلى اليسار , كلهم وعدوا و أخلفوا الوعد بتحويل مجرى الوادي الحار , ليصب في النهر , بدل الانفجار في كل موسم إمطار, عيوناً تفيض بكل الروائح الكريهة في فناءات البيوت المترهلة ,
مازال الناس نائمين من تعب أرَّقهم حتى الهزيع الأخير من الليل ,
لو كان ينتظرهم عمل لرأيتهم يبكرون قبل الطيور ,
نفس العبارة التي يستدرك بها أبي فيرددها , كلما نعى على الساكنة خلودها إلى الفراش حتى بعد مطلع الشمس ,
سندت ظهري للجدار , في انتظار التحاق رفقة السوء , كما كانت تصف الجماعةَ زوجةُ أبي ,
تحسست مؤخرتي خفية للتأكد من توقف سيلان " البواسير " ,
أجد راحتي في الوقوف بدل الجلوس , لا يحس بألم القعود غير المحكوم بالانتظار مثلي خمسة أعوام خلت ,
وحده الله يعلم كم سيمكث بي المقام جنب هذا الجدار , أتابع ما سيصبح عليه الحي على مر الفصول .

******

محمد المهدي السقال

الشربينى خطاب
20/09/2009, 04:34 PM
الأستاذ الفاضل / محمد المهدي السقال
عيد مبارك
للنص عنوانان " انتظار " و
" أبي زوجته وأنا " ، ما علاقتهما بالنص ؟
هذا ما سوف نحاول قراءته

مصطفى تاج
21/09/2009, 12:09 AM
هي قصة المعاناة و الانتظار و الانكسار...اظنها ماخوذة من رواية طويلة...هل هي فعلا كذلك؟
لا اعرف لماذا يجد الكاتب شهواته في الكتابة عن احداث بئيسة؟عن احداث هامشية؟ عن مراجعات لحياة فقيرة؟
اليس الفقر يتبعنا الى الاوراق ايظا؟هل كتب لنا ان نعيش الفقر و نشتهي الهرب منه لنجده في صفحات الكتب؟
اما انت استاذ محمد المدي فلك جزيل الشكر على الكلمة...على التعبير...فجمالية النص ثابتة.
مودة لا تشيخ