د- صلاح الدين محمد ابوالرب
22/02/2007, 10:03 PM
إكرام الميت دفنــه
لم يغادر الأربعينات من عمره، قوي الجسم، في قمة عطائه، رسم الزمن على جبهته خطوطاً عميقة،بعمق المعاناة التى مرت عليه . معاناة تدل عليهاعيونه الحائرة، ودمعته الحزينة..وتمتد يد طفل صغير( سليم) إبن السادسة، ترتجف بشدة وهي تحتضن يد والده .. وصوته الباكي يسأل عن أمه... يلتفت الطفل يميناً ويساراً ..يبحث عنها..
منظر غريب استرعى انتباه الجميع في صالة المغادرين في المطار، ويجر الرجل الطفل الصغير ، وهو يسب ويلعن الظروف.. والدموع تنهمر من عينيه، يسحبه إلى الأمام ..وينظر إلى ذلك الرجل الذي يتابعه ببذلته الرسمية الزرقاء، يرافقه كظله كانه مجرم مطارد ، او مجنون يخشون على الناس من ثورته .
وفي كل الاحوال هو ممنوع من الحراك الا كما يريد الشرطى الذى يخاف أن يهرب منه.
كل العيون في صالة المطار تنظر إليه بإستغراب، لا يعرفون الحقيقة انه ليس مجرماً، إنه فقط يحمل وثيقة سفر، وليس جوازاً .. وثيقة هذه تهمته ،عندما تنتهي صلاحية الوثيقة يصبح حاملها عبئاً يجب التخلص منه.
ويصل أبو سليم إلى الشباك، ويسلم العسكري وثيقة سفره وأوراقه ..وعليها الختم الكبير"إبعاد ..إقامة غير قانونية".
ما زال الطفل يبكي باحثاً عن أمه .. الكل متضايق من صوته ... وأين أمه ؟!
فيرد المبعد الحزين : " أمه معها جواز سفر، وقد أبعدت إلى بلادها، أما أ نا والطفل فلدينا وثيقة سفر منتهية المفعول.. وسنبعد إلى المجهول..".
ويصرخ الولد من جديد: " أبي ..أبي.. أريد شيبس ..أريد الحمام ...أمي ...أمي.."....ويعود للبكاء، وتثور أعصاب الجالس خلف الشباك، فيختم الأوراق بسرعة ليتخلص من هذا الإزعاج.
يجر أبو سليم ولده، مختفياً بين الناس إلى المجهول، ويبقى صوت سليم يرن في الصالة.
في اليوم التالي، وفي صالة الوصول لنفس المطار، تثور زوبعة من الهرج والمرج، حول راكب وابنه....وجمهرة من حولهما تتساءل وتستفسر عنهما .. والأب في حالة ذهول، لا يدري أين يذهب، أو أين تقوده قدماه، ويده ممدودة بأوراق كلما قدمها لأحدهم أشار له إلى مكان آخر... الطفل يمسك بطرف بنطال والده، تارة يلهو ويلعب فرحاً، وتارة يصرخ ويبكي تعباً وألماً.أبو سليم يزداد تعباً وحيرة، فلا هو لاجيْ أو مهاجر ولا هو مبعد أو مطرود..
هو ببساطة شخص بلا وثيقة، ترفض أي جهة أن تستقبله. بدا يبكي على نفسه وعلى ولده...
ويترنح الأب، ويفتح فمه بشدة..يحاول ان يقول شيئا.. يمد الرجل يده لصدره..يتحسس الالم اذي بدأ يتسلل له ..وتفقد يده تماسكها شيئاً فشيئاً، وهو ينظر بعين كادت تفقد بصرها، إلى من حوله.. إلى الناس...وإلى طفله الذي يصرخ : "أبي ..أبي..أمي ..أبي..أمي..أبي"
وينظر أبو سليم إلى الموظف الجالس
خلف الشباك، وقد غطى العرق وجهه المرتبك ، وأخذ يصرخ طالباً الإسعاف. وحضر المسعفون...
هجم رجال الاسعاف ، كل يحمل اداته بيده ،هذا مسك يد الرجل، وذاك ينظر في وجهه واخر يفحص صدره، يحاولون إسعافه...ولكنه .. فقد آخر إتصال له مع الدنيا ... مات
حمل رجال الاسعاف الجثمان باحترام لم ينعم بمثله في حياته ...وضعوه على النقالة ... انهم يبعدون الطفل الذي يصرخ... ويتحركون للأمام، فيقف الموظف الجالس خلف الشباك وينادي عليهم : " والطفل"؟!.
فيجيبه أحدهم: سيدى هذا الرجل توفي و يجب نقله فوراً ..نحن لا علاقةلنامع
هذا الطفل ........وسار وسط الزحام.
ومنن بين صرخات الطفل التائه .. يحمل المسعف مع زملائه بوقار، النعش الذي وجد له أخيرا مستقرا وبيتا لايحركه احد منه وظل رجل الاسعاف يكرر ...
" إكرام الميت دفنه ...".
لم يغادر الأربعينات من عمره، قوي الجسم، في قمة عطائه، رسم الزمن على جبهته خطوطاً عميقة،بعمق المعاناة التى مرت عليه . معاناة تدل عليهاعيونه الحائرة، ودمعته الحزينة..وتمتد يد طفل صغير( سليم) إبن السادسة، ترتجف بشدة وهي تحتضن يد والده .. وصوته الباكي يسأل عن أمه... يلتفت الطفل يميناً ويساراً ..يبحث عنها..
منظر غريب استرعى انتباه الجميع في صالة المغادرين في المطار، ويجر الرجل الطفل الصغير ، وهو يسب ويلعن الظروف.. والدموع تنهمر من عينيه، يسحبه إلى الأمام ..وينظر إلى ذلك الرجل الذي يتابعه ببذلته الرسمية الزرقاء، يرافقه كظله كانه مجرم مطارد ، او مجنون يخشون على الناس من ثورته .
وفي كل الاحوال هو ممنوع من الحراك الا كما يريد الشرطى الذى يخاف أن يهرب منه.
كل العيون في صالة المطار تنظر إليه بإستغراب، لا يعرفون الحقيقة انه ليس مجرماً، إنه فقط يحمل وثيقة سفر، وليس جوازاً .. وثيقة هذه تهمته ،عندما تنتهي صلاحية الوثيقة يصبح حاملها عبئاً يجب التخلص منه.
ويصل أبو سليم إلى الشباك، ويسلم العسكري وثيقة سفره وأوراقه ..وعليها الختم الكبير"إبعاد ..إقامة غير قانونية".
ما زال الطفل يبكي باحثاً عن أمه .. الكل متضايق من صوته ... وأين أمه ؟!
فيرد المبعد الحزين : " أمه معها جواز سفر، وقد أبعدت إلى بلادها، أما أ نا والطفل فلدينا وثيقة سفر منتهية المفعول.. وسنبعد إلى المجهول..".
ويصرخ الولد من جديد: " أبي ..أبي.. أريد شيبس ..أريد الحمام ...أمي ...أمي.."....ويعود للبكاء، وتثور أعصاب الجالس خلف الشباك، فيختم الأوراق بسرعة ليتخلص من هذا الإزعاج.
يجر أبو سليم ولده، مختفياً بين الناس إلى المجهول، ويبقى صوت سليم يرن في الصالة.
في اليوم التالي، وفي صالة الوصول لنفس المطار، تثور زوبعة من الهرج والمرج، حول راكب وابنه....وجمهرة من حولهما تتساءل وتستفسر عنهما .. والأب في حالة ذهول، لا يدري أين يذهب، أو أين تقوده قدماه، ويده ممدودة بأوراق كلما قدمها لأحدهم أشار له إلى مكان آخر... الطفل يمسك بطرف بنطال والده، تارة يلهو ويلعب فرحاً، وتارة يصرخ ويبكي تعباً وألماً.أبو سليم يزداد تعباً وحيرة، فلا هو لاجيْ أو مهاجر ولا هو مبعد أو مطرود..
هو ببساطة شخص بلا وثيقة، ترفض أي جهة أن تستقبله. بدا يبكي على نفسه وعلى ولده...
ويترنح الأب، ويفتح فمه بشدة..يحاول ان يقول شيئا.. يمد الرجل يده لصدره..يتحسس الالم اذي بدأ يتسلل له ..وتفقد يده تماسكها شيئاً فشيئاً، وهو ينظر بعين كادت تفقد بصرها، إلى من حوله.. إلى الناس...وإلى طفله الذي يصرخ : "أبي ..أبي..أمي ..أبي..أمي..أبي"
وينظر أبو سليم إلى الموظف الجالس
خلف الشباك، وقد غطى العرق وجهه المرتبك ، وأخذ يصرخ طالباً الإسعاف. وحضر المسعفون...
هجم رجال الاسعاف ، كل يحمل اداته بيده ،هذا مسك يد الرجل، وذاك ينظر في وجهه واخر يفحص صدره، يحاولون إسعافه...ولكنه .. فقد آخر إتصال له مع الدنيا ... مات
حمل رجال الاسعاف الجثمان باحترام لم ينعم بمثله في حياته ...وضعوه على النقالة ... انهم يبعدون الطفل الذي يصرخ... ويتحركون للأمام، فيقف الموظف الجالس خلف الشباك وينادي عليهم : " والطفل"؟!.
فيجيبه أحدهم: سيدى هذا الرجل توفي و يجب نقله فوراً ..نحن لا علاقةلنامع
هذا الطفل ........وسار وسط الزحام.
ومنن بين صرخات الطفل التائه .. يحمل المسعف مع زملائه بوقار، النعش الذي وجد له أخيرا مستقرا وبيتا لايحركه احد منه وظل رجل الاسعاف يكرر ...
" إكرام الميت دفنه ...".