المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حـلقة جـديد من مـسـلسـل الـدكـتور صـابر / الحلقة 7



الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
28/01/2010, 05:21 PM
مـسلـسل الدكتور صابر / الحلقة 7

وصل صابر الى مدينة موسكو بعد غيبة طويلة عن زملاء الدراسة دام أكثرمن شهر، وقد رحب به الجميع ، إلا أنه لمس فتوراً في عواطف زميلته ،.. متذرعة بإلحاح والدتها بوضع حدّ لعلاقتها به ,... ولا بُـدً من اعلان زواجه منها فقد طالت فترة الخطوبة، وهي تخاف من أن يفوتها القطار وتصبح (عانـس), ويخفت جمالها، ثم يتركها ويسافر لوطنه من دون عودة بعد إكمال دراسته!
برزت هذه المخاوف عند زميلة صابر, وبدأ يحسها بشكل واضح كلما تقرب منها ، وهو الذي طالما أكد لها واقع حياته معها، وقد قبلت بذلك واستمرت معه وهي راضية، فما الذي حدث بعد تغيبه شهراً واحداً؟... لا بد أن تكون قد تمادت في إخلاصها فالمثل
في روسيا يقول: " أن المرأة كالحساء الساخن ,... طيباً في حينه، ... وإذا ما تركته
فسوف يتفسخ ويفقد طعمه,... أو ربما يكون ساماً" !
. بدأ "صابر" بالحذرمن علاقته مع تلك الصبية (وبدأ الفار يلعب بعبَّه), أو قل بدأت بذرة الشَّك القاتلة للحب تنمو رويداً, وتكررالكذب وإلغاء المواعيد والبرود في اللقاء،... إلى أن اتصل بها في أحد الأيام واعتذرت لمرضها، وعدم تمكنها من مغادرة البيت ! ولكن حاسة الحدس عند صابر بين له كذبها، وخرج مُسرعاً ليقف لها قرب دارها في ساعة متأخرة من الليل وبعد برهة من الزمن هبطت من التكسي , فحدقها ومضى , فهلعت وركضت وراءه ، إلا أنه لم يعرها أهمية وعاد إلى سكنه !
لم ينم ليلته ,.. وهكذا وجد "صابر" المبرر لترك تلك الفتاة التي طالما حاول تركها، والآن تم له ما أراد ,... وطِلعَتْ مِنَكْ يا جامع!!
اشترى صابرفي الثامن من مارت سنة 1963، من الِرينًَكْ ( أي السوق الشعبي ), " باقة "من الورد لإهدائها إلى مدرسة اللغة الروسية، بمناسبة عيد المرأة العالمي ,الذي يعتبرمن الأعياد المهمة بالنسبة للمرأة السوفيتية آنذاك, وبالصدفة التقى في مصعد البناية الرئـيـس لجامعة موسكومع طالبة روسـية في مـقـتبل العمر لفتت نظره, ... فأبتسم لها وحياها بتحية الصباح ثم هنئها بعيد المرأة..، فردت التحية بأحسن منها, ثـم حـدقت في باقـة الورد بتعجب لجمال الـزهوروندرتها في مثل هذا الموسـم من السنة، حيث طقـس موسكو مازال شتوياً , ولذا تستورد الزهورمن اقـطارالأتحاد السوفيتي الجنوبية في مثل تلك المناسبات،.. وقد شـعـر صابربنوع من الإعجاب بتلك الصبية الوردة,... فتشجع و قطف زهرة جميلة من الباقة وقدمها لها معيداً كلمات التهنئة المعتادة بتلك المناسبة،... فشكرته الفتاة مع ابتسامة معبرة ردت له اعتبارات دفينة اوقـل مـطمـورة لم تكن على البال البته !... وشعربمودة لها وكأنه على معرفة مـســبقـة معها !
تشجع صابر وعجًت به رياح الشباب واقتحم حاجزالخوف الذي تغلغل في اضلعه منذ ايام الطفولة عندما كان يزجرمن اللعب اوالتحدث مع الأنثى ,.. وهكذا جمع طاقته وفي الحال طلب منها عنوانها ! ... , الا انها اعتذرت بكل أدب, وتقبل عذرها, وأعلمته سبب وجودها وقالت: انها موظفة في قسم العلاقات الجامعية في الطابق الثالث من هذا المبنى الرئيس للجامعة, تعمل فيهحتى منتصف النهار, وبنفس الوقت فأنها طالبة تدرس اللغة الفرنسية والموسيقى في قـسم اللغات الأجنبية هنا حتى الخامسة عصراً !
فرح صابرلهذه النتيجة, فمن المحتمل رؤيتها كل يوم طالما هو واياها يدرسان بنفس البناية في الجامعة,..ونظراً لقرب موعد محاضرته, ودعها بكل حرارة, وكله أمل باللقاء معها مرة ثانية,.. وفعلاً ,...وفي اليوم التالي , يشاء القدر ان يـسـعده ويلتقي معها وجهاً
ً لوجه,.. ويتبادلان التحية بفرحة عارمة ، وسارا معاً باتجاه المصعد، ويتحدثان بأحاديث عامة وعن الصحـة والدراسـة، وقد غمرتهما الفـرحة وشكرته بأطناب لأهدائها زهرة بعيد المرأة العالمي،...ثم استفسرت منه عن هويته ومن اي قطرهو؟ وسيرة وافتحت!
طلب مني صابر ان لا اتهمه بالمبالغة ,..ان سـرد لي جوانباً مما حدث له مع تلك اليمامة,.. ولا يدري ليومنا هذا هل الذي حدث صدفة أم هو القدرالرباني ؟... فقد تكرر اللقاء بنفس المكان والوقت للمرة الثالثة صـدفة ,..كما قال الشاعر:
دع كل شـيئ للصدف كم صدفة جلبت لنا شـيئاً تُـحًـف
شـعرصابر في هذا اللقاء المستعجل , برغبتها بتوطيد علاقتها معه , فطلبت منه رقم تلفونه,.. وودعدته بعجل على أمـل الأتصال به هاتفياً وفق الوقت المناسب لها !
تكرر اللقاء كلما اتيحت لهما الفرص, وتناولا معاً وجبات سريعة من الأكل, وتسامرا وهما يتسكعان في حدائق الجامعة بعيداً عن عيون الطلبة,.. وصار يودعها لغاية باب الحافلة عند عودتها الى بيتها بعد نهاية كل دوام مساءاً,الى ان صار يوصلها قرب بيتها!
زاد اعـجاب صابربتلك الفتاة, وعـرفته بأسمها, (..... ) وعمرها (18 سنة) وان والدها يشـغـل منصب عسكري سـري ومهمّ في الدولة, لم تبوح به,.. ولذلك لم ترغب التعرف وتكوين علاقة علنية مع اي شاب اجنبي , حيث مازالت سياسة الستارالحديدي راسـخة في ذهن المجتمع , منذ العهد الأسـتاليني , الذي طوق به اقطار الأتحاد السوفيتي بعد وفاة مؤسس النظام الشـيوعي" الرفيق لينين", ولم تتحررالشبيبة السوفيتية الا في عهد الرفيق نيكيتا خروشوف ,.. ولهذا طلبت من صابر ان يلتقي معها سـراً,..ولا يتكلم معها عندما يوصلها بعض الأحيان الى بيتها لغاية مشارف حارتها !
ترسخت علاقة صابر بهذه الصبية, ولمـس تعلقها به بشكل مقارب لعـشـق مراهقة , ولم يخفي صابر اعجابه بها ,.. وهكذا وبمرورالأيام انكشف المستوروصارت علاقتهما واضحة امام الجميع , وتكررت زيارتها له في سكنه داخل الجامعة, وطابت لها الأكلات العراقية التي كان يجيد صابرطبخها ,.. وعندما يأتي المساء يخرج لأيصالها لغاية سكنها في"بروسبكـت مير", اي شـارع السـلام , والذي لا يبعد كثيراً عن جامعة موسكو.
لفتت هذه الصبية انظار بعض زملاء صابر, وحدثه بعضهم عنها ولم يدرون انها في علاقة معمقة معه,...ثم شاعـت علاقـتة بتلك (اليمامة), وتعجب الكثيرمن العراقيين الذين يعرفون تخوف صابرحتى من الكلام مع اي أمرأة !...واستغربوا من مقدرته بصيد تلك اليمامة التي فشل بصيدها آخرون ,.. وحتى صابر لم يدرك والى يومنا كيف تولعت به واحبته بأحساس صادق , فهي لا تشـبه غيرها من الطالبات المتحررات اللاهفات وراء الأجانب من اجل الأبتزاز المادي والحصول على الكماليات النادرة في آنذاك , حتى بات عاراً على كل فتاة روسـية اذا ما ارتبطت بأجنبي , يقولون لها الروس انها تلهف وراء
( التريابجكي), اي الملابس البالية والكماليات التافهة , كما ان الطلبة الأجانب اكتسبوا خبرة بالتمييز بين تلك النوعيات من الصبايا وبين اللواتي يتوشـحن بخلق راقي , وبعد ايام اتضح لصابر معدن تلك الفتاة , واجتازت الأختبار, واحتضنها بأخلاص مفتخراً بها امام كل معارفه, غير مبالي لكل المُثل التي كان ينصح بها غيره,... بعدم تكوين علاقة معمقة مع اي فتاة اجنبية , ولا الزواج حتى اكـتمال الدراسـة, ونـصـح من تورط بعلاقة معمقة ان يكون كالبلبل, ينقر الجيد من التمورنقرة طفيفة , ثم يترك المكان للـتـفـتـيـش عن تمرة من نخلة اخرى, وبهذا لا يـصـاب بـمـرض العـشـق,..كما قال شاعر عراقي:
ما أريد تـمـر الطوش *** كـنـطـار أد ور
لو أريد أحمل أعدول *** مـن هـل التخـور!
الا ان صابرمثل" ابن الراوندي", يعلم على الصلاة ولا يصلي ,.. فكم من مرة هاجم زملاء ه لمجرد تفكيرهم بالزواج من اجنبية, واذا به الآن لم يكترث لما يدور حوله مـن أحاديث المغرضين خلف الكواليس , واعطى لهم الأذن الطرشة,.. فقد هيمنت عليه تلك اليمامة واصبح اعمى سائراً بطريق مظلم , ومـرت الأيام وتكاثرت عليه السكاكين من جهات عديدة تطلب منه ترك اليمامة حتى لا يتعرض للمشاكل من والدها المتنفذ, قد تؤدي الى طرده من الجامعة وتسفيره الى بلده , حيث سيصيبه الضررمن علاقة ابنته بشاب اجنبي ,...لم يهتم صابرللتهديدات, واستمربعناده المعروف بصلادة ,.. وقال لكل معترض:" انني لن اترك أنـسـانة تعلقت بي طالما هي راضية ومقتنعة بصداقتي", واكد لهم عدم تجاوزه الخط الأحمر, .. كما انها أكدت له مـراراً بعدم الـسـماح لأي مخلوق بالأقــتـراب منها, الا بعد ان يعـقـد قرانه عليها من جهة شـرعية اوحكومية !
أسـتمرت علاقة صابر بتلك الصبية ما يقارب الثلاثة أشـهر, بين مـد وجزر, او قل في صـراع بين ضغط والديها بتركها وبين مشاعـرها المتأججة نحوه, والتي اوقدت نارعشـق لم يعرفه قبلاً , .. ولذا صاريعاملها بطيبة واحترام متناهيان بعيداً عن كل ماهو مبتذل ورخيص لأثارة عواطفها ,..واعتبرها وديعة عنده, ...كما غنت المطربة فيروز:
" زهرة بأديك أوعً تعطيها لـحـدا ! "
وفي شهرمنتصف مايس (مارت),1963، طلب والد اليمامة مقابلـة صابرفي غرفته بجامعة موسـكو,..وتم اللقاء في الموعد المحدد, .. فقد كان الأب في مقتبل العمرويرتدي بدلة انيقة ً زادت من وسـامته , وكان بسـحنة روسـية واضحة المعالم وابتسامة لـم تفارق شـفتيه, ودار بينهم حديثاً متزناً بكل احترام ، وراح يمتدح الحضارة العربية,...وتبين من سجاله مع صابر انه ملم بتاريخ المنطقة السياسي والصراع العربي الصهيوني ,... ونوه بكلمات مبهمة عن احتمال اشتعال حرباً بين العراق وايران !,..لم يستوعب صابرمنطق ضيفه ولم يعراهمية لقوله معزياً ذلك لجهله للروابط المذهبية والعلائق الأجتماعية التي تربط الشعب الأيراني والعراقي بسبب وجود مـرقد الأمام علي (كرم الله وجهه), في مدينة النجف المقدسـة, ومـرقدي الأمامين الحـسين والعباس (عليهما السـلام), في مدينة كربلاء المقدسة لدى شيعة العراق وايران,.فهل لأي عاقل يعتقد بمثل ذلك السناريو؟!
وما ان انتهت مراسم الضيافة حتى القى والد اليمامة الهدف القاتل من تلك المقابلة , وفوراً دخل في الموضوع وسأل عن الغاية من هذه العلاقة غيرالمتكافئة مع ابنته, وراح يعدد الجوانب التي تنذربفشلها في المستقبل القريب , ونصح صابر بالتخلى عن ابنته ,.. وان لا يغريها ويثير غرائزها لترضى بالزواج منه,..لأنها مازالت طفلة او قطة مغمضة لم تمارس الحياة كبنات جنسها , فقد عاشت , ومنذ طفولتها في دولة اوربية, ولم تعقد صداقات الا مع بنات جنسها واولاد مرحلتها الدراسية, وعدنا للوطن منذ فترة وجيزة !
أكـد صابر للسـيد والد اليمامه انه لم يطمع بها كلعبة للتسلية ولم يمسها اويغريها او يعدها بأي شيئ , وبأستطاعته التأكد الآن من ابنته ,.. وما ان أكمل صابركلامه,.. حتى هاج ضيفه وراح يهدده بضرورة الأبتعاد عن ابنته قبل فوات الأوان , ... حيث لا يؤمن بعلاقة صبية مراهقة مصابة بالعـشـق ما لم يحدث ما لا تحمد عقباه , ولذا ما عليه سوى الأبتعاد ,.. والا سيدفع الثمن غالياً ويندم طول عمره ان استمرت العلاقة كما هي!! ,.. . أعترضت اليمامة وراحت تهدأ من نبرة كلام والدها , وجلست على ركبتيع بدلال وهي تقبله, فهدأ, وقال : لا مانع من استمرارعلاقتكما كأصدقاء ,..وبـس!!
وعند انتهاء الزيارة, خرج صابر بصحبة والد صديقته, لتوديعه الى حيث موقف السيارات, حيث لم يكن في ذلك العهد من يمتلك السيارة الخاصة, وكبار الدولة يتنقلون بسيارات فخمة تعود ملكيتها للدولة ويقودها سواق هم موظفون في الدولة يعملون اوقات الدوام الرسمي فقط ولا يسمح بأستخدامها لأنجاز المهمات الخصوصية !
استمرالحديث بين صابر وضيفه على طول الطريق , وعلى الفور طفحت العادات الحميدة التي آمن بها صابر,.. وعادت مثله العليا التي تربى عليها,... وتفهم مشاعر الأب واقترح عليه بتركها لمدة شهر كامل بعد اسبوع واحد , حيث سيغادرموسكو الى منتجع سـوجي على البحر الأسود لحصوله على منحة الأجازة الصيفية التي تمنحها الجامعة للطلبة الأجانب كل عام ,.. وبهذا سـتنقطع صلته بأبنته وتتوقف هي عن زيارته،... لذا ستكون الكرة في ملعبه ,.. وطلب منه ترويضها بالطرق المتعارف عليها في مجتمعهم ,..وبنفس الوقت اكد صابر لوالد الفتاة تمسكه بها ان هي عادت له بأرادتها ولن يتخلى عنها البته ,.. وليتهدم المعبد على من فيه!
يتبع في الحلقة / 8