المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجزء الاخير من رواية :كلما رائيت بنتا حلوة أقول ياسعاد



سعيد نوح
24/02/2007, 04:31 AM
- كتاب ابيض وجمجمه تم كسرها
فاجأها ذلك السؤال ، وجاءها بمحض الصدفة حين دخل عليها سعيد ابنها وفى يده شريط لشيخ لم تحفظ اسمه ولكنها حفظت كلماته التى ظل المسجل يعيدها فى الاسبوع الاول لوفاة زوجها اكثر من عدد الدعوات التى قالها ابو شادى جار محمد نوح الذي ظل يردد وراء الرجل الملتحى الذى دعى لجاره عند القبر وكانت الدموع لحظتها تسح منه دون ان يعرف مجدى ابن الرجل الذى يتم الدعاء له ان كان ابو شادى يبكى لموت جاره ام يبكى لنفسة ولكنه كان يبدو لكل المحيطين به انه ملكوم ومفجوع فى موت محمد نوح لانه كان يرفع يديه اثناء الدعاء للمتوفى عالياً اكثر من ايدى المحيطين به .حتى ان احد الملائكة الذين كانوا فى مهمة رسمية من قبل الاله لم يستطع ان يفرد جناحيه وكاد ان يسقط فى بركة الطين التى صنعها ابناء ابى شادى ليضعوها على باب المقبرة ليتأكدوا ان ذلك الرجل لن يعود اليهم مرة اخرى وربما تخيلوا فى تلك اللحظة انهم اصبحوا كل اعضاء فريق الاسد المرعب. كان صوت الشيخ الذى لم تستطع امراة محمد نوح ان تحفظة يردد ميزات الجنة والحور العين اللائى سوف يفوز بهن الرجل الذى يدخل الجنه . طلبت من سعيد ان يعيد تشغيل الشريط الذى سكت وحاولت التركيز اكثر ، ولكن النسوه اللائى دخلن عليها شتتن افكارها ، فلم تجد الا الدموع التى نزلت مدراراً ليعرفن هولاء النسوة كم هى حزينة على فقد ابنتها وزوجها الحبيب . فى المساء عندما انقطعت اقدام النسوة عن البيت وتجمع الاولاد جوارها ، طلبت من هالة التى كانت قبل عامان شقية جداً ولم تزل رقصتها التى رقصتها فى فرح خديجة صديقة اختها سعاد يوم غنت لينا ابراهيم تلك الاغنية التى جعلت كل الحاضريين يغنون ورائها قبل ان يحرقها الله فى اليوم الثانى. مازالت تلك الرقصة تقف فى عيون الشباب حتى البنات الصغيرات صرن يرقص تلك الرقصة التى سميت باسم رقصة لولو نوح . ادارات هالة المسجل على الشريط وابتدأت الزوجة الاستماع ولكن صوت ما جده جعل تركيزها يضيع. فلقد قالت ماجدة ان عائلة ابو شادى قد بعثت بصينية مليئة بالطعام وتريد ان تعرف ماذا تصنع بها . وقفت الام بعد ان ساعدها سعيد على الوقوف وخرجت الى الباب حيث تقف ايمان ابنة ابى شادى وقالت لها . لا داعى لذلك فلن يستطيع احد ان يمضغ شيئاً ولكن الابنة التى كانت حاملاً فى شهرها التاسع بكت بصوت هامس. فأمسكت المرأة بالصينية ووضعتها فوق الكنبة واغلقت الباب كان صوت الشيخ يعلن عن الفاكهة التى سوف تكون فى فم الرجل النائم فى الجنه بمجرد ان يفكر فقط . قالت لماجدة التى اصبح فمها شبرين لوجود تلك الصينية من هذه العائلة التى لا تحبها على الاطلاق . رجعيلى الشريط من الاول . وقفت ماجدة وداست على ذر التسجيل وعيناها التى باتت اكثر احمراراً لا تشئ ابداً عن الحريق الذى دب فى صدرها . وقف سعيد وامسك بيد ماجدة التى كانت تنظر الى الصينية وتتمنى ان تتبول عليها او على الاقل تضع فيها اى مادة سامة حتى تموت القطط التى تقترب من الصينية .ازاح سعيد يد ماجدة دون ان يقول شئ وداس على ذر الترجيع فعاد الشريط من البداية وجلس بجوار الام وهو لا يعرف ان امه الحزينة تنتظر ان يقول لها هذا الشيخ الذى لم تحفظ اسمة حتى دخولها القبر فى عصر ذلك اليوم بعد مرور ثلاث سنوات وتسعة اشهر وتسعة عشرة يوماً حين يصنع لها سعيد مركباً من الرمل بعد ان شاهد اباه يصنعه لسعاد فصنعه لأبيه وصنعة لامه وحين اغلق عليها باب القبر . جلست وبعد قليل دخل عليها الملاكان فوجدوها جالسة تمسك بيدها جمجمة صغيرة وتحدثها . انتى سعاد . نظر الملكان لبعضهما وسألوها عن سبب جلوسها هكذا ولكنها لم ترد عليهم وظلت تسأل الجمجمة . انتى سعاد الجميلة . دون ان تفوز بكلمة ربما تريح قلبها او تشعلة عندما فاض بالمكين ذلك الصبر الجميل بدأنا فى طرح تلك الأسئلة التى يجب على المرأة ان تجيب عنها حتى يحددا إن كان القبر سيصبح جزء من الجنة ام يصير نار مستعرة . ولكن ما جعل الملكين يمسكان بالجمجمة الصغيرة ويقزفنها فى حائط المقبرة ان تلك المرأة لم تعرهم إنتباه وزحفت على قدميها وأمسكت بالجمجمة مرة أخرى وراحت تتوسل لها . خرج الملاكان قاصدين السماء السابعة وظلا جالسين امام الباب اسبوعاً شمسياً بالتمام والكمال قبل ان يأذن لهم حارس السماء السابعة وحين دخلا كانا جد متعبين ولم يشرباً ولو جرعة ماء او يقتربا من كأساً كان مزاجه كافوره وقفا امام الاله وهم يرتعشان لذلك الموقف العظيم ، وكان قد مضى عليها اكثر من ثلاث ملايين سنة لم يرا فيها وجه الله منذ ان طاف حول العرش ذات يوم ومن يومها حتى الان لم يأتى الدور عليهما مرة اخرى وبعد ما تكلم الاله معهما ذهب الى الجنة واصطحبا معهما العبد الصالح محمد نوح وابنته سعاد ونزل الى القبر وكانت مازالت تلك المراة التى احطاط عزرائيل جيداً حتى اخذ روحها تمسك بالجمجمة الصغيرة التى كسرت حين قذفها هذان الملكان فى الحائط ولسانها الذى جف واصبح كعود الحطب ما زال يلعب فى فمها ويحاول اخراج ذلك السؤال اللعين . انتى سعاد الجميلة . وقفت المرأة حين رأت محمد نوح وابنتها سعاد يقيفان امامها وقد تزين وجهاهما وخرج منهم نوراً لم تراى ابداً احتضنة الابنة اولاً ثم تركت لجسدها ان يعاود الاشتعال مع زوجها الذى قال للملكين. دعونى وحدنا ، خرجا تاركان تلك المرأة تحدث الرجل الذى لم يكن يخفى عنه شيئاً من أحوال أسرته التى تركها منذ ثلاثة سنوات وتسعة اشهر وسبعة عشرة يوماً غير اسبوع شمسى بالتمام والكمال . حكت له المرأة كل شئ ولم تنسى حتى تلك البثور. التى ظهرت فى وجهها وأشارت له عليها . حين ذلك كاد محمد نوح ان يمسك بحفنة ديدان شرهة ويقذفها بها لولا الدموع التى ظهرت فيها ويد ابنتها التى ربتت على كتفه فأمسكا بها وضمها ضماً غيرت اماكن بعد الضلوع واعادة لجسدها بعض الحيوية امسك الرجل بيد المرأة اليمنى والابنة باليد اليسرى ثم عرجا بهما الى السماء والملاكان ينظران الى ذلك النور الطالع الى السماء دون ان يعرفا ماذا يكتبا فى كتاب تلك المرأة التى لم تجب عن اى سؤال وظل كتابها فارغاً إلا من توقيع الملكين عليه وتزينه بجملة حيرت خادم الجنة وخادم النار. تلك الجملة التى ظلت مضيئة وموجودة فى كتاب تلك المرأة . كانت امراة ابى نوح تنتظر ان يقول لها ذلك الشيخ الذى يرتفع صوته بمجرد مرور يد على ذر الصوت الموجود بالتسجيل هل يمكن لها ان تطلب من الله ان يجمعها بهذا الرجل الذى ظل يشاركها النوم فوق السرير ذى الاعمدة النحاسية والجيدة الصنع طيلة الثلاثة والثلاثين سنة ثم تركها منذ يومين ام ان ذلك الطلب مقتصر على الرجال فقط . دونها هى مكسورة الجناح .
*************************
بيت تحفه الملائكة
كيف أستطاع ذلك الملاك الجميل أن يلم سعاد في حجره ويمضي ، وكيف لم يستطع أبوها ذلك الرجل الذي لم يكن يخاف أحداً على الإطلاق أن يدع له بكل هذا اليسر والسهولة ابنته الحلوة ، وهذا الولد أخوها كيف لم يضرب عزرائيل بيديه القاسيتين ؟! ألم يكن باستطاعته أن يرمي حبات عيونه عليها فيتلخبط ذلك الملاك ، بينهما ، هما الذين كانا يجريان سويا أمام أبيهما ويختفيان تحت السرير ذي العمدان النحاسية خوفاً منه ، فيبدو وجهاهما متشابهين إلي حد بعيد ، فيضربهما معاً .
إن عزرائيل هذا ساذذج جداً ، فلما لم يفعل ذلك الولد الذي يدعي أن أخته أحب إليه من ابنة أبي شادي ، تلك التي تسرق له السجائر التي يحبها كثيرا من علبة أبيها الذي يعود مترنحاً كل مساء. وكيف لذلك الرجل الذي لا يخاف أحداً على الإطلاق أن ينسي وجه ذلك الملاك الطيب بعد سبعة شهور و سبعة أيام قمرية ، وينسي هذا الوجه ، وهو الذي يتذكر ما معه من نقود بالسحتوت الواحد ؟ ألم يستطع ذلك الرجل أن يضحك على عزرائيل ذي القلب الطيب حتي يتركه يودع امرأته التي حزنت عليه خالص والتي لم تعرف الراحة منذ سبعة وأربعين عاماً هي عمرها ، فهي التي كانت تصحو قبل الفجر وتنزل على اطراف أصابعها حتى لا تخرج ذلك الرجل الذي كانت تحبه ولا تخاف كالنساء جميعاً ، من الحلم الذي يجعله كالملاك الذي تنير وجهه ابتسامة عذبة ، وتدخل غرفة أبنائها الستة ، هؤلاء الأطفال غير المتحضرين على الإطلاق في صحوهم ونومهم ، فتضع الحرام الصوف على أفخاد ماجدة وهالة وتبوس سعاد الصغيرة فتصحو وتمسك برقبتها فتأخذها في حضنها وتخرج بها ، وتجلسها على الحصيرة الواسعة المرسوم عليها بروعة ثلاث جمال وهودجاً يحمل عرساً ، فتجري البنت إلي حافة الحصيرة . وتمسك بالخيوط المدلاة وتقول لأمها أنا همسك الجمل علشان تقولي : الله أكبر ، فتصلي الصبح وعلى عيونها ابتسامة دائمة للصغيرة سعاد ، وتحملها على كتفها وهي تحط الذرة لأرانبها الصغيرة التي تشبه الفئران وتنزل لتعد الإفطار لأولادها ، ويصيح الرجل في الصغار ليدعوهم إلي الإفطار المعد بيد المرأة التي لم تعد تستطع المشي من حزنها على عدم توديع زوجها وداعاً يناسب كل السنوات التي وقفت جواره حتى صار هكذا لا يخاف أحداً على الإطلاق ، إن هذا الرجل كان باستطاعته إن يجعل عزرائيل الطيب يتركه لو ذكره بروح ابنته الجميلة سعاد ، التي بدت بين يديه القاسيتين بيضاء وخفيفة حتى فاضت فبكي ولم يعد كعادته غليظ القلب ، إذا لم يجعله يبكي ، فعلى الأقل سوف يتركه قليلاً ليودع امرأته! وعندما وقع على الأرض .. ألم تكن هناك ملائكة يحملونه ؟ تري هل باستطاعة تلك البنت الجميلة سعاد أن تهش الدود عن أبيها ،وأن تغششه الشهادتين ، ويقيمان بيتاً عائليا تحفه الملائكة التي لم تكن هناك حينما وقع ذلك الرجل الذي لم يعد هنا ، ولم تعد عائلة أبي شادي تخافه على الإطلاق .
************
لكن يوم الاثنين سيأتي
عطل تلك الساعة
عند السادسة – تماما-
أو
أخرها حتى السابعة – صباحا –
فخلف الباب المغلق ترقد سعاد
سريرها لشخص واحد فقط
بملاءة خضراء وعصافير
ورداء العمل على " الشماعة " خلف الباب
خلف الباب المغلق سعاد
ترفع جلباب البيت الأزرق
وتقف حائرة في قميص النوم الأبيض
تقول
صباح الفل .... يا سعيد
سعاد
تخُرج العصافير في السابعة والربع تماما
والولد واقف في شرفة مقابلة
ولا تنسي قبلتي الصباحية
أقول لك
عَطل تلك الساعة
- الآن -
ياسر شعبان
الأحد 17 يناير 1993
***************
8- لا تطل غيبتك . على أني . سأكون فتاه كبيرة حين تعود

إن الزمان يمضي إلي الأمام . ويوماً . يوما ما ستروعك سرعته ، هكذا همس الأب لسعيد في حجرة الإنعاش ثم أغمض عيونه على دموع تحاول مغافلة رجولته .
كان الجو بارد جداً دخل الحجرة . راح ينظر في عيون المحيطين به وما بين الوجوده الأربعة كان يغمض عيونه أو على وجه الدقة كان يريح قلبه قليلا ، فقد كان مقدار الأسي مثلا في عيون أمه . يشبه كثيرا مقدار الأسى في عيون قطة تحاول الأحتفاظ بوليدها الثالث والأخير بعد فقد الأخريين تحت عجلات عربة مسرعة . وهكذا باقي الوجوه حسب الأسماء . فهناك بجوار الأب والأم كانت ماجدة وهويدا . أخيرا استقرت عيونه على الجهاز الذي يظهر حركة القلب . كانت تعريجات الخط كثيرة وواضحة . تماما كتعريجات حياته . هو ببساطة إنسان طيب ومؤمن . المؤمن منصاب .. أحداث كثيرة لا بد مرت به حتى وصل إلي هنا داخل الحجرة الرطبة . أهم حدث من وجهة نظره ونظري مر به وأحب أن أحدثكم عنه هو حبه للقراءة وللأدب . ومن هنا أقول عنه إنه إنسان طيب . لا شك هناك أشياء كثيرة ساعدت على وجود تلك الطيبة . مثل عوامل وراثية وعوامل مناخية وعوامل دينية قبل موت سعاد بشهور قليلة كان قد أعاد قراءة رواية جسر سان لويس ري لكاتب أسمه ثورنتون واريلدر . وضمن أحداث الرواية فصل يحكي عن أخوين توأم وجدوا على باب كنيسة ونشأ دخل الكنيسة ولكن بعيد عن الناس . حتى أنهم أخترعوا لغة تفاهم لا يعرفها غيرهم . و هناك أحداث كثيرة مرت بهم وعند ما بلغ سن بداية العشرينات أصيب أخ في قدمه ومات . لا أعرف لماذا أحكي لكم هذه الحكاية نيابة عن كتابها الأصلي . تماما كما أعرف لماذا أحكي للكم عن النائم بالحجرة الرطبة . وعلىّ الآن أن أدع ذلك النائم يحكي عن نفسه ، ولكن قبل ذلك اسمحولي ببعض دقائق قليلة وأعدكم لن ترو وجي الذي هو ضمير الروي مرة أخري وسوف أوجز كلامي في ثلاث نقاط .
- النقطة الأولي :
- أنه بعد موت الأخ التوأم رفض الأخ الثاني أن يشارك في عملية التحضير والدفن وحين دخلت الراهبة عليه وقالت له حسب تعبير ثورنتون وايلدر .
- إني في حاجة إلي معونتك ؟ ألا تأتي وتلقي نظرة أخيرة على أخيك ؟
- لا
- ألا تريد أن تساعدني . واعقب ذلك صمت طويل والراهبة واقفة لا تدري ماذا تفعل .
ومضت الجنازة الرهيبة في شوارع المدينة والقسيسون في ملابسهم السوداء ينشدون مزاميرهم الحزينة والشموع ترسل أضواء لا تبين في رابعة النهار . وتبعها استبان في الشوارع المحاذية ، وهو يلمحها من بعيد بين حين وآخر . كأنه إنسان عاش طول حياته في البرية بعيد عن الناس .
النقطة الثانية :
أن النائم في الحجرة الرطبة فعل شيء ممثل مع أخته ولكني لست مخول عنه وسوف أتركه يخبركم بما حدث .
النقطة الثالثة :
أنكم لا بد قد عرفتم بعض الأشياء من خلال الصفحات السابقة عن حياة النائم فأرجو منه أن يأتي بجديد وأتمني أن يتكلم عن أشياء جاءت مبتورة في الصفحات الكثيرة السابقة مثل حرب حفر الباطن ومثل شخصية لينا إبراهيم زميلة سعاد .
وإليكم هذا النائم فوق السرير وعيونه بالتحديد مستقره على شاشة جهاز قياس نبضات القلب حتى لا يكون له حجه ويعرف أننا مستمعون له وبالأمارة الجهاز يعمل وبه خط ثابت طويل .
***********
يصل ويسلم إلي الراوي العليم
رداً على النقطة الثانية :
أحكي لكم عن حكاية لا أتذكر مصدرها وهي أن غراب خطف كتكوت صغير . حزنت الفرخة جداً وظلت تبكي لمدة ثلاثة أيام . ثم عاد الغراب مرة أخرى وأخذ كتكوت آخر فحزنت الفرخة أسبوع . ثم عاد وأختار أجمل كتكوت وأحب كتكوت على الفرخة . ربما يكون آخر العنقود راحت الفرخة تصرخ وتنثر التراب على رأسها وسمع الكلب بما حدث فقال لها . أرتدي أفضل ملابسك وضعي ريش ديك فوق رأسك وأذهب إلي الغراب وأدعيه إلي الغناء من فوق الشجرة . قولي له صوتك عذب ورازين . أستعاذت الفرخة من الشيطان و عملت بكل نصائح الكلب . فغني الغراب وترك الكتكوت الجميل يسقط على الأرض بجوار أمه .
ماذا أكتب بعد ثورنتون وايلدر
العين تظهر كتماني وتبديه
والقلب يكتم ما ضمنته فيه
فكيف ينكتم المكتوب بينهما
والعين تظهر والقلب يخفيه

*************
لماذا اذن تتحقق نبؤه لها ظروف مأساوية
ربما لم يكن يعلم لماذا تنبأ بموته بعد موت اخته :-
وبالتأكيد كانت لحظة خروج تلك النبؤة مليئة بالكراهية للحياه تلك التى اخذت من اختها – كل ما كان يعرفه انه يريد الموت . الموت على صورة ما في تلك اللحظة المليئة بالحزن ، ولأنه كما يزعم صديقه البدوى يحمل صفات المسيح . فلقد احب تلك النبؤة ، نعم احب هذه النبؤة وراح يردادها بشكل غير منظم داخل حياته التى مضى منها اثنين وثلاثين عاما ، حتى قال له صديقه الاخر فى لحظة مفارقة – ايه الحكاية . المساءل ماشيه حلوه وكويسه. ايه بقى حكاية المأساويه اللى انت مصمم تحشرها فى كل المسائل دى . انتبها لحظتها فقط الى موته . ذلك الموت الذى اخذ منه الولد المهرج ، كيف مات من قبل ولم يدرى ؟ وهل موته الثانى سوف يكون هكذا! تتغير صورته فقط . ببساطه جداً هل ستموت فيها المأساوية ويسير انساناً هماجياً مثلاً او اى شكل اخر يرتديه أو يدخله الله فيه. ام سيكون موتاً كما كان لاخته . حين مات المرة الاولي او على وجه الدقة حين اخرجة الله من تجربة المهرج وادخلة تجربة المأساوية لم يكن موتاً محضاً لانه كان يشارك بصورة ما فى الوجود ، ولا يعني ذلك انه كان سعيد ، كما لا يعنى ايضاً انه عاش السنوات الثلاثة منذ فارق اخته فى تعاسه دائمة. فقط يعنى انه كان موجود او مشارك اعتقد انه لم يكن يريد الموت المحض . فقط ربما كان يعنى الموت الذى تكلمنا عنه ، اما الموت ذلك الذى اخذ منه اخته فهو لم يكن يعلمه وتلك التجربة لم يفكر فيها ابداً. كيف لاحد ان يفكر فى تجربة مثل تلك .. ان يكن فى التراب ، ان ينتظر اخته ، أو ان يرى كل عمله خلال اثنين وثلاثين عام تمر على شريط ممل. ان يعذب ، او يرى الزائرين وهم ينفضون التراب العالق بأيديهم. كيف يفرح بزواج او نجاح ابنته وهو بعيد ، كيف يستقبل نبأ زواج زوجته مثلاً ؟ ان ينتظر سنين طويلة لكى يرى وجه امه النائمة فى العين المقابلة له . اصدقائه الذين يتذكرهم وهو يحاسب على خيانتهم له . هل تتشوه ارواحهم عنده ؟ كيف يسقط كل فرحه وهو يلاقى يوسف او عبد الحميد . ولو دخل عنده أحدهم هل يرفض أن يغششه الشهادتين أظنه لم يكن يعرف ذلك . كم أظن انه لم يكن مهيئاً . فلماذا إذا تتحقق نبؤه كانت لها ظروفها المأساوية حتى لو كان لحظتها صادقاً تماماً وكان بالفعل يريد الموت الموت .
*******************


عندما اريد ان تكون
عليها ان تكون ما اريد
فقط اريد أن أجرب قسوة السعادة . كما جريت تماما قسوة الحزن ، لا يهمنى لحظتها موتى كما لا يهمنى حياة الاخرين ، فقد اريد ان اجرب خروج سعاد من القبر بكفنها الابيض ، وفى تلك اللحظة لن يعنينى مرور السنوات الثلاثة على ملامح وجهها وظهور بعض الخصلات البيضاء كما لايعنينى على نفس المستوى استقامة خطوتها وهى تدخل حضني أوتغير لون الكفن ، فقط اريد ان اجرب بنفس مشاعرى دون سطوت الاله . سعادتى او حزنى ، قسوة الهزيمة او قسوة النصر ، لى وحدى اختيار ما يلائمنى ، احبس دموعى او اضم صدر سعاد واتاكد من ارتعاشهم بين يدى . ذلك لى . ربما احمل لها تى شيرت عليه عليه صورة لملاك يصاحبها فى الجنة ، ذلك لن اتحدث عنه خالص ، لاننى لحظتها ساكون حاملا لسعادتى انا ، وتعاسة الكون لوحدا غيري هو بالتاكيد يحاول تمثل دور المسيح ، رغم تلك الحروق والتشوهات التى فى وجهه ، ذلك الدور الدراماتيكى الذى مثله بادقان ولداً جرب قسوة الحزن طيلة اثنين وثلاثين عاما. فقط قسوة الحزن تاركا قسوة السعادة لعائلة ابو شادي . وربما يكون قد مر عليها دون الانتباه او الوقوف . هذا الولد لابد له من تمثيل دور صغير فى ملهاة السعادة ولن يلومه احد ان احتفظ برائحة اخته او ضحكة ابنته ... فقط يلزمه ان يغير عيون امه حتى يرى السعادة بكل قسوتها .
*************
ما الذى فقدته من جسدى حين فقدت سعاد . صدرى هو صدرى . مازال يحمل هموما كبيره وكثيرة. يدى هى ذات اليد التى دست في حجر سيده عجوز امام مبنى الجامعة العربية كل ما فى جيب السترة الرمادية ثم اكتشفت نفسى ذات اليد انه لا يوجد اى مليم باقى وان الطريق الى حلوان طويل جداً. اطول مما ينبغى . اطفال الجيران لم يتغيرون كثيراً منذ كانو اطفال للجيران بعض الملامح ان دققت النظر تبدو متغيرة ، فما الذى تغير وما الذى فقدته حين فقدت سعاد خمس اسابيع وانا ابحث عما فقد منى. اتاكد بنفسى من قدماى . أيها الناس لى قدمان . استقامه الخطو لا تعني التحرك فى طريق مستقيم . تعنى استقامة الخطو، هل هذا ما اعنيه بان قدماى هما قدماى . لا ، خمس اسابيع اتحرك بقدمى ولكنى قعيد حوائط لا اتجاوزها ، هناك اشياء فى الروح . هناك علامات .هناك اشخاص فقدو. تماما كالأشخاص الذين يمرون عبر عيوننا دون ان نراهم . هم يحملون فقدهم فوق وجوههم ودخل عيوننا. لكننا لا نعى ذلك ولا نتالم لفقدهم تراهم يتألمون لفقدهم داخل اروحنا، كما نتالم لفقد الاحباب ؟ انا منذ خمس اسابيع فقدت سعاد لكننى لا اعرف اى جزء فى جسدى كانت تحتله سعاد هذه ، اى جزء فى روحى ، وهل هناك شكل محدداً للروح . هل هذه الروح مثلاً بحر له شطان ومياه وسفن تمر به واسماك متعدده وبالاشارة الى نوعاً وحيد من الأسماك، مجرد الاشاره نعرف المكان المحدد . انا ليست لى روحا محدده . فقط لى روحاً ، كلمه مجازيه .
اما جسدى الذى ضل اثنين وثلاثين عاما بمفرداته المحدده سالفا من قبل علماء الطب قد فقد منه شياء . هذا الشئ لا اعرفة ، ربما يكون قد فقد جزء قليل من قدمى وشيئاً اقل من عينى وشيئاً اقل الاقل من صدرى وعلى هذه الاشياء ان تتحد امامى . لا لشئ الا . لأعرف ما الذى فقدته تماما حين فقدت سعاد .
**************



9- أوراق منثورة غير معلومة التواريخ
(1)
إلي سعيد
يا الذي هو لي أشهد أنك دمي الذي يعزف لوركا فلا تنفض من حولي واستريح قليلا على أخاديد روحي ، فقلبي الآن منتظم النبضات رغم أنه يبدو ملآن خوفا ووسوسة عليك ، يا سعيد وأنت أخ صالح ، حجم حبك لي حج قضائي .
(2)
إلي خالد
يا الذي أنا له ، ولغير سوف تكون ، أحس أن قلبي غير منتظم النبضات ، أستودعك مائي وكل علامات الوداع وزهرة السيدة الجميلة وأغنية الروح العائدة إلي بارئها وبابا من الرخام يحجز الهوأ ، وأدق التفاصيل لحارس ينام على عيون العابرين وسعيد حين كتب على جدار الروح اتسع وهو لا يعرف ماذا يفعل الواحد والله .
(3)
إلي سعيد 25 مايو
يا الذي أنا منه ، لست أحلم ، كان موعد الرجوع في طائرة الحادية عشرة والنصف مساء الجمعة ، الساعة الآن كثيرة ، كثيرة جدا ، وجاري يحتمي بالمروحة والآخر ساهما وأمي تبكي لأجلك وأبي معفر الجبين ، الساعة معطلة الآن وأنا أحاور ستمائة عين لثلاثمائة راكب ، ربما للمرة المليون قد أصاب بالفشل يا سعيد .


(4)
إلي ماجدة
يا التي أنا لها ، ما أخبار محمد هل مازلت تتذكرين وعدك له ، حبك كيف حالة ، هل يستطيع أن يصمد لنزواته العابرة ، من ذبحني في عينيك يا ماجدة ، أنا سعاد يا حبيبتي لا أحب " محمد على "على الإطلاق أنا أحب " خالد هارون " كما تعلمين ، هل مازال يسأل عني فيتغير لون وجهك يا جميلة ؟ تعرفين " سعيد " أشعل الفوانيس في روحي بغيابه الطويل أنا كعصفور السطوح الصباحي ، ربما أنمو في قلبك قليلا .
(5)
إلي ...............
...... ورقة مقطوعة من البداية وبها بعض الكلمات
" هالة " لم أزل ضائعة يا أختي ، أنام حين يأمر الطبيب يسألني حارس القبر ما معني قيام الليل أقول أنتظر " سعيد " أكلم الدبش المغطي بالجير وأقول هل يرحمني الله ، وعين " ماجدة " تنظر إليّ .
(6)
إلي أبي
تأتي فجأة ، كطائر يحط على جناح وجعي يمزق ما بين موتي وبعثي فأناديك روحي ، واهشك من قدامي فيظل وجهك الجميل بغيتي وتطل من سور شرفتي فأبدو لك رمادية بعض الشيء رمادية وطازجة يا أبي فينادي على سعيد ، الناس سعداء ، جميل يا ناس كيا بكي ، جرحا بجرح ، هكذا ، يمنحني وجهك صباحا وأغنية وظلا أحتمي به .

( 7 )
* أمي ، هل يجوز أن أتزوج ذاك الولد الجميل ( قوي ) سعيد ؟
- أنت تضحكين يا بنتي .
* أمي ، لماذا اختار سعيد " هويدا " رغم أنها ليست جميلة مثلي ؟
- هو يحب ماجدة وهويدا تشبهها تماما .
* أمي ، هل يسألني الله على خوفي على (سعيد) بعد الموت .
- أنت تمزحين لا ريب يا حبيبتي لك العمر الطويل يا جميلة .
* أمي ، هل يعجبك خالد هارون ؟
- إذا كان يعجبك يا بنتي .
* أمي ، لماذا حلمت بالزفاف مع سعيد ؟
- لا أعرف والله يعلم يا صغيرتي .
(9)
إلي محمد على خطيب ماجدة
خذ ما أوتيت بقوة ، ومر بالقلب الدبلان على أديم ماجدة ينفجر ماء وأكبر في حبه القلب مرتين ، أرخ على ظهرك لنور ولا تكبرها في الشمس ، أنني مرة على لساني يا محمد ، مسامي تطل على من تعب فتشاكسني هالة وتقرصني من ( وركي ) ، أنت أكثر استحالة على من سعيد ، فليس بوسعي أن أتحول غيثا فكيف أقول لماجدة إنك تحبها .



(10)
إلي سعيد
ما علىّ إلا أن أقطف قلبي وأشيله في شجرة السرو حين تتجه بوجهك إلي حفر الباطن وتترك أفق الروح خالية من موجك الإلهي ، زبد شدقيك حين تحكي لي عن طيور لم تكن ، ومراكب لا تعرف لغة العائدين . الموت اصطناع الإله لكل الفرحين .. علىّ أن أقر مخالفة العابرين وأفتش عن رامبو جديد ليدي الضعيفة وأكثر الدخول والخروج من باب الشرفة .ولا أستطيع أن أهيم بخالد شوقاً حين أتركه فوق السبع ليال معلنة مقتي الشديد لكل تصرف يبدو منه وأترك يدي تصارع الهواء في ميدان حلوان وهو يمشي جواري ..
حين أعثر في كتبك على قصة " باتا " و " آنوب " لا أستطيع احتمال قسوة البتر وحدي لا أستطيع .. تتساقط الدموع حين يأمر الملك باقتلاع شجرة الصنوبر التي عليها قلب باتا .. ولكن حين يعثر آنوب على قلب أخيه لا أستطيع أن أرد على أمك وهي تدعوني للعشاء المعد .... ولما يتحول ثوراً أجدني مهيأة لأسقط ما تبقي في العيون من ماء مملح وأقسم ألا أبتسم في وجه خالد على الإطلاق .. وأعلن مقتي الشديد على كتبك وأقول لأمي إن سعيد غاب كثيراً فتبيض عينا أمي عليك وأسمعها في الليل تهمس لأبي .. سافر لسعيد يا محمد .. يجوز تقدر ترجعه .