المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القضية الفلسطينية بين تفريط وفساد السلطة واعتدال المقاومة وتزمت المتطرفين / الجزء الأوّل



طه خضر
04/02/2010, 03:20 PM
القضيّة بين تفريط السلطة واعتدال المقاومة وتزمـّت المتطرّفين!


في هذا الوقت تماما يقوم مبعوث الرئيس الفلسطيني نبيل شعث بزيارة إلى غزّة استهلها أمس بلقاء ثلة من قادة حركة المقاومة الإسلاميّة بجناحيها العسكري والسياسي، والناظر إلى هذه الزيارة المفاجئة والتي ما كانت لتتم إلا بمباركة الرئيس بذاته وبغض الطرف من جهة العدو الصهيوني وربما بامتعاظ مصري قطعنا به كون الجانب المصري يلزم الصمت عادة إن حصل شيء لا يرضى عنه أو لا يحظى بموافقته، نقول إن الناظر إلى هذه الزيارة التي تمت فجأة ودون مقدمات يقطع بما لا يدع مجالا لأي شك بمدى المأزق الذي وصلت إليه السلطة بعد أن أجبرتها الاطراف العربيّة وطلبت منها العودة إلى مائدة المفاوضات دون أية شروط ٍ مسبقة بما فيها سحب شرط تجميد الاستيطان المؤقت الذي اشترطه الرئيس الفلسطيني قبل المباشرة واستئناف المفاوضات المجمدة بدورها من أمد ٍ ليس بالبعيد!!

لم يعد خفيا على أحد أن رئيس السلطة الفلسطينية أدرك متاخرا جدا أنه لم يعد لديه ما يفاوض عليه بعد أن سحب أو أجــْبـِر على سحب شروطه السابقة على قلتها والمتمثلة بضمان حق العودة والتعويض والحصول على دولة فلسطينيّة حدودها القدس وأراضي ما قبل نكسة 1967 وأنه بات يجلس مع العدو ويفاوض على لا شيء بعد أن سُحب البساط من تحت قدميه بالكـُليّة، بل وبعد أن بات بعض قادة الصهاينة يطرح وبكلّ جديّة ويـُنظــّر لنظريّة نتانياهو القديمة الجديدة القائمة على مبدأ الأمن مقابل الأمن والسلام مقابل السلام، والتي ألحق بها تعديلاته الأخيرة قبل عدة أيام والمُجملة بضرورة حصول العدو على شريط كامل يفصل بين الدويلة التي يتم التفاوض عليها وبين الأردن لضمان أمن كيانه، واستدل على ذلك بما يحصل الآن في غزة من تهريب ٍ وتكديس ٍ للسلاح عبر الحدود المصريّة الفلسطينيّة والتي ما كان لها أن تتم لو كان لقواته تواجدا هناك!!

سقنا هذا كمقدمة لا بد منها لشرح ِ واقع ٍ قائم من كل بد، ولا ننتظر من السلطة الوطنيّة أو رئيسها أن يعلنها صراحة أنه وصل هو ومشروعه السلمي إلى طريق ٍ مسدود لأن هكذا تصريح يعني بالضرورة اعتراف الرجل بأن لا مجال لأي حل ٍ سلميّ مع العقليّة التي يعمل بها قادة العدو، وبالتالي سيفهم حينها كل من يقرأ هكذا كلام أنه وفي ضوء عدم إمكانية الوصول لأي حل ٍ سلميّ فالبديل الثاني ألا وهو المقاومة هو ما يفرض نفسه حينها، وهذه بحد ذاتها نسف لكل قناعات عباس والقائمة مذ عرف الرجل السياسة على أن لا حل لكل هذا الصراع إلا بالسلام، .. إذا فما الحل وكيف يعبر الرجل عن امتعاظه وإلى من يلجأ ؟!

دأب الرئيس أبو مازن وبين كل فينة وأخرى إلى التهديد بالاستقالة والتعبير عن الامتعاظ واللجوء إلى بعض القادة العرب ممن يقيمون علاقات مع العدو الصهيوني، وهذا ليقينه حينها أن العدو لا يقدمه له شيئا إلا بقدر ما يأخذ منه، بل وأنه يتعمد بين كل فينة وأخرى إذلاله هو وكبار رجال السلطة عبر إهانتهم في اللقاءات ( كما ألمح الرئيس أكثر من مرة وصرّح بعض معاونيه) وإعاقة تحركاتهم عبر الحواجز التي تقطـّع الضفة الغربيّة وأحيانا تفتيشهم والمبالغة في ذلك وردهم على أعقابهم، بل والوصول إلى حد منع الرئيس وحاشيته من استقبال أي مسؤولين أوروبيين وحتى أمريكان إلا بعد الحصول على إذن من العدو ناهيك عن الحادثة الأخيرة المتمثلة بطلب العدو طرد الملحق الدبلوماسي الفانزويلي لدى السلطة والتي لم تمتلك حينها السلطة إلا الامتثال لهذه الرغبة وطرد الرجل على ما يقدمه هو ودولته من دعم لا محدود سواء للسلطة أو للقضيّة الفلسطينيّة بشكل عام!!

أما قضيّة الفساد المستفحلة والمتفشّية بأركان السلطة ورجالها فطرح آخر لا مناص من إفراد ِ باب ٍ كامل ٍ له وفحواه أن العدو ومن وراءه الأمريكان والأوروبيين وحتى دول الاعتدال العربي باتوا كلهم على يقين تام ٍ بأنهم إزاء سلطة أتـْخــِمَ رجالاها بالأموال والمساعدات التي تم تقديمها لتنمية المناطق الفلسطينيّة ووجدت طريقها بشكل ٍ أو بآخر ٍ لجيوب المتنفذين واستقرت في حساباتهم السريّة، مع العلم أن ما يتم تقديمه من أموال ومساعدات ٍ كافية للنهوض بالمناطق الفلسطينيّة وجعلها تنافس تلك المناطق الموجودة في فلسطين 48!!

في ظل كل هذه المعطيات التي نقرأها صباح مساء على أرض الواقع لا عجب أن يجد الرئيس الفلسطيني نفسه في وضع ٍ لا يُحسد عليه؛ فهو من ناحية لا قدرة له على لجم أركان سلطته وكف يدهم عما هم فيه من غيّ وسلب ٍ ونهب ٍ وتفريط ٍ، ومن ناحية أخرى لم يعد لديه ما يفاوض عليه، بل ويقدمه للعالم والعدو أو يحتفظ به كورقة رابحة يضعها على طاولة المفاوضات إذا ما جلس عليها، يقابل كل ذلك علم ويقين الجهات المقابلة أن السلطة وبوجود كل ما تقدم لم تعد تصلح لأي دور ٍ قد يُسند إليها مستقبلا، ولعلهم قطعوا بذلك وفرغوا منه بعد أن راجعوا تاريخ السلطة القديم قبل أن تترك ما كانت تسميه بالنهج الثوري والقائم على الكفاح المسلـّح والذي لم يكن في حقيقته إلا كذبة كبيرة ومطيّة استخدمها من استخدمها لينصـّب نفسه ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطينيّة، ويقوم عبر هذه المظلـّة الكبيرة بكل ما رأيناه عبر تاريخ منظمة التحرير الدامي والذي ما حط في مكان ٍ سواء بلبنان أو الأردن أو اليمن أو تونس أو حتى فلسطين إلا وكانت فتنة كبيرة قائمة على الفساد وسفك الدماء والسلب والنهب والعبث بالأمن وإثارة الحروب الأهليّة!!

إذا ..

وبناء على كل هذا لم يعد من العجب أن نرى السلطة متمثلة برئيسها تلجأ بين كل فينة وأخرى لفتح باب للتفاوض مع حماس، بل والاستعداد لتقديم أي تنازل علها تحظى بورقة ضغط ٍ أو تـُشير وتلمح للعدو بأن كل الأبواب لم توصد أمامها بعد، بل وأن البديل الذي قد يحصل عليه العدو ومن حوله فيما لو خسر السلطة رغم ما بها من علل لن يكون إلا حركات المقاومة التي لا تعرف تقديم التنازلات أو المفاوضات، ولا تؤمن بأي طريقة ٍ للحصول على شيء إلا عبر فرض وقائع تمليها الحلول العسكريّة!!

أما ما لم تتوقعه السلطة هذه المرة فهو بدء اقتناع العدو وحلفائه من الأمريكان والأوروبيين والعرب أن السلطة لم تعد تصلح لكل ما أنيطت به ذات يوم، وأنه حان الوقت للبحث عن بديل ٍ للتفاوض أو محاولة التفاوض معه ووفق شروطه هو في ظل ما قدمناه هنا عن فساد وبداية تحلل السلطة وفقدان ثقة الناس بها يقابل كل ذلك زيادة تغوّل التنظيمات المتطرّفة والمدعومة بقوّة من القاعدة وحلفائها والتي باتت تجد لنفسها موطء قدم ٍ في المنطقة ناهيك عن رضى الشارع عنها كونها تقدم حلولا ً أثبتت التجارب أن العدو لا يرضخ أو يستجيب إلا إن فـُرضـَت عليه فرضا، يقابل كل ذلك وقائع منطقيّة تقدمها الحركات المقاومة،،،، وهذا ما سنعرض له في القسم الثاني والذي يليه!!

طه خضر.