رأس في المزاد السري

[الدكتور حسين فيلالي]

رأس في المزاد السري.
قصة قصيرة
حسين فيلالي
لما بلغ الملك العادل ما يجري بمملكته، حزن حزنا شديدا. استدعى حاشيته، عرض عليهم الأمر
وقال:
- أشيروا علي .
قالوا :
-هذا استخفاف بسلطة مولانا العادل.
قال :
- وما تـرون ؟
قال أحـدهم :
- ننشيء شرطة لمكافحة الضحك.
قال آخـر :
- نصدر قوانين وقائية تمنـع الضحك دون إذن مولانا.
اختار الملك مـن اتباعـه أناسـا شدادا، غلاظـا، وكلفـهم بالتجـسس علــى الرعيــة، والقبـض علـى مـن يخالـف أوامـر الملـك .
القـوا عليـه القبض ، ساقـوه إلى الملك ، نظر إليـه و قال :
- خـذوه، واجلـدوه .
عـاد الجـلادون إلى المـلك مذعـورين .
- مولانا ، مولانا.
- ماذا ؟
- إنه يضحك.
- اضربوه .
- ضربناه فضحك .
- ضاعفوا له العذاب .
- فعلنا سيدنا فضحك .
- القوا به في النار.
- مولانا إنه يضحك.
أحس الملك برغبة في الضحـك ، اختلـى بنفسه ، حرك أطراف جسمــه ، داعـب بأصابعه تجاعيد بطنه ، تمرغ على الأرض ، رفع رجليه إلى أعلى، ورأسه إلى أسفل، حاول أن يضحك، صـدر عنـه صـوت يشبــه نهيق الحمير ، شعر بالكآبة، اغتم غمـا شديدا، و أجهش بالبكاء .
استدعـى حاشيتـه ، أمـرهم أن يضحـكوه كعادتهـم ، قدمـوا بيـن يديـه حركـات بهلوانيـة، سـردوا له القصـص، وأطـرف الحكايـات، ازدادت كآبته ،أمرهم أن يضحـكوا، صـدرت عنهم أصوات تشبه مواء القـطط، وخـوار البقـر ثـم أجهشـوا بالبكـاء .
أمر الملك بإحضار السجين ، حدق في وجهه وقال :
- كيف فعلت فعلـتك ؟
- سيدي أنـا مظلوم .
- مظلـوم !
- أ و لم يلقـوا عليك القبض متلبسا بالضحك ؟
- إنها مجرد ابتسامة سـيدي .
غضب الملك ، وأمـر بقطع رأسـه ، ومع ذلك خيل إليهـم أنـه ما يزال يضحـك .
مستشارو الملك، اقترحوا عليه استبدال رأسه برأس السجين. غضب الملك غضبا شديدا وقال :
- رأس الملك، يستبدل بـرأس من عامة النــاس .
- ولكنه يا مولانـا رأس تضحـك .
بعـث الملك في طلـب رأس السجين ، عاد السجـان إلـى الملك مذعورا يرتجف :
- مولانـا ، مولانـا .
- مـاذا ؟
- لقد اختفت جثـة السجيـن .
- ورأســه ؟
- ورأسه أيضـا يا مولانـا .
لـم يستطـع الملك تحمـل سمـاع النبـأ، فـأغمى عليـه .
يقال :
إن وزير الملك احتفظ بالرأس لنفسه .
ويقال:
إن زوجة الملك أوصت به لابنها .
ويقال :إن الرأس بيعت في المزاد ا لسري .