فخري فزع
07/02/2010, 10:44 PM
شهد حي شبرا وهو حي شعبي اصيل من احياء القاهرة مولد الشاعر حسن توفيق ولما تضع الحرب العالمية الثانية اوزارها ... وكان طالبا في المرحلة الابتدائية بمدرسة الشماشرجي حينما تولع بالشعر
في المرحلة الاعدادية التي قضاها الشاعر بمدرسة السيدة حنيفة السلحدار بشبرا كان ترتيبه الأول دائما في مادة اللغة العربية وكان مكان اعجاب اساتدة المدرسة ... ثم انتقل الشاعر إلى المرحلة الثانوية التي قضاها في مدرسة روض الفرج الثانوية
عايش الشاعر إعلان قيام الجمهورية العربية المتحدة - أول وحدة في تاريخ العرب الحديث - وعايش كفاح الجزائر من أجل نيل الاستقلال وثورة العراق في 14 يوليو - »تموز« -،1958 كما عايش ملحمة بناء السد العالي - العظيم.. وقد شهدت تلك المرحلة بدايات تعلقه الجارف بالشاعر الأول الذي سكن قلبه، وهو ابراهيم ناجي، حيث حفظ عن ظهر قلب كل قصائد ديوانيه » وراء الغمام« و »ليالي القاهرة« باستثناء قصائد المديح والإخوانيات والهجاء التي كان ينفر منها
ومن خلال مكتبة المدرسة كان يقرأ بانتظام مجلة »الآداب« البيروتية التي يرأس تحريرها د. سهيل إدريس، وقد عرفته تلك المجلة المهمة برواد الشعر الحر، حيث أخذ يقرأ قصائد بدر شاكر السياب ونزار قباني وصلاح عبدالصبور وخليل حاوي وخليل خوري ونازك الملائكة. ومن خلال سور الأزبكية اشترى الكثير من أعداد مجلة »أبولو« الشعرية العظيمة التي كان يصدرها د. أحمد ذكي أبو شادي، حيث يحفظ قصائد عديدة لشعراء أبولو، منهم إبراهيم ناجي ومحمود حسن إسماعيل وعلي محمود طه وحسن كامل الصيرفي، ومن المجلات التي فتحت آفاقه مجلة » كتابي« و »مطبوعات كتابي« فقد أسهمت في تعريفه بأدباء وشعراء وفنانين عالميين. أما مكتبة شبرا - وهي فرع من فروع دار الكتب الرئيسية بباب الخلق - فقد كان مترددا دائما عليها، حيث كان يستعير منها ترجمات »دار اليقظة السورية« لروايات تولستوي ودوستويفسكي.
أما الصديق حسب ما يذكر الشاعر الذي كان يشاركه المطالعة ويروق كل منهما للأخر فهو فتحي عبدالحافظ ..
وانقضت المرحلة الثانوية حيث كان ترتيبه الأول على منطقة القاهرة الوسطى التعليمية، وكان فتحي عبد القادر هو الأول مكرر
فشل دراسي (( خضنا - فتحي وأنا - سنة فاشلة على المستوى الدراسي، ولكنها سنة دسمة حقا على مستوى التحصيل الأدبي والثقافي العام، فقد أجبرته أسرته وأجبرتني أسرتي على أن نلتحق بكلية تجارة القاهرة، والتحقنا بها بالفعل، لكننا تمردنا تمردا سريا، حيث كنت انطلق من البيت إلى مكتبة جامعة القاهرة كل يوم، بينما كان فتحي ينطلق يوميا إلى دور السينما، وفي المساء نتلاقى - في بيت أسرته أو بيت أسرتي - بحجة المذاكرة، بينما نحن في الحقيقة نقرأ الشعر - أنا - أو نتحدث عن موضوعات الأفلام - هو -... وكانت نتيجة التمرد السري أننا رسبنا آخر السنة بجدارة، حيث لم ننجح إلا في مادة » المجتمع العربي« والتي كانت - فيما يتعلق بنا - مجرد ثقافة عامة!)))
بعض من كلام الشاعر عن نفسه
ويقول ايضا
((( إن الجمعية الأدبية المصرية قد أفادتني فائدة لا ينساها إلا الجاحد، ففي أمسياتها الشعرية وندواتها النقدية والثقافية كان أبناء جيلي ممن انتموا إلى تلك الجمعية يلتقون مع أبرز رموز الحركة الأدبية والثقافية ، حيث كنا نتلاقي لنستفيد ونستزيد من كل من صلاح عبد الصبور - فاروق خورشيد - د. عبدالقادر القط - عبدالرحمن الشرقاوي - د. أحمد كمال ذكي - د. أحمد حسين الصاوي - محمد عبدالواحد - ملك عبدالعزيز..
وكان مقهي »ريش« يمثل مكان التقاء حميم لأبناء جيلي من الشعراء والأدباء، وأذكر منهم محمد إبراهيم أبو سنة - أمل دنقل - يحيى الطاهر عبدالله - إبراهيم اصلان - عبدالحكيم قاسم. وممن يكبروننا محمد مهران السيد - عبدالمنعم عواد يوسف... وكان مقهي ريش يتحول هو أيضا إلي صورة كاريكاتيرية عندما يؤمه كل من عبدالوهاب البياتي ( وكان لاجئا سياسيا وقتها في مصر) ومحمد الفيتوري ( وكان مقيما في القاهرة) فقد كان حبل الود بينهما مقطوعا، وربما لم يزل مقطوعا إلى الآن، ولهذا كان كل منهما يختار أبعد نقطة عن الآخر ليحتل كرسيا فيها، وهكذا كان البياتي يجلس في أول المقهي إذا حضر قبل الفيتوري الذي عليه أن يجلس آخرها.. والعكس صحيح.. أما نجيب محفوظ - العظيم فكنا نتحلق حوله حين يأتي إلي المقهى ويجلس معنا لمدة ساعتين دون نقصان أو زيادة من السادسة إلى الثامنة مساء.)))
يقول الشاعر والكاتب حسن توفيق
((( قراءتي في الشعر تكاد لا تنقطع.. وقراءاتي في التاريخ وعلم النفس والفلسفة وعلم الاجتماع تتواصل ... مشاهداتي للمسرح الراقي الذي كانت تقدمه الدولة تتزايد... إدماني على حضور الأفلام الأجنبية يترسخ.. حضور حفلات فرقة الموسيقي العربية بقيادة عبدالحليم نويرة واجب لا ينبغي التقصير فيه.. ويتوالى نشر قصائدي في مجلة » المجلة« التي رأس تحريرها د. عبدالقادر القط خلفا للعظيم يحيى حقي.. كما يتوالى نشر مقالاتي النقدية في مجالات عديدة، وفي جريدة »الأخبار« عن طريق أنيس منصور وفي جريدة »الجمهورية« عن طريق صلاح عيسي.. هل كنت أجمع بين نقيضين مثلما كنت أجمع بين هتلر ولينين وغاندي؟!.. لا بالطبع.. فقد كنت أعرف وجهتي... لكن علاقاتي الإنسانية كانت علاقات مرنة بغض النظر عن الاختلافات فيما يتعلق بالنظرة إلى الحياة وإلى السياسة، ومن هنا فإني أستطيع القول - مثلا - بأني كنت صديقا لصالح جودت في نفس الوقت الذي كنت فيه صديقا لابن جيلي أمل دنقل الذي كان المتنبيء الأول بكارثة نكسة يونيو - حزيران 1967والتي انعكست آثارها على كل أبناء جيلي، وصوروا أجواءها أصدق وأجمل تصوير، وأذكر منهم إلى جانب أمل دنقل - محمد ابراهيم أبو سنة - بدر توفيق - فاروق شوشة - نصار عبدالله (الدكتور) - يحيى الطاهر عبدالله - إبراهيم أصلان - جميل عطية إبراهيم.......
ولكن جمال عبدالناصر لم يكن مجرد رئيس عادي لدولة من الدول... كان أمة في فرد... وبقيادة الزعيم بدأت حرب الاستنزاف المجيدة التي لم يعش ليرى ثمارها، وإن كانت قد علمتنا جميعا أن هزيمة عسكرية في مرحلة من مراحل المواجهة مع عدو عنصري لا تعني انكسار إرادة الشعب.
يوم السادس من ابريل عام 1979 - ركبت الطائرة لأول مرة في حياتي، متوجها إلى الدوحة للعمل في جريدة »الراية« القطرية مع من اختارهم رجاء النقاش للعمل فيها معه، ولم يكن رجاء النقاش يتوقع أن أصمد طويلا في الدوحة وفي مناخ عمل صحفي يومي مرهق، لكني صمدت بدل السنة سنوات، وأصبحت الوحيد الذي شارك في »الراية« منذ صدور عددها الأول ومازال يعمل فيها حتي الآن. صحيح أني أحيانا أحزن حين أحس أن جذوري الثقافية والإنسانية قد صارت بعيدة، لكني - في كل اجازة سنوية وعلى امتداد شهر كل سنة - أحاول تجديد الصلات مع الجذور العريقة، أما أبناء الأجيال الجديدة فلا استطيع الزعم بأني أعايشهم وأتابعهم بصورة دقيقة متأنية. ما الذي شجعني على أن أظل في الدوحة بدل السنة سنوات؟... أمور كثيرة هي التي شجعتني، من بينها أن معظم الذين اختارهم رجاء النقاش - باعتباره أول مدير مؤسس لتحرير الراية - كانوا من أصدقائي، كما أن أصدقائي من طلاب قطر الذين كانوا يتلقون العلم في جامعات مصر أنهوا دراساتهم وعادوا للعمل في الدوحة، وهؤلاء جعلوني أتأقلم بسرعة مع حياتي الجديدةفي قطر ، وأذكر منهم -على وجه التحديد - حسن محمد الحاج بإذاعة قطر ود. على يوسف العالي الاستشاري بمستشفي حمد ويعقوب إبراهيم الهيل المهندس... وغيرهم كثيرون ممن صادقتهم في القاهرة، وفضلا عن هذا فإن البيت الذي أقيم به في الدوحة قد تحول مع مرور السنوات إلى مكتبة كبيرة، تضم إلى جانب الكتب والدراسات وداووين الشعر مجموعة ضخمة من أشرطة الفيديو والكاسيت للمطربين والمطربات من أبناء العروبة الذين أحبهم، وأشهر الباليهات العالمية التي أجد متعة روحية وأنا أتابعها من خلال تصوري أنها تشكل قصائد رائعة، لكنها قصائد حية وراقصة. وإلى جانب هذا فإن ما شجعني على أن أظل في الدوحة هو يقيني الراسخ بأن الأمة العربية أمة واحدة، بصرف النظر عن تنوع البيئات والعادات وبصرف النظر عن العنصرين والإقليميين الذين نجدهم في كل أرض عربية، فضلا عن تواصلي العميق مع الفنانين والشعراء والمثقفين من أبناء قطر. واذا كنت قد ركبت الطائرة من القاهرة الى الدوحة يوم السادس من أبريل عام 1979 لأول مرة، فإني ركبت الطائرة من الدوحة مرات عديدة متوجها الى أقطار عربية شقيقة. أذكر منها العراق واليمن والإمارات العربية وسلطنة عمان والمغرب، كما توجهت إلى دول أوربية هي بريطانيا وفرنسا وأسبانيا التي عشقتها - بحكم التاريخ والشعر والصداقات التي أنشأتها -مثلما أعشق أقطار أمتي العربية، وقد اتاحت لي زيارتي لتلك الدول الأوروبية أن أتجول في متاحفها الضخمة والفخمة، وهذا ما أضاف إلى رصيدي الإنساني أشياء كثيرة رائعة، تجلت في قصائد عديدة من شعري وفي مقالات نثرية من كتاباتي)))
تعمدت ان اطرح هده السيرة باسهاب حتى ندرك ان وحي الشعر لا يأتي من العبث ... وبمقدار مطالعتك وتفاعلك مع الشعراء وقصائد الشعراء والجهد المتواصل في انماء ذاكرة الخيال الابداعي لدينا ... اشعارنا تكون مبدعة بحجم مطالعتنا الذاتية وجهدنا لتثقيف انفسنا من خلال مطالعة نتاج الاخرين الشعري والادبي ... ولا يمكن لاي منا النجاح كشاعر إلا اذا عاش في عصره وزمانه متابعا للصحافة والسياسة ومتفاعلا مع الناس في الاحياء الشعبية والجامعات والمقاهي والنوادي .. حتى يكون ملما بفكاهة الناس وما يحبونه في هذا الزمن وما يضايقهم ويعكر صفوهم .. الانطواء في البيت وتلقي العلم من الجامعات فقط دون التفاعل مع الناس البسيطة سيكون نقصا في مخزون خيال الشاعر الابداعي عندما يستحضر وحي القصيدة ليكتب حالة وجدانية ما.. بحيث ان معرفة ما يحب الناس والجمهور تدفع الشاعر لانتقاء بعض امثالهم وفكاهاتهم ليدخلها في صوره الشعرية ويصنع منها التشبيه الضمني والتمثيلي الذي يجعل القاريء يستحضر تلك الصورة ويتذوقها كانها الفاكهة
دراسة الادب العربي بالجامعات فقط وتقديم رسائل الدكتوراه والماجستير بالأدب العربي دون النزول الى الشارع والتفاعل مع الناس .. وهيام الطالب او الدكتور في اوزان الخليل وحفظها وتمكنه من النحو تجعله ينظم القصيدة بدون اخطاء نعم ..ولكنها لا تجعل منه شاعرا ... سيكون عبارة عن بناء يبني البيوت الجامدة التي لا حياة فيها ولكنها قائمة وهي بيوت على كل حال .. بمعنى انه ينظم شعرا لا يلامس وجدان الناس ولا يعاصر مشاكلهم .... وكأنها مهارة لا تفيد احد
هل يعني كلامي هذا انني ضد العلم والجامعات ... قطعا لا ... انا هنا ادفع الناظمين للشعر من اصحاب التعليم العالي للادب ليتفاعلوا مع الناس في احيائهم وليثقفوا انفسهم في باقي مناحي الحياة ليكون شعرهم شعورا واحاسيس مبثوثة وليس مجرد نظم قوي السباكة اشهد فيه للناظم بقدرته على كتابة الشعر ولا اشهد له بانه شاعر
يتبع
في المرحلة الاعدادية التي قضاها الشاعر بمدرسة السيدة حنيفة السلحدار بشبرا كان ترتيبه الأول دائما في مادة اللغة العربية وكان مكان اعجاب اساتدة المدرسة ... ثم انتقل الشاعر إلى المرحلة الثانوية التي قضاها في مدرسة روض الفرج الثانوية
عايش الشاعر إعلان قيام الجمهورية العربية المتحدة - أول وحدة في تاريخ العرب الحديث - وعايش كفاح الجزائر من أجل نيل الاستقلال وثورة العراق في 14 يوليو - »تموز« -،1958 كما عايش ملحمة بناء السد العالي - العظيم.. وقد شهدت تلك المرحلة بدايات تعلقه الجارف بالشاعر الأول الذي سكن قلبه، وهو ابراهيم ناجي، حيث حفظ عن ظهر قلب كل قصائد ديوانيه » وراء الغمام« و »ليالي القاهرة« باستثناء قصائد المديح والإخوانيات والهجاء التي كان ينفر منها
ومن خلال مكتبة المدرسة كان يقرأ بانتظام مجلة »الآداب« البيروتية التي يرأس تحريرها د. سهيل إدريس، وقد عرفته تلك المجلة المهمة برواد الشعر الحر، حيث أخذ يقرأ قصائد بدر شاكر السياب ونزار قباني وصلاح عبدالصبور وخليل حاوي وخليل خوري ونازك الملائكة. ومن خلال سور الأزبكية اشترى الكثير من أعداد مجلة »أبولو« الشعرية العظيمة التي كان يصدرها د. أحمد ذكي أبو شادي، حيث يحفظ قصائد عديدة لشعراء أبولو، منهم إبراهيم ناجي ومحمود حسن إسماعيل وعلي محمود طه وحسن كامل الصيرفي، ومن المجلات التي فتحت آفاقه مجلة » كتابي« و »مطبوعات كتابي« فقد أسهمت في تعريفه بأدباء وشعراء وفنانين عالميين. أما مكتبة شبرا - وهي فرع من فروع دار الكتب الرئيسية بباب الخلق - فقد كان مترددا دائما عليها، حيث كان يستعير منها ترجمات »دار اليقظة السورية« لروايات تولستوي ودوستويفسكي.
أما الصديق حسب ما يذكر الشاعر الذي كان يشاركه المطالعة ويروق كل منهما للأخر فهو فتحي عبدالحافظ ..
وانقضت المرحلة الثانوية حيث كان ترتيبه الأول على منطقة القاهرة الوسطى التعليمية، وكان فتحي عبد القادر هو الأول مكرر
فشل دراسي (( خضنا - فتحي وأنا - سنة فاشلة على المستوى الدراسي، ولكنها سنة دسمة حقا على مستوى التحصيل الأدبي والثقافي العام، فقد أجبرته أسرته وأجبرتني أسرتي على أن نلتحق بكلية تجارة القاهرة، والتحقنا بها بالفعل، لكننا تمردنا تمردا سريا، حيث كنت انطلق من البيت إلى مكتبة جامعة القاهرة كل يوم، بينما كان فتحي ينطلق يوميا إلى دور السينما، وفي المساء نتلاقى - في بيت أسرته أو بيت أسرتي - بحجة المذاكرة، بينما نحن في الحقيقة نقرأ الشعر - أنا - أو نتحدث عن موضوعات الأفلام - هو -... وكانت نتيجة التمرد السري أننا رسبنا آخر السنة بجدارة، حيث لم ننجح إلا في مادة » المجتمع العربي« والتي كانت - فيما يتعلق بنا - مجرد ثقافة عامة!)))
بعض من كلام الشاعر عن نفسه
ويقول ايضا
((( إن الجمعية الأدبية المصرية قد أفادتني فائدة لا ينساها إلا الجاحد، ففي أمسياتها الشعرية وندواتها النقدية والثقافية كان أبناء جيلي ممن انتموا إلى تلك الجمعية يلتقون مع أبرز رموز الحركة الأدبية والثقافية ، حيث كنا نتلاقي لنستفيد ونستزيد من كل من صلاح عبد الصبور - فاروق خورشيد - د. عبدالقادر القط - عبدالرحمن الشرقاوي - د. أحمد كمال ذكي - د. أحمد حسين الصاوي - محمد عبدالواحد - ملك عبدالعزيز..
وكان مقهي »ريش« يمثل مكان التقاء حميم لأبناء جيلي من الشعراء والأدباء، وأذكر منهم محمد إبراهيم أبو سنة - أمل دنقل - يحيى الطاهر عبدالله - إبراهيم اصلان - عبدالحكيم قاسم. وممن يكبروننا محمد مهران السيد - عبدالمنعم عواد يوسف... وكان مقهي ريش يتحول هو أيضا إلي صورة كاريكاتيرية عندما يؤمه كل من عبدالوهاب البياتي ( وكان لاجئا سياسيا وقتها في مصر) ومحمد الفيتوري ( وكان مقيما في القاهرة) فقد كان حبل الود بينهما مقطوعا، وربما لم يزل مقطوعا إلى الآن، ولهذا كان كل منهما يختار أبعد نقطة عن الآخر ليحتل كرسيا فيها، وهكذا كان البياتي يجلس في أول المقهي إذا حضر قبل الفيتوري الذي عليه أن يجلس آخرها.. والعكس صحيح.. أما نجيب محفوظ - العظيم فكنا نتحلق حوله حين يأتي إلي المقهى ويجلس معنا لمدة ساعتين دون نقصان أو زيادة من السادسة إلى الثامنة مساء.)))
يقول الشاعر والكاتب حسن توفيق
((( قراءتي في الشعر تكاد لا تنقطع.. وقراءاتي في التاريخ وعلم النفس والفلسفة وعلم الاجتماع تتواصل ... مشاهداتي للمسرح الراقي الذي كانت تقدمه الدولة تتزايد... إدماني على حضور الأفلام الأجنبية يترسخ.. حضور حفلات فرقة الموسيقي العربية بقيادة عبدالحليم نويرة واجب لا ينبغي التقصير فيه.. ويتوالى نشر قصائدي في مجلة » المجلة« التي رأس تحريرها د. عبدالقادر القط خلفا للعظيم يحيى حقي.. كما يتوالى نشر مقالاتي النقدية في مجالات عديدة، وفي جريدة »الأخبار« عن طريق أنيس منصور وفي جريدة »الجمهورية« عن طريق صلاح عيسي.. هل كنت أجمع بين نقيضين مثلما كنت أجمع بين هتلر ولينين وغاندي؟!.. لا بالطبع.. فقد كنت أعرف وجهتي... لكن علاقاتي الإنسانية كانت علاقات مرنة بغض النظر عن الاختلافات فيما يتعلق بالنظرة إلى الحياة وإلى السياسة، ومن هنا فإني أستطيع القول - مثلا - بأني كنت صديقا لصالح جودت في نفس الوقت الذي كنت فيه صديقا لابن جيلي أمل دنقل الذي كان المتنبيء الأول بكارثة نكسة يونيو - حزيران 1967والتي انعكست آثارها على كل أبناء جيلي، وصوروا أجواءها أصدق وأجمل تصوير، وأذكر منهم إلى جانب أمل دنقل - محمد ابراهيم أبو سنة - بدر توفيق - فاروق شوشة - نصار عبدالله (الدكتور) - يحيى الطاهر عبدالله - إبراهيم أصلان - جميل عطية إبراهيم.......
ولكن جمال عبدالناصر لم يكن مجرد رئيس عادي لدولة من الدول... كان أمة في فرد... وبقيادة الزعيم بدأت حرب الاستنزاف المجيدة التي لم يعش ليرى ثمارها، وإن كانت قد علمتنا جميعا أن هزيمة عسكرية في مرحلة من مراحل المواجهة مع عدو عنصري لا تعني انكسار إرادة الشعب.
يوم السادس من ابريل عام 1979 - ركبت الطائرة لأول مرة في حياتي، متوجها إلى الدوحة للعمل في جريدة »الراية« القطرية مع من اختارهم رجاء النقاش للعمل فيها معه، ولم يكن رجاء النقاش يتوقع أن أصمد طويلا في الدوحة وفي مناخ عمل صحفي يومي مرهق، لكني صمدت بدل السنة سنوات، وأصبحت الوحيد الذي شارك في »الراية« منذ صدور عددها الأول ومازال يعمل فيها حتي الآن. صحيح أني أحيانا أحزن حين أحس أن جذوري الثقافية والإنسانية قد صارت بعيدة، لكني - في كل اجازة سنوية وعلى امتداد شهر كل سنة - أحاول تجديد الصلات مع الجذور العريقة، أما أبناء الأجيال الجديدة فلا استطيع الزعم بأني أعايشهم وأتابعهم بصورة دقيقة متأنية. ما الذي شجعني على أن أظل في الدوحة بدل السنة سنوات؟... أمور كثيرة هي التي شجعتني، من بينها أن معظم الذين اختارهم رجاء النقاش - باعتباره أول مدير مؤسس لتحرير الراية - كانوا من أصدقائي، كما أن أصدقائي من طلاب قطر الذين كانوا يتلقون العلم في جامعات مصر أنهوا دراساتهم وعادوا للعمل في الدوحة، وهؤلاء جعلوني أتأقلم بسرعة مع حياتي الجديدةفي قطر ، وأذكر منهم -على وجه التحديد - حسن محمد الحاج بإذاعة قطر ود. على يوسف العالي الاستشاري بمستشفي حمد ويعقوب إبراهيم الهيل المهندس... وغيرهم كثيرون ممن صادقتهم في القاهرة، وفضلا عن هذا فإن البيت الذي أقيم به في الدوحة قد تحول مع مرور السنوات إلى مكتبة كبيرة، تضم إلى جانب الكتب والدراسات وداووين الشعر مجموعة ضخمة من أشرطة الفيديو والكاسيت للمطربين والمطربات من أبناء العروبة الذين أحبهم، وأشهر الباليهات العالمية التي أجد متعة روحية وأنا أتابعها من خلال تصوري أنها تشكل قصائد رائعة، لكنها قصائد حية وراقصة. وإلى جانب هذا فإن ما شجعني على أن أظل في الدوحة هو يقيني الراسخ بأن الأمة العربية أمة واحدة، بصرف النظر عن تنوع البيئات والعادات وبصرف النظر عن العنصرين والإقليميين الذين نجدهم في كل أرض عربية، فضلا عن تواصلي العميق مع الفنانين والشعراء والمثقفين من أبناء قطر. واذا كنت قد ركبت الطائرة من القاهرة الى الدوحة يوم السادس من أبريل عام 1979 لأول مرة، فإني ركبت الطائرة من الدوحة مرات عديدة متوجها الى أقطار عربية شقيقة. أذكر منها العراق واليمن والإمارات العربية وسلطنة عمان والمغرب، كما توجهت إلى دول أوربية هي بريطانيا وفرنسا وأسبانيا التي عشقتها - بحكم التاريخ والشعر والصداقات التي أنشأتها -مثلما أعشق أقطار أمتي العربية، وقد اتاحت لي زيارتي لتلك الدول الأوروبية أن أتجول في متاحفها الضخمة والفخمة، وهذا ما أضاف إلى رصيدي الإنساني أشياء كثيرة رائعة، تجلت في قصائد عديدة من شعري وفي مقالات نثرية من كتاباتي)))
تعمدت ان اطرح هده السيرة باسهاب حتى ندرك ان وحي الشعر لا يأتي من العبث ... وبمقدار مطالعتك وتفاعلك مع الشعراء وقصائد الشعراء والجهد المتواصل في انماء ذاكرة الخيال الابداعي لدينا ... اشعارنا تكون مبدعة بحجم مطالعتنا الذاتية وجهدنا لتثقيف انفسنا من خلال مطالعة نتاج الاخرين الشعري والادبي ... ولا يمكن لاي منا النجاح كشاعر إلا اذا عاش في عصره وزمانه متابعا للصحافة والسياسة ومتفاعلا مع الناس في الاحياء الشعبية والجامعات والمقاهي والنوادي .. حتى يكون ملما بفكاهة الناس وما يحبونه في هذا الزمن وما يضايقهم ويعكر صفوهم .. الانطواء في البيت وتلقي العلم من الجامعات فقط دون التفاعل مع الناس البسيطة سيكون نقصا في مخزون خيال الشاعر الابداعي عندما يستحضر وحي القصيدة ليكتب حالة وجدانية ما.. بحيث ان معرفة ما يحب الناس والجمهور تدفع الشاعر لانتقاء بعض امثالهم وفكاهاتهم ليدخلها في صوره الشعرية ويصنع منها التشبيه الضمني والتمثيلي الذي يجعل القاريء يستحضر تلك الصورة ويتذوقها كانها الفاكهة
دراسة الادب العربي بالجامعات فقط وتقديم رسائل الدكتوراه والماجستير بالأدب العربي دون النزول الى الشارع والتفاعل مع الناس .. وهيام الطالب او الدكتور في اوزان الخليل وحفظها وتمكنه من النحو تجعله ينظم القصيدة بدون اخطاء نعم ..ولكنها لا تجعل منه شاعرا ... سيكون عبارة عن بناء يبني البيوت الجامدة التي لا حياة فيها ولكنها قائمة وهي بيوت على كل حال .. بمعنى انه ينظم شعرا لا يلامس وجدان الناس ولا يعاصر مشاكلهم .... وكأنها مهارة لا تفيد احد
هل يعني كلامي هذا انني ضد العلم والجامعات ... قطعا لا ... انا هنا ادفع الناظمين للشعر من اصحاب التعليم العالي للادب ليتفاعلوا مع الناس في احيائهم وليثقفوا انفسهم في باقي مناحي الحياة ليكون شعرهم شعورا واحاسيس مبثوثة وليس مجرد نظم قوي السباكة اشهد فيه للناظم بقدرته على كتابة الشعر ولا اشهد له بانه شاعر
يتبع