المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مدن الجراح



خلف دلف الحديثي
12/02/2010, 02:36 PM
مدن الجراح

***
مدن الــجـراح تـأجّـلتْ أمطارُها = ونمت على نزف الدما أشجارُها
واعشوشبت فيـهـا بـراكـين الردى = وزهت على آلآلامها أزهارُها
وتنفّست سحبُ الغياب علـى الربى = وتناسلت وجعا طغى أعذارُها
مدني غيابات يُؤجَّلُ مــــوتها = عنــد الـــــغروب ويستباح مسارُها
وتكسّرت عنـــــــد المتاهِ خطوطها = وتهدمت فـي صمتها أسوارُها
أرضي مصــادرةٌ شظايا رمـلِهـا = وتـمـوت عطشـى للنهار ثمارُها
نثرَتْ بأنـفاس الحـنيـنِ حنينها = وعــلى مدارِ الأفــقِ غاب مدارُها
وخيولُ ريحِ الصمت تركض للمدى = تعبى ويعرجُ للغيابِ غُبارُها
وتُثيرُ فيــهــــا الــذكريات رحيلها = وأصابعُ الأحزان تَـمْطُرُ نارُها
وتشيلُ أكتافي زحــــوفَ مآتمي = عـبــئاً ويرحلُ بالحروف نهارُها
ورواحلي حَمَلتْ بكــــفِّ ضـياعِها = يُتْمـي. وتُنْكِرُ بوحَها أسرارُها
وعلى طريقي ترتمي طـرقُ الشجا = ظمأى. وتغرقُ بالدِّما أنهارُها
وعباءتي لَــمَّ الــــرحيلُ خيوطَها = ورمى سُراها وانحنت أعطارُها
وتدقُّ أنفاسي رواجـــمُ غــربــتـي = وعلى ضلوعي تستحمُّ شِفَارُها
ودمي يُغادِرُ عن عروقي مُبْــعــدا = وتدوسني قدمُ الـدجى وأُوارُها
وتلفّني عجلى سواترُ حُرقــتــي = لـيـغـيـبَ بـي قمرٌ تناعسَ غارُها
ويشيلُ وجهي كـــلَّ ألوانِ الأسى = ويظــلُّ ينــــطُرُ للسعاة مزارُها
قــلــقـي وأحــمــلُــه مـرافيءَ غيبةٍ = فـيـقـئُ فـي غــابـاتــه تـيّارُها
مِــــــنْ أينَ والمطرُ المقيتُ مسافرٌ = عنّا ومَلَّتْ من سماي جرارُها
لَبِسَــتْ مـداراتـــي يــداي تـفحَّمَت = وزهَـت بأنواعِ الشقا أغوارُها
مَــنْ ذا وروحي في مهبِّ دمارِها = يجـتاحُ ميدانَ العروقِ دمارُها؟
عـــــجبا لأوجاعي يتيهُ بكونها = شعري. وتُعصرُ للسرابِ غمارُها
وأنا مــجــرّاتُ السماءِ مدائني = فــيــهــــا تُشاكِسُ للمنى أقطارُها
أنا لم أزلْ غـرّا ومن أَزَلٍ أنا = قُطْبُ احـــتــراقٍ آنـستـْــــه جِمارُها
وجــراحُ مــوتٍ أينعت مجهولةً = ومشى إلى المجهولِ فيه قطارُها
وتــنـــاهبتني خطــوتي فــي تيهِها = وبأضلعي شَدَّ المتاهَ ســوارُها
فــزَّت بأضلاعي عـوالـمُ لهفةٍ = ونَــمَــا جحـيمي واكتوتْ أنوارُها
سُحبي مبعثرةٌ تمزَّق بِشْرُها = وهـوَتْ قــنــاديــلــي وعَـزَّ جـدارُها
وسماء وردي ما تفتّحَ وردُها = وغيومُ ليلي غابَ فيّ مَــغــارُهـــــا
هــذي بــلادي خـبـَّـأت بفــم الدجى = أسرارَها وتعاظمت أخطارُها
وتَمايَزَتْ والموتُ خاصمَ جـــثةً = مُــذ راحَ يَخْرِقُ للدروبِ دُوارُها
وتـناثـرتْ حُـفَـرٌ بـقــايا أنَّـــةٍ = صَــــرخَتْ وتشكو صمتَنا أشبارُها
قـــد ترْحَـلُ الدنيا ولكـن في دمي = بــاقٍ نزيفي ما حَوتْهُ بـِحــارُها
ويــظـــلُّ شـعــري ثورةً محفوفةً = بـوعيدِها وغـدُ النشورِ مَطارُها
ويـظــلُّ ميـلادُ الشموس وقد نأت = خــطـواتُها وتـعــيده ثــوّارُها
وتردَّدُ النـــــغــمَ الشرودَ سُراتُه = وتدقُّ بـــابَ الملتــقــى أنصارُها
مـُدني بها جـفَّ النهارُ وأثمرَتْ = عَـطشاً وماتت بالسراب ثـِمارُها
صارت يبابــاً مثـلَ روحِ قصائدي = وغدت جروحَ سنابلي أوتارُها
وتيـبَّــسـت رئتــي تــزوَّجها اللظى = مـذ أنجـبت فـيها المآتمَ دارُها
ومُذِ استفاقَ على جنوحِ غـزاتِنا = واستأصلَ الحلمَ الشفيف سعارُها
كلّ الذين تزوَّجوا لــــــم يُنْجِبوا = الآيَ ضــمَّت قــامـتي أحجـارُها
جـئنا وأدمـتـنا ولادةُ حـــزنِـنـا = تـُـذكــي بأعـراقي الجحيمَ شِرارُها
مــوتٌ أنا لـملـمـْتُ أحجارَ الردى = ويحفُّ قــبـري فــــي الضياعِ حِوارُها
مُـذْ جـئتُ والمنفي يُراودُ عالمي = ومآذني فــيـها الْتَــوَتْ أسْحارُها
وبـكى الأذانُ فــغيَّــبوا أنـفاسَهُ = ونَـعــى محاريبَ الركــوعِ نِفارُها
وبكتْ فوانيسي فــفــزَّتْ دمـعـتـي = وجَـرَتْ تـَخُـدُّ بـمقـلـتـي آثارُها
وشكـتْ زمانَ الفـوضوية غابتي = ورمى سلاسلـه بـهـا منـشـارهـا
يجـتثُّ لا يـعـيا شـبـابَ ربــوعِـنـا = فـتـشـيـلُ تابـــوتي إليَّ قـفارها
طــاروا على كفِّ العذابِ حمائماً = خُضْراً وينقُـل روحهم منـقارُها
هــشَّتْ لـهـم أبوابُ جَـنـّةَ مَنْ دحَا = بُـرْجَ الوجودِ بهم يشبُّ أُوارُها
وتساقطوا ورقَ الخريفِ وما انْحَـنَتْ = قاماتُهـم وتكـوَّرت أقـدارُها
كـلا ومـا زالـتْ هـنـا أسماؤهم = فـي مـرفأ الأنـفاسِ يمـطــرُ ثارُها
وطني زحوفُ الموتِ فيه تشابكــتْ = أشـكالُـــهُ وبـه عـلا إنــذارُها
وتـعـدَّدتْ ألــوانُه فارَ الجوى = غـيضـاً ولاحَتْ في البُروقِ مِهارُها
ومـــآتـمٌ حـاراتُـه مــــدّ الـمـدى = صـنـعَـت بـه لـونَ الدمار كبارُها
والأرضُ ما زالـتْ بـها يَـلِدُ الردى = وتعدُّ للفلقِ القريــبِ عِسارُها
فالـفجـرُ آتٍ والعراقُ الملتــقى = وغـداً قـريبٌ والشَّـرارُ شَـرارُهــا
وتعـودُ مـن عدمٍ خيولٌ غادرتْ = وتعدّ ميلادَ الضحى (أنـبـارُهـــا)
19/12/2009
دمشق

أحمد نمر الخطيب
12/02/2010, 03:03 PM
نص عميق
وسلس
وأحاط بكلّ جرح شعرا
أنفاس شعرية لشاعر نبضه من واقع الحياة
ومن واقع الجرح
ومن استرسال الذات
في البحث عن فضاء العزّة
أنفاس شعرية قابضة بجدارة على مستلزمات حياتها
أخي الشاعر المبدع خلف دلف الحديثي
أحييكوتثبّت
القصيدة لجمالها
وللعراق النابض بالنصر القادم
مع المودة

محمد إبراهيم الحريري
12/02/2010, 05:20 PM
نص مكتمل حمل المهوم وقدمها على طبق من وجع
ونقل الواقع عبر خيال ثر إلى الوجدان
شكرا لك أخي خلف

محمود فرحان حمادي
12/02/2010, 06:03 PM
الاستاذ الشاعر خلف دلف الحديثي
حييت أبا علي وانت تميس ببرد الخيلاء الطيب في رائعة سامقة
مبروك لنا ولك هذا الألق
تحياتي

خالد أولاد أحمد
12/02/2010, 06:29 PM
قصيدة في غاية الروعة والجمال

توشحت بإحساس الضمير المكبت

وأثارت جرحاً بالنفس قد تفتت


جميل ما كتبت سيدي / خلف دلف الحديثي


وقد راق لنا كثيراً


واصل عزف شِعرك الجميل


لك مني التحية والسلام

مجذوب العيد المشراوي
12/02/2010, 07:19 PM
كم هو جميل النص المتكامل أحييك أيها الجميل

ألف شكر

مصطفى الزايد
12/02/2010, 07:49 PM
الشاعر خلف دلف الحديثي
أين كان عنا هذا الإبداع ، أيها النابض في أعماق الجراح.
لقد قلت كل شيء. وأنا لم اعتد التصفيق للمآسي وإن كان التعبير عنها إبداعيا.
لكن قصيدتك هذه معلقة أحكم نسجها ، وتمكنت ألفاظها في سياقها بقوة ومتانة سبك. مع صور واضحة المعالم عميقة الأثر لمشاعر فياضة تحكي وتبكي.
ماذا اقول أيها المبدع أمام قصة التاريخ والحاضر التي تعرضها ، وكيف أعبر عن مشاعري تجاه ما قرأت.
تساؤل بسيط .. لقد استعصى علي فهم التركيب في قولك:
وتلفّني عجلـى سواتـرُ حُرقتـي ... ليغيبَ بي قمـرٌ تناعـسَ غارُهـا
فقلبته على وجوه ، ولم أتمكن من فهمه ، فأرجو منك بيانه.
وتساؤل آخر عن كثرة استخدامك للفعل (شال) بمعنى (حمل) :
وتشيلُ أكتافـي زحـوفَ مآتمـي ، ويشيل وجهي كل ألوان الأسى ، فتشيل تابوتي إلي قفارها.
فهل هذا الاستخدام صحيح؟
تحياتي للشعر الذي اشتاقت إليه أسماعنا كثيرا ، فوجدناه اليوم في قصيدتك المتفردة.

محمد نجيب بلحاج حسين
13/02/2010, 01:40 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المبدع الفاضل خلف دلف الحديثي


إيه يا مدن الجراح

وستواصلين الإستهانة بالشعراء

وسوف تقهرين عشاقك

بلا هوادة

أخي خلف ، نصك هذا في قمة رتب الإبداع

بارك الله فيك

تحياتي العطرة

منى حسن محمد الحاج
13/02/2010, 05:16 PM
أحسنت وأجدت أيها الشاعر الشاعر..
لله أنت ولله درك..
لافض الله فاك يا أخي على هذا البناء الشعري الباذخ الجمال
والرائع السبك والتلحين..
توقفت هنا كثيرا وتجولت في زوايا واركان الجرحُ المُقيم يا أخي..
أسأل الله أن يجبر الكسر وأن يجزيك عليها خيرا..
وأرحب بعودتك بعد غياب..
مع فائض مودتي وتقديري

خلف دلف الحديثي
14/02/2010, 12:43 AM
الاخ احمد نمر الخطيب /
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حملت كلماتك نبض الروح ودفق المشاعر .
اوحت لي بكثير .نسيم حروفك انعش نفسي .
ودغدغ مشاعري .واعتذر سلفا لغيابي .
لاني كنت خارج البلد ..

محمد حسن محمد الحاج
15/02/2010, 03:34 PM
حمداً لله على سلامتك أيها المخضرم

قصيدة تحدوها روعتها وجمال لايقاوم

لك مني كل الود والتقدير

خلف دلف الحديثي
16/02/2010, 12:51 AM
الاخ محمد ابراهيم الحريري /
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ

سيبقى نشيد وجع الاوجاع يعزف على وتر الحنين
وننغمه الحانا .حتى نصفق لنشيد الانفراج.
شكرا اخي للمرور ..

فخري فزع
16/02/2010, 04:11 AM
فالفجـرُ آتٍ والعـراقُ الملتـقـى وغداً قريـبٌ والشَّـرارُ شَرارُهـا
وتعودُ من عـدمٍ خيـولٌ غـادرتْ وتعدّ ميـلادَ الضحـى (أنبارُهـا)


لله در شعراء العراق وجزالة ألفاظهم
تابعتهم في امير الشعراء
وتابعتهم في المنتديات
شموخ واباء ومتانة لا حدود لها
الشاعر المبدع خلف دلف الحديثي
احييك على هذه القصيدة الرائعة
لا يستقيم وضع الامة ان لم يستقم وضع العراق
ستعود حرة ابية لقيادة الامة العربية
وان غداً لناظره قريب
محبتي وتقديري

د. عيدة مصطفى مطلق
16/02/2010, 12:29 PM
الأخ المبدع خلف الحديثي
قصيدة رائعة في كل تفاصيلها موضوعاً ولغة.. شاعرية راقية ..
فلا العراق ولا مدن العراق ستبقى مدناً للجراح والنزيف .. فأمطارها قادمة ..على أجنحة الأحرار وبريق الدم الطاهر .. تقتلع الحقدة والمتسلقين فوق العظام والجثث والخرائب
لله درك يا عراق .. شمس تغيب ولن تغيب
مع المودة
د. عيدة مصطفى المطلق قناة
اربد / الأردن

خلف دلف الحديثي
19/02/2010, 03:42 AM
الاخ محمود فرحاان /
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يا ابن بلدي ويا ابن محافظتي
دمت متالقا شعر ونثرا ..

خلف دلف الحديثي
20/02/2010, 01:22 AM
الاخ خالد /
ـــــــــــــــــــــــــــــ

وشحتني واطرت قصيدتي بزهو حرفك .
شكري اليك..

علاء القهوجي
22/02/2010, 01:27 AM
مدن الجراح

***
واعشوشبت فيـهـا بـراكـين الردى = وزهت على آلآلامها أزهارُها
دمشق
استاذي الكريم
قصيدة جميلة رغم ما تحمله من آلام و أوجاع
ولا الومك على ذلك و انت تصف حال مدن العراق العزيز
تحياتي على النص الجميل
ولكن اسمح لي ان انبه الى خطأ في كلمة آلامها اعلاه
تقبل ودي واحترامي

خلف دلف الحديثي
22/02/2010, 05:39 PM
للاخ مجذوب العيد المشراوي /
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ

فائق الحب والتقدير .لمرورك وقراءتك .
لما كتبت شكري اليك ..

خلف دلف الحديثي
24/02/2010, 12:22 AM
الاخ مصطفى الزايد /
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شكرا لردك المبد ايها المبدع .
دم حبيبي الكريم بتفسيراتك لهذا البيت .
وتحليلك.
له .واما كلمة تشيل فهي كما عنيت ..
شكري الكبير لاعتنائك وعنايتكدمت موفقا..