المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التناسل الغريب



محمود عباس مسعود
13/02/2010, 07:35 PM
ماذا يحل بالعالم لو نما جميع أفراد النباتات والحيوانات؟

لا يخفى أن تزاحم النباتات والحيوانات المتكاثرة على موارد العيش المحدودة يعود إلى تنازع دائم مستمر بين الأنواع والأفراد يسمى في عرف علماء الطبيعة (تنازع البقاء).

فهل خطر ببالكم أصدقائي أن تتساءلوا عن نسبة الأحياء الذين يُقضى عليهم في هذا النزاع قياساً على الذين يبقون وينمون؟

إن هذه النسبة عظيمة جداً تفوق كل تصور ولا بد أن تعرو القارئ الدهشة عندما يطلع فيما يلي على ما كان يحلّ بالعالم لو نمت النباتات والحيوانات بدون رادع قوي يوقفها عن التكاثر ويبيد منها أكثر بكثير مما يبقي!

ولنبدأ بالأرنب مثلا فإنه من أبكر الحيوانات في التناسل، إذ يبدأ في هذه الوظيفة وهو في الشهر السادس من حياته، وتتوالى أعقابه بمعدل ثمانية ولادات أو أكثر في السنة. وقد حفظ أحد العلماء زوجاً من الأرنب سنة واحدة فبلغ صغارهما في آخرها 58. وحسبَ عالم آخر أنه لو تناسل زوج واحد من الأرنب وتعاقب نسله تعاقباً مستمراً لأصبح عدد هذا النسل بعد ثلاث سنوات 13718000 أرنب فتأملوا!

ولا يخفى ما تأتيه بعض الحشرات من الأضرار بالزراعة ولكننا إذا فكرنا فيما كانت تصير إليه الحال لو لم يتوقف نمو هذه الحشرات وتناسلها لدهشنا من هول تلك النتيجة.

ولنكتف هنا بأن نتخذ الفراشة البيضاء مثلاً. فإن هذه الفراشة تضع في المرة الواحدة أربعين بيضة والغالب أنها تلد مرتين في الصيف الواحد. فإذا فرضنا أن نصف هذا العدد ذكور والنصف الآخر إناث، وفرضنا أن كلاً من الإناث تلد مثل هذا العدد بدون انقطاع لبلغ عددها في آخر السنة الثالثة ألف مليون فراشة!

فتصوروا الضرر الذي كان يحلّ بالعالم من هذه الفراشات وهي في الطور الدودي caterpillar لو صح هذا الحساب. ثم أنها لو طارت كلها دفعة واحدة فوق سماء إحدى المدن لحجبت نور الشمس عن المدينة وجعلتها في ظلام دامس.

ولننتقل الآن إلى الأسماك وهي مشهورة بكثرة نسلها، فقد حسب أحدهم بالتدقيق عدد البيض الذي تحمله سمكة واحدة من سمك القد (الذي يستخرج منه زيت السمك) فوجد أنه لا يقل عن سبعة ملايين بيضة. فإذا فرضنا أن هذا العدد كله نما وعاش وأن كل سمكة من هذه الملايين السبعة وضعت مثل هذا العدد أيضا فإن بحر المانش (على سبيل المثال) يضيق عن أن يسع هذا السمك كله. هذا على فرض أننا أخذنا سمكة واحدة وأن أفراخها تعاقبت مرة واحدة فقط. ولو تناسلت مدة ثلاث سنوات متوالية لضاقت عنها مياه البحار كلها.

اقتصرنا في ما تقدم على الحيوانات، وإذا انتقلنا إلى عالم النبات زادت دهشتنا. فإن أحد علماء النبات بحث في تناسل نوع من أنواع شجرة الخردل فأتى على هذه النتيجة الغريبة، وهي أنه إذا تناسلت هذه الشجرة بلا توقف ونمت جميع بزورها مدة ثلاث سنوات كان منها ما يملأ ألفي ضعف الأراضي اليابسة على الكرة الأرضية!

ومن النبات نوع لا زهر له يعرف بالخنشار يتناسل بحبيبات صغيرة متجمعة على ظهر ورقة وهي بعيدة الإنتشار لخفتها. فعدد هذه الحبيبات عظيم جداً يتراوح بين الخمسين مليوناً والمائة مليون للنبتة الواحدة في نوع الخنشار الاعتيادي، وفي بعض الأنواع الأخرى يبلغ عددها بضعة آلاف الملايين. فإذا فرخت جميعها احتاجت إلى مساحة من الأرض لا تقل عن مليوني فدان.

وأغرب من الخنشار النباتات الفطرية fungi وقد قدر عدد الحبيبات المتولدة على نبتة واحدة منها بنحو 7 ترليون. وإذا نظرنا إلى نبتة الفطر الاعتيادية mushroom لم يقلّ عدد الحبيبات في الواحدة عن ألفي مليون.. وقس على ذلك أمثلة كثيرة من العالم النباتي.

إلا أن بعض النباتات والحيوانات أبطأ كثيراً في التناسل من الأمثلة المتقدمة. خذ شجرة السنديان أو البلوط مثلا، فلو فرضنا أن جميع أثمارها (وعددها لا يتجاوز عشرة آلاف) نمت وفرخت فإنه يتكوّن منها غابة لا يزيد حجمها على ألف فدان.

ومثل السنديان في عالم النبات الفيل في عالم الحيوان، فهو من أبطأ الحيوانات تناسلاً. فالفيلة الواحدة لا تلد قبل سن الثلاثين ولا تضع أكثر من ستة أفيال في حياتها، وقد حسب داروين الشهير Darwin، مستنداً على ما تقدم أنه لو تعاقب الأفيال بلا توقف وعاش كل واحد مئة سنة لأصبح نسل الفيلة الواحدة الباقي حياً بعد 750 سنة 19 مليون فيل، وهو عدد كبير إلا أنه لا يجب أن يبرح من ذهننا أننا فرضنا التناسل مدة سبعة قرون ونصف.

فماذا تستنج من كل ما تقدم؟ ولماذا تفرط الطبيعة كل هذا الإفراط في النسل ثم تقضي على معظمه؟

لا شك أن المانع الأكبر لنمو جميع الأفراد هو مسألة الغذاء، فإن الأرض أضيق من أن تسع كل ما تقدمه لها الطبيعة من طالبي البقاء نباتاً وحيواناً. فلكل مكان يفرغ يتقدم ألوف لإملائه، فلا يفوز إلا الأصلح..

أقوال في المدنية

أرقى الشعوب تمدناً أقربها إلى الهمجية، كقرب أصقل أنواع الفولاذ إلى الصدأ. فالأمم كالمعادن لا يدوم صقلها ولمعانها.

ليس قياس المدنية الحقيقي بالإحصاء أو بحجم المدن أو قيمة الحاصلات والتجارة، بل بنوع الرجال الذين تخرجهم إلى العالم.

إن الثروة والراحة والوفرة التي تنشأ عن أرقى حالات المدنية تنمّي في الإنسان حب الذات كما ينميه الفقر والجدب والضيق في أحد حالاتها.

لا تتأتى المدنية للإنسان إلا بالنزاع المتواصل الذي يضحّي بالملايين حتى يتمكن الألوف من استخدام أجسامهم سلماً يصعدون عليه درجات الإرتقاء.

الأمم كالأفراد تحيا وتموت، ولكن المدنية الحقيقية لا تخشى الموت.

والسلام عليك

المصدر: مجلة الهلال - الجزء الثالث – السنة الرابعة والعشرون

الإعداد بتصرف: محمود عباس مسعود

اسامة دياب
13/02/2010, 11:46 PM
تحية للعزيز الغالي الاستاذ الكبير محمود عباس مسعود
اعجبني كثيرا اختيار النص واعجبني اكثر السؤال المطروح في نهاية المقال والاجابة عنه بان" الارض اضيق من ان تتسع كل ماتقدمه الطبيعة من طالبي البقاء نباتا وحيوانا "
والاقوال في المدنية وثيقة الصلة بالموضوع المطروح
اضم صوتي الى صوتك بالدعوة إلى التميز في سبيل البقاء فلا التاريخ ولا الطبيعة تسمح لنا كشعوب بالبقاء ما لم نكن اقوياء ومتميزين فالامل موجود وكما قال الكاتب المسرحي سعدالله ونوس "نحن محكومون بالامل " ومع الارادة والعمل نحن محكومون بالنجاح والبقاء
اسعد الله اوقاتك وحياك صديقي العزيز

محمود عباس مسعود
16/02/2010, 05:30 PM
تحية للعزيز الغالي الاستاذ الكبير محمود عباس مسعود
اعجبني كثيرا اختيار النص واعجبني اكثر السؤال المطروح في نهاية المقال والاجابة عنه بان" الارض اضيق من ان تتسع كل ماتقدمه الطبيعة من طالبي البقاء نباتا وحيوانا "
والاقوال في المدنية وثيقة الصلة بالموضوع المطروح
اضم صوتي الى صوتك بالدعوة إلى التميز في سبيل البقاء فلا التاريخ ولا الطبيعة تسمح لنا كشعوب بالبقاء ما لم نكن اقوياء ومتميزين فالامل موجود وكما قال الكاتب المسرحي سعدالله ونوس "نحن محكومون بالامل " ومع الارادة والعمل نحن محكومون بالنجاح والبقاء
اسعد الله اوقاتك وحياك صديقي العزيز

وتحية لك أيها الصديق العزيز أسامة
أفكارك تتلامح منها إضاءات رائعة تضفي على الموضوع جمالاً وتزيده فائدة.
تحياتي ومودتي