المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحقد: ماذا يفعل هذا الشعور بنا؟



محمود عباس مسعود
15/02/2010, 04:18 PM
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/6/6e/Balzac.jpg/225px-Balzac.jpg

كيف نخلص أنفسنا من الحقد؟

"ما أكثر الخير الذي يعود علينا لو أننا بذلنا الجهد الكبير الذي نبذله في التفكير في الشقاء الذي يصيبنا ووجهناه وجهة أخرى، إلى العمل النافع المثمر!" ت. س. إليوت

كتب أونوري دي بلزاك Balzac كاتب فرنسا الشهير (1799-1850) يصور أحاسيسه ومشاعره في إحدى مراحل حياته المبكرة، تلك التي لازمته وانعكست في بعض قصصه ومؤلفاته عندما أمسك بالقلم ليكتب ويصبح واحداً من مشاهير الأدباء في العالم:

"كنت في الحادية عشرة، وكانت أختي التي تصغرني بستة عشر شهراً هي صديقتي الوحيدة. كنا نلعب معاً ونأكل معاً وننام معاً، فلم يكن لي أصدقاء!"

"وكثيراً ما كنت أتساءل: ولكن لماذا لا يكون لي أصدقاء؟ وما هو سر عزوفهم عن دعوتي لمشاركتهم اللعب؟ أليس غريباً أن يلجأوا إليّ عندما يشعرون بعجزهم عن فهم دروس الجبر والحساب، ثم ينسونني عندما يخرجون للهو واللعب؟!"

ذكريات الطفولة
كانت ليلة من ليالي الشتاء البارد بمدينة تور Tours بفرنسا، عندما جلس الصبي الصغير بلزاك وراء زجاج نافذته يرقب الثلوج المتساقطة وأبناء الحي وهم يلعبون فوق التل القريب، فيتراشقون بالثلج ثم يجمعونه ليصنعوا منه التماثيل. وكانوا يمرحون ويغنـّون.. أما هو فقد كان يبكي لأن أحداً من هؤلاء الأصدقاء لم يهتم بدعوته لمشاركتهم في لهوهم!

وفجأة سمع الصبي الصغير صوت والده. لقد كان يقف على مقربة منه ويرقب الانفعالات التي ظهرت على وجهه، إلى أن سمعه ينتحب، فربت على كتفه في رفق وسأله: "لماذا تحزن يا بني؟"

فأجاب الصبي: "لأنهم لا يريدونني.. ولا يحبونني، ولكنني سأنتقم منهم.. لن يجدوا مني مساعدة بعد اليوم في شرح ما غمض عليهم من دروس!"

وابتعد الصبي عن نافذته، وذهب يبحث عن أخته التي كانت تلهو بعرائسها الصغيرة، فجلس معها يساعدها على إعداد العرائس للنوم!

تصرف صبياني.. ولكن من منا نحن الكبار لم يفكر مثلما فكر بلزاك، ويتصرف مثلما تصرّف، ويفعل ما فعله هذا الصبي الصغير الذي شعر بالحقد على أصدقائه لأنهم لم يشركوه في لعبهم ولهوهم؟

الحقد عند بلزاك
إن بلزاك نفسه لم يستطع أن يتخلص من هذه الصور وغيرها من صور أخرى كان يعاني منها في طفولته، إلا بعد أن أمضى سنوات طويلة من البحث في طبيعة النفس البشرية، ومن الغوص في أعماق الإنسان ودراسة أخلاقه ومزاجه.

ولم يكن بلزاك حاقداً على أصدقاء طفولته فحسب، بل لقد حقد على أمه أيضاً، تلك المرأة التي حجبت عن طفليها الحب والعطف والرعاية التي يبحث عنها كل طفل، لأنها هي بدورها كانت حاقدة على نفسها وعلى والديها وعلى نصيبها من الحياة التي جمعتها برجل يكبرها بأكثر من ثلاثين عاماً، فأصبح زوجاً ووالداً لطفليها.

قال بلزاك بعد هذا في كتابه "سيكولوجية الزواج":
"إن الحقد عدْوى.. فإذا أصاب هذا المرض أحد أفراد الأسرة.. انتقلت عدواه إلى الأسرة كلها!"

عالم الأحقاد
ونحن نعيش في عالم مليء بالأحقاد.. فنحن نحقد إذا تخلى عنا الحظ، أو تخلف بنا قطار الحياة.. ونحقد إذا فاتتنا ترقية أو إذا كانت الترقية من نصيب غيرنا، سواء كان يستحقها أو لا يستحقها.. ثم نحقد إذا شعرنا بأن أزواجنا أو أولادنا لا يقدّرون ما نبذله نحوهم من جهد ومن تضحيات.. ونحقد إذا أساء إلينا صديق، أو اغتابنا في غيابنا، ونحقد بعد هذا كله لأي سبب ولأتفه سبب. ونذهب للنوم بعد أن ينتهي النهار، وعندها فقد نشعر بأثر هذا الحقد وما تركه في نفوسنا وأذهاننا. فقد هرب النوم من أعيننا، وعبثاً نحاول أن نطرد من رؤوسنا تلك الأفكار المعتمة التي استبدّت بها وسيطرت عليها.

لا نستطيع أن ننسى
كتبت زوجة شابة تشكو، قالت: "إنني مضطرة إلى العيش مع شقيقي وزوجته، فقد توفي والدانا، ولم يعد لي من عائل يرعاني سوى شقيقي الوحيد.. لكن زوجته لا تريدني في بيتها.. إنها تقسو في معاملتها معي، وتغلظ لي القول.. إنني لا أستطيع أن أنسى ذلك اليوم الذي قررتْ فيه زوجة أخي أن تصطحب زوجها للقيام برحلة خارج المدينة عندما علمت أن اليوم هو عيد ميلادي. وذهب شقيقي وزوجته دون أن يتمنيا لي عيداً سعيداً!"

لقد شاء سوء حظ هذه الفتاة أن يموت والداها قبل أن تتزوج، وهكذا اضطرت إلى الاعتماد على شقيقها. ولو كانت تعمل لتغير الحال، فقد كان من الممكن أن تعتمد على نفسها وتستقل بحياتها.. ومن أجل ذلك تحقد هذه الفتاة على شقيقها وعلى زوجته، ويضاعف من حقدها أنها لا تستطيع أن تنسى.

الحقد وحوادث الطلاق
يقول علماء النفس أن حمْلنا للضغينة بطريقة شعورية أو لاشعورية، وتذكرنا بصورة دائمة لما سبق أن تعرضنا له من إذلال أو مهانة، وإحساسنا المستمر بالظلم الواقع علينا.. كل هذه العوامل تغذي الشعور بالحقد في نفوسنا، وتدفعنا دفعاً إلى كراهية كل شيء يمت إلى الحياة من حولنا بصلة..

لقد أحصوا حوادث الطلاق في عام واحد، فوجدوا أن أكثر من نصفها يرجع أساساً إلى نشوب خلاف بين زوجين، كان م الممكن ومن السهل إزالة أسبابه ودوافعه، لولا أن الزوجة لا تريد أن تنسى، أو أن الزوج لا يستطيع أن يطرد حوادث هذا الخلاف من رأسه.

لماذا إذاً نضيّع حياتنا في التفكير في أحداث ومشاكل ومسائل كان يمكن أن تطوى، كما تطوى صفحات الكتاب الذي فرغنا من قراءته، وننساها أو نتناساها مع الزمن؟

يقول الفيلسوف أروين أيدمان Erwin Edman "إننا نحترق حقدا.. ولو أننا كرّسنا تلك الطاقة الضخمة التي نبذلها في البكاء على جراح الماضي، في تحسين الظروف والأحوال التي تثير أحزاننا من حولنا، لاستطعنا أن نغيّر من أنفسنا ونغير من مسلك وتصرفات كل هؤلاء الذين تسببوا في إثارة أحقادنا".

حياة جديدة
روى أن أحد قضاة الإنكليز قصة رجل قضى في السجن ستة عشر عاماً لإدانته في جريمة قتل لم يرتكبها.. فقد كان القاتل هو عم السجين، وقد رفض أن يعترف بجريمته، وكانت النتيجة أن تحمّل ابن أخيه العقاب الذي استحقه العم.. وخرج البريء المدان من السجن، ولكن لا لينتقم، وإنما ليبدأ حياة جديدة في الأربعين من عمره.. فقد دخل مدرسة ليتعلم فيها الوعظ والإرشاد، لكي يعود بعد هذا بما تعلمه إلى زملائه وراء قضبان السجن يحدثهم ويرشدهم ويوجههم إلى ما فيه خيرهم وخير الإنسانية التي يمثلها هذا الرجل الذي ظلمه المجتمع.

والأطباء ينصحوننا بأن ننسى ونعفو.. فهم يؤكدون أن 80% من حالات الصداع وسوء الهضم وفقر الدم وقرحة المعدة وارتفاع ضغط الدم سببها الأساسي تفكيرنا المستمر في أحزاننا وحقدنا على الناس وسخطنا على الحياة وعلى كل من يعيشها! حتى مرضى القلب، ليسوا هم وحدهم الذين يعملون أكثر من طاقتهم، لكن أيضاً هؤلاء الذين يشعرون بالسخط على عملهم المرهق الكثير.

أسباب الحوادث
حتى حوادث المرور، لقد ثبت من الإحصاءات التي أجريت كجزء من تلك المحاولات الدائبة للتقليل منها والحد من خطرها، إن 40% من هذه الحوادث يقع نتيجة للحالة النفسية السيئة التي يعاني منها سائق السيارة نفسه أو المشاة الذين تشغلهم مشاكلهم عن رؤية الخطر المحدق بهم وهم يعبرون الشارع.

والمرأة كذلك، تلك التي تعيش بين جدران بيتها، إنها معرّضة للحوادث والأخطار التي قد تنجم عن سوء استعمال موقد الغاز أو التيار الكهربائي، إذا كانت من هذا النوع الناقم دائماً الحاقد على الحياة وعلى نصيبها منها!

وكذا الإنتاج في المصانع والشركات، كثيراً ما يتأثر نتيجة للسخط الذي يشعر به العاملون تجاه رئيسهم أو المسؤول عنهم.

البحث عن الأسباب
ماذا نفعل لكي نخلـّص أنفسنا من هذا الشعور؟ إن أول خطوة يتحتم علينا أن نخطوها هي أن نبحث عن مصدر هذا الشعور بالمرارة أو الحقد الذي يملأ نفوسنا، ثم نبذل كل ما في وسعنا بعد ذلك لإزالة مسبباته ودوافعه.. وسوف نكتشف من خلال محاولتنا هذه أن السبب كامن في نفوسنا نحن.. ولكنها الطبيعة البشرية هي التي تجعلنا دائماً نتغاضى عن أخطائنا ومساوئنا، ونحاول أن نلقي دائماً اللوم على الآخرين.


لا بد أن ننسى
أما الخطوة الثانية التي يجب أن نخطوها في سبيل التخلص من شعورنا بالمرارة أو الحقد، فهي أن نحاول أن ننسى..

روى أحد الكتاب قصة زوجين فقدا ابنهما الوحيد في ميدان القتال. وقال الكاتب يكمل روايته: "لقد كان والداه يحبانه حباً يفوق كل تصور، حتى أنهما رفضا أن يتركا للحزن والمرارة على فقد ابنهما الوحيد، أية فرصة لإفساد تلك الذكرى الجميلة العاطرة التي يحملانها له في قلبيهما."

ترى ماذا فعل هذان الأبوان؟

قال الكاتب: "لقد جمعا كل ما لديهما من مال وافتتحا به مدرسة أطلقا عليها إسم ابنهما، لتعليم أبناء الشهداء الذين ماتوا معه في الحرب، بالمجان!"

لكن التخلص من الشعور بالحقد والمرارة لا يكفي وحده، فالعقلاء هم الذين يملأون نفوسهم بعد ذلك بآمال جديدة للمستقبل.

الحياة والجمال
وكما أن الحب يولـّد الحب، كذلك الحقد يولـّد الحقد ويغذيه. ومهما كانت أسباب شعورنا بالحقد، فهي لا تستحق منا كل هذا الإهتمام الذي يستنفد جانباً كبيراً من نشاطنا وحيويتنا وتفكيرنا..

كثير من الصور الجميلة من حولنا تحجبها عنا الجراح المفتوحة التي ما زالت تنزف دماً.
الشمس تشرق ولكننا لا نراها ولا نشعر بدفئها..
والطيور تغرد فلا نسمعها..
والزهور تتفتح ونحن غافلون عنها..

الحياة مليئة بالجمال.. فلماذا لا نستمتع بها؟
لماذا لا ننسى أحقادنا
وندفن أحزاننا
لنرى هذا الجمال وننعم به
قبل أن يتوقف بنا قطار الحياة
في نهاية رحلته؟!

والسلام عليكم

منير نصيف
مجلة العربي – العدد 137 - أبريل 1970

الإعداد بتصرف: محمود عباس مسعود

تفضلوا أيضاً بقراءة موضوع (أين السعادة) على الرابط التالي:
http://www.wata.cc/forums/showthread.php?t=68764

محمد محمد حسن كامل
15/02/2010, 04:33 PM
أخي المفضال الكريم الفليسوف / محمود عباس مسعود
لن ازايد علي ماكتبتَ اكرمك الله
هي رسالة للجميع
وقد وصلت الرسالة وفهمتُ ما تعني
في التوقيت اللازم
تحياتي ايها البحر الملئ بالحب والنقاء
محمد محمد حسن كامل

علي حسن القرمة
15/02/2010, 05:30 PM
أخي العزيز المحمود محمود عباس مسعود

أرى وقد قرأت عنوان موضوعك فقط، أنَّ "الحقد يحرق قلب صاحبه قبل أن يؤثر في هدفه".

سجلت الآن حضوري هنا لأعود غداً بمشيئة الله تعالى لقراءة الموضوع ومن ثم التشرف بالمشاركة.

لك الحب في الله والتقدير على ما لاحظته من نشاط لك ملحوظ واع موجِّه تشكر عليه، كثَّر الله من أمثالك.

تسنيم زيتون
15/02/2010, 06:19 PM
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/6/6e/Balzac.jpg/225px-Balzac.jpg

كيف نخلص أنفسنا من الحقد؟

"ما أكثر الخير الذي يعود علينا لو أننا بذلنا الجهد الكبير الذي نبذله في التفكير في الشقاء الذي يصيبنا ووجهناه وجهة أخرى، إلى العمل النافع المثمر!" ت. س. إليوت

كتب أونوري دي بلزاك Balzac كاتب فرنسا الشهير (1799-1850) يصور أحاسيسه ومشاعره في إحدى مراحل حياته المبكرة، تلك التي لازمته وانعكست في بعض قصصه ومؤلفاته عندما أمسك بالقلم ليكتب ويصبح واحداً من مشاهير الأدباء في العالم:

"كنت في الحادية عشرة، وكانت أختي التي تصغرني بستة عشر شهراً هي صديقتي الوحيدة. كنا نلعب معاً ونأكل معاً وننام معاً، فلم يكن لي أصدقاء!"

"وكثيراً ما كنت أتساءل: ولكن لماذا لا يكون لي أصدقاء؟ وما هو سر عزوفهم عن دعوتي لمشاركتهم اللعب؟ أليس غريباً أن يلجأوا إليّ عندما يشعرون بعجزهم عن فهم دروس الجبر والحساب، ثم ينسونني عندما يخرجون للهو واللعب؟!"

ذكريات الطفولة
كانت ليلة من ليالي الشتاء البارد بمدينة تور Tours بفرنسا، عندما جلس الصبي الصغير بلزاك وراء زجاج نافذته يرقب الثلوج المتساقطة وأبناء الحي وهم يلعبون فوق التل القريب، فيتراشقون بالثلج ثم يجمعونه ليصنعوا منه التماثيل. وكانوا يمرحون ويغنـّون.. أما هو فقد كان يبكي لأن أحداً من هؤلاء الأصدقاء لم يهتم بدعوته لمشاركتهم في لهوهم!

وفجأة سمع الصبي الصغير صوت والده. لقد كان يقف على مقربة منه ويرقب الانفعالات التي ظهرت على وجهه، إلى أن سمعه ينتحب، فربت على كتفه في رفق وسأله: "لماذا تحزن يا بني؟"

فأجاب الصبي: "لأنهم لا يريدونني.. ولا يحبونني، ولكنني سأنتقم منهم.. لن يجدوا مني مساعدة بعد اليوم في شرح ما غمض عليهم من دروس!"

وابتعد الصبي عن نافذته، وذهب يبحث عن أخته التي كانت تلهو بعرائسها الصغيرة، فجلس معها يساعدها على إعداد العرائس للنوم!

تصرف صبياني.. ولكن من منا نحن الكبار لم يفكر مثلما فكر بلزاك، ويتصرف مثلما تصرّف، ويفعل ما فعله هذا الصبي الصغير الذي شعر بالحقد على أصدقائه لأنهم لم يشركوه في لعبهم ولهوهم؟

الحقد عند بلزاك
إن بلزاك نفسه لم يستطع أن يتخلص من هذه الصور وغيرها من صور أخرى كان يعاني منها في طفولته، إلا بعد أن أمضى سنوات طويلة من البحث في طبيعة النفس البشرية، ومن الغوص في أعماق الإنسان ودراسة أخلاقه ومزاجه.

ولم يكن بلزاك حاقداً على أصدقاء طفولته فحسب، بل لقد حقد على أمه أيضاً، تلك المرأة التي حجبت عن طفليها الحب والعطف والرعاية التي يبحث عنها كل طفل، لأنها هي بدورها كانت حاقدة على نفسها وعلى والديها وعلى نصيبها من الحياة التي جمعتها برجل يكبرها بأكثر من ثلاثين عاماً، فأصبح زوجاً ووالداً لطفليها.

قال بلزاك بعد هذا في كتابه "سيكولوجية الزواج":
"إن الحقد عدْوى.. فإذا أصاب هذا المرض أحد أفراد الأسرة.. انتقلت عدواه إلى الأسرة كلها!"

عالم الأحقاد
ونحن نعيش في عالم مليء بالأحقاد.. فنحن نحقد إذا تخلى عنا الحظ، أو تخلف بنا قطار الحياة.. ونحقد إذا فاتتنا ترقية أو إذا كانت الترقية من نصيب غيرنا، سواء كان يستحقها أو لا يستحقها.. ثم نحقد إذا شعرنا بأن أزواجنا أو أولادنا لا يقدّرون ما نبذله نحوهم من جهد ومن تضحيات.. ونحقد إذا أساء إلينا صديق، أو اغتابنا في غيابنا، ونحقد بعد هذا كله لأي سبب ولأتفه سبب. ونذهب للنوم بعد أن ينتهي النهار، وعندها فقد نشعر بأثر هذا الحقد وما تركه في نفوسنا وأذهاننا. فقد هرب النوم من أعيننا، وعبثاً نحاول أن نطرد من رءوسنا تلك الأفكار المعتمة التي استبدّت بها وسيطرت عليها.

لا نستطيع أن ننسى
كتبت زوجة شابة تشكو، قالت: "إنني مضطرة إلى العيش مع شقيقي وزوجته، فقد توفي والدانا، ولم يعد لي من عائل يرعاني سوى شقيقي الوحيد.. لكن زوجته لا تريدني في بيتها.. إنها تقسو في معاملتها معي، وتغلظ لي القول.. إنني لا أستطيع أن أنسى ذلك اليوم الذي قررتْ فيه زوجة أخي أن تصطحب زوجها للقيام برحلة خارج المدينة عندما علمت أن اليوم هو عيد ميلادي. وذهب شقيقي وزوجته دون أن يتمنيا لي عيداً سعيداً!"

لقد شاء سوء حظ هذه الفتاة أن يموت والداها قبل أن تتزوج، وهكذا اضطرت إلى الاعتماد على شقيقها. ولو كانت تعمل لتغير الحال، فقد كان من الممكن أن تعتمد على نفسها وتستقل بحياتها.. ومن أجل ذلك تحقد هذه الفتاة على شقيقها وعلى زوجته، ويضاعف من حقدها أنها لا تستطيع أن تنسى.

الحقد وحوادث الطلاق
يقول علماء النفس أن حمْلنا للضغينة بطريقة شعورية أو لاشعورية، وتذكرنا بصورة دائمة لما سبق أن تعرضنا له من إذلال أو مهانة، وإحساسنا المستمر بالظلم الواقع علينا.. كل هذه العوامل تغذي الشعور بالحقد في نفوسنا، وتدفعنا دفعاً إلى كراهية كل شيء يمت إلى الحياة من حولنا بصلة..

لقد أحصوا حوادث الطلاق في عام واحد، فوجدوا أن أكثر من نصفها يرجع أساساً إلى نشوب خلاف بين زوجين، كان م الممكن ومن السهل إزالة أسبابه ودوافعه، لولا أن الزوجة لا تريد أن تنسى، أو أن الزوج لا يستطيع أن يطرد حوادث هذا الخلاف من رأسه.

لماذا إذاً نضيّع حياتنا في التفكير في أحداث ومشاكل ومسائل كان يمكن أن تطوى، كما تطوى صفحات الكتاب الذي فرغنا من قراءته، وننساها أو نتناساها مع الزمن؟

يقول الفيلسوف أروين أيدمان Erwin Edman "إننا نحترق حقدا.. ولو أننا كرّسنا تلك الطاقة الضخمة التي نبذلها في البكاء على جراح الماضي، في تحسين الظروف والأحوال التي تثير أحزاننا من حولنا، لاستطعنا أن نغيّر من أنفسنا ونغير من مسلك وتصرفات كل هؤلاء الذين تسببوا في إثارة أحقادنا".

حياة جديدة
روى أن أحد قضاة الإنكليز قصة رجل قضى في السجن ستة عشر عاماً لإدانته في جريمة قتل لم يرتكبها.. فقد كان القاتل هو عم السجين، وقد رفض أن يعترف بجريمته، وكانت النتيجة أن تحمّل ابن أخيه العقاب الذي استحقه العم.. وخرج البريء المدان من السجن، ولكن لا لينتقم، وإنما ليبدأ حياة جديدة في الأربعين من عمره.. فقد دخل مدرسة ليتعلم فيها الوعظ والإرشاد، لكي يعود بعد هذا بما تعلمه إلى زملائه وراء قضبان السجن يحدثهم ويرشدهم ويوجههم إلى ما فيه خيرهم وخير الإنسانية التي يمثلها هذا الرجل الذي ظلمه المجتمع.

والأطباء ينصحوننا بأن ننسى ونعفو.. فهم يؤكدون أن 80% من حالات الصداع وسوء الهضم وفقر الدم وقرحة المعدة وارتفاع ضغط الدم سببها الأساسي تفكيرنا المستمر في أحزاننا وحقدنا على الناس وسخطنا على الحياة وعلى كل من يعيشها! حتى مرضى القلب، ليسوا هم وحدهم الذين يعملون أكثر من طاقتهم، لكن أيضاً هؤلاء الذين يشعرون بالسخط على عملهم المرهق الكثير.

أسباب الحوادث
حتى حوادث المرور، لقد ثبت من الإحصاءات التي أجريت كجزء من تلك المحاولات الدائبة للتقليل منها والحد من خطرها، إن 40% من هذه الحوادث يقع نتيجة للحالة النفسية السيئة التي يعاني منها سائق السيارة نفسه أو المشاة الذين تشغلهم مشاكلهم عن رؤية الخطر المحدق بهم وهم يعبرون الشارع.

والمرأة كذلك، تلك التي تعيش بين جدران بيتها، إنها معرّضة للحوادث والأخطار التي قد تنجم عن سوء استعمال موقد الغاز أو التيار الكهربائي، إذا كانت من هذا النوع الناقم دائماً الحاقد على الحياة وعلى نصيبها منها!

وكذا الإنتاج في المصانع والشركات، كثيراً ما يتأثر نتيجة للسخط الذي يشعر به العاملون تجاه رئيسهم أو المسؤول عنهم.

البحث عن الأسباب
ماذا نفعل لكي نخلـّص أنفسنا من هذا الشعور؟ إن أول خطوة يتحتم علينا أن نخطوها هي أن نبحث عن مصدر هذا الشعور بالمرارة أو الحقد الذي يملأ نفوسنا، ثم نبذل كل ما في وسعنا بعد ذلك لإزالة مسبباته ودوافعه.. وسوف نكتشف من خلال محاولتنا هذه أن السبب كامن في نفوسنا نحن.. ولكنها الطبيعة البشرية هي التي تجعلنا دائماً نتغاضى عن أخطائنا ومساوئنا، ونحاول أن نلقي دائماً اللوم على الآخرين.


لا بد أن ننسى
أما الخطوة الثانية التي يجب أن نخطوها في سبيل التخلص من شعورنا بالمرارة أو الحقد، فهي أن نحاول أن ننسى..

روى أحد الكتاب قصة زوجين فقدا ابنهما الوحيد في ميدان القتال. وقال الكاتب يكمل روايته: "لقد كان والداه يحبانه حباً يفوق كل تصور، حتى أنهما رفضا أن يتركا للحزن والمرارة على فقد ابنهما الوحيد، أية فرصة لإفساد تلك الذكرى الجميلة العاطرة التي يحملانها له في قلبيهما."

ترى ماذا فعل هذا الأبوان؟

قال الكاتب: "لقد جمعا كل ما لديهما من مال وافتتحا به مدرسة أطلقا عليها إسم ابنهما، لتعليم أبناء الشهداء الذين ماتوا معه في الحرب، بالمجان!"

لكن التخلص من الشعور بالحقد والمرارة لا يكفي وحده، فالعقلاء هم الذين يملأون نفوسهم بعد ذلك بآمال جديدة للمستقبل.

الحياة والجمال
وكما أن الحب يولـّد الحب، كذلك الحقد يولـّد الحقد ويغذيه. ومهما كانت أسباب شعورنا بالحقد، فهي لا تستحق منا كل هذا الإهتمام الذي يستنفد جانباً كبيراً من نشاطنا وحيويتنا وتفكيرنا..

كثير من الصور الجميلة من حولنا تحجبها عنا الجراح المفتوحة التي ما زالت تنزف دماً.
الشمس تشرق ولكننا لا نراها ولا نشعر بدفئها..
والطيور تغرد فلا نسمعها..
والزهور تتفتح ونحن غافلون عنها..

الحياة مليئة بالجمال.. فلماذا لا نستمتع بها؟
لماذا لا ننسى أحقادنا
وندفن أحزاننا
لنرى هذا الجمال وننعم به
قبل أن يتوقف بنا قطار الحياة
في نهاية رحلته؟!

والسلام عليكم

منير نصيف
مجلة العربي – العدد 137 - أبريل 1970

الإعداد بتصرف: محمود عباس مسعود



لماذا لا ننسى أحقادنا
وندفن أحزاننا
لنرى هذا الجمال وننعم به
قبل أن يتوقف بنا قطار الحياة
في نهاية رحلته؟!

اختيار انيق من رجل ..محب ويهوى الصفاء
محبتي ....
مساء النور

هيام ضمره
16/02/2010, 12:35 AM
ما يميز الانسان عن سواه من المخلوقات هو أحاسيسه ومشاعره وعقله الباطن الذي يخزن الرواسب ويضخم الأشياء
كثيراً ما يجر الإنسان على نفسه الويلات جراء ما يتكون داخل عقله الباطن من أحاسيس بعضها يطفو قريباً من السطح والبعض الآخر يرسب زمناً في القيعان البعيدة إلى حين يطفو فجأة
الشعور بالظلم يجلب الحزن ليتحول إلى الألم ومنه إلى الشعور بالقهر الذي يولد الحقد والرغبة بالانتقام.. إنما ترك الانسان نفسة عرضة لهذه المشاعر تطغى عليه وتتلبسه سيؤدي بالتأكيد إلى الأمراض النفسية والعضوية
انحسار مشاعر الدفء وتصحر العواطف عند الأطفال كثيراً ما ترك أثراً طويل المدى يظهره العقل الباطن كلما وجد صاحبه نفسه في المواقف المشابهة مما يضخم حجم الأحداث في نفسه
ولذلك فالأبناء الذين يعيشون داخل أسر مفككة مضطربة يميلون للانتقام من المجتمع والناس، وأحياناً من أنفسهم، نتيجة لما تعرضوا له من حرمان وعدم أمان واضطراب
الإهمال والقسوة والشعور بالإساءة تأخذ النفس باتجاه الاغتراب وتعبئ النفس بالضغينة
في دراسات عديدة وجد أن الطلاق بين الأزواج يقع في الخمس سنوات الأولى من الزواج قبل أن تكتمل فيهم مشاعر التحمل والتغاضي ولذلك اتجهت التوعية لهذه الفئة بالذات
والأغرب وجد أن أحداث الطلاق كثيراً ما تحدث لأسباب تافهة تؤدي إلى نوع من العناد والرغبة بالانتقام
التشاؤم شيء بغيض لأنه يجعل كل المرئيات مشوهة وكل الأحداث ذات جانب سلبي تتقصد صاحبها
الرسول صلى عليه وسلم أوجز المعنى السليم بعبارة " تفاءلوا خيراً تجدوه" ووصف المؤمن بأنه شخص متفائل، مستبشر بالخير، بشوش، متسامح، ليؤكد لنا الله تعالى أنه الغفور الرحيم
الحقد يستنفذ طاقات الانسان العقلية والنفسية فيقل ذكاءه وتضعف ذاكرته ويفقد تركيزه
فما أحوج الإنسان إلى إجراء عملية تنظيف داخلي لنفسيته لينفض عنها كل السلبيات ويتخلص من كل الرواسب من خلال شحن ذاته بالإيجاب وشحذها على الخير والعطاء
الجراح المفتوحة تفيض قيحاً يملأ النفس بالسوداوية فتأخذ صاحبها بعيداً عن الإحساس بالجمال أنى وجد
فقروح النفس تلقي بظلال سوداء تحجب النور عن الحقائق
إن تقوية الإيمان بالله وتمثل أخلاق الرسول الكريم كفيل بمنح النفس الدفع باتجاه السليم من التفكير ومن المشاعر
رب الخليقة منح الإنسان الخلقة الرائعة فصوره بأجمل صوره فلِما نشوه هذه الصورة بمشاعر الحقد والكراهية
ولما نعبئ دواخلنا بالألم والحزن طالما الله جلّ جلاله خلق فينا صفة النسيان والتناسي والقدرة على الغفران
لما نثقل الحمل على أعصابنا لنخسر صحتنا ونتحول إلى الأمراض
فلنتخفف ولندع النور يخرج منا وليس فقط نستقبله من خارجنا
الحياة تستحق أن نمنحها لتمنحنا
إن تقوية النفس تكون من خلال تحديها للسلب
حينها يتحول الأمر إلى عملية سهلة وتلقائية

الهادي محمد اوحيده
16/02/2010, 10:41 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
أعطاك الله الصحة والعافية وأراح بالك
يا مادح الحقد محتالا له شبها لقد سلكت اليه مسلكا وعثا
لن يقلب العيب زينا من يزينه حتى يرد كبيرا عاتيا حدثا
قد ابرم الله أسباب الأمور معا فلن ترى سببا منهن منتكثا
يا دافن الحقد في ضعف جوانحه ساء الدفين الذي أمست له جدثا

دمت أخونا محمود عباس

د. عيدة مصطفى مطلق
16/02/2010, 12:08 PM
الأخ المحترم محمود
اختيار موفق لشخص ذكي لظرف مناسب..
كنانة التراث الإنساني زاخرة بروائع الحكم وإبداعات السابقين .. ها أنت تعيدها سيرتها الأولى حية فينا .. في الحب والكره .. في الحقد والتسامح .. في التوافق والتناقض.. فتلك طبائع البشر .. ومن حكمتهم نستقي سبل الرشاد ..
فشكراً لما تبذله في مجال إضاءة الذاكرة واستعادتها مرة أخرى
لك التحية والمودة
د. عيدة مصطفى المطلق قناة

اسامة دياب
16/02/2010, 01:33 PM
تحيه الى البحار القديم المسافر بين صفحات الكتب والموسوعات الاستاذ محمود عباس مسعود
لعنترة بيت يقول :
لايحمل الحقد من تعلو به الرتب ولا ينال العلا من طبعه الغضب
طبعا ان الحقد وغيره من عدم الرضا عن الواقع والضغينة على الغير وعلى النفس احيانا كثيرة فيه هدر للطاقات .يقال ان الإنسان الناجح هو انسان غير حاقد وبالتالي العكس صحيح بالضرورة انا شخصيا اعتبر كلامي تنظير سهل ولكن احاول جاهد التخلص من هذه المنغصات ان صح تسميتها بهذا الاسم
انت من المبشرين الجدد والدعاة الى حب الحياة استاذ محمود
لك مني السلام

عزت التونسى
16/02/2010, 03:53 PM
سلمت يداك اخى **والحقد نار تأكل قلب صاحبها وقانا الله شر هذا الشعور:sha::sha::sha:

محمود عبد الستار
16/02/2010, 03:56 PM
أشكرك يا أخي العزيز/ محمود عباس على ما تقوم به من مجهود مثمر ومثير للنقاش الفعال الهادف فكم أنت جميل في كل مشاركاتك التي قرأتها لك فلك مني كل التقدير والإعجاب .
يقول الإمام الشافعي
نفسك إذا لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر.
والحقد هو مشاعر كراهية شديدة تشعر الفرد بالضيق الذي يخنق كل إحساس جميل داخل الفرد ويجذب كل الأفكار الشريرة التي تترجم في سلوك لفظي أوجسدي تجاه الأخرين ويحتاج هذا الفرد إلى العلاج العقلاني الإنفعالي الذي يتم فيه مناقشة الأفكار غير المنطقية أو غير العقلانية التي تستدعي مشاعر الكراهية وتسبب الأضرار لصاحبها .






لماذا لا ننسى أحقادنا
وندفن أحزاننا
لنرى هذا الجمال وننعم به
قبل أن يتوقف بنا قطار الحياة
في نهاية رحلته؟!
اختيار انيق من رجل ..محب ويهوى الصفاء
محبتي ....
مساء النور

محمود عباس مسعود
16/02/2010, 05:56 PM
أخي المفضال الكريم الفليسوف / محمود عباس مسعود
لن ازايد علي ماكتبتَ اكرمك الله
هي رسالة للجميع
وقد وصلت الرسالة وفهمتُ ما تعني
في التوقيت اللازم
تحياتي ايها البحر الملئ بالحب والنقاء
محمد محمد حسن كامل

مفكرنا الساطع الأستاذ الكبير محمد محمد حسن كامل
كما ترى يا صديقي الودود، نحاول بشتى الوسائل
تسليط الضوء على الإيجابيات وعلى السلبيات أحياناً، حسبما تقتضي الضرورة
لعلنا بذلك نجتنب الثانية ونفتح صدورنا للأولى.
دمتَ متألقاً يا كوكب واتا الدرّي
محبتي وتقديري أيها القلب الكبير.

محمود عباس مسعود
16/02/2010, 05:59 PM
أخي العزيز المحمود محمود عباس مسعود
أرى وقد قرأت عنوان موضوعك فقط، أنَّ "الحقد يحرق قلب صاحبه قبل أن يؤثر في هدفه".
سجلت الآن حضوري هنا لأعود غداً بمشيئة الله تعالى لقراءة الموضوع ومن ثم التشرف بالمشاركة.
لك الحب في الله والتقدير على ما لاحظته من نشاط لك ملحوظ واع موجِّه تشكر عليه، كثَّر الله من أمثالك.

أهلاً بأخي العزيز الأستاذ علي حسن القرمة
وأهلاً بإطلالتك البهية.
شرفتني بحضورك وغمرتني بكلماتك السخية
محبتي القلبية
وعليك السلام يا صديقي

محمود عباس مسعود
16/02/2010, 06:01 PM
لماذا لا ننسى أحقادنا
وندفن أحزاننا
لنرى هذا الجمال وننعم به
قبل أن يتوقف بنا قطار الحياة
في نهاية رحلته؟!
اختيار انيق من رجل ..محب ويهوى الصفاء
محبتي ....
مساء النور

العزيزة تسنيم
يسعدني أن الإختيار أعجبك
شكراً على المتابعة والقراءة المتمعنة
وأسعد الله صباحك ومساءك

محمود عباس مسعود
16/02/2010, 06:11 PM
ما يميز الانسان عن سواه من المخلوقات هو أحاسيسه ومشاعره وعقله الباطن الذي يخزن الرواسب ويضخم الأشياء
كثيراً ما يجر الإنسان على نفسه الويلات جراء ما يتكون داخل عقله الباطن من أحاسيس بعضها يطفو قريباً من السطح والبعض الآخر يرسب زمناً في القيعان البعيدة إلى حين يطفو فجأة
الشعور بالظلم يجلب الحزن ليتحول إلى الألم ومنه إلى الشعور بالقهر الذي يولد الحقد والرغبة بالانتقام.. إنما ترك الانسان نفسة عرضة لهذه المشاعر تطغى عليه وتتلبسه سيؤدي بالتأكيد إلى الأمراض النفسية والعضوية
انحسار مشاعر الدفء وتصحر العواطف عند الأطفال كثيراً ما ترك أثراً طويل المدى يظهره العقل الباطن كلما وجد صاحبه نفسه في المواقف المشابهة مما يضخم حجم الأحداث في نفسه
ولذلك فالأبناء الذين يعيشون داخل أسر مفككة مضطربة يميلون للانتقام من المجتمع والناس، وأحياناً من أنفسهم، نتيجة لما تعرضوا له من حرمان وعدم أمان واضطراب
الإهمال والقسوة والشعور بالإساءة تأخذ النفس باتجاه الاغتراب وتعبئ النفس بالضغينة
في دراسات عديدة وجد أن الطلاق بين الأزواج يقع في الخمس سنوات الأولى من الزواج قبل أن تكتمل فيهم مشاعر التحمل والتغاضي ولذلك اتجهت التوعية لهذه الفئة بالذات
والأغرب وجد أن أحداث الطلاق كثيراً ما تحدث لأسباب تافهة تؤدي إلى نوع من العناد والرغبة بالانتقام
التشاؤم شيء بغيض لأنه يجعل كل المرئيات مشوهة وكل الأحداث ذات جانب سلبي تتقصد صاحبها
الرسول صلى عليه وسلم أوجز المعنى السليم بعبارة " تفاءلوا خيراً تجدوه" ووصف المؤمن بأنه شخص متفائل، مستبشر بالخير، بشوش، متسامح، ليؤكد لنا الله تعالى أنه الغفور الرحيم
الحقد يستنفذ طاقات الانسان العقلية والنفسية فيقل ذكاءه وتضعف ذاكرته ويفقد تركيزه
فما أحوج الإنسان إلى إجراء عملية تنظيف داخلي لنفسيته لينفض عنها كل السلبيات ويتخلص من كل الرواسب من خلال شحن ذاته بالإيجاب وشحذها على الخير والعطاء
الجراح المفتوحة تفيض قيحاً يملأ النفس بالسوداوية فتأخذ صاحبها بعيداً عن الإحساس بالجمال أنى وجد
فقروح النفس تلقي بظلال سوداء تحجب النور عن الحقائق
إن تقوية الإيمان بالله وتمثل أخلاق الرسول الكريم كفيل بمنح النفس الدفع باتجاه السليم من التفكير ومن المشاعر
رب الخليقة منح الإنسان الخلقة الرائعة فصوره بأجمل صوره فلِما نشوه هذه الصورة بمشاعر الحقد والكراهية
ولما نعبئ دواخلنا بالألم والحزن طالما الله جلّ جلاله خلق فينا صفة النسيان والتناسي والقدرة على الغفران
لما نثقل الحمل على أعصابنا لنخسر صحتنا ونتحول إلى الأمراض
فلنتخفف ولندع النور يخرج منا وليس فقط نستقبله من خارجنا
الحياة تستحق أن نمنحها لتمنحنا
إن تقوية النفس تكون من خلال تحديها للسلب
حينها يتحول الأمر إلى عملية سهلة وتلقائية

الأستاذة القديرة هيام ضمره المحترمة
مشاركاتك الغنية والدسمة فيها إضاءات تمس كل كلمة وكل فكرة من المواضيع المطروحة.
شكراً على هذا العطاء الجميل وعلى ما تقدمينه من أفكار حية ومعالجة منطقية لمسائل دقيقة وعميقة.. معالجة المتخصص الذي يعرف ويعرفه أنه يعرف!
ومن هنا الحاجة لآرائك الرشيدة والسديدة.
تحياتي وتقديري

محمود عباس مسعود
16/02/2010, 06:14 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أعطاك الله الصحة والعافية وأراح بالك
يا مادح الحقد محتالا له شبها لقد سلكت اليه مسلكا وعثا
لن يقلب العيب زينا من يزينه حتى يرد كبيرا عاتيا حدثا
قد ابرم الله أسباب الأمور معا فلن ترى سببا منهن منتكثا
يا دافن الحقد في ضعف جوانحه ساء الدفين الذي أمست له جدثا

دمت أخونا محمود عباس

وعافاك الله وأهلا بك أخي العزيز الهادي محمد اوحيده
وشكراً على هذه الأبيات الرائعة التي تنسجم مع الموضوع وتضفي عليه لمسة خاصة
تحياتي ومودتي
وعليك السلام

محمود عباس مسعود
16/02/2010, 06:24 PM
الأخ المحترم محمود
اختيار موفق لشخص ذكي لظرف مناسب..
كنانة التراث الإنساني زاخرة بروائع الحكم وإبداعات السابقين .. ها أنت تعيدها سيرتها الأولى حية فينا .. في الحب والكره .. في الحقد والتسامح .. في التوافق والتناقض.. فتلك طبائع البشر .. ومن حكمتهم نستقي سبل الرشاد ..
فشكراً لما تبذله في مجال إضاءة الذاكرة واستعادتها مرة أخرى
لك التحية والمودة
د. عيدة مصطفى المطلق قناة


الأخت العزيزة الدكتورة عيدة
يسعدني أن الإختيار حظي بإعجابك. نعم سبقتنا عقول كبيرة أسست وأشادت ونثرت بذوراً حية..
وما أجمل أن نستذكر عطاءات الرواد وننتفع بآرائهم الصالحة لكل زمان ومكان!
وبارك الله بأرض الكنانة وبما أنجبته من نجوم متألقة..
وسيكون لنا بعونه تعالى وقفات طويلة مع تلك النجوم
التي ما زالت وامضة في سماء الفكر الإنساني.
وتحيتي ومودتي لك أختي الكريمة
وعليك السلام

محمود عباس مسعود
16/02/2010, 06:28 PM
تحيه الى البحار القديم المسافر بين صفحات الكتب والموسوعات الاستاذ محمود عباس مسعود
لعنترة بيت يقول :
لايحمل الحقد من تعلو به الرتب ولا ينال العلا من طبعه الغضب
طبعا ان الحقد وغيره من عدم الرضا عن الواقع والضغينة على الغير وعلى النفس احيانا كثيرة فيه هدر للطاقات .يقال ان الإنسان الناجح هو انسان غير حاقد وبالتالي العكس صحيح بالضرورة انا شخصيا اعتبر كلامي تنظير سهل ولكن احاول جاهد التخلص من هذه المنغصات ان صح تسميتها بهذا الاسم
انت من المبشرين الجدد والدعاة الى حب الحياة استاذ محمود
لك مني السلام

الصديق العزيز أسامة دياب
رائع هذا البيت لأبي الفوارس عنترة.
شكراً على حضورك الأنيس وتفاعلك الحي مع الموضوع
بارك الله بك وعليك السلام

محمود عباس مسعود
16/02/2010, 06:31 PM
سلمت يداك اخى **والحقد نار تأكل قلب صاحبها وقانا الله شر هذا الشعور:sha::sha::sha:

أخي الدكتور عزت التونسي
شكراً على المرور وأهلا ومرحبا بك.
تحياتي القلبية وعليك السلام

محمود عباس مسعود
16/02/2010, 06:36 PM
أشكرك يا أخي العزيز/ محمود عباس على ما تقوم به من مجهود مثمر ومثير للنقاش الفعال الهادف فكم أنت جميل في كل مشاركاتك التي قرأتها لك فلك مني كل التقدير والإعجاب .
يقول الإمام الشافعي
نفسك إذا لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر.
والحقد هو مشاعر كراهية شديدة تشعر الفرد بالضيق الذي يخنق كل إحساس جميل داخل الفرد ويجذب كل الأفكار الشريرة التي تترجم في سلوك لفظي أوجسدي تجاه الأخرين ويحتاج هذا الفرد إلى العلاج العقلاني الإنفعالي الذي يتم فيه مناقشة الأفكار غير المنطقية أو غير العقلانية التي تستدعي مشاعر الكراهية وتسبب الأضرار لصاحبها .

أهلا ومرحبا بأخي العزيز محمود عبد الستار
شكراً على المرور والكلمات المشجعة.
رائع قول الإمام الشافعي الذي استشهدت به.. ورائع ما تفضلت به من أقوال مبنية على الحكمة والمنطق وحب الخير.
تحياتي ومودتي لكَ وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.

أحمد أبورتيمة
16/02/2010, 07:35 PM
من المناسب في هذا الموضوع الإشارة إلى ما تضمنه القرآن الكريم من عشرات الآيات في الحث على الدفع بالتي هي أحسن والعفو والصفح والصبر الجميل والغفران للمسيئ، والدعاء (ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا)
وكذلك في سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم وحرصه على سلامة القلوب من الأحقاد والكراهية والأحساد،حين نهى الصحابة عن إخباره بما يسوءه عن أصحابه حتى يظل قلبه سالماً وخالياً من أي أحقاد أو أحساد.

محمود عباس مسعود
16/02/2010, 07:45 PM
من المناسب في هذا الموضوع الإشارة إلى ما تضمنه القرآن الكريم من عشرات الآيات في الحث على الدفع بالتي هي أحسن والعفو والصفح والصبر الجميل والغفران للمسيئ، والدعاء (ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا)
وكذلك في سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم وحرصه على سلامة القلوب من الأحقاد والكراهية والأحساد،حين نهى الصحابة عن إخباره بما يسوءه عن أصحابه حتى يظل قلبه سالماً وخالياً من أي أحقاد أو أحساد.

شكراً للأخ العزيز أحمد أبورتيمة على هذا التنويه
وعلى ما تفضل به من كلمات جميلة.
تحية طيبة
وعليك السلام

سميرة رعبوب
22/01/2012, 08:15 PM
طرح جميل جدا ومميز أستاذ محمود عباس مسعود
وبعد إذنك أود أن أشارك بهذه المعلومات البسيطة ربما تكون معروفة لديكم
ولكن من باب التذكير {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ} . سورة الذاريات: 55

ماهو الحقد ؟
الحقد هو : حمل العداوة والبغض والنقمة والغضب في القلب .

يقول الدكتور مصطفى السباعي : ( الحقد الشخصي يقتل صاحبه كمدا ، والحقد السياسي يعوق المجتمع عن سيره الصحيح ،
وحقد الطاغية يدمر الأمة تدميرا ) .

هل له أسباب أم أنه أمر جبلي في الانسان ؟
اجتهدت بأن النفس البشرية مجبولة على الفطرة السوية ولكن هناك عوامل تؤثر على الفرد فقد تجعل منه انسان حاقد
فمثلا :
الحقد الناتج عن المنافسة والغلبة والسعي وراء المنصب والرئاسة .
الحقد الذي منشأه سوء معاملة الآخر وظلمه وقمع إرادته وسلب حقه ..
الحقد المبني على الحسد والغيرة وهذا جمع شرين في قلبه - نسأل الله العفو والعافية -
الحقد نتيجة التطرف والتعصب لرأي أو المذهب أو الطائفة أو الجنس أو الدولة أو الدين .
الحقد المتوارث والذي تساهم في توارثه إما العائلة - محيط بسيط - أو المجتمع - محيط أكبر - ضد جماعة أو دولة أخرى أو طائفة ... الخ

ولكن هل يمكننا أن نساوي بين هذه الأنواع وأن نقول مثلا أن الحاقد نتيجة سلب حقوقه يماثل الحاقد نتيجة الحسد .. ؟
لا طبعا ، ولكن ما أجمل أن تنشرح قلوبنا بالسرور والرضا وعدم الحقد
يقول ابن القيم رحمه الله ، وهو يذكر أسباب انشراح الصدر -
ومنها - بل من أعظمها : " إخراج غل القلب من الصفات المذمومة التي توجب ضيقه وعذابه وتحول بينه وبين حصول البُرء ،فإن الإنسان إذا أتى الأسباب التي تشرح صدره ، ولم يخرج تلك الأوصاف المذمومة من قلبه لم يحْـظَ من انشراح صدره بطائل ، وغايته أن يكون له مادّتان تعتوران على قلبه ، وهو للمادة الغالبة عليه منهما ".

لذا والله أعلم كان من كمال نعيم أهل الجنة أن نزع الله مافي صدورهم من غل قال تعالى : ( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ )

عذرا على الإطالة ، دمت بكل الخير