المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجزء الاول من رواية :الكاتب والمهرج والملاك الذي هناك



سعيد نوح
27/02/2007, 04:23 AM
الكاتب والمهرج والملاك الذي ....... هناك



سأبدأ من حيث لم يأت السابقون .
وهو لماذا اخترت ذلك الاسم للرواية التي بين...
أين أضعها الآن ؟
الآن سأبدأ بالكاتب. سعد الله الطالع علي عبود.
هل تعرفونه؟
لأكن أكثر رحمة بكم.
هل فهمتم شيئاً؟
" يجب علي الملاك أن يتدخل فتلك السخرية التي يمتلكها الكتاب عادة.
تكون. عادة أيضا." قال المهرج.
أنا الملاك الذي هناك أقول لكم :إن سعد الله الطالع علي عبود هو اسم الكاتب،الذي كان يجلس مع اثنين من أصدقائه الحميمين حين رن تليفونه المحمول فرفعه بيده وقربه من أذنه قائلا.

ـ أيوه مين؟
بتلك الجملة تحرك سعد الطالع إلى زاوية الحجرة التي يجلسون فيها بمكتب صديقه المحامي الشهير بميدان القلعة التي بها شباك مطل علي الشارع . غاب عنهم مقدار خمس دقائق ثم عاد ليكمل إنصاته إلي بقية الحديث الدائر بين الدكتور عبد الحميدعبدالعليم الشهير بعبد الورد وبين الاستاذ محمود الضبع ويستمع بشغف إليه الزبون محمد فرج الشهير بمشمش.
لن أكون حملا ثقيلا حتي أستطيع تجسيد شخصية المهرج
ولكني أنبه فقط إلى حس الدعابة التي تصيب بعض كتاب الرواية رغم وجودها بشكل أعمق وأشد تأثيرا منذ أول السابقين وهو سرفانتس الذي وعد كاتبنا أن يأتي بما لم يأت به هؤلاء اللذين . ولا تآخذوني في التعبير
ـ جز متهم أحسن من...
ـ اخرس ولا تتفوه بكلمة واحدة زيادة.
أنا الملاك الذي هناك أقول لك اخرس .
ثم تحرك قليلا ووقف أمام الكاتب وهو يضيف.
ـ المهرجون حين يشيخ بهم الزمن ويجلسون جوار الملوك لأكثر من ربع قرن تنتابهم حالة ممارسة السلطة الغاشمة فلتغفر زلته أيها الكاتب.
كانوا ما يزالون يتحدثون عن الوضع الداخلي والخارجي الذي تمر به البلد وما آل إليه الموقف العربي من تخاذل في نصرة العراق. اتفق الأصدقاء الثلاثة علي اللقاء غدا طوال اليوم حسب تعبير الأستاذ محمود الضبع المحامي بالاستئناف العالي ومحاكم أمن دولة طوارئ.
ـ بكرة الحمد لله ضايع من أوله في حب مصر.
ـ إن كان حبك هيعطلني عن حب مصر .فك... أمك علي، ك... أم مصر.
قال عبد الحميد وهو يعلق علي كلمات محمود ويقف ويشير إلى التليفزيون الذي يبث صور مباشرة لدخول بغداد قبل أن يضيف
ـ الأمريكان يا أستاذ محمود هناك أهم.
ثم أشار علي شاشة التليفزيون.
ـ القعدة معاك يا محمود باشا أنت والبهوات.
وأشار علي سعد الله والدكتور عبد الحميد بيديه وهو يضيف:
ـ في حد ذاتها مفخرة، وفيها فخر. يا راجل كفاية علينا إن إحنا عرفنا حال البلد المخروب ده من حضرتك.
بتلك الجملة والتعبيرات الإنسانية العالية وتعبيرات اليدين الأشد علواً وهو يفتح يده للأستاذ محمود ليستأذن منه علي حين غرة كما يقولون وقف الزبون محمد فرج الشهير بمشمش
ـ بالطريقة دي ياعم مشمش انت هتحبسني بعون الله.
رد محمود وهو يطرقع بيده علي كف مشمش الذي أحس بقسوة الضربة وتلخبط قبل أن يقول وهو يتلعثم .
ـ يا خبر هو أنا أقدر ياسعادة الباشا.
ـ ماهو علشان انت متقد رش هتحبسني.
عاجله محمود بالرد وهو يضرب بيده علي بطن مشمش الذي امتص الضربة التي خرج لها صوت وقال وهو يضحك ويشير بيديه علي رأسه:
ـ لأ عويصة علي مخ العبد لله المسكين الحكاية دي لمؤاخذة.
ـ وكمان خلتها عويصة يا مشمش.لا اقعد بقي من غير لمؤاخذة بتعتك ديه.
قال سعد وهو يقف ويغلق المحمول بعد أن لمح الرقم ثم وضعه في يده الآخري ومد يده اليمني لمحمود لكي يسلم عليه:
ـ بقولك إيه يابو حنفي زي ما أنت شفت كده ، محتاجني قوي في الجورنال . بكرة بقي الليل وآخره.
ـ طيب ياحبيبي، أشوفك غدا.
وقف الدكتورعبد الحميد هو الآخر وقال:
ـ خدني معاك بالمرة ياسعد علشان عندي مواعيد في العيادة.
ـ أنت كمان يادكتور النسوان هتمشي؟
سأل محمود.
مد سعد يده وسلم علي مشمش وهو يقول له:
ـ وانت ياعم مشمش ،عاوزين نشوفك كتير من هنا ورايح.
ثم وضع يده علي كتفه وأضاف:
ـ وكمان أنا عاوز أحييك علي حتة الحشيش ديه. من زمان مشربتش زيها.
ـ يابيه دي حاجة بسيطة قوي .
ثم أمسك بالحافظة الجلدية التي كانت (ماتزال) مرمية علي المكتب ثم تركها وراح يبحث في الكروت المرمية علي سطح مكتب محمود الضبع محاميه حتي أخرج كارت ومده لسعد الذي كان قد (إلتهي ) عنه بالحديث مع الدكتورعبد الحميد في كيفية اللقاء غدا وهو يضيف:
ـ وآدي الكارت بتاعي أهوه فيه نمرة الموبايل. وأيتها خدمة في العربية، إحنا خدامين يا باشا . قالها وهو يهز رأسه بفخر قبل أن يركز عيونه في عيون سعد ويضيف:
ـ رغم الدور اللي عملته علي، وبجد كنت خايل فيه أوي.
أحس سعد بالإحراج من الإثناء عليه المقترن بالعتاب الظاهر من نظرة مشمش فقال:
ـ العفو يا راجل،
ثم مد يده ووضعها علي كتف مشمش بود وأضاف بصوت المعتذر
ـ وأوعي تكون زعلت من الحركة اللي عملتها معاك.
ثم نظر اليه وهو يتأكد من عيونه وأضاف:
ـ إحنا إخوات مش كده ؟
ـ طبعا ياسعادة االباشا أنا أتشرفت بيك علشان كده بقول لحضرتك أيتها خدمة في العربية بتاع حضرتك
ثم رفع يديه وخبطها بقسوة فوق عنقه وهو يضيف:
ـ وبرقبتي ياباشا.
ثم أنزل يديه وأمسك بيد سعد الطالع في ود وثقة منه أنه عرف اليوم باشا كبير سيضع كارته الذي أخذه منه منذا ساعتين علي رأس الكروت الكثيرة التي يحتفظ بها.
ـ العربيات بس.؟
قالها سعد وهو يمر بيده علي شاربه وينظر إليه نظرة فاحصة مما جعل تفكير مشمش ينتقل الي شئ وحش حسب تعبيره
ـ لا.لمؤاخذة يا باشا إحنا مناش في المشي الوحش ده.
حتي لا يطيل الكلام والحوار ويبحث هؤلاء المتخصصون في علم السرد أفهمه سعد أنه أخطأ التفكير وإن كل ما يسأل عنه فقط هو الحشيش.
ـ لا في الحالة دي . زي محمود باشا ماقال طول النهار في حب المخروبة دي.
ثم أشار علي الشباك حسب مارأي محمود يشير.
ـ أهوه ده ياعم مشمش اللي بنسأل عليه؟ مش مخك يوديك لحاجة تانية.
ثم أفرج عن ابتسامة جميلة وهو يتحرك خطوتين حتي وقف وارء محمود الذي كان يجلس علي مكتبه مضجعا ووضع يده علي رأسه بحب وهدوء وبسرعة نزل بها علي ذقنه وهو ينظر الي مشمش ويضيف
ـ إنت شايف الأخ محمود طالعله دقن أهوه.
ضحك محمود وهو يسحب وجهه من بين يد سعد الله ووقف وهو يمسك بيد سعد ويقول بود:
ـ ماشي ياعم سعد. وأما بنعمة ربك فحدث. والحمد لله علي نعمة الإسلام.
ـ ونعمة بالله يا باشا. زي ما حضرته بيقول أحسن حاجة إداهلنا ربنا نعمة الإسلام يعني لمؤاخذة.
قال مشمش ليشترك في الحوار مما جعل الاثنين يضحكان وهما يحضنان بعضهما البعض وبصوت هامس في أذن محمود صرح سعد الله الطالع .
ـ ده ميتسبش. مش علشان الحشيش بس يابو حنفي. كفاية عليه إنه أعلن إسلامه قدمك أهوه.أظن دي فرصة متتسبش من واحد وكيل ربنا زيك.
ـ طيب يا مجرم..والله انت خسارة في شطحاتك..
خرج الثلاثة من حجرة المكتب .وهو يطلب منه الدعاء لله بالخير وشفاء أمه الذي أرقه طوال الشهرين الماضيين ودع سعد محمود علي باب المكتب ولم ينس وهو يغلق المحمول للمرة الرابعة أثناء الحوار منذ كانا في الحجرة الداخلية التي يتخذها مجموعة من الأصدقاء تحابوا في الله والوطن والحشيش مقرا للقائهم أن يقول له وهو يخطو خطوات عادها للمرة العشرين علي الأقل حتي أن الدكتورعبدالحميد عبدالعليم الشهير بعبد الورد قد زهق من الوقوف علي بسطة السلم أمام المكتب وهو يري صديقيه الحميمين مسطولين كما صرح قبل أن يتخذ خطوات عملية و يتركهم وينزل لوجود حالة طارئة في العيادة بميدان حلوان الذي يبعد عن مكتب محمود بخمسة وعشرين كيلو علي الأقل. وهو يرسم القرف من رنين المحمول للمرة الخامسة اقترب منه وقال.
ـ مشمش أمانة في رقبتك هيسألك عنها الله فيما لو أضعتها.
وهو يشير بيديه ليؤكد له كاد أن يفقأ له عيناً لصديقه الذي رجع برأسه إلي الخلف وأخذ بجسد سعد المسطول تماما في حضنه وضحكا بصوت مسموع.
ـ بس فعلا عندك حق يا واد يا سعد. حشيشة مشربتهاش من يوم غزو الكويت.فاكرها؟
بتأثر وكأنه يتذكر حلما للجنة الموعودة قال سعد:
ـ طبعا وهي دي حاجة تتنسي.
ثم وضع الحكمة فوق وجهه مضيفا
ـ ياريتها دامت حتي.
ـ علي رأيك ياسعد.
ـ يا راجل دانا عايش بس علشان أشوفها مرة تالتة وعلشان كده بنبه عليك للمرة الأخيرة قبل ما أنزل.
ثم أشار بيديه في الهواء وأضاف
ـ خلي بالك إحنا واقفين هنا بقالنا ييجي ربع ساعة. مشمش أمانة في صحتك وعافيتك يامحمود.
ـ بس ده يحبس يا سعد.
ـ يحبس مين يا راجل.
قال سعد وهو يشير بيديه في الهواء
ـ يحبسني بسهولة ويوديني في ستين داهية.
رد محمود وهو مفزوع.
ـ في ستين داهية يا راجل . هو إحنا مستفيدين منك بحاجة. غير واحد زي مشمش ده. تقوم تضيعه وتتمحك ، قال إيه هيوديك في داهية.
قال سعد بسرعة وكأنه يتحدث عن شيء لا يمت بصلة له ثم رفع يديه في الهواء وأشاح بها وقال وكأنه يتخلص من دفقة هواء محملة بالحشيش وهويقلد الحكماء وبشدة ...
ـ بقي بذمتك اللي انت عايش فيه دلوقتي عاجبك؟
يالغرابة هؤلاء البشر يالله.لقد نسي محمود ما فعله به سعد منذ لحظة وراح يفكر فيما يحدث وقال وهو يعود إلي طبيعته حين كان يشير إلي الصورة التي تبثها محطة الجزيرة عن الصدمة والرعب كما سماها البنتاجون.
ـ اسكت متفكرنيش والنبي يا سعد وخليني مسطول أحسن.
ـ يبقي توكل علي الله وروح.
ـ فين.؟
سأل محمود بصدق و جدية .
ـ العراق يعني بروح أمك.؟.ستين داهية اللي بتقول عليها وحافظ لنا علي أخوك مشمش.
قال سعد بجدية تامة وهو يشير بيديه مما جعل محمود يفتح فمه ويعود إلي وعيه وكاد أن يرتمي في الأرض من الضحك وهو ينظر إلي صاحبه منذ طفولته الذي يبيعه من أجل المدعو مشمش الذي لم يتعرفا عليه سويا إلا منذ ساعتين أو أكثر بقليل ولم يجد خير تعليق من أنه أمسك نفسه ونظر بحكمة وهو المؤمن الذي لا يلدغ من الجحر مرتين وهز رأسه ثم قال.
ـ منوفي .هقولك إيه أكتر من كونك منوفي،
ثم هز رأسه بجدية تامة وهو يتذوق الكلمة في فمه قبل أن يؤكد لنفسه ويضيف:
ـ منوفي أصيل.
كاد المهرج أن يبكي وهو يسمع تلك الجملة من فم الكاتب حتي لا يظن به الملك الظنون لكن الملاك الذي كان هناك تحسر قليلا علي بعض الطيبين الذي شاء حظهم العاثرالوقوع بين مهرج يكاد يبكي وكاتب
يرجع بظهره إلي الخلف ليتأكد من وجود مسند علي كرسي الفوتيه في حجرة المكتب الذي دخلوه بعد أن أغلق سعد المحمول للمرة السادسة ووجد نفسه في حضن صديقه بعد أن كاد يغادره ويذهب إلي عمله وهو ينظر الي محمود ويسأله بجدية تامة:
ـ تفتكر كل المنايفة بالشكل ده فعلا يامحمود؟
وهو يشعل سيجارة ويشعل لسعد سيجارته التي أعطاها له وبتفكير يزيد عن المطلوب وتأكد من أنه ربما. ربما يقول الحقيقة.
الحقيقة ليست شيئاً مطلقاً.
التاريخ الإسلامي يقول ذلك. . مواقف كثيرة قرأها لم يعرف أبدا أين توجد حقيبة الحقيقة؟
دائما هناك أجزاء من تلك الحقيبة ناقصة ، ْفكيف استطاع حملها وألقاها بتلك الطريقة التي قالها
لسعد
ـ دي جينات وراثية من أبد التاريخ يا سعد ياخويا.
لماذا اعترض علي تواجدك.لا يحق لي ذلك لكني أنبهك فقط أن المهرجين لا يبكون كثيرا وخصوصا علي شئ مثل الذي عبت علي الكاتب فيه . فحين قال محمود جملته نفي عن ملكك الذي تمثل عليه تهمة ربما أنقصت منه كثيرا في عيون خدامه. أنا آسف ياصديقي لكني أعرف إنك جد رحيم بي وقلبك يسع ليس بالكاد ملاكا يحبك وكاتب
تركناه يهز رأسه ويأخذ نفسا من السيجارة بعمق قبل أن يطيره في الهواء ويروح يتتبعه في متعة قبل أن يهزه محمود قائلا
ـ إيه يامنوفي رحت فين.؟
ـ معاك.
بتلك الجملة المختصرة واجه عيون محمود المتربصة به والعالمة أيضا ورفع يده مرة ثانية ونظر إلي السيجارة المشتعلة بين أنامله وهزها وهو يضيف :
ـ يظهر فعلا يابو حنفي دي جينات وراثية.
ثم اعتدل في جلسته ورسم الجدية علي وجه وهو يتساءل:
ـ علي كده بقي ولادنا هيشربوا من المدعوك (قاهر الرجال )علي رأي أخوك مشمش اللي زمانه حمض لوحده دلوقتي جوه. ده لغاية رابع حفيد علي الأقل.
ثم هز رأسه وراح يحسبها بروية وهو يفرد أصابعه في الهواء حتي يراها محمود وأضاف:
ـ مش جمال عنده 39 سنة.وقول هيموت علي التسعين. يعني نص قرن بالميت.
ثم وضع عيونه في الأرض وحرك قدميه علي السجادة التي ينام في منتصفها طاووس معتز بنفسه أيما إعزاز وأضاف وكأنه يحدث نفسه:
ـ لا ياعم. قال والمدعوقة مراتي. الهانم أختك.
قالها وهو يشير في الهواء بإصبع الوسط.
ـ عاوزة عيال تاني. أحه .علي رأي أبوك الله يرحمه عم الضبع الكبير. إما لقي الضبع هياكله وهو زي التور كده حسب كلامه.فاكره ياحودة كان بيبقي مندمج قد إيه وهو بيحكي.ولا كأنه هو اللي موت الضبع يا أخي.
عند ذلك وانتفخ وجه محمود كالأيام الخوالي حين كانوا يذاكرون معا في الحجرة البحرية بمنزلهم الكائن بشارع الملك دانيال بحي شبرا ويدخل عليهم المرحوم طه إسماعيل عبد الوهاب أحمد الضبع ويبدأ في الحكي حتي يصير وجه محمود مثل الآن ويقول لأبيه إن امتحانات الثانوية العامة علي الأبواب رغم إنهم كانوا في شهر سبتمر مازالوا.
ـ بيني وبينك الحكاية اللي كان بيقولهلنا علي طول وتقعدوا انتو .
وهو يشير بإصبع الإبهام وكأن خلفه تماما ابن الله يسامحه ويغفر له عبد العليم الذي كان قد تركهم وذهب الي عيادته منذ أكثر من نصف ساعة بعد أن تأكد له أنهم مساطيل تماما ثم استعان بإصبع الوسط وهو يشير لسعد ويضيف وانت تضحكوا لما يمشي.
ـ لعلمك والله العظيم
ورفع إصبع السبابة في اتجاه السماء وأضاف.
ـ يمين أُسأل عنه يوم القيامة.الحكاية حقيقة وفعلا جدي موت ضبع.
ثم عاد برأسه الي الخلف وأكمل.
ـ بس هو كان بيختصر جدين أو تلاتة ويخليه أ بوأبوه علي طول، لكن هو جدي أبو أبو جدي. فهمت يامنوفي يالي ملكش أصل انت ولا فصل.
ـ أنا أحتج .
قال المهرج وهو يقف وكأنه لسعته طريشة.
ـ وده بالتأكيد له أحفاد كتير غيركم.
قال سعد وهو يفرج عن ابتسامة مليئة بالسخرية قبل أن يرفع يده في الهواء ليعدد بها ويضيف:
ـ ماهو مش معقول أبو أبو جدك مخلفش غير أبو جدك الثاني،والتاني مخلفش غير الأول،والأول بقي جاب المرحوم جدك أبو أبوك، وهو مجبش غير المرحوم. مش كده يا مولانا. بلد شهادات صحيح علي رأي دسوقي أفندي الوكيل بتاعه.
ـ قصدك إيه يابو السعد والطالع لربنا من غير حساب طبعا زي ما قال الحديث الموضوع عن ابن أبي الدرداء بتاع رفع القلم عن.
بالذمة ده مش كلام يزعل ياسيدنا الملاك. مش ده كفر وليعوذ بالله. إيه عرف المدعو محمود الضبع بإن ربنا هيغفر للمنايفة زي ماكان عاوز يقول لوسبته يكمل النكتة بتاع رفع القلم عن الطفل والنائم والمجنون والمنوفي ولعلمك ممكن ديوان أمن الوطن يحاكم أي حد يغلط في سيدنا وتاج راسنا رغم كيد الظالمين. وبعدين .
وهو يشير بنفس طريقة محمود الضبع ولكن بحدة أكثر وأنامل أطول وبها رعشة جاءت من طول العمر والحكمة المكتسبة من تواجده في ديوان الحكم أضاف :
ـ إن بطش ربك لشديد.. نبهه إن عمره بالطريقة دي بيزقزقز وهو بقي وقدره .أنا عملت اللي علي وقولتلك وانت بقي قول الكلام ده للكاتب
كالقدر الغاشم دخل عليهم مشمش وهو يضحك ويكاد يقع من طوله. لدقائق قليلة ظل لا يمتلك نفسه قبل أن يعطي لسعد السيجارة الملفوفة وباعتذار عما فعله مع وضع كل الأصباغ والمساحيق التي تكفي لإظهاره في الكادر بصورة تليق به من وجهة نظره هو لا أحد غيره قال
ـ دي تحية بسيطة مني أنا العبد الفقير.اللي لمؤاخذة كنت بتشرف بالقعدة مع الناس الكبار اللي زي حضراتكم ويعني بفهم وممكن . يعني يمكن لمؤاخذة مش بفهم زي دمغة سعادتكم الكبيرة اللي بتساع الدنيا كلها بس أنا.
وخبط علي صدره خبطات جعلت سعد ينتبه إلي إشارة محمود الواضحة رغم أنه كان يريد عكس ذلك والتي كان يفعلها من أجل أن ينبهه إلي وجود سيجارة غير مشتعلة، وبها مابها، من أشياء، يمكن بها استحمال هذا الكائن المدعو محمد فرج الشهير بمشمش والذي تعرفوا به منذ ساعتين ونيف بعد أن حكي قضيته التي يريد رفعها علي زوجته التي ترفض الطلاق منه وتشنع عليه منذ سنة وبضعة أشهر وذلك بعد موت أمه مباشرة وتسببت في فسخ ثلاث زيجات كانت علي وشك الحدوث رغم أن جهازها التناسلي قد تم استئصاله في مستشفي القصر العيني الحكومي كما كان يشير بالمستند في الهواء قبل أن يضيف
ـ وأنا دفنته حسب الطريقة الاسلامية لمؤاخذة، في ترب الغفير قبل أربع سنوات بإيدي دي.
وعندما كان يؤكد ذلك لهم بالمستندات التي يحملها في الظرف الأصفر ذي الحروف المتسخة بالشحم اضطرته الظروف (وسؤال لمحمود الضبع المحامي الذي يعرض عليه قضيته) للبحث في محفظته عن دليل علي كلامه وحين فتحها سقطت قطعة الحشيش الموضوعة في المحفظة بعناية وهو يفرغ محتوياتها فوق المكتب للإمساك بذلك الدليل الذي اختفي ولم يسأل عنه سعد الذي أمسك بقطعة الحشيش ولا يعرف كيف واتته الشجاعة علي تمثيل دورالضابط للحظات خارت فيها عزيمة المدعو مشمش وكاد أن يعترف علي اسم صديقه الذي أهداه تلك القطعة قبل أن ينتبه الأستاذ محمود الضبع إلي التمثيلية التي وقع فيها موكله الجديد والتي استحسنها في البداية ثم وجد أنها سخيفة ومملة حين كاد مشمش أن يبكي وهو ينفي التهمة عنه. انتبه سعد إلي إشارة محمود وأشعل السيجارة ومشمش ينزل يده من فوق صدره ويضيف بنبرة صوت الشاكر لنعم الله التي حباه بها ومنحه إياها.
ـ وأعوذ بالله من كلمة أنا . أنا برضو لي مخ . ومخ كبير بيفهم في صنعته قوي لدرجة إني عامل كباس هواء صغير بيتحط في خزان الهواء الكبيراللي فيه( الباكم ) لمؤاخذة، لو لا قدر الله خرطوم الهواء بتاع الفرامل اتقطع صدفة، ممكن يشتغل الكباس أتوماتك لوحده.
ـ والله العظيم يمين أُسْأل عنه يا أخ مشمش زي مابيقول محمود باشا دايما. حتي اسأله قبل ما تطب علينا زي القضا المستعجل كان حلفلي نفس اليمين مرتين
وحرك إصبعي السبابة والوسطي معا قبل أن يضيف بابتسامة الممتن للظروف والشاكر لطالعه
ـ انت راجل عسل.والقعدة والحشيش بتاعك ماينساب لمؤاخذة حسب كلامك علشان مرة تحل من علي المشنقة.إيه رأيك بقي ياعم.
ـ مية مسي يا باشا علي الناس ولاد الأصول والمتربيين علي طبلية واحدة لمؤاخذة.
أمسك بالسيجارة ثم وضعها بين إصبعين وأقفل يديه الاثنين عليها وسحب نفسا عميقا من فتحة صنعها مابين الكفين المضمومين وانتظر قليلا قبل أن يحبس النفس ثم يخرجه مصحوبا بعيونه التي خرجت تودع النفس كما قال سعد لمحمود حين تذكراه في ليلة بعد تلك الواقعة بسنوات ثلاثة وترحما علي أيامه التي لم تدم.
ـ مسألتنيش يا سعد باشا سبب التحية دي إيه.
بذلك السؤال وقف محمد فرج وتحرك حتي أعطي السيجارة له وهو يواجهه.
ـ من غير ما أسال ياعم مشمش.
قال سعد وهو ينطر السيجارة في الهواء قبل أن يضيف
ـ انت تحيتك فرض واجب. فاهم يعني إيه فرض واجب؟
وأنتظر حتي شاهد هزة رأس مشمش قبل أن يضيف
ـ تحيينا وقت ما تعوز.أول ماتحب تحيينا أنا ولا محمود باشا
ثم أشار علي محمود قبل أن يشير بيده ويبتسم في وجه ويضيف
ـ ميضرش برضوه. ترن بس وإحنا ليك علينا لو قاعدين مع المرحومة ديانا أو الست أولبريت بذات فخذها هنسيبها ونجيلك وإحنا بنلبي لو عاوز من غير لمؤاخذة.
لا تنظر إلي هكذا. تذكر. لم أرد عليك أيها المهرج.فقط تركتك تشرح كلامك وانتهيت بأن استدعيت قول الله عز وجل في محكم آياته في غير محله . عليك فقط أن تعرف أن سبب وجودي في تلك الرواية ان أنقل مايخفي عن الكاتب لحظة غيابه ليعرف ما حدث وبماذا وصفوه الأصدقاء.علي إني لن أنقل أي كلمة تخرج عن إطار الدين أو الأخلاق حسب طبيعة الملائكة كما في أذهانكم. لكن مايطرح في وجود أشخاص هم في الحقيقة أحرار في كتابته والحساب عنه أيضا أمام الله أو محاكم التفتيش أو أمن الدولة طواريء التي تخوف بها الكاتب الذي أخذ ثلاثة أنفاس من السيجارة قبل أن يستمع الي سؤال صديقه محمود الضبع الذي ضحك علي كلام صديقه في البداية ثم تغير لون وجه حين ذكر التلبية التي لا تكون لغير الله فقال.
ـ أتعرف أنه وجب عليك الخوف؟
ثم هز رأسه له وهو يضيف
هل تعرف يا سعد الله الطالع من وجب عليه الخوف ؟
لم يهتز كما اهتز مشمش حين خرج التساؤل من فم محمود.هو لاشك قرأ كثيراً في الأديان جميعا.اختص دينه بالحب لكنه لم يهمل أي من الأديان حتي الموضوعة مثل البوذية .لكنه الآن .الآن وحسب.ليس بعد لحظات كما سيحدث . وهو يفكر في هؤلاء اللذين وجب عليهم الخوف من لقاء الله استبعد نفسه تماما.تماما كما استبعد أن يكون صديقه الأنتيم محمود قد فكر في منحه تلك المنزلة البغيضة إلي نفسه.حين طال التحدث مع نفسه تنحنح محمود كما كان يفعل حين يدخل ميضة جامع جمال عبد الناصر مما جعله علي غير المطلوب منه يفرج عن ابتسامة بها كثير من التمني للعودة إلي ذلك الزمان الذي لم يكن يحمل فيه هم في حين يحمله شبابه.
أما الآن وهو يحمل كل هذه الهموم التي يمكن له أن يستطرد في وصفها وبنقاط مختصرة ومفيدة فقد غاب عنه الشباب الذي يستطيع به.وبه وحده. يتحمل الإنسان ذلك الجهول . قال الملاك الذي هناك.
ـ إيه؟
قال محمود وهو يشير بيده إلي سعد الذي يبدو أنه يفكر بشكل عميق.تحرك سعد بجسده حتي اعتدل علي الكرسي الفوتيه ثم نظر الي مشمش الذي كان يخرج النفس الذي كتمه وسأله:
ـ أنت عندك فكرة عن سؤال الأستاذ محمود ياعم مشمش؟
ـ سؤال إيه؟
رد مشمش وهوغائب عما يحدث ويفكر فقط في كيفية صناعة سيجارتين من آخر قطعة من القرش الذي نحل وبره ولم يعد له وجود بعد أن يتمكن من صنع السيجارتين الذي مشي بريقه عليهما وتركهما علي التربيزة مبقوري الأمعاء وراح يقطع الحشيش وهو مسطول تماماً .
بابتسامة حنون وعيون ضائعة وعقل صارمترددا الآن في معرفة إن كان قد أصبح خائفا من لقاء الله أم لا. هز سعد رأسه وأغمض عيونه الضائعة وانفصل عن محمود ومشمش وعاد إلي ذاته.
ـ يظهر الباشا سرح.
قال مشمش وهو يمسح بيده علي زجاج التربيزة قبل أن يرص الفتافيت المتبقية من القرش.
لحظات طويلة ظلت رموشه مسدلة علي عيونه.عاد فيها شريط حياته.يالغرابة ما شاهد.لم يكن هناك شئ لايوحد الله ، وهو يرفع رموشه من فوق الحجب شاهد نورا ،
فأنشد بصوت رائق
ـ غيبت عنك لفترة ورأيتك فعرفت أن لقاءنا قد حان
يا ملهمي من انت؟؟ انت تعرف من أنا
أنا فيك أحيا منذ بدءك كان .إن قلت أنت فأنني أنا
أنت الذي أعني وأقصد بالنداء إيانا..
فذاتي لها ذات. واسم اسمها ذاتي ..
ولسنا علي التحقيق ذات لواحد ولكنه نفس المحب حبيبه .
ـ الله عليك يا سعد الله. الله عليك بجد. رد عبقري.
هكذا قال محمود وهو يتحرك في صعوبة وبحركة رجل مسطول حتي أنه أطار التربيزة الصغيرة وهو في طريقه ليحضن صديق عمره ويربت علي ظهره لمدة طويلة ،تلك التربيزة التي وضعت عليها طفاية سجائرمليئة بأعقاب مطفئة وبالقرب منها سيجارتين مشقوقتين وتخرج أحشائهما من التبغ وعلي زجاج تلك التربيذة التي كانت تقف شامخة أمام مشمش كان ينام بطريقة هندسية ابتدعها رغم أنه لم يعرف أبداً فيثاغورث ـ الفتات الأخير من قطعة الحشيش التي أمسك بها سعد الله الطالع منذ ساعات ثلاثة ونيف وراح يشير بها في الهواء قائلا بصوت ضابط شرطة متمكن.
ـ إيه د ه يا محمد يا. انت قولتلي اسمك بالكامل ايه؟؟
ـ محمد محمود فرج ياسعادة البيه.
ـ وأمك بدلعك بتقولك إيه يا روح أمك؟
ـ مش أمي يا باشا.دول أصحابي في الورش.حاكم أنا عندي ورشة تصليح عربيات في شارع السلطان حسن جنب حضرتك هنا.
وأشار بيده في تردد وخوف تمكن منه.
ـ انت هتحكيلي قصة حياتك بروح أمك.
عاجله سعد الذي يمثل دور الضابط.
ـ أنا آسف يا باشا.
ـ فيه إيه يا سعد باشا.
قال محمود وقد انتبه للدور الذي يتقمصه بحنكة ومعلمة صديقه الأنتيم سعد الله الطالع .
ـ اللي حضرتك شايفه أهو يامحمود بيه.
ثم رفعه في الهواء وقربه من عين محمود ثم مر به من أمام مشمش الذي صار وجهه علي كل الألوان يابطستة قبل أن يضيف
ـ حرز. قضية جات في معادها.أنا فعلا محظوظ إني فت عليك النهارده يامحمود.
ـ ليه بس يا باشا.
قال محمود وهو يسايره في الرسم علي المغفل الذي أسقط منذ لحظات ما يقترب من قرش حشيش فوق المكتب وهو يبحث عن الورقة البيضاء التي وقعت وبصمت عليها زوجته كما قال له منذ مايقرب من خمس دقائق أعقبها ببحثه في كل أوراق الدوسيه الأصفر قبل أن يخرج محفظته ويبدأ في إخراج محتوياتها بدقة وهو يمنح محمود بعض الكروت بفخر وعزة حتي مل من ذلك الفخر الذي كان في غني عن مشاركته إياه بهزات من رأسه وكأنه العارف بكل البشر صديق العارف بالله سعد الله الطالع الذي كاد أن يقف ويضربه حتي يستطيع إجراء مكالمة من تليفونه المحمول في حين يعلو صوت الزبون أمامه بالثناء علي نفسه ومعارفه بين الفينة والفينة أتبعه محمود بهزات العالم من رأسه وصوت الآه.تحرك سعد خطوات وهو مازال يمسك بقطعة الحشيش وأضاف:
ـ عارف أنا قبل ما أجيلك بساعتين.ابن القحبة العميد بتاعنا إداني دش بارد علشان.
ثم نظر إلي محمود وهو يكمل كلامه بهزة رأس.
ـ عنده حق والله.
قالها وهو يمر بقطعة الحشيش أمام عين مشمش الذي أسقط في يده ، ثم راح يطيرها في الهواء ويلتقطها أثناء لفه حول مشمش ومقعده مضيفاً بصوت صار تهكميا
*سوف أعيد صياغة تلك الجمل لتخرج هكذا
ـ عارف أنا قبل ما أجيلك بساعتين.ابن القحبة العميد بتاعنا إداني دش بارد علشان.
ثم تحرك خطوات وهو يكمل كلامه بهزة رأس ورفع يده في الهواء.
ـ عنده حق والله.
قالها وهو يمر بقطعة الحيشيش أمام عين مشمش الذي راح يصب جام غضبه علي تلك الزوجة التي لم تكن هناك، كما أنها لم تكن هي التي أعطته قرش الحشيش ـ وذلك يعود ببساطة إلي أن علاقتها به مقطوعة منذ ما يقرب من خمسة أعوام ونصف ـ وأثناء اللفة الثانية لحضرة الضابط راح مشمش يتذكر مواقفه بين يد وكيل النيابة كما حدث له من قبل أربع مرات ـ لم تسفر في النهاية عن شئ يذكر، اللهم إلا مجموعة من العربات جددها سنويا وفي الحقيقة مازال يوصل مجهوده معها بحب حتي يتجنب موقفه( هذا) ذات يوم، بالإضافة إلي بضع آلاف من الجنيهات صرفهم عن طيب خاطرـ وما إن بدأت اللفة الأخيرة وهو مازال يطيرقطعة الحشيش الملفوفة في ورقة سولفان أخضر مكتوم في الهواء ويلتقطها أثناء لفه حول مشمش الذي التصق بمقعده تماما بعد أن سحب رجليه في اللفة الأولي ثم سحب يديه في اللفة الثانية حتي بدا في اللفة الأخيرة قنفدا ولم لا وقدأمسك سعد بمتغاه،في حين أن مشمش كان قدأسقط في يديه ، ثم أضاف بصوت صار تهكميا:
ـ ولاد اللبوة اللي أنا مشغلهم مجبوش ولا قضية توحد ربنا طول الأسبوع اللي فات.مع إن الصنف علي قفا مين يشيل
ثم نظر إلي مشمش نظرة الفاحص وترك اللفافة تسقط علي قفاه في هدوء.
علي الملاك الذي كان هناك وصف ذلك المشهد.فوجه محمد محمود فرج في تلك اللحظة لن يتشكل بالدقة والوضوح المطلوبين لإظهاره بالروعة التي كانت عليه من خلال المهرج الكاتب .أو الكاتب المهرج.
لم يلتفت محمود إلي الكارثة التي أحدثها بتطييره للفتات الذي انتشر واندثر كما صرح مشمش بعد ذلك بمدة وهو يجلس علي السجادة العجمي التي ينام في وسطها الطاووس المعتز بنفسه كاعتزازه هو بكروت أصدقائه كما حدث سابقا وكاعتزازمحمود بصديقه الذي أكمل طريقه إليه منذ لحظات أخذه في حضنه لمدة طويلة ثم جلس جواره ومشمش يمر بيديه في حنو ورقة قل توافرها عنده وهو يداعب ملمس امرأة جميلة وبصوت يشبه تماما صوت صديقه سعد في روعته أنشد محمود:
ـ ينادي المنادي باسمها فأجيب وأدعو ذاتي عن ندائي تجيب.
وما ذاك إلا أننا روح واحدة تداولنا جسمان وهو عجيب.
كشخص له اسمان والذات واحد بأي تنادي الذات منه تصيب.
تبتسماالآن وتفشخ حنكك. . وتعيب علي أن بكيت.
قال المهرج وهو يشير بقسوة للملاك الذي هناك.
تخاطب منا في الوجوه عيوننا... ترانا سكوتا والهوي يتكلم.
همس الملاك الذي كان ينظر بود للمهرج الذي وقف غاضبا ومحتدا علي تصرفاته
ـ انت بتعمل علي الأرض إيه عندك ياعم مشمش؟
سأل سعد مشمش الجالس علي الأرض ويمر بيديه علي السجادة كما لاحظ بعد أن أنهي محمود إنشاده.
ـ بدور يا باشا علي البلوة اللي عملها صاحبك.
قال وهو يرفع رأسه عن شكل الطاووس الذي لم يكن في مخيلته علي الإطلاق ويشير بحدة بنفس اليد التي كانت تمر منذ ثواني بلطف علي ريش الطاووس الغائب عن عيون مشمش الرافع يده بقسوة إلي محمود الذي ما إن شاهد يد مشمش تحدده حتي انتفض وعاد بجسده من الكرسي الذي كان قد ترك نفسه له وجلس نصف ( قومة ) وقال وعلي وجهه جهل العالم وتساؤل العليم وفوق صدره يده اليمني تحط بقسوة.
ـ أنا ياعم مشمش..
ـ أمال أمي.










1
ـ تيجي نبدأ من الأول؟
ـ معنديش مانع. اتفضل،بس لو سمحت شفلنا الشاي اللي بيبقلل علي النار.
ـ عندك حق.
قام وخرج ثم عاد وجلس خلال ستة دقائق.
ـ نبدأ من الأول ياعم؟
ـ اتفضل حضرتك.وبالمرة كمان اتفضل سيجارة علشان خاطر العطلة اللي عملتهالك برزالتي.
ـ ده واجب في الأول وفي الآخر ياعم .. إلا صحيح حضرتك مين؟
ـ مش لازم اسم.
ـ يعني أقولك إيه لما أحب أنادي عليك؟
ـ ليه ياعم هو أنت هتنزل وتسيبني تنادي علي من الشارع ولا إيه؟
ـ مش للدرجة دي يا..
ورفع جناحيه في الهواء ووضعهم فوق كتف الكاتب وهو يضيف:
ـ شفت.أهو أنا عاوز أقول اسمك قولي بقه، أعمل إيه؟
ـ بقولك إيه حكاية لما أحب أخاطب مصر أكلم مين ديه ملهاش لازمة.أنا مش عاوز أقولك اسمي.أنا حر. زي ما أنت حر في اسمك برضو.
ـ أنا اسمي.
مرت مالايقل عن دقيقة وقف فيها الأول وأمسك بفم الثاني قبل أن يخرج من فمه اسمه وعاد الأول إلي مكانه والثاني ينظر إليه وهو لا يعرف ماذا يقول.
ـ علي راحتك يا باشا.
ـ ومبحبش الأ لقاب كمان.
ـ لأ بقي أتعامل معاك إزاي في اليوم الأغبر ده؟
ـ بسيطة . اعتبرني واحد بيحاورك وخلاص زي حكاية قال: وقالت :أو هو: وهي :
ـ علي كيفك بس كده ممكن القارئ يزهق مننا ويرمي بالكتاب علي قد ما تجيب إيده.
ـ ده كتابي وأنا حر.
ـ الرواية هضيع في الرجلين كده.
ـ متكونش فاكرني عم نجيب.
ـ العفو طبعا .أقدار العظماء محفوظة ، اسمع علشان نخلص .ابدأ الكلام من الأول زي ما إحنا أتفقنا وسيبك من الكلام اللي لا هيودي ولا يجيب ده.
ـ عندك حق ، بص ياسيدي، مع بداية ثورة يوليو 52 اقتصر العمل السياسي علي الدولة بواسطة أجهزتها الإدارية والتنفيذية، فتم إسقاط دستور 1923 في ديسمبر 1952 وألغيت الأحزاب في يناير 1953 .فيما عدا الإخوان المسلمين الذين اعتُبروا جمعية لا حزبا وتراخت تصفيتهم إلي عام 54 وصدر الدستور المؤقت في فبراير 53 والذي منح سلطات مطلقة للرئيس، ودمج السلطة التشريعية في السلطة التنفيذية، لتفقد الأولي استقلالها ويتأكد هذا الفقدان بإشتراط دستور 1956 فيما بعد.
تولي الاتحاد القومي الترشيح لمجلس الأمة. وكان من شأن ذلك أن يجمع رئيس الدولة كل السلطات السياسية والتشريعية والتنفيذية في يديه.
ـ وهو فيه واحد يقدر علي كل ده.ده فيه حديث لرسول الله صلي الله عليه وسلم بيقول ما خلق الله من قلبين في جوف .
ـ بلاش الكلام اللي ملوش لازمة لأن الموضوع ده حصل من أكتر من خمسين سنة وزي مابيقول المثل( العايط في الفايت نقصان عقل ودين).وبعدين الرسول الله يرحمه مكنش يعرف اللي هيحصل بعد كده ،ود مش كفر وليعوذ بالله لأنه عليه الصلاة والسلام لو نزل دلوقتي الانتخابات هيسقط سقوط مدوي وخلينا نكمل أحسن.
ـ علي رأيك خد سيجارة.
ـ لا لو سمحت المرة دي علي أنا .
ـ الجيب واحد.
ـ لا علشان محدش فينا يحس لحظة واحدة إنه حمل علي التاني.
ـ ماشي كلام أبناء إدم ، ولاد الأصول .
ـ طبعا بعد لما الرئيس مسك السلطات كلها كرست السلطة الجديدة التنظيم الواحد بدءا من هيئة التحرير سنة 1953 مرورا بالاتحاد القومي وانتهاءاً بالاتحاد الاشتراكي العربي. كل دول طبعا كانوا تحت قيادة الدولة العليا ولم يكن لهم أي تأثير في اتخاذ القرارات السياسية الكبري زي تأمين قناة السويس أو الوحدة مع سوريا أو التأميم أو حرب اليمن ...ألخ.
ـ مش فاهم.
ـ يعني الحزب علي عيني وراسي بس الرئيس هو اللي بياخد القرارات بذات نفسه ومن دماغه
ـ هو مش حقه الحزب يفكر وبعدين يقدم مشروعه للمناقشة ثم يخلص من الكلام بنقاط مختصره ويتقدم بيها لرئيس الجمهورية حسب ما بينص الدستور.
ـ ده كلام فارغ ومضيعة للوقت.الأحسن طبعا الرئيس يفكر ويقرر وينفذ علي طول. شوف مثلا الخطاب اللي بعته السيد الرئيس المبارك حسني مبارك لمجلس الشعب علشان يقوله فيه إنه عاوز يغير المادة 76 من الدستور.
ـ قصدك ركاكة الجمل وعدم فهم الكلام من الأساس.
ـ لا طبعا الكلام ده يحكي فيه واحد غاوي يستنجد باللغة العربية قبل ما يخش يستنجي لمؤاخذه أنا قصدي الطريقة . لولا أن هو اللي قرر كان الحزب قعد عشرين سنة علي ما يخطر علي باله الموضوع ده، وده بقي العبقرية اللي أختص بيها المولي الرؤساء عز وذ ل.
ـ بس ديه طريقة مش ديمقرطية.
ـ أحه ،هو أنت جاي تحاورني و عملي ملاك ووقف قدامي وعاوز تكمل معاي لغاية المحروقة ديه ماتخلص وفي الآخر تقولي قال إيه مش ديمقراطية.
ـ بس بالطريقة ديه بقي يبقي أطاحت ثورة يوليو بما كانت قد انتزعته الحركة الوطنية والديمقراطية من حريات خلال النصف الأول من القرن العشرين،وأقامت دكتاتورية صارمة.
ـ عليك نور. بس كان عندها سبب وجيه.
ـ سبب إيه ده اللي يخلي الثورة تضيع نص قرن من المكاسب؟
ـ كانت نايمة علي الاصلاحات الاجتماعية ذات الأفق البرجوازي.حلو البرجوازي ده.خد بقي السبب الأشد وجاهة.معاداتها للاستعمار أبن القحبة المعرص المتربص بينا من أول التاريخ.
ـ بس طول عمر السادة الرؤساء بيعاملوا العدو ده من تحت التربيزة.
ـ أديك قلتها بنفسك من تحت التربيزة.أيش بقي عرف الشعب اللي عمل توكيل علي بياض لجناب الرئيس .تصدق وتؤمن بالله ، فيه رئيس من الرؤساء اللي مسكونا مكنش يعرف الموضوع ده غير بعد لما قعد في الحكم 16 سنة.أي والله العظيم تلاتة ياجناب الملاك ولا ليك علي حلفان، الرئيس ده ذات نفسه أول مااكتشف إنه عنده توكيل من الشعب راح بايع القطاع العام ومحدش قدر يفتح بقه ولا يقوله تلت التلاتة كام؟ مع إن المسألة سهلة قوي. سهلة خا..........لص. تلت التلاتة واحد .شفت سهلة أزي .الواحد ده دايما هو الرئيس اللي معاه كل التوكيلات.ومش بس التوكيلات لا معاه المخابرات والبوليس والإعلام وسيادة أمين شرطة اسم الله.
ـ ربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم ، وأحسن حاجة كمل.
ـ بعد 23 يوليو بأقل من شهر استخدمت الثورة الدبابات وقوات الجيش لفض اعتصام العمال المُضربين عن العمل في كفر الدوار.
ـ يارجل متقولش كده عيب.قول بعد سنة علي الأقل.
ـ لا وحياة شرف ستي اللي ماتت حافية، ماكان عدي شهر بحاله في 12 و13 أغسطس من عام 1952 اعتقلت قادتهم وأعدمت في 7 سبتمبر اتنين منهم الأول اسمه مصطفي خميس والتاني اسمه إسماعيل البقري. وحكمت بالسجن المؤبد علي عدد كبير من العمال.
ـ بس ده معناه إن اللي قاموا بالثورة رفضوا حد غيرهم يقوم بثورة صغيرة علشان تحسين أوضاعهم أو تكوين نقابة بالانتخاب الحر أو زيادة الأجورأو صرف المنحة. علي ذكر المنحه فاكر لما الرئيس القائد صاحب الضربة الجوية الأولي لما كان بيخطب في عيد العمال.
ـ قديمة .
ـ هي إيه القديمة؟
ـ النكتة البايخة بتاع إنه بيأجل العشرين يوم المنحة لغاية مايقول السلام عليكم ويسيب الميكرفون ويمشي عادي من غير ما يرفع إيده، ويطلع واحد يقوله.
ـ المنحة يا...............ريس
فيضحك ويرجع تاني علي المنصة ويقول:
ـ آه عشرين يوم.
وبعدين يقولهم كل سنة وانتوا طيبين ويرفع إيديه الاتنين ويشاور بيهم ولا كأنه عادل إمام بذات ملايينه ، بعد لما حول أعداد محبيه إلي أرقام في البنك ونسي المعجبين ولاد الوسخة وبقي يطلع دلوقتي في تليفزيون أنس الفقي ويقول للناس إن المظاهرات حرام وعيب وإنه لما بيعملها في الفيلم بيكون بس علشان غاوي يكلف المنتج شوية فلوس بعد لما رفض يديله 3إربع ملايين زيادة في عرقه وارجع تاني للعمال .
ـ أنا مش فاهم حاجةأبدا.
ـ طب ولع علشان أقولك والكلام يحلو.
ـ متخدش علي كده.وبعدين لعلمك بقا أنا عارف أنك قصدك علي حكاية أنابيب الغاز،مش كده.وأنا بقا اللي هحكي الحكاية ديه بالذات.
ـ اتفضل.
ـ بص ياسيدي .في مرة السيد الزعيم بيخطب وواحد من بتوع المخابرات واقف علي حيلة وقال للرئيس زي ماهمه محفظينه بعد لما لبسه ملابس العمال.ـ ياريس أنبوبة البوتجاز مش لقيينها ، و في السوق السودة بخمسة جنيه وهي تمنها 65 قرش.
الريس راح بصصله كده من تحت لتحت ورايح قاله وهو بيهز صبعه الظغنن:
ـ معقولة.
الواد الضابط اللي كان لابس هدوم عامل قاله:
ـ أيوه والله ياسعادة الريس حتي أسأل العمال اللي قاعدة قدامك أهيه.
الريس ما كدبش خبر وسأل العمال اللي فكروا تحت القبة شيخ وراحوا مزعقين وقالوا :
ـ حصل ياسيادة الريس .
راح منادي علي وزير الأنابيب رئيس البترول يعني اللي طلعله وهو عامل نفسه مخضوض وقاعد يتكلم معاه تلات أربع دقايق وبعدين نزل والريس راح رجع تاني للمكرفون وقال
ـ إنه من الصبح هتكون الأنابيب متوفرة بس هنرفع سعرها شوية ،علشان هيضطروا يشتروا أنابيب من السوق السودة بتاع نيكا راضية . تفتكر رفعه كام؟
ـ أنا فاكر الموضوع ده ، بس حكايةإن اللي سأله كان واحد مزقوق ديه، جديدة علي وعلي العموم أنت ملاك وكنت هناك وأدري.
ـ يعني تفتكر واحد من العمال اللي مستنين ال15 جنية علي أحر من الجمر هو اللي هيسأل ويضيع المنحة في 6 آنابيب.ده كلام يقوله واحد عاقل برضو ياراجل.
ـ مش عارف يس أنا فاكر كويس إن سيادة الرئيس خلي الأنبوبة ب 2 جنيه ونص
ـ طب أنت عمرك شفت واحد يرفع حاجة من 65 قرش 250 قرش مرة واحدة.
ـ حصل أسخم من كده، بس يالا ربك عفو غفور كمل.
ـ أكمل إيه أنت اللي حقك تكمل.
ـ طب ولع.
ـ ماهي مولعة في إيدك أهه، كمل.
ـ بعد الموضوع بتاع كفر الدوار جه هجوم الدبابات علي مصانع في الإسكندرية وبعديها مصنع نسيج الشوربجي بإمبابة في 7 سبتمر 1953وهلما جرة. بعد كده سنت الدولة وبدون استشارة العمال نفسهم سواء تنظيمات أو نقابات شوية قرارت منهم زيادة في تعويض الفصل وإدتهم أجازات سنوية أطول ومواصلات مجانية ورعاية صحية وقبل ما يتنفذ أي قرار منهم كانت الدولة نفسها عاملة أمر عسكري يحرم الاضرساب بكافة أشكاله الكلام ده أمتي ،مش هتصدق في 8 ديسمبر 1952.
ـده كلام خالي من الصحة تماما لأني أنا بأم عيني شايف إضراب للعمال يوم 29 مارس سنة1954 في كل شوارع القاهرة بيهتف وهما رافعين يفط كل الشركات المشاركة في الاضراب والتي جاءت من كل شبر في أرض القطر المصري وهما عمالين يقولوا.لا للاحزاب لا للديمقراطية.
ـ عندك حق طبعا بس الموضوع ده بالذات له حكاية يمكن متعرفهاش.
ـ قولي يابو العريف.منك نستفيد.
ـ بص ياسيدي. بعد لما أتكون ما يسمي بهيئة التحرير التي كان أمينها العام هو جمال عبد الناصر بذات نفسه والنائب بتاعها هو الصاغ إبراهيم الطحاوي ومدير شئون النقابات هو الصاغ أحمد طعيمة حصل إشكال 54 عارفه؟
ـ طبعا مش بتاع خالد الذكرمحمد نجيب والخالد أيضا يوسف صديق والمرحوم خالد محي الدين اللي عاوز ينزل الانتخبات الجاية.
ـ عليك نور.الحكاية باختصار إن المجموعة الصغيرة اللي أنت قلت أسمائهم ومعاهم ييجي أربعة ولا خمسة من أعضاء قيادة الثورة كمان كانوا عاوزين يردوا الحكم للشعب ويرجعوا الجماعة بتوع الجيش لمواقعهم. حصل إشكال بقي مابين أنصار الديموقرطية وأنصار الحكم العسكري وكان لابد من الاحتكام إلي الشعب ذاته ومن هنا عملوا اجتماع يوم 26 مارس في مكتب الصاغ أحمد طعيمة وقرروا يعملوا إضراب العمال بتاع يوم 29 اللي حضرتك شفت فيه العمال اللي خد فيهم كل واحد حته بمدنة، خمس جنيه حتة واحدة وقعد يهتف لا للا حزاب لا للديمقراطية وفي الآخر رجعوا علي بيوتهم مشي بعد لما صرفوا الخمسة جنيه كلها في الكلوب وملقوش العربيات اللي سابتهم ومشيت وطلعوا شليطي مليطي وولع بقي خلي الكلام يحلو.


2









استشار عبد العظيم محمود الشيخ الشهير بأبو ريعو الله والهدي الإسلامي والشيخ مجدي في موضوع الإسهال الذي أصابه.
إما الله فقد ظل ثلاثة أيام يسأله وهو يتناول القهوة الموضوع عليها ليمون وحبات الحمص الناشف أن يخفف عنه ألمه وبعد أن يأس أستشار الهدي الإسلامي الذي ذهب إليه في تمام السادسة والنصف من مساء اليوم الرابع وبعد أن دفع مبلغ 3 جنيهات وأمسك في يده بورقة تحدد دواره في الكشف أمام دكتور لم يعرف أسمه وخرج من عنده وفي يده ورقة أخري مكتوب بها مجموعة من الأدوية دفع فيهم مبلغ 11 جنيهاُ وصار لمدة عشرة أيام يتناول تلك الأدوية دون أن يظهر أدني نتيجة تذكر مما جعله يستشير الشيخ مجدي أخا زوجته والذي كان يتابع استشارته السابقة عن كثب. ولما كان الشيخ مجدي من الأطباء اللذين أخذوا العلم الطبي من مجموعة الأمراض التي أصيب بها هو و أبوه وأفراد من عائلته ، وتعمق في الطب حتي أنه ترك كل شئ تعلمه في مدرسة التجارة المتوسطة وتفرغ للطب ومن هنا قرر الدكتور مجدي أن يبدأ معه من الصفر. لم تطل فترة الاختبار لأكثر من أسبوع قرر خلالهم الشيخ مجدي أن يرمي بثقله الطبي بعد أن يأس من مرجعة كل حالات الإسهال ومنحه بعض السفوف ذات الألوان المختلفة ولقد شاء الله أن ينصر الدكتور مجدي وينقطع الإسهال بعد ساعات خمس فقط من تناول عبد العظيم السفوف مما جعله يبش في وجه زوجته ويقول لها:
ـ يظهر سرالشيخ مجدي باتع يا أم ريعو.
ـ ما أنا قلتلك من الأول يابو ريعو ده غاوي، وبيقرأ، ومطّلع.
ـ عندك حق والله.
قالها بفم مليان قبل أن يهز يده ورأسه في الهواء ويضيف:
ـ يا خسارة الفلوس اللي دفعتها عند الدكتور الحمار بتاع الهدي.
ـ فداك يابو ريعو،الحمد لله أن ربنا كرمك ياخوية .
مضي الليل وجزاء كبير من النهار دون أن يدخل عبد العظيم الحمام ولا مرة واحدة مما جعل الفأر يلعب في عبه وهو يجلس فوق التربيذة المهكعة أمام مبني المحكمة. بعد مضي ساعات 24 وبالتحديد في نفس الساعة التي شرب فيها الحبوب مختلفة الألوان أحس بألم شديد في معدته مما جعله يجأر بصوت أصاب زوجته المشلول لها قدم وزراع بحالة هسترية لم تتخلص منها إلا وهم في عربة سيد حسين الذي أغاثها وحمل هووباقي سكان البيت عبد العظيم وذهبوا به إلي مستشفي النصر للتأمين الصحي ـ الشهيرة بمقبرة الغزاة ـ رفض الأطباء التدخل للكشف عن ما يصيب المدعو عبد العظيم والذي كان يجأر إلا بعد أن يروا كارنيه التأمين الصحي ولما كان المدعو يعمل عرضحالجي علي باب الله ونيابة ومحكمة حلوان لم يجدوا بدا من الذهاب إلي المستعصية ( حلوان العام)
ـ هو خد إيه؟
سؤال خرج من فم الدكتور النبطشي في الاستقبال.
ـ هو كان عنده إسهال وبعدين أخوي الشيخ مجدي.
ثم رفعت يديها في أتجاه السماء وهي تضيف:
ـ ربنا يستره يا رب أداله شوية حبوب خف والحمد لله بعد أما غلبنا في اللف علي الدكاترة.
ـ وأخوكي الشيخ أسمه إيه ده اللي ربنا.
لم يكمل كلامه نظرا لتدخل الأخت التي لم تتركه يكمل وقالت له:
ـ الشيخ مجدي يا أخويا.
ـ الشيخ مجدي بتاعك ده دكتور؟
ـ لا ،بس هو عيي كتير ، و كتر الحزن يعلم البكاء .
ـ بكا إيه ولطم إيه ياست أنتي يا متخلفة.
ـ الحقوني ،بطني هتتفرتك .اعملوا معروف،أبوس إيديكم.
بتلك الجملة أنهي عبد العظيم الكلام حول أخيها الشيخ .
ـ طب أعمل معروف الحقه ،
ثم أقترب منه وهو يضيف:
ـ شوف الرجل اللي بيفرفر قدامك وبعدين نشوف الغلط علي مين.
عرض قدمه الحاج محمود صاحب البيت الذي يسكن فيه أبو ريعو وهو يمسك بيد عبد العظيم الذي صار وجهه أزرق.
ـ ما أنا لازم أعرف إيه الحبوب اللي خدها.
ـ اعمله غسيل معدة يا دكتور.
عرض آخر تقدمت به الست أم حسني جارة المريض والتي صممت علي الإتيان معه إلي المستشفي للاطمئنان عليه مثلما فعل أبو ريعوـ ذاته ـ مع المرحوم زوجها.
ـ طلّعي الناس ديه كلها بره يا نيرس.
أمر خرج من الدكتور وهو ينظر باحتقار إلي المرأة التي كانت تنظر للمريض وتواسيه وتهون عليه الأمر قائلة:
ـ شدة وتزول يا أستاذ عبد العظيم.
ـ طب نفهم الأول هو عنده إيه يا دكتور.
تساؤل خرج من فم سيد حسين.
ـ عنده تسمم واضح يا سيدي،ممكن بقي حضرتك تاخد الزيطة والزنبليطة اللي عملينهالي ديه علشان أعرف أشوف شغلي.
ـ خليكي معاي يا أم ريعو،أنا بموت.
ـ إن شاء لله العدوين ياخوية .
قالتها الزوجة وقلبها يكاد يطير من الخوف ودموعها تسح علي خدها.
لخمسة أيام تنقل خلالها المدعو عبد العظيم علي مستشفيات مدينة ناصر والمقطم وعين شمس التخصصي وعاد مرة أخري إلي مقبرة الغزاة قبل أن يخرج منها جثة هامدة في عصر اليوم السادس دون أن يكتشف أي من الأطباء ما أصابه علي يد الدكتور مجدي أخي زوجته التي ترملت وهي في بداية الثلاثينات.



3


الآن وبعد مضي أسبوعين من ـ الألم الرهيب ـ تذكر عبد العال مهران الشهير بعبده الكارثة التي أحلت به وقلبت حياته رأسا علي عقب كما كان يسمع من أصحاب الابتلاء . هؤلاء الذين يحبون أن تستمع لهم طوال عمرك. عمر عبده اقترب من الثماني والأربعين.لاشك عندي أنه استمع كثيرا إلي هؤلاء.
ـ اصبر شوية.
جملة أثيرة هذه الأيام يقولها له كل زائريه. كثيرا ما كان يلقيها إلي مسامع الأصدقاء الطيبين الذي كان يزورهم عبده ذاته.لكنه وهو يستمع إليها من عاطف الجحش الذي يرجع إليه الفضل في رقوده بلا حركة وبكثير من الألم طوال الأسبوعين الماضيين أحس بعدم جدواها.
أقول أنا الملاك إن جزءاً كبيراً من الفضل وليس كل الفضل يعود الي صاحب جملة اصبر شوية.
ـ مقبرة الغزاة .
جملة مكتوبة بخط ردئ ظلت طوال الأيام الماضية لا يستطيع فك رموزها أو مجرد السؤال عن حروفها المتشابكة رغم كثرة زائريه ومصبريه في نفس الوقت.أخيراً وبعد أن عاد بصره اليوم حديد ، وبعد أن تأكدت له الحروف راح يتلوها بصوت هامس.
مقبرة الغزاة .
كما سماها سائق بيجو كان يعمل علي خط باب اللوق ، حلوان في منتصف السبعينات . ورغم أن ذلك السائق ـ الذي لا نحتاج اسماً له ـ لم يكن يقصد إطلاق ذلك الاسم علي المستشفي الوليدة في تلك الفترة. لكن الجملة التي خرجت علي لسانه لاربعة عشر أذناً صاغية كانوا يشاركونه الطريق إلي حلوان كما شاركوه مأساته في فقد ابنه ذي العشرة أعوام منذ تحرك من موقف باب اللوق . وقف أمام المستشفي التي كان يفصلها عنه طريق موازي لاتجاه عكسي وبدموع اختزلها طيلة المسافة من باب اللوق إلي حيث يشيرالآن والتي تقترب من 25 كيلو متر وقال :
ـ دي بقي مقبرة الغزاة .
وبالرغم أن المقصود من جملته عكس ما صرح به. تماما كالاتجاه الذي أشار منه وهو في الطريق إلي حلوان علي باب المستشفي والاتجاه الذي تحتله المستشفي للخارج من حلوان. مقبرة الغزاة اسم أطلقه بعض المؤرخين علي مصر التي تصبح مقبرة لأي غاز ، وعدو.
تري وهو يشير بيديه وتغافله دمعة بماذا كان يفكر؟
هذا سؤال فلسفي نحن بغني عنه الآن.
قال المهرج.
فالآن وقد أعجبت السائق تلك الجملة التي خرجت منه مصحوبة بدمعة ورنة حزن صار يرددها علي كل الآذان التي تشاركه المرور من أمام باب المستشفي في غدوه ورواحه..ولأن الوجوه تختلف كل يوم فقد انتشرالاسم بترديده ليس من السائق فحسب. فمما لاشك فيه أن هناك عوامل كثيرة جعلت تلك المستشفي تسمي بذاك الاسم. سأختصر كل هذه العوامل ولن أذكر فضل تعليقات بعض المرضي. هؤلاء الذين يحبون أن يتركوا بصماتهم علي جدران المستشفي قبل أن يتركوا الحياة . والتي عادة تكون بخط ردئ وتهتم بإظهارالاسم والتاريخ في أحسن صورة لخط المريض وأقول إن السبب الذي جعل لجملة السائق البعيدة كل البعد عن مبتغاه الذي كان يقصده والتي وجدت آذانا صاغية راحت تقتنع بها وترددها هو أن المبني القديم الذي كان يحتل مكان المستشفي قبل تطويرها كان عبارة عن مشرحة لضحايا المستشفيات القريبة من حلوان. وهكذا اتحدت عوامل عدة وبمجموعة من الصدف قل أن تجتمع ليقرأ عبده الاسم الذي لم يكن يختفي عنه بصفته من مواليد حلوان.
ـ منك لله يا عاطف الكلب.
هكذا همست شفتاه وهو يجز عليهما من الآلام المبرحة.ثم نظر أعلى السقف الذي تزينه أربع كشافات مشتعلة وراح يفكر فيما حدث منذ دخل الفرح بصحبة صديقه . كان منذ بلغ العشرين عاما قد أخذ بينه وبين نفسه قرارا بعدم مشاركته في الأفراح. ولا يرجع السبب في ذلك إلي حادثة أو مشكلة حدثت له علي وجه الخصوص كما يتذكر. لكنه الآن وهو يراجع نفسه تأكد له أنه كان يعرف مصيره منذ 28 عاما ومن أجل ذلك قاطع الأفراح بعد أن حضر فرح وهو بعد شاب صغير ورقص فيه ثم شرب براندي من يد شخص لا يتذكره كما لا يتذكر ما حدث له في ذلك اليوم وربما من أجل ذلك قاطع الأفراح عموما . لكن مالا يعلمه عبده حتي الآن أنه حرم نفسه من شئ ربما أدخل السرور إلي قلبه ولكن ذلك حديث آخر.
ـ امسك.
بتلك الكلمة بعد محاولات عدة للرفض منه تخللتها نظرات شغوفة من عيونه علي الراقصة الأولى التي يري لحمها مباشرة تحت بدلة رقص حقيقية ومحاولات أكثر من فم عاطف (امسك) بكوب ملئ حتي منتصفه بنوع جديد من الخمرة اسمه قاهر الرجال.
ـ قاهر إيه يا أبو عاطف.
سأل عبد العال بسخرية وهو يمسك الكوب من يد عاطف التي كأدت أن تدلقه عليه من كثرة الرفض.
ـ الرجال يا عُبد الورد.
أجاب عاطف وهو يهز رأسه بأمتنان للظروف التي ساعدته علي اللقاء بعبد العال في ذلك اليوم وعلي حين غرة كما يقولون.
ـ مش منهم برضو ياعم عبده؟
باغته رمضان سعد الشهير برارا نسيب عاطف بتلك الجملة..
ـ تحب تشوف.
بذلك الرد أخرس (رارا ) وأضحك عليه الحضور الذين نحن في غني عن وجودهم تماما كسائق البيجوه.
بسم الله الرحمن الرحيم.
(قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه .ولم يبدها لهم.)
صدق الله العظيم..
هكذا قال الله جل شأنه عن يوسف الصديق..وهكذا آسرها( رارا) ولم يظهرغضبه من رد عبدالعال مهران جار أخته وزوجها عاطف، لكنه كان قد صمم أن يضحك الحضور الكثيري العدد عليه تماما كما ضحكو ا منذ قليل علي رده ، ومن هنا راح ينتظر التفاته الكثير علي الراقصة بعد أن أفرغ محتوي الكوب في دفعة واحدة ووضعها أمام رارا الذي كانت عيونه تطق بالشرر وراح يملئ الكوب كلما فرغ من أمام عبده الذي صمم علي قهره هو مع الاستمتاع للمرة الأولى بالراقصة.مضت اللحظات سعيدة وهو يري مدي قهره( لرارا ) الذي اشتري علي حسابه وعلي غير عادته ثلاث زجاجات من قاهر الرجال ليقيس بهم قوة عبده الذي وقف بعد ان انتهي الفرح ومشي باتزان أذهل الحاضرين وأطفأ جزوة الأخذ بالثأر التي دفع فيها (رارا) ستين جنيها بالتمام والكمال .
ودع الأصدقاء الجدد بقبلات كثيرة حتي( رارا ) ذاته طبع ما يشبه القبلة علي خده وتحرك مع صديقه الطيب عاطف من حكر أبو دحروج إلي حيث يسكنون في منشية جمال عبد الناصر مفضلين اختصارها والمرور من الترب كما طلب عبد العال مهران. وصل إلي باب البيت وتركه عاطف بعد أن نظر في ساعته وقال إن الوقت تأخر وأنهم واقفين منذ أكثر من نصف ساعة يضحكون علي شئ حدث لهم أثناء مرورهم بالترب.
استيقظت زوجته علي حركته الغريبة ما بين المطبخ والصالة وصوت ارتطام أغطية الحلل وفتح الثلاجة. وضعت أمامه الطعام وهي تنظر إليه في شرود وعلي محياها الأسمر الجميل يرتسم سؤال لم تصرح به.أمسكت ريموت التليفزيون وشغلته له ثم دخلت إلي المطبخ مرة أخرى وصنعت كوبا من الشاي وعادت لتضعه أمامه كما طلب لكنه لم يكن هناك.كان باب الشقة مفتوحا علي مصراعيه. راحت تبحث عنه في الحجرتين ثم نظرت من البلكونة في ذلك الوقت المتأخر فلم تر شيئا.أغلقت الباب واستمرت تنتظر لمدة لا تقل عن عشر دقائق قبل أن تستمع إلي أصوات جيرانها في البيت والذين صحوا علي غير العادة. فتحت الباب في توجس وانتظرت كغيرها من السكان معرفة مصدر الصوت الذي يئن في مكان ما. كان عبد العال مهران الشهير بعبده والذي شرب ما يقرب من لتر ونصف من الخمرة المصنوعة في عرب راشد والتي تزين زجاجتها غريبة الشكل صورة لرجل يشبه إلي حد بعيد شمشون الجبار من مخيلة رسام فاشل قد جلس يأكل بنهم الفرخة التي صمم علي أن تحمرها الزوجة التي دخلت تصنع له الشاي وتركته أمام التليفزيون . وبلفتة مفاجئة انتبه إلي صورته المهتزة ،قرر في تلك اللحظة إصلاح ما أفسده الهواء الذي اشتد في تلك السويعات المتأخرة من ليل ديسمبر ، لم ينتظر حتي يكمل بقية طعامه، ودعاه قدره الغاشم كما اتضح لاحقا إلي الطلوع فوق السطح وإصلاح الإ ريال.
ارتقي سطح البيت ووقف.كانت مجموعة الأرايل من الكثرة بحيث اختلط عليه الأمر.
أيهم فهم ُكثر.
بذلك البيت من قصيدة أبي فراس الحمداني راح يتتبع السلك الساقط من الأرايل السبع .عند المسقط المفتوح عليه شبابيك للتهوية كان يدندن بصوت عذب فاجأه هو شخصياً .
معللتي بالوصل والموت دونه إذ مت ظمآن فلا نزل القطر.
الآن لا يعرف إن كان قد استمع إليه وهو يقول فلا نزل القطر أما كان يستمع إلي صوت جسده وهو يتخبط في ذلك المنور ليستقر بعناية الله وفضله في الدور الثاني.


4


أنا فلفل عبد العال مهران كما اعترفت لي أمي.
أم فلفل. تلك المومس.التي لم تكن لتعترف لي أ بدا لولا مافعلته بها.
أتعرفون مافعلته بها؟
هل يتخيل أحد منكم ما يمكن أن يفعله فلفل؟
أناالذي عرفت منذ طفولتي إني ابن حرام.لم تكن لأقوال الناس أي فضل لمعرفتي تلك كما يظن بعضهم.
لم أكن علي استعداد لتلقي كلامهم الخبيث عن أمي .أم فلفل.أنا الذي شاهد منذ طفولته الرجال وهم يتناوبون النوم والجلوس والركوع والوقوف والسجود والهياج عليها وأنا مركون في جانب ملفوف بقطعة قماش ـ في نفس المكان الذي تنام فيه لهم ـ حتي تستطيع أن تضع إصبع الوسط في فمي حين أبكي من رفسة هائج أو همسة ساجد.
لكن الفضل كل الفضل في معرفتي بأنني ابن حرام يعود إلي بشرة أبي عبد العال مهران الذي نام مع أمي في أحد الأفراح قبل أن تكون أم فلفل. كانت تعمل راقصة درجة رابعة وفي أحد الأفراح وبعد أن أعجبها أبي وهو يرقص أمامها ،ويملك علي الناس ألبابهم ، ودق قلبها له. لحظتها نادت علي حسن الطبال الذي يعشقها منذ ثلاث سنوات حتي النخاع وطلبت منه ـ وهي العليمة أنها لو طلبت منه أن يرمي بنفسه الي التهلكة ما فكر أبدا قبل أن يكون في الجحيم ـ أن يقف ويتبع عبد العال في رقصته وجلست لتستريح علي الكرسي وتنظر بأيما إعجاب إلي الشاب الأسود الذي راح يتحرك حركات تم تدشينها علي مر العمر ليرقص كل الناس الآن بنفس طريقته التي اخترعها في بداية الثمانينات ، أبي الحقيقي والذي شاهدته للمرة الأولي أمس في مستشفي النصر ورغم ذلك لم أحس نحوه بأي تعاطف كما كنت أظن . ربما ساعدت الأربطة التي غطته تماما في عدم تعاطفي ، لا أعرف. انتهي أبي من الرقص ونزل من علي المسرح ساحبا قلب سميرة.أم فلفل الذي لم أكن أنا بعد هناك. اقترب حسن الطبل من عبدالعال أبي بناءاً علي (ذقة)
من أمي وأعطاه زجاجة براندي. وأمسك به من لحظته ولم يرخه طيلة الليلة حتي أركبه معه العربة وفي حجرة حسن ذاته بالعزبة البحرية نام عبد العال مهران أبي مع أم فلفل.أنا الذي تشكلت في تلك الليلة.
شببت ليلحق بإسمي اسم رجل غلبان وليس لعضوه أيه قيمة في تشكيلي .
أو يعرف أحد منكم حسن أبي في شهادة الميلاد؟
أيعرف أحد منكم معني أن يخلقه الله الذي هناك في السموات مثل ملاك كاتبنا بعضو عاطل عن العمل؟
هذا هو ( أبو علي ) الذي أقنع أبي عبد العال مهران أن يدخل علي سميرة وهو يجلس أمامهم حتي لايشك صاحب الحجرة والبيت فيهم، ورغم أنه كان مشاركا فيّ بكل شئ ، بداية من طريقة تواجدي إلي اختيار أسم فلفل، إلا أنه صمم علي عدم السماح لأحد أن يطلق عليه أبو فلفل، كما صمم علي مدار عمري كله علي شرب البيرة والجلوس بجوارأم فلفل.أنا الذي نزل من بطن أمه معلقا برقبته الشقاء والندامة ،وذلك النداء الأ ثير لشبيبة في سنه للنيل مني.،لكن هيهات أن تكون تلك الفاجرة هي سبب كل معاركي مع تلك الشبيبة.ألم أقل لكم أني خلقت بشقاء معلق برقبته ويده. وهذا هو الأهم.
لقد علمني السرقة منذ نعومة أظافري رجل يكره أمي حتي الحب ، ويستمر في الجلوس إلي جوارها حتي يأتي زبون فيتركها ويمضي لكي لا يعكر مزاج ذلك الزبون الذي يريد الاختلاء بأم فلفل. ولهذا لم تكن عشتها ـ التي صنعتها في أرض ملك الإصلاح الزراعي بمنطقة نشأت في بداية حكم الرئيس بكفر العلو سميت فيما بعد بحكر ابو دحروج ـ مكانا دائما لإقامتي بعد أن هجرت الرقص بناءاً علي نصيحة حسن الطبال الذي عقد عليها قبل أن ينتقلوا إلي تلك العشة. فمنذ العاشرة صرت زبونا دائما لكل الأقسام المنتشرة في عهد سيادته أيضا من أجل أمثالي. وله الحق في ذلك طالما خلق الله نوعية من عينة أم فلفل. أنا الذي أصبح علي مدار الأيام حامي حماها ومعيد حقها المسلوب من بعض اللذين ينامون عليها دون أن يمنحوها هذا الحق.
لاتسألوني عن كل هذه العاهات والندبات المنتشرة فوق وجهي الأسود ولكن اسألوني السؤال الأهم.
كيف عرفت أن الرجل الذي زرته بالأمس ووقفت أمامه ـ دون أن يخرج من فمي أي كلمةأو من عيني أية دمعة،ومن قلبي أدني إحساس بأي شئ ـ أبي؟
هل تخيل أحد منكم مافعلته؟
سأختصر كل ما فكرتم فيه لأقول لكم.
دخلت عليها وهي نائمة مرتدية جلبابها الأسود التي تقابل به بعض الزبائن الذين أصبحوا ندرة الآن بعد مضي الزمن عليها وانتشار الدش والمومسات الأفضل حالا بكثير منها . خلعت القميص والبنطلون ثم خلعت اللباس حتي بدوت كيوم ولدتني هي التي جلست وراحت تنظر إلي غير مصدقة للذي يحدث أمامها، ومن أجل ذلك فركت عيونها لتتأكد من أن الواقف أمامها يداعب عضوه حتي ينتصب هو أنا، فلفل ابنها الذي أمسك بزجاجة قاهر الرجال وأفرغ بقية محتواها ثم قذفتها ، جلست جوارها وأنا أمد يدي الي مابين فخذيها بقسوة وهي تفتح عيونها دهشة ولا تقدر يديها أو فمها علي التحرك حتي أمسكت بذلك العضو الذي اتسع منذ أكثر من اثنين وعشرين عاما لكي أسقط تحت قدميها كما أجلس الآن تماما.أفزعتني لدانته وأنا الذي مارس كل أنوع
(الجس) سابقا،حتي أعضاء الرجل في سجن طرة الذي خرجت منه منذ شهرين بعد ثلاث سنوات قضيتها في( جسة) مثل تلك. ولكن لعضو لم يكن أبد بتلك اللدانة والليونة التي أحسست بها للحظات قبل أن تقف أم فلفل وهي في الطريق الي الولولة والصراخ لولا أني أنا فلفل ابنها أمسكت بها ووضعتها علي الأرض سريعا وأمسكت برقبتها بين يدي وعضوي ينكمش تماما ورحت أقول لها.
ـ لو سمعت ليكي صوت هموتك.
ـ أنا أمك يافلفل.
ـ أنا عارف ديه. لكن أنا عاوز حاجة تانية.
ـ إيه؟
برعب وهي لا تقدر علي التخلص من تحتي أجابت وهي تفكر كيف ستقابل الله بعد ذلك.
الغريب أنها نامت لمئات الوجوه والأجساد ولم تفكر مرة أن تسأل نفسها ذلك السؤال هل حرام ما تفعله ، واليوم تخشي أن يضاجعها ابنها وتفكر في الحلال والحرام ؟
ـ عاوز أعرف مين أبويا ؟
ـ عبد العال مهران ياخويا .
أجابت بسرعة وبرعب أقل وهي ترمي بعيونها علي عضوي الذي انكمش.
ـ ساكن فين؟
ـ معرفش والله يافلفل.
ـ يبقي أنتي بقي اللي غاوية تجربيني.
قلتها وأنا أمر بيدي علي ملامح وجهها الذي صار يماثل ملامحي التي تفجأني حين أنظر في المرآه.
ـ ورحمة أبويا ما أعرف بس إديني يومين وأنا هعرف؟
ـ يومين بس والتالت مفيش فلفصة زي المرة دي.انت فاهماني طبعا ياأم فلفل .. يالبوة؟
قالها وهويرتدي الجلباب ويمسك باللباس ويضعه علي كتفه ويغمز بعينه ثم يتركها والدموع تتساقط من عينيها ويمسك بصندوق بيرة من جوارالدولاب ويخرج وهو يبتسم لنفسه

5



غير إنكم لا تعرفون عن بطلكم شيئا .
بيد أن بطلكم في الحقيقية محض وهم.
صنعتموه أنتم بأيديكم.
جعلتموه يتحرك في الليل لينقذ ابنتكم التي تتربص بها الوحوش، أو يتفقد بيت أحدكم ويقول للمرأة التي تحاول غش اللبن بالماء.إن كان بطلكم لا يراها فإن الله يراها .
أما عنه فقد كان يستمع إلي تلك الأحداث كأصغر واحد فيكم، وللحق أراد كثيرا أن يكذبكم.
أن يقول لكم:
ـ أيها الناس الأعزاء .. . ياأصدقائي. لم أكن أنا ما فعلت ماتقوله ألسنتكم.
لكنه خاف عليكم .
نعم. خاف أن تخسروا حلمكم فآثرالسكوت.
فقط آثر السكوت وهز الرأس لكل إشاعة تطلقها ألسنتكم.
فلماذا الآن تقفون أمام وجهه؟
وترفعون أيديكم وتحاولون إنزاله من فوق عرش صنعتموه بأمانيكم؟
وتعلنون بكل وضوح إنه لم يكن حلمكم.
هل قال يوما أنه حلمكم؟
وللحق ، ومنذ اليوم الأول الذي رفعتموه فوق الأعناق إثر محاولةاغتيال ناجحة من أفراد ينتمون إليكم استطاعت بمباركة منكم أن تقتل حلمكم وحاكمكم السابق قال:
ـ إن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة.
قالها بلا خوف.أو خداع لواحد فيكم. قالها وهو يضرب بيد من حديد علي المنصة التي صنعتموها بدمائكم ثم أضاف وهو مازال يمسك بتلك الفونتات التي تملكت قلوب شعرائكم :
ـ لابد من العمل.
أوتدرون ما العمل الذي طلبه؟
ربما كان يعني العمل بإخلاص من أجل رفع شأن الوطن.
أو العمل بكل ما تعنيه كلمة العمل في الأديان السماوية.
هل تعلمون ؟
ربما كان يعني العمل علي التخلص منه؟
وربما وربما.
ولكي نعرف الحقيقة عن قرب .أو علي الأقل لكي نزيل ذلك الالتباس الواضح في كلمته عن العمل علينا أن نقترب منه.
ولكن كيف نقترب منه وهو ما هو؟
هل أتاكم حديث الغاشية؟
إنه لمن لايعرفه هو الحديث عن بطلنا.
عما صنعناه بأيدينا ثم رويدا رويدا ويوما بعد يوم طلب منا أن نعبده فصار إلهاً بعيد المنال.
إن الطريق إلي معرفته أو معرفة حقيقته غيرصالح للعبور.
كما إن كل الأشياء غير داعمة للتمكن منه.
أو قرب زوال مملكته.
لقد أعد لنا ابنه ليكمل مسيرته العطرة.

6

يتضمن هذا الفصل وصفا لحكر ابو دحروج الذي خرج منه أبطال العمل. يشتمل علي خصائصه السكانية والاقتصادية والنشاط لأهل الحكر ورؤية الإخباريين لأهم مشاكله.
هذه الدراسة قامت بها ثلاثة جمعيات أهلية متخصصة في ذلك المجال علي المستوي الدولي.
أولا وصف الحكر.
أـ الموقع.
يقع حكر ابو دحروج شرق النيل وبالتحديد يبتعد عن كوبرى المرازيق العلوي بمقدار كيلو و675 متر. علي مسافة 6 كيلو من مدينة حلوان وعلي بعد 2كيلو من مدينة التبين ويعتبر الحكر تابعا إداريا إلي حي حلوان. ويتبع حي التبين ماليا وميدانيا حسب السجل المدني.

ب ـ الخصائص السكانية.
يبلغ عدد سكان الحكر في آخر دراسة ميدانية بالاشتراك مع عاملين بسجل مدني التبين التابع له الحكر في 15ـ7ـ2002 ، 875 42 نسمة وكان عدد سكان الحكر وفقا لآخر إحصائية للمجالس القومية المتخصصة التابع لمركز الإحصاء العام للسكان عام 96
23987نسمة وترصد هذه البيانات الخصائص السكنية الآتية.
1ـ بلغت نسبة الذكور 2، 48 % ونسبة الإناث 8، 51% ( الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء 1996 ص123)

2ـ يتوزع السكان (10 سنوات فأكثر) وفق الحالة التعليمية علي النحو الآتي:
تبلغ نسبة أمية السكان(10سنوات فأكثر) 95،8 % تقريبا وهي 92،93 % بين ذكور. 98 % بين الإناث.
تبلغ نسبة القراءة والكتابة 2 ،4% ( 20 % ذكور 8% إناث) وحصل 5% علي الشهادة الابتدائية و 11% علي أقل من المتوسط ، و7% علي الشهادة المتوسطة ، ونحو 1% علي الشهادة الجامعية وما يعادلها ومنهم خمسة أخوة لرجل من أبطال حرب أكتوبر كما أتضح للمصدر،.....،1% علي شهادة فوق جامعية ( إنثي واحدة في الحكر كله كما ذكر المصدر السابق)

3ـ يتوزع السكان ( 15 سنة فأكثر) ويبلغ عددهم 28940 نسمة وفق الحالة العملية علي النحو الآتي: 12% منهم داخل قوة العمل، 29 % معاش مبكر ، 22 % خارجها.ويمثل العاملون بأجر نقدي 37% وهم يعملون لحسابهم.، وتصل نسبة المتعطلين 56%( 60% سبق لهم العمل وخرجوا إلي المعاش المبكر

4ـ يكشف توزيع السكان(15 سنة فأكثر) وفق أقسام النشاط الاقتصادي الرئيسية عدم التحاق 73% منهم بأي قسم من أقسام النشاط.( يبلغ عددهم 8765 نسمة .ثلاثة أرباعهم من الإناث)
ويكشف التوزيع عن اشتغال نحو 74% من الملتحقين بالتجارة الحرة وتضم المحال والأسواق والبيع والشراء ، 11 % بالصناعات التحويلية ومعظمهم من الذكور، 3% بإصلاح السيارات .
6% في حرف يدوية مثل صنع الجريد والحصر وغير ذلك من أنشطة يعمل بها أعداد قليلة من السكان.
( الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ،96. ص 345)

5ـ يكشف توزيع السكان ( 15سنة فأكثر) وفق المهن الرئيسية عن وجود 3، 76 % غير ملتحقين بمهن. (المصدر السابق)

جمال عبد القادر الجلاصي
06/05/2007, 02:31 PM
المبدع المحترم سعيد نوح:

بهرني الجزء الأول من الرواية

الكتابة تحت تأثير وعي حاد بالمشاكل القومية والإنسانية

واحترافية عالية في الكتابة

سلم قلمك المبدع سيدي