المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من بيت الحكمة إلى دار الحكمة



محمود عباس مسعود
21/02/2010, 04:44 AM
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/8/87/Bucheinband.15.Jh.r.Inkunabel.jpg/170px-Bucheinband.15.Jh.r.Inkunabel.jpg

الكتب والمكتبات العربية في العصر الذهبي


اتفق المؤرخون على أن دور الكتب قد أدّت في العصر الإسلامي الزاهر ما تؤديه معاهد العلم والجامعات في العصر الحاضر. فقد كانت الكتب قبل اختراع الطباعة مخطوطات غالية الثمن لا يطيق اقتناءها إلا الأغنياء. ومن حسن حظ العلم والحضارة الإسلامية أن لجأ عدد من هؤلاء القادرين من محبي العلم إلى إنشاء المكتبات وإتاحة الإستفادة منها لجمهور الراغبين في الاستزادة من المعرفة، فعرفت مكتبات خاصة كثيرة كان لها شأن أي شأن.

منها (خزانة الحكمة) التي أنشأها علي بن يحي المنجّم في ضيعة له بالقرب من بغداد. ويروي ياقوت أن الناس كانوا يقصدونها من كل بلد، يتعلمون منها ألواناً من العلم وضروباً من المعرفة، والكتب مبذولة لهم، والصيانة مشتملة عليهم، والنفقة في كل ذلك من مال علي بن يحي.

ومنها (دار العلم) التي أنشأها بالموصل أبو القاسم جعفر بن محمد ابن حمدان الموصلي، جعل فيها خزانة كتب، وقفها على كل طالب علم. وإذا جاءها غريب فقير أعطاه صاحب الدار ورَقاً وورِقاً. ومكتبة (ابن سوار) بالبصرة، ومكتبة (خالد بن يزيد) وهو أول من عُرفت له مكتبة في الإسلام فيما يروي (كرد علي)، فقد عُني بإخراج كتب القدماء، وأحضر جماعة من فلاسفة اليونان وأمرهم بنقل الكتب إلى اللغة العربية. ومن هذه المكتبات الخاصة مكتبة (الناصر لدين الله) و(المعتصم بالله) و(الفتح بن خاقان) و(حنين ابن اسحق) و(القفطي) و(ابن الخشاب) و(الأصفهاني) و(ابن العميد) وغيرها كثير.

مكتبة الإسكندرية
أما المكتبات العامة، فلعل أشهرها فيما يروى (مكتبة الإسكندرية) التي كانت ملحقة بجامعة الإسكندرية القديمة، والتي أنشأها البطالمة في القرن الثالث قبل الميلاد واحترقت في عهد قيصر. ويروى أنه كان بها آنذاك نحو خمسمائة ألف مجلد، وقد نقل إليها (أنطونيو) ما كان بمكتبة (برجامون) بآسيا الصغرى من كتب، قيل أنها بلغت نحو مائتي ألف مجلد، أهداها إلى (كليوباترة) ليعوّضها بعض الخسارة عن حرق مكتبة الإسكندرية.

وهناك مكتبتان يزدهي بهما العصر الإسلامي، هما (بيت الحكمة) في بغداد و (دار الحكمة) في القاهرة.

بيت الحكمة
أنشأ بيت الحكمة هارون الرشيد، ووصل النشاط فيها ذروته في عهد المأمون، حيث نشطت الترجمة لنقل العلوم من اللغات اليونانية والفارسية والهندية والقبطية والآرامية. وكان الرشيد قد نقل إليها ما وجده من كتب في أنقرة وعمورية وبلاد الروم... وقلد يوحنا بن ماساويه الإشراف على ترجمة الكتب القديمة، كما عيّن المأمون سهل بن هارون مشرفاً على هذه المكتبة. وكانت بها مجموعات من الكتب اليونانية أهديت إلى المأمون من صاحب جزيرة قبرص، وأخرى جاءته من القسطنطينية، كان المأمون قد طلبها من ملك الروم.

وقد صُنفت الكتب حسب موضوعاتها، واختير لها المترجمون مما لهم خبرة علمية بهذه الموضوعات التي يترجمونها، فضلا عن إجادتهم للغتين العربية واليونانية.

ومن مشاهير المترجمين في عهد الرشيد أبو سهل الفضل ويوحنا ابن ماساويه وابن البطريق وحنين بن اسحق وعمر بن القرحان وثابت بن قره وغيرهم. وكان بالمكتبة نـُسّاخ يؤتى لهم بالكتب لينقلوا صوراً منها، وإذا ضنّ صاحب الكتاب، انتقل النسّاخ إليه، وكان النسّاخ يتناوبون العمل ليلاً نهاراً.

وقد بلغت مكتبة بيت الحكمة أوجها في عصر المأمون. كانت بمثابة مركز علمي ممتاز شمل علوم الطب والفلسفة والحكمة. وكان المأمون مثال الخليفة العالم الذي يهب العلم وقته ورعايته، يعطف على العلماء ويزيّن بهم مجالسه، ويغدق عليهم الهبات. قيل أنه كان أحياناً يدفع وزن ما يترجم ذهباً. وكان المأمون أول من نادى بأن لا يكون نشاط بيت الحكمة متوقفاً على سخاء الخلفاء والأمراء، فهيأ للعلماء أرزاقاً يتقاضونها من أوقاف ثابتة.

ويعتبر بيت الحكمة أول مكتبة عامة ذات شأن في العالم الإسلامي، أنفقت عليها الدولة العباسية بسخاء. كان يجتمع فيها العلماء للدرس والبحث، ويلجأ إليها الطلاب للقراءة والتعلم. ومن المؤسف أن أهمل المعتصم شأن هذه المكتبة العظيمة، وتوالت الأحداث بعد ذلك، إلا أنها ظلت محتفظة بكيانها إلى أن داهم التتار بغداد فدالت دولة هذا المعهد العظيم الذي لعب دوراً عظيماً في نقل العلوم والمعارف الأجنبية إلى اللغة العربية.

دار الحكمة
أما دار الحكمة فقد أنشأها بالقاهرة الحاكم بأمر الله سنة 395 هـ. ويروي المؤرخون أنه حُملت إليها الكتب من خزائن القصور، وحُمل إليها من خزائن الحاكم من الكتب ما لم يُرَ مثله مجتمعاً لأحد الملوك أو الخلفاء قط.

وأجرى الحاكم بأمر الله الأرزاق على من في دار الحكمة من العلماء والفقهاء والأطباء، وأباح دخولها للناس للقراءة والكتابة والنسخ والتعليم والترجمة. كما أباح عقد الإجتماعات العلمية، إذ كان يحضر العلماء للمناظرة في المسائل العلمية. وكان الحاكم حريصاً على حضور هذه الاجتماعات بنفسه، وكان يخلع على العلماء الخِلع السنية. وقد أوقف على بيت الحكمة أوقافاً عظيمة، وكان يؤكد أنها أبدية، لا يوهنها تقادم السنين، لولا أن الزمن الدوّار كان لها هي الأخرى بالمرصاد فدالت دولتها في القرن السادس الهجري.

المؤرخ بلنتون يصف المكتبات العربية العامة
ويروي المؤرخ بلنتون الكثير عن مدى اهتمام المسلمين بأبنية المكتبات العامة، فيقول كان البناء مزوداً بحجرات متعددة، تربطها أروقة فسيحة. وكانت الرفوف مثبتة بالجدران لتوضع فيها الكتب، وكانت تخصص بعض الأروقة للإطلاع، كما تخصص أماكن للنسخ وأخرى لعقد حلقات الدراسة والمناظرة.

ويروي غيره أن ثمة حجرات تخصص للموسيقى، يلجأ إليها المطالعون للترفيه وتجديد النشاط، وكانت جميع الحجرات فاخرة الأثاث والرياش. وقد فرشت الأرض بالبُسط، وأرخيت على النوافذ والأبواب الستائر الجميلة، وكانت ثمة ستارة سميكة تغطي المدخل، حتى تحول دون دخول تيارات الهواء البارد في الشتاء.

المقريزي يشيد بدار الحكمة
وكذلك يروي المقريزي أن دار الحكمة بالقاهرة لم تفتح أبوابها للجماهير إلا بعد أن فـُرشت وزُينت وزُخرفت وعُلقت على جميع أبوابها وممراتها الستائر، وعُين لها القوّام والخدم.

كان البناء عظيماً جداً يشتمل على أربعين خزانة تتسع الواحدة منها لنحو ثمانية عشر ألف كتاب، وكانت الرفوف مفتوحة، والكتب في متناول الجميع، ويستطيع الراغب أن يحصل على الكتاب الذي يريده بنفسه، ما تيسر له ذلك، فإذا ضل الطريق استعان بأحد القيمين.

فهارس منظمة
وكان لهذه المكتبات فهارس منظمة. يروي ابن سينا والحسن بن سهل والبيهقي وابن الجوزي وغيرهم من دقة هذه الفهارس الشيء الكثير. وكانت الاستعارة متاحة، عدا قيود يسيرة لتنظيم العمل. وأحياناً يطلب إلى المستعير أن يدفع ضماناً، ولكن يعفى العلماء وأفاضل الناس من دفع هذا التأمين.

وكان يتولى أمانة هذه المكتبات علماء ممتازون من أمثال سهل بن هارون. وكان أمينا لبيت الحكمة وكذلك علي بن محمد الشابشستي، وكان أميناً لدار الحكمة.

ماذا كان يؤول إليه الحال لو بقيت هاتان المكتبتان تؤديان وظيفتهما في نشر العلم والمعرفة في ربوع الوطن العربي؟ لقد كان لهما فعل السحر في إذكاء روح النهضة العلمية في المشرق والمغرب العربيين على السواء، في الوقت الذي كانت فيه أوروبا ما تزال غارقة في دياجير الجهالة والظلام. وقد كانت هذه الحقبة التي ازدانت بهاتين المكتبتين من أزهى عصور الحضارة العلمية الإسلامية، وسطع في سمائها عدد من العلماء، ممن يزدهي بهم العلم في كل عصر وآن، ممن نقلوا ودونوا معارف الإغريق، وزادوا عليها وأضافوا إليها، وممن ابتكروا في علوم الطب والفلك والكيمياء والجبر والفلسفة والنبات والحيوان والمعادن وما إليها من معارف، بالإضافة إلى العلوم الدينية واللغوية. وعنهم نقل علماء أوروبا، بل ظلت كتب بعضهم هي المعتمدة عند أهل الصناعة في كثير من جامعات أوروبا في القرون الوسطى، وظل بعضها يدرّس في تلك الجامعات حتى القرن السابع عشر.

والسلام عليكم

عبد الحليم منتصر
مجلة العربي – العدد 65 – أبريل (نيسان) 1964

الإعداد بتصرف: محمود عباس مسعود

اسامة دياب
21/02/2010, 11:22 AM
الاستاذ الكبير محمود عباس مسعود تحية لك واشكرك على هذه المعلومات القيمة وعلى انعاش منشورات مجلة الهلال القديمة والقيمةومجلة العربي القيمة ايضا حاولت الحصول على كثير من لاعداد في ما مضى وهي جد رائعة
المكتبات هي خزائن الارض الحقيقية وتقبل تحيتي العطرة

محمود عباس مسعود
21/02/2010, 04:41 PM
الاستاذ الكبير محمود عباس مسعود تحية لك واشكرك على هذه المعلومات القيمة وعلى انعاش منشورات مجلة الهلال القديمة والقيمةومجلة العربي القيمة ايضا حاولت الحصول على كثير من لاعداد في ما مضى وهي جد رائعة
المكتبات هي خزائن الارض الحقيقية وتقبل تحيتي العطرة

الصديق العزيز أسامة
المطبوعات القديمة تتضمن معلومات قيمة غير متوفرة على الإنترنت. وبعض هذه المطبوعات أصبح نادراً. إنني أبحث عن كل مفيد حتى ولو كان عليه مسحة من غبار الأيام. فالمعرفة سلسلة متصلة الحلقات.. وقد سبقنا مفكرون وأدباء كبار صرفوا وقتاً ثميناً من عمرهم لتنوير جيلهم، ولذلك أبحث عن آثارهم الباقية وأنشرها لتعميم الفائدة والإعتراف بفضلهم.
بارك الله بك وزادك علماً
مع تحياتي القلبية