عبد الحميد الغرباوي
28/02/2007, 02:35 PM
التصفيق
http://expo.artactif.com/supra-naive/kouts510.jpg
فكّرَ الأستاذ عبد المولى و قدّرَ...
ستخلو الشوارع، و سيضطر العائدون من العمل إلى ألا يروحوا إلى بيوتهم، و بدل ذلك، سيلتحقون بالتجمع الذي أعد على شرفه ليستمعوا إلى خطبته التي سيطرح فيها الخطوط العريضة لسياسة الحزب، و البرنامج الذي يعتزم تطبيقه في حالة الفوز في الانتخابات القادمة...
و سَتُجندُ الوسائل السمعية و البصرية و الصحفُ المستقلة كلَّ الوسائل لتغطية شاملة، فحدث مثل هذا، يستحق المتابعة و الاهتمام...
و كان عبد المولى قرر في وقت سابق، ألا تكون خطبته طويلة و مملة كخطبة الحملة السابقة، فخلالها، غط جل الحاضرين في نوم عميق، و منهم من سُمِعَ له شخير، خاصة أن المقاعد كانت وثيرة، و الضوء الطفيف كان شاعريا و حالما، و بالكاد يضيء عتمة القاعة...
لذا أمر الأستاذ عبد المولى كاتبه الخاص أن يختصر، و يكتب العبارات بخط واضح و كبير، و أن تكون الكلمات مضبوطة ضبطا صحيحا كي لا يرفع ما وجب نصبه و لا ينصب ما وجب كسره، فيكون مسخرة و نكتة يتنكت بها المتنكتون من الخصوم، مثل ما حدث في اللقاء السابق..
اتصل ،عبر الهاتف، بالمسؤول عن خلية الدعاية الحزبية:
ـ ألو... هل كل شيء جاهز؟..
ـ ....
ـ كيف هي القاعة؟..
ـ ....
ـ ... أقصد، هل هي غاصة بالجمهور؟..
ـ ....
ـ .. أريد جمهورا... جماهير... أريد مشجعين، لا ورودا و رياحين،أتسمعني؟...
ـ ....
ـ أو تظن أن خصومنا سيظلون مكتوفي الأيدي؟.. أكيد أرسلوا من يفسد علينا حفلنا.. أريد مشجعين لا يكفون عن التصفيق..
ـ ....
ـ ماذا؟.. أصبحوا الآن، يفكرون في الزيادة... عقول الفلين ! ..هل هم عمال عندي في مصنع؟...هي مجرد ساعة.. ساعة صغيرة من التصفيق و الهتاف... هل حفظوا النشيد؟..
ـ ....
ـ حسنا، ننظر في أمر الزيادة بعد الحفل...
وقف عبد المولى أمام مرآة كبيرة، و عدل من وضع "الكرافاط" الحريرية الرمادية، و التي تنزل على قميص أبيض مخطط بخطوط رمادية رقيقة...
دار حول نفسه يتأمل شكله و هو يرتدي "الكوستار" الأسود...
رش رقبته و صدره و كتفيه بماء كولونيا رفيع، ثم خرج مسرعا...
تأمل اللافتة الطويلة و العريضة التي تعتلي مدخل بناية المسرح. انشرح صدره و هو يقرأ:
" كلنا يد واحدة على طريق الإصلاح"...
هو الذي نحت الشعار، و أقنع أعضاء القيادة بضرورته في المرحلة الراهنة...
تقدم نحو المدخل.
صعد الدرجات المؤدية إلى البهو..
كان في استقباله مجموعة من الأعوان..
بادره أحدهم قائلا:
ـ القاعة غاصة يا سيدي..
ـ و المشجعون؟...
ـ هم موزعون بشكل منظم يا سيدي..
تحسس عبد المولى الجيب الأيمن من معطفه. اطمأن إلى وجود الورقة التي تتضمن نص الخطاب القصير و المركز...
..و يُعْلَنُ عبر مكبر الصوت عن بدء الحفل..
و يظهر عبد المولى على الخشبة...
ضجيج، صفير، قهقهات، و لغط و نداءات بالأسماء هنا و هناك...
يتقدم إلى منبر الخطابة، يقف، يرسل نظرة خاطفة إلى القاعة، يخرج الورقة، يفتحها، تصمت القاعة فجأة، تتسارع دقات قلب عبد المولى...
لمَ لا تهتز القاعة لظهوره؟..
لم هذا الصمت؟...
أين هم المكلفون بالدعاية؟...
الأضواء..
أضواء المصابيح و الكاميرات و آلات التصوير تعميه فلا يتبين وجوه الحاضرين...
الكاميرات، و آلات التصوير تطوقه بعدساتها... تسجل حركاته و سكناته و أيضا توتره..عرقه حتى...
و ما أن بسمل و بدأ يلقي خطابه، حتى دوى تصفيق حاد..
انتظر عبد المولى لحظة،.. لم يتوقف التصفيق..
أشار بيديه طالبا لحظة صمت، فما زاد ذلك إلا حدة في التصفيق...
و أطلقت جوقة من النساء زغردات امتزجت بصيحات و هتافات الحناجر..
ترجى عبد المولى الحاضرين عبر " الميكروفون" أن يفسحوا له المجال ليلقي كلمته، بح صوته، لكن التصفيق غطى على صوته...
و لم تتوقف الأكف عن ...
و الزغردات عن...
و الحناجر عن...
في الخارج، كان هناك رجل يقف أمام مدخل المسرح، يصفق وهو يضحك ضحكا جنونيا...
http://expo.artactif.com/supra-naive/kouts510.jpg
فكّرَ الأستاذ عبد المولى و قدّرَ...
ستخلو الشوارع، و سيضطر العائدون من العمل إلى ألا يروحوا إلى بيوتهم، و بدل ذلك، سيلتحقون بالتجمع الذي أعد على شرفه ليستمعوا إلى خطبته التي سيطرح فيها الخطوط العريضة لسياسة الحزب، و البرنامج الذي يعتزم تطبيقه في حالة الفوز في الانتخابات القادمة...
و سَتُجندُ الوسائل السمعية و البصرية و الصحفُ المستقلة كلَّ الوسائل لتغطية شاملة، فحدث مثل هذا، يستحق المتابعة و الاهتمام...
و كان عبد المولى قرر في وقت سابق، ألا تكون خطبته طويلة و مملة كخطبة الحملة السابقة، فخلالها، غط جل الحاضرين في نوم عميق، و منهم من سُمِعَ له شخير، خاصة أن المقاعد كانت وثيرة، و الضوء الطفيف كان شاعريا و حالما، و بالكاد يضيء عتمة القاعة...
لذا أمر الأستاذ عبد المولى كاتبه الخاص أن يختصر، و يكتب العبارات بخط واضح و كبير، و أن تكون الكلمات مضبوطة ضبطا صحيحا كي لا يرفع ما وجب نصبه و لا ينصب ما وجب كسره، فيكون مسخرة و نكتة يتنكت بها المتنكتون من الخصوم، مثل ما حدث في اللقاء السابق..
اتصل ،عبر الهاتف، بالمسؤول عن خلية الدعاية الحزبية:
ـ ألو... هل كل شيء جاهز؟..
ـ ....
ـ كيف هي القاعة؟..
ـ ....
ـ ... أقصد، هل هي غاصة بالجمهور؟..
ـ ....
ـ .. أريد جمهورا... جماهير... أريد مشجعين، لا ورودا و رياحين،أتسمعني؟...
ـ ....
ـ أو تظن أن خصومنا سيظلون مكتوفي الأيدي؟.. أكيد أرسلوا من يفسد علينا حفلنا.. أريد مشجعين لا يكفون عن التصفيق..
ـ ....
ـ ماذا؟.. أصبحوا الآن، يفكرون في الزيادة... عقول الفلين ! ..هل هم عمال عندي في مصنع؟...هي مجرد ساعة.. ساعة صغيرة من التصفيق و الهتاف... هل حفظوا النشيد؟..
ـ ....
ـ حسنا، ننظر في أمر الزيادة بعد الحفل...
وقف عبد المولى أمام مرآة كبيرة، و عدل من وضع "الكرافاط" الحريرية الرمادية، و التي تنزل على قميص أبيض مخطط بخطوط رمادية رقيقة...
دار حول نفسه يتأمل شكله و هو يرتدي "الكوستار" الأسود...
رش رقبته و صدره و كتفيه بماء كولونيا رفيع، ثم خرج مسرعا...
تأمل اللافتة الطويلة و العريضة التي تعتلي مدخل بناية المسرح. انشرح صدره و هو يقرأ:
" كلنا يد واحدة على طريق الإصلاح"...
هو الذي نحت الشعار، و أقنع أعضاء القيادة بضرورته في المرحلة الراهنة...
تقدم نحو المدخل.
صعد الدرجات المؤدية إلى البهو..
كان في استقباله مجموعة من الأعوان..
بادره أحدهم قائلا:
ـ القاعة غاصة يا سيدي..
ـ و المشجعون؟...
ـ هم موزعون بشكل منظم يا سيدي..
تحسس عبد المولى الجيب الأيمن من معطفه. اطمأن إلى وجود الورقة التي تتضمن نص الخطاب القصير و المركز...
..و يُعْلَنُ عبر مكبر الصوت عن بدء الحفل..
و يظهر عبد المولى على الخشبة...
ضجيج، صفير، قهقهات، و لغط و نداءات بالأسماء هنا و هناك...
يتقدم إلى منبر الخطابة، يقف، يرسل نظرة خاطفة إلى القاعة، يخرج الورقة، يفتحها، تصمت القاعة فجأة، تتسارع دقات قلب عبد المولى...
لمَ لا تهتز القاعة لظهوره؟..
لم هذا الصمت؟...
أين هم المكلفون بالدعاية؟...
الأضواء..
أضواء المصابيح و الكاميرات و آلات التصوير تعميه فلا يتبين وجوه الحاضرين...
الكاميرات، و آلات التصوير تطوقه بعدساتها... تسجل حركاته و سكناته و أيضا توتره..عرقه حتى...
و ما أن بسمل و بدأ يلقي خطابه، حتى دوى تصفيق حاد..
انتظر عبد المولى لحظة،.. لم يتوقف التصفيق..
أشار بيديه طالبا لحظة صمت، فما زاد ذلك إلا حدة في التصفيق...
و أطلقت جوقة من النساء زغردات امتزجت بصيحات و هتافات الحناجر..
ترجى عبد المولى الحاضرين عبر " الميكروفون" أن يفسحوا له المجال ليلقي كلمته، بح صوته، لكن التصفيق غطى على صوته...
و لم تتوقف الأكف عن ...
و الزغردات عن...
و الحناجر عن...
في الخارج، كان هناك رجل يقف أمام مدخل المسرح، يصفق وهو يضحك ضحكا جنونيا...