المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أنثى الفواكه الغامضة. المشهد الثامن



عاطف علي الفراية
01/03/2010, 11:08 PM
أنثى النهر
النساء يقفن على ضفة ذاهلة.
النساء السعيدات ينسجن أفراحهن..
على صفحة الماء....... والنهر يدنو!!!!!
........................
في مرايا المياه الشقية..
النساء الجميلات مشّطن أحلامهن..
(بطول الظفائر أحلامهن)
ويغزلن خيط المياه بأشواقهن..
عسى.. ولعل المياه ستنشق عن فارسٍ مثل كل الحكايا..
(لا يهم الحصان ولا لونه)
ثم يلقين في النهر أرجلهن إلى القاع.. والنهر يعلو..
....
النساء اللواتي أطلن المكوث على النهر يرفعن أثوابهن..
لينكشف الماء عن فتنة.. لم يعد يعرف النهر أي المرايا بها وجهه؟
والنساء يخبئن في النهر أسرارهن إلى القاع.. والنهر يشهقُ
............
النساء الحزيناتُ يشربن خيباتهنَّ ..
فلا انشق ماءٌ .. ولا..
هو النهر من فرط إشفاقه.. يتصاعد مثل حزام من الضوء..
طوق خصر النساء..
وحاضنهن.. وفرّ بهنّ إلى وكره ليخبئ
أحزانهن... وأشواقهن.. وأحلامهن.. وخيباتهن.. ويضحك
.....
النساء اللواتي تحزمن بالنهر.. أحببنه..
ونسين زمان الرجال.
*****************
24/ 2/ 2010
المشاهد السابقة سأنشرها تباعا
وتاليا المقالة النقدية للمترجم والناقد الأستاذ نزار سرطاوي حول القصيدة
.................................................. .................................................. ............................................
أنثى النهر لعاطف الفراية
تعليق نزار سرطاوي

حقّاً هكذا يكتب الشعراء الكبار. يتحول القلم إلى ريشة والشاعر إلى رسام والكلمات إلى صُوَرِ تدهشك، تأسرك، تسحرك، تقتحم لباب عقلك، تنفذ إلى شغاف قلبك. ولا تملك إلّا أن "تشهق ذاهلاً،" جاهداً أن تتصوّر في مخيّلَتك كيف تكون ضفةُ النهر ذاهلة (مثلك)؟ وكيف يشهقُ النهر (مثلك)؟ كيف تكون مرايا المياه – أو المياه نفسها – شقيّة (كالأطفال)؟ كيف يحس النهر بالإشفاق (كالبشر)؟ كيف تمشط النساء أحلامهن (كالضفائر)؟ كيف يحاضن النهرُ النساءَ (كالعاشق)؟ وكيف يفرّ بهن (كالعرائس أو ربما الفرائس) إلى وكره؟ وربما تحلم (إذا كنت رجلاً) بأن تتحوّل إلى نهر – كما نحوّل كل الأناسي الذين كتب عنهم الشاعر الروماني أوفيد إلى مخلوقات أخرى – فتنكشفَ لك أسرار النساء. أو قد تداعب أشواقَك رغبةٌ خفيّة أن تتحول، ولو للحظات،إلى واحدة من هؤلاء النساء، فتعيشَ تجربة الأنوثة بأبعادها الأسطورية كما يصوّرها الشاعر

"أنثى النهر" تقدم تجارب أنثويةً فريدة من خلال صور شعرية تتميز بالدقة والوضوح، تعبّر عن نفسها بلغة حادّة تذكرني بالشاعر الأمريكي عزرا باوند رأس المدرسة الصورية Imagism الذي كان هو الآخر يميل إلى استخدام صور شعرية محكمة السبك، قوية الملامح، عالية التركيز. إلّا أن الصور الشعرية التي يستخدمها الفراية في "أنثى النهر" أكثر ثراء، وأوسع امتداداً، وأعمق ولوجاً في التجربة الإنسانية. باوند يكتفي بنحت الصورة، أمّا الفراية فينفخ فيها الروح

هاكم مثالاً على ذلك: باوند ينزل من قطار في إحدى محطات المترو فى باريس، ويشاهد وجهاً جميلاً، وآخر، وثالثاً. وتتوالى الوجوه فيفرغ تجربته في بيتين من الشعر
The apparition of these faces in the crowd
Petals on a wet, black bough
"انبلاج هذه الوجوه بين الجموع / بَتَلاتٌ على غصنٍ أسودَ مبتلّ" (ترجمة نزار سرطاوي)
صورة جميلة تثير الأعجاب بلا جدال، يستشهد بها جلّ الذين يكتبون عن باوند ومدرسته الشعرية. لكنها أقرب إلى صورة تمثال. وكأنّي بالشاعر، استجابةً لحالة الدهشة التي اعترته، قد تخيَّل في ذهنه صورةً تحاكي، على نحوِ ما، الصورة الموضوعية للوجوه. ثمّ التقط صورةً فوتغرافية للصورة الذهنية، فكانت القصيدة بسطريها الرصينين

الفراية من جانبه يعبر عن حالة الدهشة – أو بالأحرى يثير دهشة القارئ – بطيف من الصور المتلاحقة المليئة بالحياة والحركة. الفراية يبعث الروح، لا في مياه النهر وحسب، بل في ضفة النهر أيضاً. إنه، ببساطة، ينقل إلينا تفاعلاً نشطاً بين الإنسان والطبيعة يتمثل في تلك العلاقة المثيرة بين العنصريْن الرئيسين اللذَيْن يتّكئُ عليهما بناء القصيدة: النساء والنهر، ويبلغ أوجه في ذلك الالتحام الرائع بين النساء والنهر الذي يسدَل به الستار في ختام القصيدة

والحق أن التصوير في "أنثى النهر" يستحق وقفةً متأنّية، باعتبار أنه يشكل إحدى الدعامات الأساسية في جماليات القصيدة. فالقصيدة، كما أشرت، تزخر بالصور الحسيّة. بعض هذه الصور يستدعي حاسة السمع (والنهر يشهقُ، ويضحك) أو حاسّة البصر (ضفة ذاهلة، مرايا المياه، بطول الضفائر أحلامهن، حزام من الضوء)، أو اللمس (طوق خصر النساء..وحاضنهن)، أو الذوق (يشربن)، وبعضها يرتكز على الحركة – حركة النهر وحركة النساء. فالنهر يعلو، يدنو، يتصاعد، يطوّق خصر النساء، يحاضنهن، يفرّ بهن. والنساء يقفن، يمشّطن أحلامهن، يغزلن خيط المياه، يلقين في النهر أرجلهن، يرفعن أثوابهن، يشربن خيباتهنَّ. ثم هنالك الصور التي تخاطب الأحاسيس الداخلية (هو النهر من فرط إشفاقه، أحببنه). ولا يخفى أن السواد الأعظم من هذه الصور يجمع بين حاسّتين أو أكثر. فالضحك مثلاً يجمع بين السمع والبصر والحركة والإحساس الداخلي، والشهقة مثل ذلك. والشرب يجمع بين الذوق والبصر والحركة. والصور الحركية كلها صور بصرية أيضاً

لكن القصيدة ليست مجرد سلسلة من الصور. القصيدة تحكي قصةً بطلُها النهر وشخوصها النساء. النساء على ضفة النهر ينتظرن حظوظهن، وكأنهن يتضرّعن أمام الغانج (نهر الهندوس المقدس)، أو يستطلعن نبوؤات الغيب في أحد معابد دلفي الإغريقية. وهُنَّ يتلقفن من النهر العطايا، يخضن في مياهه، يكشفن له عن مفاتنهن، يبحن له بأسرارهن، أو يلقين إليه بأنفسهن قرابين يفعل بها ما يشاء. والنهر – هذا الكائن الغامض الذي هو أشبه بآلهة الأساطير – يدنو منهن أو يجذبهن إليه، ينفحهن بالهبات أو يستولي عليهن

لكن نهر الفراية لا يُصَرَّف أقدار النساء على هواه. فسلطانه لا يتجاوز ضفافه. والنساء هنّ اللواتي يخترن الوقوف عليها. وهنّ، على اختلاف ألوانهن، ينتمين إلى فصيلة واحدة: "أنثى النهر." ولعل ذلك يوحي بأنهن، على نحو ما، يشاركن في صنع أقدارهن ومصائرهن

هل يمكننا أن نَحْمِل قصة النهر – أو قصصه – مع النساء على وجهة نظر معينة؟ بالتأكيد نستطيع ذلك. ففي القصة نساء سعيدات وأُخَرَ حزينات، وفيها نساء جميلات ونساء حالمات، وقد نجتهد أن لا بد وأن هناك نساء دميمات وربما نساء ساذجات أو حمقاوات أو ساقطات. وبمعنىً آحر، ربما تغرينا مفردات القصيدة بأن نطلق الأحكام، أو أن ندهب في التأويل مذهباَ سيكولوجياً أو اجتماعيأً أو أخلاقيأً أو غير ذلك. كل ذلك ممكن. لكن مثل هذه التفاسير ربما تشطح بنا بعيداً خارج سياق النص، فنقول شططا

لا يمكنني أن أجزم أن الشاعر يرمق نساء القصيدة بنظرات الإعجاب، لكنني أُخمِّن أنه يفهم أحاسيهن، ويرفق بهن، ويتعاطف معهن كما يتعاطف سيرفانتيز مع دون كيشوت رغم كل أوهامه وتهيؤاته، أو كما يرى فلوبير ذاتَه في بطلته مدام بوفاري رغم كل خطاياها. وحين يذكر لنا الشاعر "أحزانهن... وأشواقهن.. وأحلامهن.. وخيباتهن..،" ألا يشير بهذه الكلمات، عن قصدٍ أو غير قصد، إلى مشاعرَنا وأحاسيسَنا وتجاربَنا نحن أيضاَ؟

في القصيدة جوانب أخرى تستحق الالتفات، لا يتسع لها المجال هنا.

مجذوب العيد المشراوي
01/03/2010, 11:15 PM
نص له بهاء الشعر العالي وحكايات ألف ليلة ..

تمتّعت ُ هنا فعلا ً ..

وتجوّلت ُ جيدا
أتبناه للأعلى

عمر زيادة
01/03/2010, 11:45 PM
ذاتَ شعرٍ ..قلتُ: "القلبُ بوْصلةٌ والقصيدةُ أنثى"

هنا أنوثة القصيدةِ عالية ساحرة جداً

تزيدُني تعباً على تعبْ..!

لكَ التقدير أيّها الشاعرْ

علاء القهوجي
02/03/2010, 12:19 AM
تصوير رائع لشوق الانثى الى الحب و فارس الاحلام الغامض
من الصعب ان يعبر عنه الرجال بهذه الروعة و الصور الجميلة
ولكنك اتحفتنا بهذا المشهد الجميل و ابدعت

الحبيب ارزيق
02/03/2010, 02:05 AM
وأنا أقرأ..كنتُ لا أتمالك ريقي/لُعابي
تهاطلت خيوطا
أصابتني الذهلة/فالدهشة/فالاعجاب
مستويات الغوص في الكتابة كانت موغلة حد الجرح
مُفتنة حد السِّحرْ
ايحائيات وإغراء
إنها لعبة الكتابة
لعبة الكبار /لعبة السحرة
يُنوِّمُك النص بسحر ميغناطيسيته المبهرة
فإذا بك ولهان في تيه المتاه
وهذا هو فعل الكتابة الراقية
الكتابة التي تستمد أصولها من جوهر الانسان
وعناصر الفلسفة
وتتكأ على أدوات الكتابة التي تسمو فوق القلم العادي
إنه البهاء
الذي يشتغل/فيشتعل نارا على ورق الكتابة
لتشُبَّ في جسد القارئ
قبل أن تقتحم مُقلتيْه
.........
أحييك على النص المبهج والمبهر في نفس الآن
مع أخلص المودة

منى حسن محمد الحاج
02/03/2010, 09:17 AM
النساء اللواتي أطلن المكوث على النهر يرفعن أثوابهن..
لينكشف الماء عن فتنة.. لم يعد يعرف النهر أي المرايا بها وجهه؟
والنساء يخبئن في النهر أسرارهن إلى القاع.. والنهر يشهقُ
أرى أن التعليق هنا بعد قراءة الاستاذ السرطاوي يُعدُ مجازفة!
لكن لا يحْرُمُ الإعجاب الشديد بروعة التصوير وعلو الشاعرية هنا..
أستاذنا العزيز الشاعر عاطف الفراية.. حياك الله
جميلٌ جميلٌ هذا الإبحار النهري السائغ شرابه..
وخالص الشكر لك على نقل هذه القراءة التي تُعد إثراء جميلا للأدب.
مع فائض مودتي وتقديري

أحمد نمر الخطيب
02/03/2010, 01:42 PM
عاطف
صديقي الجميل
أعدتني
إلى ذكريات أنثى الريح
ودي
وإعجابي الشديد

عبدالحكم مندور
03/03/2010, 09:17 AM
سنتابع فأنا أرى خصوبة فكر وثراء خيال00خالص التقدير

عاطف علي الفراية
07/03/2010, 06:48 PM
أصدقائي الذين حضروا هنا.. لقد وهبتموني بحضوركم ألقا. وحملتموني مهمة صعبة/ أن أرتقي لذائقتكم.. أتمنى ذلك/ مودة وورد للجميع