المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المقاومة العراقية وضرورة إنتاج المكافئ السياسي



كاظم عبد الحسين عباس
04/03/2010, 07:43 AM
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

من سيعلق الجرس؟

المقاومة العراقية وضرورة إنتاج المكافئ السياسي

شبكة البصرة

د. خالد المعيني*

تتجه أنظار العراقيين اليوم إلى مسرحية هزلية هي جزء من برنامج متواصل لمأساة الشعب العراقي، ولا تشكل في جوهرها سوى صفحة سياسية مكملة من صفحات الاحتلال الأخرى لاسيما وأنه قد مني على المستوى العسكري بهزيمة قاسية ومذلة، ولكنه لاتزال لديه القدرة على المناورة سياسيا وإقليميا للالتفاف على نصر الشعب العراقي ومقاومته الباسلة.

وتنبع أهمية وخطورة هذه الانتخابات في إنها تمثل الهدف الأساسي للاحتلال وبقاء وتكريس مشروعه في العراق، فالصراع يبدأ بين الشعوب وينتهي لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية، ولا يمثل الجانب العسكري سوى أداة من أدوات لذا نجد إن هناك أطرافا قد تنتصر عسكريا ولكنها لا تفلح سياسيا وتصبح الدماء والشهداء عند ذلك ليست أكثر من فعل بطولي مقطوع في منظومة الصراع الذي تشكل فيه الاستمرارية والمطاولة العنصر الأهم.

وإذا كان أبطال المقاومة العراقية الشهداء منهم، والعاملون المرابطون لغاية اليوم، قد دحروا قوات أعتى دولة عسكرية في العالم وكسروا إرادة وأسطورة الجندي الذي لا يهزم، فإن إدارة الصفحات الأخرى من الصراع وخاصة السياسية بالتأكيد ليست من اختصاصهم.

وكثير من فئات الشعب العراقي تنظر اليوم إلى هذه الانتخابات على إنها إحدى وسائل التغيير المتاحة أمامها، وهنا مكمن الخطر، حيث تجري هذه الانتخابات والتي قد يذهب العراق على ضوء نتائجها ليصبح الحديقة الخلفية لولاية الفقيه ويرزح تحت الحقبة الإيرانية كبديل للاحتلال الأمريكي، الذي قد يلجأ نتيجة خسائره التي تكبدها على يد أبطال المقاومة العراقية إلى التفاهم وتقاسم النفوذ مع إيران التي لم تتوقف في المطالبة وإرسال الرسائل على إنها على استعداد لملء الفراغ وضمان خروج القوات الأمريكية بالحد الأدنى من ماء الوجه والمصالح، وقد لا تتردد الولايات المتحدة بقبول هذا الخيار على قاعدة المنفعة والكلفة التي تشكل أساس صنع واتخاذ القرار في السياسة الخارجية الأمريكية القائمة على فلسفة المدرسة الواقعية والتي تتعامل مع الأمور كما هي على الأرض وليس كما يتمناها هذا الطرف أو ذاك، وعند ذلك يحق لإيران الترويج وغسيل دماغ الشعب العراقي على أنها وعملائها المحليين من أخرج وطرد قوات الاحتلال الأمريكي سواء بواسطة أدواتها داخل العملية السياسية أو من خلال ميليشياتها الطائفية خارج العملية السياسية.

كيف لا، والمقاومة العراقية التي دمرت قدرات الاحتلال وأجبرته على الرحيل لم تستطيع لغاية الان إنتاج البديل السياسي لملء الفراغ شأنها في ذلك شأن كافة تجارب الاحتلال في العالم.

لاشك إن هناك غياب واضح في الإرادة السياسية الواعية التي تفكر بعقلية المستقبل وليست أسيرة الماضي، ويجب أن نعترف وبصراحة شديدة بوجود شبه عجز وشلل في منظومة القيادة في ضفة القوى الوطنية المناهضة للاحتلال لإدارة صفحات الصراع السياسية وتبدو كأنها في " شبه إجازة أو استراحة " سياسية، وبدأت تتحول الى أسلوب المعارضة أكثر منها حركة تحرر وطني ومقاومة، والغريب أنها من حيث تدري أو لا تدري باتت تعلق هي الأخرى الآمال على نتائج هذه الانتخابات، وانغمست تحت الطاولة وفوق الطاولة في هذه الانتخابات لدعم هذا الطرف أو ذاك، وقد يفهم ذلك في حدود المناورة والتكتيك ولكن ليس على مستوى الخيار والعمل الاستراتيجي القائم على ضرورة هدم البناء السياسي لمشروع الاحتلال.

وفي هذا المنعطف السياسي الحالي المتعلق بالانتخابات، ورغم إنه عارض على منحنى الصراع طويل الامد في العراق، فإن القوى المناهضة للاحتلال تبدو وكأنها خارج اللعبة تماما حتى من حيث الموقف والخطاب السياسي الموحد من هذه الانتخابات، ويشوب موقفها الخجل والغموض، وإذا كانت العملية السياسية في كافة أشكالها بما فيها الانتخابات الحالية ليست سوى جزء وامتداد لا يتجزأ من مشروع الاحتلال الأمريكي المحكم، وإذا كان وعي الشعب العراقي اليوم متقدم على وعي كثير من النخب السياسية في رفضه مشروع الاحتلال وفي عزله لطبقة الاحتلال السياسية، الأمر الذي نعده انتصارا حقيقيا على الأرض، فإن ذلك يستلزم في نفس الوقت أن يرتقي الفعل القيادي للقوى المناهضة للاحتلال الى مستوى الوعي الشعبي، وأن يرتفع إلى حجم التضحيات والدماء التي ضحت بها فصائل المقاومة، فلا يزال هناك قصور على مستوى الوعي باللحظة التاريخية والقدرة على الإمساك بها.

أن السبيل واضح وبين، ففي كافة تجارب الشعوب للمقاومة نجد أن الاحتلال عندما يهزم عسكريا ويفقد جنوده إرادة القتال يبدأ يشعر قادته بالملل، ويحاولون الانسحاب والتفاهم لضمان الحد الأدنى من المصالح وماء الوجه، ولكنه في الحالة العراقية لا يستطيع التفاهم مع أمراء حرب أو جزر متباعدة وإنما يرغب في التفاهم مع جبهة سياسية (political front) ولتكن مجلس سياسي وطني عراقي تنضوي تحت إطاره معظم الفصائل الرئيسية لتشكل الجناح السياسي الذي ستحلق فيه المقاومة العراقية المسلحة عاليا ويخفف عنها العبء الذي تنوء تحته منذ سبعة سنين في ميادين ليست من إختصاصها كالعلاقات الخارجية والحرب النفسية والاعلامية، وإذا كان عدد العمليات العسكرية للمقاومة العراقية قد إنخفضت نتيجة ظروف موضوعية مفهومة لاتأثر على مستوى إرادتها، فماذا ينتظر قادة الحركة الوطنية العراقية لتعويض هذا النقص في الميادين السياسية والفكرية والاجتماعية.

فمن سيعلق الجرس؟ من سيقصر ليل العراقيين المظلم الذي طال ويقرب بزوغ الفجر ويزيد من مساحة الأمل في المستقبل لدى شباب العراق، ومن سيكون بطل الإستقلال، من سيكون صاحب الخطوة الأولى المباركة في إعلان المكافئ السياسي وإن لم يكتمل؟
----------
*دكتوراه فلسفة في العلوم السياسية – الدراسات الدولية والاستراتيجية/جامعة بغداد

*مدير مركز دراسات الاستقلال

شبكة البصرة

الاربعاء 17 ربيع الاول 1431 / 3 آذار 2010

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس