الشاعرمحمدأسامةالبهائي
01/03/2007, 04:57 AM
أمير الشعراء
أحمد شوقي
نائـح الطلـح
يا نائِـحَ الطَلـحِ أَشبـاهٌ عَوادينـا = نَشجى لِواديـكَ أَم نَأسـى لِوادينـا
ماذا تَقُـصُّ عَلَينـا غَيـرَ أَنَّ يَـداً = قَصَّت جَناحَكَ جالَت في حَواشينـا
رَمى بِنا البَينُ أَيكاً غَيـرَ سامِرِنـا = أَخا الغَريـبِ وَظِـلّاً غَيـرَ نادينـا
كُلٌّ رَمَتهُ النَوى ريشَ الفِـراقُ لَنـا = سَهماً وَسُلَّ عَلَيـكَ البَيـنُ سِكّينـا
إِذا دَعا الشَوقُ لَم نَبرَح بِمُنصَـدِعٍ = مِـنَ الجَناحَيـنِ عَـيٍّ لا يُلَبّيـنـا
فَإِن يَكُ الجِنسُ يا اِبنَ الطَلحِ فَرَّقَنـا = إِنَّ المَصائِـبَ يَجمَعـنَ المُصابينـا
لَم تَـألُ مـاءَكَ تَحنانـاً وَلا ظَمَـأً = وَلا اِدِّكـاراً وَلا شَجـوا أَفانيـنـا
تَجُرُّ مِـن فَنَـنٍ ساقـاً إِلـى فَنَـنٍ = وَتَسحَبُ الذَيـلَ تَرتـادُ المُؤاسينـا
أُساةُ جِسمِكَ شَتّـى حيـنَ تَطلُبُهُـم = فَمَن لِروحِـكَ بِالنُطـسِ المُداوينـا
آهـا لَنـا نازِحـي أَيـكٍ بِأَندَلُـسٍ = وَإِن حَلَلنـا رَفيقـاً مِـن رَوابينـا
رَسمٌ وَقَفنا عَلى رَسـمِ الوَفـاءِ لَـهُ = نَجيشُ بِالدَمـعِ وَالإِجـلالِ يَثنينـا
لِفِتيَـةٍ لا تَنـالُ الأَرضُ أَدمُعَـهُـم = وَلا مَفـارِقَـهُـم إِلّا مُصَلّـيـنـا
لَو لَم يَسـودوا بِديـنٍ فيـهِ مَنبَهَـةٌ = لِلناسِ كانَت لَهُـم أَخلاقُهُـم دينـا
لَم نَسرِ مِن حَـرَمٍ إِلّا إِلـى حَـرَمٍ = كَالخَمرِ مِن بابِلٍ سـارَت لِدارينـا
لَمّا نَبا الخُلدُ نابَـت عَنـهُ نُسخَتُـهُ = تَماثُـلَ الـوَردِ خِيرِيّـاً وَنَسرينـا
نَسقي ثَراهُـم ثَنـاءً كُلَّمـا نُثِـرَت = دُموعُنـا نُظِمَـت مِنهـا مَراثينـا
كـادَت عُيـونُ قَوافينـا تُحَرِّكُـهُ = وَكِدنَ يوقِظنَ في التُربِ السَلاطينـا
لَكِنَّ مِصرَ وَإِن أَغضَت عَلى مِقَـةٍ = عَينٌ مِنَ الخُلـدِ بِالكافـورِ تَسقينـا
عَلـى جَوانِبِهـا رَفَّـت تَمائِمُـنـا = وَحَـولَ حافاتِهـا قامَـت رَواقينـا
مَلاعِـبٌ مَرِحَـت فيهـا مَآرِبُنـا = وَأَربُـعٌ أَنِسَـت فيـهـا أَمانيـنـا
وَمَطلَـعٌ لِسُعـودٍ مِـن أَواخِـرِنـا = وَمَغـرِبٌ لِجُـدودٍ مِـن أَواليـنـا
بِنّا فَلَم نَخـلُ مِـن رَوحٍ يُراوِحُنـا = مِن بَرِّ مِصـرَ وَرَيحـانٍ يُغادينـا
كَأُمِّ موسى عَلى اِسـمِ اللَـهِ تَكفُلُنـا = وَبِاِسمِهِ ذَهَبَـت فـي اليَـمِّ تُلقينـا
وَمِصرُ كَالكَرمِ ذي الإِحسانِ فاكِهَـةٌ= لِحاضِريـنَ وَأَكــوابٌ لِباديـنـا
يا سارِيَ البَرقِ يَرمي عَن جَوانِحِنا = بَعدَ الهُدوءِ وَيَهمـي عَـن مَآقينـا
لَمّا تَرَقرَقَ في دَمـعِ السَمـاءِ دَمـاً = هاجَ البُكا فَخَضَبنا الأَرضَ باكينـا
اللَيـلُ يَشهَـدُ لَـم نَهتِـك دَياجِيَـهُ = عَلى نِيـامٍ وَلَـم نَهتِـف بِسالينـا
وَالنَجمُ لَـم يَرَنـا إِلّا عَلـى قَـدَمٍ = قِيامَ لَيـلِ الهَـوى لِلعَهـدِ راعينـا
كَزَفرَةٍ فـي سَمـاءِ اللَيـلِ حائِـرَةٍ = مِمّـا نُـرَدِّدُ فيـهِ حيـنَ يُضوينـا
بِاللَهِ إِن جُبتَ ظَلماءَ العُبابِ عَلـى = نَجائِـبِ النـورِ مَحـدُوّاً بِجرينـا
تَـرُدُّ عَنـكَ يَـداهُ كُـلَّ عـادِيَـةٍ = إِنسـاً يَعِثـنَ فَسـاداً أَو شَياطينـا
حَتّى حَوَتكَ سَمـاءُ النيـلِ عالِيَـةٍ = عَلى الغُيوثِ وَإِن كانَـت مَيامينـا
وَأَحرَزَتكَ شُفوفُ الـلازَوَردِ عَلـى = وَشيِ الزَبَرجَدِ مِن أَفـوافِ وادينـا
وَحازَكَ الريـفُ أَرجـاءً مُؤَرَّجَـةً = رَبَت خَمائِـلَ وَاِهتَـزَّت بَساتينـا
فَقِف إِلى النيلِ وَاِهتُف في خَمائِلِـهِ = وَاِنزِل كَما نَزَلَ الطَـلُّ الرَياحينـا
وَآسِ ما باتَ يَذوي مِـن مَنازِلِنـا = بِالحادِثاتِ وَيَضـوى مِـن مَغانينـا
وَيا مُعَطِّرَةَ الوادي سَـرَت سَحَـراً = فَطابَ كُلُّ طُـروحٍ مِـن مَرامينـا
ذَكِيَّـةُ الذَيـلِ لَـو خِلنـا غِلالَتَهـا = قَميصَ يوسُفَ لَم نُحسَـب مُغالينـا
جَشِمتِ شَوكَ السُرى حَتّى أَتَيتِ لَنا = بِالـوَردِ كُتبـاً وَبِالرَيّـا عَناوينـا
فَلَـو جَزَينـاكِ بِـالأَرواحِ غالِيَـةً = عَن طيبِ مَسراكِ لَم تَنهَض جَوازينا
هَل مِـن ذُيولِـكِ مَسكِـيٌّ نُحَمِّلُـهُ = غَرائِبَ الشَوقِ وَشياً مِـن أَمالينـا
إِلـى الَّذيـنَ وَجَدنـا وُدَّ غَيرِهِـمُ = دُنيا وَوُدَّهُمو الصافـي هُـوَ الدينـا
يا مَن نَغارُ عَلَيهِم مِـن ضَمائِرِنـا = وَمِن مَصونِ هَواهُم فـي تَناجينـا
غابَ الحَنينُ إِلَيكُم فـي خَواطِرِنـا = عَنِ الـدَلالِ عَلَيكُـم فـي أَمانينـا
جِئنا إِلى الصَبـرِ نَدعـوهُ كَعادَتِنـا = في النائِبـاتِ فَلَـم يَأخُـذ بِأَيدينـا
وَما غُلِبنـا عَلـى دَمـعٍ وَلا جَلَـدٍ = حَتّى أَتَتنا نَواكُـم مِـن صَياصينـا
وَنابِغـي كَـأَنَّ الحَشـرَ آخِــرُهُ = تُميتُنـا فيـهِ ذِكراكُـم وَتُحييـنـا
نَطوي دُجاهُ بِجُرحٍ مِـن فُراقِكُمـو = يَكادُ في غَلَـسِ الأَسحـارِ يَطوينـا
إِذا رَسا النَجمُ لَم تَرقَـأ مَحاجِرُنـا = حَتّى يَـزولَ وَلَـم تَهـدَأ تَراقينـا
بِتنا نُقاسي الدَواهـي مِـن كَواكِبِـهِ = حَتّى قَعَدنا بِهـا حَسـرى تُقاسينـا
يَبـدو النَهـارُ فَيَخفيـهِ تَجَلُّـدُنـا = لِلشامِتـيـنَ وَيَـأسـوهُ تَأَسّيـنـا
سَقياً لِعَهدٍ كَأَكنـافِ الرُبـى رِفَـةً = أَنّى ذَهَبنا وَأَعطـافِ الصَبـا لينـا
إِذِ الزَمـانُ بِنـا غَينـاءُ زاهِـيَـةٌ = تَـرِفُّ أَوقاتُنـا فيهـا رَياحيـنـا
الوَصلُ صافِيَـةٌ وَالعَيـشُ ناغِيَـةٌ = وَالسَعدُ حاشِيَـةٌ وَالدَهـرُ ماشينـا
وَالشَمسُ تَختالُ في العِقيانِ تَحسَبُها = بَلقيسَ تَرفُلُ فـي وَشـيِ اليَمانينـا
وَالنيلُ يُقبِـلُ كَالدُنيـا إِذا اِحتَفَلَـت = لَو كـانَ فيهـا وَفـاءٌ لِلمُصافينـا
وَالسَعدُ لَو دامَ وَالنُعمى لَوِ اِطَّـرَدَت = وَالسَيلُ لَو عَفَّ وَالمِقدارُ لَـو دينـا
أَلقى عَلى الأَرضِ حَتّى رَدَّها ذَهَبـاً = ماءً لَمَسنا بِـهِ الإِكسيـرَ أَو طينـا
أَعداهُ مِن يُمنِهِ التابوتُ وَاِرتَسَمَـت = عَلى جَوانِبِهِ الأَنـوارُ مِـن سينـا
لَهُ مَبالِغُ ما في الخُلـقِ مِـن كَـرَمٍ = عَهـدُ الكِـرامِ وَميثـاقُ الوَفِيّيـنـا
لَم يَجرِ لِلدَهرِ إِعـذارٌ وَلا عُـرُسٌ = إِلّا بِأَيّامِـنـا أَو فــي لَيالـيـنـا
وَلا حَوى السَعدُ أَطغى فـي أَعِنَّتِـهِ = مِنّـا جِيـاداً وَلا أَرحـى مَيادينـا
نَحنُ اليَواقيتُ خاضَ النارَ جَوهَرُنا = وَلَم يَهُـن بِيَـدِ التَشتيـتِ غالينـا
وَلا يَحـولُ لَنـا صِبـغٌ وَلا خُلُـقٌ = إِذا تَلَـوَّنَ كَالحِـربـاءِ شانيـنـا
لَم تَنزِلِ الشَمسُ ميزاناً وَلا صَعَدَت = في مُلكِها الضَخمِ عَرشاً مِثلَ وادينا
أَلَـم تُؤَلَّـه عَلـى حافاتِـهِ وَرَأَت = عَلَيـهِ أَبناءَهـا الغُـرَّ المَياميـنـا
إِن غازَلَت شاطِئَيهِ في الضُحى لَبِسا = خَمائِلَ السُنـدُسِ المَوشِيَّـةِ الغينـا
وَباتَ كُلُّ مُجاجِ الوادِ مِـن شَجَـرٍ = لَوافِـظَ القَـزِّ بِالخيطـانِ تَرمينـا
وَهَذِهِ الأَرضُ مِن سَهلٍ وَمِن جَبَـلٍ = قَبـلَ القَياصِـرِ دِنّاهـا فَراعيـنـا
وَلَم يَضَع حَجَراً بانٍ عَلـى حَجَـرٍ = في الأَرضِ إِلّا عَلى آثـارِ بانينـا
كَأَنَّ أَهرامَ مِصرٍ حائِـطٌ نَهَضَـت = بِـهِ يَـدُ الدَهـرِ لا بُنيـانُ فانينـا
إيوانُهُ الفَخمُ مِـن عُليـا مَقاصِـرِهِ = يُفني المُلـوكَ وَلا يُبقـي الأَواوينـا
كَأَنَّهـا وَرِمـالاً حَولَهـا اِلتَطَمَـت = سَفيـنَـةٌ غَـرِقَـت إِلّا أَساطيـنـا
كَأَنَّها تَحـتَ لَألاءِ الضُحـى ذَهَبـاً = كُنوزُ فِرعَـونَ غَطَّيـنَ المَوازينـا
أَرضُ الأُبُـوَّةِ وَالميـلادِ طَيَّبَـهـا = مَرُّ الصِبا في ذُيولٍ مِـن تَصابينـا
كانَـت مُحَجَّلَـةٌ فيهـا مَواقِفُـنـا = غُـرّاً مُسَلسَلَـةَ المَجـرى قَوافينـا
فَـآبَ مِـن كُـرَةِ الأَيّـامِ لاعِبُنـا = وَثابَ مِن سِنَـةِ الأَحـلامِ لاهينـا
وَلَم نَـدَع لِلَيالـي صافِيـاً فَدَعَـت = بِأَن نَغَـصَّ فَقـالَ الدَهـرُ آمينـا
لَوِ اِستَطَعنا لَخُضنا الجَـوَّ صاعِقَـةً = وَالبَرَّ نارَ وَغىً وَالبَحـرَ غِسلينـا
سَعياً إِلى مِصرَ نَقضي حَقَّ ذاكِرِنـا = فيهـا إِذا نَسِـيَ الوافـي وَباكينـا
كَنزٌ بِحُلـوانَ عِنـدَ اللَـهِ نَطلُبُـهُ =خَيرَ الوَدائِعِ مِـن خَيـرِ المُؤَدّينـا
لَو غابَ كُلُّ عَزيـزٍ عَنـهُ غَيبَتَنـا = لَم يَأتِهِ الشَـوقُ إِلّا مِـن نَواحينـا
إِذا حَمَلنـا لِمِصـرٍ أَو لَـهُ شَجَنـاً = لَم نَدرِ أَيُّ هَوى الأُمَّيـنِ شاجينـا
أحمد شوقي
نائـح الطلـح
يا نائِـحَ الطَلـحِ أَشبـاهٌ عَوادينـا = نَشجى لِواديـكَ أَم نَأسـى لِوادينـا
ماذا تَقُـصُّ عَلَينـا غَيـرَ أَنَّ يَـداً = قَصَّت جَناحَكَ جالَت في حَواشينـا
رَمى بِنا البَينُ أَيكاً غَيـرَ سامِرِنـا = أَخا الغَريـبِ وَظِـلّاً غَيـرَ نادينـا
كُلٌّ رَمَتهُ النَوى ريشَ الفِـراقُ لَنـا = سَهماً وَسُلَّ عَلَيـكَ البَيـنُ سِكّينـا
إِذا دَعا الشَوقُ لَم نَبرَح بِمُنصَـدِعٍ = مِـنَ الجَناحَيـنِ عَـيٍّ لا يُلَبّيـنـا
فَإِن يَكُ الجِنسُ يا اِبنَ الطَلحِ فَرَّقَنـا = إِنَّ المَصائِـبَ يَجمَعـنَ المُصابينـا
لَم تَـألُ مـاءَكَ تَحنانـاً وَلا ظَمَـأً = وَلا اِدِّكـاراً وَلا شَجـوا أَفانيـنـا
تَجُرُّ مِـن فَنَـنٍ ساقـاً إِلـى فَنَـنٍ = وَتَسحَبُ الذَيـلَ تَرتـادُ المُؤاسينـا
أُساةُ جِسمِكَ شَتّـى حيـنَ تَطلُبُهُـم = فَمَن لِروحِـكَ بِالنُطـسِ المُداوينـا
آهـا لَنـا نازِحـي أَيـكٍ بِأَندَلُـسٍ = وَإِن حَلَلنـا رَفيقـاً مِـن رَوابينـا
رَسمٌ وَقَفنا عَلى رَسـمِ الوَفـاءِ لَـهُ = نَجيشُ بِالدَمـعِ وَالإِجـلالِ يَثنينـا
لِفِتيَـةٍ لا تَنـالُ الأَرضُ أَدمُعَـهُـم = وَلا مَفـارِقَـهُـم إِلّا مُصَلّـيـنـا
لَو لَم يَسـودوا بِديـنٍ فيـهِ مَنبَهَـةٌ = لِلناسِ كانَت لَهُـم أَخلاقُهُـم دينـا
لَم نَسرِ مِن حَـرَمٍ إِلّا إِلـى حَـرَمٍ = كَالخَمرِ مِن بابِلٍ سـارَت لِدارينـا
لَمّا نَبا الخُلدُ نابَـت عَنـهُ نُسخَتُـهُ = تَماثُـلَ الـوَردِ خِيرِيّـاً وَنَسرينـا
نَسقي ثَراهُـم ثَنـاءً كُلَّمـا نُثِـرَت = دُموعُنـا نُظِمَـت مِنهـا مَراثينـا
كـادَت عُيـونُ قَوافينـا تُحَرِّكُـهُ = وَكِدنَ يوقِظنَ في التُربِ السَلاطينـا
لَكِنَّ مِصرَ وَإِن أَغضَت عَلى مِقَـةٍ = عَينٌ مِنَ الخُلـدِ بِالكافـورِ تَسقينـا
عَلـى جَوانِبِهـا رَفَّـت تَمائِمُـنـا = وَحَـولَ حافاتِهـا قامَـت رَواقينـا
مَلاعِـبٌ مَرِحَـت فيهـا مَآرِبُنـا = وَأَربُـعٌ أَنِسَـت فيـهـا أَمانيـنـا
وَمَطلَـعٌ لِسُعـودٍ مِـن أَواخِـرِنـا = وَمَغـرِبٌ لِجُـدودٍ مِـن أَواليـنـا
بِنّا فَلَم نَخـلُ مِـن رَوحٍ يُراوِحُنـا = مِن بَرِّ مِصـرَ وَرَيحـانٍ يُغادينـا
كَأُمِّ موسى عَلى اِسـمِ اللَـهِ تَكفُلُنـا = وَبِاِسمِهِ ذَهَبَـت فـي اليَـمِّ تُلقينـا
وَمِصرُ كَالكَرمِ ذي الإِحسانِ فاكِهَـةٌ= لِحاضِريـنَ وَأَكــوابٌ لِباديـنـا
يا سارِيَ البَرقِ يَرمي عَن جَوانِحِنا = بَعدَ الهُدوءِ وَيَهمـي عَـن مَآقينـا
لَمّا تَرَقرَقَ في دَمـعِ السَمـاءِ دَمـاً = هاجَ البُكا فَخَضَبنا الأَرضَ باكينـا
اللَيـلُ يَشهَـدُ لَـم نَهتِـك دَياجِيَـهُ = عَلى نِيـامٍ وَلَـم نَهتِـف بِسالينـا
وَالنَجمُ لَـم يَرَنـا إِلّا عَلـى قَـدَمٍ = قِيامَ لَيـلِ الهَـوى لِلعَهـدِ راعينـا
كَزَفرَةٍ فـي سَمـاءِ اللَيـلِ حائِـرَةٍ = مِمّـا نُـرَدِّدُ فيـهِ حيـنَ يُضوينـا
بِاللَهِ إِن جُبتَ ظَلماءَ العُبابِ عَلـى = نَجائِـبِ النـورِ مَحـدُوّاً بِجرينـا
تَـرُدُّ عَنـكَ يَـداهُ كُـلَّ عـادِيَـةٍ = إِنسـاً يَعِثـنَ فَسـاداً أَو شَياطينـا
حَتّى حَوَتكَ سَمـاءُ النيـلِ عالِيَـةٍ = عَلى الغُيوثِ وَإِن كانَـت مَيامينـا
وَأَحرَزَتكَ شُفوفُ الـلازَوَردِ عَلـى = وَشيِ الزَبَرجَدِ مِن أَفـوافِ وادينـا
وَحازَكَ الريـفُ أَرجـاءً مُؤَرَّجَـةً = رَبَت خَمائِـلَ وَاِهتَـزَّت بَساتينـا
فَقِف إِلى النيلِ وَاِهتُف في خَمائِلِـهِ = وَاِنزِل كَما نَزَلَ الطَـلُّ الرَياحينـا
وَآسِ ما باتَ يَذوي مِـن مَنازِلِنـا = بِالحادِثاتِ وَيَضـوى مِـن مَغانينـا
وَيا مُعَطِّرَةَ الوادي سَـرَت سَحَـراً = فَطابَ كُلُّ طُـروحٍ مِـن مَرامينـا
ذَكِيَّـةُ الذَيـلِ لَـو خِلنـا غِلالَتَهـا = قَميصَ يوسُفَ لَم نُحسَـب مُغالينـا
جَشِمتِ شَوكَ السُرى حَتّى أَتَيتِ لَنا = بِالـوَردِ كُتبـاً وَبِالرَيّـا عَناوينـا
فَلَـو جَزَينـاكِ بِـالأَرواحِ غالِيَـةً = عَن طيبِ مَسراكِ لَم تَنهَض جَوازينا
هَل مِـن ذُيولِـكِ مَسكِـيٌّ نُحَمِّلُـهُ = غَرائِبَ الشَوقِ وَشياً مِـن أَمالينـا
إِلـى الَّذيـنَ وَجَدنـا وُدَّ غَيرِهِـمُ = دُنيا وَوُدَّهُمو الصافـي هُـوَ الدينـا
يا مَن نَغارُ عَلَيهِم مِـن ضَمائِرِنـا = وَمِن مَصونِ هَواهُم فـي تَناجينـا
غابَ الحَنينُ إِلَيكُم فـي خَواطِرِنـا = عَنِ الـدَلالِ عَلَيكُـم فـي أَمانينـا
جِئنا إِلى الصَبـرِ نَدعـوهُ كَعادَتِنـا = في النائِبـاتِ فَلَـم يَأخُـذ بِأَيدينـا
وَما غُلِبنـا عَلـى دَمـعٍ وَلا جَلَـدٍ = حَتّى أَتَتنا نَواكُـم مِـن صَياصينـا
وَنابِغـي كَـأَنَّ الحَشـرَ آخِــرُهُ = تُميتُنـا فيـهِ ذِكراكُـم وَتُحييـنـا
نَطوي دُجاهُ بِجُرحٍ مِـن فُراقِكُمـو = يَكادُ في غَلَـسِ الأَسحـارِ يَطوينـا
إِذا رَسا النَجمُ لَم تَرقَـأ مَحاجِرُنـا = حَتّى يَـزولَ وَلَـم تَهـدَأ تَراقينـا
بِتنا نُقاسي الدَواهـي مِـن كَواكِبِـهِ = حَتّى قَعَدنا بِهـا حَسـرى تُقاسينـا
يَبـدو النَهـارُ فَيَخفيـهِ تَجَلُّـدُنـا = لِلشامِتـيـنَ وَيَـأسـوهُ تَأَسّيـنـا
سَقياً لِعَهدٍ كَأَكنـافِ الرُبـى رِفَـةً = أَنّى ذَهَبنا وَأَعطـافِ الصَبـا لينـا
إِذِ الزَمـانُ بِنـا غَينـاءُ زاهِـيَـةٌ = تَـرِفُّ أَوقاتُنـا فيهـا رَياحيـنـا
الوَصلُ صافِيَـةٌ وَالعَيـشُ ناغِيَـةٌ = وَالسَعدُ حاشِيَـةٌ وَالدَهـرُ ماشينـا
وَالشَمسُ تَختالُ في العِقيانِ تَحسَبُها = بَلقيسَ تَرفُلُ فـي وَشـيِ اليَمانينـا
وَالنيلُ يُقبِـلُ كَالدُنيـا إِذا اِحتَفَلَـت = لَو كـانَ فيهـا وَفـاءٌ لِلمُصافينـا
وَالسَعدُ لَو دامَ وَالنُعمى لَوِ اِطَّـرَدَت = وَالسَيلُ لَو عَفَّ وَالمِقدارُ لَـو دينـا
أَلقى عَلى الأَرضِ حَتّى رَدَّها ذَهَبـاً = ماءً لَمَسنا بِـهِ الإِكسيـرَ أَو طينـا
أَعداهُ مِن يُمنِهِ التابوتُ وَاِرتَسَمَـت = عَلى جَوانِبِهِ الأَنـوارُ مِـن سينـا
لَهُ مَبالِغُ ما في الخُلـقِ مِـن كَـرَمٍ = عَهـدُ الكِـرامِ وَميثـاقُ الوَفِيّيـنـا
لَم يَجرِ لِلدَهرِ إِعـذارٌ وَلا عُـرُسٌ = إِلّا بِأَيّامِـنـا أَو فــي لَيالـيـنـا
وَلا حَوى السَعدُ أَطغى فـي أَعِنَّتِـهِ = مِنّـا جِيـاداً وَلا أَرحـى مَيادينـا
نَحنُ اليَواقيتُ خاضَ النارَ جَوهَرُنا = وَلَم يَهُـن بِيَـدِ التَشتيـتِ غالينـا
وَلا يَحـولُ لَنـا صِبـغٌ وَلا خُلُـقٌ = إِذا تَلَـوَّنَ كَالحِـربـاءِ شانيـنـا
لَم تَنزِلِ الشَمسُ ميزاناً وَلا صَعَدَت = في مُلكِها الضَخمِ عَرشاً مِثلَ وادينا
أَلَـم تُؤَلَّـه عَلـى حافاتِـهِ وَرَأَت = عَلَيـهِ أَبناءَهـا الغُـرَّ المَياميـنـا
إِن غازَلَت شاطِئَيهِ في الضُحى لَبِسا = خَمائِلَ السُنـدُسِ المَوشِيَّـةِ الغينـا
وَباتَ كُلُّ مُجاجِ الوادِ مِـن شَجَـرٍ = لَوافِـظَ القَـزِّ بِالخيطـانِ تَرمينـا
وَهَذِهِ الأَرضُ مِن سَهلٍ وَمِن جَبَـلٍ = قَبـلَ القَياصِـرِ دِنّاهـا فَراعيـنـا
وَلَم يَضَع حَجَراً بانٍ عَلـى حَجَـرٍ = في الأَرضِ إِلّا عَلى آثـارِ بانينـا
كَأَنَّ أَهرامَ مِصرٍ حائِـطٌ نَهَضَـت = بِـهِ يَـدُ الدَهـرِ لا بُنيـانُ فانينـا
إيوانُهُ الفَخمُ مِـن عُليـا مَقاصِـرِهِ = يُفني المُلـوكَ وَلا يُبقـي الأَواوينـا
كَأَنَّهـا وَرِمـالاً حَولَهـا اِلتَطَمَـت = سَفيـنَـةٌ غَـرِقَـت إِلّا أَساطيـنـا
كَأَنَّها تَحـتَ لَألاءِ الضُحـى ذَهَبـاً = كُنوزُ فِرعَـونَ غَطَّيـنَ المَوازينـا
أَرضُ الأُبُـوَّةِ وَالميـلادِ طَيَّبَـهـا = مَرُّ الصِبا في ذُيولٍ مِـن تَصابينـا
كانَـت مُحَجَّلَـةٌ فيهـا مَواقِفُـنـا = غُـرّاً مُسَلسَلَـةَ المَجـرى قَوافينـا
فَـآبَ مِـن كُـرَةِ الأَيّـامِ لاعِبُنـا = وَثابَ مِن سِنَـةِ الأَحـلامِ لاهينـا
وَلَم نَـدَع لِلَيالـي صافِيـاً فَدَعَـت = بِأَن نَغَـصَّ فَقـالَ الدَهـرُ آمينـا
لَوِ اِستَطَعنا لَخُضنا الجَـوَّ صاعِقَـةً = وَالبَرَّ نارَ وَغىً وَالبَحـرَ غِسلينـا
سَعياً إِلى مِصرَ نَقضي حَقَّ ذاكِرِنـا = فيهـا إِذا نَسِـيَ الوافـي وَباكينـا
كَنزٌ بِحُلـوانَ عِنـدَ اللَـهِ نَطلُبُـهُ =خَيرَ الوَدائِعِ مِـن خَيـرِ المُؤَدّينـا
لَو غابَ كُلُّ عَزيـزٍ عَنـهُ غَيبَتَنـا = لَم يَأتِهِ الشَـوقُ إِلّا مِـن نَواحينـا
إِذا حَمَلنـا لِمِصـرٍ أَو لَـهُ شَجَنـاً = لَم نَدرِ أَيُّ هَوى الأُمَّيـنِ شاجينـا