المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجزء الثاني من رواية :الكاتب والمهرج والملاك الذي هناك



سعيد نوح
01/03/2007, 05:04 PM
كان عبد العال مهران قد أكمل عامه الثامن والأربعين في شهر يوليوالماضي.هو إذن من برج السرطان.لن نتوقف كثيرا عند تلك الملحوظة، فقط أشير الي وجود وجهتي نظر في الأبراج.كل وجهة نظر تنفي الأخري .سواء علي المستوي الإنساني أو المستوي الديني. فمثلا لو سألت شخص عن برجه ممكن أن يقول لك وهو كله ثقة:
ـ كذب المنجمون و لو صدفوا .
لو تركته يذهب إلي حال سبيله وأمسكت بآخر لقال لك بكل فخر:
ـ برجي الدلو.
علي المستوي الدين هناك حديث لرسول الله صلي الله عليه وسلم يقول لا طيرة ولا تطير. وهناك أيضا حديث قدسي معناه يقول أنه لو اقتنع الإنسان بحجر لنفعه.
إلا إني لن أترك عبد العال مهران من أجل الكلام في الأ براج ، وبسرعة أذكركم أن المدعو عبد العال قد شرب لترا ونصف من خمرة صنعت بواسطة يد العبقري سلامة النمس. بعد أن تذوقها للمرة الأولي قبل أن يتذوقها عبد العال مهران بسنة وشهرين علي الأقل في بدروم مخصص كمعمل لضرب كل أنواع الخمور ذات العلامات التجارية المميزة في حكر أبو دحروج أطلق عليها النمس ذاته بعد أسبوع من اختراعه لقب قاهر الرجال في لحظة مفارقة.ثم راح المعلم موسي الذوق صاحب المعمل بحكر أبو دحروج يبحث عن فنان حقيقي ليرسم له علامة تجارية ليكون بادج لقاهرالرجال الذي ما إن تذوق منه كأسا حتي قام وأخذ النمس في حضنه وراح يربت عليه قائلا.
ـ تسلم إيدك يانمس.ده فعلا حاجة أكسترا.
أخيرا وجد بغيته في رسام يجلس أمام مبني الاتحاد الاشتركي بميدان حلوان وبجواره صور كثيرة لملوك ورؤساء وفنانين ولاعبي كرة خرجوا من ذات البلد الذي يقف في ميدانها العريق وقام برسمهم لا شك كما يظن أي مشاهد عادي للموقف.اقترب منه وقال.
ـ أنت اللي راسم صورة الريس دي ؟
وأشار علي صورة الرئيس الحالي التي تقف علي رأس كل الصور الأخري في برواز كبير عليه فرع من الورد الأحمر تجعل ضابط البلدية لا يستطيع الاقتراب منه رغم أن ذات الدبابير تأمر مخبريه أن يمسكون بالماشي جواره فقط وليس الفنان ذاته الذي يأخذ جزءاً كبيراً من الطريق العام يرشه ويضع فيه كراسي للزبائن.والفضل بالتأكيد يعود إلي صورة ذلك الرئيس ولا يعود لكون الفنان من مصابي حرب أكتوبر كما يتضح ذلك من خلال برواز صورة الريس ذاتها الذي يتدلي من أسفلها ميدلية نجمة سيناء من الدرجة الثالثة، كما يقول هو لكل الوجوه التي يرسمها.
ـ أيوه يامعلم. أيتها خدمة؟
ـ حلوة بس فيها حاجة مش مظبوطة؟
ـ آه . إيه الغلط بالظبط ؟
رد الفنان بسرعة وهو ينظر شذرا الي المعلم الذوق الذي يجهله .
سكت المعلم وهو يبحث بعيونه في صورة الرئيس عن الشئ الناقص أو الزائد لا يعرف.ولما يأس الفنان من خروج أي كلمة من الرجل الذي راح يغمض عين ويفتح الآخري ثم يرجع خطوتين وينظر إليها ثم يعود وينظر من جديد دون أن يستطيع معرفة سبب سؤاله قال:
ـ عينك.
قالها الفنان وهو يعطيه ظهره ويبتسم.
ـ أنت بتقول إيه ياحمار.
. صرخ بها الذوق وهو يخرج محموله من جيب جلبابه الكشمير.
التفت الفنان وهو يلف بجسده إليه علي أمل الأخذ بالثأر من ذلك الجاهل كما أخذه ذات يوم بعيد من إسرائيلي حقير لكنه ما إن لمح المعلم يطلب رقم في التليفون حتي سكت ولم تخرج منه أية حركة أو نفس في انتظار ما تسفر عنه المكالمة.
ـ أيوه يامحمود باشا أنا موسي الذوق.
ـ ..........
ـ أهلا بيك.
ـ ...........
ـ أيوه .
ـ .................
ـ مش وقته المهم مين معاك في القسم.
ـ ....................
ـ طب تعال ومعاك الظباط وأمناء الشرطة قدام الاتحاد الاشتركي بسرعة.
ـ .............
ـ آه عمارة الاتحاد الاشتركي .
ـ............
ـ سلام.
وضع المحمول في جيبه ثم مد يده وأمسك بكرسي وجلس عليه والفنان لا يعلم ما الذي سوف يحدث له وإن كانت صورة السيد الرئيس الذي دافع عنها منذ نيف وخمسين ثانية سوف تدفع عنه البلوة التي جاءته من حيث لم ينتظر في ذلك الصباح الأغبر.
ـ فيه إيه ياباشا.
ـ هتعرف دلوقتي ياروح أمك.
قالها المعلم الذوق وهو يخرج علبة سجائره المارلبورو،و الولاعة الذهبية وهو يشعلها بهدوء وينظر إلي الفنان نظرة احتقار .
ـ أنا غلطت مع حضرتك في حاجة سعادتك ؟
ـ في عينيا ياروح أمك.
ـ سلامة عينك ياباشا.غلطت فيها إزاي؟
ـ منتاش عارف ياخول يابن القحبة.
ـ وليه الغلط ياباشا في عضم الترب.
ـ غلطتهم إنهم جابوا واحد زيك ما بيعرفش يكلم أسياده.
اقترب المعلم محمد صاحب محل ملابس الأرنب الشهير بحلوان وهو يمضي في طريقه حين لمح المعلم الذوق وهو يهلل ويكبر بمجرد أن شاهده.
ـ وأنا راخر بقول الميدان منور ليه؟
وقف الذوق عن كرسيه واستقبله في حضنه قائلا بصوته الغاضب.
ـ أهلا يا أرنب.
ـ أزيك يامعلم، والله وليك وحشة ياراجل.
جلس الذوق وهو يضع قدم علي قدم وأمسك الأرنب بكرسي وهو يضعه بجواره مد يده وطبطب بها علي فخذ الذوق قائلا
ـ أزيك ياباشا وإزي الأولاد والأنجال.
ـ نحمد الله.
ـ إيه انت جاي علشان فنان حلوان الكبير شعبان يعملك صورة.
ولم ينتظر الرد والتفت إلي شعبان الذي كان يبدو في حالة توهان تامة عكس طبيعته ورغم ذلك لم ينتبه الأرنب الي شكله:
ـ ده أكبر معلمين حلوان يافنان .يعني ليلة القدر اتفتحتلك ياشعبان . بعد إذنك من غيرتكليف أنده من مكانك كده علي الواد حسن بتاع العصارة وقوله يجيب أحسن كوكتيل عنده وواحد علشانك بالمرة يا بطل .
ـ مفيش داعي يامعلم أرنب.
ـ وده كلام ياسيد المعلمين.ده بس لغاية ما نروح المحل وهناك بقي الواجب الحقيقي بتاع جنابك.هو إحنا في ديك الساعة.يامرحب ياسيد المعلمين.
ـ مالك كده صوتك مش عاجبني خير يامعلم إن شاء الله.
ـ خير إن شاء الله .
ـ مالك؟
ـ شوية وهتعرف.
يأس من المعرفة بسرعة فمد رقبته الي شعبان ونظر اليه بإستغراب وأضاف بلهجة العاتب المحب.
ـ وانت ياعم الفنان أنت مستكترها ولسه واقف.أقوم أنا أجيب لسيد المعلمين بإيدي. هو أنا لي أجدع منه أخدمه بإيدي ياعم شعب.
ـ مفيش داعي البكُس جه أهوه.
قالها الذوق وهو مازال يجلس واضعاً ساقا علي الأخري وخمسة من الضباط ينزلون من العربات التي أوقفت الطريق قبل أن تهبط القوة الغاشمة لتقف أمام المعلم الذي وقف بعد أن وقف الضباط جميعا أمامه وراحوا يسلمون عليه بحفاوة مبالغ فيها من ضباط المفترض فيهم الغطرسة دائما مع الشعب.
ـ فيه إيه يامعلم؟
قال أكبر رتبة موجها كلامه للمعلم
ـ أبدا البيه أهوه أسألوه؟
وأشار الي شعبان الذي راح وجهه مجموعة مختارة من الألوان.ربما نلتقط منها اللون الاسود والابيض والاحمر.وربما تبدون تعاونن معي بعد تعرفو ماحدث.
ـ فيه إيه يامعلم؟
ـ هتعرف دلوقتي ياأرنب.
قالها المعلم وهو يشير لشعبان أن يتكلم.
ـ وزع الناس دي ياحضرة الظابط.
قالها أحد الضباط لضابط أقل منه رتبة .
ـ حاضر ياباشا.
رد عليه ثم تحرك خطوات ووقف أمام أمناء الشرطة وقال.
ـ مشي الناس ديه ياأمين منك له.
ـ ماتتكلم يابني قلنا عملت إيه للمعلم؟
ـ والله مانا عارف ياسعادة الباشا.
ـ يعني إيه هو زعلان بالطريقة دي من الهواء يابن القحبة؟
صوت : طراخ.
قالها وهو يضربه علي وجهه فطير ضوءاً أبيض من عيونه في عز الشمس.
ـ والله العظيم ماأعرف ياباشا.
قالها وهو يفتح عينيه ليتأكد أنه مازال يري بهما.
ـ هو شعبان عمل إيه بس يامعلم؟
سأل الأرنب وهو يري سرسوب دماء ينزل من فم شعبان علي عبد الباسط بطل حرب أكتوبر والذي دائما ما يفخر بقدمه التي يزك عليها. ودائما يرد علي من يسأله عن سبب إصابته يقول في فخر انصبت في حرب أكتوبر .
ـ ابدا يامعلم بسأله هي الصورة دي فيها إيه مش مظبوط بصلي وراح ضاحك وقالي عينك.
ـ يعني يابن الكلب ياخول سايبينك واخد نص الشارع بمزاجنا وكمان تغلط في راجل كبير زي ده
صوت ـ طرخ.
استمع كل الحاضرين إلي الصوت السابق وهم يرون جسد شعبان يطير في الهواء .
ـ والله العظيم أنا بقوله عينيه ياباشا. وقصدي عين الريس دهوه .
قالها وهو يلم جسده المتداعي قبل ان يمسك به الخمس عساكر ويعدون بها الي الريس الضابط.ثم أشار بقرف واضح الي الرئيس وأضاف وهو يشير إلي المعلم الواقف أمامه بفخر وعنتظة.
ـ مش عين سعادة الباشا.
جاء صوته بقوة رغم ضعفه الظاهر علي وجهه .
ـ وكمان بتكدب الحاج يابن القحبة.
صوت ـ تك.
ـ نادي علي العساكر ياخدوا الصور دي ويكسروا الكشك الصغير ده اللي ملوش تصريح.
ـ استني بس ياباشا بعد إذن حضرتك.
ـ جري إيه يامعلم أرنب أنت هتكسر كلام الحكومة.
ـ العفو ياباشا. بس بعد إذنك أقول لخويا الحاج الذوق كلمتين.
ـ وماله تعالي ياخويا.
قالها الذوق وهو يستجيب ليد الارنب التي كلبشت علي كم جلبابه.
وقفوا بجوار شعبان المرمي علي الأرض وراحوا يتحدثون بصوت هامس والأرنب يشير إلي النائم أمامهما يمسح الدماء من علي وجهه ثم نزل الأرنب إليه في الأرض وكشف عن ساقه المصابة في الحرب وراح يقول أشياء لم يستمع اليها شعبان نفسه الذي كان أقرب واحد إليهما ثم تحركا مرة أخري إلي حيث يقف الضباط الذين كانوا يشربون عصير الكوكتيل الذي جاء به سريعا حسن صاحب محل العصير ثم قال المعلم الذوق.
ـ لمؤاخذة ياباشوات. يظهر أنا فعلا سمعت غلط. والغلط مردود.
ـ ميهمكش يامعلم.
ـ معلش عطلناكم الشوية دول.
ـ لا عطلة ولا حاجة . أي أوامر مننا يامعلم قبل مانمشي.
ـ شيلينكم للعوزة.
ـ طيب سلام عليك.
ـ وعليكم السلام ياباشوات شرفتونا.
كان الذوق يجلس علي الكرسي و أمامه شعبان وهو يخبئ دموعه وبعض الناس تمسح له الدماء بقطعة قماش مبلولة وآخر يمسك بيده كوب عصير مانجو يحاول أن يسقيه له لكنه يضع يده عائقا أمام إلحاحه.
ـ إيه يافنان.يالا ياعم قوم حب علي دماغ المعلم واستسمحه.
ـ حاضر.
وقف وهو ينظر إلي الأرض بعيونه ثم اقترب من رأس الذوق الذي حاول التملص في البداية ثم استجابة لطلاق ثلاثة رزعه الأرنب الذي عرض الامر علي شعبان الذي استجاب ووقف سريعا وها هو يحاول طبع القبلة علي راس الذوق الذي ترك رأسه تنال قبلة مصحوبة بنقطة دم دون أن يدري.
ـ علشان محسش إني ظلمتك ياشعبان عاوز أعرف منك حاجة؟
ـ اتفضل يامعلم.
ـ أنا سمعت صح ولا غلط؟
ـ صح يامعلم
قالها شعبان بصوت المكسورالذي يقر بخطئه الذي لم يقصده في الحقيقة .لكن حظ المعلم العاثر جعله يأتي بعد أن ظل أكثر من ساعتين واقفا تحت تلك الشمس القاتلة يرسم صورة لرجل ما إن أمسك بها حتي رماها في الأرض وهو يصرخ في وجهه بقسوة قائلا.
ـ أنا شكلي ملخبط كده؟
ـ يعني أنا جبت حاجة من عندي يا عم الكابتن.
ـ لا أنا مش وحش للدرجة دي.
ـ طب إيه رأي حضرتك يابو الكباتن نسأل أي واحد معدي قدامنا؟
ـ نسأله عن إيه في يومك الأسود ده؟
ـ عن إني راسم الشكل بالظبط ولا غلط؟
ـ غلط طبعا .هو أنت هتعرفني أكتر مني؟ أما إنك راجل كبير ومش محترم فعلا.أنا ترسمني بالشكل ده؟ دانا الكابتن عوكل بطل رفع الأثقال والمصارعة الحرة بشركة الحديد والصلب.
ـ وأنا مالي إذا كنت بطل رفع أثقال ولا رفع أموات.أنا رسمت اللي قدامي وخلاص.
ثم سأل الأشخاص الذين كانوا يمرون من جواره ووقفوا ليعرفوا ماذا جري كعادة المصريين
ـ والنبي حد فيكم يقول للكابتن إذا كنت راسم اللي قدامي ولا أنا غلطان؟
ـ لا الرسم عشرة علي عشرة
قال واحد
ـ الرسم مظبوط يافنان تسلم إيدك.
قال آخر
ـ ميه ميه والله.
قال ثالث ،ثم نظر إلي عوكل الذي كانت عضلاته قد انتفخت أكثر من المطلوب وأضاف نفس الشخص
ـ ماهو راسمك بالظبط أهو ياعم الكابتن.
ـ كل واحد خول شايف نفسه يغور منك ليه؟
بتلك الجملة انفضت اللمة تاركة الفنان يواجه مصيره مع أبو الكباتن الذي أصبح قريب الشبه للرجل الأخضر الذي كان يظهر في مسلسل أجنبي في منتصف الثمانينات.
ـ والعمل ياعم الكابتن؟
ـ اشربها ياحلو .وأحسن حاجة تروح تدورلك علي صنعة تفهم فيها.أنت فاهم؟
قال جملته الأخيرة وهو يمسك بطوق قميص شعبان الذي خلص نفسه من يده وقال له.
ـ طيب ياعم الله يسهلك ويعوض علي في الألوان واللوحة مع السلامة.
ـ قطعها.
قالها الكابتن عوكل وهو يشير بيده علي الصورة ويضع يده الآخري في وسطه.
ـ انت مالك بقي أقطعها أعلقها هنا جنب المحروق ده اللي خلّي واحد زيك يعمل في واحد زي كده أنا حر.
رد شعبان وهو يشير الي صورة الرئيس التي تحميه في أوقات عصيبة كثيراَ
ـ لا مش حر.
ـ لاإله الا الله.
ـ محمد رسول الله ياخويا قطعها أحسن لك.
ـ وإن مقطعتهاش يابو الكباتن.
ـ يبقي هقطعها علي دماغك ودماغ اللي يتشددلك.
ـ علي إيه اتفضل ياعم آدي المحروقة اللي ضيعنا فيها الصبح.
ـ متقولش المحروقة.
ـ إيه ياعم هو أنت لا منك ولا كفاية شرك.هو أنت بتقول شر للبيع.الراجل حر يقطعها يولع فيها أنت مالك
قال أحد المارة في الشارع بعد أن استوقفه الجدل الدائر بين الكابتن و الرسام.
ـ جري إيه ياكابتن . واضح إنك زميل وبتشيل حديد.
قال عوكل وهو يخفض صوته وهو يواجه الشخص الذي تحدث إليه ويماثله في القوة.
ـ لا زميل ولا هباب ولا أتشرف إنك تبقي زميلي.الرياضة أدب وذوق وأخلاق، مش تنطيط علي مخاليق ربنا اللي واقفين في عزالشمس علشان يدوروا علي لقمة العيش في الزمن الأغبر اللي خلّي واحد زيك يغلط في راجل كبير زي ده .
أنهي جملته وهو يشير إلي شعبان الذي كاد أن يجري اليه ويقبله لولا إحراجه.
ـ ماشي ياعم الرياضي .أنت مش رياضي بس دانت بتدي دروس كمان، علي العموم مقبولة.
ثم مد يده وأمسك بصورته وقسمها نصفين وتركها تسقط علي الأرض ومشي تاركاً شعبان يقف مذهولا من ضياع نصف اليوم وضياع كمية كبيرة من الألوان استنفذها لكي يرسم عضلات رقبة المدعو عوكل قبل أن يأتي المعلم الذوق بخمس دقائق فقط.
ـ طيب .كده أنا بقي عرفت إنك راجل ومبتخفش وعلشان كده آدي الكارت بتاعي ومستنيك بالليل يافنان.
بتلك الجمل اعترف المعلم الذوق بموهبة شعبان وتركه بعد أن طبطب علي رأسه مواسياً إياه.
عاد شعبان إلي بيته(بعرب راشد) في المساء بوجه عابس وزرقة حول عينه اليمني مما جعل زوجته تخبط بيدها علي صدرها قائلة.
ـ جري إيه يابو جمال؟
ـ أبداً .
قالها وجلس علي الكنبة وهو يضع عيونه في حجره حتي لا ينظر إلي زوجته التي اقتربت منه بسرعة وأمسكت بيديها ذقنه وهي ترفع وجهه لكي يواجهها بنظراته.
ـ فيه إيه يابو جمال؟
سحب رأسه من بين يديها وهي تضيف:
ـ اعمل معروف رد علي؟
ـ أبدا اتخانقت مع واحد عملتله صورة.
ـ كان إتشك في إيده البعيد قبل ما يرفعها عليك ياخويا.علي العموم ربنا مفيش أحسن منه.
وهيخلصلك حقك قادر ياكريم يشل إيده اللي أتمدت عليك.
عاد بوجهه إلي حجره باحثا عن مكان يستطيع فيه إنزال دموع الرجولة.أحست به زوجته فمدت يدها لتطبطب عليه لكنه أوقف اليد بحزم حتي لا يضطر الي إنزال الدموع أمامها. هي زوجته. ثم وقف ودخل الي الحمام دون كلمة وهناك أنزل دموعه، ثم غسل وجهه وخرج ليجد الزوجة قد وضعت الطبلية وعليها الطعام في انتظاره بوجه عابس لأنها تعرف لابد أن زوجها كان يبكي ضعفه وقلة حيلته وهوانه بعيدا عن عيونها، لكن ليس بعيدا عن قلبها الذي أحس به، ومن أجل ذلك ظلت ترفع يديها الي السماء وهي تدعوه أن يأخذ حق رجلها الذي أصبح معاشه لا يستطيع الإنفاق علي الأولاد ، فقد اضطر بسبب زواج ثلاث بنات منهم إلي استبدال جزء كبير من معاشه كما اضطر إلي الوقوف في الشارع لكي ينفق علي الباقين فلديه ثلاثة في الجامعة واثنان تخرجوا منذ سبع سنوات علي الأقل ورغم ذلك يأخذون مصروفهم تماما كما يأخذ طلاب الطب الثلاثة.
ـ العيال فين أُمال؟
ـ الدكاترا التلاتة نايمين وخالد وعبد الحكيم كلوا ونزلوا يفرطوا رجليهم من الحبسة طول النهار.
ـ حد من البنات زارك النهارده ؟
ـ آه .تحية جات وجبتلي أربع قزايز زيت التموين اللي كنت قايلالها عليهم.بس مددتهاش الفلوس.
ـ ليه كده؟
ـ أصلي دفعت النور بتاع الشهرين مرة واحدة. اسكت مش الكهرباء زادت كمان.
ـ وإيه اللي مبيزدش الأيام دي .؟
ـ يعني المية تزيد مرتين والكهربا كمان. ده الباقي من المعاش بعد مادفعت المية والمحروقة الكهرباء 120 جنيه.
ـ رضا. طب ليه بقي مدتيش للبنت فلوس قزايز الزيت اللي شيلاها علي قلبها من أبو رجوان لغاية هنا.مش كتر خيرها ياوليه .
ـ إن شاء الله لما تيجي الأسبوع الجاي يكون ربنا سهلها معاك وهديها . وبعدين ماحنا ياما جبنلها يابو جمال إيه يعني لما تجبلنا حاجة ياخويا.
ـ يعني علي آخر الزمن جوز بنتي هيصرف علي عيالي ياأم جمال؟
ـ ماعاش ولا كان
ثم مدت يدها وطبطبت علي كتفه في ود وهي تضيف:
ـ يخليك لينا ولا يقطعلك حس ياخويا. تف من بقك. ده مين ده اللي يصرف علي عيالك.
ـ دفعتي الإيجار؟
ـ النهاردة 21 لسه بدري.
ـ ياوليه هي الفلوس هتولد لما تسبيها جوه وبعدين كترخير الناس أصحاب البيت.
ـ هدفعه بكرة ياخويا طالما قلت.
ـ الحمد لله.
ـ ماتاكل يابو جمال.
ـ الحمد لله .ربنا يديمها علينا نعمة.
ـ أعملك شاي؟
ـ لا أنا هخش أريح شوية وبعدين علي الساعة عشرة رايح مشوار في الحكر .
ـ حكرإيه؟
ـ حكر أبو دحروج.
ـ ليه؟
ـ ربنا يسهل شغلانة.
ـ ربنا يرزقك برزقنا قادر ياكريم.
بذلك الدعاء ودعته زوجته وهو يخرج من بيته في التاسعة والنصف مساء وهو يضع علي عيونه نظارة شمس ويدخل الي العربة الراما التي أقلته من العرب مرورا بمنشية جمال عبد الناصر وهناك وأمام مقام أبوالطرابيش لم ينسا ان يسلم علي آبائه وأجداده بالترب ثم مرت العربة علي بوابة شركة أسمنت بورتلاند حلوان سابقا "أسيك حاليا" ثم مر علي عرب كفر العلو ، ثم دخل إلي قهوة المعلم عبد الدايم الفار علي مدخل الحكر وسأل عن العنوان الذي كان لا يبتعد كثيرا عن القهوة،صعد عشرة سلالم مرتفعة عن الأرض ودخل إلي مجموعة المعلم موسي الذوق للاستيراد والتصدير كما مكتوب علي لافتة مضاءة بالنيون وبكشافات في مدخل الدور الأول كله الذي اتخذه ة الذوق مقرا لخمس توكيلات لاستيراد بعض قطع غيار البيجوه والسكر والأسمنت والخمور والروائح ، راح ينتقل من توكيل الي آخر والمعلم يمشي جواره وهو يعرفه بنفسه وكأنه يعتذر له عما أصابه منه بعد أن عرف من الأرنب ما حدث له مع بطل المصارعة قبل أن يدخل عليه هو في المحطة .
ـ ربنا يزيدك كمان وكمان ياسعادة الباشا.
قال شعبان وهو يمسك بيديه بالنظارة الشمس وينظر في الأرض.
ـ شوف يافنان.مش بيقولولك كد برضو.
هز رأسه في امتنان دون أن يخرج صوتا مما جعل المعلم يضيف
ـ أنا مبحبش اللي يقولي ياباشا والكلام ده. أحسن حاجة بحب أسمعها هي يامعلم.
ثم دخل به إلي أحد المكاتب الكثيرة وجلس وهو يقول له.
ـ اتفضل يافنان.
جلس وهو يضع يديه بين قدميه وينظر في الأرض والمعلم يضغط علي أحد الأزرار فيأتي ساعي يرتدي ( يوني فورم) قائلا :
ـ أفندم ياسعادة البيه.
ـ شوف عمك شعبان يشرب إيه.
التفت الساعي إلي شعبان الذي كان مايزال ينظر في الأرض.
ـ أيوه ياشعبان بيه تشرب إيه حضرتك.
ـ شاي لوسمحت من فضلك.
ـ وحضرتك
ـ مشيها شاي بقي ياسمير.
خرج الساعي وأخرج المعلم المحمول ليرد علي أحد بحدة ثم أغلقه ورماه علي المكتب أمامه بقرف واستمر الحال حتي عاد سمير بالصينية ووضع الأكواب وقبل أن يخرج من الباب سمع صوت المعلم يقول له
ـ محدش يخش علي ياسمير وخد الباب وراك وتعالي الأول شغل المحروق التكييف .
ـ أوامرك ياباشا.
فعل ما أمر المعلم به وخرج وأغلق الباب .
ـ منورنا ياعم شعبان.
ـ ده نورك يامعلم.
عاد بكرسيه إلي الوراء بعد أن صدر قدمه اليسري في المكتب ورفع قدمه اليمني علي الأخري التي راح يتحرك بها للإمام والخلف حتي استقر علي وضعية ثابتة وأمسك بكوب الشاي وهو يرمي بسيجارة لتسقط في حجر شعبان.
ـ بص بقي يا فنان أنا عاوزك في شغلانة بسيطة إن شاء الله تطلع من وراها بقرشين كويسين.
ـ تحت أمرك يامعلم.
ـ أنت ليك في المية؟
ـ في الحقيقة مش فاهم.
ـ بتشرب مية ياعني؟
ـ هو فيه حد برضو ما بيشربش مية ياسيد المعلمين.
قالها وهو يعرف مغزي سؤال المعلم ومع ذلك فضل أن يلاعب المعلم الذي ترك حركة الهز التي كان يقوم بها وعاد الي إتزانه وهو يقول.
ـ أنا عارف إنك فاهم سؤالي كويس يا شعب. وعلي العموم أنت بتشرب خمرة؟
ـ في الحقيقة يامعلم من زمان قوي مجربتهاش بس لو صادفت بشرب حشيش.
ـ هوائي يعني.
ـ ممكن حضرتك تقول كده.
ـ علي العموم أنا هسقيك بعد شوية كاس صغير وعاوزك تقولي رأيك فيه.
ـ ميضرش.
ـ طب سيبك من الشاي المغلي ده وبينا نروح مكتبي.
قالها وهو يضع كوب الشاي ويقف قبل أن يستمع الي أي رد فعل من شعبان الذي وقف هو الآخر بمجرد أن وقف المعلم وخرج وراءه حتي دخل إلي مكتبه وأغلق الباب وهو يشير إلي أحد الكراسي لكي يجلس شعبان ثم فتح ثلاجة صغيرة بجوار مكتبه وأخرج كأسين وصب فيهم النوع الجديد من الخمرة التي صنعها ابن الجنية سلامة النمس الذي وضع لها اسما أعجب المعلم موسي وها هو يبحث لها الآن عن شعار يضعه علي الزجاجة التي اختار هو شكلها.
ـ إيه ده يا معلم؟
سأل شعبان بعد أن ملأ فمه وتجرعه وهو يكاد يجزعلي أسنانه من قسوة الطعم.
ـ كمل بس وبعدين اسأل يافنان.
أكمل شعبان كأسه علي أربع جرعات كان خلالهم يكاد يقرص علي لسانه وهو يهز رأسه هزات سريعة ثم يغمض عيونه.
ـ إيه رأيك بقي ياشعب؟
ـ ده نبالم علي رأي فؤاد المهندس.
ضحك بفخر وهو يحس بسعادة وكأنه هو الذي اخترعه وليس فقط الممول والذي ينتظر مكاسب عظيمة بعد أن قرر تدشين خط إنتاج قاهرالرجال لتعميمه علي منطقة حلوان والمعصرة والتبين وعرب أبو ساعد والحكر وأبو رجوان الشرقي والغربي.
ـ بص بقي ياعم أنا عاوزك ترسملي بادج يمشي مع النبالم ده.
ـ هو ده صناعة محلية؟
ـ ملكش دعوة بقي صناعة محلية ولا مستورد.أنت عليك تاخد قزازة من المدعوك ده وتمزمز فيها وترسم بقي حاجة جديدة خالص اتفقنا يابطل.
ـ تحت أمرك ياسيد المعلمين.
ـ تعجبني.قولي بقي هتنولني البادج إمتي؟
ـ إديني يومين تلاتة وربنا يسهل.
ـ مش أكتر من كده علشان فيه فرح يوم الخميس الجاي عندنا هنا وأنا عاوزأشوف مفعوله بعيني علي الشريبة اللي أعرفهم وخد الاسم بالمرة علشان تكتبه بخط حلو كده.
ـ إن شاء الله يومين تلاتة بالكتير وهيكون عندك بادج حكاية.
بتلك الجملة ودع شعبان المعلم بعد أن استلم منه زجاجة في شنطة جميلة لا تكشف عما بها ومائتين جنيه عربون واسم قاهرالرجال الذي أعجبه أكثر من المشروب ذاته ليدخل عليه مساء اليوم الثاني وقد صنع ثلاثة بادجات كانوا كلهم يحملون ملامح مختلفة من وجه المعلم موسي ذاته. اختار المعلم موسي البادج الذي لم يخف عليه أنه يحمل عيونه فقط وكان عبارة عن رسم لشمشون الجبار بشعره الطويل وهو يرفع بيديه ربع قصر وفي نهاية البادج وعلي طرفه لم ينس شعبان أن يضع توقيعه المشهور به. قبله المعلم موسي وأثني علي قريحته ثم وضع في جيبه ثلاثمائة جنيه مع تذكيره بأنه أصبح لديه أخ كبير يمكن طلب أي مساعدة منه في أي لحظة.
نسي شعبان الموضوع بعد أن شفيت عيونه واستمر يخرج من بيته في الثامنة ويعود في السادسة حتي سهر في أحد الأفراح بعد ذلك بأكثر من عام وشاهد للمرة الأولي البادج الذي صنعه موضوع علي زجاجة غريبة الشكل ولكن ما حز في نفسه جدا أن توقيعه لم يكن هناك.

8

اسمها إحسان الطالع علي عبود.ألا يستدعي ذلك حضوري. أنا سعد الله عامرالطالع علي عبود.كاتبكم المفضل بعد 2005. كاتب علي الأقل. إلا إني الأول الذي يحق له من الناحية القانونية أن يتحدث عن إحسان الطالع عبود. وهناك نقاط كثيرة في فصل الناحية القانونية. وسوف أوجز ذلك الفصل بسرعة وبفضل صديقي محمود الضبع الذي يمكن له استعمال صفة الكاتب بجوار صفته القضائية كما يحق للدكتور عبد الحميد عبد العليم أن يقوم بذلك الدور أيضا. وذلك ليس كرما مني كما يظن أحدا منكم بعد أن منحني الأستاذ محمود خبرته.
هذا فقط حقه.
النقطة الأولى لابد قد فهمتوها من اسمي واسم عمتي الوحيدة والتي تبلغ من العمر الآن 63
عاما سوف أتجاوزها جميعا ببعض ملاحظات من نوعية ولدت وترعرعت في كفر هلال مركز بركة السبع مديرية الغربية.ألا يستدعي ذلك العنوان لديكم سؤالا.
نعم ست الدار مصطفي الأمير من نفس البلدة. ولكني لا أقصد ذلك. هناك علاقة أهم أريد أن أوضحها لكم الآن .وهي أن محمد فرج الشهير بمشمش بلديات سعد الله الطلع عبود.
أنا الكاتب الذي أمسك ببلدياتها في بداية ذلك العمل ولم يرخه من يده حتي بعد أن نزلت دموعه أمام المهرج والصديقين عبد الحميد عبد العليم ومحمود الضبع والملاك الذي هناك.
أي قسوة يمتلكها هؤلاء المصريين علي بعضهم البعض.
ألا يوجد فيلسوف واحد يقول لنا كيف وصلنا إلي هذا الفساد في الأخلاق فقط.
الكتاب أنواع يا ناس.
لابد من وجود كاتب في كل شئ حتي نعرف كيف وصل السوس إلي قلوبنا.
حتي أنني حين أمسكت بقطعة الحشيش تسقط من جيب صغير في المحفظة التي ظل يتجنب البحث فيه مشمش لحظات حتي نسي نفسه تماما وأخرج كل الأوارق الكثيرة والكروت ووضعها علي سطح المكتب وأنا ومحمود نقف بجوار الشباك نتكلم بهدوء وعيوننا علي ما يفعله هذا المجنون الذي رفع المحفظة في الهواء وراح يهزها وهويكاد يفقد عقله من ضياع هذا المستند الخطيرالذي سأله عنه محمود ليتأكد من كلامه والذي لايعنيني تذكره الآن تماما كما كان لايعنيني
لحظتها سماع المدعو مشمش والطاسة خربانة، بعد فشلنا في العثورعلي محسن أبو حربية تاجر الحشيش الذي كان محموله ربما يكون مغلقا أو خارج نطاق الخدمة مدة نصف ساعة جلستها في مكتب صديقي محمود أستمعت فيها إلي قضية المدعو مشمش الذي دخلت وهو يبدا في سردها .الغريب في الآمر أنناعرفنا بعد ذلك بخمسة أيام وعن طريق الصدفة المحضة بعد أن جنبنا ابن بلدي مشمش السؤال عنه أنه قد تم القبض علي محسن أبو حربية وأنه حين كنا نقسم بالله علي مقاطعته والبحث عن بديل بعد أن تركنا المدعو مشمش يبحث في الأوراق واقترب مني محمود وهو يسأل عن محاولاتي المضنية مع المحمول للبحث عن ابن المعفن محسن الذي كان يقف أمام وكيل نيابة قسم الخليفة يرد علي نفس السؤال الذي ما إن لمحت قطعة الحشيش تساقط علي زجاج المكتب حتي لمعت الفكرة في رأسي وتحركت سريعا وقلت له وأنا أمسك بها في الهواء تماما كما يفعل وكيل نيابة شاب يبلغ من العمر 32 في نفس اللحظة ولا يبتعد كثيرا عن مكتب الصديق محمود مع اختلاف بسيط يمكن حذفه.ألا وهو الكمية الممسك بها كل منا
ـ دي إيه بقي تسمح تفهمني كده بالراحة.
لايعنيني ماحدث مع محسن أو وكيل النيابة الذي أصبح منذ الآن في خبر كان بالنسبة لي ولن يعود إلي الرواية مرة أخري
انظرو ا إ لي الكاتب الذي يحدثكم. إنه سيكوباتي علي ما أظن. تماما كحاكمنا.
مالذي يغري فينا هؤلاء الناس؟
الساعة آتية لا ريب.
ـ نجزم مع رجال الدين ونبصم علي ذلك .
لكنه خوفنا ياعم المهرج. خوفناالذي اتضح لي أنا الكاتب حين لمحت وجه مشمش.
كان يرتعش .
أليس لخوفنا هذا نهاية؟ همس الملاك
ليعلم الخائفون علي أولادهم وأعمارهم . أن مليكي يخاف أكثر بكثير من خوفهم لأنه يمتلك بجوار ذلك مالا أذن سمعت ولا قلب رأي ولا خطر علي بال عبد.
ومن أجل ذلك جعل الأمن شعارا له بداية بالأمن القومي، والأمن الغذائي، والأمن العلمي والأمن المركزي، وأمن السواحل والأمن العام، وأمن المطار المكتوب عليه
ادخلوها بسلام آمنين.
ـ بص كده ياعم محمود. أنت كنت خايف ومرعوب ومشمش بيقول كلمتين ولا يودوا ولا يجيبوا . أنا ورايا رواية بعتبرها كتابة بجد، وعمر عاوز أتمتع بيه بعيدا عن وادي النطرون وبنت أشوف مستقبلها وزوجة وأخوات وأشياء كثيرة جدا .
ـ عنده حق فعلا أنا مش موافق علي الكلام ده ولابد من حذفه من مضبطة الجلسة.
قال محمود وهو ينظرإلي عبد الحميد عبدالعليم الذي هز رأسه بسرعة دليل علي موافقته غير المشروطة ولو بزيادة حرف
ـ يظهر المهرج عاوز يحبسك ويستولي علي الرواية لحسابه ياعم سعد.
قال مشمش وهو ينظر إلي سعد الطالع الذي كان يستغيث بالملاك الذي هناك.
ـ لا ياعم.هو أناهحضّر عفاريت ومش هعرف أصرفها. مش أنا اللي يتعمل فيه كده.
أنا ياعم مستغني خالص عن إني أكمل اللي حصل بيني وبين مشمش في أول لقاء اللي بديت بيه الراوية المحروقة اللي هتسبب في موتي ديه، أحسن حاجة أرجع لإحسان الطلع عبود.
عمتي لزم.
أخت أبويا .
شقيقته.
وأحسن واحد يحكيلكم عنها هو العبد لله. بقولكم إيه .صلوا علي النبي. عمتي ديه اتولدت في كفرهلال سنة40 أبوها كان شيخ البلد.
ـ بص ياعم الملاك بدل ما أنت قاعد هناك قول للجدع الكاتب ده يبطل فتح علب علشان الناس بقت روحهم في مناخرهم .
قال المهرج وهو يشعل سيجارة.
ـ والله العظيم ديه لا فنجرة بوق ولا فتح علب.وفي الآخر اللي عاوز يصدق يصدق واللي مش عاورز يروح يعمل لها فيش وتشبيه، وييجي بقي يكدبني.
بس الأول يوريني شطارته مع سيادة اللواء المخبر إبراهيم عيسي موسي اللي عنده استعداد يسحبوه من قفاه علي بيت نعتمد .
ـ مين بيت نعتمد ده يا سعد؟
سأل الملاك الذي هناك.
ـ بيت نعتمد ده حجرة التعذيب اللي عملينه في مبني أمن الدولة في حلوان. والسؤال ده بالذات نفس السؤال اللي قاله حمدي للسيد.
ـ ومين حمدي ؟ومين السيد ده ياعم سعد؟
سئل المهرج.
حمدي إبراهيم ده عامل في مصنع أسمنت بورتلاند حلوان سابقا .أسك حاليا بعد خصخصتها. قابل بلدياته ونسيبه سيد محمودالسيد العامل في نفس المصنع بعد عودة الاثنين من إجازتهم السنوية فأخذه بالأحضان وسأله هو يطمئن عليه قائلا:
ـ عملت إيه في العشر تيام ياعسل.. ماحدش شافك في البلد حتي.
ـ كنت في بيت( نعتمد)..
رد سيد بأسي حقيقي وهو يطلع من بين أحضان حمدي.لكن حمدي الذي فكر خطأ أن (نعتمد) أمراة سيئة السمعة ضحك وهويمد يده ليخبط بها صديقه النمس حسب ماكان سيقول له لوحاسبه الله علي نيته لكن سيد استقبل الخبطة الهينة من يد صديقه الذي كان يضحك في وجهه وهو يوجهها إليه قائلا:
ـ آه ، بالراحة ياحمدي جسمي ملصم.
ـ جري إيه ياعسل هي( نعتمد) ديه بتعمل إيه بالظبط.؟
قال حمدي وهو يشك للمرة الثانية في أخلاقيات( نعتمد ) ويسأل عن عملها بالضبط .
ـ (نعتمد) ديه أوضة الحبس في قسم حلوان ياحمدي.
قالها في انكسار ظاهر لحمدي الذي تغيرت ملامح وجه وهو يسأله في خوف وهو يجلسه بهدوء علي الكرسي.
ـ خيـر.إيه اللي حصلك.
ـ أبدا . سكن عندي حتة مخبر في أمن الدولة من شهرين اسمه إبراهيم موسي عيسي زي ما أنا كنت قلتلك.
ـ آه وبعدين.
ـ ليه وليه بقوله النهارده كذا منه ،والإيجار أتأخر.عديك علي اللي حصل.
ـ إيه يعني مخبر.ميكنش لواء بروح أمه.
قالها حمدي وهو يظهر استعداده للذهاب مع ابن بلدته نمرة واحد وجوز ابنة عمه نمرة اتنين الي البيت في تلك اللحظة والأخذ بثأره إذا لزم الأمر.
ـ ماهي العنجهية اللي في عيلتكم ديه هي اللي ودتدني في داهية.
قالها سيد وهو غاضب ويرفع يديه في الهواء مشوحا بها قبل أن يعيدها إلي جانبه بذفرة ألم ظهرت علي ملامحه التي كانت غاضبة فقط فأصبحت متألمة وغاضبة أيضا.
أمسكه حمدي بهدوء ودعاه إلي عدم العصبية طالما أن يده لا تستطيع الحركة في الهواء بنفس طاقتها في الوقت الحاضر متمنيا لها دوام التواجد فقط في هذا الزمن الأغبر من أجل الأفواه الستة المربوطة برقبته والمفتوحة كما صرح له وهو يجلسه علي الكرسي ويقول له بروية وحب وخوف.
ـ إيه اللي حصل.
ـ أبدا ياعم بنت عمك الله يكرم أصلها قالتلي النهاردة 12 منه والساكن الجديد مدفعش الأجرة
ـ مغلطتش.
قاطعه حمدي وهو يهز يده مدافعا عن صلة الدم .
ـ ماهو ده بالظبط اللي انتوا شاطرين فيه ياحمدي.
رد سيد بعصبية ونظرة سخرية متجنبا قدر الإمكان الحركة.
ـ جرالك إيه ياسيد؟ انت هتغلط ولا إيه؟ متشوف بتكلم مين.أنت نسيت أصلك؟
يمكن لي الآن أن أعلق وأقول أنظرو ا إلي ماحدث لنا بروية وتمعن..إننا يا أصدقاء لا نتشطر إلا علي أنفسنا دائما.
يظهر سيدنا المهرج غاوي يحبسنا والسلام. بس مش دي في الحقيقة اللي هماني دلوقتي لأني لغاية دلوقتي علي البر وبكتب. يعني شاطر، زي ما المهرج ( والفيلسوف )اللي دخل غصب عني في الرواية ما عاوزين يقولوا. لكن اللي هممني إني كل ما أبدأ حكاية مكملهاش وده في الحقيقة حاجة مزعجة لي في الأساس.
بصوا علي النص كده هتلقوه بدأ بعمتي.شوية ودخل لحظة إمساك الحشيش والتمثيلية اللي عملها سعد الطالع وهو مش قصده أولا يعملها في بلدياته زي مانتوا عارفين. لكن مرة واحدة كده لبسني واحد فيلسوف وراح ينظّر للحالة التي وصل اليها الشعب المصري ؟
يجب أن نعترف جميعا. أنه لم يعد هناك مايسمي بذلك الاسم .
ومع ذلك يستطيع الكاتب الكبير(أيامة فيلا عابدين) مثلا التحدث عن العولمة والقرية الواسعة مع الاحتفاظ بالهوية المصريةُ لمدة ساعات أحسن مني بكثير بواسمته التي أصبحت سمة مميزة لتليفزيون الريادة ،
هو حر في بلد الأمن( المركزي ) والأمان.
هل تتذكرون الأمان؟
أقصد* التبس حتي لا أذهب وراء الشمس.
لقد أصبحنا مجموعة من النصابين يجتمعون في بلد واحد ويؤمنون بإله واحد . قادر علي كل شيئ حتي استمرارأشكال وعينة سمير رجب رئيسا لأي دارتحرير لمدة ربع قرن.وكما تعلمون ما أكثر الدور التي حررها الزعيم جمال عبد الناصر وما أكثر كما قلت لكما سابقا أشباه سمير، صبري، وسرحان، وكمونة لو أردت التشبيه لجئتك من أ ول عصر محمد علي .وإسألوا الزملكاوية وهمه يحكوا لكم عن عهد سمير محمد علي أحسن مني.
إننا نتكلم لغة واحدة ومع ذلك ويا للدهشة نبحث عن بعضناالبعض لينصب كلي منا علي الآخر . لم يعد هناك أمل في شئ.
توكلوا علي الله وهاتوا آي حد بتفصلوا له قوانين علي مقاسه.
أهوه علي الأقل هيكون أحسن من (الوحش) لما درب المنتخب.
علي رأي أم سيد. وقوع القضا ولا انتظاره.
وكما طبقه سيد ذاته ابنها مع حضرة الباشا إبراهيم عيس موسي حين قال له ليرد علي كلامه عن كونه لن يدفع إيجارا بعد الآن وإنه أمن دولة ط..و..ا..ر..يء .
وعند طواريء تمكن من إحضار وجه الزعيم جيدا وأخرجها بعزة نفس وثقة في عمله ورعبا للمدعو سيد الذي انتفض بعد سماعه طواريء مقطعة بهذه الطريقة .
ـ طالماحضرتك مبتدفعش.أنا بعدإذن حضرتك مابسكنش
ثم فرك يديه وهو ينظر في الأرض ويضيف:
ـ وعلي أول الشهرإن شاء المولي هتسلمني الشقة لو سمحت جنابك
ثم رفع يديه وعيونه وهو يقول:
ـ والشهرده نعتبره مفتش علي وعليك بخير .
قالها سيد بأدب جمّ وتحرك من أمام المخبر إبراهيم موسي عيسي وارتقي السلم وهو يفكر في تهديدات إبراهيم التي كان يستمع إليها مازال كما استمع وهو يقف أمامه إلي القسم علي تربيته حتي دخل إلي شقته في الدور الرابع فوق إبراهيم تماما
ـ إيه صوت الأستاذ إبراهيم كان عالي ليه.
قالت الزوجه وهي تفتح الباب وهي تضيف ويديها تشير الي الغسالة التي تعمل ويصدره منها ما يشبه صوت( الكراكة )التي ترفع الطين من ترعة قارون ببلدتها:
ـ ما هو لولا صوت المخروبة اللي بأقولك جبلها موتور وابن عمي حمدي ييجي يركبه ببلاش أنا كنت سمعته بيقول إيه.
انتهت الزوجته بتلك الملوحظة التي رددتها كثير خلال العام الحالي وهو ينظر اليها شذراً.
ـ شورتك يابنت الكلب.
قالها وهويجلس علي الكنبة متنجبا ضربها كما فكر كثيرا وهو يستمع الي الإهانات المتواصلة من سيادة المخبر الذي أقسم يمين طلاق أن يحلق شنبه إن لم يجعله يقول له أنا مرة ـ تلك الجملة التي قالها بعد ذلك بيومين وليلة فقط وبعد ليلة وحيدة باتها في ( لازوغلي ) المقر الرئيسي لأمن الدولة ورغم ذلك لم تشفع له واستمر محبوسا بقية الأسبوع ليقولها بعدها مرات كثيرة ـ
ـ وأنا كنت عملتك إيه بس يابو السيد؟
قالت الزوجة وهي تتعمد إغراءه بجسدها النائم تحت قميص نوم علي اللحم المضبوط واللائق أيضا، ثم تحركت وجلست بجواره علي الكنبة (النابلسي) ضاربة ركبته بمؤخرتها مضيفة بصوت به غنج:
ـ إنزاح شوية.
ـ ارتزي ياجلابة النصايب.
رد سيد وهو يتزحزح بمؤخرته علي الكنبة معطيا لها نصف مساحتها علي الأقل وهو لايحس أدني شعور تجاه الخبطة المقصودة من زوجته والتي كثيرا ما فعلتها ليبدأ بعده طقس كانت قد أعدت له مع زوجها من أمس كما أتفق.
ـ مالك ياراجل.
ـ البيه حلف طلاق ليحبسني، علشان بقوله فين حقي بس؟
قالها وهو ينظر اليها بغضب وتساؤل وخوف وحدة ثم وهو يهبط بيده محدثا صوتاعالياعلي فخذه
ـ الأستاذ إبراهيم ؟
سألت الزوجة بعدم تصديق.
ـ أيوه ياختي إبراهيم باشا،
ثم سكت قليلا وهو يبحث عن شئ ما تذكره بسرعة فأضاف:
ـ أبو أصبع اللي انتي رزتيني بيه علي آخر الزمن.
قالها وراح يشير بإصبعه بحدة إليها، ثم ضم يديه وأخرج علبة السجائر السوبر من جيب جلبابه الأعلي مشعلا سيجارة بالولاعة الرنسون التي يحتفظ بها منذ أعطاها له أحد أقربائه بعد عودته من السعودية في بداية الثمانينات.
ـ والعمل يا أبو محمود؟
قالتهاوهي تنظر بخوف إلي زوجها ووالد أبنائها الخمسة اللذين هم قطط صغيرة حسب تعبيرها بعد ذلك بخمس أيام وهي تترجي إبراهيم باشا وتقبل بلغته وهو يقول لها :
ـ أطلعي يامره يا شرموطة بره بدل ما دخلك أوضة (اللي تشوفه ياباشا).
ـ مش عارف يا أم محمود.
رد سيد وهو ينظر إليها في حيرة وشوق لمشورتها ،رغم أنه منذ قليل وهو يستمع إلي ما سوف يحدث له علي يد إبراهيم كان قد أقسم أكثر من يمين يعلمه الله وحده أن لا يستمع أبدا الي رأيها :
ـ دي ساعة شيطان، وإن شاء الله الأستاذ إبراهيم قلبه أبيض، ومش هيعمل حاجة بإذن واحد أحد. متقلقش ياخويا، ربنا هيسترها إن شاء الله علينا.
ثم رفعت يديها تتلمس قدرته عز وجل وتطلب أمانه ونصرته مضيفة بصوت سنعرف فيما بعد أنه لم يكن مؤثرا في قدرة ذلك الإله علي عدم تحريك أربع لواءات أمين شرطة برئاسة عميد ، غير كتيبة من العساكر حاصروا بيتها في فجر اليوم الثالث للواقعة بعد وصول تحريات قام بها إبراهيم موسي عيسي وقالت :
ـ هو احنا لينا مين غيره هو، عالم بحالنا وغني عن سؤالنا .
ـ عندك حق. ربنا يعديها علي خير.
ثم أخرج النفس الذي أخذه من السيجارة وهو يضيف مع الدخان الخارج من فمه وفتحتي أنفه،
ـ هو الشيطان ابن القحبة الوسخ.منه لله.أحسن حاجة أعملها دلوقتي إن أقوم أضرب الشيطان ابن الجزمة وأصلي وأدعيله يعديها بخير إن شاء الله.
أكمل كلامه وهو يدخل من الصالة إلي الحمام تاركا الزوجة تدخل إلي حجرة النوم لترتدي جلبابا كستور رغم الجوي الحار، رابطة قمطتها علي رأسها الذي تملّكه الصداع المزمن ومنهية ليلة كانت تنتظرها بشغف من أسبوع برفة من عينها الشمال جاءتها وهي تستغفر المولي قبل أن تحس بها مرة أخري في مساء اليوم الثاني وهي تصعد من عند زوجة موسي عيس إبراهيم باشا بعد أن ودعتها من علي الباب قائلة
ـ* ربنا يخليلوهلك يا أختي، ويرزقة بعيل يملي عليه دنيته ، و ربنا يعلي مراتبه كمان وكمان، قادر ياكريم .
استقبلها سيد بلهفة وهويمسك في يده بالمسبحة ويقف من فوق الكنبة لكنها أمسكت يديه وأجلسته وجلست جواره ولم تعطه فرصة لمجرد خروج السؤال الذي كانت بالفعل تعرفه ومن أجل ذلك أجابت وهي تربت علي فخذيه بعشق وخوف وأمان.
ـ خير ياخوية إن شاء الله. حاكم الستات يعرفو يتفاهموا سوي .
ثم ضربته بود وأضافت
ـ حتي أحسن منكم انتوا يارجالة.وبعدين أنا هقولك. ما أنت عارف كل حاجة.الست بتعرف تأثر علي جوزها . فأطمان وحط في بطنك بطيخة شلين.وقبل كده وكده ربك هو الحارس والمعين.
قالت الجملة الأ خيرة بناء علي رفة العين اليسري التي أحست بها وهي ترتقي السلم متمنية ان تكون ظنونها خاطئة وأن تكون العين اليمني هي ما رفت حتي يأتي الخير كما يحدث دائما.
ـ يعني الست مراته طمنتك يا أم محمود.؟
كانت النظرة في عيونه تلمع بشكل غريب مما جعل الزوجة تتأكد أن شرا مستطيرا سوف يحدث رغم أنها لا تعرف شيئا عن المستطير هذا.
ـ احنا تكلنا علي اللي فوق يابو محمود.
قالتها بحزم وقسوة وهي تشير له من تحت سطح مسلح مما جعله عز شأنه، فهو الوحيد الذي يسأل ولايُسأل عما يفعل ،يضع قناع الإقناع علي وجه المدعو ابراهيم موسي عيسي الذي يتشرف بأسماء مجموعة مختارة من رسله وهو يقول لعبد الوهاب باشا الفقي عميد أمن الوطن بمنطقة حلوان
ـ يابشا أنا بقالي شهر و13 يوم مراقبه حلو.
ثم رفع يديه في الهواء وهو يضيف:
ـ وقبل كده بأسبوعين كمان ياباشا.
ـ يعني أطلب أذن نيابة ياإبراهيم.
قال عبد الوهاب وهو يرمي بقلم علي سطح المكتب محدثا صوتا.
ـ أنا شغال مع سعادتك بقالي 11 سنة ،
ثم وضع يده علي صدره وهو يؤكد ويضيف:
ـ وسيادتك عارف إن شغلي علي مية بيضة.
ـ بس ده ملوش دوسيه في المديرية ياإبراهيم.
رد عبد الوهاب باشا وهو يغادر كرسيه ويتجه إلي الشباك المطل علي ساحة مبني أمن دولة طوارئ أمام مبني عمر أفندي بشارع منصور بحلوان.
ـ ابن جنية ياباشا.
قالها بسرعة وفي عيونه لمعة ثم حرك يديه وهو يشد القميص ويهز رأسه إلي نفسه بإعجاب ويضيف:
ـ بس علي مين أنا لبدتله في بيته لغاية متأكدت إنه بيوزع منشورات إسلامية.
ـ تفتكر ديه خلية ولا شغل فرداني ياإبراهيم؟
قالها عبد الوهاب باشا وهو يعود برأسه من فتحة الشباك ويقترب أكثر من وجه المساعد ثاني إبراهيم موسي عيسي الذي عمل في المباحث خمس سنوات ثم عمل في مبني لازوغلي ثلاث سنوات قبل أن يستقر به الحال بمنطقة حلوان منذ إحدي عشرة سنة منذ خرج من الجيش حين شاء حظه الجميل أن يخدم في سلاح الحرس الجمهوري في بداية عهد الرئيس الحالي الذي رشحه للعمل بسلك الأمن القومي.
ـ ما أقدرش أكدب علي حضرتك ياباشا،كل اللي متأكد منه هو بس.
مد عبد الوهاب يده وضرب عيسي موسي إبراهيم علي بطنه بود وهو يسأله:
ـ يعني طول المراقبة مشفتش حد معاه من ولاد القحبة اللي احنا عارفينهم وسايبينهم.
امتص إبراهيم الضربة بطريقته الخاصة التي أصبح يجيدها منذ عمل مع سيادة الرائد عبد الوهاب الفقي في مبني أمن دولة طواري حلوان وهو يردعليه:
ـ لا ياباشا.الشهادة لله مشفتش.أنا لبدتله في بيته
ثم هز رأسه للسيد العميد وكأنه يذكره بوضعه مضيفا:
ـ لكن انت عارف سعادتك، أنا مبدخلش بيت ربنا علشان.
ثم سكت قليلا وهو يبتسم في وجه العميد عبد الوهاب ويهز رأسه بكسوف منه وأضاف
ـ أنت عارف ياباشا.ربنا يكرمنا بقا لما نكبر نحج علشان يشيل كل البلاوي ديه ويتوب علينا ويكرمنا إحنا وسعادتك إن شاء الله بزيارة الحبيب علي آخر العمر.
نظر سيد الي زوجته التي أنزلت يديها ووضعتها في حجرها وهي تزوغ بعيونها من عين زوجها المتربصة بها والذي لم يجد أمامه إلا أن سألها:
ـ كلامك بالطريقة ديه ميطمنش يا أم محمود؟
قالها وقد توجس خيفة من رفعة يديها بنفس الطريقة والخوف الذي لمحه في العيون التي تزوغ منه مدعية إنها مع المولي عز وجل.
ـ ابدا والنبي يا أبو محمود، ورحمة أمي الغالية، الست حلفالي إنها هتخليه يجيلك بكرة آخر النهار يسلم عليك ويديك الإيجار كمان.
ـ قطيعة الإيجار واللي شار بيه .المهم هو خلاص؟
ـ الله يسامحك يابو محمود.
قالتها وهي تعود بعيونها الزائغة الي عيونه بود وعشق ظاهر مما جعل سيد يكتسي بالرقة والطيبة التي يشتهر بها في الحكر ثم مد يده الي رأس زوجته وربت عليها قائلا :
ـ مش قصدي ياولية.
ثم سحب يديه ورفعها في الهواء مشرعة الأصابع وهو يضيف:
ـ بس مش هو تحت؟ مطلعش ليه؟ لو عاوز يطلع؟
ـ جاي تعبان من الشغل ياحبة عيني.كان نبطشية إمبارح.
ـ الله يكون في العون.
بتلك الجملة انتهي اليوم وانتظر سيد أبو محمود ساكنه الحبيب الذي طلب من الله عز وجل أن يمنحه العون والمدد بنية صافية حتي الساعة العاشرة مساء اليوم الثاني علي أحر من الجمر مفضلا صلاة المغرب والعشاء والشفع والوتر في بيته ـ علي عكس عادته منذ أشتري عتبة بيته في بداية الثمانينات بمنطقة حكر ابو دحروج بجوار عمله ـ حتي يكون في استقباله حين يطل بسحنته الرضية المرضية في عهد دولة الأمن القومي وقانون الطواري والمادة 76 المعدل لكنه لم يطل بسحنته.
ـ إيه رأيك أنزله أنا يا أم محمود ؟ يمكن مكسوف يطلع ولا حاجة.
ـ وايه اللي هيكسفه بس يابو محمود، دانا عاملاله صنية بسبوسة هياكل صوابعه وراها.
ـ يمكن مقدرش يتصرف في الإيجار؟ ومكسوف؟.الناس لبعضيها.
ثم راح يتحرك في الصالة وهو يحدث نفسه ويلومها
ـ أنا بس إيه اللي خلاني آقوله علي المحروق الإيجار ده؟ تتحرق الفلوس علي اللي دقها. هي اللي بتخلي الواحد في نص هدومه قدام أخوه البني آدم. يارب.والنبي عفوك ورضاك عني والنبي يارب.
ثم رفع يديه في الهواء وهو يضيف:
ـ تفتكري أنزله ولا زمانه نام ؟
ـ هو مين ياخوية؟
ـ الأستاذ إبراهيم ياولية.
ـ انت شايف ايه؟
ـ ما أنا بسألك اهوه؟
ـ وترجع تاني تقولي شورتك وهبابتك .لا ياعم انت حر.
ـ انا هنزل أضرب الجرس مرتين مردش هطلع علي طول .
اكمل جملته وهو يأخذ الباب في يده.
ـ مقولتليش يابو محمود مين نعتمد ديه.
بتلك الجملة أنهي الحالة وأعود إلي حمدي الذي غضب قليلا ثم صفح عن زوج ابنة عمه وأخرج علبة سجائره السوبر وهو يعطي سيد سيجارة ويربت علي كتفه بحنية بعد أن شاهد نظرة الحزن التي امتلكت وجهه.أشعل السيجارة وهو يفكر في تجميع الجمل التي قيلت في سبب تسمية حجرة لا تقل عن 260 سنتي في 260 سنتي تحت الأرض ورغم ذلك تتسع لخمسة وعشرين ذقنا من أعداء أمن الوطن الذين أمسكت بهم قوات أمن نفس الوطن.
ـ والله ما أنا فاكر يابو عفاف ياخوية. بس كذا واحد قالوا حاجات كتيرة لما سألت السؤال ده.أنا لو كنت في وعيي كنت أفتكرت كل كلمة أنت عارفني ذاكرتي قوية بس اللي شفته ينسي الواحد اسمه .
قالها وهو يتحسر علي نفسه بطريقة مأساوية مفرطة مما جعل ابو عفاف يقف علي حيله ويأخذه في حضنه بود وخوف مما أعطي سيد فرصة لإنزال دمعتين من دموع الرجولة التي تتطلب دائما ساترا لتنزل خلفه.عاد إلي كرسيه بعد إن مسح عيونه وهو في حضن أبوعفاف الذي تظاهر بعدم رؤية الدموع التي نزلت علي كتف جلبابه رغم أنه الوحيد بعد الملاك الذي كان هناك .
ـ واختي أم محمود متصلتش ليه؟
ـ هي كانت تعرف أنا فين من الأساس علشان تتصل ولا تجيلك ولا تروح لغيرك.
ـ بس انت أهوه بتقول إنك كنت في بيت نعتمد. وده معروف هناك قدام عمر أفندي علي طول.
ـ ده بعد أربع تيام قضيتهم بعيد عنك في لزوغلي .بس إيه التوضيب صح عارف أنا رحت اكشف بعد ماخرجت اولت إمبارح متململ، ويومين في البيت مش عارف اصلب طولي وجسمي كله مفهوش حته سليمة تفتكر الدكتور اللي لهف أربعين جنيه وكشف علي قال لي إيه؟.
ـ قال أيه؟
ـ خمن كده ورحمة أبوك.
ـ إصابات من الضرب وحاجات زي اللي حكتهالي وإحنا جايين نقعد هنا .كده يعني.
قال حمدي وهو يحرك يديه في الهواء وكأنه يشد خيطا بين يديه يمر علي بكرة في منتصف المسافة.
ـ والله العظيم تلاتة يابو عفاف قالي جسمك سليم وعشرة علي عشرة وإن اللي حاسس بيه وفيّ قال إيه ؟ نفسي.
ـ ياراجل عيب قول كلام غيرده.أنت فاكرني داقق عصافير.
ـ يعني أحلفك بالعظيم تلاتة وانت برضو تقولي داقق عصافير مش عيب علي علامة الصلاة ديه برضو.
قالها بغضب وبلوم وهزة يد علي رأسه.
ـ مش قصدي ياراجل أنا بس مش مصدق إنهم يضربوا فيك أسبوع وكل الحاجات الغريبة اللي عملوها معاك وفي الآخر الدكتور يقول نفسي .
ثم وضع يده علي حنكه المفتوح بسرعة ونزل باليد علي الفم محدثا مايشبه الصوت واتبع الصوت بسرعة وأضاف
ـ ويلهف أربعين جنيه حق كيلو وربع لحمة.
ثم هز رأسه في الهواء وهو يرفع يده ويسقط بإصبع علي جبهته وهو يكاد يحدث نفسه
ـ لا .ديه حاجة متخشش الدماغ.
ثم أنزل اليد وضرب بها علي فخذه وعلي وجهه يرتسم الفكر ونظر إلي سيد وأضاف
ـ متتعقلش . واحد وزي ما أنت كنت شايف نفسك كده .متأخذنيش في الوصف، مضروب، ومتكهرب، ومت...نيل خالص، زي ماحكتلي. وفي الآخر الدكتور يقول نفسي.لا بقي .ده الواحد لمؤاخذة ياشيخ سيد يشخر.الكلام ده مايدخلش علّيّ ولا يدخل ذمتي بقرش تعريفة .
ثم وقف وأخرج علبة سجائره وأعطي سيد سيجارة وأشعلها له ثم خطي خطوات وفي رأسه يتشكل المشهد وقال وهو يخرج النفس في الهواء سريعا قبل أن يتبعه بنظره وكأنه يسحب معه أفكاره
ـ اسمع ده لازم عارف انت كنت فين ؟
ثم أنزل يده التي كانت تؤكد في الهواء علي الفكرة التي طرقت في رأسه ويعود الفضل فيها الي أفلام نجمة الجماهير في عصر الجماهير وزوجها المنتج والمهمات الكثيرة التي أخذتها علي عاتقها بداية من عماد حمدي حتي وصلت الي تل أبيب وأكمل:
ـ وخاف يديك تقرير ولا حاجة علشان لو حبيت ترفع عليهم قضية تعذيب زي اللي بنشوفها في أفلام الست نادية الجندي أو الست نبيلة عبيد، ميدبس فيها يا أبو محمود.
ـ تصدق إني مفكرتش في كده خالص.
قال سيد بدهشة وكأن صديقه قد أمسك بسهولة بحلقة ناقصة كان يبحث عنها طوال الأيام الثلاثة الماضية منذ عاد من عند ذلك الطبيب ثم أضاف وهو يهز رأسه ويقتنع أكثر بكلام صديقه ـ برضو.مش بعيد ياحمدي.اللي خلاهم دلوقتي بيكشفوا علي الورق ويقولوا إذا كنت مسكت الورق ده بإيدك قبل كده ولا لا، هيغلبوا في الدكتور اللي منه لله .
ثم نظر بألم وحزن علي حال المسلمين وتصعب علي سذاجته وعلي فراسة ابن عم زوجته وأضاف في رجاء
ـ طب كانوا يرحموا وميدفعونيش فلوس كمان.
ثم نظر إلي الفراغ والحزن يعتصر قلبه علي ماحدث له وعلي ضياع الأخلاق والفلوس والبهدلة التي تعرضت لها زوجته وكاد أن يشكي هوانه وقلة حيلته وضعفه ثم تساءل :
ـ بس هما كانوا يعرفوا منين إني هروح لسعيد أبوطالب في عيادته اللي في المعصرة يابوعفاف؟
وكأنه وجد بغيته التي كان ينتظرها علي أحر من الجمر فوقف وتحرك بهدوء في ثوب العلماء واقترب منه ووضع يده علي كتفه وقال.
ـ وديه حكاية ياعم سيد.
ثم رفع يده خوفا من إرهاق صديقه الذي ربما نزل من نظره كثيرا لو لم يسأله السؤال الذي خطر في باله وهو يحكي فكرته ووجد له مخرجا لايقل روعة عن مخارج مخرجي أفلام عوكل أو الارهابي ثم نزل بنفس اليد بهدوء وهي يلمسه فقط ليكون معه وأضاف.
ـ كانوا مرقبينك ياعم سيد، وفيه عربية ماشية وراك، بسيطة يعني.لقوك دخلت عند المحروق أبو طالب دخلوا، وواحد فيهم عمل عيان مثلا ودخل قبلك وطلع الكرنية بتاع أمن الدولة لابو طالب بتاعك ده، وفهموه يقول إيه.لوأي حد في مكانه ولو هو مين هيدي تعظيم سلام. حد قد بتوع( نعتمد) ياقريبي. أنت عارف إن الأمريكان بجلالة قدرهم بيبعتوا ضابط من عندهم تاخد فرقة في أمن الدولة زي الفرق اللي كنا بناخدها واحنا في الجيش، ياعم احمد ربنا وبوس إيدك وش وضهر إنها عدت علي خير وفي ستين داهية نص البيت اللي اتنازلت عنه لعم إبراهيم موسي عيسي اعتبر نفسك مبنتش غير دورين .
واضح كده إن مش المهرج بس اللي عاوز يوديني ليهم علي الجاهز.دهوه سيد وابوعفاف بيوصفوا اللي هشوفه بعد كده.والدليل علي كده إنهم اختاروا منطقة حلوان التي أسكن بها. كما أن المدعو أبو عفاف قال جملة في النهاية تودي أبو زعبل عدل. لان ده محصلش خالص وسيد قاعد في بيته هناك اهوه وبالأمارة رقم 64 بشارع الملك إبراهيم بحكر ابو دحروج. آه الأستاذ عيسي موسي إبراهيم احتل الشقة وخدها تمليك بس شقة مش دورين

تعليق من سعيد نوح الذي حشر دون قصد
* ليس ذلك فحسب. لا دول كمان مختارين اسم (نعتمد) المشهور جدا بداية من قسم الأزبكية مرورا بكل أقسام المعمورة وأنا شخصيا أتعزمت عند بيت خالتي( نعتمد) قبل كده. ومش مكفيهم كل ده لا دول مشاورين علي مبني عمر أفندي اللي قدام أمن الدولة عندنا فعلا.
ليس ذلك إلا حبس.

9


المحروس من العين السيد الشحات.هكذا صمم السيد الشحات أن يسمي ابنه. بعد أ ربعة أبناء وبنتين غير سقط لم يتم التعرف علي نوعه جاء المحروس، كما قالت الجدة التي كانت تعرف اليمين الأخير الذي أطلقه المعلم السيد الشحات العربجي ومن أجل ذلك أمسكت بابنتها فردوس وذهبت بها إلي مولاها أبو الطرابيش بمنشية جمال عبد الناصرفي العاشرة من صباح الجمعة وانتظرت معها حتي ارتفع آذان ظهر الجمعة وتركتها تدخل مع أطفال حديثي المولد في مقام المحروس محمد بن عبدالله بن إبراهيم بن..............بن عرب شاه الشهير بأبي الطرابيش
وتستمر في إسكاتهم حتي يسلم الإمام ويختم صلاته. يومها نذرت أن يكون اسم المولود المحروس علي اسم مولاهاالشهير بأبي الطربيش.
من العين كانت تلك إضافة الأب التي استمرت تؤرق حياته حتي يومنا هذا.
قال المهرج وهو يفرج عن ابتسامة خبيثة.
ـ ياعم مفيش حاجة اسمها من العين ديه. خلصني الله يسترك وراك طابور.
قال بطرس أفندي عبد الرسول كما ينادونه في الوحدة الصحية.
ـ يعني إ يه مفيش يافندي أنت؟ أ نا حر أسمي ابني زي ما أنا عاوز إن شالله أسميه كارتر ولا ريحان حتي.
ـ اسمه ريجان ياجاهل. وبعدين فيه كارتر لو عاوز. أنا كتبت بإيدي دي .
ورفعها في الهواء وهو يكمل.
ـ أربع عيال اسمهم كارتر.
ـ لا والله فكيه الأخ. اكتب وخلصّنا بدل ماروح أعمل تلغراف لوزير الصحة أقوله فيه إنك رافض تكتبلي ابني في المواليد.
ـ روح ياعم اشتكي في رئاسة الجمهورية مش الصحة بس.
ـ خليكم شاهدين أهو علي الأفندي مش عاجبه وزير الصحة ولا رئيس الجمهورية الجديد.
قال المعلم السيد الشحات أبو اليزيد العربجي وهو يمر بيده علي بعض أجساد الواقفين في الطابور.
ـ لوسمحت علشان اللي بعدك.
قال بطرس وهو يزيحه من أمامه بقرف.
ـ سلام عليكم.
قالها السيد الشحات وهو يرفع يده عاليا وذهب الي السنترال وكتب تلغراف لوزير الصحة
بناءً علي نصيحة عبد العظيم محمود الشيخ كاتب المحكمة الذي يسكن جواره والذي فتح عيونه علي كيفية أخذ حقه من الحكومة.لم يمض أكثر من سبعة أيام كما حدد له عبد العظيم الذي أمسك بيديه في صباح اليوم الثاني الذي رفض فيه بطرس أفندي كاتب الصحة كتابة المحروس ودخل به إلى السنترال مرة أخري ليكتب ستة تلغرافات صورة طبق الأصل من التلغراف الأول المكتوب للسيد رئيس الجمهورية الطازة والذي أعلن في خطبته العصماء أنه لن يحكم هذه البلدة الكئيبة أكثر من دورتين إلا ووقف بطرس عبد الرسول نعيم موظف الصحة ذاته أمام عشته التي يحوط عليها في أرض ملك الدولة بحكر ابو دحروج وفي يده شهادة ميلاد المحروس من العين السيد الشحات أبو المعاطي وهو يطلب منه أن يسامحه ويعفو عن خطئه في حقه.
نشـأ المحروس في ظل رعاية تخاف عليه من الهواء الطائر حتي أنه كان كثيرا ما يحلم باللعب مع أقرانه في حكر ابو دحروج أو مع أولاد عمه إبراهيم الشحات الشهيربأبي ليلي.قبل أن يشتهر بالكتف. في الأوقات القليلة التي كانت تسمح فردوس أمه له باللعب تحت نظرها كان يتفنن في صنع (قمشة) كرباج عبارة عن عصا طويلة مربوط بها من نهايتها أستك ، ويروح يضرب الكراسي والكنب قائلا بصوت رفيع وقاسي:
ـ حاه يا حصان.
كان يقولها بشوق عارم للإمساك بالكرباج الأصلي الذي يمسكه الأب ذاته ويتركه خلف الباب بمجرد دخوله قبل أن يجري إليه المحروس ، ويمسك به وكأنه أمسك بحلمه الأزلي.
مرت سنوات عشرة وهو محبوس في البيت دون أن يصنع شيئا غير الأكل والتبول والتبرز ولحظات قليلة يمسك فيها بالكرباج الذي أصبح يتفنن في صناعته كما أصبح يجيد العزف به علي الكنب والكراسي تماما .أخير وبعد الاطمئنان عليه أطلقه أبوه ليتدرب علي عربة عمه الكارو الصغيرة قبل أن يقرر وهو في سن السادسة عشر أن يدشن عربته الجديدة والتي كتب علي حوافها بخط رقعة جميل المعلم جمال ( بلف ) خطاط العربات الكاروا بعرب كفر العلو بعد أن زينها باللون الأحمر والأخضر الزرعي ورسم علم جمهورية مصر العربية مرتين علي الجانب الخلفي للعربة من الأطراف وبينهما كتب بلون أزرق " ملاكي المحرس من العين رقم 13ـ 10ـ 1981القاهرة" .
ومن ذلك الرقم نعلم أن المحروس من العين قد جاء إلى الدنيا وحيدا لأب كان قد أقسم علي الزواج بأخري لو أتت له زوجته فردوس بطفل آخر يحمله بين يديه لمرة وحيدة وهو في الطريق إلى المدافن في يوم تنصيب السيد رئيس الجمهورية الجديد دائما. وشاهدت الخطتين الطموحتين الأولي والثانية طفولة المحروس الذي رفض أبوه أن يدخله المدارس ووهبه للمعلمة. وفي منتصف الخطة الثالثة كان المحروس قد بدأ تدريبه علي عربة كارو صغيرة بحمار يشبه حمار سنشو بنثا حامل سلاح النبيل دون كيخوته دلامنتشا وعندما بدأت الخطة الرابعة دشن المعلم السيد الشحات وبجواره أخوه الأكبر إبراهيم الشحات الشهير بإبراهيم الكتف وفي وجود كوكبة من العربجية وزوجاتهم وأبنائهم الذين كانوا كالمحروس يتفنون في صنع (القمشة).
نزلت العربة يجلس فوق حصانها ـ الجر ذي الذيل الأحمر من دم الخروف الذي ذبح تحتها قبل أن تتحرك خطوة واحدة ـ المحروس وهو يمسك بابنة عمه ليلي والتي وُهبت له كعروس طاهرة سيدخل عليها بعد ذلك في نهاية الولاية الرابعة للرئيس الذي لم يعد يتذكر أرقام الخطط التي وضعها من فرط تداولها وصار يطمع فقط أن يكلل الله مجهوده بأن ينال الولاية السادسة ليصبح سادس الخلفاء الراشدين بعد أن أقنعه أحد معاونيه أن عمر بن عبد العزيز قد ضحك عليه ولهف منه الولاية الخامسة للخلفاء الراشدين .كانت العروس ليلي قد قدمت هدية لزوجها المستقبلي وابن عمها قبل أن تركب أمامه علي الحصان ، هذه الهدية عبارة عن كرباج سوداني مشغول اليد ومكتوب عليه بلون مخالف للون الشغل
( ولي فيها مآرب أخري )
وتحتها بخط آخر ووسط قلب يتخلله سهم
( ليلي والمحروس إلى الأبد)
يؤرخ بعض قاطني حكر ابو دحروج بأن ذلك اليوم الذي تمّ فيه تدشين عربة المحروس من العين هو اليوم الأول أو علي وجه الدقة هو المساء الأول الذي ظهر فيه البانجو بالحكر بتلك الطريقة. وللحق حتي لايشكك أحد في حكم هؤلاء المؤرخين ويقول إن البانجو قد ظهر قبل ذلك بأعوام وهو صادق لا شك لو كان المؤرخون قد اكتفوا بظهور البانجو فقط ولكنهم كانوا واضحين أشد الوضوح حين أضافوا جملة بتلك الطريقة. فهم يؤرخون لطريقة وضع البانجو في أطباق ملامين فوق أكثر من ثلاثين عربة من عربات الكارو لأي شريب جاء يجامل المحروس في حضور مطرب حلوان الشهير المرحوم رمضان البرنس الذي فقدته مصر إثر تعرضه لحادثة بعد أن أحيا أحد الأفراح في محافظة الشرقية بعد أن تناول شجرة بانجو كاملة لوحده كما يشاع ،وكان المعلم إبراهيم الكتف قد أتي بشوال منه للاحتفال بطهور ابن أخيه المحروس الذي لم يختن إلا في ذلك اليوم علي مسمع ومرأي من نسوان العربجية العجائز أهله وعشيرته، وذلك بعد أن لهف ما يقرب من شجرتين كاملتين من غير البذر.كان المحروس لا يستطيع الحركة من أثر يد عمه الكتف فقط ، كما لا يستطيع الكلام والصراخ من أثر البانجو الذي أصبح كالشلجم في فمه ومن هنا ظهر اسم الشهرة الذي صار يلقب به بعد ذلك. كان الألم الذي يشبه وضع سيخ محمي فوق منطقة حساسة مثل تلك المنطقة هو ما جعله يرد علي عمه إبراهيم الذي راح يسأله بعد أن أتمّ عوض الحلاق مأموريته العجيبة كما أصبح يطلق عليها وهو يحلق لزبائن أبو دومة وربما يرجع الفضل إليه في انتشار لقب المعلم المحروس من العين والذي كان في غني أي لقب بعد أن عهد إليه الأب المعلم السيد الشحات بلقب هو أشد إحكاما من لقبه الجديد
ـ إيه يا معلم محروس.حاسس بإيه يا جوز بنتي؟
سأل المعلم الكتف.
ولما كانت الدماء تسيل ما بين أفخاذه ساخنة مازالت وهو يفرشخ قدميه علي العربة الجديدة أمام البيت بعد أن وضع عليها مرتبة كنبة ومخدة تحت رأسه وهو يمسك بيد مرتعشة بجوان من البانجو الخالص ويأخذ نفسه ويحاول كتمه كنصيحة من أم العروس التي أطمأنت كثيراُ وتأكدت أنه يشبه عمه وكادت أن تحذر ابنتها التي لم تكن موجودة نظرا لتكاثر الرجال والنساء العجائز اللائي لم يعد لديهن شيئا يخفن عليه وصرن يتحللن من ارتداء أي شئ يحمل نجاسة ولكنها أجلت ذلك الكلام حتي يحين موعده إن شاء الله. أراد المحروس أن يرد عليه ويقول له أن سيخ محمي يسكن الآن في أعلي شيئه. ولكن البانجو الذي قد أتي ثماره علي فمه جعل الكلمات تخرج ناقصة ولا يفهم منه شيئا ذا بال مما جعل الكتف أبا ليلي يقول له باستنفاذ صبر نتيجة التهتهة التي أحدثها المحروس:
ـ بتقول إيه يا معلم؟
أشار إلى الحديد الذي يظهر من صبة الدور الأول وحرك يديه في الهواء ثم حركها علي خصره ليوضح ما يريد أن يقوله.
ـ بيشاور علي الصبة ياجدعان.
قال أحد المهنئين والذي كان قد لف سيجارة جديدة من البانجو الخالص وأشعلها ثم دفسها في حنك المحروس كتحية طائرة من أحد أقربائه ، أخذ نفسا من السيجارة ثم قال والسيجارة مازالت في فمه:
ـ الحديد اللي في المشلح اللي هناك ده.
ـ المحروس بيشاورعلي المشلح وهو مشلح يارجالة.
قالها الكتف وهو يكاد يغمي عليه من الضحك ثم صارت لقب المحروس الذي لم يعد من العين بل صار المحروس المشلح رغم أنه حتي الآن يجدد العربة المرسوم علي زاويتها الخلفية علمين لمصر يقف بينهما ملاكي المحروس من العين رقم 13ـ10ـ1981 القاهرة .

جمال عبد القادر الجلاصي
07/05/2007, 12:54 PM
الروائي الكبير سعيد نوح:
أنتظر بقية الرواية بشغف
قاتل الله المشاغل التي تمنعني من إنهائها اليوم

تقبّل فائق الاحترام