المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف تتعاطف الضحية مع الجاني ؟!



هويدا صالح
01/03/2007, 05:19 PM
مرفت
دخلت الصغيرة من الباب الذي يفصل الدكان عن المخزن وباقي البيت ، كان والدها واقفاً خلف البنك الخشبي ينظر يميناً ويساراً ، ثم يمد يده يقرص نفيسة العايقة التي تساعد أمها ، وتذهب إلي السوق والطاحون بدلاً عنها ، ضحكت المرأة في غنج وضربته علي يده ، مد يده بلفة الحلاة يسترضيها ، أخذتها من يده ، وهزت كتفيها وحركت حاجبيها وانصرفت ، ناداها ، فعادت إليه واستندت بكوعها علي البنك الخشبي وقالت في دلع :
ـ عايز إيه تاني
ـ الحاجة عايزاكي ادخليلها .
ابتسمت ونظرت إلي الصغيرة الواقفة خلفه وقالت :
ـ بعد الضهر لما أغدي العيال .
فوجئ الرجل بابنته واقفة ، نظر إليها بغضب أمات الكلام علي شفتيها ، لا يعرف منذ متي هي واقفة مكانها ، لكنه صرخ فيها أن تدخل إلي البيت ، ولا تخرج إلا حينما يناديها ، ارتعبت البنت ودخلت مسرعة ، بكت لأمها حتي تسمح لها بالذهاب إلي صديقتها سلوي . أشفقت الأم علي ابنتها ولكنها لم تفهم سبب بكائها . سمحت لها بالذهاب إلي منزل سلوي الذي لا يبعد عدة أمتار عن منزلهم .مرفت تحب الذهاب إلي صديقتها ،تحسدها أحيانا علي كيفية معاملة والديها لها . تقارن دائما ـ في سرها بالطبع ـ بين أمها ووالدة سلوى،تعشق الاحترام الذي تتحدث به عن والدها. تعجب حين تسمعها تتحدث عنه ، تقول في وجل الشيخ عمر يغضب لوتأخرت يا سلوي ، تتذكر أمها التي لا تمل الدعاء علي أبيها ، حين يضربها ويخرج إلي محل البقالة . لا يفوّت أبوها فرصة يغازل فيها النساء اللاتي يأتين إليه في الدكان .كثيرا ما تمنت موته ومرات أكثر تمنت أن يصير حنونا فقط ، بكت كثيرا في حلقات الذكر التي يقيمها الشيخ عمر . ووعدت الله إن هو أصلح حال والدها ستصلي كل الأوقات وتصوم كثيرا ، ولم يفعل . حين تذهب إلي سلوي لا تقدر أن تقاوم رغبتها في دفن جسدها في حضن والدتها ، التي تقبل عليها باسمة وتحتضنها كما أمها ، أمها لا تحتضنها أبداً . من أين تأتي بالحنان هذه المرأة التي لا يمل زوجها من إهانتها حتى أمام ابنتها ؟ حين يقام الذكر و يعلو صوت الذاكرين بقراءة الفاتحة محبة في النبي، ترفع يديها خاشعة وتدعو الله مجتهدة أن يرحم أمها ويعفيها من الإهانات الدائمة من والدها، ولما تنتهي من قراءة الفاتحة تتمتم بدعواتها الخاصة ، ثم تمرر كفيهاعلي وجهها، وتردد بصوت مخنوق :
ـ آمين
وحين تنقطع إهانات والدها فترة تفرح ، وتوفر من مصروفها قروشاً قليلة وتشتري شمعتين وتذهب خلسة إلي مقام الشيخ " علي " صاحب المقام المضاء دوما ، تشعلهما ، وتشكره لأنه أصلح حال والدها . كثيرا ما كانت تحلم بموته ، تقوم فزعة وباكية ، وتواصل الدعاء للشيخ وتعده بشموع كثيرة في المرات القادمة ، وحين يلازم أبوها الفراش تحزن وتشعر بالذنب يأكل صدرها لأنها تراه ميتا دوما في أحلامها كثيرا ما نظرت وفاء إلي زوجها نظرة مشفقة لغضبه الدائم منها الذي لم ينته يوما . هو يغضب من أشياء لا تفهمها ، لماذا لم تتفهم عالمه . هي لا تدرك كيف يغضب كل هذا الغضب لأن فريقه الذي يحبه لم يحقق النصر ؟ من أين يأتي بهذه الطاقة حتى يصرخ هكذا لأن لاعبا أضاع فرصة علي الفريق؟ أما كان أولي به أن ينتبه لأبنائه ويربيهم معها ، بدلا من تركها هكذا وحيدة تحارب في كل الجبهات ، أما كان الأولي به ألا يمثل هو وحده أقوي جبهة تحارب فيها ؟ لماذا لم يغفر لها قسوتها معه قبل الزواج ؟ ألا يدرك أنه يقهر روحها كل يوم مئات المرات حين يجدها تسرع إلي مرسمها ، لتجلس ولو لحظات أمام لوحتها التي لم تنهها بعد ، ينظر إليها بحقد ويخبرها أنه يوما سيحرق لها كل هذه اللوحات ، وهي تنسحب من أمامه خائفة ، تعرف تماما أنه قادر علي فعلها ولولا محاولاتها المستميتة في التذلل إليه ،لفعلها،ومع ذلك تتعاطف معه وحين تجده حزينا ، تتمني أن تجلس بجانبه تأخذ رأسه بين نهديها، وتضمه إليها ولكنه يحرص كل الحرص علي ألا يعطيها هذه الفرصة، فيصدها بيد قاسية فتخجل من محاولات التقرب إليه ، وتعود ثانية صامتة ، لا تتحدث إلا إذا وجه إليها الكلام ، ولا تكترث لمحاولاته الدائمة التي يسفه فيها من أفكارها ومشاعرها ، بل تتجاهل هذه المحاولات وتنصرف إلي أبنائها ، كنزها الوحيد الباقي ، تعتني بهم وتغرس فيهم بعض روحها ، ومع ذلك تلتمس له العذر أحيانا وتلوم نفسها لأنها تتمنى موته ، وتردد لنفسها :
ـ علي الأقل لا يشعر الأولاد بأنهم أيتام