المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطيشة



مختار محمود
11/03/2010, 11:43 AM
الطيشة
قصة قصيرة بقلم : مختار محمود عبد الوهاب
لا يوجد مكان يستوعبهم ويقبل تجاوزاتهم غير البوابة ، الجامع شرقاً والدوار شمالاً ، ودكان خالتك بطة غرباً ، والجنوب الطريق المؤدي إلى الجسر وجزء من حانوت صغير لجزار لم يتجاوز ذبحه عجل لبني أو خروف كبير ، وأنا الجالس على حجر الجير أمام هذا الحانوت ؛ كومة من لحم ، وعينان ضيقتان ترصفان كعيون هرٍ ينتابه خوف وجوع .
كانت الأصوات المتعالية والغوغائية لا تنقطع إلا بإرادة عبد الله أبو معاطي ، الذي يمت لي بصلة قرابة ، صاحب الرأس الكبير المستدير ، والرقبة القصيرة والأقدام المفلطحة الحافية ، والذي يستطيع كبح جماح أي صوت معارض يحاول الفركشة أو الفشكلة ، كنتُ دائماً أحتمي به ، ودائماً لا يعتبرني واحداً في فريق بل طيشة لا ثقل له أو وجود .
" هنلعب إيه ؟ "
قالها ورفع سبابته وحركها إلى أعلى وأسفل ، وفي نيته ألا يوافق على أي لعبة يقترحها خيري فوزي أو أحد أتباعه ، حتى لا يسيطرون على مجريات اللعب ، فيصبح غير ذي رأي في العملية ككل .
اقترح خيري وأخرج منديلاً من جيب البيجامة السفلي الأيمن ، ورفعه في وجوه الواقفين ملوحاً به ، والنظرات تتجه ناحية الرأس الكبير المستدير ، لترى رد فعله ، فيسحب شهيقاً طويلاً وبصوت قبيح يعلن :-
" إنت بتجيب حاجات ما بنعرفش نلعبها "
" لعبة حلوة " قلتُ ولدي قناعة أنني لن ألعب في أي الفريقين
يتمخط عبد الله و يتفل في اتجاهي على الأرض ، ويطلقها صريحة " لأ شوفوا لعبة تانية ... دي لعبة صعبة "
" دي سهلة ... أنا الحكم وقسم فريقين " قال خيري ليقرر الوضع القائم ، ويفرض سلطانه على الوقوف ، هز عبد الله رأسه رافضاً الاقتراح ، وتحرك ناحية عمود الإنارة بجوار دكان بطة ، والجموع الراغبة في اللعب تحركت لتتحلق أمامه ، انكسر خيري وقرر ألا يشاركهم أي لعبة لا تكن من اقتراحه .
" استغماية " قالها جلال مظهر من بعيد فأعجبت بها ،أعلم أنه لا أحد سوف يأخذني في فريقه ، غير أنني سأجري كطيشة ،هتفت مصفقاً " استغماية والعرب جاية "
" بطل ياله إحنا هنعيل " قالها عبد الله ، ودفعني بيده فتكورت وسط الجموع ككرة شراب . التي نهرتني بدورها منقادة لرأي الزعيم المفتري عليّ ، وأنا الصغير المضطهد لا حول لي ولا قوة ، وأرغموني على ترك الحلقة ، والجلوس على مصطبة الجامع دون أن أحدث صوتاً أو أتدخل في اللعب .
بسروالي الدمور وفانلتي الحمراء المهترأة تحركتُ من المنطقة المضيئة تحت عمود النور إلى مصطبة الجامع ، ووضعت ساعدي على وجهي مخفياً دموعاً تهطل ، وكاتماً لصوت بكاء سيصدر عني لا ينقطع ، ولن أقدر على منعه ، دونما اعتراض جلستُ ورأسي على راحة يدي اليمنى ، فتاهت ملامحي في الظلام ، اقترب خيري بخطواتٍ حذرة ، وربت على ظهري ، وأسر إلى أن أقذف عبد الله أبو معاطى بزلطة كبيرة تشج رأسه ، أو ألعن والديه على رؤوس الأشهاد ، وأنطلق ، وسوف يدفع عني أي أذى جراء ذلك .
فكرت قليلاً ، واتجهت ناحية عبد الله وأخبرته بما أسر به خيري ، فشاط غيظاً ، وواجه خيري بما قلت !!
" دا كداب وابن كلب " قالها خيري واتجه ناحيتي ، يكور يده استعداداً لإرسال لكمة لوجهي الصغير الذي يشبه التعريفة الفضية في استدارته ، بينما كان عبد الله يبالغ في ركل جانبي الأيمن ، وهو يردد " الله يخرب بيت أمك ، عايز تقوم حريقة "
............................................ من فضلك إذا تعثرت في شيء مكوم على الأرض فترفق به ، لعله يكون قشقش ابن خالتك صديقة بائعة الجبن الذي هو أنا - الطيشة - .

حماده الفرا
14/03/2010, 11:30 AM
أضحك الله سنك يا أستاذ مختار

أعدتني الى شقاوة الصبا

وجمال الحارة ...... ولكل حارة زعيم طبعاً

أعدتني لحروب الحارات ..... والمناورات السياسية

دمت مبدعاً

حبي واحترامي