المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : واقع أمركة الإعلام العراقي الجديد



المهندس وليد المسافر
16/03/2010, 07:18 PM
واقع أمركة الإعلام العراقي الجديد
تعتبر وسائل الإعلام الأمريكية كالصحف والقنوات التلفزيونية والأنترنت من الواجهات المهمة في تقييم وتسيير السياسة الأمريكية والداعمة لها، وبرغم سيطرة شركات كبرى يمتلكها أشخاص مهنيون ومختصون على تلك الوسائل الإعلامية التي تضع الربحية فوق الأمانة الصحفية والمهنية إلا أننا نجد واضحا بأن تلك المؤسسات تعمل جنبا الى جنب مع مؤسسات عسكرية وسياسية وأقتصادية لقيادة سياسة أمريكا داخليا وخارجيا، فالأنتخابات الأمريكية تستنفذ ملايين الدولارات من الخزانة الأمريكية سنويا ليس لشراء الأصوات والتأثير على الناخب، بل للأنفاق على أكبر الدعايات الإعلامية الموجهة للعالم، وبالتالي فإن تلك الأموال تذهب الى جيوب أصحاب تلك الشركات الإعلامية كأرباح خيالية والتي تتخذ من نزاع الصقور مع الحمائم مكسبا إن كانت خسارة أو فوز، فليس المهم من سيتربع على عرش أمريكا، بل المهم أن تكون تلك العملية كنزا لاينضب في ظل عطش شعبي ساذج للدعايات والأعلانات التي تشتد أوزارها كلما قرب موعد الأنتخابات.
أعتمدت السياسة الأمريكية وفي شخص رئيسها منذ أنتهاء الحرب الأهلية على أسلوب الخطابة وحشد الجماهير لتأييد هذا الرئيس أو ذاك، فالوجوه تتغير ويبقى الشعب الأمريكي مصفقا للقادمين الجدد، ومهما تكن صفات ذلك الرئيس فلن يكون عليهم إلا الدعم والأسناد حتى ولو كان ذلك على حساب أبنائهم الذين يعبرون المحيطات من أجل حرية زائفة وتحرير أرض من أصحابها الشرعيين.
عملت تلك الدوائر الإعلامية على تزوير الكثير من الحقائق والمفاهيم، فقلبت الألوان قبل أن تقلب الحكومة الأمريكية الطاولات على حكومات الدول الغير منصاعة لسياستها، فرفعت شعارات الحرية والديمقراطية منذ الخمسينات من القرن الماضي، وتسلقت بهذه الشعارات على معاناة شعوبا ودول وحكومات، وأستخدمت أبشع الوسائل الدعائية لتقديم المعلومات المفبركة وغير الحقيقية لتنظم مؤسسة هوليوود لتلك الآلة الإعلامية للترويج من خلال سيناريوهات الأفلام التي تمجد بالجندي الأمريكي حتى ولو كان قاتلا للأجنة في الأرحام، وتقديم نموذج البطل الأوحد الذي لايقهر، مع أقتناع غريب من قبل حتى بعض الشعوب التي دمرها أبناء جلدة ذلك البطل الأسطوري، الذي صورته المؤسسة الإعلامية الضاحكة على ذقون البشر على إنه المدافع عن الحريات ضد الظلم والطغيان، وهنا تتوضح معالم قناعة الشعب الأمريكي بتلك الوسائل الدعائية لتصبح سذاجة غير مبررة على الأطلاق عندما ينتخب سكان كاليفورنيا لنموذج البطل الأسطوري آرنولد شوارزنيغر كحاكم لولايتهم وهو لايتمتع بأي خلفية سياسية تؤهله لهذا المنصب، فقد ساهمت أفلامه في محاكاة العقلية الأمريكية وخداعها بسهولة من خلال أفلام جنت منها تلك الوسائل الإعلامية أرباحا بملايين الدولارات لتعود فتستغل ذلك الممثل في أدخاله المعترك السياسي المدر للأرباح أيضا.
أما في الحرب الثلاثينية على العراق فقد وصلت تلك الدوائر الإعلامية الى ذروة خستها ودنائتها بتصوير العراق وكأنه الخطر المحدق بالكرة الأرضية، وتتابعت الأكاذيب ليشترك في ترويجها رئيس أمريكا بوش الأب ثم كلنتون ثم بوش الصغير فيتبعه وزرائه ليمثلوا أدوارا هوليودية رخيصة لايقبل بها ممثل ثانوي أو كومبارس في عرض مخزي لمواقع الصواريخ المهددة للعالم المتحضر والتي لم يجد لها الغازون أثرا، ولكن العالم يصدق ويتابع وهو متعطش لتلك الأكاذيب التي تنطلي عليه، فيحشدون الأمم ضد العراق في سابقة خطيرة من الكذب والدجل والخيانة المهنية للصحافة والإعلام.
في تلك المرحلة بالذات يتعاظم الوجه الشيطاني للسياسة الأمريكية ليسخر مجموعة من حملة الجنسية العراقية وغيرهم من متعددي الجنسيات الذين تعهدوا بخدمتها تحت علم الدولة المانحة لتلك الجنسية، سخروهم لمهاجمة العراق أعلاميا في أضخم حملة شنت في تأريخ الصحافة والإعلام، فأبتكروا من ضمن ما تفتق به عقلهم المريض كثيرا من الأكاذيب منها المقابر الجماعية وحلبجة والقنابل الكيمياوية والبالستية وغيرها الكثير من القصص التي حوكم على جرائها قادة العراق الوطنيين وأعدموا بسببها، بسبب تلك الفبركة الإعلامية التي أنطلت وتنطلي حتى على المثقفين والإعلاميين أنفسهم بالرغم من كشفهم لأسلوب السياسة الأمريكية المراوغ والماكر.
كانت ضربة المركز الإعلامي في فندق الشيراتون من قبل القوات المحتلة في أجتياح بغداد أيذانا ببداية حقبة جديدة من الإعلام المتحيز والمفبرك لتهيئة الأجواء لأطلاق مجموعة هائلة من الفضائيات والصحف الممولة أمريكيا لتسيطر على المشهد الإعلامي العراقي مقابل القليل جدا من الهيئات الصحفية والفضائيات التي تنقل الحقيقة دون تجميل أمريكي أو تزوير لحقيقة الأحتلال، وبهذا تمت عملية أستنساخ للسياسة الإعلامية الأمريكية في العراق وبدعم من نفس الشركات الإعلامية الكبرى ليتحكموا من خلال بائعي الضمير من العراقيين في حقل الإعلام ليدافعوا عن المشروع الديمقراطي في العراق.
على مدى سني الأحتلال عملت الآلة الإعلامية المستنسخة عن سيدتها الأمريكية وعمدت الى نقل وقائع الإنتخابات غير الشرعية في العراق وكأنها النموذج المثالي لديمقراطيات العالم، متجاوزة بذلك تدني مستوى الأمان ومستوى الخدمات وأنتشار الفوضى والفساد الإداري والسرقات وتهريب النفط وتفشي المخدرات لتركز على سير العملية الإنتخابية وكإنها تجري في سويسرا أو فرنسا، وفي الإنتخابات الأخيرة تجاوزوا كل الخطوط الحمراء لمهنة الصحافة الشريفة والحرة ليكونوا أسرى مشاحنات ومناكفات الكتل السياسية على حساب المواطن العراقي الذي جعلوه سلعة تباع وتشترى بأبخس الأثمان ليكون صوت المواطن العراقي بسعر بطانية أو كارت موبايل بينما يصرف رؤساء الكتل والأحزاب ملايين الدولارات على الحملات الإعلانية مدفوعة الثمن في الفضائيات العراقية والعربية والملصقات التي لم تدع جدارا في العراق إلا وصبغته بوجوههم الكالحة حتى تجاوزوا بذلك نفقات الحملات الأنتخابية الدعائية لسيدتهم أمريكا.
بالرغم من كثرة تلك المؤسسات الإعلامية وليدة الأحتلال والتي تشكلت نتيجة وضع أستثنائي بعيدا عن مهنة الصحافة الحرة النزيهة إلا إنها تبقى رهينة ذلك الوضع المؤقت الزائل، فبزوال المحتل وعملاءه ستتمكن الصحافة الحقيقية من غربلة الطارئين على السلطة الرابعة لتعود الى نقل رسالتها الحقيقية في تنمية روح المواطنة والوطنية والشجاعة والدفاع عن العراق ضد كل أعداءه كما كانت وأفضل، فلا يصح إلا الصحيح ومابني على باطل فهو باطل.