المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أساليب التربية النبوية/الترغيب/د.عثمان قدري مكانسي



نبيل الجلبي
17/03/2010, 04:29 PM
من أساليب التربية النبوية
الترغيب

الدكتور عثمان قدري مكانسي

أرسل الله تعالى رسوله الكريم رحمة للعالمين ، يهديهم إلى صراط الله المستقيم ، ويفتح لهم آفاق الحياة على نهج مضيء ، وسبيل واضح .
ومن طبع الإنسان الوقوع في الخطأ والتفلت والتهاون ، لأن الله تعالى خلقه ( على عجل ) و (( خلقه ضعيفاً ) يصيب الذنوب ، ويقترف الآثام ، ولذلك كانت الجنة للتائبين والنار للعاصين . وهنا يأتي دور المعلم الأول سيدنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرغب أصحابه في الجنة ، ويعدهم عفو الله ومغفرته ، ويحثهم على عصيان الشيطان واللجوء إلى الرحمن ، فإن تقدموا إليه شبراً تقدم إليهم ذراعاً ، وإن جاءوه سيراً جاءهم ـ عز وجل ـ هرولة . .
وقد كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرغبهم في طاعة الله ، ويعدهم الخير ، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال :
خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على رهط من أصحابه يضحكون ويتحدثون فقال : ( والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ) . ثم انصرف وقد أبكى القوم .
فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلم من الغيب ما علَّمَه اللهُ ، وأراه من النار وأهوالها في معراجه إلى السماء . . فتراه يحذر المسلمين الركونَ إلى الدنيا والسكون إليها ، فيبكي القومُ ويخافون ويدركون أن على المسلم أن يقتصد في ضحكه . .
وأوحى الله عز وجل إليه : يا محمد لِمَ تقنط عبادي ؟
سبحان الله . . إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أراد تذكيرهم بالله ، والعمل بما يرضيه فوعظهم فتأثروا فبكوا . . فأراد الله سبحانه وتعالى ـ حين بكوا من خشيته ـ أن يفرحوا لرحمته وغفرانه ، فأمر النبي عليه والصلاة والسلام أن يضحكهم كما أبكاهم ، فخرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : أبشروا وسددوا وقاربوا(1) . .
فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها فلئن صدقت نية المسلم ، فعفو الله ومغفرته أسرع إليه وأقرب .
وسلعة الله غالية ، وقليل من الناس من يقدر على ثمنها ، فماذا يفعل سواد المسلمين ؟!
إن قيام الليل دليل على صدق المؤمن في توجهه إلى الله تعالى ، والتزام الصلاة جماعة تشهد له بالإيمان ، فهل كل الناس يستطيعون قيام الليل وإحراز فضل الإجتهاد في العبادة ـ اللهم إلا من كتب الله له الكرامة ـ ؟!!
وينظر الله إلى عباده نظرة رحمة ومغفرة وحب وكرامة : فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم يقول : من صلى العشاء في جماعة ، فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله(2) .
فكان الترغيب في صلاة العشاء وصلاة الفجر جماعة ، إنهما تعدلان قيام الليل كله . ولذلك يحرص المسلم مهما كان منشغلاً في أمور حياته ـ إلا المضطر ـ أن يصليهما في جماعة لينال ثواب القيام ، وأحسِنْ به من ثواب ! .
ويرغـِّب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه ، ومن بعدهم ، في التوادِّ والتراحم والحب في الله ، لأن الحب في الله :

1ـ يجلو الصدأ عن النفوس .
2ـ ويجمع القلوب على مصدر واحد يتوجهون إليه جميعاً .
3ـ ويغرس الأخوَّةَ في نفوس المسلمين ، فيكونون صفاً واحداً وجبهة واحدة .
4ـ ويبعث الأمان والاطمئنان والرأفة والإيثار في عالم المسلمين .
5ـ ويظلهم الله في ظله يوم القيامة حين تدنو الشمس من رؤوس الخلائق .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
إن الله يقول يوم القيامة :
( أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ) (3) .
6ـ ويؤدي إلى حب الله تعالى إياهم :
عن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : قال الله تعالى : ( وجبت محبتي للمتحابين فيَّ ، والمتجالسين فيَّ ، والمتزاورين فيَّ ، والمتباذلين فيَّ )(4) .
ونجد الترغيب في الاستغفار حين يَذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن المسلم إن أخطأ ـ وهو يخطئ ـ استغفرَ الله ، فأقرَّ بذنبه ، وعلم أن له رباً يغفر ، فتاب إليه ، وكلما أخطأ عاد إلى ربه فتاب عليه .

فالعلاقة ـ إذن ـ بين الرب والعبد علاقة ودٍ وحبٍ ومغفرةٍ ورحمةٍ من ذي الجلال ، وعلاقة إقرار بالعبودية ولجوء وتوبة واستغفار من العبد المحب لربه ، الراجي عفوَه ورضاه .
عن أبي أيوب الأنصاري خالد بن يزيد ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول :
( لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقاً يذنبون ، فيستغفرون فيغفر لهم )(5) .
أرأيت إلى هذه الصلة الوشيجة بين العبد وربه . . . الرب كامل كمالاً مطلقاً . . والعبد كمالـُه نسبي . .والكمال النسبي فيه ضعفٌ ، وفيه نسيان ، وفيه إهمال . . . فمن يسد نقصَه هذا ؟ ..
إنه ذو الكمال المطلق . . خالقه وبارئه على هذه الصورة ليكون محتاجاً إليه دائماً ، وليكون الغفران والرحمة من الله متواصلاً .
اللهم اكتب لنا الغفران والرحمة . . لجأنا إليك بضعفنا فتولـّنا بكمالك . . . . . يا رب .
ومن الترغيب الذي يذكره سيد المربين ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فيسري عن المؤمنين الذين كثرت ذنوبهم ما رواه أبو موسى الأشعري عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : يجيء يومَ القيامة ناسٌ من المسلمين بذنوب أمثالِ الجبال ، فيغفرها الله لهم (6) .
فما علينا ـ معشر المسلمين ـ إلا أن نأتي الله بكلمة التوحيد موقنين بها ، مقرّين بها ، عاملين بها ، فإن كثرت ذنوبنا فالله يغفرها وإن كانت أمثال الجبال . .
فهل هناك أفضل من هذا الترغيب ؟!!.

( أستغفر الله ) دأبي مذ وعيت إلى ** نفسي وحـالي ، ومـا حصَّلْتُ من عمل
( أستغفر الله ) دربـي للـكـريـم إذا ** فاضت ذنوبي وضاق الصدر من خلل
( أستغفر الله ) نـبـراسٌ يـســدد ما ** آلـت إليـــه نـفـوس القـوم مـن خـطــل
فهو الدواء لمـن ضـل الطـريـق إلى ** كـنـف الـهـدايـة أو قـدْ لَـجَّ في الـهـزل
أو تـاهَ في سـعيـه فالنـاس مُذ وجدوا ** فـعـنـصـر الخلق فيهم كـان مـن عـجل
فـيـــا سـعــادة مــن وافــاه مـقـتـبـلاً ** ويـا شـقـاء ضلـيـل القـلب والعـقـل (7)

الهوامش:

(1) الأدب المفرد الحديث / 254 / .
(2) رياض الصالحين الحديث / 1069 / رواه مسلم .
(3) رياض الصالحين الحديث / 375 / رواه مسلم .
(4) رياض الصالحين الحديث / 380 / رواه مسلم .
(5) رياض الصالحين الحديث / 421 / رواه مسلم .
(6) رياض الصالحين الحديث / 430 / رواه مسلم .
(7) من ديوان ( نبضات القلب ) لمؤلف الكتاب .