المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل ينهض المصريون دفاعا عن جامعة الإسكندرية ؟



غالب ياسين
03/03/2007, 08:58 AM
لماذا هدمت جامعة الاسكندرية وشوه القضاء المصري؟
محمد عبدالحكم دياب

03/03/2007

في كل الدنيا، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، تسعي النظم السياسية إلي توفير الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية والأمنية، وسبل الحياة اللائقة، إلا في مصر، يتفنن الحكام في المصادرة عليها وتصفيتها، وتسارع ذلك منذ أن دخل جمال مبارك علي الخط، وتحوله إلي معول آل علي نفسه ألا يبقي شيئا منتصبا علي أرض الكنانة، وهناك أسباب تبدو خفية لتفسير هذا الدور، لها علاقة بتراث إداري، قد يكون له نظير في بلاد عربية أخري، أفرز قيما وتقاليد سلبية عدة، أفسدت كثيرا من رجال السياسة والإدارة، وأثرت علي علاقة المواطن بنظام الحكم، فالموظف الفاسد في جهاز الدولة يرسي قيمة علي قد فلوسهم ، أي أنه يعمل علي قدر ما يحصل من مقابل، ولأن هذا المقابل قليل، فإنه يمنح نفسه رخصة الرشوة والاختلاس والسرقة، بدلا من المطالبة بالحق في مرتب يكفيه، ومن يكبر منهم ويزيد مرتبه ودخله لا يشبع ولا يقنع، ويستمر في سلوكه المنحرف، إلي أن وصل الأمر إلي توظيف وتوزير اللصوص الأغنياء ولفظ الشرفاء الفقراء ، لأن الثراء والغني صارا مصدر اللياقة الاجتماعية الكاذبة، وعن هذا الطريق وصل عدد من الوزراء والمسؤولين إلي كراسي الوزارة والحكم. وقيمة سلبية أخري يترجمها المثل الذي يقول إذا اتهد بيت أبوك خد منه قالب ، أي إذا ما آل بيت الأسرة للسقوط لا تحاول إصلاحه، وكل ما عليك أن تأخذ نصيبك، حتي لو كان طوبة من أنقاضه، هذا من ناحية المحكوم. أما الحاكم والمسؤول تحركه قيم أكثر سلبية، لعل أخطرها الفائدة تخص واللعنة تعم ، فعلي المسؤول أن يثيب الفرد الذي أجاد العمل، أما إذا أخطأ فاللعنة تصب علي رؤوس الجماعة التي ينتمي إليها، وتشيع هذه القاعدة في الأوساط العسكرية وشبه العسكرية، وعائلة حسني مبارك الأكثر ولعا بها، ووصلت إلي أقصي مداها مع تصاعد مخطط التوريث ، وكلما زاد رفض المصريين، للمخطط كلما ارتفعت وتيرة الانتقام، إلي أن طال المجتمع بكل فئاته وطوائفه وجماعاته السياسية وغير السياسية، ونحن نري أن فكرة هدم جامعة الإسكندرية، والحملة الضارية ضد القضاة تأتيان ضمن هذا السياق.
السبب وراء فكرة هدم الجامعة وبيع أراضيها هو ما صار يعرف في الأوساط السكندرية بـ لعنة مكتبة الإسكندرية ، كمشروع اعتبرته السيدة سوزان مبارك انجازها الشخصي، وتتعامل معه باعتباره ملكا لها، وتري من حقها أن تضعه وترعاه بالصورة التي تروق لها، ومثلها مثل باقي عائلتها، فبجانب ولعها بالإنتقام فهي مولعة، كذلك، بالاستثمار والحصول علي المال. والمكتبة واحدة من الفرص التي تعمل علي توظيفها في هذا المجال، ورأت أنها في حاجة إلي المنطقة المحيطة بالمكتبة، واقتضي ذلك إصدار أوامرها بهدم مستشفي الشاطبي، أحد أكبر مستشفيات المدينة، وتقع في الحي الذي يحتضن جامعة الإسكندرية. ووجود المستشفي بالقرب من المكتبة لا يليق!!، ومساحته من الممكن أن تيسر علي الضيوف والزوار، وبدلا من تطوير المستشفي ووضعه بالمستوي اللائق كان قرار الهدم، وهو ما اعترض عليه بعض المسؤولين والأهالي.. كان من بينهم محافظ الإسكندرية السابق، عبد السلام المحجوب، الذي لم يكن متحمسا. وهي في الأصل لم تكن ترتاح له، وقد رأي مشاهدو التليفزيون المصري كيف تعاملت معه.. نهرته ووبخته علي الهواء، وبلع الرجل الإهانة، وبررها محبوه بأنه منضبط، كعسكري سابق، وموظف عام دمث الخلق تجاه زوجة رئيسه، وكان عليه أن يستقيل من منصبه.
وأبعد المحافظ السابق إلي وزارة ثانوية تمهيدا للتخلص منه، وبدا لها أن عقاب المحافظ لا يكفي، وفق نظرية تعميم اللعنة . استدارت علي المدينة العريقة، تذكرت أن أهلها اعترضوا علي هدم المستشفي، والانتقام منهم يتم بالتخلص من أعز ما يملكونه، وهل هناك أعز عليهم من جامعتهم العريقة، ويبقي هدمها، وبيع أراضيها، درسا لن ينسوه، ولن تنساه الأجيال، وضمن توزيع نظام الحصص وغنائم السلطان،علي أفراد العائلة فإن وزارة التعليم العالي من الوزارات التابعة للسيدة سوزان مبارك، هي والتعليم والثقافة والصحة والسكان والضمان الاجتماعي، وهذه التبعية سهلت خروج سيناريو الهدم، بالطريقة التي خرج بها!! فليس من المتصور أن تخرج فكرة هدم الجامعة وبيعها بعيدا عن دائرة العائلة . ولا يوجد عاقل يصدق أن فكرة الهدم كانت من بنات أفكار رئيس الجامعة، ووجدت قبولا من وزير التعليم العالي، وحازت موافقة رئيس الوزراء!!. فما زال كلام يوسف والي، وزير الزراعة الأسبق،يرن في الأسماع، وهو يردد جملته الشهيرة، في معرض دفاعه عن موقفه من جرائم استيراد المبيدات المسرطنة، وتدمير الزراعة والتربة المصرية، بالأمر المباشر.. قال جملة صارت مثلا الوزراء ليسوا سوي سكرتارية للرئيس ، وبذلك حمي نفسه من الوقوع في شراك المحاسبة والإدانة!!
ويبدو أن قرار الهدم والبيع لن يمر بسهولة، فأراضي الجامعة لم تكن مملوكة لأحد، لتبرير الهدم أو البيع، ومثلها مثل أراضي خصصت للمنفعة العامة وأقيمت عليها مشروعات النهضة الأولي، التي شيدها محمد علي، أو النهضة الثانية التي بناها جمال عبد الناصر، وهي أشبه بأراضي الوقف الذي لا يمس. ونجدها فرصة لقياس الفروق بين العصور والرجال، فبناء الجامعات الحديثة في مصر، بدأ بجهود شعبية، لم يستطع الاحتلال البريطاني وقفها.. وكان ذلك استمرارا لنهوض بثه الحزب الوطني، (حزب مصطفي كامل)، في نفوس الناس، عندما تبني محمد فريد مشروع الجامعة الشعبية، وحث الشعب علي إنشاء النقابات والاتحادات والروابط، واتخذت هذه المشروعات وهي تتراجع، بسبب موت مصطفي كامل ونفي محمد فريد.. اتخذت منحي آخر، علي يد أحمد لطفي السيد وأقطاب التنوير.. تبنوا مشروع الجامعة الأهلية ، وأقاموه سنة 1925، ولولا إنعزالية لطفي السيد، ومهادنته للاحتلال، ونزوعه الغربي، ومحدودية أفقه ووعيه بخطر المشروع الصهيوني، الذي لاح في الأفق مع بدايات القرن الماضي، لولا ذلك لاكتملت فيه شروط زعامة، احتاجتها مصر بعد فراغ تركه غياب الزعيمين التاريخيين للحزب الوطني. فرق شاسع بين عصر كان فيه الاحتلال علي أرض مصر، ومع ذلك تمكن المصريون من بناء جامعتهم بمالهم وجهدهم، وعصر تبحث فيه عن شخص، بين المسؤولين والقادة، ولو بمستوي لطفي السيد ورفاقه، علي الرغم من ملاحظات التاريخ عليهم، لا تجد.
ونفس نظرية تعميم اللعنة تطبق علي السلطة القضائية.. تتعرض لانتقام غير مسبوق، لأن فيهم من جرؤ علي كشف تزييف الانتخابات التشريعية الأخيرة، ورفض أن يكون شاهد زور عليها. ومن صور الانتقام تحويل قيادات الإخوان المسلمين إلي القضاء العسكري. ليس فقط علي سبيل التحدي، إنما انتقاما من القضاء المدني، لأنه قضي ببراءتهم، وأراد حسني مبارك أن يعلن، كحاكم عسكري بنص قانون الطوارئ، استهانته الكاملة به، واستبداله بقضاء عسكري في قضايا مدنية وسياسية، ولم يعنه التناقض الواضح في مواقفه، من تحويل الإخوان إلي محكمة عسكرية وعرض جاسوس علي محكمة مدنية!!. ومما شجع علي زيادة وتيرة الانتقام من القضاة هو أن حسني مبارك وجد إلي جانبه قانونيين عرفوا في الأدب السياسي المصري بـ ترزية القوانين ، ابتدع كبيرهم مبدأ سيد قراره ، لتحصين التزوير، والذي علي أساسه رفض رئيس المجلس أحكام القضاء الإداري، ببطلان عضوية من نجحوا بالتزوير، ومنها أحكام صدرت ضد المجلس الحالي تقر بعدم شرعية ما يقرب من نصف أعضائه. وتأتي التعديلات الدستورية، كحلقة في مسلسل الانتقام تبعدهم عن مراقبة الانتخابات، وتغل أيديهم وتطلق يد الأمن والشرطة، بشكل يدفع الناس دفعا إلي طلب الرقابة الخارجية والدولية، ومن يتابع تقارير الكتبة في بعض الصحف وتخصصها في إطلاق السهام السامة إلي قلب القضاة، وتشويه صورهم.. طعن دائم في نزاهة الشرفاء منهم، وتقليل مستمر من شأن ناديهم، بطريقة تكسير العظام المتبعة مع الإخوان المسلمين وضد قوي الرفض الأخري، مع عزف منفرد علي وتر مقطوع، يدعي أن نادي القضاة مجرد ناد اجتماعي، ليس له دور إلا تقديم الخدمات والبحث عن وسائل رفع مستوي معيشة القضاة ، ومن المعروف أن القضاة لا يسمح لهم بالانتماء للأحزاب، ومحرومون من ممارسة العمل السياسي والنقابي، أثناء الخدمة، وتناسبهم صيغة الأندية، ليس بالمعني الترفيهي والاجتماعي، إنما بالمعني المهني والوطني والعام.. يتاح فيها التعبير عن الرأي، ومن علي منابرها يتم الدفاع عن المصالح ورفع مستوي المهنة. وجاءت هذه الحملة لتصب في مجري خطة تنفيذ حكم الإعدام الصادر في حق الدولة المصرية، والذي كتبنا عنه بالتفصيل السبت قبل الماضي، وصار مباحا نهش لحم القضاة وهدم سلطانهم، الذي يقيم ميزان العدل، في مجتمع يئن من وطأة الظلم وضراوة الظالمين.
ومن الطبيعي أنه عندما يدنو الأجل، ويقترب موعد الرحيل الجسدي أو الوظيفي، وفي ربع الساعة الأخير فإن كثيرين يطلبون الصفح والمغفرة عن الأخطاء والخطايا والذنوب، أما عائلة مبارك تعمل بقاعدة يا رايح كتر من الفضايح . تسرع في بيع ما تبقي من مصانع ومنشآت، ولا تتراجع عن تبوير المزراع ونشر الأوبئة، وتحويل مصر إلي سجن كبير، وليس كثيرا عليها أن تبيع الجامعة، وتحطم القضاة وتنتقم منهم. وإذا كان التتر والمغول قد أحرقوا المكتبات، وألقوا بنفائس المؤلفات وعيون الكتب في نهر دجلة، فإن الصهاينة اغتصبوا الأرض وقتلوا الشعب وهجروا السكان، واستداروا علي التراث والفنون والآداب العربية والإسلامية، في فلسطين والأراضي المحتلة، فنسبوه لأنفسهم، في أكبر عملية تزوير للتاريخ، وكانت المهمة الأولي للغزو الصهيو أنكلو أمريكي، فور دخول بغداد، هي هدم المؤسسات ونهب المتاحف، وتخريب مراكز العلم، وأعملوا فيها حرقا ونهبا وتدميرا، واستتبعوا ذلك بقتل وتصفية العلماء والأكاديميين والخبراء. ولا يختلف ما تقوم به عائلة مبارك عن جرائم الغزاة، فكلما اقتربت ساعة سقوط المشروع العائلي ، الذي يعاني مما يعاني منه المشروع الصهيو ـ أنكلو ـ أمريكي في العراق، كلما اقتربت هذه الساعة، زاد الانتقام حدة وشراسة. وعند هذا الحد نقول أن كل كلام يرد علي لسان متحدث، أو يدونه يراع كاتب ومفكر يفقد معناه،إذا لم يقترن بفعل إيجابي، فهل ينهض المصريون دفاعا عن جامعة الإسكندرية، وعن قضاتهم.. يحمونهم من التشويه والتصفية؟ وهل يبقي الإنسان متفائلا، أم يعلن اليأس والعجز والتزام الصمت، بعد أن أضحي الكلام بلا معني!!
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today\02qpt4.htm&storytitle=ffلماذا%20هدمت%20جامعة%20الاسكندرية%20و شوه%20القضاء%20المصري؟fff&storytitleb=محمد%20عبدالحكم%20دياب&storytitlec=