المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أجل ديكور البيت- قصة - نزار ب. الزين



نزار ب. الزين
03/03/2007, 06:02 PM
ديكور البيت
قصة
نزار ب. الزين*
*****
- ولدي لما يتجاوز العشرين يا بنيتي ،
أليس حراما أن يفني شبابه في السجون ؟
أجهت بالبكاء ،
ثم بذلت جدا كبيرا و هي تلملم نفسها قبل أن تضيف :
- و الله ثم و الله لم يرتكب إثما ، و لم يشتم أحدا من المسؤولين ، و لم يشاغب ضد الحكومة ، و أقسم لك أن المسألة كلها فرية ظالم من بدايتها إلى نهايتها .
فقد كان ابني رشدي – الله يخلي لك أولادك - متوجها بسيارته إلى عمله صباحا في الضاحية كعادته ، عندما صدمته سيارة كانت تمشي بعكس السير ، و كان سائقها يقودها بسرعة جنونية كادت تفقد ولدي و ذلك السائق الأرعن حياتيهما !
و بدلاً من أن يعتذر ، توجه نحو ولدي و أخذ يكيل له اللكمات ، فتجمع الناس و خلصوه من بين براثنه ، فاستشاط غضبا ، ثم هرع إلى درج سيارته فأخرج منه مسدسا ، ثم أطلق طلقة في الهواء لإبعادهم ، ثم دار حول سيارة ابني و أخذ يطلق الرصاص على عجلاتها ؛ و عندما قدمت الشرطة متأخرة ، قبضت على ولدي ، و تركت الآخر بعد أن أخبرهم أنه إبن أحد كبار المسؤولين .
تلك و الله كانت الواقعة ، التي يشهد بها كل من حضرها ...
أرجوك و أقبل يديكِ ... بل قدميك إن شئتِ !
أن تكوني واسطة خير مع زوجك سيادة العميد جمال كي يفرج عنه أو يترأف به على الأقل .

كانت أم رشدي تتوسل لحرم العميد جمال و قد ملأت الدموع وجهها ، و هذه تحاول بدورها أن تهدئها واعدة أن تبذل قصارى جهدها .

*****

المشهد الثاني

يقرع الباب
يتقدم شيخ في الخمسينيات ، محييا العميد جمال محاولا تقبيل يده .
يتبعه آخرون ...
العم و الخال و الأشقاء ..
بعضهم ينجح بتقبيل يده !
يجلسون جميعا بعد أن أذن لهم العميد ، في غرفة الضيوف ، و قد اصفرت وجوههم ، و استبدت بهم بعض مشاعر الرهبة !
- من منكم والد رشدي سليم ؟
يسأل العميد جمال ، فيجيبه الوالد في الحال :
- أنا سيدي !
- أنت لم تعرف كيف تربي ابنك يا رجل ، ولدك تعدى على إبن سيادة الوزير( س ) ، قرأت التقرير ثانية صباح اليوم ، و سيحول إلى محكمة عسكرية لحيازته سلاحا !
رد العميد جمال بصلف ، فأجابه أبو رشدي مدافعاً :
- لقد عكس كاتب التقرير الحقيقة يا سيدي العقيد و ......
و قبل أن يكمل نهره العميد صائحاً :
- محققونا لا يكذبون ،
إبنك الكاذب ...
وجدوا المسدس في سيارته ،
القضية واضحة و لا لبس فيها ،
فرد عليه أبو رشدي منكسر الخاطر و بصوت خافت :
- أمرك سيدي ، إبني هو من خالف السير ، و هو من صدم إبن المسؤول ، و هو من أطلق الرصاص على عجلات سيارته ..
- أتتهكم جنابك ؟

سأله العميدد غاضبا ، فأجابه الرجل بفم مرتعش :
- حاشا لله سيدي العميد !!
أجابه متأسفا ، ثم أضاف :
- لقد جئنا إليك جميعا راجين خاشعين خاضعين ....
لا نطلب منك سيدي إلا الرأفة بشاب لمّا يتجاوز العشرين ، على وشك أن يضيع مستقبله ...
إعتبره شقيقك ..
إعتبره خادمك ...
إعتبرنا كلنا هنا خدامك و تحت أمرك سيدي العميد !

*****
المشهد الثالث

وزع أحد العناصر القهوة العربية المُرة على الحضور
رشفوا جميعا القهوة دفعة واحدة ، و عيونهم شاخصة نحو العميد بقلوب واجفة قلقة متلهفة...

كان العميد خلال ذلك صامتا مقطبا ، ثم أخذ يتأمل وجوههم فردا فردا ...
حتى إذا انتهى العنصر من جمع الفناجين الفارغة ، وجه العميد سؤاله إلى ( أبو رشدي ) ، و قد انتفخت أوداجه و ازداد جبينه تقطيبا :
- ما هي طبيعة عملك ؟
فأجابه هذا على الفور :
- أنا يا سيدي نجار ، كلنا يا سيدي العقيد نجارون ( أفرنجي )
- يعني ؟
- يعني مفروشات أوربية ، أرضيات خشبية ،مطابخ ، ديكورات زينة...
هز العميد رأسه علامة الرضا ، ثم أضاف :
- أريد أن أدخل بعض الديكورات الخشبية إلى بعض غرف المنزل ، و أريد منك أن تنهض الآن معي لتقدر التكاليف .
- تكاليف ؟!
أجابه ( أبو رشدي ) مستهجنا ، ثم أضاف :
- كلنا يا سيدي تحت أمرك ، و سنحول بيتك إلى قصر بعون الله ، حالما تأذن لنا بالبدء ! كلنا ..كلنا ..ننتظر منك إشارة البدء سيدي العميد ، و لن نكلفك فلسا واحدا !

*****
المشهد الأخير

انتظروا مليا قبل أن ينطق العميد جمال - و قد ازدادت أوداجه انتفاخا و زاد جبينه تقطيباً - فيمنَّ عليهم بما يلي :
أولا : سأسمح لكم بزيارته في السجن كل يوم جمعة .
ثانيا : نبهوه إلى ضرورة التوقف عن اتهام ابن سعادة الوزير
ثالثا : سآمر بالكف عن تأديبه منذ اليوم .
رابعا : سأسعى للإفراج عنه حال انتهائكم لديكور البييت !!!
***************
* نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
عضو جمعية المترجمين العرب ( ArabWata )
الموقع : www.FreeArabi.com
البريد : nizar_zain@yahoo.com

صبيحة شبر
06/03/2007, 09:11 PM
القاص المميز نزار ب.الزين
قصة من الواقع المعيش حيث ينقلب البريء الى مذنب
والمذنب الى بريء
لاوجود للعدالة في مجتمع يحرص على استغلال الضعيف
ابشع استغلال

نزار ب. الزين
07/03/2007, 03:38 AM
القاص المميز نزار ب.الزين
قصة من الواقع المعيش حيث ينقلب البريء الى مذنب
والمذنب الى بريء
لاوجود للعدالة في مجتمع يحرص على استغلال الضعيف
ابشع استغلال
============================
نعم يا أختي صبيحة
إذا انعدمت العدالة ، اقرئي على المجتمع سلام الوداع
متى سيسود القانون ؟؟؟لا أحد يدري!!!
شكرا لمرورك و افتتاحك مناقشة النص
مودتي و تقديري
نزار

محمد فؤاد منصور
08/02/2009, 11:30 PM
أستاذنا الجليل نزار الزين
قصة موجعة .. تحدث دائماً في مجتمعاتنا المبتلاة بناسها .. اولئك الذين يتحدثون عن الدين ولايطبقونه ..ويتباهون بالقيم ولايملكون منها شروى نقير .. إنها قصة الذئب والحمل في ثوبها العصري .. حسبنا الله ونعم الوكيل ..
دائماً ماتضع أصبعك على موطن الداء ككل طبيب ماهر عارف بأمراض المجتمع التي تكبله وتمنعه من الأنطلاق ..
دام بهاء حرفك .. وتقبل أرق تحياتي.:fl:

نزار ب. الزين
11/02/2009, 07:10 AM
أستاذنا الجليل نزار الزين
قصة موجعة .. تحدث دائماً في مجتمعاتنا المبتلاة بناسها .. اولئك الذين يتحدثون عن الدين ولايطبقونه ..ويتباهون بالقيم ولايملكون منها شروى نقير .. إنها قصة الذئب والحمل في ثوبها العصري .. حسبنا الله ونعم الوكيل ..
دائماً ماتضع أصبعك على موطن الداء ككل طبيب ماهر عارف بأمراض المجتمع التي تكبله وتمنعه من الأنطلاق ..
دام بهاء حرفك .. وتقبل أرق تحياتي.:fl:

***
أخي الأديب الأريب د. محمد فؤاد منصور
صدقت يا أخي ، فقد وضعوا في موقع المسؤولية ، من لا يتحلى بأقل قدر من المسؤولية ، أو أي وازع ديني أو أخلاقي - كما تفضلت - و مع انعدام الرقابة الصارمة ، تصبح اية مؤسسة مزرعة شخصية لذلك المسؤول و بطانته
***
أخي الكريم أليست مهمة الكاتب الكشف عن العيوب ، دفعا لمن يبحث عن حل لها ؟ و إلا فلماذا نكتب ؟
***
كل الإمتنان لزيارتك و مشاركتك التي رفعت من قيمة النص
أما ثناؤك فهو وشاح شرف يطوق عنقي
فشكري لك و مودتي ،بلا حدود
نزار

صلاح م ع ابوشنب
15/02/2009, 11:36 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اخى الاستاذ نزار الزين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصه واقعيه اليمه ، تجعلنا نحزن على ذاك الميزان المقلوب للعداله ، والظلم ظلمات يوم القيامه
تقبل تحياتى ،،،

نزار ب. الزين
16/02/2009, 07:02 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اخى الاستاذ نزار الزين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصه واقعيه اليمه ، تجعلنا نحزن على ذاك الميزان المقلوب للعداله ، والظلم ظلمات يوم القيامه
تقبل تحياتى ،،،

صدقت يا أخي ، حقا إنه ميزان العدالة المقلوب منذ أن جُمِّد القانون و استبدل بالعرف العسكري
شكرا لزيارتك و انفعالك بأحداث القصة
و دمت بخير و عافية
نزار