المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الانتخابات وماذا بعدها



صالح المياح
29/03/2010, 10:37 PM
بأعلان نتائج الانتخابات البرلمانية في العراق، ينتهي معه القصف الاعلامي المهول، المحلي والعالمي على ادمغة جماهير العراق طوال اكثر من شهر ونصف حول ما ستفرزها هذه الانتخابات من انتصار للديمقراطية وانتقال العراق الى مرحلة الاستقرار والامن. ويقف معه دوران عجلة نفاق جميع الساسة الذين شاركوا في العملية السياسية حتى حين موعد انتخابات اخرى، بأنهم سيعملون بجد من اجل خير العراق وجماهيريه بعد ان عاثوا فسادا طوال السنوات السبع المنصرمة. ويتوقف معه ايضا نفاق الادارة الامريكية، وحليفاتها والامم المتحدة والاتحاد الاوربي وجامعة الدول العربية وكل المؤسسات الدولية التي انصاعت للضغوط الامريكية، بأن مرحلة جديدة من الامل والتفاؤل سيطل على العراق والعراقيين، بالرغم من الايام الصعبة التي ينتظر العراقيين كما بشر بها الرئيس اوباما.

لم تكن الانتخابات الا تمهيدا لجولة جديدة من الصراع بين اجنحة العملية السياسية، وهي امتداد لنفس المسار السياسي الذي اطلقته سياسة الاحتلال. وكل ما زعم حول انتهاء او طوي صفحة الطائفية والقومية والاثنية في العملية السياسية، اثبتت بطلانه. فالقوائم التي حصدت الاكثرية، هي نفس القوائم السابقة التي تربعت في الجمعية الوطنية في انتخابات 2005، مع فارقين وهما، الاول ان الاكثرية من الذين لديهم حق الاقتراع لم يشاركوا في الانتخابات، وعلى عكس ادعاءات واكاذيب وافتراءات المفوضية غير المستقلة للانتخابات والجوقة الدولية التي هللت وزمرت معها، بأن نسبة المشاركة هي 62% في الانتخابات (والتي هي اقل من نسبة المشاركة في انتخابات 2005 وهي 76%). وكما قال علي حاتم سلمان احد شيوخ الدليم في محافظة الانبار المعروفين وابرز مرشحي المحافظة وعضو قائمة دولة القانون في مؤتمر صحفي: ((كيف كانت نسبة المشاركة في محافظة الانبار 62% وكان هناك ممنوع التجوال الى ساعة الواحدة بعد الظهر. ان نسبة المشاركة لم تتجاوز 28% وهو يلوح بيده بالقسائم الانتخابية امام عدسات الكاميرا)). وقس على ذلك في مدن بغداد والموصل وديالى التي شهدت اعمال عنف ومنع تجوال في العديد من مناطقها، ناهيك عن المشاركة الضعيفة في المدن التي تهيمين عليها احزاب الاسلام السياسي الشيعي ومليشياتها. وان هذه النقطة تبين دون لبس، بأن الاغلبية المطلقة من العراقيين فقدوا الثقة الكاملة بالعملية السياسية، وكذلك وضوح موقفها المعارض للقوى الطائفية. والنقطة الاخرى هي أن الخطاب الطائفي فقد تاثيره وافلس مضمونه والتيار الاسلام السياسي الشيعي ومرجعياته سجل انحسارا كبيرا في الشارع العراقي، ولم يستطع من الظهور مجددا في هذه الانتخابات لا باللباس الديني ولا بالزي الطائفي الا بجلب مرشحين نساء وغير محجبات تزيين قوائمه الانتخابية شوارع المدن وخاصة مدينة بغداد، اضافة الى ضم مرشحين معروفين بشكل واضح بعلمانيتهم او محسوبين على تصنيف طائفي مغاير لهم لاخفاء المحتوى الديني والطائفي لتلك القوائم. والفارق الثاني هو ان هذه الانتخابات بينت بأن لا قاعدة اجتماعية للاسلام السياسي السني في العراق ولن يستطع ان يكون تيار مؤثرا على المعادلة السياسية في العراق. ولقد تحدثنا في مقالات سابقة بأن ليس هناك في العراق اسلام سياسي سني اجتماعي مؤثر بل هناك تيار قومي عروبي. وما افرزتها هذه الانتخابات او ما سبقتها تثبت ذلك حيث تشضت جبهة التوافق السنية قبل الانتخابات وانظمت اكثر شخصياتها ورموزها الى القائمة العراقية وقسما اخر الى قائمة دولة القانون، وابعد من ذلك لم تحصد هذه الجبهة المتمثلة بالحزب الاسلامي العراقي اكثر من 6 مقاعد وهي توضح الحجم الحقيقي لتيار الاسلام السياسي السني في العراق الذي استغل الاوضاع في غفلة من الزمن وهبات سياسة الاحتلال من الحصول على امتيازات كبيرة وواسعة في العملية السياسية خلال المرحلة المنصرمة.

بعد يوم واحد من اعلان نتائج الانتخابات مباشرة، تزامن صدور ثلاثة صحف وهي غاردين وديلي تلغراف ونيويورك تايمز لتقول: (بأن فوز قائمة علاوي ستدفع العراق الى مزيد من الفوضى). اي بعد انتهاء كل تلك الزوبعة الاعلامية حول الانتخابات، بدات الاشياء تأخذ مكانها وبدء المراقبون والمحللون يتحدثون بتشاؤوم بعد عودتهم من الصخب الذي اصطنع حول الانتخابات العراقية. فقائمة علاوي لم تفز في المدن والمناطق التي صنفت بالشيعية وكذلك بالنسبة للقائمتي المالكي والحكيم التي تفز ايضا في المناطق المصنفة بالسنية. وكل ما شن من حملة ضد مخالفي القائمتين تحت عنوان (اجتثاث البعث) لم تأت بكامل ثمارها وخاصة بالنسبة الى طموح نوري المالكي. فهو اراد ان يطرح نفسه بديلا لتيار القومي العروبي او يتزعم هذه التيار على اقل التقدير، فهذ سر غضبه من جهة، ومن جهة اخرى ان اعلان رفضه للنتائج تدخل في خانة لوي الاذرع لانتزاع منصب مركز رئيس الوزراء في الحكومة المقبلة. اما الحكيم الذي يبدو مرتاحا اكثر من علاوي من نتائج الانتخابات بالرغم من احتلاله المركز الثالث، فهو يجد ان الطائفية انتصرت مرة اخرى في هذه الانتخابات، اذ يرى النتائج من خلال حصيلة جمع عدد مقاعد قائمته وقائمة المالكي هي 159 مقعد التي اقل من النصف باربع مقاعد لتشكيل الحكومة. وبموازاة ذلك ينظر الحكيم الى تحالفه الاستراتيجي مع الائتلاف الكردستاني، هو الاخر بقي مكانه بعد حصول الاخير على اكثر من 60 مقعدا بشكل كلي لمقاعد القوائم الكردستانية مجتمعة والتي تمثل معا اكبر كتلة منسجمة في البرلمان الى حد الان. وتاتي زيارة جلال الطالباني وعادل عبد المهدي الى طهران بدعوة من حكومة الجمهورية الاسلامية في يوم اعلان نتائج الانتخابات في هذا الاتجاه لبلورة واعادة انتاج التحالف الرباعي القديم الذي سأتطرق اليه لاحقا.
تداعيات خياران لتشكيل الحكومة المقبلة:
ان اكثر الاوهام الشائعه، بان قائمة العراقية مدعومة من قبل الادارة الامريكية كي يكون رئيسسها اياد علاوي رئيس الحكومة المقبلة. لانه كما هو معروف، كان دائما الطفل المدلل لامريكا حسب تعبير صحيفة نيويورك تايمز في عدد 27 اذار. ان الانتخابات ونتائجها عمقت من الاستقطابات بين التيار الاسلام السياسي الشيعي وبين التيار القومي العروبي، ولقد دشنت حملة من الدعاية والتشهير في الشارع من قبل الاسلام السياسي الشيعي، بأن من ادلى صوته الى قائمة علاوي فهو ادلى بصوته للبعثيين.

ان ادارة اوباما ماضية في تنفيذ استراتيجتها في العراق، وهي سحب قواتها مع حفظ ماء وجهها بعد فشل وافتضاح كل ذرائعها ومبرراتها في احتلال العراق. وتحاول بكل السبل بعدم السماح لاي عامل بتعطيل تلك الاستراتيجية. ولذلك تعمل بشكل حثيث بدعم رئيس حكومة وسطي يؤمن الحد الادنى من مصالحها وتخدم استراتيجتها ومن جهة اخرى الحيلولة دون استفزاز غريمها في العراق وهو الجمهورية الاسلامية الايرانية. ولذلك ان الادارة الامريكية لا تدعم قائمة او رئيس حكومة تظهر معاداتها بشكل سافر لنفوذ نظام الملالي في العراق. واذا استطاع علاوي او سمح له ان يشكل حكومة، فيعني ابتلعت الادارة الامريكية الطعم الذي وضعتها الجمهورية الاسلامية الايرانية لها، والتي تعني تشكيل اضعف حكومة منذ الاحتلال تتصارع اطرافها على العديد من الملفات المفتوحة. فقائمة علاوي التي احتلت اليوم المركز الاول في الانتخابات، غادرها الاعضاء البارزين الذي شاركوا علاوي في انتخابات 2005 والمعروفين باليبراليتهم والمعروفين بضعفهم وعدم قدرتهم على التأثير في سياسة القائمة، بسبب فقدانهم للقاعدة الاجتماعية، امثال مهدي الحافظ وصفية السهيل وعزت الشابندر وحميد مجيد موسى..الخ ليحلوا محلهم شخصيات قومية عروبية قوية ومعروفة بعدائها السافر للتيار القومي الكردي والنفوذ الايراني ولها نفوذ اجتماعي واسع في المدن والمناطق المصنفة بالسنية ويعود الفضل لهم بأنجاح قائمة العراقية في هذه الانتخابات ..، اي بعبارة اخرى، تصعيد الصراع بين جميع اطراف العملية السياسية الى ما لا نهاية لها، مما يؤدي الى تعطيل استراتيجية اوباما التي
تصب في اولويات الجمهورية الاسلامية الايرانية لكسب عامل الوقت من اجل ملفها النووي، وادامة الفوضى السياسية ومزيدا من اللامن والعنف حتى في المدن التي عرفت بهدوئها الامني النسبي.
اما الخيار الاخر في تشكيل الحكومة هو اعادة التحالف الرباعي الى الواجهة وهو المجلس الاعلى وحزب الدعوة والاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي مع اضافة بعض الاطراف مثل جبهة التوافق وغيرها لتزيين شكل الحكومة واضفاء الطعم والرائحة لها كحكومة محاصصة طائفية وقومية جديدة. ويكون بهذا ادامة نفس الاوضاع السابقة اضافة الى تصعيد الاستعدادات التي بدءت قبل الانتخابات لتصفية مخالفي مشروع الاسلام السياسي الشيعي، لمرحلة ما بعد الانسحاب الامريكي.
ان الاطراف التي لعبت دورا كبيرا في الفوضى الامنية والسياسية هي التي اعيدت انتاجها في البرلمان الجديد. ويتوهم كل من يستنتج بأن العراق ماض نحو الامن والاستقرار طالما بقيت هذه الاطراف في مواقعها وتديم استمرار العملية السياسية التي استندت على اسس المحاصصة المذكورة.
ان الاغلبية الصامتة والمطلقة من جماهير العراق قالت كلمتها ب (لا) للعملية السياسية من خلال عدم مشاركتها في مهزلة الانتخابات، وان تغيير المعادلة السياسية وقواعد اللعبة السياسية في العراق منوط بدور من الذي يلعب بشكل جيد، ولكن خارج العملية السياسية.


سمير عادل
رئيس مؤتمر حرية العراق