المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صعاليك اليوم الذين يرفضون الظلم والهوان



الشاعرمحمدأسامةالبهائي
04/03/2007, 02:12 AM
بالتضامن مع الأخت الكريمة بنت الشهباء أشارك إلي جوارها بهذه الإطلالة عن:

الكاتبة والمفكرة الاسـلامية
نوال السباعي

في حوار مع
صوت الحق والحرية
عندما تكون الدولة فردا وعندما يكون اقتصادها في جيب رجـــــــل واحد
فاعلم ان النهاية آتية نحن تنكبنا عن دورنا الانساني في صناعة الحضارة
واقتصرنا على دورين اما التكفـير او التفجيــــر
أجرت الحوار لصوت الحق والحرية : ختام دحلة

ماذا نتوقع من انظمة يخشى من ينتقدها ان تطاله رصاصاتها كان من كان وفي اي مكان
هناك دول عربـــية لها وجود في قنواتها الفضائـية فـقــط ولا وجود لها بمقومات الدول
مشكلتنا اننا دائما نفكر في الاستقلالية ولا نفكر في الاختراق الايجابي

صدام الحضارات تكذبه حاجة القوم لانـــساننا وثرواتنا وحاجتنا لتقنيات الغرب وحضارته.
كثيرا ما يتردد على اسماعنا اسم الكاتبة الاسلامية نوال السباعي حين نستمع لآرائها ودرجة نظرها من خلال استضافتها بالفضائيات العربية ككاتبة وصحفية ومحللة سياسية تنظر الى الواقع الحزين الذي تعيشه الأمة العربية والاسلامية من منظور اسلامي شمولي ، فعلى الرغم من وجودها في الغربة وكونها في المهجر وتحديدا في مدريد حيث تعيش واسرتها هناك فإن ذلك لم يحل دون انطلاقها بحرية فكرها لتؤدي رسالتها الاعلامية بمفهومها الصحيح دون قيد او شرط ، بل على العكس فكما تقول الاستاذة نوال السباعي ان معظم الادباء والكتاب العرب الذين هاجروا او هُجروا من بلادهم ، انما خرجوا بحثا عن الحرية وعن ارض يستطيعون ان يقولوا ويعتقدوا فيما يرون ، دون ان يحاول جلاد سلخ جلودهم او تركيعهم او شراءهم ليُحنوا له اقلامهم .
يسرنا في صوت الحق والحرية ان نجري حوارا مع الاعلامية اللامعة نوال السباعي لنتعرف من خلال نظرتها التحليلية والشمولية الى واقع الأمة العربية والاسلامية في مرحلة من احلك المراحل التي تواجه فيها الأمة حربا عالمية في جميع الاتجاهات وعلى جميع الأصعدة .
ونذكر اعزاءنا القراء على ان مجلة اشراقة * اجرت حوارا آخر مع الكاتبة نوال السباعي سنقوم على نشره في العدد القادم بإذن الله ويتضمن الحوار القيم العديد من الأمور المهمة في حياة نوال السباعي واشياء اخرى فترقبوا .*

تتعالى الصيحات اليوم في العالم العربي والإسلامي بوجوب التغيير، وإجراء إصلاحات جذرية .. فكيف تقرئين هذه الصيحات ؟
نوال السباعي:
التغيير والاصلاح في عالمنا العربي على وجه الخصوص ليس مجرد مطلب, انه شرط استثنائي وأولوية لا بديل عنها في مسيرة أمة تصر على الانتحار الجماعي منذ عقود من الزمان وهي تتخبط في مكانك راوح دون أن تحسن التصرف , ودون أن تعرف كيف تبدأ الطريق .
معضلة هذه الصيحات اليوم ليست في ماهيتها وحيويتها وضرورتها الملحة ولكن في هذا التوقيت العجيب الغريب الذي جاءت فيه , والذي بدت معه وكأنها مطالب للمستعمر في بلادنا !..فضلا عن أن الحديث في التغيير اقتصر في وسائل اعلامنا على تغيير المناهج الدينية بما يخدم مصالح هذا المستعمر وتطلعاته .
نعم وألف نعم للتغيير الشامل العام لمناهجنا الدراسية والتربوية والسلوكية والاجتماعية بما يتوافق مع هوية هذه الأمة وأسس قيامها , ولا.... ألف لا للتغيير الذي يأتي خدمة لأعداء الأمة!
خذي على سبيل المثال المناهج الدراسية في مدارسنا وفي مختلف الدول العربية مع تفاوت بالطبع بين دولة واخرى , إنها مناهج قميئة متخلفة وكأنها وضعت بهدف واحد فقط هو تحجيم القدرات العقلية للأطفال , وكأنه لم يكن لواضعيها من هدف الا شل قدرة الجيل الجديد على التفكير والتغيير واحداث انفصام كامل في شخصيته , عن ماذا أحدثك؟ عن مناهج الرياضيات التي تنتمي الى القرن الماضي ؟ أم عن منهج العلوم الطبيعية الذي هو أقرب الى مناهج القبائل البدائية في العصر الحجري ؟ أم عن منهج الوطنية؟ وما أدراك ما التربية الوطنية التي هي حكر مقصور لعبادة أولياء الأمر الذين لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم !.. وعلى سبيل المثال لا الحصر درس ابني وهو في الثانية عشرة من عمره عندما كان في الصف السادس الابتدائي في المدرسة الاسبانية أكثر من شهر كامل الثروات المعدنية التي تحرك العالم وتقرر سياساته وعلى رأسها البترول , ودرس في أكثر من ثلاثين صفحة طبيعة التغيرات الهائلة التي شهدتها الدول العربية بسبب هذه الثروة وبالطبع الوضع السياسي الجغرافي العام لهذه البلاد وعلاقتها بالسياسات العالمية , وعندما انتقل الى احدى المدارس العربية في مدريد وهو الآن في الصف السادس , يدرس في كتاب الوطنية في نصف صفحة فقط الفرق بين الماضي والحاضر في هذا البلد العربي البترولي الذي تتبعه هذه المدرسة , فتحدث الكتاب عن أن الطرق لم تكن ممهدة ووسائل النقل تطورت فيما بعد وكأن هذه التطورات مكرمة لولي أمر البلد دون أن يتطرق الكتاب لحرف واحد عن البترول الذي قامت عليه نهضة هذا البلد وغيره !.
هذا في باب مناهج التدريس العامة فقط , ولا أتحدث عن تدريس الدين؟ الذي يُخرج لنا امعات جهلة لا يفقهون من الاسلام الا أحكام الحيض والنفاس والاستنجاء وطاعة أولي الأمر .
التغيير كما قلت ليس مطلبا فحسب انه ضرورة حيوية , نحن بحاجة الى احداث انقلابات واسعة في كل شؤون حياتنا , الثقافية والسياسية والتربوية والاجتماعية بدءا من المدارس والاعلام , خاصة وأننا في مرحلة حساسة جدا نعيشها وقد وصلت الصحوة الى مفترق طرق عسير في ذات الوقت الذي تشهد فيه بلادنا عودة الاستعمار بقواه العسكرية الى قلب الامة , وهو وضع شاذ , ولكنه ليس غريبا على التاريخ وقد عاشت هذه الأمة ظروفا مشابهة مرات عديدة, وعاش غيرها ظروفا أشد قسوة كاليابان وألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية , واستطاعت هذه الأمم واستطعنا أن نقف على أقدامنا من جديد وهذه هي المهمة التي تشمل كلمتي التغيير والاصلاحات الجذرية بشكل أساسي , أما التغيير السياسي فمن المفروض أن يكون آخر ما نفكر فيه الآن بالذات من تغييرات لأن الحرية كالاصلاح كأعادة البناء لا يمكن أن تفرض بفرمانات فوقية ولكنها امور تنتزع انتزاعا من قبل الشعوب, ولا قيمة لأي تغيير سياسي ما لم يُسبق بتغييرات اجتماعية وتربوية وانسانية جذرية في بلادنا.

فجيعة العراق بينت أن الوهن الحضاري لا يزال يلف هذه الأمة من طنجا حتى جاكرتا , كما بينت هشاشة النظام العراقي مقابل ما كان يدعيه لأكثر من عشرية .. فإذا كان النظام العراقي على هذا الشكل فكيف بالأنظمة الأخرى .. نريد منكم توضيحا حول جانب هذا الوهن .. وما مصدره حسب رأيك ؟
نوال السباعي:
هذا سؤال كبير وخطير , يذكرني بمقدمة ابن خلدون وحديثه عن وهن الأمم وتآكلها , ولعل أفضل وصف وأكثره دقة لغوية لما نعيشه اليوم إنما هو وصف الوهن الحضاري , لقد ناءت حضارتنا بأبنائها , الذين شوهوها بثقافاتهم المتخلفة , والتي بقيت محصورة في الزمان والمكان خمسين عاما , وقد وجدت الأمة نفسها اليوم مضطرة لمواجهة حضارية عاتية بسبب الحوار الحضاري الدائر والدائب بين الأقليات المسلمة والشعوب الغربية في بلدان أوروبا الاتحادية .. في أكبر عملية غربلة ثقافية تشهدها أمة قط , لأن ثقافتنا كانت قد غلبت حضارتنا ردحا طويلا من الزمان , ونجد أنفسنا اليوم مضطرين لاعادة النظر في هذه الثقافة واستنادها الى الحضارة والا فعلى الأمة السلام.
هشاشة النظام العراقي لم تأت هكذا بين عشية وضحاها , لقد مارست الولايات المتحدة بتوجيه من اسرائيل ودعم من بريطانيا التي ما فتئت تسمي نفسها بالعظمى , مارست مع العراق لعبة مصارعة الثيران الاسبانية , مصارعة الثور سلميا ومناورته حتى اذا بدا غافلا طعنه المصارع بالرماح في جهات عدة من جسده حتى تنزف دماؤه وتنهك قوته فيجهز عليه بضربة قاصمة في الدماغ.
لقد بلغ العراق شأوا بعيدا في الاعداد والقوة ولكن حكامه نسوا قاعدة تاريخية أصيلة وهي أن القوة لا تنفع الحاكم ما لم يدعمها بحب الشعب أو احترامه , وأن المستقبل لايبنى على جماجم الأبرياء , وأن انتزاع الرغبة في الحياة من صدور المواطنين يستدعي قيام المملكة على نمور من ورق يتخلون عنك حال سقوطك.
ماذا فعل العراق بكل قوته وثرواته؟ لا شيء! غزا ايران بدعم من دول الخليج التي كانت خائفة من تصدير الثورة الخمينية وقد نسوا جميعا قاعدة أخرى ذهبية من قواعد السياسة والتاريخ وهي أنه وفي وجه العواصف والأعاصير لا ينفع بناء الأسوار ولكن زراعة الأشجار!
بماذا خدم العراق القضية الفلسطينية ؟ أو حتى المسألة القومية العربية التي أراد بناءها كغيره على أشلاء إخواننا من أبناء القوميات الأخرى التي تشكل مع العرب لحمة هذه الأمة وسدتها وشرايينها ودماءها.
لا أتفق معك بأن الأمة تعاني هشاشة من طنجة الى جاكرتا , هناك دول آسيوية اسلامية استطاعت أن تفعل الكثير وما زالت , وهناك دول عربية كالمغرب مثلا تتمتع بهياكل اجتماعية وبنى انسانية اجتماعية تحتية لا تكاد تماثلها فيها أية دولة عربية أعرفها , وهناك دول عربية مثلا لا نعرف فيها ولحسن الحظ- اسما لابن الرئيس ليرثه في جمهورياتنا الثورية الاشتراكية الجماهيرية وهذا أمر عظيم كما ترين وتقدم كبير في حياتنا السياسية أن نجد جمهورية واحدة لانعرف فيها اسم ابن الرئيس!! كما أننا بالمقابل نعيش ونشهد تآكل دول أخرى بحكوماتها ونظمها الاجتماعية وجعجعاتها الاعلامية ,ويعبر ذلك عن نفسه بفساد رنان وتهاوٍ في النظم وتسارع في عدد الفضائح التي ما عاد بالامكان تغطيتها والتستر عليها .
عندما تكون الدولة فردا , وعندما يكون اقتصاد الدولة في جيب رجل واحد وأبنائه , وعندما تجد هذا الشقاق النكد بين الشعب الكادح الذي يموت من أجل لقمة العيش أو توفير أدنى درجة من الخدمات الانسانية الاجتماعية , وبين فئة قليلة جدا من أقرباء وأنسباء ومعاوني الرئيس أو المسؤول تعيش كالطفيليات على حساب الأمة فاعلمي أن النهاية آتية لا محالة ....يا أختي..كأن الرؤساء والمسؤولين في بلادنا لا يقرؤون التاريخ!!.
وما مصدر هذا الوهن؟؟
نوال السباعي:
هذا الوهن ذو شقين متساويين ومتناسبين ومتوازيين , أولهما هذا الحاكم الذي أله نفسه على العباد , وثانيهما هم هؤلاء العباد الذين سمحوا لهذا الحاكم أن يتفرعن في البلاد!!
هكذا بكل هذه البساطة , نحن تنكبنا عن دورنا الانساني في صناعة الحضارة , وتخاذلنا عن القيام بواجبنا الفردي والجماعي في النمو كأفراد ومجتمعات وأمم , وتركنا الحاكم يفعل بنا ما يشاء , واقتصرنا على دورين إما التكفير أو التفجير , وهناك وقفت كل ابداعاتنا الثقافية في القدرة على تغيير ما نزل بنا , لم نستطع تطوير نظرة نقدية شاملة لأنفسنا ولا لثقافتنا ولا لأساليب التربية في بلادنا ولا للاخطاء المريعة التي ترتكب في مجتمعاتنا باسم الدين , وكانت هذه النظرة سببا رئيسيا في عرقلة مسألة التربية والنمو في بلادنا لأننا ظننا وفي المقدمة الكثير من الجماعات الاسلامية في البلاد العربية أن أي اتهام للثقافة يعني اتهاما للحضارة , وأن اتهام السلوكيات الشاذة في المجتمع قد يعني اتهام الدين الذي تتكئ عليه هذه السلوكيات فتجعله مبررا لانحرافاتها وشذوذها وهو من ذلك براء .
هذه المعضلة جعلتنا نخلط ما بين التربية والتعليم , وما بين الدين والعادات والتقاليد , وما بين ضرورة التغيير والتمسك بالمبادئ والأسس والثوابت .
انها ثنائيات خطيرة يجب أن يبدأ بالتفكير فيها كل عمل يرمي الى التغيير واعادة البناء.

وهل انتقال النظام الليبي من حالة المواجهة إلى حالة الاستسلام غير المشروط دافعه القوي ما جرى للعراق ولصدام خصوصا.. مطبقا في ذلك مقولة «أكلت يوم أكل الثور الأبيض»؟
نوال السباعي:
إن ما نراه اليوم في الحالة الليبية وغير الليبية لا يندرج تحت أي اسم معروف في قواميس اللغة والأدب والسير والأخلاق والسياسة !.. وهناك دول تعاني من حالة غير سوية من النفاق والغش التاريخي فهي مستسلمة بالكامل للوضع الراهن ولكنها ما تزال تبيع الشعارات والكذب وتمارس الدجل الاعلامي المفضوح.
ولكن ماذا كانت هذه الأمة تنتظر من مثل هؤلاء الحكام؟؟
نوال السباعي:
أنا شخصيا ما كنت أنتظر الا هذا الانبطاح المدوي , انها دول تحكي نهاياتها وانها سياسات معروفةٌ أواخرها , ونحن اليوم في زمن ما عاد فيه لورق التوت أي قيمة لأنه ما من حاجة اليوم لورق التوت.
اذا كان مايجري في العراق هو الدافع خلف هذه التصرفات الشاذة اليوم فتلك مصيبة , واذا كان الدافع غير ذلك فالمصيبة أعظم , ماذا ننتظر من مثل هذه الأنظمة المسكينة المكشوفة للقاصي والداني ؟ ماذا ننتظر من أنظمة تمر كل عائدات الثروات في بلادها الى جيب الحاكم مباشرة لا يتجرأ أحد في الدولة على سؤاله عن شيء منها؟ ماذا تنتظر من جمهوريات وجماهيريات عظمى وغير عظمى يورث فيها الحكم لأبناء الرئيس وهي تجعجع بالشعارات وبحكم الشعب ؟ ماذا تنتظر من شعوب تعاني من الارهاب الى درجة استثنائها ألبتة من الحياة وكأنها شعوب شبحية لا وجود لها اطلاقا على الخارطة الانسانية العالمية؟ ماذا ننتظر من أنظمة يخشى كل من يتفوه بحرف عنها على نفسه أن تطاله رصاصاتها وارهابها كائنا من كان وفي أي مكان من هذا العالم كان؟!.
هل كنت تنتظر غير ذلك الانبطاح وذلك الذل وهذا الانهيار وهذه الفضيحة؟! والمصيبة أن هذه الأنظمة تظن أنه يمكن خداع الشارع بمثل هذا الاعلام الغبي القاصر الذي تملأ به فضائياتنا جعجعة وقعقعة ودندنة وكذبا ودجلا ونفاقا وخيانة للشعوب وللتاريخ , وهو اعلام يشكل بحد ذاته مصيبة وكارثة وفضيحة.نعم يمكن أن تخدع بعض الناس لبعض الوقت ولكن يستحيل أن تستطيع خديعة كل الناس لكل الوقت.
بمناسبة الحديث عن الاعلام فان الإعلام العربي اليوم أصبح لصيقا إما برجال المال أو بجهات اسخباراتية ومن كان غير لصيق بهذين الصنفين فسوف يلقى تضييقا وحصارا كبيرين .. فهل هناك مخرج حسب اعتقادك لهذا الإعلام الذي يتوجب عليه أن يلعب دورا مستقلا ؟

نوال السباعي:
هناك دول عربية لها وجود فقط في قنواتها الفضائية!! ولاوجود لها بمقومات الدول على أرض الواقع!! حكامنا أقاموا دولهم المزعومة في الفضائيات , وشعوبنا هاجرت الى الانترنيت لتقيم دولها الأفلاطونية فيه. عندما تنظر الى ما تعرضه دولة عربية ما على فضائياتها يبهرك جمال الطبيعة الخلاب ونظافة الشوارع والمدن والخدمات الهائلة التي تقوم أجهزة الكذب والنفاق بتلفيقها في أعلام هذا النظام أو ذاك , بينما عندما تزور تلك الدول تصطدم بالفوضى العارمة والقاذورات التي تعم العاصمة وشوارعها الرئيسية فضلا عن القرى والأماكن التي لا يسمح لكاميرا بدخولها قط, كل حاكم عربي اتخذ بطانة من الكذابين المتملقين الذين يحسنون الكذب الاعلامي الى درجة أن يصدقهم الحاكم نفسه!.
أولادنا هنا في الغربة يبهرون بأوطانهم الملفقة على موجات أثير الأطباق الفضائية فاذا ما زاروا بلادهم عادوا بإحباط وشعور مرير بالخديعة العلقمية.
الاعلام أحد دعامتين اثنتين لاحداث أي تغيير في أي شعب أو دولة أو أمة , لقد استطاعت دولة كاسبانيا التي كانت تُصنف على أنها دولة من دول العالم الثالث أن تحدث نقلة تاريخية مذهلة في بناء بناها الاجتماعية وهياكلها السياسية والانسانية والاقتصادية واعادة ترتيب كل أوراق الشخصية الاسبانية في زمن لم يتجاوز الخمسة عشر عاما فقط وذلك من خلال الاعلام الذي لعب دورا هائلا في هذه القفزة النوعية .
مشكلتنا انعدام الارادة السياسية لاحداث أي تغيير اجتماعي بما يتناسب مع طبيعة ومتطلبات شعوبنا , كما انعدام القدرة على الصدق مع أنفسنا وشعوبنا .
ويختلف الأمر فيما يتعلق بهذه القضية بين دولة وأخرى , وكذلك تختلف باختلاف البلد درجات الصدق والكذب والنفاق لدى بطانة هذا الحاكم أو ذاك.
المخرج الوحيد لهذا الاعلام هو تأمين الكوادر الاعلامية القادرة على خدمة الأمة وليس خدمة هذا النظام أو هذا التوجه أو حتى هذه الحركة الاسلامية أو تلك, وهذه احدى أكبر أخطاء الاسلاميين الذين تسنموا بعض وسائل الاعلام في السنوات الخمس الأخيرة.
مشكلتنا أننا دائما نفكر في الاستقلالية ولا نفكر في التعايش والاختراق الايجابي , لا يمكننا حاليا أن ننشئ وسائل اعلام مستقلة لكل فكر جديد ونظيف ولكل اتجاه سياسي أو فكري ولكن يمكن للفكر النظيف والجديد أن يُمكن لنفسه ويشق طريقا في وسائل الاعلام الموجودة , وقد اعتاد ما ينفع الناس أن يمكث رغم أنف أعداء الانسان والحقيقة.

علاقة المثقف بالسلطان في ديارنا الإسلامية أصبحت محل شبهة .. فكيف حسب رأيك يمكن تجاوز هذه الشبهة وتفكيك ثنائية- المثقف- السلطان بحيث تكون هناك استقلالية من أجل لعب الدور المنوط لكل واحد؟

نوال السباعي:
أظن أن هذه العلاقة لاتقتصر على بلادنا الاسلامية فحسب , إنها علاقة ممتدة في الأزمنة والأمكنة جميعا , انظري معي الى الصحف الأوروبية ومهما بلغت من ادعاء الاستقلالية وعدم الانحياز , فان هناك تيارات سياسية تمتلك صحفا ومؤسسات اعلامية كاملة تسير من خلالها الرأي العام في البلاد , وانظري معي الى الصهيونية العالمية ومصنع أفكارها ورأيها العام هوليوود , وقدرتها الهائلة على شراء الأقلام والرؤوس والضمائر , المعروف في هذا الباب أن خدام السلطة سياسية كانت أم اقتصادية يذهبون مع هذه السلطة الى مزبلة التاريخ , وهذا هو حال شعراء وعلماء وفقهاء وكتاب السلطة في كل زمان ومكان وأمة , وأما الذين وقفوا في وجه السلطة وأصروا على كلمة الحق فهم وحدهم الذين يسجل التاريخ كلماتهم وأفكارهم وحياتهم ومواقفهم , وهم وحدهم الذين يبقون مشاعل على درب الانسانية .
هل نعرف اسم الملك الاسباني الذي صدر في عهده الحكم بالموت حرقا على أكبر أديب اسباني عرفه التاريخ؟ لا نعرفه ولا نعرف أزلامه من أدباء أو كتبة ! ولكن لا تكادي تجدين أحدا في الارض اليوم إلا ويعرف « ثيربانتس» !, كل الناس يعرفون من هو «غاليلي» الذي قتل بسبب أفكاره , «سعيد بن جبير» و«ابن حنبل» نعرفهما ونذكر اسميهما ولكننا لا نعرف واحدا من الذين أعانوا السلطان على محنتهما ,« ابن تيمية» اسم ملأ الآفاق وقد قضى في السجن حقبات طويلة ثابتا على الحق«سيد قطب» وعلى الرغم من الشنق والتغييب والتعتيم ما زال يعتبر أحد أرفع العقول التي عرفها العالم العربي في القرن العشرين ويعتبر كتابه الظلال في جامعات أوروبا التي تدرس الأدب العربي رائعة فنية أدبية استثنائية بغض النظر عن افكاره السياسية التي نتفق معها أو نختلف.
أكثر من ذلك ...ألا ترين معي أن شعر«نزار قباني» أصبح على كل لسان وفي كل بيت حيا في كل ضمير ؟ خاصة شعره الذي سبق فترة وفاته والذي عاد فيه الى أمته ففضح حكامها وحمل همومها وخلد أبطالها من أطفال الحجارة , فأين شعراء السلطة وأين مثقف السلطة وأين منافقو الحكومات المرتزقة ؟, انهم لا يحلمون بأن يصلوا الى واحد بالمائة مما وصل اليه شاعر معارض«كأحمد مطر» الذي لايكاد يعرفه أحد ولكن شعره على كل لسان وفي كل جنان.
صدقيني ..لا حاجة بنا الى تفكيك هذه الثنائية , لأنها ثنائية تتميز بآلية السقوط وحدها , ولكننا بحاجة الى التعاون والتعاضد والتكاتف مع صعاليك اليوم الذين يرفضون الظلم والهوان والقولبة , ولا يخشون في الله لومة لائم ويعانون في سبيل ذلك الأمّرين ولكنهم لا يستسلمون , يتركون الكتابة ولا يلوثون أقلامهم بكلمة غزل للطاغوت عندما يصبح الصمت فضيلة في أزمان القهر الذي يضطر فيه المثقف الى المراءاة والكذب والدجل ليستمر.

في هذا الاطار ..هل يمكن اعتبار تصريحات شيخ الأزهر سيد طنطاوي مجرد تصريحات سياسية تدخل في إطار الحفاظ على الود الديبلوماسي بين البلدين- مصر وفرنسا- أم أن التصريح جاء فلتة لسانية لم تكن فقط محسوبة؟

نوال السباعي:
أظن أن هذا السؤال يجب أن يوجه الى الرجل فأنا لا أعرف نيته ومقصده .
يا أختي ..الأمة لا تجتمع على باطل , والناس ليست حمقى , نحن نعاني من دمار في بنانا الاجتماعية وتآكل في حياتنا السياسية وانهيار في مؤسساتنا الورقية , ولكننا بحمد الله ما زلنا أمة ثابتة صامدة تعرف الحق وتعرف الباطل , وتحسن التعامل مع الصدق ومع الكذب..ليس من السهولة بمكان خديعة هذه الأمة , لقد كانت آخر مرة خُدعت فيها يوم السادس من حزيران عام سبعة وستين , ومنذ ذلك اليوم وديناصوراتنا الخيالية« الفانتازية» تنهار واحدا إثر واحد , كلهم.. السياسيون منهم والعقائديون ومدّعو المشيخة ومدعو الفتوى ومدعو التحرر والعلمنة , كلهم لقد كفرت الأمة بهم جميعا وهي الآن في مرحلة بالغة الخطورة وقد بلغت الصحوة مفترق طرق وعلينا أن نقرر أين نقف ووراء من يجب أن نسير وفيمن يجب أن نثق.
أنا شخصيا كواحدة من هذه الأمة لا أعتبر هذا الشخص ممثلا عني ولا مرجعا دينيا لي ولو كنت مكانه لاستقلت وأرحت العباد والبلاد .

في هذا السياق تأتي قضية الحجاب في العالم الغربي على وجه الخصوص وفرنسا على وجه التحديد وقد بدأت تشكل عنوانا بارزا في الحرب القادمة بين الشرق والغرب.. فهل هي مرحلة جديدة يدخلها الغرب اليوم في حربه ضد العقيدة الإسلامية كما بشَّر بها كتاب صدام الحضارات لصمويل هنتنجتون ؟أم أن المسألة مجرد صدفة لا غير؟

نوال السباعي:
بصراحة لا أتفق معك في هذه النقطة , أنا لا أظن أن مسألة الحجاب اليوم وفي هذا الاطار تشكل عنوانا لصراع قادم بيننا وبين الغرب , ربما أكون على خطأ في تقديري للمسألة وربما تكشف الأيام عن ملابسات أخرى للقضية , أنا من الذين يظنون أن هذه المسألة مجرد فقاعة أو بالون اختبار لطبيعة الوجود الاسلامي في الغرب , أُطلق في باريس بجهود تآمرية محضة دعمناها نحن بجهلنا بديننا وبحضارتنا أولا ومن ثم بتطبيقاتنا الثقافية المغرقة في اتخاذ العادات والتقاليد دينا من دون دين الله .
من جهتنا الأخطاء القاتلة للجاليات المسلمة في الغرب هي التي أوصلتنا الى هذا المأزق , والذي أرى أننا نحاول حله باحداث مأزق أكبر منه , من هذه الأخطاء معاملة المرأة بطرق غير اسلامية غير حضارية , فنحن عندما لم نفهم طبيعة اسلامنا أصبحنا مجرد مواطنين لا ننتمي الى أي وطن ولكن الى جاهلياتنا وإلى عادات وسلوكيات لاتمت لاللاسلام بصلة ولا تمت للسلوك المتمدن الحضاري بصلة , خذي على سبيل المثال اصرار البعض على تربية نسائه من زوجة أو بنت أو أخت بالضرب العنيف وأبلغ أنواع سوء المعاملة النفسية, حرمان المرأة من كل حقوقها الفردية والأسرية والمادية وتهديدها الدائم بالطلاق أو الزواج بأخرى , ارغام الفتيات الصغيرات جدا على الحجاب بدعوى أنهن يجب أن يعتدنه باكرا , تزويج البنت رغم أنفها ممن تكره واعتبار المهر ثمنا لهذه البنت , عرقلة الزواج بين الشباب وجعله قضية تعجيزية .

اذا كانت بلادنا تنوء بمثل هذه المخالفات الشرعية والحضارية والانسانية فماذا تريد أن يكون الحال في هذه البلاد التي تحمي حق الفرد وسلامته الجسدية والنفسية وتحرس انسانيته بنص الدساتير والقوانين وسلطة الشرطة والقضاء؟.

نوال السباعي:
سوء فهمنا لاسلامنا هو السبب فيما نحن فيه اليوم من مآزق , والمصيبة الحقيقية تكمن في أننا نقدم للعالم فهمنا القاصر وغير السوي للاسلام على أنه الاسلام.
قضية الحجاب التي كانت مثارة في فرنسا لن تخلو من خطورة حقيقية اذا نحن لم نحسن التعامل معها , اننا أمام امتحان واختبار لقدرتنا على تجاوز أنفسنا قبل أن نكون في مواجهة صدام مزعوم مع الحضارة«المضيفة الغازية» .
أما من جهة القوم ..،. فأنا لااستطيع أن أزعم أننا في وضع نحسد عليه , كما لا أزعم أن في الدول الغربية من لا يتمنى نشوء صدام دموي مع الجاليات العربية المسلمة المقيمة بين ظهرانيه ليحصل على المبرر الكامل واللازم والكافي لاخراج المسلمين إما سلما أو ذبحا من اوروبا , كما لا أظن أن في الغرب كله بشقيه الأمريكي أو الأوروبي وبكل اتجاهاته السياسية والفكرية والثقافية من يُكن لنا اليوم حبا أو احتراما وذلك بسبب من الدعاية الصهيونية الدؤوبة التي جعلتنا وحوشا في نظر هذا الغرب, كما بسبب سلوكياتنا غير الاسلامية وسوء فهمنا وتطبيقنا للاسلام , ولكن هذه الأمور مجتمعة يجب أن نوظفها لنحول القضية الى قضية امتحان حقيقي لقدرة الديمقراطية على استيعاب الآخر , لا أن نصبها في بوتقة صدام بين الحضارتين يكذبه الواقع ويكذبه التعايش اليومي العصيب بين المهاجرين المسلمين وأصحاب البلاد الاوروبيين , وتكذبه حاجة القوم لانساننا وجهده وشبابه وثرواته وحاجتنا لتقنيات الغرب وحضارته وبعض المجالات التي اثبت فيها تقدمه انسانيا واجتماعيا .
غزوهم لنا قوبل بنزوحنا اليهم , والبلاد ما فتئت تفتح منذ خلق الله الأرض وما عليها بعز عزيز أو بذل ذليل.
اننا أمتان محكوم عليهما بالحوار الدائب الأليم والتزاوج المصلحي العجيب , وقد تجدان نفسيهما بين الحين والحين مدفوعتين الى صدام تفرضه مطامع البعض في أرضنا وثرواتنا ..وهذا لا يعني أن القوم لا يتمنون رحيلنا أو أنهم بدؤوا بالفعل يشعرون بأخطار حقيقية تهدد حضارتهم وثقافتهم بل وطبيعة التركيبة السكانية للبلاد , وأخطر من هذا وذاك الأخطار البالغة التي تهدد السياسات الغربية التاريخية في المنطقة التي أسموها لنا«الشرق الأوسط» .
كلنا يعلم أن الوجود العربي الاسلامي في أوروبا على هامش الانتفاضة الفلسطينية المستميتة في سبيل التمسك بحقوقها قد تسبب في تغيير الرأي العام الأوروبي لصالح القضية الفلسطينية , وهذا تغيير تاريخي غير مسبوق ولامنتظر بالنسبة للذين يمسكون بزمام الأمور الاعلامية والاقتصادية والسياسية في الغرب من الطبقة الصهيواستعمارية, وهذا أمر لايبشر بخير فكان لابد من اتخاذ أسباب حقيقية للتضييق على هذه الجاليات . الأمر كما ترين أنه حبة خردل من جانبنا وحبة علقم من جانبهم والتقت هذه التيارات المتعاكسة المتضاربة على أمر قد قدر.

المسلمون في أوروبا وأنت تعيشين في أسبانيا دورهم قد يختلف عما هو عليه المسلمون في بلاد المسلمين من حيث عدة جوانب .. فهل هناك مزايا فعلا قد يحوزها المسلمون الذين يعيشون في الغرب على عكس إخوانهم في المشرق العربي ؟

نوال السباعي:
مع الاخذ بعين الاعتبار الاختلافات الحقيقية الموجودة بين كل بلد أوروبي وآخر فإن هناك أمرين اثنين يميزان الوجود العربي الاسلامي في الغرب في هذه الحقبة التاريخية الصعبة التي نعيشها , أولهما تمتع الجاليات العربية المسلمة بشيء من الحرية يسمح للأفراد بتحقيق قدر لا يستهان به من الانجازات العلمية والثقافية وحتى التنظيمية , وثانيهما طبيعة الاحتكاك بالثقافة والحضارة الغربية بشكل يفرض على الفرد والجالية أن تجري عمليات مراجعة مستمرة لثقافاتها وسلوكياتها مع زيادة التمسك بهويتها وحضارتها .
من هاتين الزاويتين يشكل المسلمون في الغرب طليعة حضارية على غاية من الأهمية في إطار الحوار والتعايش والتفاهم بين الأمم .

نحن نملك الاسلوب الحضاري الأمثل لإنقاذ الانسان في الدارين , وهم يملكون الوسائل الحضارية التي تمخضت عنها كل التجربة الانسانية لتسهيل حياة الانسان ماديا في هذه الأرض وكما قلت لك سابقا نحن جيران لا حل بينهم إلا بالتعايش والتكامل والتفاهم .

بعد الحادي عشر من ايلول أصبحت الجالية العربية المسلمة في بلاد الغرب تعيش العزلة والتضييق فما الوسائل التي ترينها كفيلة من أجل الخروج من هذا المأزق خصوصا وأن الغرب أصبحت نظرته لكل ما هو إسلامي مرادفا للإجرام وللإرهاب؟

نوال السباعي:
هذه ثلاثة أسئلة خطيرة وعلى غاية من الأهمية؟ الواقع أن الجاليات العربية والمسلمة في أوروبا كانت قد عانت الأمرين بعد أحداث الحادي عشر من ايلول وكما تفضلت كان الوضع عزلة وتضييقا شديدين وحربا مستعرة على كل صعيد , اعلامي وسياسي , واجتماعي وانساني ونفسي , عندنا هنا في اسبانيا لاأستطيع أن أتحدث عن اعتداءات مادية واسعة النطاق على الجالية العربية المسلمة , بل على العكس من ذلك لقد اتسم سلوك الشعب الاسباني ابان الحادي عشر من ايلول بانضباط عجيب خارق مقارنة مع ما كانت تبثه وسائل الاعلام من حملة استعداء مفضوحة على المسلمين ,حتى أن احدى القنوات كانت تكرر في كل نشرة أخبار أنباء الاعتداءات هنا وهناك على العرب والمسلمين في أنحاء أوربا وكانت مقدمة النشرة تتساءل في نهاية الخبر : غريب أنه في اسبانيا لا يحدث هذا؟.
لقد تحلت كل من الجاليات العربية والاسلامية من جهة والشعب الاسباني من جهة ثانية بقدرة مذهلة على ضبط النفس , ولكن هذا لا يعني أنها لم تقع حوادث فردية هنا وهناك, كما لا يعني بأن العرب والمسلمين عانوا من أقسى أنواع الاقصاء والنبذ وسوء المعاملة النفسية , ومن حرب مستعرة نفسية أججت عليهم , كانت العيون تتهم والالسنة تسلق والوجوه تتمعر , البائع يتشاغل عنك كيلا يبيعك والسائق ينصرف بسيارته صامتا كيلا يحملك , والراكب في الباص أو المترو ينهض كيلا يجلس الى جانبك , لقد انتشر الخوف بين الناس وشعروا بانهم مقبلون على محنة عظيمة وبدأ التفكير الجدي بالنزوح والهرب قبل أن تشهد البلاد بوسنة وهرسك جديدة , ولم يكن هناك شيء على الاطلاق يمكنه أن يمنع تكرار ما حدث بالأمس القريب جدا في البوسنة والهرسك الا ارادة الله .
هذا الوضع الذي أتجرأ على وصفه بالمريع والفظيع لم يستمر طويلا , وهذا من أعجب الانقلابات الاجتماعية النفسية التي شهدتها في حياتي , لقد بدأت الحقائق تتكشف , وبدأ كذب السياسيين يشكك الشعوب الأوروبية بمصداقية ما يحدث على أرض الواقع وانقلب السحر على الساحر , لم تمض أشهر معدودة حتى انقلبت الاوضاع وبدأت تعود الى ما كانت عليه من تعايش في غاية الصعوبة بين المجموعتين المضيفة والمهاجرة , نعم بكثير من الحرج والترقب وسوء الظن بل وانعدام الثقة , ولكنها عادت الى عادتها من ذلك التعايش اليومي وذلك الحوار المعتاد انسانيا واجتماعيا , بل أكثر من ذلك لقد تسببت أحداث الحادي عشر من ايلول في بعض الانفراج لدى العرب في أوروبا فمن لم يكن يستطيع الصلاة من قبل في الاماكن العامة صار يتجرأ على ذلك , وازداد اقبال الناس بشكل لم نر له مثيلا على المساجد , لقد كانت صلاة التراويح في أول رمضان تلى الحادي عشر من ايلول أكبر مظاهرة حاشدة للعرب والمسلمين في وجه هذا المجتمع الذي أغلق أبوابه في وجه التفاهم وضرب صفحا على كل الأيادي البيضاء التي قدمها العرب والمسلمون بمجموعهم لهذه البلاد وعلى رأسها رفدها باليد العاملة الشابة والرخيصة .
لقد احتشد الناس في المساجد ليقولوا للشعب الاسباني ولأوروبا وللولايات المتحدة اننا أبرياء واننا أناس مسالمون واننا لسنا ارهابيين وان المعركة الدائرة في بلادنا بين الولايات المتحدة وحلفائها وبين المجاهدين في كل مكان لاينبغي أن تنتقل الى الارض الاوروبية , لقد كانت هناك رغبة متفجرة في تفجير هذه الآلام المكبوتة , هذه الأحلام المذبوحة التي حولت مشاعر المجتمعات الاوروبية تجاهنا من مشاعر الرفض والاحتقار الى مشاعر الخوف الهائل والانكماش .
بعد هذه التجربة الأليمة والمذهلة خرجت المجتمعات الغربية بقناعة شبه ثابتة وهي أن المسلمين في الغرب لا يمكن دمجهم ولا تذويبهم ولا ردهم عن دينهم , شيء يشبه اليأس منا , وبدلا من أن تيأس الجاليات بسبب سوء المعاملة البالغ والرفض والكراهية والتضييق النفسي على الناس , فقد أصاب اليأس أصحاب البلاد الى درجة أن مررنا بمرحلة تركونا فيها وشأننا لولا أن تفجرت أزمة الحجاب في فرنسا .
أظن أن تقديمي لهذه التجربة كفيل وحده بالقاء الكثير من الضوء على معاناة المسلمين في الغرب وعلى أوضاعهم بعد الحادي عشر من ايلول وعلى الآليات التي يجب أن تتخذها الجاليات لا للخروج من مأزقها في الربط بين الاسلام والارهاب ولكن للتبصر بمستقبل لا أراه كثير الاشراق بسبب من اصرار جهات خفية تدير العالم على تأجيج نيران صراع قادم لا محالة ما لم تنتصر القدرة لدينا على الالتزام بديننا كما نزل وتغليب حضارتنا على ثقافاتنا , وما لم ينتصر لدى الغرب عشقه للحرية والانسانية وحقوق الانسان والقيم الديمقراطية , ويستطيع تجاوز مأزقه التاريخي هذا باثارة صراع معروف النتائج في زمن نحن أحوج مانكون فيه الى هدم الاسوار وتنشيط الحوار واحترام الانسان وانقاذ البشرية من بلواها وعذاباتها.

* الموضوع نشر يوم أمس بواسطة بنت الشهباء بعنوان (من استغضب ولم يغضب فهو حمار)