المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة :المحروس من العين



سعيد نوح
04/03/2007, 02:33 AM
المحروس من العين السيد الشحات.هكذا صمم السيد الشحات أن يسمي ابنه. بعد أ ربعة أبناء وبنتين غير سقط لم يتم التعرف علي نوعه جاء المحروس، كما قالت الجدة التي كانت تعرف اليمين الأخير الذي أطلقه المعلم السيد الشحات العربجي ومن أجل ذلك أمسكت بابنتها فردوس وذهبت بها إلي مولاها أبو الطرابيش بمنشية جمال عبد الناصرفي العاشرة من صباح الجمعة وانتظرت معها حتي ارتفع آذان ظهر الجمعة وتركتها تدخل مع أطفال حديثي المولد في مقام المحروس محمد بن عبدالله بن إبراهيم بن..............بن عرب شاه الشهير بأبي الطرابيش

وتستمر في إسكاتهم حتي يسلم الإمام ويختم صلاته. يومها نذرت أن يكون اسم المولود المحروس علي اسم مولاهاالشهير بأبي الطربيش.

من العين كانت تلك إضافة الأب التي استمرت تؤرق حياته حتي يومنا هذا.

قال المهرج وهو يفرج عن ابتسامة خبيثة.

ـ ياعم مفيش حاجة اسمها من العين ديه. خلصني الله يسترك وراك طابور.

قال بطرس أفندي عبد الرسول كما ينادونه في الوحدة الصحية.

ـ يعني إ يه مفيش يافندي أنت؟ أ نا حر أسمي ابني زي ما أنا عاوز إن شالله أسميه كارتر ولا ريحان حتي.

ـ اسمه ريجان ياجاهل. وبعدين فيه كارتر لو عاوز. أنا كتبت بإيدي دي .

ورفعها في الهواء وهو يكمل.

ـ أربع عيال اسمهم كارتر.

ـ لا والله فكيه الأخ. اكتب وخلصّنا بدل ماروح أعمل تلغراف لوزير الصحة أقوله فيه إنك رافض تكتبلي ابني في المواليد.

ـ روح ياعم اشتكي في رئاسة الجمهورية مش الصحة بس.

ـ خليكم شاهدين أهو علي الأفندي مش عاجبه وزير الصحة ولا رئيس الجمهورية الجديد.

قال المعلم السيد الشحات أبو اليزيد العربجي وهو يمر بيده علي بعض أجساد الواقفين في الطابور.

ـ لوسمحت علشان اللي بعدك.

قال بطرس وهو يزيحه من أمامه بقرف.

ـ سلام عليكم.

قالها السيد الشحات وهو يرفع يده عاليا وذهب الي السنترال وكتب تلغراف لوزير الصحة

بناءً علي نصيحة عبد العظيم محمود الشيخ كاتب المحكمة الذي يسكن جواره والذي فتح عيونه علي كيفية أخذ حقه من الحكومة.لم يمض أكثر من سبعة أيام كما حدد له عبد العظيم الذي أمسك بيديه في صباح اليوم الثاني الذي رفض فيه بطرس أفندي كاتب الصحة كتابة المحروس ودخل به إلى السنترال مرة أخري ليكتب ستة تلغرافات صورة طبق الأصل من التلغراف الأول المكتوب للسيد رئيس الجمهورية الطازة والذي أعلن في خطبته العصماء أنه لن يحكم هذه البلدة الكئيبة أكثر من دورتين إلا ووقف بطرس عبد الرسول نعيم موظف الصحة ذاته أمام عشته التي يحوط عليها في أرض ملك الدولة بحكر ابو دحروج وفي يده شهادة ميلاد المحروس من العين السيد الشحات أبو المعاطي وهو يطلب منه أن يسامحه ويعفو عن خطئه في حقه.

نشـأ المحروس في ظل رعاية تخاف عليه من الهواء الطائر حتي أنه كان كثيرا ما يحلم باللعب مع أقرانه في حكر ابو دحروج أو مع أولاد عمه إبراهيم الشحات الشهيربأبي ليلي.قبل أن يشتهر بالكتف. في الأوقات القليلة التي كانت تسمح فردوس أمه له باللعب تحت نظرها كان يتفنن في صنع (قمشة) كرباج عبارة عن عصا طويلة مربوط بها من نهايتها أستك ، ويروح يضرب الكراسي والكنب قائلا بصوت رفيع وقاسي:

ـ حاه يا حصان.

كان يقولها بشوق عارم للإمساك بالكرباج الأصلي الذي يمسكه الأب ذاته ويتركه خلف الباب بمجرد دخوله قبل أن يجري إليه المحروس ، ويمسك به وكأنه أمسك بحلمه الأزلي.

مرت سنوات عشرة وهو محبوس في البيت دون أن يصنع شيئا غير الأكل والتبول والتبرز ولحظات قليلة يمسك فيها بالكرباج الذي أصبح يتفنن في صناعته كما أصبح يجيد العزف به علي الكنب والكراسي تماما .أخير وبعد الاطمئنان عليه أطلقه أبوه ليتدرب علي عربة عمه الكارو الصغيرة قبل أن يقرر وهو في سن السادسة عشر أن يدشن عربته الجديدة والتي كتب علي حوافها بخط رقعة جميل المعلم جمال ( بلف ) خطاط العربات الكاروا بعرب كفر العلو بعد أن زينها باللون الأحمر والأخضر الزرعي ورسم علم جمهورية مصر العربية مرتين علي الجانب الخلفي للعربة من الأطراف وبينهما كتب بلون أزرق " ملاكي المحرس من العين رقم 13ـ 10ـ 1981القاهرة" .

ومن ذلك الرقم نعلم أن المحروس من العين قد جاء إلى الدنيا وحيدا لأب كان قد أقسم علي الزواج بأخري لو أتت له زوجته فردوس بطفل آخر يحمله بين يديه لمرة وحيدة وهو في الطريق إلى المدافن في يوم تنصيب السيد رئيس الجمهورية الجديد دائما. وشاهدت الخطتين الطموحتين الأولي والثانية طفولة المحروس الذي رفض أبوه أن يدخله المدارس ووهبه للمعلمة. وفي منتصف الخطة الثالثة كان المحروس قد بدأ تدريبه علي عربة كارو صغيرة بحمار يشبه حمار سنشو بنثا حامل سلاح النبيل دون كيخوته دلامنتشا وعندما بدأت الخطة الرابعة دشن المعلم السيد الشحات وبجواره أخوه الأكبر إبراهيم الشحات الشهير بإبراهيم الكتف وفي وجود كوكبة من العربجية وزوجاتهم وأبنائهم الذين كانوا كالمحروس يتفنون في صنع (القمشة).

نزلت العربة يجلس فوق حصانها ـ الجر ذي الذيل الأحمر من دم الخروف الذي ذبح تحتها قبل أن تتحرك خطوة واحدة ـ المحروس وهو يمسك بابنة عمه ليلي والتي وُهبت له كعروس طاهرة سيدخل عليها بعد ذلك في نهاية الولاية الرابعة للرئيس الذي لم يعد يتذكر أرقام الخطط التي وضعها من فرط تداولها وصار يطمع فقط أن يكلل الله مجهوده بأن ينال الولاية السادسة ليصبح سادس الخلفاء الراشدين بعد أن أقنعه أحد معاونيه أن عمر بن عبد العزيز قد ضحك عليه ولهف منه الولاية الخامسة للخلفاء الراشدين .كانت العروس ليلي قد قدمت هدية لزوجها المستقبلي وابن عمها قبل أن تركب أمامه علي الحصان ، هذه الهدية عبارة عن كرباج سوداني مشغول اليد ومكتوب عليه بلون مخالف للون الشغل

( ولي فيها مآرب أخري )

وتحتها بخط آخر ووسط قلب يتخلله سهم

( ليلي والمحروس إلى الأبد)

يؤرخ بعض قاطني حكر ابو دحروج بأن ذلك اليوم الذي تمّ فيه تدشين عربة المحروس من العين هو اليوم الأول أو علي وجه الدقة هو المساء الأول الذي ظهر فيه البانجو بالحكر بتلك الطريقة. وللحق حتي لايشكك أحد في حكم هؤلاء المؤرخين ويقول إن البانجو قد ظهر قبل ذلك بأعوام وهو صادق لا شك لو كان المؤرخون قد اكتفوا بظهور البانجو فقط ولكنهم كانوا واضحين أشد الوضوح حين أضافوا جملة بتلك الطريقة. فهم يؤرخون لطريقة وضع البانجو في أطباق ملامين فوق أكثر من ثلاثين عربة من عربات الكارو لأي شريب جاء يجامل المحروس في حضور مطرب حلوان الشهير المرحوم رمضان البرنس الذي فقدته مصر إثر تعرضه لحادثة بعد أن أحيا أحد الأفراح في محافظة الشرقية بعد أن تناول شجرة بانجو كاملة لوحده كما يشاع ،وكان المعلم إبراهيم الكتف قد أتي بشوال منه للاحتفال بطهور ابن أخيه المحروس الذي لم يختن إلا في ذلك اليوم علي مسمع ومرأي من نسوان العربجية العجائز أهله وعشيرته، وذلك بعد أن لهف ما يقرب من شجرتين كاملتين من غير البذر.كان المحروس لا يستطيع الحركة من أثر يد عمه الكتف فقط ، كما لا يستطيع الكلام والصراخ من أثر البانجو الذي أصبح كالشلجم في فمه ومن هنا ظهر اسم الشهرة الذي صار يلقب به بعد ذلك. كان الألم الذي يشبه وضع سيخ محمي فوق منطقة حساسة مثل تلك المنطقة هو ما جعله يرد علي عمه إبراهيم الذي راح يسأله بعد أن أتمّ عوض الحلاق مأموريته العجيبة كما أصبح يطلق عليها وهو يحلق لزبائن أبو دومة وربما يرجع الفضل إليه في انتشار لقب المعلم المحروس من العين والذي كان في غني أي لقب بعد أن عهد إليه الأب المعلم السيد الشحات بلقب هو أشد إحكاما من لقبه الجديد

ـ إيه يا معلم محروس.حاسس بإيه يا جوز بنتي؟

سأل المعلم الكتف.

ولما كانت الدماء تسيل ما بين أفخاذه ساخنة مازالت وهو يفرشخ قدميه علي العربة الجديدة أمام البيت بعد أن وضع عليها مرتبة كنبة ومخدة تحت رأسه وهو يمسك بيد مرتعشة بجوان من البانجو الخالص ويأخذ نفسه ويحاول كتمه كنصيحة من أم العروس التي أطمأنت كثيراُ وتأكدت أنه يشبه عمه وكادت أن تحذر ابنتها التي لم تكن موجودة نظرا لتكاثر الرجال والنساء العجائز اللائي لم يعد لديهن شيئا يخفن عليه وصرن يتحللن من ارتداء أي شئ يحمل نجاسة ولكنها أجلت ذلك الكلام حتي يحين موعده إن شاء الله. أراد المحروس أن يرد عليه ويقول له أن سيخ محمي يسكن الآن في أعلي شيئه. ولكن البانجو الذي قد أتي ثماره علي فمه جعل الكلمات تخرج ناقصة ولا يفهم منه شيئا ذا بال مما جعل الكتف أبا ليلي يقول له باستنفاذ صبر نتيجة التهتهة التي أحدثها المحروس:

ـ بتقول إيه يا معلم؟

أشار إلى الحديد الذي يظهر من صبة الدور الأول وحرك يديه في الهواء ثم حركها علي خصره ليوضح ما يريد أن يقوله.

ـ بيشاور علي الصبة ياجدعان.

قال أحد المهنئين والذي كان قد لف سيجارة جديدة من البانجو الخالص وأشعلها ثم دفسها في حنك المحروس كتحية طائرة من أحد أقربائه ، أخذ نفسا من السيجارة ثم قال والسيجارة مازالت في فمه:

ـ الحديد اللي في المشلح اللي هناك ده.

ـ المحروس بيشاورعلي المشلح وهو مشلح يارجالة.

قالها الكتف وهو يكاد يغمي عليه من الضحك ثم صارت لقب المحروس الذي لم يعد من العين بل صار المحروس المشلح رغم أنه حتي الآن يجدد العربة المرسوم علي زاويتها الخلفية علمين لمصر يقف بينهما ملاكي المحروس من العين رقم 13ـ10ـ1981 القاهرة .