المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقاومة السبع سنوات، ومقاومة الأسبوع المقبل!علي الصراف



د. فخر الدين نجم العامر
08/04/2010, 07:41 AM
الآربعاء 7 نيسان \ أبريل 2010

مقاومة السبع سنوات، ومقاومة الأسبوع المقبل

علي الصراف


أن تقول المجموعة المنشقة عن حزب البعث العربي الاشتراكي، التي يقودها يونس الأحمد ومزهر مطني عواد، أنها تعتزم القيام "بعمليات نوعية ضد الاحتلال ابتداء من الاسبوع المقبل"، فالمرء لا يسعه سوى أن يقول "حي الله الزلم".

تفضلوا. البيت بيتكم.

وسأمنح نفسي الحق، بإسم الكلمة الحرة التي دافعنا بها عن دماء الشهداء والأحرار، أن أطلب من كل مقاوم، أن يمد لهؤلاء الأخوة يد العون لتنفيذ "الاستراتيجية الجديدة" التي وعدوا بها. وسواء بدأوا بعد أسبوع او بعد اسبوعين، فـ.. ليس بيننا. روح اربعة، أو خليها خمسة. شخصيا لست مستعجلا على شيء. انتظرنا سبع سنوات، وإذا أضفنا لها سبعة أسابيع، من أجل المزيد من "العمليات النوعية"، فلن تفرق كثيرا.

ما كان يحسن أخذه بالاعتبار، على أي حال، هو أن آلاف القتلى الذين سقطوا من الجيش الأميركي وعشرات الآلاف من الجرحى، ومثلهم الذين أصيبوا بالهستيريا، لم يسقطوا لانهم كانوا يحاولون تشغيل المكواة، فاصيبوا بصعقة كهربائية.

وآلاف المليارات من الدولارات التي تكبدتها الولايات المتحدة، ودفعت إقتصادها الى الهاوية، لم تذهب نتيجة لحوادث سير في شوراع بغداد، وانما بعمليات قتالية، خاضها مقاتلون على الأرض لا في البيانات.

الآن، عندما يريد السيد الأحمد ان يفترض ان المقاومة ستعود لتبدأ من "عملياته الاستراتيجية"، فلن يسع العاقل، والحريص على معركة التحرير سوى أن يقول له: تفضل. ولا تقصّر.

هذا بالنسبة للاستراتيجية، إذا كانت ذات مدلول عملي.

وأما بالنسبة "للزماط"، فهذا شيء آخر. لان "المزامط" عبر البيانات يختلف عن التمرغ بالتراب.

وحزب البعث، بقيادة المجاهد عزت الدوري، كواحد من أبرز أطراف المقاومة العراقية، لعب دورا مشهودا في الوصول بالاحتلال، وبدولته، وبعصاباته، الى ما وصلت اليه من محن ومآزق وأزمات.

وأعرف إن الرجل في العراق لا يكون رجلا ما لم يكن "قول وفعل". والسيدان الأحمد ومطني يعرفان أيضا. وبيانهما قال بصريح العبارة: "إنها والله مرحلة جديدة ستشهدها الأسابيع والأشهر القادمة يتم فيها الخروج من منعطف ما حلّ بواقع المقاومة من تراجع في عملها المسلح".

وتابع قائلا "سنكون جميعاً يداً واحدةً في الميدان، بإستراتيجيات جديدة، تنطلق من ذات الأسس التي أشعلت شرارة المقاومة المسلحة في الساعات الأولى من صباح العاشر من نيسان-أبريل 2003، ونحن قوم نقول ما نفعل ونفعل ما نقول".

فبارك الله بكم، ما صدقتم.

ونسأل الله أن تصدقوا القول، وتصدقوا الفعل. فهذه والله معركة تحتاج الى كل طلقة تذهب في الاتجاه الصحيح، وتحتاج الى كل يقظة ضمير تعرف ما الذي يوقظها. وتحتاج الى كل جهد في الميدان يضيف الى ما يقدمه المجاهدون الآخرون من أينما جاءوا. لا يبخسهم، ولا يُضعفهم. يعينهم ولا يُعين عليهم.

ولكن أما وإن "الأسبوع المقبل" لم يحل بعد، ومقاومته لم تبدأ بعد، فيحسن تدقيق بعض الحسابات.

1ـ من حيث المبدأ، كل إنقسام في صفوف المقاومة، ضار. وحزب البعث دخل المقاومة موحدا، ولكن لم تمض أسابيع على اعتقال الشهيد صدام حسين، حتى كان الأحمد لاجئا في سورية. ولم يمض اسبوعان على إعدامه حتى أعلن الأحمد تأسيس قيادة جديدة.. من سورية أيضا. في هذه الأثناء، وفي كل "الأثناء"، كان الدوري يقود أشرس المعارك ضد الاحتلال. لم يتوقف لحظة واحدة، ولا ترك ميدان المعركة، ولا بحث عن مأوى. ومازال الحال، على هذه الحال، منذ سبع سنوات.

الأمين هو وحده الذي يستطيع القول، ان المقاومة بالدوري، ما كانت لتكون هي نفسها من دونه.

مع ذلك، فالإنقسام ألحق ضررا بحزب البعث، ولكن مجاهدي هذا الحزب تغلبوا عليه. أما المقاومة التي تركها الأحمد وراءه، فلم تتوقف، وتواصلت وكأنه لم يكن.

2ـ الإشارات التي تدل على ان سورية وقفت وراء الإنقسام، اكثر من كثيرة. وهي تشمل تصريحات لكبار المسؤولين السوريين، وفي مقدمتهم نائب الرئيس فاروق الشرع. والسياق الذي عبرت عنه تلك التصريحات يوحي بان سورية لعبت دورا في "انتاج" و"اخراج" حزب بعث "معتدل"، وذلك لكي تقدمه للولايات المتحدة كبديل لبعث المقاومة.

حزب فاروق الشرع، المستعد للتعاون، كان هو الذي بدأ أولى المغازلات مع سلطات الاحتلال. ولكنه فشل في الحصول على موطئ قدم. أولا، لأن دم صدام رسم خطا فاصلا بين الوطنية والعمالة بالنسبة للبعثيين، وصار محرقة لكل من يرغب باجتيازه الى الضفة الأخرى. وثانيا، لان إيران لم تكن تريد أن تقدم أي شيء من حصتها لحزب يصنعه "الحليف" حتى ولو ضحّى بصدام، لانه في نظرها يظل "بعث عربي". وكل بعث في العراق مكروه وأجدر بالاجتثاث (أما تعاملها مع الحزب الحاكم في دمشق، فقد ظل في نظرها أقرب الى كونه حزب فيلم هندي منه الى حزب قومي عربي).

البحث عن "بديل" لبعث المقاومة ما يزال قائما. ويستطيع اي ربع دجال أن يقدم نفسه، لينعم بالرضا. بل ويستطيع كل الذين يريدون الدخول في المزاد، أن يذهبوا الى دمشق، وأن يصطفوا بالدور، لانشاء حزب بعث جديد، على رأس كل حارة. واحد: للإصلاح، والثاني للتجديد، والثالث، للتخلص من الأخطاء، والرابع، قيادة عامة، والخامس قيادة قومية، والسادس قيادة شعبية، والسابع، للتوحيد بين الأحزاب أعلاه. ولكن ليس بينها حزب للمقاومة، يتورط بالفعل بأعمال "إرهاب" تحاسب عليها كوندليزا رايس (الشقراء).

في المقابل، فان بعث المقاومة ما يزال مُلاحقا، وما يزال يتعرض لـ"الاجتثاث".

فما هو موقعكم، زاد فضلكم، من "الاجتثاث"؟

3ـ البيّنة على من أدّعى. لو قال بعث المقاومة انه سيقوم بعمليات نوعية ضد الاحتلال، فان أحدا لن يحتاج منه أن يقدم سبعا من آياته البيّنات. سبع سنوات من الكفاح اليومي، قدمت ما يكفي. ولكن عندما يطرح "بعث الأحمد" نفسه كعدو للولايات المتحدة، وعندما يتوعد بـ"عمليات نوعية" ضد الاحتلال وضد "حكومته العميلة"، فالبينة مطلوبة. ونسأل الله ان يوفّقه لتقديمها. فهذا ينفع المقاومة، ويوفر لها رفيقا في قائمة الملاحقة والاجتثاث. وفصيل إضافي للمقاومة إن لم يضر، فقد ينفع (إذا صدق الجهد).

4ـ بعث المقاومة يتحالف مع عدة فصائل، صغيرة وكبيرة، من فصائل المقاومة، وينسق عملياته مع بعض جبهاتها. وهذا ما يوفر لمجاهديه الحماية والكثير من مستلزمات القتال.

هل يتحالف "بعث الأحمد" مع أي أحد، وهل ينسق عملياته مع أي كان (من الفصائل التي لم يتم انتاجها في دمشق)؟

5ـ بعث المقاومة يُتبع ولا يَتبع. مرجعيته منه وفيه. وهو يتخذ قراراته بنفسه، ويتحمل مسؤولياتها بنفسه. وإذا اُتهم بارتكاب أعمال إرهاب، فان أحدا لا يذهب الى دولة في الجوار ليشكو أمره إليها.

فهل هذا هو الحال، بالنسبة لـ"بعث الأحمد"؟

6ـ نصف الاحتلال أميركي ونصفه الآخر إيراني. موقف بعث المقاومة من الاحتلالين واضح، إن لم يكن بالمُعلن منه، فبعداء النصفين الشرس له.

فما هو موقع "بعث الأحمد" من الإعراب في هذا العداء؟ هل يتعرض للعداء نفسه؟ هل يقف ضدهما؟ هل يقف ضد نصف، ويتساهل مع الآخر؟

في حرب مصالح واستراتيجيات شرسة، لا يكفي أن تقول لي من أنت. فلكي أعرف من تكون، قل لي من يُعاديك؟ وماذا يفعل عدوّك ضدك؟

7ـ "الدور الإيراني في العراق، إيجابي" من وجهة نظر الرئيس بشار الأسد. كم هو إيجابي أو سلبي من وجهة نظر الأحمد؟ وماذا ينوي أن يفعل تجاه المشروع الإيراني في العراق، وتجاه عملاء هذا المشروع؟

مقاومة السبع سنوات حققت الكثير، وقدم البعثيون قسطهم الباهظ من الآلام والمرارات. ربما لم ينجحوا في كل خياراتهم السياسية ولكنهم لم يخطئوا في خيار المقاومة. وهم ما يزالون يمسكون بالسلاح.

وكأي حزب سياسي، فانه عرضة الى أن يقع في خطأ حسابي هنا، وآخر هناك، ولكن الرقم الذي يمثله بعث المقاومة ما يزال كبيرا، وحسابه الاستراتيجي ما يزال صحيحا، ولن يضره نقص أو خسارة في كسور وأعشار... إذا وقعت فعلا.

الجرائم التي ارتكبها الغزاة، والوحشية التي تعاملوا بها مع العراق، وعصابات الفساد التي قادت سلطته، فتحت الطريق للوطنيين العراقيين لكي ينجوا بوطنيتهم، وأن يستعيدوا القدرة على لملمة الجراح وطي الأخطاء. وإلا لكانت راحت!

الحمد لله انهم كانوا مجرمين. والحمد لله انهم كانوا على فساد. والحمد لله انهم كانوا لصوصا وأنذالا، والحمد لله أنهم فشلوا في كل شيء على امتداد سبع سنوات.

لهذا السبب صارت المقاومة المسلحة ضرورية. ولهذا السبب صارت قارب النجاة الوحيد بالمشروع الوطني.

لم يتمكن عملاء الغزاة، لسبب يكمن في طبيعتهم، أن يسرقوا المشروع التحرري الوطني، وبسبب طائفيتهم نفسها، فشلوا في أن يقدموا مشروعا ديمقراطيا أيضا.

لهذا السبب، وليس لسواد عيون أحد، ظل الباب مفتوحا لعودة الوطنيين العراقيين لكي يقدموا أنفسهم كبديل. ومن اجل هذا رفعوا السلاح.

وسواء أخطأ بعث المقاومة في حساب كسور أو أعشار، أم لا، فهو يعرف، كما يعرف غيره، ان المقاومة المسلحة هي منفذه الوحيد لارتقاء منصة البديل الوطني. وكل قياداته ومناضليه يعرفون ان هذه المقاومة إذا أنهزمت، فلن يبقى من حزب البعث، ولا من أي وطني غيره، إلا ما يريد ان يتركه الاحتلال من توصيفات.

انها معركة حياة او موت. بها يتقرر ليس المستقبل وحده، ولكن الماضي أيضا!

ومعيار الأحرار، في هذا المنعطف، ما يزال كما هو: قتال ضد الغزاة، لا قتال بين أهل الدار!

وثمة فوضى قادمة. فإن لم تأت، صنعناها. ومن منقلب الى آخر: المقاومة هي العامل الوحيد الدائم. إذا ماتت، مات المشروع الوطني برمته، وكسب اللصوص عشبة البقاء، ليحكموا على الماضي والمستقبل بالإعدام.

بعث المقاومة يعرف مكانه في هذه المعادلة، ويعرف الى أين يتجه والى مَنْ يمد أياديه، ويعرف من هم شركاءه في مشروع البديل الوطني. وهو يعرف انه ينجو بهم، كما ينجون هم به، يدا بيد ضد الباطل والجريمة والاحتلال.

أين من هذا كله يقف "بعث فاروق الشرع"؟ وما هو موقعه من الإعراب؟

بعث المقاومة، انه حزب للنجاة، بما انتهى اليه، كحزب مجاهدين وأحرار.

قاوموه بالجريمة، فبقى بطهارة اليد والمبدأ.

وقاوموه بالطائفية، فبقي بوطنيته.

وقاوموه بالتخلف، فبقي بالانجاز.

فإن شئت أن "تقاوم" مقاومة السبع سنوات بمقاومة "الأسبوع المقبل"، قال: حي الله الزلم.