المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشعر والحداثة



عبدالمنعم جاسم
13/04/2010, 12:51 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد
ما إن تحاول إبداء استيائك من نص حديث بلا لون ولا طعم ولا رائحة ، حتى يجيبك صاحبه أو أحد جهات الدفاع ، وهل تملك تعريفا ً للشعر ، يريدون بذلك النيل من قدامة ابن جعفر وأبي هلال العسكري وابن قتيبة الدينوري .. وغيرهم ممن يعتبرهم هؤلاء الحداثيون أو المتحادثون ( دقة قديمة ) ، والحقيقة أنهم هم ، أعني السابقين ومعهم الفراهيدي إنما استندوا فيما قالوا على ما قرؤوا في أشعار سابقيهم .
والحقيقة أن شعر الأقدمين الذي وصلنا وإن كان يشكل السيرة الذاتية لعرب تلك الحقبة من الزمن إلا أنه فيه من الرديء الكثير الكثير ، وأعني بالرديء ( النظم المقيت ) ، ذلك أن الذين تغنوا في مدح الأمراء كثر ، غير أن المتفردين قلة ، بل قلة جدا ً ، والهجائين كذلك ، والعشاق كذلك .. إلخ .
وأنا في رسالتي هذه عن الشعر لا أدافع عن القديم ، ولا أتحيز لشعر جيل على جيل ، ففي كل ٍّ شعر ، فمن زمن امرئ القيس إلى الحطيئة إلى جرير إلى حبيب بن أوس والمتنبي والحلي ... إلى القباني نزار ، يوجد شعراء إذا ً فنحن مع النص الجميل أو القصيدة الجميلة ، بغض النظر عن جيل القصيدة وحتى شاعرها .
وعلى كل ٍّ ، فإن نبيينا الكريم يقول : بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا ..
ويقول في مقام آخر :
أربع من كن ّ فيه كان منافقا ً خالصا ً ، ومن كانت فيه واحدة كانت فيه خصلة من نفاق ، إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر ، وإذا اؤتمن خان ..
أنا يا سادتي لا أريد أن أشتت أفكاري حول ما أريد قوله ، ولكن صدقوني بأن الشعر بني على مقومات أيضا ً ، يتزعزع بفقد أي ركن منها ، من تلك الأركان : الموسيقى ( عمودا أو تفعيلة ) والموسيقى الداخلية ، واللغة ، والصورة ( التخييل ) وكذلك ( الروي ) وقبل كل ما ذكرت وبعده تأتي روح القصيدة ، وهذه يختص بها الشعراء عن المتشاعرين ، لذا فإننا قد نقرأ نصا يمتك كل مقومات القصيدة من لغة سليمة وتراكيب قوية وصور و ..و .. إلخ ، ولكن لا تسافر بك إلى البعيد ، ونحن نحب السفر ...
يقول نزار :
شعراء هذا العصـر جنـس ثالث ٌ . . فالـقـول فـوضى ، والكــلام ُ ضباب ُ
اللاهثون على هوامـش عـمرنا . . سيان إن حضروا ، وإن هم غابوا
يتكلمون مع الفـراغ ِ ، فما هـمُ . . عـجـم إذا نـطـقـوا ، ولا أعـــــراب ُ
يـتـهـكـّمون على النبيذ مـعـتـّقـا ً . . وهــمُ عــلى سـطـح النـبـيـذ ذبــاب ُ
الخـمر تبـقـى إن تـقادم عهـدها . . خـمــرا ً ، وقـد تـتـغـيـر الأكـــواب ُ

محبتي للجميع ..

يحيى سليمان
13/04/2010, 02:22 PM
لا أحد يختلف معك أخي عبد المنعم جاسم إطلاقا أرى هذا أيضا
ولكن ما أريدك أن تعرفه أخي الكبير والطبع لستَ بالغافل حتى أعرفك
أن مادام هناك قاعدة عمودية للشاعر فقد حمل صك عبوره إلى مايريد
من حرية لا يمكن أن يدعي أحد مثلا أن فلان لجأ إلى النثر مثلا أو إلى التفعيلة
لضعف به يريد أن يعممه ليكون قويا كما حال الكثيرين من بيني الجلدة الحديثة
لكن عندما تتحدث عمن عرف العمود بكل إيقاعاته تقريبا وجاءه الشعر على مختلفها
بسيطه وطويله وكامله وهزجه ورجزه ووافره وخفيفه ومنسرحه
لابد أن نرى بعين أوسع ما يفعل لأنه بكل تأكيد غير عابث بل يفتح آفاقا جديدة
وما نزار !! نزار عبقري على العين ولكنه لا يرضي نظرتي للشاعر
الذي لابد أن يكون اكثر شفافية وصفاءا
يارجل يتحدث عن الجنس الثالث من الشعراء وهو من يندب الشذوذ الجنسي بين امرأتين
في القصيدة الشريرة التي مطلعها مطر مطر وصديقتها معها ولتشريبن نواح
أنا أرى أن الجنس الثالث من الشعراء أفضل
من هذا العبث وأريد أن أرجع لكلمتي صك عبوره فهو صك في نظر الآخرين
ليس في نظري أنا لا أحب الصكوك ولا الأختام

أميرة عمارة
13/04/2010, 03:17 PM
السلام عليك ورحمة الله..
شكرا لك أستاذ عبد المنعم على طرح هذا الموضوع الجميل..
بالنسبة للحداثة والشكل: بصفة عامة، لا تنفصل الموهبة عن اختيار المضمون الذي سيعالجه المبدع، وكون الشعر مهارة وصنعة فنية لا يعني إفراغه من محتواه، كما نرى في بعض النصوص..والمضمون وحده يخلق الشكل القادر على احتوائه..وأرى أنه لا جدوى من تحويل الفن إلى براعة في النظم، والمضمون خالٍ من الأهمية..

دمت بخير
تحيتي لك
أميرة عمارة

يحيى سليمان
13/04/2010, 03:32 PM
أختى الرائعة أميرة لايوجد مايسمى ببراعة في النظم كيف نبرع في شيء مقيت إن كنت تعنين البناء
فالأبنية لا تتعارض مع المضمون
صعب أن تجدي بناءا مرهفا يفتقر للمضمون

عبدالمنعم جاسم
13/04/2010, 10:19 PM
أختى الرائعة أميرة لايوجد مايسمى ببراعة في النظم كيف نبرع في شيء مقيت إن كنت تعنين البناء
فالأبنية لا تتعارض مع المضمون
صعب أن تجدي بناءا مرهفا يفتقر للمضمون


أشكر لكما هذه المشاركة ..
وأنا معك أخي يحيى ، وأرى مقدرتك الفذة في الكتابة ، ولكن ماذكرته لا يبرر للشاعر أن يكتب أدبا غير الشعر وينعته شعرا ..
أما عما أوردته الأميرة أميرة ، فقد أجبتها مشكورا بما في خاطري ..
أما عن مطر مطر
والباب تئن مفاله .. ويعربد فيه المفتاح
واعذرني فثمة حروف لا يكتبها ( الكيبورد ) لدي ..
المهم ، دعك من الموضوع ..
وفكر معي كيف خطر على باله ، ولم َ طرحه ، وكيف كان الطرح ..
لك محبة كبيرة ، مع عذري أنني لن أقدر على الكتابة أكثر ، وذلك لجهد أبذله في التهرب من بعض المفردات التي فيها الحرف ( قبل الشين ) وقبل ( الضاد ) وغيرهما
ودمتم ...

أميرة عمارة
15/04/2010, 03:38 PM
شكرا لك أخي يحيى، لم أتحدث عن شيء مقيت:)

أود هنا، أن أتحدث عن نقطة خلافية أخرى، مادام الموضوع بعنوان- الشعر والحداثة..وأود أن أعرف أراء الشعراء فيها..

دخول (ال) على الأفعال..
هذه القضية موضع خلاف قديم وحديث... وإن وجدت بعض الأبيات التي احتوتها قديما، أو أقل، إلا أن الأذن لاتستسيغها..
رأى النحاة قديما أنها ضرورة في الشعر فقط، واعتبروها ضرورة قبيحة..
أيضا أجازوا دخولها على الفعل المضارع فقط،
أما اليوم فنجد دخولها على الأفعال المضارعة والماضية على السواء، بل وعلى الأدوات، والحروف أيضا، أمرا مقبولا..
فهل يمكن اعتماد بعض ما ورد في بيت قديم شذوذا، قاعدة مأخوذ بها؟
والغريب أننا نجد أيضا هذه التركيبة: يا+ال+فعل(ماض\مضارع):)
كما يرد النداء متبوعا باسم معرف ب(ال) مباشرة دون الفصل ب(أيها)..
هذه الصيغ التي تعطي معنى الاسم الموصول، الذي\ التي...، لم ترد لا في القرآن الكريم، ولا في الحديث النبوي، ولا في كتب التراث، باستثناء بعض أبيات متفرقة، قليلة جدا..
فإلى أي مدى يمكن قبولها شعرا- ونثرا في هذه الأيام، في ظل هذا الانتشار الواسع في استخدامها؟
وإلى أي مدى يمكن اعتبارها صحيحة مستحدثة؟

دمتم بخير

مجذوب العيد المشراوي
15/04/2010, 10:29 PM
يا عبد المنعم كنت ُ أحترمك ولا زلت لأنك أثرت موضوعا ذو شجون كلنا تعرّضنا له ولكنّ القليل من نجا منه ..
باسم الحداثة أصبحنا نقول أي كلام من منطلق الضعف البلاغي الذي يضرب في صدورنا وأصبحت أكثر جملنا فارغة وبلا معنى من جهلنا بروح اللغة ومداخلها ومخارجها ومن تراثنا الهائل ..
وبالمقابل فربّما نجونا من تلك التراكمات المشينة التي قال على نحوها العرب آلاف القصائد بلا جديد يذكر .
الشعر مبنى ومعنى ولغة ودقة واحتراف أحييك

عبدالمنعم جاسم
16/04/2010, 01:04 AM
يا عبد المنعم كنت ُ أحترمك ولا زلت لأنك أثرت موضوعا ذو شجون كلنا تعرّضنا له ولكنّ القليل من نجا منه ..
باسم الحداثة أصبحنا نقول أي كلام من منطلق الضعف البلاغي الذي يضرب في صدورنا وأصبحت أكثر جملنا فارغة وبلا معنى من جهلنا بروح اللغة ومداخلها ومخارجها ومن تراثنا الهائل ..
وبالمقابل فربّما نجونا من تلك التراكمات المشينة التي قال على نحوها العرب آلاف القصائد بلا جديد يذكر .
الشعر مبنى ومعنى ولغة ودقة واحتراف أحييك

سرني تعليقك أيما سرور ..
ووجدودك هنا فرض عين برأيي ، لأنك والخطيب شاعران لا يشق لهما غبار ، متمكنان من القصيدة بكل أدواتها ، وحيت تكتبان على التفعيلة أو على العمود فالأمر أشبه بفنجان قهوة على شاطئ الفرات في ليلة مقمرة ، ومع هذا تتجهان أحيانا إلى الحداثة المفرطة ، ولما كنتما علمين في الشعر فإن المسألة صارت خطيرة جدا ً ، إذ لا بد من التساؤل : لم َ اتجه هذان الشاعران إلى هناك ، وأي سحر شدهما إليه ، فانقاد كغيري من القراء بحثا عن شيء لا نعرفه ، وهنا الطامة الكبرى ، فأنا وبتخصصي (في مجال اللغة العربية وعلومها ) لم أفهم شيئا ً ، ترى ما بال كثيرين غيري .. إننا السواد الأعظم يا سيدي .
لن أغرق في الحديث ، وأنتظر دعم أخي الجيلاني عبد السلام هنا ..
ملاحظة : ذكرتك والخطيب لمحبة ٍ أحملها اتجاهكما ، وإن كنت أغفلت يحيى وغيره من الشعراء ( فالعذر َ العذر َ ) ..

مجذوب العيد المشراوي
16/04/2010, 10:49 AM
أردت ُ تحديدا من كلامي السابق التّوسّط في الكتابة ومحاولة تجديد العمود بالأخصّ وفي نفس الوقت الاحتراس من الهوس .
يجب أن نرفع مستوى التّحدّي في الكتابة لتساير العصر وتطرح عالمها المساير للعالم الحقيقي ليكون الشعر حقيقيا فعلا وحيّا به حياة ولن يكون هذا إلا بشيئين أساسيين وهما التجديد المستمرّ في لغة النّص في صور النّص في إنزيحات اللغة الأصيلة والتي لا يتضمّر منها أحد وثانيا فتح النّص على ثقافات العالم وجماليات الشعوب وعدم حصره في اتفاقات العرب الجمالية فقط .
أمّا في التفعيلة فنظرتي تختلف جذريا عمّا فهمت ُ من تعابيرك المتعددة هنا وهناك ... التفعيلة ( شعر غربي ) ولذا يجب أن نكتب به شعرا غربيا لا علاقة له بالشعر العربي لا من بعيد ولا من قريب ... لماذا نلجأ إلى التفعيلة في نصّ يمكن كتابته عموديا ؟؟
لا أفهم التفعيلة إلا ما أتى به درويش أو أدونيس لأنهما يكتبان ما يستحيل على العمود رسمه ... ما معنى ما كتبه نزار في التفعيلة سوى أنه افتعال شكل آخر للكتابة وهو قادر أن يسكبه في قالب عمودي ..
التفعيلة جنس قريب جدا من النّصّ الغربي في روح ما نكتب به من قوالب وأيضا هذه القوالب المختارة في التفعيلة بعيدة عن الموسيقى الخارجية اللهم إلا فيما اقترب من قوالب من بحور خليلية صافية ..
إذن الشعر شعران عربي أصيل ومعروف بكل أغانيه ومسيقاه وهو العمودي
وآخر تفعيلي يكتب على شاكلة النصوص الغربية وعليه أن يستجيب إذن لمنحنيان النّصّ الغربي وإلا ّ فمن يكتبه يجهل فلسفة ذلك .
والنّص ّ الغربي فكري في عمومه فلسفي وموجز العبارة كثير الإيحاءات ومرتبط عادة بفلسفة المادة قبل كل ّ شيء .

عبدالسلام جيلان
16/04/2010, 12:49 PM
الحديث عن الراهن الشعري العربي حديثٌ شائكٌ يتطلب درجة عالية من الاحتراس، خشية أن يصبح المتحدث في مرمى السهام التي ستطاله من كل اتجاه..
فثمة من سيرميه بالجمود، والافتتان بالقديم، والطواف حول أصنام الخليل، وأضرحة سيبويه، و قباب ابن منظور والفيروز أبادي والرازي... سيما مع تعالي بعض الأصوات التي تعتبر تحرّي السلامة اللغوية والموسيقية من نافلة الاهتمامات، وتصفها بـ (القشور) التي لم تعد (تؤكل عيشاً)!!
وفي المقابل، ثمة من سيرميه بالتبعية، والانسلاخ عن التراث، والاحتفاء بالوافد الغريب، والسير على خطى (كبودلير) و (مالارميه) و (دو سوسير)... وفي أحسن الأحوال سيكون من أتباع (شيكسبير).. إذا لم يصل الأمر إلى درجة التخوين!
وبين الفريقين، وصراعهما القديم الجديد، وجدلهما العقيم السقيم، تبرز الحاجة إلى اعتماد منهجٍ وسطٍ لا يتنكر لموروثنا الشعري الهائل، ولا يعرضُ عن الجديد القادم بفعل التلاقح الثقافي بين الأمم والشعوب على اختلاف ألسنتها وتعدد مشاربها.. والأهم من ذلك أن يكون متفهماً لسنن التطور في الخليقة، والتي تشمل مختلف جوانب حياتنا تقريباً، وما اللغة والآداب والفنون سوى الجزء اليسير من هذه الجوانب!
وأي حديثٍ في هذا الصدد، يظلُّ مدحضةَ أفهامٍ ومزلَّـةَ أقدامٍ، ما لم يكن المتحدث متسلحاً بذخيرة معرفية ماضية، وذائقة شعرية أصيلة، وحسٍّ حضاري يستوعب آداب وأخلاقيات الحوار والاختلاف التي تحرس المودة بين المتحاورين وتصونها!
ومن هنا، أرى أن يتمحور حوارنا الشيق هذا، حول الإجابة على سؤالين أساسيين:
الأول: كيفَ يتسنى للشاعر خلق لغة شعرية تنتمي للعصر الذي يعيشه، مع تحرّي السلامة اللغوية نحواً وصرفاً وأسلوباً ومعاجمَ، ودون أن تكون هذه اللغة الجديدة سبباً في تعميق عزلة الشاعر عن جمهوره الذي لا يعي ما يقال في الغالب نتيجة الإغراق في الطلسمة التي يقترفها الشاعر مع سبق الإصرار والترصد!!
والثاني: كيف يستطيع الشاعر المواءمة بين هذه اللغة الجديدة، بما تحمله من انزياحات مبتكرة، وتوظيفٍ للأسطورة و الرمز التاريخي، وبين القوالب الموسيقية التي وضعها الأوائل، وظلت بمثابة الميزة الرئيسية للقصيدة العربية على مرِّ العصور؟!.. وهل التجديد في اللغة الشعرية يبرر للشاعر انتهاك هذه القوالب، واعتبارها كائناً ماضوياً أكل عليه الدهر وشرب؟!
سأكتفي في هذه اللحظات بهذه التوطئة الموجزة، على أمل العودة لاحقاً، لمحاولة الإجابة على هذه التساؤلات، والتعليق على ما تمت كتابته، أو ما سيكتب في غضون الساعات القادمة..
وللجميع خالص التحية، وصادق المودة..

خميس لطفي
16/04/2010, 01:17 PM
أمّا في التفعيلة فنظرتي تختلف جذريا عمّا فهمت ُ من تعابيرك المتعددة هنا وهناك ... التفعيلة ( شعر غربي ) ولذا يجب أن نكتب به شعرا غربيا لا علاقة له بالشعر العربي لا من بعيد ولا من قريب ... لماذا نلجأ إلى التفعيلة في نصّ يمكن كتابته عموديا ؟؟
لا أفهم التفعيلة إلا ما أتى به درويش أو أدونيس لأنهما يكتبان ما يستحيل على العمود رسمه ... ما معنى ما كتبه نزار في التفعيلة سوى أنه افتعال شكل آخر للكتابة وهو قادر أن يسكبه في قالب عمودي ..
التفعيلة جنس قريب جدا من النّصّ الغربي في روح ما نكتب به من قوالب وأيضا هذه القوالب المختارة في التفعيلة بعيدة عن الموسيقى الخارجية اللهم إلا فيما اقترب من قوالب من بحور خليلية صافية ..
إذن الشعر شعران عربي أصيل ومعروف بكل أغانيه ومسيقاه وهو العمودي
وآخر تفعيلي يكتب على شاكلة النصوص الغربية وعليه أن يستجيب إذن لمنحنيان النّصّ الغربي وإلا ّ فمن يكتبه يجهل فلسفة ذلك .
والنّص ّ الغربي فكري في عمومه فلسفي وموجز العبارة كثير الإيحاءات ومرتبط عادة بفلسفة المادة قبل كل ّ شيء .

أتفق مع أخي الشاعر مجذوب فيما قاله بخصوص الشعر العمودي ، من حيث ضرورة تطويره بما يتناغم مع روح العصر ، فالحداثة ، برأيي ، لا علاقة لها بشكل النص ولا بالقالب الذي يوضع فيه ، بل هي فكر ومضمون .
لكني ( وأظن أخي مجذوب يعلم هذا ) أخالفه جملة وتفصيلاً في رأيه المتعلق بشعر التفعيلة والذي يصفه ( بالغربي ، رغم أن أصله كذلك ) ولا يقبل منه إلا ما أتى به فلان أوعلان من الشعراء ، وهذا برأيي ، رأي غريب ومتطرف :) ، كما أنه يفتقر إلى " المبدأ " في الوقت نفسه ، فهل ما كتبه محمود درويش من شعر تفعيلة كان غربياً في حين أن ما كتبه نزار كان شرقياً ؟ وكيف يمكن لنا أن نثبت صحة ادعاء كهذا ؟ ثم ماذا عن روائع شعر التفعيلة التي أبدعها الآلاف من شعراء العصر الحديث والتي أثبتت وجودها على ساحة الشعر العربي وأعجبت الملايين ؟ هل نضرب بها عرض الحائط ونكتفي بما قاله فلان وعلان فقط ؟! بإمكان أحدنا أن يدعي أنه لا يستسيغ من شعر التفعيلة إلا ما قاله فلان أوعلان ، فهذا من حقه ولكل ذوقه ، لكن الرأي الخاص بأحدنا لا يجوز أن يصبح رأياً عاماً نقول به في موضوع أكاديمي كهذا يتطرق لشعر التفعيلة كأحد مكونات الشعر الحديث .
من ناحية أخرى ، وعودة إلى أصل موضوع أخي عبدالمنعم ، أود أن أشير إلى نقطة تتعلق برؤية وتعريف بعض النقاد المعاصرين للشعر الجميل ، ( هذا بافتراض أن للشعر الجميل تعريفاً متفقاً عليه ، كحد أدنى ، وبصرف النظر عن كونه عمودياً أو شعر تفعيلة ) ، وهو ذلك الشعر البعيد عن المباشرة ، والحداثي في أفكاره وصوره ولغته ورموزه ، وهو مفهوم يتفق عليه معظم الشعراء رغم أنهم يختلفون في طريقة تطبيقهم له ، وقد أدى هذا الاختلاف الأخير في التطبيق إلى وجود نماذج مختلفة من الشعر من بينها ما يلي :
1) شعر تنطبق عليه مواصفات الحد الأدنى المشار إليها أعلاه ، يحتوي نصه على مفاتيح معينة تساعد على فهمه ، وهذا النوع من الشعر صعب وجميل ( رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ ) .
2) شعر هارب ( بشكل متعمد ) من المواصفات أعلاه ، لا مفاتيح له ، منغلق على نفسه وعلى كاتبه وعلى قارئه في آن معاً ، وهو أسهل أنواع الشعر وأكثرها عبثية ، " واستهبالاً " للقراء ، ومن هذا النوع تلد في كل لحظة آلاف القصائد لآلاف الشعراء . ( وهذا أيضاً رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ )
3)شعر يقع بين النوعين أعلاه لا يتعمد صاحبه شيئاً ، وكل ما فيه من مفاتيح أو انغلاق وغيره ، يتناسب طردياً مع شخصية الشاعر نفسه الذي يكتب بشكل تلقائي ما يشعر به ، ومن هذا النوع هناك الجميل وهناك ما هو دون ذلك

أخيراً ، أعتقد أن القصيدة الجميلة لا يختلف على جمالها اثنان فهي التي نقول لأنفسنا فور الانتهاء من قراءتها : كم هي جميلة !

أشكر كل من ساهم في هذا الموضوع ، راجياً ألا أضطر للعودة إليه ثانية ، تلافياً للوقوع في الألغام التي أشار إليها أخي عبد السلام جيلان !!

مجذوب العيد المشراوي
16/04/2010, 03:11 PM
ملاحظات ..
1 أنا من ثبت ّ هذا الموضوع وكنت ُ أنتظر الفرصة لإثارته
2 إجمالي ما قال عبد السلام وخميس يمكن مناقشتها معا للمتدخلين بعد قراءتهما معا ولنا في هذه المداخلات آراء توافق في بعض ما جء وتخالف في بعضها الآخر .
سأعود قريبا

عبدالمنعم جاسم
16/04/2010, 04:16 PM
تحية عطرة لكل من أبدى رأيه ، وكل من قرأ رأيا ً ..
في الحقيقة ، فإني سأبدأ من آخر فكرة للخميس الرائع ، وهي أن الجمال لا يختلف فيه اثنان ، وهذا ما نريد ..
سأروي هذه القصة القصيرة حول تلك الفكرة مع حذف بعض الألفاظ والتخفيف مراعاة للمقام :
في قريتنا ثمة أرملة لها ابن وحيد ، وكانت تريد أن تفرح به ، وأبطأت في ذلك ، مما دعا الناس لسؤالها الدائم حول ذلك الأمر ، فأجابت : أنا بصراحة ما تركت أحدا ً ذكر لي أن عنده ابنة إلا وذهبت لرؤيتها غير أني لم أجد المواصفات التي أريدها لولدي ، فسئلت : وما تلك المواصفات ؟ أجابت بعد تروّ : أريد إن مر والدي وعروسه بجانبه انبهر الراؤون وقالوا : ابن (((( ......))))) منين جابها ، أي : من أين جاء بها ، والشتيمة هي المعنية بها وكانت كبيرة ..
عذرا على هذا المثال ، ولكن الجمال يحلق بالمرء عاليا ً ، فيثمله ..
محبتي للجميع ..

مجذوب العيد المشراوي
16/04/2010, 06:50 PM
أبدأ مما قال أخي خميس ..
لماذا نكتب نصا تفعيليا بلغة عمودية ؟
إن ّ الأطنان التي كتبت في 67 سنة تقريبا أكثرها ما ارتقى إلى الجمل الموسيقية التي يعرفها العربي ولا خلق جديدا فعلا ً .
ما دفع إلى الكتابة بتفعيلة واحدة وتحطيم منظومة العمود هو زعم اتضح زيفه الآن .. ظن ّ الشعراء أنهم بهذه الطريقة سيقولون كل ّ ما في أنفسهم فإذا هم في منطقة النثر الجاف والابتذال .
التفعيلة منطقة أخرى في طريقة موسيقاها أو طرق موسيقاها تحديدا وقلّة تلك الموسيقى قياسا بما في العمودي من صراخ موسيقي .
لذا وجب أن تحمل شعرا آخر أقرب إلى الشعر الغربي في تفكيره ورؤاه الفلسفية وأحسن من أدرك هذا أدونيس ودرويش ومن هم على شاكلتهم ..
البقية من منطلق جهلهم كتبوا بالتفعيلة كلاما عوديا فكان الإخفاق جزئيا أو كليا .
العمود قالب غنائي أتى عبر مراحل كثيرة في تاريخ العرب وبعد أن غنى العرب كثيرا في أفراحهم وأتراحهم ..
أما التفعيلة فهي َ عملية عقلية للكتابة تأثرًا بالغرب .
لذا فهناك منطقتان منفصلتان ولا تقتربان عند الماهرين إلا في البحور الصافية وحنكة العمل عليها .
فيما يخص ّ النحو والصّرف وعلوم اللغة إجمالا فأنا أقول ( لماذا لم يكتب كاتبوا القوامسيس والنحاة شعرا ؟ )
الشّعر قد نخفق في إدراك قاعدة للفظة منه ولا يعني البتّة أننا لسنا شعراء وذلك يعود إلى أن ّ العربية ليست لغة ً أمّا لنا وإنما تعلمناها كما نتعلم الفرنسية والإنجليزية وما نتلفظ به يوميا من كلام ليس عربيا لهذا كله فالخطأ في الشعر لا يقدح في شعرية صاحبه أبدا وهو قابل للجبر ولكن ّ الذي لا جبر َ له هو ( هل أنت شاعر أم لا )
أما قول خميس أن النص الجميل جميل فهو صحيح ويحمل مغالطات في بطنه عند القراء .. قرأ أحدهم أمامي يوما 4 أبيات من زحلة وبدأ يمدح ويمدح في شوقي حتى صدّقت ذلك وفي المساء قرأتها كاملة فوجدت ما في وسطها وآخرها من النظم المبتذل ..
ومنذ خلقت وأنا أسمع ( إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر ) وحينما قرأتها كاملة فهمت أن الشعر ربما هو أيضا بيت أو بيتين في حياة شاعر هههههههههه
ومن هذا المنطلق أفهم قول خميس .

أحمد نمر الخطيب
16/04/2010, 10:58 PM
أوّلاً اشدّ علي يد أخي عبد المنعم جاسم، لطرحه هذه الإشكالية التي استنفر لها كثير من المؤتمرات، والحلقات النقاشية في العالم العربي، وأشكر جميع المتداخلين.
وليسمح لي أخي عبد المنعم بهذه الملحوظات السريعة:
يبدو أنّ المشكلة في صياغة جوهر القضية،
ماذا يريد الشاعر؟،
وماذا يريد المتلقي؟،
وماذا يريد النصّ الشعري؟
وللإجابة على الشق الأول،
أيضاً نستدرج هذه الأسئلة:
هل يريد الشاعر استدراج معنى أم استحداثه من جملة المعاني؟
هل يريد تعبئة الشكل بالمعنى المستدرج أو المستحدث،
أم يريد أن يستحدث شكلاً لهذا المعنى؟
هل يريد القارىء إناءً فارغاً، يعبئه بما يشاء في لحظة سريعة،
أم يريد إناءً مملوءاً في لحظة عطش عابر؟
هل يريد النص استعراض مفاتنه " قابلة للتأويل أو غير قابلة "؟
أم يريد خلق حياة لكائناته، ولصاحبه، وللمتلقي؟
لو دققنا النظر في جملة الأسئلة، وجميعها تتشابك في لحظة مرور نفسي لدى الكتابة الأولى للنص، لخرجنا بنتيجة مفادها: كيف نقرأ شاعراً يتجه لامتلاك صوته ومفرداته وتراكيبه ورؤاه دون الحاجة إلى النسخ، أو الاتكاء، أو السطو المسلح وغير المسلح على المنجز الشعري.
من هنا أرى أنّ المسألة ليست شائكة كما نظن، وأنها تشكل في مسالكها أزمة تكاد تطيح بالنص والشاعر والمتلقي معاً، لأننا في واقع الأمر، نحتاج كل ما سبق، لقياس شعرية النص، ووعي الشاعر، وثقافة المتلقي وإدراكه للإمتداد الطبيعي للحظة الشعور ولحظات القنص.
لن أطيل في هذا الباب، لأنه ربما يكون موضع خلاف.. ولكنني سألقي الضوء، ومن وجهة نظري، على أسباب ربما تكاد تشكل مفصل الحيرة على هذا النبات الشعري الجديد الذي يسمّى شعر التفعيلة، وما رافقه من تخبّط، أو ليّ عنق، أو تساهل من قبل الكثيرين.
الشاعر الحديث لم يدخل بعد في المتخيّل الصحراوي لواقع الأمة العربية، هذا المتخيّل الرسخ في الأذهان منذ قرون، لذلك كان فضاء أي تجديد يواجه بالرفض، أو انحسار المتابعة والتمحيص، أو تهويل الفاجعة من هذا الاستحداث، واتقاء شرّه، مما يؤدّي إلى إصابته بالشلل قبل نمو حركته الأولى، لهذا حدث هذا الشرخ الكبير بين النص والمتلقي.
أي عندما يذهب القارىء إلى أيّ نص، يذهب وهو مكبّلٌ بهذا المتخيّل الصحراوي، بهذا الإرث الكبير الذي أنتجته الذائقة الشعرية العربية منذ امرىْ القيس، يذهب وهو مقيّد بواقع له مفرداته وحواريه وقياساته، يذهب بنمط سياحي واحد، وأظنه نمطاً تابعاً، ولا يسترشد أو يتناغم مع أيّ حركة خارجة عن هذا المتخيّل، وأعذرهُ، لأن الواقع الآن لا يسمح لهُ بتنكب التحوّلات، حتى تلك التي تقع على كاهله، ويستسلم لها، ولو أردنا القياس، علينا الذهاب قليلاً إلى سبعينيات القرن الماضي، ألم يعبر الشعر الحديث آفاق الذائقة العربية، ألم يسعى القارىء إلى امتلاك دواوين الشعراء المحدثين، وربما يقول قائل: كان هناك اتصال بين الخطاب الشعري والواقع وما يركن إليه المتلقي، أقول: لماذا حدث هذا التحوّل مع وجود شعراء ما زالوا متمسكين بالقصيدة العمودية، لقد كانت اللحظة الراهنة في ذلك الوقت قادرة على استيعاب هذا التحوّل، وقادرة على استلهام الخطاب الشعري، رغم اتكائه على كثير من الأساطير والتي كان يجهلها معظم القراء العرب.
لقد كان للمنهج الدراسي أثره في تتبع هذا التحوّل، وكان للجانب الإعلامي أثره في إيصاله، وكان القارىء يبحث عن نقطة تحوّل في عالم يسوده الانكسار والتشظي، يبحث عن نقطة حالمة، وأظنه وجد مسارها في هذا التحوّل الذي أصاب بنية الشعر الموسيقية، ولم يصب بنية الوعي الشعري، أو بنية الرؤى.
أعتقد أن التحولات التي طرأت على الشعر العربي لم تكن بمعزل عند بعض الشعراء العرب عن هذا المتخيّل، لهذا رأينا أو لمسنا ذلك الامتداد الطبيعي في شعر الرواد للغة الشعر وفضائها الموسيقي رغم انحسار البحر عن أمواجه المتشابكة أقصد البحر الشعري، وخروجها، أو ركوبها لموجة واحدة، وعندما بدأ الخلط، صرخت نازك الملائكة في كتابها حركة الشعر المعاصر، صرختها المشهورة حول الأغلاط الكبيرة التي يقع بها الشعراء في قضية التدوير، وما هذه إلا واحدة من صرخاتها، من هنا أجزم أن هذا الامتداد كان ابناً شرعياً لهذا المتخيل، مما قارب المسافة بين النص الشعري الحديث والمتلقي الذي وجد أصابع وآثار يعرفها أو يتحسسها أو له صلة ولو كانت خفية معها.
ولكن هذا الامتداد بدأ ينحسر في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وبدأ المتخيل الصحراوي يتلاشى شيئاً فشيئاً، وبدأ المتلقي يحس بغربة من نوع ما، لأن الشكل أصبح هو المولد الحقيقي للإحساس ولدرجة الانفعال الشعري، إن كان هذا انفعالاً، مما أدى إلى تفرعن الشكل وهيمنته على حواس القول الشعري ومراميه، وهذا ما لم يعتد عليه القارىء، وعليه أتساءل هل ذهب الشاعر الحديث إلى تخصيب لغته وفق شرط المتخيّل الصحراوي، أم وفق ما يدفع به إلى الهذيان " وهنا لا أقصد الغموض"، بل الانتزاع الكلي عن فعالية مثل هذا المتخيل الذي لا يتقن المتلقي سواه، أو لا يطرب إلا لأوتاره.
هل تسلح الشاعر الحديث بمقومات حقيقية لإنشاء جسد شعري جديد يتصل في لحمته مع تراثه ولغته، هل استطاع أن يستثمر الطاقة الفاعلة في الشكل والمتخيل لينجب رؤية جديدة، وخامة جديدة للقول الشعري.
كل هذه الأسئلة وغيرها وحسب اجتهادي البسيط تقودنا إلى وضع الإصبع على ما يعتمل في صدور القراء العرب حول هذا النمط أو ذاك، ولكنني أنهي هذه العجالة بالقول: هل الشعر الحديث مستورد في منجزه المتراكم بعيداً عن بدايات انطلاقته، أم أنه ابن شرعي في غيرته على روح الموسيقى ودوائرها، أرى وأيضاً هذا اجتهاد قابل للخطأ والصواب، أن معطيات ما نقرأ في الذاكرة الشعرية العربية الحديثة تشكل رئة جديدة يتنفس خلالها الشعر وفق المتخيل الصحراوي، وما درويش ومحمد علي شمس الدين وعبد الرزاق عبد الواحد وشوقي بغدادي وغيرهم ببعيدين عن هذا.
نعم هذا الشعر هو رئة جديدة، لها مقاييسها الخاصة، نحن لا نتعامل مع الرمز كما كان ولا مع الأسطورة ولا مع المتخيل، ولكن ننطلق من جوانيته، ونضيف له ونؤسس له من جديد.
لا أجد فوارق بين الشعر القديم والحديث، فكلاهما محمول على جناح رؤية شاعر، إلا إذا كان هذا يقود إلى الطلاق البائن بينونة كبرى بين الحالة الشعرية ومتخيّلها، فالشعر هو اتصال روحي بين الجسد وحياته الأولى والأخرى، فهو في ذهابه إلى نص حديث يسعى إلى تشكيل خواصه الجديدة من ابتكار وانجاز ما لا ينجز من صور شعرية مركبة، إلى غير ذلك من التقنيات التي تجاوز فعالياتها الشعر القديم، وهنا يلجأ الشاعر الحديث إلى الانتقال من الشعر العمودي إلى الشعر الحديث لتشكيل حواس معرفية جديدة، ( لا يعني هذا أن النص القديم غير قادر على الاستيعاب )، ولكنها خصوصية يجب أن نحترمها، ونحاول فهم أبعادها وتجلياتها، ولأن هذا اللجوء في بعده الحركي هو محاولة للخروج بنتائج معرفية جديدة على مستوى الشكل والرؤيا، فلندع الشاعر في محرابه يتلو بعض طقوسه الخاصة، بعيداً عن النسخ الكربونية للقصائد والتي استراح معظمها في أحضان الخطاب المباشر.
نحتاج إلى القارىء العمدة، القارىء الذي يدور بسرعة ثقافة النص، ويحاورها، ويستجلي قيمها، ورموزها الجديدة والمتجددة، نحتاج إلى نص شعري حديث أو قديم يتجلبب بفتنته المبتكرة، وتأثيره النفسي لا العقلي، نص شامخ، لا يستسلم بسهولة، نحتاج إلى إعادة تشكيل الوعي القرائي الشعري بعيداً عن المسلّمات، وليس انقطاعاً عنها، وأخيراً نحتاج إلى المشاركة الفاعلة في إنجاز نص شعري لا يرتهن إلا لآفاق البناء ومنتجها التعبيري، حديثاً كان أم قديماً، ولا يتأتى هذا إلا بمزيد من الاقتراب الحارق من حمى النص مهما كان شكله ومحتواه.

د.محمد فتحي الحريري
16/04/2010, 11:05 PM
اخي عبد المنعم
الاستاذ الشاعر الكبير
اشكر هذا الطرح المتحضر ، والمتحضر جدا
في عصر دفنت فيه أكثر رفات الشعر
والنادبون خناثى
والمتفرجون هم الذين قتلوه ...
ما احوجنا الى صحوة نحاسب فيها النفس ونعيد الاعتبار الى كثير مما نسيناه او تناسيتاه
ودي واحترامي مكررا وعلى الدوام .

عبدالقادربوميدونة
17/04/2010, 12:30 AM
شعراء هذا العصـرجنـس ثالث ٌ . . فالـقـول فـوضى ، والكــلام ُ ضباب ُ
اللاهثون على هوامـش عـمرنا . . سيان إن حضروا ، وإن هم غابوا
يتكلمون مع الفـراغ ِ ، فما هـمُ . . عـجـم إذا نـطـقـوا ، ولا أعـــــراب ُ
يـتـهـكـّمون على النبيذ مـعـتـّقـا ً . . وهــمُ عــلى سـطـح النـبـيـذ ذبــاب ُ
الخـمرتبـقـى إن تـقادم عهـدها . . خـمــرا ً ، وقـد تـتـغـيـرالأكـــواب ُ
يعني دفاعا عن الشعراء القدامى وعن أشعارهم والندامى..فهي مسكرة منعشة مغيبة.. وبالتالي غاب الأدب.. عن العرب.. وعليهم في ذلك تقدم الغرب ..
يعني أن الجنس الثالث ذباب متهافت يود الوقوع ..فإذا وقع غرق.. وإذا التثم سكرونفر..وإذا بقي حواما أكثرالطنين وضيع أعواما ..
فإن ظهرفجأة معتق النبيذ..وبيده مرش المبيد.. قتل الذباب.. ما نجا أحد إن أغلق الباب ..
لكن الذباب له وظيفة.. حتى وإن لم تكن نظيفة ..ما أدرانا أن النبيذ إن طال تقادمه تعفن وتأكسد ولم يعد صالحا لا للشرب ولا لجذب النشوى..للعرب وما يعيشونه من تطورمحركا للمشاعروالأحاسيس بقوة ..
لكل زمن فرزدقه ..ولكل جيل جريره.. ولكل عصرنزاره وأدونيسه ..
الشعركائن ليس حيا لكنه ما ألهم وأحيا.. وما أسعد وأوحى ..
شكرا لكم على قبول كليماتي هذه التي هي خارج مجال التغطية ..

مجذوب العيد المشراوي
17/04/2010, 11:08 AM
أحمد أيها الجميل أردت التحدّث تحديدا في القوالب وما تحتمل موسيقيا وهذا ما يهمني من النقاش لنكشف شيئا جهله النّاس فأخلطوا الشعر .
إن ّ التفعيلة الواحدة والعمل عليها بنظام السّطر مع اختلاف طول الأسطر والتعالي عن القافية في أماكن ما والإتيان بها في أماكن أخرى أو التخلي عنها نهائيا جعل النّص التفعيلي منطقة أخرى غير غنائية وإنما منطقة للرؤى والفلسفة والفكر منطقيا فكيف لأحدهم أن يغني بهذا النظام ؟
إن نظان العمود من تساوي المسافتين ووجود القافية جعل الشعر العربي غنائيا صاخبا وحتى في محاولة تكسير الخليلية الحالية بالأعمدة ما زال يحمل غناءه وذلك لتردّد القافية بعد مسافات متساوية لهذا فالشعر العمودي وجداني غنائي نبع من أغان الشعراء قديما والتي ما زلنا نردّدها في مساجدنا مع وجود ألحان معروفة لكل ّ بحر .
لكن ّ التفعيلة هيَ نظام غربي وليس شرقي لا يمكن أن نغني بها إلا إذا كانت تفعيلتنا من البحور الصافية وكانت طريقتنا في خلق النّص قريبة من العمودي لهذا فالتفعيلة تنفع لشعر آخر تماما لا يمكن أن نصوغه بأي حال في قالب عمودي.
لناخذ أمثلة على ما نقول فهذا أدونيس يقول : .

نقدرُ, الآنَ, أن نتساءلَ كيف التقينا
نقدرُ, الآنَ, أن نَتَهجّى طريقَ الرّجوعْ
ونقولَ: الشواطىءُ مهجورةٌ,
والقلوعْ
خَبَرٌ عن حُطامٍ.
نقدر, الآن, أن ننحني, ونقولَ: انْتَهَيْنا .


ما هذا الإنسان
الذي لا نعثر على اللاإنساني
إلاّ فيه?
أهواء الحكم
تفتح الأبواب واسعة
لحكم الأهواء.
بقدر ما تضيق رقعة القول
تضيق رقعة الوجود.


"كلَّ يومٍ أفتشُ عن هاربٍ تحت جلدي"، يقولُ
يكرّر: "جسمي حصارٌ، وأرضي حصارٌ".
ويؤكِّدُ: "لا، لستُ أشكو". ويسألُ:
ما ذلك النّواحُ؟ المدينةُ، هذا المساءْ
ورقٌ طائرٌ.
هل يقومُ الترابُ على قدميه؟
... ... ... ...
عاصِفٌ من هباءْ.

وهذا درويش يقول :

تجلس المرأة في أغنيتي
تغزل الصوف ،
تصبّ الشاي ،
و الشبّاك مفتوح على الأيّام
و البحر بعيد ...
ترتدي الأزرق في يوم الأحد ،
تتسلّى بالمجلات و عادات الشعوب ،
تقرأ الشعر الرومنتيكي ،
تستلقي على الكرسي ،
و الشبّاك مفتوح على الأيّام ،
و البحر بعيد .
تسمع الصوت الذي لا تنتظر .
تفتح الباب ،
ترى خطوة إنسان يسافر .
تغلق الباب ،
ترى صورته . تسألها : هل أنتحر ؟
تنتقي موزارت ،
ترتاح مع الأرض السماويّة ،
و الشبّاك مفتوح على الأيّام
و البحر بعيد .
...و التقينا ،
ووضعت البحر في صحن خزف ،
و اختفت أغنيتي
أنت ، لا أغنيتي
و القلب مفتوح على الأيّام ،
و البحر سعيد ....


وهذا نزار يقول :



سيِّدتي:
كنتِ أهم امرأةٍ في تاريخي
قبل رحيل العامْ.
أنتِ الآنَ.. أهمُّ امرأةٍ
بعد ولادة هذا العامْ..
أنتِ امرأةٌ لا أحسبها بالساعاتِ وبالأيَّامْ.
أنتِ امرأةٌ..
صُنعَت من فاكهة الشِّعرِ..
ومن ذهب الأحلامْ..
أنتِ امرأةٌ.. كانت تسكن جسدي
قبل ملايين الأعوامْ..
-2-
يا سيِّدتي:
يالمغزولة من قطنٍ وغمامْ.
يا أمطاراً من ياقوتٍ..
يا أنهاراً من نهوندٍ..
يا غاباتِ رخام..
يا من تسبح كالأسماكِ بماءِ القلبِ..
وتسكنُ في العينينِ كسربِ حمامْ.
لن يتغيرَ شيءٌ في عاطفتي..
في إحساسي..
في وجداني.. في إيماني..
فأنا سوف أَظَلُّ على دين الإسلامْ..
-3-
يا سيِّدتي:
لا تَهتّمي في إيقاع الوقتِ وأسماء السنواتْ.
أنتِ امرأةٌ تبقى امرأةً.. في كلَِ الأوقاتْ.
سوف أحِبُّكِ..
عند دخول القرن الواحد والعشرينَ..
وعند دخول القرن الخامس والعشرينَ..
وعند دخول القرن التاسع والعشرينَ..
و سوفَ أحبُّكِ..
حين تجفُّ مياهُ البَحْرِ..
وتحترقُ الغاباتْ..


سؤالي بسيط ..
من منهم كتب بألفاظ عمودية شعر التفعيلة ولماذا أجهد نفسه إذن ؟؟؟
ولماذا استعان بالقوافي الكثيرة لمحاولة الغناء وذلك متوفر في العمود ؟
ومن منهم يمكن أن نعيد ما قال عموديا براحة تامة ؟

عبدالمنعم جاسم
17/04/2010, 11:09 AM
أود أن أشكر المتداخلين جميعا ً ، لما أثروا به هذا الموضوع ، الذي أوقعني بمأزق كان حذرني منه شاعرنا الكبير مجذوب ، ويبدو أنني لم اسمع النصيحة جيدا ً ، والحقيقة أنني لا أستطيع أن أبحر في هذا الموضوع إبحار الخطيب والخميس والشاعر مجذوب والجيلاني ، لثقافتهم الواسعة ـ ما شاء الله ـ إلا أن ّ دافعي الوحيد حب الشعر ، نعم أنا أحب الشعر بشكل كبير جدا ً ، أنا ممن تستفزه الكلمة ، ما إن أسمع بيتا ً جميلا ً حتى أصاب بالذهول الذي يظهر في كل تفاصيل جسمي ، وليس بالضرورة أن يكون شعرا ً عموديا ً ، أو تفعيلة ً ، حديثاً أو قديما ً ، المهم الجمال للجمال ، أحيانا ً تشدني عبارة للرئيس الأسد أو لعبد الناصر ، لصدام ، للملك فيصل ، لغيرهم ، على سبيل المثال : يرتعد قلبي وأنا أسمع من يذكرني بمقال الشهيد يوسف العظمة حين دخل الفرنسيون سوريا ، وخرج ليدافع عنها بجيش صغير بعتاد تقليدي ، قال : أنا لست خارجا ً لأصد الجيش الفرنسي عن سوريا ، ولكنني لا أريد أن يكتب التاريخ أن الفرنسيين دخلوا دمشق بدون مقاومة . انتهى كلامه ..
من هنا يجب أن ندرك أن التاريخ لن يرحم أحدا ً ، والذي يخلفه أدباؤنا ، سيظل من بعدهم شاهدا ً عليهم ، فليتركوا ما يبيض الوجوه والأقلام ، ولو أننا استعرضنا التاريخ الأدبي وغير الأدبي لوجدنا أن الذي في الكتب كثير ولكننا نريد الذي في الصدور ، ما الذي نحفظه من أدبهم ، إننا لا نحفظ إلا الجميل ، على قدر أهل العزم .. عيد بأية حال ٍ .. ما كل ما يتمنى المرء .. زعم الفرزدق أن .. إن العيون التي .. فغض الطرف أنك ..
وأنا توسطت العصور عمدا ً ، ففي سابق هذا العصر ما هو أجمل ، وفيما يليه كذلك ، والذي أريده من هذا كله أننا لا نريد إغراقا ً في الصورة ، ولا في الانزياحات ولا أدري من أين انزاح إلينا هذا المصطلح ، نريد الجمال بريئا ً ، نريد شعرا ً تتباهى به الأجيال القادمة ، ويحارون أمامه ، ويقولونها صادقين : هل غادر الشعراء ...
وأعود مرة أخرى إلى هذا الحديث ، وأقصد الشعر الحديث ، هل يحفظ أحد مقطوعة شعرية لأدونيس مثلا أو لأنسي الحاج غير مموسقة ، ويرددها طربا ً ذات لقاء مع الحبيبة ، هل نستطعم ما يغنيه هذا الأبله يوري مرقدة ، هل نتوقع يوما ً أن يغنى هذا الكلام ، وإن حصل ووجد من يغنيه ، أيجد من يسمعه ..
أن أرى أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب ..
محبتي للشعر ، ولكم جميعا ً ..

جعفر الوردي
17/04/2010, 11:26 AM
لا شك في ما قلته أخي عبد المنعم
فالحداثة التي تعني تضييع المعنى وتشتيت الذهن غير صحيحة
ولعل من جاء قبلي قال مافيه الكفاية

تحيتي وودي

مجذوب العيد المشراوي
17/04/2010, 11:31 AM
أعود ..
الأمر هنا هو محاولة التفريق في المناطق ( فالذي يقدّم لنا من شعر وهو هيّن ٌ على العمودي يجب أن يكتب عموديا بحس ّ الشاعر المتمرّس والذي يجب أن يكتب في منطقة التفعيلة من نصوص ذات منحى تفكيري وفلسفي أو سردي كما يفعل درويش فلنكتبه تفعيليا ... بهذا نكون أكملنا ما كان ينقص العرب من شعر الفكرة العميقة والذي فشل العرب في تقديمه في ثوب عمودي سابقا وهو الآن في الرفوف .

محمد الأمين سعيدي
17/04/2010, 12:25 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد
ما إن تحاول إبداء استيائك من نص حديث بلا لون ولا طعم ولا رائحة ، حتى يجيبك صاحبه أو أحد جهات الدفاع ، وهل تملك تعريفا ً للشعر ، يريدون بذلك النيل من قدامة ابن جعفر وأبي هلال العسكري وابن قتيبة الدينوري .. وغيرهم ممن يعتبرهم هؤلاء الحداثيون أو المتحادثون ( دقة قديمة ) ، والحقيقة أنهم هم ، أعني السابقين ومعهم الفراهيدي إنما استندوا فيما قالوا على ما قرؤوا في أشعار سابقيهم .
والحقيقة أن شعر الأقدمين الذي وصلنا وإن كان يشكل السيرة الذاتية لعرب تلك الحقبة من الزمن إلا أنه فيه من الرديء الكثير الكثير ، وأعني بالرديء ( النظم المقيت ) ، ذلك أن الذين تغنوا في مدح الأمراء كثر ، غير أن المتفردين قلة ، بل قلة جدا ً ، والهجائين كذلك ، والعشاق كذلك .. إلخ .
وأنا في رسالتي هذه عن الشعر لا أدافع عن القديم ، ولا أتحيز لشعر جيل على جيل ، ففي كل ٍّ شعر ، فمن زمن امرئ القيس إلى الحطيئة إلى جرير إلى حبيب بن أوس والمتنبي والحلي ... إلى القباني نزار ، يوجد شعراء إذا ً فنحن مع النص الجميل أو القصيدة الجميلة ، بغض النظر عن جيل القصيدة وحتى شاعرها .
وعلى كل ٍّ ، فإن نبيينا الكريم يقول : بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا ..
ويقول في مقام آخر :
أربع من كن ّ فيه كان منافقا ً خالصا ً ، ومن كانت فيه واحدة كانت فيه خصلة من نفاق ، إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر ، وإذا اؤتمن خان ..
أنا يا سادتي لا أريد أن أشتت أفكاري حول ما أريد قوله ، ولكن صدقوني بأن الشعر بني على مقومات أيضا ً ، يتزعزع بفقد أي ركن منها ، من تلك الأركان : الموسيقى ( عمودا أو تفعيلة ) والموسيقى الداخلية ، واللغة ، والصورة ( التخييل ) وكذلك ( الروي ) وقبل كل ما ذكرت وبعده تأتي روح القصيدة ، وهذه يختص بها الشعراء عن المتشاعرين ، لذا فإننا قد نقرأ نصا يمتك كل مقومات القصيدة من لغة سليمة وتراكيب قوية وصور و ..و .. إلخ ، ولكن لا تسافر بك إلى البعيد ، ونحن نحب السفر ...
يقول نزار :
شعراء هذا العصـر جنـس ثالث ٌ . . فالـقـول فـوضى ، والكــلام ُ ضباب ُ
اللاهثون على هوامـش عـمرنا . . سيان إن حضروا ، وإن هم غابوا
يتكلمون مع الفـراغ ِ ، فما هـمُ . . عـجـم إذا نـطـقـوا ، ولا أعـــــراب ُ
يـتـهـكـّمون على النبيذ مـعـتـّقـا ً . . وهــمُ عــلى سـطـح النـبـيـذ ذبــاب ُ
الخـمر تبـقـى إن تـقادم عهـدها . . خـمــرا ً ، وقـد تـتـغـيـر الأكـــواب ُ

محبتي للجميع ..
أخي عبد المنعم
أشكرك على فتح باب النقاش، من أجل تفاعل الشعراء ومناقشة هذا الموضوع البالغ الأهمية. لكنني أصارحك أنني لا أحبذ الكلام القائم على غير حجة، وأحيانا المتطاول على مجهودات بشر يسمها بالنقص وبذم التراث وما كان ذما، وما قلته من أنّ الحداثيين اعتبروا التراث (دقة قديمة) ما حدث أبدا، بل أخبرك أنّ من رفع من مجهودات القدامى وأبرز جواهرها هم الحداثيون.
أما قدامة بن جعفر فهو من علمائنا الأجلاء ولكن هذا لا يجعل من أفكاره مقدسة حتى لا تمسّ، بل إنّ مقولته:"الشعر كلام موزون مقفى دال على معنى"، نوقشتْ منذ القدم وعارضها حازم القرطاجني وغايرها في التعريف الفلاسفة، وهي من أكبر المقولات التي أساءتْ إلى الشعر وإلى الشاعر.
وأشير إلى أنّ هناك في مقولات التراثيين حول الشعر، والتي تناقض مقولة قدامة، ما يجعل كثيرا ممن معنا نظامين خالصين، ولكنني في هذا السياق أضع أمامك حادثة و نصوصا من التراث للجرجاني عبد القاهر وغيره ولك أن تفهمني دلالتها، وهل تتعارض مع طرحنا الحداثي:
الحادثة:////
"أنشد الراعي عبد الملك قصيدة قال في بعضها:
("أخليفة الرحمن إنا معشر=حنفاء نسجد بكرة وأصيلا
عرب نرى لله في أموالنا=حق الزكاة منزَّلا تنزيـلا")
فردَّ عليه عبد الملك قائلا:"هذا ليس شعرا، هذا قراءة قرآنٍ وتفسير آية")
/////
النص1:////
قال ابن طباطبا في معرض حديثه عن بيت زهير:(سئمت تكاليف الحياة ومن يعش=ثمانين حولا لا .....إلخ) بأنه من قبيل النثر الموزون.
النص2:////
يقول ابن رشد في تفسيره لكتاب فن الشعر لآرسطو:("كثيرا ما يوجد في الأقاويل التي تسمى أشعارا ما ليس فيها من معنى الشعرية إلا الوزن فقط، كأقاويل سقراط الموزونة وأقاويل أنبادقليس في الطبيعيات بخلاف الأمر في أشعار أوميروش")
النص3:////
يقول عبد القاهر الجرجاني في معرض حديثه عن مزية الكلام الشعري :("ليس بين الخفايا والمشكلات أغرب مذهبا من الغموض ولا أعجب شأنا من المزية ، ولا أكثر تفلتا من الفهم . وما قاله العلماء والبلغاء في صفتها ، رموز لا يفهمها إلا من هو في مثل حالهم من لطف الطبع ، ومن مهيأ لفهم تلك الإشارات.")(دلائل الإعجاز)
.......
ولا أخفيك أنني شخصيا ولا ألزم أحدا بهذا أرى أن اتهام الحداثة بظلم التراث صار حديثا متجاوزا لأنّ النظريات الحداثية ابتداء من السياق ووصولا إلى النسق كلها رجعتْ إلى التراث وأبرزت الصالح منه، طبعا لأنه لا توجد معرفة لا يتجاوزها العلم، وفي التراث ما ينفع وما لا يصلح في هذا العصر.
تقبل تحياتي الخالصات

عبدالسلام جيلان
17/04/2010, 01:01 PM
أنْ تَجِـدَ تفاوتاً في مستويات التلقي الشعري، وتبايناً في ثقافة المتلقين، وخوفاً مبرراً وغير مبررٍ من كل جديد، وحنيناً مفرطاً إلى القديم، فذلك لا يعني أن تكون هذه الأمور مجتمعةً سبباً وحيداً لحالة الصدود الملحوظ الذي تواجهه النصوص الحديثة اليوم.
إذْ لا يمكننا تحميل المتلقي – وحده - مسؤولية نفوره من أبنية لغوية مصمتة لا نوافذ لها، إلا ما كان منها مغلقاً بإحكام، أو كان أضيق من سَـمَّ الخياط!
نعم.. من حق الشاعر أن "يتجه لامتلاك صوته ومفرداته وتراكيبه ورؤاه دون الحاجة إلى النسخ، أو الاتكاء، أو السطو المسلح وغير المسلح على المنجز الشعري".. ولكن عليه ألا يتخذ من ذلك ذريعة لقطع شعرة الوصل الرفيعة التي تصله بالقارئ، بحيث يعمد هذا الشاعر إلى التعمية المطلقة التي تجعل النص صندوقاً معتماً لا يرى فيه شيء، فتنقطعُ بذلك سبلُ التأويل، وتضيقُ مساحاتُ التأمل، وتنضبُ موارد المتعة!
فإذا جاز لنا اعتبار السفور التعبيري مثلبةً تنتقص من شاعرية الشاعر، وهو كذلك بالفعل، فإن ما هو أسوأ من ذلك، هو ذلك الركام المهول من النتاج الشعري الشبابي الذي يسمى شعراً من باب المكابرة المقيتة، في حين أنه مستودعٌ ضخمٌ للحجى والألغاز والطلاسم التي تتكاثر بسرعة مذهلة تفوق سرعة تكاثر الكائنات وحيدة الخلية!!..
وأعتقد – وهذا رأيٌ شخصيُّ محضٌ – أن خوض مغامرة كهذه لا يكلف الشاعر مهاراتٍ خارقة، ولا يتطلب ملكة إبداعية حقيقية، إذْ هو أسهل من سلق بيضة على نارٍ هادئة!
إن القارئ الذي يقرأ قصيدة درويش (أحن إلى خبز أمي)، بعين مغمضة، وشهية مفتوحة، هو ذات القارئ الذي يركل بقدمه اليسرى مجموعة شعرية كاملة لشاعر مثل قاسم حداد الذي وصلت به جرأته على استغباء القارئ حدَّ كتابة قصيدة مكونة من ثلاثة كلمات تقول "اللذين كانوا... كانوا" !!!!
وللحديث بقية..

مجذوب العيد المشراوي
17/04/2010, 01:13 PM
هنا أيضا يا عبد السلام يجب أن نوضّح ( مهما ) تكميلا لكلامك في إطار التفعيلة طبعا .

الكوم الذي تتحدث عنه من هلوسات الشباب لا يمكن أن تعيش لأنها بلا جسد ولا روح .. ظن ّ الشباب أنّ الشيوخ تلعب بالمفردات من نقص عقولهم فتبعوهم وهم لا يشعرون ...

وأيضا كم هم من كتبوا على نحو نزار وكانوا مضحكين ؟

المسألة هي الحديث عن عباقرة القرن الفائت وهذا تحديدا ..
في التفعيلة التي جعلتنا نقترب من الشعر العالمي عندما عرفنا كيف نكتبها محمّلة بفكر وفلسفة ورؤى وعمق ..
ثم ّ ما العيب من تكميل الشعر العربي بما لا يستطيع من لغة أخرىواعية مفكرة ؟؟

فقط الأمة الآن لا بد ّ أن تجتاز عقدة الموسيقى البدوية كما أشار إلى ذلك أحمد نمر الخطيب خفية في حديثه السابق إلى تعبيرات أخرى واعية وكاشفة وفاحصة والأهم ليست غنائية ( مما نقرأ ونفكر به وفيه لا مما نتغنى به ونحفظه )

يحيى سليمان
17/04/2010, 01:20 PM
فقط الأمة الآن لا بد ّ أن تجتاز عقدة الموسيقى البدوية كما أشار إلى ذلك أحمد نمر الخطيب خفية في حديثه السابق إلى تعبيرات أخرى واعية وكاشفة وفاحصة والأهم ليست غنائية ( مما نقرأ ونفكر به وفيه لا مما نتغنى به ونحفظه )


أستاذي وشيخي ومعلمي الذي أعتز به أرى في قولك هذا ظلما لموسيقى الشعر العربي
ما يوقع الشعر في فخ البداوة هو اللفظ وما نراه في الشعر للأسف من مفردات معجمية بائدة تصعب على التدوال
ولكن الإيقاع نفسه يستطيع تقديم قصائد رشيقة جدا على مستوى الشعر عموما

تدلعي والعبي بالقرب من سفن= وبادليني خيوط اللهو والدلع
أليس هذا البسيط الراقص البدوي لله ما أرشقه هنا من راقص
أما عن التفعيلة فأنا معك قلبا وقالبا الإيقاعات الواضحة فيه تحوله إلى ضجيج ضجيج
]

مجذوب العيد المشراوي
17/04/2010, 03:33 PM
أستاذي وشيخي ومعلمي الذي أعتز به أرى في قولك هذا ظلما لموسيقى الشعر العربي
ما يوقع الشعر في فخ البداوة هو اللفظ وما نراه في الشعر للأسف من مفردات معجمية بائدة تصعب على التدوال
ولكن الإيقاع نفسه يستطيع تقديم قصائد رشيقة جدا على مستوى الشعر عموما

تدلعي والعبي بالقرب من سفن= وبادليني خيوط اللهو والدلع
أليس هذا البسيط الراقص البدوي لله ما أرشقه هنا من راقص
أما عن التفعيلة فأنا معك قلبا وقالبا الإيقاعات الواضحة فيه تحوله إلى ضجيج ضجيج
]



غنّ هذا البيت الآن :

تدلعي والعبي بالقرب من سفن= وبادليني خيوط اللهو والدلع

[COLOR="Purple"] كيف أسمعك صوتي لتعرف أنّ نغمه ضارب في عروبة القبائل العربية هههههههههههههه

ليس هذا احتقار للألحان العربية وإنما هو تبيين وظيفة العمودي ومنشأ موسيقاه حتى نفرّق بينه وبين أنمظة الموسيقى الأخرى التي هي مثل الجاز أو السموفونيات ...[/COLOR

أحمد نمر الخطيب
17/04/2010, 04:57 PM
أخي الجميل مجذوب أتفق معك بخصوص القوالب، فالنص الشعري الحديث إذا لم نستطع محاكاته وفق منظور المتخيّل الصحراوي " البنية الإيقاعية البدوية"، ولو بشكل متمدد ليشهد نغمة المسافة الموسيقية في العمودي، سيكون باطلاً إذا جاز التعبير، أو سيكون دخيلاً على الواقعة الشعرية العربية على وجه التحديد، أنت تركز على مفتاح القضية، وهذا هو المهم، كيف لنا أن نعيد صناعة الموسيقى في قالب حداثي، وكيف لهذا القالب أن يتمدد وفق هذه الوحدات، دون الإخلال بوجهه الحداثي، نحن بحاجة إلى إعادة دراسة الجملة الموسيقية العربية، وعدم الإنسلاخ عن الأصل، ومع هذا فإعادة برمجة الوحدات الصوتية في الموسيقى العربية، ليس دخيلاً على الذائقة البدوية، فكثيرة هي المتواليات الموسيقية في النثر العربي القديم التي تلقتها الأذن العربية بارتياح كبير، وما الخطاب النثري الفني ببعيد.
أنا لا أطلب الانفصال عن الموسيقى البدوية، بل أطالب بتحييد الشاعر عن لعبة الجزر والمد التي تضع حوّاماتها في طريق الإبداع، نحن نحتاج إلى هيبة الموسيقى، وفضاءاتها التي تمتد حتى أوّل نص شعري عربي كُتبْ، لماذا لا نراقب أصوات العصافير، تختلف في الوحدة النغميّة إذا جاز التعبير، وتلتقي في جاذبية الوعي بأهمية الموسيقى.
الأمر هنا هو محاولة التفريق في المناطق ( فالذي يقدّم لنا من شعر وهو هيّن ٌ على العمودي يجب أن يكتب عموديا بحس ّ الشاعر المتمرّس والذي يجب أن يكتب في منطقة التفعيلة من نصوص ذات منحى تفكيري وفلسفي أو سردي كما يفعل درويش فلنكتبه تفعيليا ... بهذا نكون أكملنا ما كان ينقص العرب من شعر الفكرة العميقة والذي فشل العرب في تقديمه في ثوب عمودي سابقا وهو الآن في الرفوف ." مجذوب "نعم هنا يستقر الأمر، ويستوي عود الإنبات الشعري، نعم هناك منطقة تستوعب مجريات الفكرة شعرياً، وهناك منطقة أخرى تستوعب شعرية الفكرة، ولكن يعود هذا إلى مقدرة الشاعر على بثّ روح الحياة في ممتلكاته " لغوية كانت أو موسيقية، أو تخيّلية، أو مظاهرة الكلام وفق ما يحتمل من فلسفة وحكمة وغير ذلك من أبواب التشكيل النفسي للنص، أنا معك في هذا الفرز شريطة أن لا يكون منهجاً تقييدياً، نحاسب على إثره، نوازع التطور والبحث عن حالات إبداعية جديدة
ولكن ألا ترى معي، بأنّ ما فشل به العرب على مستوى شعر الفكرة، كان منهجه في كثير من لدنه ضعف شاعرية الشاعر، أو خلوّ ذائقته، أو عدم وجودها أصلاً، إلا من قبيل أن الشعر كان يمثل في تلك المرحلة المادة الإعلامية الوحيدة، وكذلك الأمر بالنسبة للحداثة، فكثير من الذين ركبوا هذه الموجة لم يفلحوا بضبط سواقيها وحواريها ونوازعها النفسية، أنا معك أخي مجذوب في ما تذهب إليه من تفصيل للخروج من مأزق الاتجاهات، والتلوين، والتمكين.
أمّا أخي عبد المنعم، فله الحق في خشيته من هذا الانهيار، فنحن أمام منزلق خطير يكاد يعصف بكلّ شيء، فما نقرأه من شعر في هذه الأيام ما هو إلا ترجمان لحرف منقطع عن نفسه وعن الأصل، ومنقطع أيضاً عن تربته الأولى " الفطرة والموهبة "، لا أدري، أحياناً أقرأ ما يسميه بعضهم شعراً بريبة وقلق، ريبة من أن تعمم قضايا الإشكاليات على تجربة الشعر الحديث كمجموع، وقلقاً على مصير حركة شعرية امتازت بها الأمة العربية، وكانت مباهي أعراسها.
نعم هناك خوف، وهناك حزن، وهناك انفلات أمني شعري، حقّ لأخينا الجميل عبد المنعم أن ينعي لنا بحسه الشفيف ما آلت إليه الأمور، وحق له أن يدعونا نحن معشر الشعراء إلى محاسبة أنفسنا قبل أن يحاسبنا التاريخ، فالتاريخ لا يرحم، لذلك أرجو أن لا يفهم من تعليقي السابق أنني مع هذا الانقلاب المفرط وغير المسؤول دون ضوابط، وأنا دخلتُ وللعلم باب الشعر العمودي من سفينة الحداثة، ألم تكن هذه الحداثة رافداً أصيلاً وشاحناً قويّاً للإمساك بتجربة شعرية تستمد من القديم عنفوانها، ألم تحافظ حداثتي على موروثها الراسخ في تربة المتخيل الصحراوي، ولستُ وحيداً.
أعودُ فأقول: النص الجميل المبدع والمتوازن هو أساس الحكم، وليس الغثاء الذي يطفو على السطح، هذا الغثاء الذي سرعان ما يذهب أدراج الرياح، وأختم: لماذا يهزنا أحياناً نص حديث، ويقلقنا نص بني على الإيقاع الخليلي؟ والعكس صحيح!! وربما أعود للحديث عن تداخلات الأخوة إذا سمح لي الوقت، مع محبتي للجميع

خميس لطفي
17/04/2010, 08:30 PM
أحمد أيها الجميل أردت التحدّث تحديدا في القوالب وما تحتمل موسيقيا وهذا ما يهمني من النقاش لنكشف شيئا جهله النّاس فأخلطوا الشعر .
إن ّ التفعيلة الواحدة والعمل عليها بنظام السّطر مع اختلاف طول الأسطر والتعالي عن القافية في أماكن ما والإتيان بها في أماكن أخرى أو التخلي عنها نهائيا جعل النّص التفعيلي منطقة أخرى غير غنائية وإنما منطقة للرؤى والفلسفة والفكر منطقيا فكيف لأحدهم أن يغني بهذا النظام ؟
إن نظان العمود من تساوي المسافتين ووجود القافية جعل الشعر العربي غنائيا صاخبا وحتى في محاولة تكسير الخليلية الحالية بالأعمدة ما زال يحمل غناءه وذلك لتردّد القافية بعد مسافات متساوية لهذا فالشعر العمودي وجداني غنائي نبع من أغان الشعراء قديما والتي ما زلنا نردّدها في مساجدنا مع وجود ألحان معروفة لكل ّ بحر .
لكن ّ التفعيلة هيَ نظام غربي وليس شرقي لا يمكن أن نغني بها إلا إذا كانت تفعيلتنا من البحور الصافية وكانت طريقتنا في خلق النّص قريبة من العمودي لهذا فالتفعيلة تنفع لشعر آخر تماما لا يمكن أن نصوغه بأي حال في قالب عمودي.
لناخذ أمثلة على ما نقول فهذا أدونيس يقول : .

نقدرُ, الآنَ, أن نتساءلَ كيف التقينا
نقدرُ, الآنَ, أن نَتَهجّى طريقَ الرّجوعْ
ونقولَ: الشواطىءُ مهجورةٌ,
والقلوعْ
خَبَرٌ عن حُطامٍ.
نقدر, الآن, أن ننحني, ونقولَ: انْتَهَيْنا .


ما هذا الإنسان
الذي لا نعثر على اللاإنساني
إلاّ فيه?
أهواء الحكم
تفتح الأبواب واسعة
لحكم الأهواء.
بقدر ما تضيق رقعة القول
تضيق رقعة الوجود.


"كلَّ يومٍ أفتشُ عن هاربٍ تحت جلدي"، يقولُ
يكرّر: "جسمي حصارٌ، وأرضي حصارٌ".
ويؤكِّدُ: "لا، لستُ أشكو". ويسألُ:
ما ذلك النّواحُ؟ المدينةُ، هذا المساءْ
ورقٌ طائرٌ.
هل يقومُ الترابُ على قدميه؟
... ... ... ...
عاصِفٌ من هباءْ.

وهذا درويش يقول :

تجلس المرأة في أغنيتي
تغزل الصوف ،
تصبّ الشاي ،
و الشبّاك مفتوح على الأيّام
و البحر بعيد ...
ترتدي الأزرق في يوم الأحد ،
تتسلّى بالمجلات و عادات الشعوب ،
تقرأ الشعر الرومنتيكي ،
تستلقي على الكرسي ،
و الشبّاك مفتوح على الأيّام ،
و البحر بعيد .
تسمع الصوت الذي لا تنتظر .
تفتح الباب ،
ترى خطوة إنسان يسافر .
تغلق الباب ،
ترى صورته . تسألها : هل أنتحر ؟
تنتقي موزارت ،
ترتاح مع الأرض السماويّة ،
و الشبّاك مفتوح على الأيّام
و البحر بعيد .
...و التقينا ،
ووضعت البحر في صحن خزف ،
و اختفت أغنيتي
أنت ، لا أغنيتي
و القلب مفتوح على الأيّام ،
و البحر سعيد ....


وهذا نزار يقول :



سيِّدتي:
كنتِ أهم امرأةٍ في تاريخي
قبل رحيل العامْ.
أنتِ الآنَ.. أهمُّ امرأةٍ
بعد ولادة هذا العامْ..
أنتِ امرأةٌ لا أحسبها بالساعاتِ وبالأيَّامْ.
أنتِ امرأةٌ..
صُنعَت من فاكهة الشِّعرِ..
ومن ذهب الأحلامْ..
أنتِ امرأةٌ.. كانت تسكن جسدي
قبل ملايين الأعوامْ..
-2-
يا سيِّدتي:
يالمغزولة من قطنٍ وغمامْ.
يا أمطاراً من ياقوتٍ..
يا أنهاراً من نهوندٍ..
يا غاباتِ رخام..
يا من تسبح كالأسماكِ بماءِ القلبِ..
وتسكنُ في العينينِ كسربِ حمامْ.
لن يتغيرَ شيءٌ في عاطفتي..
في إحساسي..
في وجداني.. في إيماني..
فأنا سوف أَظَلُّ على دين الإسلامْ..
-3-
يا سيِّدتي:
لا تَهتّمي في إيقاع الوقتِ وأسماء السنواتْ.
أنتِ امرأةٌ تبقى امرأةً.. في كلَِ الأوقاتْ.
سوف أحِبُّكِ..
عند دخول القرن الواحد والعشرينَ..
وعند دخول القرن الخامس والعشرينَ..
وعند دخول القرن التاسع والعشرينَ..
و سوفَ أحبُّكِ..
حين تجفُّ مياهُ البَحْرِ..
وتحترقُ الغاباتْ..


سؤالي بسيط ..
من منهم كتب بألفاظ عمودية شعر التفعيلة ولماذا أجهد نفسه إذن ؟؟؟
ولماذا استعان بالقوافي الكثيرة لمحاولة الغناء وذلك متوفر في العمود ؟
ومن منهم يمكن أن نعيد ما قال عموديا براحة تامة ؟

ما كتبه درويش ، يا أستاذ مجذوب ، كان على تفعيلة الرمل ، ولكن درويش كان مقلاً جداً في استخدامه للقافية هنا ( رغم تكراره لكلمة "بعيد "عدة مرات ، واستخدامه لكلمة "سعيد" في آخر ما كتب ) ، أما نزار فقد استخدم القوافي بشكل ملحوظ ، فهل هذا الفرق يكفي كي نقول بأن ما كتبه نزار شرقي وما كتبه درويش غربي ؟ أو أن بإمكاننا أن نعيد ( بشكل عمودي ) ما قاله نزار ، براحة تامة ، في حين قد نجد صعوبة في إعادة ما قاله درويش ؟ أو أن نقول بأننا نفهم كتابة درويش لشعر التفعيلة في الوقت الذي ننكر على نزار كتابته له ؟ أية حجة ( قوية :) ) هذه يا صديقي ؟ّ ثم ماذا عن قصائد درويش الأخرى والتي تعد بالآلاف والمكتوبة على شعر التفعيلة ؟ هل من الصعب إعادة صياغتها ( بشكل عمودي ) في حين من السهل صياغة ما كتبه معظم الشعراء العرب من شعر التفعيلة ؟ لاحظ أن شعر أدونيس الذي أتيت به هنا ( باستثناء المقطع الأول ) هو نثري وليس شعر تفعيلة ، وبالتالي فهو خارج السياق الذي نتحدث فيه !
الخلاصة :
ما أفهمه من كلامك ، أن المقطوعة التي كتبها نزار فيها نوع من الغنائية ( بسبب كثرة القوافي الواردة فيها ) في حين أن مقطوعة درويش تخلو من تلك الغنائية ، وبالتالي أنت ترى أنه كان يجدر بنزار أن يكتب ما كتبه بشكل عمودي وليس على شكل تفعيلات ، أما ما كتبه درويش فهو شعر تفعيلة ( بحق ) لقلة الغنائية فيه ، وبالتالي فهو المفهوم والمقبول لديك .
هل هذا ما أردت قوله ؟
وهل تظن أن الغنائية مفقودة في أغلب قصائد التفعيلة لدرويش ؟
هل هي مفقودة في قوله : على هذه الأرض ما يستحق الحياة ؟ ............... إلى آخر القصيدة ، ومفقودة في ديوان الجدارية ؟ وفي ........... ، وفي ............
في الغالب ، يستخدم الشاعر شعر التفعيلة عندما يجد أنه أنسب من القصيدة العمودية ، للتعبير عما يريد قوله ، والحديث عن إعادة صياغة شعر التفعيلة بشكل عمودي يبدو لي غريباً ، لا معنى له

مع أزكى التحايا للجميع !

مجذوب العيد المشراوي
17/04/2010, 09:42 PM
يبدو أنك يا خميس لم تقرأ جيدا ما كتبت وما أريد منه.. أعده أرجوك وركز معي فيما أريد أن أصل إليه ..
سأعيد بجملتين : للتفعيلة لغتها وللعمودي لغته أظنني الآن وصلت أليس كذلك ؟
.................................................. .................................................. ...........................
والمطلوب ألا نخلط بينهما وقد فعلها نزار ولم يفعلها درويش ولا أدونيس لأنهما فهما المسألة وذلك في أكثر ما كتبا هذا ما أردت ُ منذ ليلتين .
المسألة هذه بالتحديد فبنظرة بسيطة للشعراء الثلاث أرى أن قصدي واضح وهو أن درويش وأدونيس كتبا شعر التفعيلة الذي بنبغي ونزار افتعل ذلك . كيف حكمت ُ أنظر إلى طريقة التركيب في جمل هؤلاء الشعراء .
فيما يخص النصوص فقد انقيتها بسرعة لأدلل على كلامي ولم ألتفت جيدا لنثريان أدونيس ولا حتى قرأتها لأأني متأكد من طريقة أدونيس ودرويش لذا أرجو العذر .. هل آتي بأخريات ؟؟؟

يحيى سليمان
17/04/2010, 11:41 PM
شيخي وأستاذي المشراوي
كيف نردد هذه أنا أفكر معك بصوت عالي فقط
أين البدوية
ربما لنه البسيط هو أكثر البحور موسيقى بعد الوافر ولكن منه
فنحن لم نقترف حبا ولاشجرا= ولم نذق ثمرات الشوق والولع
ولم تذب في هوانا أي فاكهة=تظمي الشفاه ولم نشبع ولم نجع
فخفضي صوت موسيقاك معذرة= وان تعذر تخفيض الصدى فدعي
وحديثيني على مهل بما سرقت= تلك المرايا وإن حدثت فاستمعي

عبد القادر رابحي
رقصة البجع

لا أتكلم عن شعر ولكن كأداء موسيقي في بيت كهذا مثلا
فخفضي صوت موسيقاك معذرة= وان تعذر تخفيض الصدى فدعي

الصاد والضاد والعين الدال والذال هذه قواسم صوتية مشتركة للبيت تناغم الألفاظ نفسها من حيث عدد الحروف لا تجد مثلا من الذين على إليهمُ كان منه الوجد متصلا لا تجد هذا العبث
لا يتعمد الشاعر كل هذا ولكن ينبع من الإحساس بالكائن الحي داخلنا المسمى لغة عربية تحديدا ولن أقول لغة القرآن
من باب التسليم بالشيء لأنه منزل ولكن من باب أنها نزلت لتعجز العرب أنفسهم من برعوا بفن التأليف تعجزهم موسيقيا مع كونه ليس شعرا بالطبع الله سبحانه وتعالي يعرف من أين يُبْهر العرب
فكان به كل احتمالات العربية الجميلة حتى موسيقى الشعر نشأت في آيات القرآن وعندما تجلس مع العروضيين تجد أن أول ما يحضرهم من شواهد البحور آيات من القرآن وتجد الإبهار اللغوي واضح جدا في الجزء الثلاثين لأنه اول ما نزل من القرآن له جمال التخييل والإيحاء التناغم الصوتي دون أن يحتار من يعرف الشعر- وليس أعرف به من الجاهليين- أن هذا
ليس شعرا لماذا ؟ قالوا "نعرف هزجه ورجزه فلم نره يشبه شيئا من ذلك"
هذا هو حكم العرب على الشعر أن مايحكم مسماه هو القيد الذي أصبح يسمى خليليا بعدهم
هذا يعني أن كل ماعدا ذلك ليس شعرا من مظورهم
هل هم محقون !!
بالطبع ألف علامة تعجب!!!
هل يمكن أن يقول أحد أن القرآن شعر
ألف لا على الرغم من عدم وجود بيان حتى الآن أجمل منه لغة
إذذا ما اخرج به أن الشعر العربي هو الشعر العمودي فقط وأكررها
هو كامل الحرية في كامل القيد
هو استعراض عضلات الناطقين بالعربية ويتجلى هذا في شعر المتنبي من فخر وليس أشعر منه
هو ديوان العرب بما يجعل الله ينزل كتابا يتحداهم فيه أن يأتوا بسورة من سور القرآن وهم عظماء الإبداع
هذا الشعر العربي
اما الشعر في المطلق هو ما يكتب بالعربية والانجليزية والفرنسية يمس كل إنسان هذا حق الإنسان
وإن لم يكن لما قال احدهم الشعر هو ما يجعل الحياة ذات معنى

ماذا فعلنا نحن ....جئنا بالتفعيلة .....لها مؤيدون ولها معارضون..... ولكن لا أحد ينكر أنها شعر وينكرون قصائد النثر
سبحان الله من إين لنا هذا
لنكتب الشعر ولا نكتفي بالخليل
لكن لا نخلق قيدا وهميا ونحزن عندما يتكسر
هذا رأيي شخصي جدا

مجذوب العيد المشراوي
18/04/2010, 12:04 AM
يحيى يبدو أنك تلوي الحديث حيث لا نريد ..
أنا أتكلم عن موسيقية البحور الخليلية وأنه مهما جئت بأبيات داخلها يمكن أن أغنيها لك بما يسمح به البحر وهذا هو أصل كتابة العمودي ..
آخر الشعراء المطبوعين والذي كان يكتب شعره كما كان يفعل الأولين هو الجواهري وطريقته في ذلك الهمهمات والتي تعادل ألحان ما أتكلم عنه .
ما ناقشتك أنا في ما يقول رابحي أو غيره بل أناقشك في موسيقية ما بين يدي ..
لذا أرجو ألا تلوي الحديث مرة أخرى لغير ما نتحدث وشكرا .
لكن في التفعيلة اللحن العربي من بين إمكانيات الألحان العمودية غير متوفر إلا إذا كانت كتابة التفعيلة على تفعيلة من بحر صافي وكانت الطريقة قريبة جدا من بحرها العمودي أظنني مفوما الآن .
يبدو أن الحديث بدأ يذهب يمينا ويسارا ونحن نركز على منطقتين شعريتين يجب أن يفهمها الشعراء جيدا حتى يكون العمل عليهما واضحا ومطلوبا .

مجذوب العيد المشراوي
18/04/2010, 12:07 AM
سأغيب لأيام ..


إن شاء الله سأرجع وأجد تقدما في الموضوع ..

يحيى سليمان
18/04/2010, 12:13 AM
ونحن نركز على منطقتين شعريتين يجب أن يفهمها الشعراء جيدا حتى يكون العمل عليهما واضحا ومطلوبا .
يعني في رأيك إن القوالب ليس لها دور في الشعر والحداثة؟ أنا لا أريد لي ولا غيره عندما أريد أن ألوي شيئا سألويه على مرأي من الجميع ليس لي إلا طريق واحد
لا تحب ان يخاطبك احد كجندي فلا تفعلها معي

مصطفى الزايد
18/04/2010, 01:08 AM
الأستاذ عبد المنعم جاسم
لك كل الشكر على فتح هذا الموضوع ، وأفرحني ردود الإخوة المشاركين.
منذ أيام كنا نتحدث في المدرسة حول الجهاد في فلسطين والعراق وغيرها ، وكنت خلال الحوار في صف العنف !
فقال لي أحد الزملاء : أنت شاعر والشاعر رقيق ، فكيف تفكر بهذه الطريقة؟
فقلت له : عنترة كان شاعرا يجندل الأبطال ويقول الشعر فوق هاماتهم ، وأبو فراس كذلك ، والمتنبي شهد مع سيف الدولة بعض معاركه وقاتل إلى جانبه . الشعر ليس كله رقة ولا كله عنفا ؛ إنه يرق حيث تجب الرقة ويشتد حيث تجب الشدة ، ولكل مقام مقال.

فتحول الحديث إلى الشعر ، فقالوا هو موهبة.

فقلت لهم بل هو علم يدعم الموهبة.
فالشاعر إذا لم يقرأ ويتعرف على فنون اللغة نحوا وصرفا وبلاغة وغيرها من علوم اللغة فلن تهيء له الموهبة صياغة المشاعر والأفكار صياغة صحيحة.
حتى الشعراء العرب وإن كان بعضهم أميا إلا أنهم أهل لغة درسوا الشعر من خلال الرواية ، وضربت لهم مثلا :
أوس بن حجر كان راويته زهير بن أبي سلمى الذي تربى في حجره ، وبعد ذلك صار زهير شاعرا ، وكان هدبة بن خشرم راوية زهير ، فأصبح هدبة شاعرا ، وكان الحطيئة راوية هدبة ، وبعد ذلك صار شاعرا ، وكان جميل راوية الحطيئة ، ثم أصبح شاعرا ، وكان كثير راوية جميل ، وصار بعد ذلك شاعرا ، فهي سلسلة تعليمية من خلال الرواية.

وقلت: هاتوا لي موهوبا لم يقرأ ولم يتعلم لنرى شعره. ففوجئت بهم يستشهدون لي بشعراء أميين لم يدرسوا نحوا ولا بلاغة ولا عروضا ويقولون الشعر العامي (النبطي) ! فقلت لهم: أهذا هو الشعر الذي كنا نتحاور حوله؟؟!
وحتى هؤلاء لو لم يسمعوا شعر سابقيهم ما تعلموا صياغة شعرهم ولا موسيقاه ولا فنونه.

مصيبتنا اليوم في شعراء لم يقرؤوا إلا هذه الأنماط من الشعر (تهويمات في فضاء مفتوح ) وأخذوا يتسابقون في ساحة أخلاها لهم من أراد طغيان هذا النوع من الشعر. وعندما كنا في الجامعة كان هناك صراع كبير بين الاتجاهين ، وقد كنا نرجع أمرهم إلى العجز ، ونتحداهم أن ينظموا سبعة أبيات مستوية فيعجزون!
إن الوزن فن سماعي يتكون لدى الشاعر من خلال القراءة والاستماع. ولكن صياغة العبارات ضمن عدد ثابت من التفعيلات فن بحد ذاته ، وتوحيد كلمة القافية فن بذاته يعتمد على سعة موسوعة الشاعر المعجمية وبديهته. هذا إلى جانب النحو والصرف وفنون البلاغة التصويرية والتعبيرية وحتى الزخرفية. كلها فنون لم تأت من موهبة بلا تعلم.

وهنا نصطدم بفراخ تسارع إلى الطيران بزغبها ، لكنها لم تقف عند هذا الحد ، بل راحت تعيب على الطيور المجنحة طيرانها!
قالوا عن زهير ومدرسته عبيد الشعر! ولم يفهموا ذلك التعبير على وجهه الحقيقي. الرسام الذي يرسم اللوحة في ذهنه ثم يأخذ وقتا طويلا ليصورها على الورق بدقة متناهية يقدم من خلاله إبداعا متميزا ، وقد يمسح ويغير ويبدل هو مثل زهير وأضرابه في شعرهم ؛ يعتنون به ، ويراجعونه ، ويعرضونه على أهل الذوق ويستنيرون برأيهم ليخرجوه عملا فنيا متقنا .

وقد أختلف مع الشاعر يحيى سليمان الذي احب شعره وأقدره ، في موضوع جواز العبور ، حيث أعتقد أن من اعتاد ركوب البحور يأنف الخوض في السواقي ؛ فلا يبرر لشاعر ماضيه العمودي أن يكتب تهويمات .
وأعتقد أن الشاعر مجذوب العيد المشراوي اختصر في مداخلته الكثير الكثير مما أريد قوله ، وبانتظار تمام مشاركة الشاعر عبد السلام جيلان.

خميس لطفي
18/04/2010, 01:29 AM
إذذا ما اخرج به أن الشعر العربي هو الشعر العمودي فقط وأكررها
هو كامل الحرية في كامل القيد
هو استعراض عضلات الناطقين بالعربية ويتجلى هذا في شعر المتنبي من فخر وليس أشعر منه
هو ديوان العرب بما يجعل الله ينزل كتابا يتحداهم فيه أن يأتوا بسورة من سور القرآن وهم عظماء الإبداع
هذا الشعر العربي


أظن ، أستاذ يحيى ، أن موضوع شعر التفعيلة ، وهل هو شعر أم لا ، قد تم حسمه منذ زمن بعيد ، وإلا فكيف نفسر اعتبار النقاد ( والجمهور أيضاً ) أن المرحوم درويش كان من أكثر مطوري الشعر العربي الحديث في آخر خمسين سنة تقريباً ، رغم أن جل ما كتبه كان من شعر التفعيلة ؟ّ
من ناحية أخرى ، أود أن أشير إلى نقطة تتعلق " بالغنائية " التي أشار إليها الأستاذ مجذوب في مداخلاته السابقة ، حيث أعتقد أن غنائية قصيدة التفعيلة تنبع من وجود التفعيلة نفسها ، وهذا ما يميزها عن النثر ، وتختلف قصائد التفعيلة عن بعضها من حيث قلة أو كثرة تردد القافية فيها ، فهناك من الشعراء من يباعدون ( بشكل ملحوظ ) بين القوافي ، وهناك من يكثرون منها ، وبرأيي الشخصي فإن تكرار القافية ، بتردد مدروس ومحسوب جيداً ، هو بمثابة العصا التي يقف عليها القاريء شاعراً بنوع من الطرب الإضافي المحبب إلى النفس ، فالمبالغة في الإقلال ، أو الإكثار ، من القوافي قد تجعل القصيدة مملة إلى حد ما .
أؤكد ثانية على أنني لا أرى فرقاً من حيث " الغنائية " بين قصائد نزار وقصائد درويش ، بدليل أن مارسيل خليفة وغيره قد غنوا قصائد تفعيلة لمحمود درويش ، لكني مع ذلك أستطيع أن أدعي أن هناك فرقاً ملحوظاً في المواضيع التي طرقها كل من الشاعرين ، فبينما كان للفلسفي والإنساني نصيبٌ كبير في أشعار محمود درويش ، نجد أن معظم أشعار نزار كانت إما غزلية أو وطنية ، لكن الفرق في المواضيع المتناولة لا ينبغي أن يجعلنا نستنتج أي شيء له علاقة بالشرقي أوالغربي ، أو " الغنائية " ، ولا أن نفرق بين من كتبوا شعر التفعيلة من حيث قبولنا لكتابات أحدهم من حيث المبدأ ورفضنا لكتابات آخر ، بالرغم من حقنا الدائم في الاحتفاظ برأينا الشخصي بالإعجاب ، أو عدم الإعجاب ، بأشعار أي منهم .
مع أزكى التحايا للجميع

هلال الفارع
18/04/2010, 01:11 PM
أظن ، أستاذ يحيى ، أن موضوع شعر التفعيلة ، وهل هو شعر أم لا ، قد تم حسمه منذ زمن بعيد ، وإلا فكيف نفسر اعتبار النقاد ( والجمهور أيضاً ) أن المرحوم درويش كان من أكثر مطوري الشعر العربي الحديث في آخر خمسين سنة تقريباً ، رغم أن جل ما كتبه كان من شعر التفعيلة ؟ّ
من ناحية أخرى ، أود أن أشير إلى نقطة تتعلق " بالغنائية " التي أشار إليها الأستاذ مجذوب في مداخلاته السابقة ، حيث أعتقد أن غنائية قصيدة التفعيلة تنبع من وجود التفعيلة نفسها ، وهذا ما يميزها عن النثر ، وتختلف قصائد التفعيلة عن بعضها من حيث قلة أو كثرة تردد القافية فيها ، فهناك من الشعراء من يباعدون ( بشكل ملحوظ ) بين القوافي ، وهناك من يكثرون منها ، وبرأيي الشخصي فإن تكرار القافية ، بتردد مدروس ومحسوب جيداً ، هو بمثابة العصا التي يقف عليها القاريء شاعراً بنوع من الطرب الإضافي المحبب إلى النفس ، فالمبالغة في الإقلال ، أو الإكثار ، من القوافي قد تجعل القصيدة مملة إلى حد ما .
أؤكد ثانية على أنني لا أرى فرقاً من حيث " الغنائية " بين قصائد نزار وقصائد درويش ، بدليل أن مارسيل خليفة وغيره قد غنوا قصائد تفعيلة لمحمود درويش ، لكني مع ذلك أستطيع أن أدعي أن هناك فرقاً ملحوظاً في المواضيع التي طرقها كل من الشاعرين ، فبينما كان للفلسفي والإنساني نصيبٌ كبير في أشعار محمود درويش ، نجد أن معظم أشعار نزار كانت إما غزلية أو وطنية ، لكن الفرق في المواضيع المتناولة لا ينبغي أن يجعلنا نستنتج أي شيء له علاقة بالشرقي أوالغربي ، أو " الغنائية " ، ولا أن نفرق بين من كتبوا شعر التفعيلة من حيث قبولنا لكتابات أحدهم من حيث المبدأ ورفضنا لكتابات آخر ، بالرغم من حقنا الدائم في الاحتفاظ برأينا الشخصي بالإعجاب ، أو عدم الإعجاب ، بأشعار أي منهم .
مع أزكى التحايا للجميع
ـــــــــــــــــــــــــ

وجدت أنه من الخير، والأجدى، أن أبدأ من حيث انتهى الحديث، لا بتفضيل ما جاء به أخي خميس على ما جاء به غيره من مداخلات، ولكن من أجل الاستمرار في التأكيد على أن أهم ما يميز الشعر هو الغنائية، التي لا يخلو منها الشعر، أي شعر، مع استبعاد المحسوب منه عليه.
وأعتذر عن غيابي، أو - على الأقل - عن تأخّري عن محاولة مجاراة هذه الزمرة من المبدعين الجميلين، وتسجيل هدف، ولو كان – من تسلل ظاهر – في مرمى الشعر، الذي يبدو أن جميع المتحدثين فيه هم من اللاعبين في خط الهجوم، أو من المتمترسين في خط الدفاع، لتنفيذ استراتيجية يصعب اختراقها، حتى من أعتى عباقرة المرور الآمن. قليلون هم اللاعبون في خط الوسط، لأننا تعودنا، بل أنفنا كثيرًا من الوسطية، كونها عند الكثيرين تعني الانسحاب من ميدان اللعبة، بأقل الخسائر، وحفظ ماء الوجه، بأبسط الوسائل. مع أن الوسطية هي الحل الذي لا سبيل بدونه من نبذ التطرف، والوصول إلى حلول ترضي الجميع، دون أن يفوزوا، أو يستأثروا بالنتائج.
على أنني، ومن خلال ما قرأته هنا من مداخلات أحترم أصحابها، وأجلّهم، قد لمحت عدة انحرافات في الحوار، كادت في كثير من الأحيان تُخرج الموضوع عن وجهته، وتنآى بأصحابها عن وجهات نظرهم، وسبب ذلك أن الكثير منها التوى ليكون استشهادًا صالحًا لشاعر هنا، أو شاهدًا على شاعرية لشاعر هناك، وهو ما من شأنه أن يقتل الحيدة في الطرح. فالذي يتربص بالحوار كثيرًا، ليصل به، أو من خلاله إلى إخراجه بدمغة فلان، إنما سلك بقلمه واديًا يؤدي في النهاية إلى التماهي مع بيت شعر قاله هذا، أو بضع تفعيلات قالها ذاك، وهذا في حد ذاته خطير، لا لكونه انحيازًا فحسب، ولكن لأنه يلغي، أو يصادر الذات لصالح غيرها، لا على سبيل الأَثَرة، ولكن على أساس التصنيم.
الذي تفضل به الأستاذ عبد المنعم جاسم واضح لا لبس فيه، مع أنني قرأت فيه توطئة موفقة للاستشهاد بما قاله نزار قباني، وربما أن هذا الطرح نفسه، قد جاء وليد لمحة برقت بها تلك الأبيات المشهورة لنزار، والتي طوت ما بين سطورها أكثر مما حوت ما بين مفرداتها وحروفها. فإذا كان الشعراء الراكبون خلل الشعر آنذاك بهذا الكم والكيف – كما حدّث نزار – فكيف الحال بهم الآن؟!
الرجل كان واضحًا في طرحه: لا تنزيه للقديم، ولا تثريب على الحديث، لكن للشعر مقوّمات، يجب أن تتوافر فيه ليكون شعرًا... هذا ما طرحه الأخ الكريم عبد المنعم، وهو طرح صريح فصيح، كان يجب أن تنضوي التداخلات عليه في سياق مقومات الشعر الحقيقي لا غير. فهو على حق فيما ذهب إليه، فشعراء العمود ليسوا كلهم بارعين، وليسوا جميعًا متشابهين. فمن كان يتصور مثلاً أن أكثر من اثنين وستين ومائتي شاعرٍ كانوا في الجاهلية يحملون اسم ( امرؤ القيس ) اندثروا جميعًا، بكل أشعارهم، ولم يصل إلينا إلا شعر الملك الضّليل، لا لضعف في ذاكرة الرواة، ولكن لأن امرئ القيس غطّى عليهم، وأجبر تلك الذاكرة ألا تستحوذ إلا على شعره من دونهم!
إن كل شعراء العمود يتشابهون في الوعاء الشعري، لكن لا تشابه بين اثنين على الإطلاق في فحواه، فعنترة غير الأعشى، وغيرهم النابغة، بل إن كعبًا غير أبيه، وهكذا مرورًا بكل قمم الشعر، بشّارها وأبي تمامها ومتنبيها، وغيرهم إلى الجواهري في عصرنا، وما اختلف النقاد في شاعريتهم، إلا بمقدار ما فيها من فن وإجادة، ومقومات الشعر الحقيقي، بغض النظر عن التوابل البلاغية والبيانية. بيد أن الموسيقا تربعت على رأس كل المقومات، ولم يصل إلينا بيت شعر واحد من الشعر القديم، وقد خرج عن الموسيقا، حتى قبل أن ينظم الخليل البحور في كتاب، أو قبل أن يفهم العرب معاني العروض والقافية والضرب وتوابعها. من أجل ذلك كان الشعر، وكان النثر، وبُنيت على هذا الأساس المدارس النقدية، وتكونت حافظة الأدب العربي كله. قد يقول قائل: وهل هذا كافٍ ليكون مسلّمةً تمنع التجديد والابتكار؟ وأقول: كلا، وألف كلا. فهذا الباب على أكثر من مصراعيه مفتوح للابتكار، وفيه فليتنافس المتنافسون، وليسمّوا ما يشاؤون، بما يشاؤون، ولكن ليس لهم أن يفرضوا ذلك على غيرهم. فغيرهم، إما أن يجد ذلك جميلاً فيستحسنه، ويحبه، ويناصره، أو سيجده قبيحًا غير مطرب، فينبذه ويحاربه. كل جديد إما أن يكون فتحًا، أو اقترافًا على حقيقة معناها، والناس كلهم لن يستأنسوا إلا بما يعبر قلوبهم بسلاسة، وترقص له ذاكرتهم طربًا، وتنزله منها منزلة عالية.
نعم.. خصائص الشعر من وضع الإنسان، وما وضعه الإنسان ليس مقدّسًا، ولا نهائيًّا، بل إن معاييره ليست خالدة ثابتة، ولا هي خالصة كاملة، وأنّى يكون كمال إلا لله عز وجلّ. ومع ذلك فإن تلك الخصائص تبقى سيدة المشهد الشعري، إلى أن يأتي ما يزيحها، ويستوي على عرشها، ويكتسب الشرعية الأحق، والقيمة والأوْلى، وهو ما لم يكن حتى الآن على الأقل.
لا يجوز أن ننسى أبدًا أن كثيرًا من شعراء العمود، قديمه وحديثه قد ركبوا بحوره ضعافًا خفافًا من الإبداع، وكذلك فعل معظم شعراء التفعيلة، ويكاد هذا المعظم يقترف هذا اللون من الشعر ظنًّا منه أنه سهل التناول، طيّع الركوب، لذلك كان هذا الكثير من الغثّ، وغير السمين. وفي المقابل، لا يجوز أبدًا أن نتناسى أن كل قصيدة في الشعر العربي قديمه وحديثه تظل ناقصة، ولو في جزئية جمالية، أو في جانب فاعل، على الرغم من استيفائها الوزن والقافية، وما يصر عليه النقاد من المعايير الفنية، وإلا لما جاء شاعرها بغيرها، وهو يرجو الأفضل، ويطلب الأجمل، ويسعى إلى التجويد والتطوير. الشاعر، الذي يدّعي أنه كتب قصيدته النهائية، في معنى القصيدة المطلق، لم يخلق بعد، ولا أظنه سيكون.
قد أتفق مع أخي مجذوب في أن شعر التفعيلة الجيد، هو ما يخرج في مقاييسه على العمود، لكنني أختلف معه في استحالة كتابته عمودًا، لأن الشعر شعر، سواء أكان عمودًا، أو تفعيلة. صحيح أن الفرصة هنا، أو هناك، قد تكون أرحب، لكن الاستحالة في الحالين لا وجود لها، وإن القطع بأن لكل منهما لغته أمر في حاجة ماسة لإعادة نظر.
الإبحار في هذا اليمّ لا يفضي إلى شاطئ، لأن لكل مجدافه الخاص، وزورقه الخاص، وأنا على استعداد أن أتقبّل أي إبحار في لجّته، بأية أدوات، ولأية نتائج، ما لم يكن الأمر "تجديفًا" صريحًا، أو اختلافًا مصنوعًا. والذين يدّعون أن اللغة الحديثة تفترض شعرًا، أو نصوصًا حديثة، هم مغالون، أو ربما لم يدخلوا إلى ادعائهم هذا من خلال استقراء واعٍ للشعر العربي بلغته الأصيلة. فاللغة وعاء، والشعر زاد، ولا يصح على الإطلاق أن يتنافرا، وكيف يكون ذلك، وهما معًا زوادة فنية لازمت الذاكرة، وصاحبت الوعي، وغازلت الروح؟! صحيح أن بعض المفردات لم تعد تفي بنهم الحضارة التي بنينا عليها ثقافتنا الحالية، لكن مثل تلك المفردات تبقى في سياقها مناسبة ورائعة التعبير، ومن يقول خلاف ذلك، عليه أن يعي أن ذلك هو ما أوصلنا إلى ما ندّعي، أو إلى ما نعايش من حداثة.
ولسنا بصدد الدخول في متاهة قصيدة النثر، فهذا برزخ يبغي فيه الكثيرون، ويصمت فيه الكثيرون، لأنه لا قرار دونه، ولا فرار منه. قد أكتفي بالقول: أنا ضد التسمية ( قصيدة النثر ) وكأن أصحاب هذا اللون من الكتابة يستنجدون بالشعر لتزيين كتاباتهم، مع أن ميدان النثر أرحب، ومجاله أعم، ولست أدري الهدف من وراء إلصاق الشعر به. أيُستنصرُ بالأدنى كمًّا ومساحةً، لإثبات الأعلى مكانًا ومكانةً؟! هنا الغرابة أخي يحيى سليمان، وليس في إنكار قصيدة النثر بحد ذاتها.
لا يمكنني الاستمرار في الكتابة، لأنني أدرك أنني سائر إلى اللانهاية فيها، ولأنني لا أريد أن يُنظر إلى ما أكتب على أنه تنظير.. فقط أردت أن أشكر صاحب الموضوع، وكل من تداخل هنا، أو قرأ، وأن أترك هذه الكلمات تعبيرًا مني عن التقدير والاحترام لكم جميعًا، ولأحترم كل شعر ونثر جميل فاعل.

سعيد العواجي
18/04/2010, 04:41 PM
قرأت ما دار في هذا المنتدى، وهو حديث اعتقد أنه متجدد ويصعب الوصول فيه إلى نتيجة ويعود السبب فيما اعتقد إلى نقطتين مهمتين هما :
أولا: مفهوم الشعر .
وثانيا :الخلفية الثقافية للشاعر .
فلو حاولنا أن نصل إلى مفهوم للشعر مثالي جدا يرى أن الشعر هو : الكلام الموزون المقفى الذي يعتمد على الجمال في بناءه وتكوينه.
فلا يخلو هذا المفهوم من سيأتي ويسائل هذا المفهوم : إذا لم يكن الشعر مقفى ولكن يحمل من جوانب الشعر ماهو جمالي هل يعتبر شعرا؟
أو سيطرح السؤال المشروع الذي سيقول : هل الشعر الموزون الذي لا يحمل جوانب جماليه هل يعتبر شعرا؟
وستتفرع أسئلة أخرى حسب الظرف الزماني والمكاني للشاعر، وعلى هذا فهل شعر التفعيلة الذي بدأ من خمسين عاما تقريبا والمشاريع الكبيرة التي واكبت هذه الفترة من شعراء افنوا أنفسهم في الشعر هل هم شعراء أم أنهم ماذا ؟ أليس من الظلم الذي سيلحق بهم إن اعتبرنا أنهم ليسوا من الشعراء رغم أنهم قدموا جمالا لا يمكن إنكاره أبدا؟.
ومما سبق لو اتخذنا المفهوم المثالي السابق ستسقط جميع الأشكال المستحدثة في الشعر كالمخمسات والمسمطات وسيسقط شعر الموشحات والشعر المسرحي، كما سيسقط كثيرا من الشعر العمودي الذي استند على الوزن والقافية ، ولن يبقى لدينا من الشعر إلا خمس أو ست قصائد يحددها فئة معينة ارتأت الشعر حسب رؤيتها وخلفيتها الثقافية .
أما بالنسبة للخلفية الثقافية للشاعر: فهي محدد أساسي لتوجيه الشاعر إلى تأييد التفعيلة أو رفضها فيعود إلى مدى قراءاته ومجالساته وبيئته التي يعيش فيها كل هذه الأشياء تساهم في تبني الشاعر لأسلوب ما في قوله الشعر، الكلام يطول ولكن لكي اختصر ما أريد قوله : أنه يجب علينا ألا نثرب على بعض وذلك لسبب واحد أن كثيرا ممن كان يتخذ موقف ضد التفعيلة أصبح من ناظميها والمدافعين عنها، والعكس ، وأتى ذلك من خلال تبدل حياته الثقافية التي وجهته إلى وجهة أخرى والشواهد في ذلك كثيرة ،، واعتقد انه لا يجب أن نكون مع أو ضد توجه معين في الشعر بل نتفق على الجمال،، والتاريخ سيحكم ، فمن الظلم أن نحاكم خمسين أو ستين سنة مقابل آلاف السنين ،، وكما أن في الشعر العمودي قصائد لا تنسى فكذلك هناك الكثير من قصائد التفعيلة لا يمكن أن تنسى ،،.

شكرا لمن أثار الموضوع ، وتحية لهذا المنتدى الرائع الذي فتح مجالا للحوار والمناقشة حول هذه القضية ، واعتذر إن وجد خللا وذلك لقلة الوقت لدي وعجلة التعقيب.

يحيى سليمان
18/04/2010, 05:27 PM
أنا أختلف وأتفق وأتعلم وأستمع والله وأحب خط الوسط والله أستاذي خميس لطفي وأستاذي هلال وأستاذي مصطفى الزايد وكلكم أكبر مني خبرة وتجريبا لذا أنا أستمع بود وحب بلا حرج أن أخطيء
لأن هناك من سيقومني ولن أجد في ذلك حرجا أبدا وليست كبيرة علىَّ أن يقال أن هلال الفارع عرفه خطأه بل أقسم بالله يسعدني كما أسعد من كل أخ وأستاذ فهنا في واتا متنفسي
وأصدقائي والجميل ان بها أساتذتي ايضا ومازلت مختلفا ولكني أستمع فرغم الاختلاف أستفيد جدا

عبدالسلام جيلان
19/04/2010, 09:13 AM
ـــــــــــــــــــــــــ

وجدت أنه من الخير، والأجدى، أن أبدأ من حيث انتهى الحديث، لا بتفضيل ما جاء به أخي خميس على ما جاء به غيره من مداخلات، ولكن من أجل الاستمرار في التأكيد على أن أهم ما يميز الشعر هو الغنائية، التي لا يخلو منها الشعر، أي شعر، مع استبعاد المحسوب منه عليه.
وأعتذر عن غيابي، أو - على الأقل - عن تأخّري عن محاولة مجاراة هذه الزمرة من المبدعين الجميلين، وتسجيل هدف، ولو كان – من تسلل ظاهر – في مرمى الشعر، الذي يبدو أن جميع المتحدثين فيه هم من اللاعبين في خط الهجوم، أو من المتمترسين في خط الدفاع، لتنفيذ استراتيجية يصعب اختراقها، حتى من أعتى عباقرة المرور الآمن. قليلون هم اللاعبون في خط الوسط، لأننا تعودنا، بل أنفنا كثيرًا من الوسطية، كونها عند الكثيرين تعني الانسحاب من ميدان اللعبة، بأقل الخسائر، وحفظ ماء الوجه، بأبسط الوسائل. مع أن الوسطية هي الحل الذي لا سبيل بدونه من نبذ التطرف، والوصول إلى حلول ترضي الجميع، دون أن يفوزوا، أو يستأثروا بالنتائج.
على أنني، ومن خلال ما قرأته هنا من مداخلات أحترم أصحابها، وأجلّهم، قد لمحت عدة انحرافات في الحوار، كادت في كثير من الأحيان تُخرج الموضوع عن وجهته، وتنآى بأصحابها عن وجهات نظرهم، وسبب ذلك أن الكثير منها التوى ليكون استشهادًا صالحًا لشاعر هنا، أو شاهدًا على شاعرية لشاعر هناك، وهو ما من شأنه أن يقتل الحيدة في الطرح. فالذي يتربص بالحوار كثيرًا، ليصل به، أو من خلاله إلى إخراجه بدمغة فلان، إنما سلك بقلمه واديًا يؤدي في النهاية إلى التماهي مع بيت شعر قاله هذا، أو بضع تفعيلات قالها ذاك، وهذا في حد ذاته خطير، لا لكونه انحيازًا فحسب، ولكن لأنه يلغي، أو يصادر الذات لصالح غيرها، لا على سبيل الأَثَرة، ولكن على أساس التصنيم.
الذي تفضل به الأستاذ عبد المنعم جاسم واضح لا لبس فيه، مع أنني قرأت فيه توطئة موفقة للاستشهاد بما قاله نزار قباني، وربما أن هذا الطرح نفسه، قد جاء وليد لمحة برقت بها تلك الأبيات المشهورة لنزار، والتي طوت ما بين سطورها أكثر مما حوت ما بين مفرداتها وحروفها. فإذا كان الشعراء الراكبون خلل الشعر آنذاك بهذا الكم والكيف – كما حدّث نزار – فكيف الحال بهم الآن؟!
الرجل كان واضحًا في طرحه: لا تنزيه للقديم، ولا تثريب على الحديث، لكن للشعر مقوّمات، يجب أن تتوافر فيه ليكون شعرًا... هذا ما طرحه الأخ الكريم عبد المنعم، وهو طرح صريح فصيح، كان يجب أن تنضوي التداخلات عليه في سياق مقومات الشعر الحقيقي لا غير. فهو على حق فيما ذهب إليه، فشعراء العمود ليسوا كلهم بارعين، وليسوا جميعًا متشابهين. فمن كان يتصور مثلاً أن أكثر من اثنين وستين ومائتي شاعرٍ كانوا في الجاهلية يحملون اسم ( امرؤ القيس ) اندثروا جميعًا، بكل أشعارهم، ولم يصل إلينا إلا شعر الملك الضّليل، لا لضعف في ذاكرة الرواة، ولكن لأن امرئ القيس غطّى عليهم، وأجبر تلك الذاكرة ألا تستحوذ إلا على شعره من دونهم!
إن كل شعراء العمود يتشابهون في الوعاء الشعري، لكن لا تشابه بين اثنين على الإطلاق في فحواه، فعنترة غير الأعشى، وغيرهم النابغة، بل إن كعبًا غير أبيه، وهكذا مرورًا بكل قمم الشعر، بشّارها وأبي تمامها ومتنبيها، وغيرهم إلى الجواهري في عصرنا، وما اختلف النقاد في شاعريتهم، إلا بمقدار ما فيها من فن وإجادة، ومقومات الشعر الحقيقي، بغض النظر عن التوابل البلاغية والبيانية. بيد أن الموسيقا تربعت على رأس كل المقومات، ولم يصل إلينا بيت شعر واحد من الشعر القديم، وقد خرج عن الموسيقا، حتى قبل أن ينظم الخليل البحور في كتاب، أو قبل أن يفهم العرب معاني العروض والقافية والضرب وتوابعها. من أجل ذلك كان الشعر، وكان النثر، وبُنيت على هذا الأساس المدارس النقدية، وتكونت حافظة الأدب العربي كله. قد يقول قائل: وهل هذا كافٍ ليكون مسلّمةً تمنع التجديد والابتكار؟ وأقول: كلا، وألف كلا. فهذا الباب على أكثر من مصراعيه مفتوح للابتكار، وفيه فليتنافس المتنافسون، وليسمّوا ما يشاؤون، بما يشاؤون، ولكن ليس لهم أن يفرضوا ذلك على غيرهم. فغيرهم، إما أن يجد ذلك جميلاً فيستحسنه، ويحبه، ويناصره، أو سيجده قبيحًا غير مطرب، فينبذه ويحاربه. كل جديد إما أن يكون فتحًا، أو اقترافًا على حقيقة معناها، والناس كلهم لن يستأنسوا إلا بما يعبر قلوبهم بسلاسة، وترقص له ذاكرتهم طربًا، وتنزله منها منزلة عالية.
نعم.. خصائص الشعر من وضع الإنسان، وما وضعه الإنسان ليس مقدّسًا، ولا نهائيًّا، بل إن معاييره ليست خالدة ثابتة، ولا هي خالصة كاملة، وأنّى يكون كمال إلا لله عز وجلّ. ومع ذلك فإن تلك الخصائص تبقى سيدة المشهد الشعري، إلى أن يأتي ما يزيحها، ويستوي على عرشها، ويكتسب الشرعية الأحق، والقيمة والأوْلى، وهو ما لم يكن حتى الآن على الأقل.
لا يجوز أن ننسى أبدًا أن كثيرًا من شعراء العمود، قديمه وحديثه قد ركبوا بحوره ضعافًا خفافًا من الإبداع، وكذلك فعل معظم شعراء التفعيلة، ويكاد هذا المعظم يقترف هذا اللون من الشعر ظنًّا منه أنه سهل التناول، طيّع الركوب، لذلك كان هذا الكثير من الغثّ، وغير السمين. وفي المقابل، لا يجوز أبدًا أن نتناسى أن كل قصيدة في الشعر العربي قديمه وحديثه تظل ناقصة، ولو في جزئية جمالية، أو في جانب فاعل، على الرغم من استيفائها الوزن والقافية، وما يصر عليه النقاد من المعايير الفنية، وإلا لما جاء شاعرها بغيرها، وهو يرجو الأفضل، ويطلب الأجمل، ويسعى إلى التجويد والتطوير. الشاعر، الذي يدّعي أنه كتب قصيدته النهائية، في معنى القصيدة المطلق، لم يخلق بعد، ولا أظنه سيكون.
قد أتفق مع أخي مجذوب في أن شعر التفعيلة الجيد، هو ما يخرج في مقاييسه على العمود، لكنني أختلف معه في استحالة كتابته عمودًا، لأن الشعر شعر، سواء أكان عمودًا، أو تفعيلة. صحيح أن الفرصة هنا، أو هناك، قد تكون أرحب، لكن الاستحالة في الحالين لا وجود لها، وإن القطع بأن لكل منهما لغته أمر في حاجة ماسة لإعادة نظر.
الإبحار في هذا اليمّ لا يفضي إلى شاطئ، لأن لكل مجدافه الخاص، وزورقه الخاص، وأنا على استعداد أن أتقبّل أي إبحار في لجّته، بأية أدوات، ولأية نتائج، ما لم يكن الأمر "تجديفًا" صريحًا، أو اختلافًا مصنوعًا. والذين يدّعون أن اللغة الحديثة تفترض شعرًا، أو نصوصًا حديثة، هم مغالون، أو ربما لم يدخلوا إلى ادعائهم هذا من خلال استقراء واعٍ للشعر العربي بلغته الأصيلة. فاللغة وعاء، والشعر زاد، ولا يصح على الإطلاق أن يتنافرا، وكيف يكون ذلك، وهما معًا زوادة فنية لازمت الذاكرة، وصاحبت الوعي، وغازلت الروح؟! صحيح أن بعض المفردات لم تعد تفي بنهم الحضارة التي بنينا عليها ثقافتنا الحالية، لكن مثل تلك المفردات تبقى في سياقها مناسبة ورائعة التعبير، ومن يقول خلاف ذلك، عليه أن يعي أن ذلك هو ما أوصلنا إلى ما ندّعي، أو إلى ما نعايش من حداثة.
ولسنا بصدد الدخول في متاهة قصيدة النثر، فهذا برزخ يبغي فيه الكثيرون، ويصمت فيه الكثيرون، لأنه لا قرار دونه، ولا فرار منه. قد أكتفي بالقول: أنا ضد التسمية ( قصيدة النثر ) وكأن أصحاب هذا اللون من الكتابة يستنجدون بالشعر لتزيين كتاباتهم، مع أن ميدان النثر أرحب، ومجاله أعم، ولست أدري الهدف من وراء إلصاق الشعر به. أيُستنصرُ بالأدنى كمًّا ومساحةً، لإثبات الأعلى مكانًا ومكانةً؟! هنا الغرابة أخي يحيى سليمان، وليس في إنكار قصيدة النثر بحد ذاتها.
لا يمكنني الاستمرار في الكتابة، لأنني أدرك أنني سائر إلى اللانهاية فيها، ولأنني لا أريد أن يُنظر إلى ما أكتب على أنه تنظير.. فقط أردت أن أشكر صاحب الموضوع، وكل من تداخل هنا، أو قرأ، وأن أترك هذه الكلمات تعبيرًا مني عن التقدير والاحترام لكم جميعًا، ولأحترم كل شعر ونثر جميل فاعل.

مع المادَّة كما وردت، وليس لمثلي أن يحيد عنها قيدَ أنملة، ولا أعتقد أن بوسعي أن أضيفَ شيئاً بعد هذا!
وعليه، فإن مشاركتي هذه هي آخر ما أستطيع كتابته حول هذا الموضوع، فقد "قطعت جهيزةُ قولَ كلِّ خطيبِ"!!
تحياتي ومودتي لجميع المتداخلين والقراء على السواء.

عبدالمنعم جاسم
20/04/2010, 02:43 AM
الأستاذ عبد المنعم جاسم
لك كل الشكر على فتح هذا الموضوع ، وأفرحني ردود الإخوة المشاركين.
منذ أيام كنا نتحدث في المدرسة حول الجهاد في فلسطين والعراق وغيرها ، وكنت خلال الحوار في صف العنف !
فقال لي أحد الزملاء : أنت شاعر والشاعر رقيق ، فكيف تفكر بهذه الطريقة؟
فقلت له : عنترة كان شاعرا يجندل الأبطال ويقول الشعر فوق هاماتهم ، وأبو فراس كذلك ، والمتنبي شهد مع سيف الدولة بعض معاركه وقاتل إلى جانبه . الشعر ليس كله رقة ولا كله عنفا ؛ إنه يرق حيث تجب الرقة ويشتد حيث تجب الشدة ، ولكل مقام مقال.

فتحول الحديث إلى الشعر ، فقالوا هو موهبة.

فقلت لهم بل هو علم يدعم الموهبة.
فالشاعر إذا لم يقرأ ويتعرف على فنون اللغة نحوا وصرفا وبلاغة وغيرها من علوم اللغة فلن تهيء له الموهبة صياغة المشاعر والأفكار صياغة صحيحة.
حتى الشعراء العرب وإن كان بعضهم أميا إلا أنهم أهل لغة درسوا الشعر من خلال الرواية ، وضربت لهم مثلا :
أوس بن حجر كان راويته زهير بن أبي سلمى الذي تربى في حجره ، وبعد ذلك صار زهير شاعرا ، وكان هدبة بن خشرم راوية زهير ، فأصبح هدبة شاعرا ، وكان الحطيئة راوية هدبة ، وبعد ذلك صار شاعرا ، وكان جميل راوية الحطيئة ، ثم أصبح شاعرا ، وكان كثير راوية جميل ، وصار بعد ذلك شاعرا ، فهي سلسلة تعليمية من خلال الرواية.

وقلت: هاتوا لي موهوبا لم يقرأ ولم يتعلم لنرى شعره. ففوجئت بهم يستشهدون لي بشعراء أميين لم يدرسوا نحوا ولا بلاغة ولا عروضا ويقولون الشعر العامي (النبطي) ! فقلت لهم: أهذا هو الشعر الذي كنا نتحاور حوله؟؟!
وحتى هؤلاء لو لم يسمعوا شعر سابقيهم ما تعلموا صياغة شعرهم ولا موسيقاه ولا فنونه.

مصيبتنا اليوم في شعراء لم يقرؤوا إلا هذه الأنماط من الشعر (تهويمات في فضاء مفتوح ) وأخذوا يتسابقون في ساحة أخلاها لهم من أراد طغيان هذا النوع من الشعر. وعندما كنا في الجامعة كان هناك صراع كبير بين الاتجاهين ، وقد كنا نرجع أمرهم إلى العجز ، ونتحداهم أن ينظموا سبعة أبيات مستوية فيعجزون!
إن الوزن فن سماعي يتكون لدى الشاعر من خلال القراءة والاستماع. ولكن صياغة العبارات ضمن عدد ثابت من التفعيلات فن بحد ذاته ، وتوحيد كلمة القافية فن بذاته يعتمد على سعة موسوعة الشاعر المعجمية وبديهته. هذا إلى جانب النحو والصرف وفنون البلاغة التصويرية والتعبيرية وحتى الزخرفية. كلها فنون لم تأت من موهبة بلا تعلم.

وهنا نصطدم بفراخ تسارع إلى الطيران بزغبها ، لكنها لم تقف عند هذا الحد ، بل راحت تعيب على الطيور المجنحة طيرانها!
قالوا عن زهير ومدرسته عبيد الشعر! ولم يفهموا ذلك التعبير على وجهه الحقيقي. الرسام الذي يرسم اللوحة في ذهنه ثم يأخذ وقتا طويلا ليصورها على الورق بدقة متناهية يقدم من خلاله إبداعا متميزا ، وقد يمسح ويغير ويبدل هو مثل زهير وأضرابه في شعرهم ؛ يعتنون به ، ويراجعونه ، ويعرضونه على أهل الذوق ويستنيرون برأيهم ليخرجوه عملا فنيا متقنا .

وقد أختلف مع الشاعر يحيى سليمان الذي احب شعره وأقدره ، في موضوع جواز العبور ، حيث أعتقد أن من اعتاد ركوب البحور يأنف الخوض في السواقي ؛ فلا يبرر لشاعر ماضيه العمودي أن يكتب تهويمات .
وأعتقد أن الشاعر مجذوب العيد المشراوي اختصر في مداخلته الكثير الكثير مما أريد قوله ، وبانتظار تمام مشاركة الشاعر عبد السلام جيلان.


أحييك على مداخلتك هذه ، وأشد على يديك ثائرا وشاعرا ..
وهل الشعر إلا ثورة عارمة من المشاعر ..

عبدالمنعم جاسم
20/04/2010, 02:51 AM
ـــــــــــــــــــــــــ

وجدت أنه من الخير، والأجدى، أن أبدأ من حيث انتهى الحديث، لا بتفضيل ما جاء به أخي خميس على ما جاء به غيره من مداخلات، ولكن من أجل الاستمرار في التأكيد على أن أهم ما يميز الشعر هو الغنائية، التي لا يخلو منها الشعر، أي شعر، مع استبعاد المحسوب منه عليه.
وأعتذر عن غيابي، أو - على الأقل - عن تأخّري عن محاولة مجاراة هذه الزمرة من المبدعين الجميلين، وتسجيل هدف، ولو كان – من تسلل ظاهر – في مرمى الشعر، الذي يبدو أن جميع المتحدثين فيه هم من اللاعبين في خط الهجوم، أو من المتمترسين في خط الدفاع، لتنفيذ استراتيجية يصعب اختراقها، حتى من أعتى عباقرة المرور الآمن. قليلون هم اللاعبون في خط الوسط، لأننا تعودنا، بل أنفنا كثيرًا من الوسطية، كونها عند الكثيرين تعني الانسحاب من ميدان اللعبة، بأقل الخسائر، وحفظ ماء الوجه، بأبسط الوسائل. مع أن الوسطية هي الحل الذي لا سبيل بدونه من نبذ التطرف، والوصول إلى حلول ترضي الجميع، دون أن يفوزوا، أو يستأثروا بالنتائج.
على أنني، ومن خلال ما قرأته هنا من مداخلات أحترم أصحابها، وأجلّهم، قد لمحت عدة انحرافات في الحوار، كادت في كثير من الأحيان تُخرج الموضوع عن وجهته، وتنآى بأصحابها عن وجهات نظرهم، وسبب ذلك أن الكثير منها التوى ليكون استشهادًا صالحًا لشاعر هنا، أو شاهدًا على شاعرية لشاعر هناك، وهو ما من شأنه أن يقتل الحيدة في الطرح. فالذي يتربص بالحوار كثيرًا، ليصل به، أو من خلاله إلى إخراجه بدمغة فلان، إنما سلك بقلمه واديًا يؤدي في النهاية إلى التماهي مع بيت شعر قاله هذا، أو بضع تفعيلات قالها ذاك، وهذا في حد ذاته خطير، لا لكونه انحيازًا فحسب، ولكن لأنه يلغي، أو يصادر الذات لصالح غيرها، لا على سبيل الأَثَرة، ولكن على أساس التصنيم.
الذي تفضل به الأستاذ عبد المنعم جاسم واضح لا لبس فيه، مع أنني قرأت فيه توطئة موفقة للاستشهاد بما قاله نزار قباني، وربما أن هذا الطرح نفسه، قد جاء وليد لمحة برقت بها تلك الأبيات المشهورة لنزار، والتي طوت ما بين سطورها أكثر مما حوت ما بين مفرداتها وحروفها. فإذا كان الشعراء الراكبون خلل الشعر آنذاك بهذا الكم والكيف – كما حدّث نزار – فكيف الحال بهم الآن؟!
الرجل كان واضحًا في طرحه: لا تنزيه للقديم، ولا تثريب على الحديث، لكن للشعر مقوّمات، يجب أن تتوافر فيه ليكون شعرًا... هذا ما طرحه الأخ الكريم عبد المنعم، وهو طرح صريح فصيح، كان يجب أن تنضوي التداخلات عليه في سياق مقومات الشعر الحقيقي لا غير. فهو على حق فيما ذهب إليه، فشعراء العمود ليسوا كلهم بارعين، وليسوا جميعًا متشابهين. فمن كان يتصور مثلاً أن أكثر من اثنين وستين ومائتي شاعرٍ كانوا في الجاهلية يحملون اسم ( امرؤ القيس ) اندثروا جميعًا، بكل أشعارهم، ولم يصل إلينا إلا شعر الملك الضّليل، لا لضعف في ذاكرة الرواة، ولكن لأن امرئ القيس غطّى عليهم، وأجبر تلك الذاكرة ألا تستحوذ إلا على شعره من دونهم!
إن كل شعراء العمود يتشابهون في الوعاء الشعري، لكن لا تشابه بين اثنين على الإطلاق في فحواه، فعنترة غير الأعشى، وغيرهم النابغة، بل إن كعبًا غير أبيه، وهكذا مرورًا بكل قمم الشعر، بشّارها وأبي تمامها ومتنبيها، وغيرهم إلى الجواهري في عصرنا، وما اختلف النقاد في شاعريتهم، إلا بمقدار ما فيها من فن وإجادة، ومقومات الشعر الحقيقي، بغض النظر عن التوابل البلاغية والبيانية. بيد أن الموسيقا تربعت على رأس كل المقومات، ولم يصل إلينا بيت شعر واحد من الشعر القديم، وقد خرج عن الموسيقا، حتى قبل أن ينظم الخليل البحور في كتاب، أو قبل أن يفهم العرب معاني العروض والقافية والضرب وتوابعها. من أجل ذلك كان الشعر، وكان النثر، وبُنيت على هذا الأساس المدارس النقدية، وتكونت حافظة الأدب العربي كله. قد يقول قائل: وهل هذا كافٍ ليكون مسلّمةً تمنع التجديد والابتكار؟ وأقول: كلا، وألف كلا. فهذا الباب على أكثر من مصراعيه مفتوح للابتكار، وفيه فليتنافس المتنافسون، وليسمّوا ما يشاؤون، بما يشاؤون، ولكن ليس لهم أن يفرضوا ذلك على غيرهم. فغيرهم، إما أن يجد ذلك جميلاً فيستحسنه، ويحبه، ويناصره، أو سيجده قبيحًا غير مطرب، فينبذه ويحاربه. كل جديد إما أن يكون فتحًا، أو اقترافًا على حقيقة معناها، والناس كلهم لن يستأنسوا إلا بما يعبر قلوبهم بسلاسة، وترقص له ذاكرتهم طربًا، وتنزله منها منزلة عالية.
نعم.. خصائص الشعر من وضع الإنسان، وما وضعه الإنسان ليس مقدّسًا، ولا نهائيًّا، بل إن معاييره ليست خالدة ثابتة، ولا هي خالصة كاملة، وأنّى يكون كمال إلا لله عز وجلّ. ومع ذلك فإن تلك الخصائص تبقى سيدة المشهد الشعري، إلى أن يأتي ما يزيحها، ويستوي على عرشها، ويكتسب الشرعية الأحق، والقيمة والأوْلى، وهو ما لم يكن حتى الآن على الأقل.
لا يجوز أن ننسى أبدًا أن كثيرًا من شعراء العمود، قديمه وحديثه قد ركبوا بحوره ضعافًا خفافًا من الإبداع، وكذلك فعل معظم شعراء التفعيلة، ويكاد هذا المعظم يقترف هذا اللون من الشعر ظنًّا منه أنه سهل التناول، طيّع الركوب، لذلك كان هذا الكثير من الغثّ، وغير السمين. وفي المقابل، لا يجوز أبدًا أن نتناسى أن كل قصيدة في الشعر العربي قديمه وحديثه تظل ناقصة، ولو في جزئية جمالية، أو في جانب فاعل، على الرغم من استيفائها الوزن والقافية، وما يصر عليه النقاد من المعايير الفنية، وإلا لما جاء شاعرها بغيرها، وهو يرجو الأفضل، ويطلب الأجمل، ويسعى إلى التجويد والتطوير. الشاعر، الذي يدّعي أنه كتب قصيدته النهائية، في معنى القصيدة المطلق، لم يخلق بعد، ولا أظنه سيكون.
قد أتفق مع أخي مجذوب في أن شعر التفعيلة الجيد، هو ما يخرج في مقاييسه على العمود، لكنني أختلف معه في استحالة كتابته عمودًا، لأن الشعر شعر، سواء أكان عمودًا، أو تفعيلة. صحيح أن الفرصة هنا، أو هناك، قد تكون أرحب، لكن الاستحالة في الحالين لا وجود لها، وإن القطع بأن لكل منهما لغته أمر في حاجة ماسة لإعادة نظر.
الإبحار في هذا اليمّ لا يفضي إلى شاطئ، لأن لكل مجدافه الخاص، وزورقه الخاص، وأنا على استعداد أن أتقبّل أي إبحار في لجّته، بأية أدوات، ولأية نتائج، ما لم يكن الأمر "تجديفًا" صريحًا، أو اختلافًا مصنوعًا. والذين يدّعون أن اللغة الحديثة تفترض شعرًا، أو نصوصًا حديثة، هم مغالون، أو ربما لم يدخلوا إلى ادعائهم هذا من خلال استقراء واعٍ للشعر العربي بلغته الأصيلة. فاللغة وعاء، والشعر زاد، ولا يصح على الإطلاق أن يتنافرا، وكيف يكون ذلك، وهما معًا زوادة فنية لازمت الذاكرة، وصاحبت الوعي، وغازلت الروح؟! صحيح أن بعض المفردات لم تعد تفي بنهم الحضارة التي بنينا عليها ثقافتنا الحالية، لكن مثل تلك المفردات تبقى في سياقها مناسبة ورائعة التعبير، ومن يقول خلاف ذلك، عليه أن يعي أن ذلك هو ما أوصلنا إلى ما ندّعي، أو إلى ما نعايش من حداثة.
ولسنا بصدد الدخول في متاهة قصيدة النثر، فهذا برزخ يبغي فيه الكثيرون، ويصمت فيه الكثيرون، لأنه لا قرار دونه، ولا فرار منه. قد أكتفي بالقول: أنا ضد التسمية ( قصيدة النثر ) وكأن أصحاب هذا اللون من الكتابة يستنجدون بالشعر لتزيين كتاباتهم، مع أن ميدان النثر أرحب، ومجاله أعم، ولست أدري الهدف من وراء إلصاق الشعر به. أيُستنصرُ بالأدنى كمًّا ومساحةً، لإثبات الأعلى مكانًا ومكانةً؟! هنا الغرابة أخي يحيى سليمان، وليس في إنكار قصيدة النثر بحد ذاتها.
لا يمكنني الاستمرار في الكتابة، لأنني أدرك أنني سائر إلى اللانهاية فيها، ولأنني لا أريد أن يُنظر إلى ما أكتب على أنه تنظير.. فقط أردت أن أشكر صاحب الموضوع، وكل من تداخل هنا، أو قرأ، وأن أترك هذه الكلمات تعبيرًا مني عن التقدير والاحترام لكم جميعًا، ولأحترم كل شعر ونثر جميل فاعل.



تحية أيها الفارع ..
أنت تعرف ما تقول ، وكيف تقول ، وهذا هو الفرق بيني وبينكم ، فإن يكن أحد الأخوة الذين دخلوا هذا الموضوع ، وأنكر علي الخوض هنا بدون حجج ، فإنني آمل منه المجئ إلى هنا ..
أحييك من القلب ، فقد أوضحت كل إبهام وإيهام ..
لك محبتي ، ولكل من شاركوا في هذا الطرح ..

بلال سلامة
20/04/2010, 09:36 AM
قبل البدء في الحديث عن الحداثة والشعر الحديث وأشكاله وأنماطه وصوره التي يخرج فيها، والطرق والمنهجيات المتعددة، العموميّ والخصوصي منها، والتي ينتهجها البعض هنا أو هناك، علينا أن نعرف معنى الحداثة وما هو المقصود بهذه الحداثة التي نرى أن الحديث فيها من مختلف وسائل الإعلام المعنية بالأمر قد انحرف عن مساره وقد زاد اللغط فيه، وأدت إلى استغلال المواقف لتأييد جانب معين، أو تفنيد جانب آخر، ووسط هذه المعمعة والانحرافات المستمرة التي أدت بنا إلى حالة من التيه والتشتت والضياع والبُعد الكبير عن المعنى الفعليّ للحداثة.
صار الخوض في هذا المضمار نوع آخر من أنواع الضياع والتشتت والتيه في مسارات متشعبة لا حدود واضحة المعالم لها...!!


لذا صار الحديث في هذا الجانب لدى البعض عملية بناء على أخطاء سابقة دون الرجوع إلى الأصل، وزاد التداخل في فهم طبيعة هذه الحداثة، وأهدافها ومحتواها وما ترمي إليه، وانشقت الأطراف وتنوعت في أخذ بعض المعنى وتوظيفه وتخصيصه دون النظر إلى المساحات الأخرى حول الجانب نفسه.
فذهبنا تارة إلى ربط مفهوم الحداثة بالجانب الزمني، والعصر الحالي ومستويات التطور وعكسنا أنه مواكبة لهذا التقدم، وهذا النمو، فكان لِزاماً عليه أن يستخدم المفردة الحديثة، والحديث عن الوقت الراهن وحالته، وهذا خطأ فادح رغم جزئية الصواب فيه.

فالحداثة لا زَمَنَ لها والإبداع لا وقت يحكمه، والشواهد على ذلك هائلة، فلو أعدنا النظر إلى المتنبي مثلاً: لوجدنا أن نصه الشعري أكثر حداثة وأقرب لمفهوم الحداثة من العديد من النصوص التي تطرح هذه الأيام، فهو لا يموت، وسيبقى شاهداً على الإنسان إلى الأبد، ذلك النص الشعري المستمر في تجدده وولادته، هو نص إبداعي لا يقبل الشك أو التأويل، والاستدلال هنا بالمتنبي ليس على سبيل التخصيص.

وذهبنا تارة أخرى إلى أن الحداثة هي صوت الشاعر وذاتيته المعزولة رغم ارتباطها بالآخر نوعاً وكماً، ووجهنا الدعوة للالتفات لصوت الشاعر ولغته وخصوصيته البحتة، وهذا ما هو إلا محض افتراء وقتل لحالة الإبداع ومفهومها، وارتباطها بالآخر من خلال المُؤثر العام والذي يتقاطع بين الأفراد بحس إنسانيّ جامع، رغم أنه ينفصل ليردد صوت خصوصيته وحدود ما أثّر فيه، سواء دينياً أم ثقافياً أم بيئياً.. وهذا جانب آخر!

ودخلنا مرة أخرى في الحديث عن قضية الوزن، وفسرنا الحداثة على أنها تجديد بالأنماط والأشكال، والأوزان ودعوات للتطوير عليها وإضافة المزيد، بما يُساعد حدّ ادعائنا على إتاحة مساحات أكثر رحابة للشاعر، وفتح أبواب لطالما أغلقها القيد الإيقاعي على الشاعر، فرأينا هولاً وتشرداً في ما أنتجته الحداثة من نصوص مفتوحة الوزن على صعيد الشعر الحر أو (التفعيلة)، لا علاقة لها بالشعر سوى الوزن الجديد، ونصوص التزمت بنظم نفسها أشدّ توغلاً في القِدَمْ والبُعدِ عن الحداثة أكثر من نصوص العصور القديمة.


مما سبق من أمثلة على بعض الانقسامات والتشتت في فهم معنى الحداثة يمكننا أن نفهم ما يلي:
أن الدراسات النقدية والحلقات والمؤتمرات المعنية بهذا الجانب، قد تَفَرّع منها جوانب شديدة الخطورة وأدت إلى حالات انقسام هائلة، ونرى بشدة كيف أن الرفض التام في فهم هذا المعنى، أدى بجانب معين إلصاق المعنى ( للغرب ) واعتبار أن الحداثة أمر مستورد، ودعت هذه الفئة إلى العودة السريعة لأصل الشعر العربي والسير على النسق ذاته واللهجة الشعرية ذاتها بل وأخذت على عاتقها إطلاق أحكام لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بمفهوم الحداثة وحاربته واعتبرت أي عمل يمت له بصلة إنما هو محاولة للعبث والخروج عن مسار الشعر العربي الأصيل. وظنت بمحاولاتها الكلاسيكية من خلال بعض المدارس أن من يدعو لتجديد الخطاب الشعري يريد الانسلاخ والانسياق بالوقت ذاته إلى جهة أخرى، وما هذا إلى فهم خاطئ آخر.

ولا أعرف إن كان يمكن تلخيص مفهوم الحداثة بمفردات عدة، ولكني سأقول ما أراه في هذا الجانب:

الحداثة: هي تجديد الخطاب الشعري، من خلال إعادة صياغة العلاقات نفسها والتجديد فيها، والخروج من نمطية التعبير، وإعادة النظر للمتناقضات الكلية في كل شيء حولنا وتوظيفها بما يخدم الحالة دون مُغالاة، هي إعادة تعريف الأشياء وفق حالة نموها زمنياً وذهنياً..!
خطاب الكون والإنسان في تساؤله الدائم وبحثه المستمر، وتجديد علاقاته واستمرار نموه، وابتكاره لقيم الجمال والفن والإبداع المُؤثر عبر الزمن، وبلا زمن، فالإبداع يفوق الزمن، ولا يرتبط به، لا ينفصل عن ماضيه، ولا يكرر خطابه بصورته المعروفة، يسبح في اللغة ليوظف سحرها المتوالد في نصوص تحاول تغطية التساؤلات المستمرة والحاجة الإنسانية الماسة والرغبة في البحث عن كل ما هو قَيّم وجميل.

ولا أرى أن لمفهوم الحداثة علاقة بالشكل الشعري إلا من بعض جوانبه البسيطة، ولا يجوز أخذ المعنى للحديث عن هذا الجانب، فقد عرف العرب الحداثة والتجديد منذ القرن الثامن للميلاد قبل الغرب بوقت كبير جداً، لذا فإن المفهوم عربي بالأصل، وهو مُصَدّر إن صح القول وليس مستورداً أبدا..

من هنا ومن خلال ما سبق يمكن أن نجد الحداثة بأي نص شعري داخل أي قالب شكلي كان، وهذا باعتقادي ما تتوق له كل نفس ذواقة، وباحثة باستمرار عن قيم الجمال.


تحيتي واحترامي للجميع

مجذوب العيد المشراوي
22/04/2010, 11:31 AM
أهلا بالجميع ..
عدت ُ لأجد الموضوع تقدم فعلا وقرأت أشياء جديدة هنا فعلا .
أحيي الجميع على هذا التزاحم الفكري الذي نرجو من ورائه ألا يظن ّ أي واحد أنّ الشاعر يكتب من جهل ومن فراغ ومن عدم إدراك لما يفعل .
مسألة القناعة هي التي تأتي بالشعر وهي الت يتأتي بطريقة رسمه في الورقة هكذا أرى العملية .
أكثر من هذا إن توضيح ما في رؤزوسنا يحسم ما نفعل ويعطي للناقد الآخر فرصة لمعرفة أن العملية اقتناع من مذاهب كثيرة في الشّعر . ولذا ترون أنا لم نصل ْ إلى حسم أي موضوع .
وأكثر من هذا نحن ننظر إلى الشعر من زاوية معرفية به نختلف فيها وهذا ما جعلنا نحكم انطباعيا في مواضيع الناس .
الشعر اليوم يزداد صعوبة في أشكاله ومواضيعه التي أصبحت فسيحة جدا فساحة الحياة والتقدم التكنولوجي وعليه يجب أن نكون في مستوى ما يجري شكرا

مجذوب العيد المشراوي
22/04/2010, 11:39 AM
أذكر أيضا أن ّ الحداثة مذهب سياسيى في أصله بقناعاته وحدوده ودواعيه بدأت ملامحه في نهاية الحرب العالمية الثانية بعد أن مات في هذه الحرب الكثير الكثير .
ومهمتها محاربة كل ّ العقائد والتفرقة والقبيلة والأمة وكسر مفاهيم الإنسان التي نشأ عنها الاقتتال .
ليست الحداثة هو شكل الأسلوب و الصور الجديدة والتناول الجديد فذاك عندنا معاصرة ..
ولكن الحداثة هو كل ّ هذا الجديد على مستوى اللغة والصور وووووووأيضا ............
الحداثة مقصد سياسي لتكسير الموروثات التي تؤدي بالإنسان إلى الحرب والقتال فهي جد مزخرفة ولكنها أصبحت في الأخير فنا إلحاديا تقريبا نعادي به ضمير الشعوب ههههههههههههه

نجران الحكيمي
23/04/2010, 12:47 AM
أساتذتي الكبار جميعاً
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وقفت هنا كثيراً .. وفضلت الاستماع فقط.. أمام هاماتكم الكبيرة شعراً.. ونقداً
رغم أني - في رأيي الشخصي والمتواضع تماماً - أرى أن مجرى الحديث ذهب الى التفاصيل دون تتبع حركة الشعر والأدب على مر العصور
وكما تفضل استاذي المبدع / هلال الفارع بأنه سيبدأ من حيث أنتهى الآخرون
استوقفتني كلمات أستاذي الشاعر الكبير مجذوب العيد المشراوي



وأكثر من هذا نحن ننظر إلى الشعر من زاوية معرفية به نختلف فيها وهذا ما جعلنا نحكم انطباعيا في مواضيع الناس .
الشعر اليوم يزداد صعوبة في أشكاله ومواضيعه التي أصبحت فسيحة جدا فساحة الحياة والتقدم التكنولوجي وعليه يجب أن نكون في مستوى ما يجري شكرا

ليست مهمة الشعر استيعاب التنويعات.. وإنما مهمته إبداع النوع الفني لكي يترتب عليه إبداع النوع الحضاري الإنساني، باعتبار كل كلمة مجرد دليل لابتكار الأشياء.. فالشعر غير التاريخ وغير الصحافة، وعلى هذا فليس مسؤولاً على تسجيل كل ظاهرة من ظواهر العصر، وإنما هو مسؤول عن تنغيم كل خلجة من خلجات إنسان العصر بما يعاني من القهر ومن قهر القهر.
الأشكال الشعرية لا تدل على العجز ولا على الاقتدار على العصر، المسألة امكانية الشاعر في أي شكل.. والشعر مجرد لمح يختصر كل القناديل في إضاءة عبارة، ويعتصر كل البساتين في قارورة حرف.. وهذا يتسنى للعمودي الذي يمتلك أمره وللجديد الذي يحدق من قاعدة.
وهذا الصراع الأدبي بين العمودي والجديد، وبين الجديد والأجد – من ستينات القرن السابق – ما هو إلا تعبيراً منحرفاً عن الأزمة الاجتماعية.. عن توتر العلاقات بين المثقفين والأنظمة، وبين التنظيمات وتجنيحها إلى تنظيمات أكثر وبين المثقف وثقافته.


تحياتي واحترامي للجميع

مصطفى سعيد ضاهر
24/04/2010, 05:28 PM
مقدمة من ديواني احببت ان انشرها لمناسبتها للموضوع
لن استجديَ أحدا ً من العظماء كتابة َ مقدمة ٍ لهذا الديوان ، ولن أجعل بيني وبين قرائي واسطة ً تمهد الطريق بيني وبينهم تنشر المحاسن وتسلط عليها الضوء وتقفز من فوق الهفوات بأن ترش عليها المساحيق والاصباغ لتبدوَ جميلة ًمقبولة .
ولن أتحاكم في كتابة المقدمة إلى نفسي كما يتحاكم بعض الشعراء إلى كـُتـّاب المقدمات ولن أزين كما يزينون ولن أداهن كما يداهنون صدقا ً مع قرائي وإنصافا ً لشعري من نفسي فإن حقق هذا الديوان من نفسه قبولا ًلدى القراء
فقد أغنى بظاهر لفظه ومعناه عن نفائس النعوت وجميل الصفات وكان له الفضل في ذلك وليس للمقدمة وإن عجز عن الوصول إلى قلوب المتلقين من تلقاء نفسه فلن تغني َ عنه المقدماتُ شيئا ً وإن اسهبت في المدح والإطراء .
لا يظن ظانٌ أنني إنما أشن ّ هجوما ً على المقدمات قاصدا ً من وراء هذا الهجوم التدليل على عدم جدواها وإنما أريد أن أقول إنّ الذي يقدح الزندهو نفسه الذي يعرف حجم الشرر المتطاير من هذا القدح فهو بالتالي أكثرإلماما ً بطبيعة شعره وهو الأوْلى بالتقديم إليه .
ولما كانت المقدمة هي لسان حال كاتبها صارت تمثل أول ما تمثل نقدا ً متحيزا ً في كثير من الأحوال تتصدر قصائد الديوان أما إذا كانت المقدمة بقلم الشاعر نفسه فإنها حينئذ ٍ تكون إمتدادا ً يزيد من مساحة الديوان بماتتضمنه من آراء للشاعر تصور مذهبه الشعري وحينئذ ٍ تكون موضع تحليل ٍ ودراسة كالشعر تماما ً لأنها خرجت من نفس البوتقة التي خرج منها تنير الطريق الموّصل إلى دَوْحة الشاعر وعالمه الشعري .
لقد كان الشعراء فيمن سبق وإلى عهد ٍ قريب وحتى وقتنا هذا يفني الشاعر عمره كله في إنتاج ديوان ٍ أو ديوانين سواء ً أكان ينحت من صخرٍ أو يغرف من بحر وفي كلتا الحالتين ينهمر الشعر من الخاطر بعد معاناة ٍ حقيقية وتجربةٍ شعريةٍ صادقةٍ أشبه ما تكون بالحُمى تتلبس الشاعر ولكنها ليست كحُمى المرض يمتزج فيها عمل الفكر مع خلجات النفس عند كل ولادة ٍ أدبية يفيض بعدها الشعر من القلب إلى اللسان حيث يكون في انتظاره القلم والقرطاس يتلقاه بعد
ذلك عشاق الشعر والأدب بالرضى والقبول والمتعة والسرور فتنال منه جميع الأذواق كلٌ بحسب فهمه وتذوقه للنص الشعري وما زال الأمر على هذا الحال حتى اقتحم هذا الميدان المتقولون أو ما يسموْن بشعراء الحداثة فألقوا في
الساحة أرتالا ً لا تـُعد ولا تـُحصى من نتاجهم الذي أسموه شعرا ً وما هو بشعر ولا هو مما يشبه الشعر وإنما هو كلام ٌ في كلام يمجـّه الذوق العام وهو لا يعدو أن يكون من كلام العامة لا يزيد عنه في قليل ٍ أو كثير ولستُ أريد أن أعقد
مقارنة ً بينه وبين الشعر الملتزم لأن مثل هذه المقارنة لا طائل تحتها ولا فائدة من عقدها لأنه شتان ما بين شاعر ٍ غريد ومتشاعر ٍ بليد يُحسن أن يكون أي شيئ ٍ إلا أن يكون شاعرا ً .
فإلى أي مدى يمكن اعتبار شعر الحداثة أدبا ً راقيا ً نتاج تجربةٍ شعريةٍ أصيلةٍ ومعاناةٍ صادقة . لقد أغرق الحداثيون الساحة الأدبية بكم ٍ هائل ٍ يفوق الحصر حتى إنّ احدهم ليقذف في الساحة بالدواوين العشرة في فترةٍ محدودةٍ ولو أن أحدهم ذوّب نفسه ما أنتج ديوانا ً أو ديوانين في عمره كله هذا لو كان ينتج عن تجربة ٍ شعريةٍ صادقةٍ كانت أو كاذبة .
وما هذا الانتاج الهائل في مجمله إلا تركيباتٌ لغوية ٌ خالية ٌ من النفس الشعري العميق وروحه الشفافة وهذا أمر ٌ يحتاج إلى إدخال تلك الأعمال إلى مشرحة النقد لاستبطانها واصدار الحكم الأخيرعليها وإن كنتُ أقطع يقينا ً بأنّ شعر الحداثة انحدر انحدارا ً حادا ً وخاصة ً بعد جنوحه إلى قصيدة النثر هذا إن كان للنثر قصيدة والتي يُجمع رواد النقد وأعمدة الشعر على منافاتها للإبداع وما قصيدة النثر إلا نهاية النفق المظلم الذي انحدرت إليه الحداثة وإذا كان للشعر أغراض ٌُ كثيرة كالمدح والهجاء
والحكمة والرثاء وما إلى ذلك من أغراض الشعر المتنوعة فما هي أغراض الشعر الحداثي ، لا أحسبها تحمل أكثر من غرض واحد وهو( الهدم ) وهو سهم ٌ ذو رؤوس ٍ متعددة فمن هدم الدين إلى هدم مكارم الأخلاق إلى هدم اللغة
إلى هدم التراث وهذا في حد ذاته كاف ٍ لأن ينقلنا من أمة ٍ أصيلة ٍ بذاتها معصومة ٍ بدينها غنية ٍ بتراثها عريقة ٍ بلغتها متبوعة ٍ لا تابعة إلى أمة ٍ تابعة ٍ لا متبوعة تلهث وراء سراب ٍ خادع بحجة التطور والتحول والتجديد . أي تجديدٍ
هذا الذي لا يحمل في يده إلا معول هدم ٍ فحسب ولماذا نلهث نحن وراءهم وننهل من أفكارهم ونبذر حداثتهم في أصالتنا ولماذا لا يبحثون هم عن أصالتنا ليستفيدوا منها في تنمية حداثتهم الهشة . أما تثوير اللغة فشيئ ٌ جميل أن تثور
اللغة على كل ما هو شاذ ومخالف أما أن يكون تثوير اللغة ثورة عليها لا لها يُقصد من وراء ذلك كله طمس معالمها واستبدال حروفها بحروف أخرى هو تشويه مرفوض للغة ٍ ظلت أعواما ً عديدة هي اللسان الجامع بين أقطارالوطن العربي على طول امتداده وما استبدال اللغة الفصحى بلهجات محلية إلا غاية ٌ من غايات المتآمرين والمتربصين باللغة الفصحى وبالناطقين بها على حد ٍ سواء .
وما تثوير اللغة وهو المصطلح الذي يلجأ إليه دعاة الحداثة إلا مصطلحٌ أجوف لا يخضع بحال إلا إلى تحولات الموضة التي لا تلبث أن تتبدل مع ظهور موضةٍ أخرى بينما اللغة العربية الفصحى كيان ٌ راسخ ومتجذرأصله ثابت وفرعه في السماء .
واللغة العربية تحمل في ذاتها إيحاءات ٍ تثويرية ٍ متجددة الأداء وتثويرها من خارج ذاتها يعني حكما ًعليها بالذبول والإنقراض وإلا فكيف تتفاوت أذواق المتلقين وهي قبساتٌ كامنة في النص ذاته تمنحه من معاني الخلود ما يجعله راسخا ً أمام عوامل التعرية الادبية ، ولو كان لعامل الزمن تأثيرا ً في النصوص الأدبية إذن لكان احساسنا بجمال النصوص التي مضى عليها مئاتُ السنين مختلفا ً عن احساس المتلقين لها في حينها .
ولعل من عبقرية لغتنا العربية أنها ظلت راسخة الجذور واضحة المعالم شديدة التأثير حتى في عصور الانحطاط هذا ولا يخفى على الناقد الحاذق ما يظهر على جبين النص من ملامح التجربة الشعرية وما إذا كانت التجربة ناضجة ً مكتملة أم أنها فجة لم تكتمل بعد .
ولو نظرنا إلى النص التالي :
هيا نمشي نركض نلعب
نلهو دوما ً مـثـل الثعلب
لوجدنا أنه يحمل ما يحمله الشعر من سمات الوزن والقافية إلا أنه يفتقر إلى التجربة الشعرية الناضجة وهو وإن كان يمثل نشيدا ً للاطفال رُكبت ألفاظه تركيبا ً شعريا ً إلا أنّ بينه وبين الشعر المنبثق عن تجربة ٍ شعرية ٍناضجة بوْنٌ
واسع ، فإذا كان هذا حال نص ٍ ملتزم ٍ فكيف بنص ٍ حداثي غير ملتزم أليس أحرى به أن يكون بينه وبين الشعر بونا ً أكثر اتساعا ً .
وهنا ارى انّ من الضروري التعريج على شعر التفعيلة واقول في هذا الباب إنّ شعر التفعيلة هو شعر عربي اصيل تمت اضافته الى بحور الخليل من قبل الشاعرة نازك الملائكة إذا التزم الشاعر بوزن التفعيلة في جميع ابيات القصيدة دون إخلال وفيه كذلك من الموسيقى مثل ما في العمودي .
وليس شعر التفعيلة وزنٌ غربي لانّ الشعر الغربي ليست له اوزان مثل اوزاننا وهم يسمونه شعرا وهو لا يعدو ان يكون من احلام اليقظة او من تهويمات السكارى لا لون ولا طعم ولا رائحة.
اما شعر نزار الذي كتبه في النساء لا يليق وهو حر في ذلك اما في التفعيلة فمن اروع ما كتب قصيدته التالية
يرمي حجرا او حجرين ***يقطع افعى اسرائيل الى نصفين*** يمضغ لحم الدبابات ***ويأتينا من غير يدين ...الخ مما هو منشور في دواوينه.
والى الذين يطبلون لكل صغيرة وكبيرة من حيث يدرون ولا يدرون اهدي هذه الابيات :
عــــــلام المرء لا يثنيه رأي ٌ *** عن اللذات من رجل ٍ حكيم
لسوء الظن ام خـــابت عقولٌ *** عن الترحال عن أمر ذميـم
حسبت ُ الشعر لمحا ً في فؤاد *** يمر ببؤرة الفـكـر السلــيم
فكيف يكون حر الشعر سحرا *** وفيه ضحالة القول السقيم
إذا كــانت منــــابعه عفــانـــا *** فكيف يكون من نبت كريم
واخيرا وليس آخرا أسال الله لي ولكم الهداية ونفاذ البصيرة فليس كل النقد مدحا وليس كل النقد قدحا وإنما النقد دراسة وحكم غير أني ارى ان كثيرا من الشعراء هنا ليسوا بشعراء ولا يمتون الى الشعر بصلة ويتلقون من المدح والاطراء ما ليسوا له بأهل.
ملاحظة صغيرة :
بينما انا اقرا ما كتب في هذا الموضوع صادفتُ اخطاء في القواعد والاملاء والتعبير آمل عدم تكرار ذلك ودمتم...

خميس لطفي
24/04/2010, 08:53 PM
مقدمة من ديواني احببت ان انشرها لمناسبتها للموضوع
لن استجديَ أحدا ً من العظماء كتابة َ مقدمة ٍ لهذا الديوان ، ولن أجعل بيني وبين قرائي واسطة ً تمهد الطريق بيني وبينهم تنشر المحاسن وتسلط عليها الضوء وتقفز من فوق الهفوات بأن ترش عليها المساحيق والاصباغ لتبدوَ جميلة ًمقبولة .
ولن أتحاكم في كتابة المقدمة إلى نفسي كما يتحاكم بعض الشعراء إلى كـُتـّاب المقدمات ولن أزين كما يزينون ولن أداهن كما يداهنون صدقا ً مع قرائي وإنصافا ً لشعري من نفسي فإن حقق هذا الديوان من نفسه قبولا ًلدى القراء
فقد أغنى بظاهر لفظه ومعناه عن نفائس النعوت وجميل الصفات وكان له الفضل في ذلك وليس للمقدمة وإن عجز عن الوصول إلى قلوب المتلقين من تلقاء نفسه فلن تغني َ عنه المقدماتُ شيئا ً وإن اسهبت في المدح والإطراء .
لا يظن ظانٌ أنني إنما أشن ّ هجوما ً على المقدمات قاصدا ً من وراء هذا الهجوم التدليل على عدم جدواها وإنما أريد أن أقول إنّ الذي يقدح الزندهو نفسه الذي يعرف حجم الشرر المتطاير من هذا القدح فهو بالتالي أكثرإلماما ً بطبيعة شعره وهو الأوْلى بالتقديم إليه .
ولما كانت المقدمة هي لسان حال كاتبها صارت تمثل أول ما تمثل نقدا ً متحيزا ً في كثير من الأحوال تتصدر قصائد الديوان أما إذا كانت المقدمة بقلم الشاعر نفسه فإنها حينئذ ٍ تكون إمتدادا ً يزيد من مساحة الديوان بماتتضمنه من آراء للشاعر تصور مذهبه الشعري وحينئذ ٍ تكون موضع تحليل ٍ ودراسة كالشعر تماما ً لأنها خرجت من نفس البوتقة التي خرج منها تنير الطريق الموّصل إلى دَوْحة الشاعر وعالمه الشعري .
لقد كان الشعراء فيمن سبق وإلى عهد ٍ قريب وحتى وقتنا هذا يفني الشاعر عمره كله في إنتاج ديوان ٍ أو ديوانين سواء ً أكان ينحت من صخرٍ أو يغرف من بحر وفي كلتا الحالتين ينهمر الشعر من الخاطر بعد معاناة ٍ حقيقية وتجربةٍ شعريةٍ صادقةٍ أشبه ما تكون بالحُمى تتلبس الشاعر ولكنها ليست كحُمى المرض يمتزج فيها عمل الفكر مع خلجات النفس عند كل ولادة ٍ أدبية يفيض بعدها الشعر من القلب إلى اللسان حيث يكون في انتظاره القلم والقرطاس يتلقاه بعد
ذلك عشاق الشعر والأدب بالرضى والقبول والمتعة والسرور فتنال منه جميع الأذواق كلٌ بحسب فهمه وتذوقه للنص الشعري وما زال الأمر على هذا الحال حتى اقتحم هذا الميدان المتقولون أو ما يسموْن بشعراء الحداثة فألقوا في
الساحة أرتالا ً لا تـُعد ولا تـُحصى من نتاجهم الذي أسموه شعرا ً وما هو بشعر ولا هو مما يشبه الشعر وإنما هو كلام ٌ في كلام يمجـّه الذوق العام وهو لا يعدو أن يكون من كلام العامة لا يزيد عنه في قليل ٍ أو كثير ولستُ أريد أن أعقد
مقارنة ً بينه وبين الشعر الملتزم لأن مثل هذه المقارنة لا طائل تحتها ولا فائدة من عقدها لأنه شتان ما بين شاعر ٍ غريد ومتشاعر ٍ بليد يُحسن أن يكون أي شيئ ٍ إلا أن يكون شاعرا ً .
فإلى أي مدى يمكن اعتبار شعر الحداثة أدبا ً راقيا ً نتاج تجربةٍ شعريةٍ أصيلةٍ ومعاناةٍ صادقة . لقد أغرق الحداثيون الساحة الأدبية بكم ٍ هائل ٍ يفوق الحصر حتى إنّ احدهم ليقذف في الساحة بالدواوين العشرة في فترةٍ محدودةٍ ولو أن أحدهم ذوّب نفسه ما أنتج ديوانا ً أو ديوانين في عمره كله هذا لو كان ينتج عن تجربة ٍ شعريةٍ صادقةٍ كانت أو كاذبة .
وما هذا الانتاج الهائل في مجمله إلا تركيباتٌ لغوية ٌ خالية ٌ من النفس الشعري العميق وروحه الشفافة وهذا أمر ٌ يحتاج إلى إدخال تلك الأعمال إلى مشرحة النقد لاستبطانها واصدار الحكم الأخيرعليها وإن كنتُ أقطع يقينا ً بأنّ شعر الحداثة انحدر انحدارا ً حادا ً وخاصة ً بعد جنوحه إلى قصيدة النثر هذا إن كان للنثر قصيدة والتي يُجمع رواد النقد وأعمدة الشعر على منافاتها للإبداع وما قصيدة النثر إلا نهاية النفق المظلم الذي انحدرت إليه الحداثة وإذا كان للشعر أغراض ٌُ كثيرة كالمدح والهجاء
والحكمة والرثاء وما إلى ذلك من أغراض الشعر المتنوعة فما هي أغراض الشعر الحداثي ، لا أحسبها تحمل أكثر من غرض واحد وهو( الهدم ) وهو سهم ٌ ذو رؤوس ٍ متعددة فمن هدم الدين إلى هدم مكارم الأخلاق إلى هدم اللغة
إلى هدم التراث وهذا في حد ذاته كاف ٍ لأن ينقلنا من أمة ٍ أصيلة ٍ بذاتها معصومة ٍ بدينها غنية ٍ بتراثها عريقة ٍ بلغتها متبوعة ٍ لا تابعة إلى أمة ٍ تابعة ٍ لا متبوعة تلهث وراء سراب ٍ خادع بحجة التطور والتحول والتجديد . أي تجديدٍ
هذا الذي لا يحمل في يده إلا معول هدم ٍ فحسب ولماذا نلهث نحن وراءهم وننهل من أفكارهم ونبذر حداثتهم في أصالتنا ولماذا لا يبحثون هم عن أصالتنا ليستفيدوا منها في تنمية حداثتهم الهشة . أما تثوير اللغة فشيئ ٌ جميل أن تثور
اللغة على كل ما هو شاذ ومخالف أما أن يكون تثوير اللغة ثورة عليها لا لها يُقصد من وراء ذلك كله طمس معالمها واستبدال حروفها بحروف أخرى هو تشويه مرفوض للغة ٍ ظلت أعواما ً عديدة هي اللسان الجامع بين أقطارالوطن العربي على طول امتداده وما استبدال اللغة الفصحى بلهجات محلية إلا غاية ٌ من غايات المتآمرين والمتربصين باللغة الفصحى وبالناطقين بها على حد ٍ سواء .
وما تثوير اللغة وهو المصطلح الذي يلجأ إليه دعاة الحداثة إلا مصطلحٌ أجوف لا يخضع بحال إلا إلى تحولات الموضة التي لا تلبث أن تتبدل مع ظهور موضةٍ أخرى بينما اللغة العربية الفصحى كيان ٌ راسخ ومتجذرأصله ثابت وفرعه في السماء .
واللغة العربية تحمل في ذاتها إيحاءات ٍ تثويرية ٍ متجددة الأداء وتثويرها من خارج ذاتها يعني حكما ًعليها بالذبول والإنقراض وإلا فكيف تتفاوت أذواق المتلقين وهي قبساتٌ كامنة في النص ذاته تمنحه من معاني الخلود ما يجعله راسخا ً أمام عوامل التعرية الادبية ، ولو كان لعامل الزمن تأثيرا ً في النصوص الأدبية إذن لكان احساسنا بجمال النصوص التي مضى عليها مئاتُ السنين مختلفا ً عن احساس المتلقين لها في حينها .
ولعل من عبقرية لغتنا العربية أنها ظلت راسخة الجذور واضحة المعالم شديدة التأثير حتى في عصور الانحطاط هذا ولا يخفى على الناقد الحاذق ما يظهر على جبين النص من ملامح التجربة الشعرية وما إذا كانت التجربة ناضجة ً مكتملة أم أنها فجة لم تكتمل بعد .
ولو نظرنا إلى النص التالي :
هيا نمشي نركض نلعب
نلهو دوما ً مـثـل الثعلب
لوجدنا أنه يحمل ما يحمله الشعر من سمات الوزن والقافية إلا أنه يفتقر إلى التجربة الشعرية الناضجة وهو وإن كان يمثل نشيدا ً للاطفال رُكبت ألفاظه تركيبا ً شعريا ً إلا أنّ بينه وبين الشعر المنبثق عن تجربة ٍ شعرية ٍناضجة بوْنٌ
واسع ، فإذا كان هذا حال نص ٍ ملتزم ٍ فكيف بنص ٍ حداثي غير ملتزم أليس أحرى به أن يكون بينه وبين الشعر بونا ً أكثر اتساعا ً .
وهنا ارى انّ من الضروري التعريج على شعر التفعيلة واقول في هذا الباب إنّ شعر التفعيلة هو شعر عربي اصيل تمت اضافته الى بحور الخليج من قبل الشاعرة نازك الملائكة إذا التزم الشاعر بوزن التفعيلة في جميع ابيات القصيدة دون إخلال وفيه كذلك من الموسيقى مثل ما في العمودي .
وليس شعر التفعيلة وزنٌ غربي لانّ الشعر الغربي ليست له اوزان مثل اوزاننا وهم يسمونه شعرا وهو لا يعدو ان يكون من احلام اليقظة او من تهويمات السكارى لا لون ولا طعم ولا رائحة.
اما شعر نزار الذي كتبه في النساء لا يليق وهو حر في ذلك اما في التفعيلة فمن اروع ما كتب قصيدته التالية
يرمي حجرا او حجرين ***يقطع افعى اسرائيل الى نصفين*** يمضغ لحم الدبابات ***ويأتينا من غير يدين ...الخ مما هو منشور في دواوينه.
والى الذين يطبلون لكل صغيرة وكبيرة من حيث يدرون ولا يدرون اهدي هذه الابيات :
عــــــلام المرء لا يثنيه رأي ٌ عن اللذات من رجل ٍ حكيم
لسوء الظن ام خـــابت عقولٌ عن الترحال عن أمر ذميـم
حسبت ُ الشعر لمحا ً في فؤاد يمر ببؤرة الفـكـر السلــيم
فكيف يكون حر الشعر سحرا وفيه ضحالة القول السقيم
إذا كــانت منــــابعه عفــانـــا فكيف يكون من نبت كريم
واخيرا وليس آخرا أسال الله لي ولكم الهداية ونفاذ البصيرة فليس كل النقد مدحا وليس كل النقد قدحا وإنما النقد دراسة وحكم غير أني ارى ان كثيرا من الشعراء هنا ليسوا بشعراء ولا يمتون الى الشعر بصلة ويتلقون من المدح والاطراء ما ليسوا له بأهل.
ملاحظة صغيرة :
بينما انا اقرا ما كتب في هذا الموضوع صادفتُ اخطاء في القواعد والاملاء والتعبير آمل عدم تكرار ذلك ودمتم...

أحسنت القول ، أخي الشاعر مصطفى ، بارك الله بك
أتفق معك فيما قلته ، لكني كنت أظن ( وقد أكون مخطئاً ) أن " الشعر الحداثي " كتعريف ، يشمل شعر التفعيلة ( ومنه الجميل ) ، بالإضافة إلى ما يُسمى بقصيدة النثر ، وكذلك كل ما قلت أنت عنه أنه لا يمت للشعر بصلة ، الحداثة كما كنت أفهمها ، قبل قراءتي لمشاركتك ، هي فكر ومضمون ، ولا علاقة لها بشكل أو قالب القصيدة .
أسعدني وجودك بيننا وأرجو أن نستمتع بقراءة أشعارك الجميلة
دمت بألف خير

مصطفى سعيد ضاهر
25/04/2010, 12:50 AM
أحسنت القول ، أخي الشاعر مصطفى ، بارك الله بك
أتفق معك فيما قلته ، لكني كنت أظن ( وقد أكون مخطئاً ) أن " الشعر الحداثي " كتعريف ، يشمل شعر التفعيلة ( ومنه الجميل ) ، بالإضافة إلى ما يُسمى بقصيدة النثر ، وكذلك كل ما قلت أنت عنه أنه لا يمت للشعر بصلة ، الحداثة كما كنت أفهمها ، قبل قراءتي لمشاركتك ، هي فكر ومضمون ، ولا علاقة لها بشكل أو قالب القصيدة .
أسعدني وجودك بيننا وأرجو أن نستمتع بقراءة أشعارك الجميلة
دمت بألف خير


أخي خميس
أحييك تحية أخ لأخيه وأشكرك على مرورك الجميل
دمت بخير وعافية