المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة مترجمة من الأدب الصينى



يوسف محمد فرغلى
14/04/2010, 01:18 PM
السلام عليكم
أنا أسمى يوسف محمد طالب فى قسم اللغة الصينية بجامعة قناة السويس فى مصر
يسرنى أن أقدم لكم فى هذا المنتدى الكريم أول أعمالى الترجمية وهى قصة للكاتب الصينى المشهور جو زى تشينج . أتمنى أن تنال إعجابكم ولا تبخلو على بالنصائح



"منظر من الخلف"


لم أر أبى منذ قرابة السنتين،فأكثر شيء لا أستطيع أن أنساه هو منظره من الخلف.ففى شتاء تلك السنة توفيت جدتى وفوق ذلك خسر والدى وظيفته ،لقد كانت حقا أياما تتابعت فيها المصائب الواحدة تلو الأخرى .
فقررت أن أعود من مدينة بيكين إلى مدينة شوجو لأشارك والدى العزاء،وعندما وصلت الى شوجو ورأيت والدى لاحظت أيضا أن حديقة المنزل فى فوضى عارمة ،وتذكرت جدتى ،ولم أتمالك نفسى حتى بكيت فقال لى والدى "لقد حدث الأمر ولا نملك حياله شيئا ،فلا فائدة من الحزن على مامضى فمن حسن حظنا أن السماء لا تغلق كل أبواب الرحمة."
رجع والدى الى البيت ورتب لبيع كل الممتلكات وأقترض أيضا بعض المال لترتيبات الجنازة.ففى تلك الأيام كانت الحياة داخل البيت كئيبة و موحشة ،فمن ناحية كان هناك أمر ترتيب الجنازة و من ناحية أخرى هناك أمر توقف والدى عن العمل ،وعندما انتهت اجراءات الجنازة كان على والدى التوجه إلى نان جينغ للبحث عن عمل وكان على أيضا أن أذهب الى بيكين لأكمل دراستى ومن ثم فقد ذهبنا معا .
وعندما وصلنا الى نانجينغ ،جاء صديق ليتفقد أحوالنا فبتنا ليلتنا.وكانت خطتى فى اليوم التالى أن أعبر النهر فى الصباح الباكر الى بلدة بوكو وفى المساء أستقل منها القطار إلى بيكين ولكن ولأن والدى كان مشغولا ببعض الأعمال لذلك فلم أكن متأكدا أنه يمكنه اصطحابى إلى محطة القطار لذلك فقد دعا نادلا من الفندق يعرفه جيدا ليصحبنى ،وأخذ ينصحه مرة تلو الأخرى أن يكون منتبها حريصا ولكنه فى النهاية لم يكن مطمئنا فقد خشى ألا يكون النادل على قدر المسؤلية وتردد كثيرا .
فى الحقيقة كنت قد أكملت العشرين من عمرى فى تلك السنة وعلاوة على ذلك ذهبت الى بيكين مرتين أو ثلاثة ولم يكن ثمة مايدعو للقلق ،وبعد لحظة من التردد قرر أن يصحبنى بنفسة الى محطة القطار ،وأخذت أقول له بأنه ليس مجبرا على أن يصحبنى بنفسه ولكنه فى النهاية قال " لا تقلق فهم لن يستطيعوا الذهاب على اية حال ."
وعبرنا النهر ودخلنا محطة القطار وذهبت لأشترى تذكرة بينما تولى والدى أمر الأمتعة ،لقد كانت حقا أمتعة كثيرة لذلك فقد كان عليه أن يعطى الحمال بعض البقشيش ليحمل الأمتعة للداخل ،
وأخذ يتجادل معه حول قيمة البقشيش .فى ذلك الوقت كم كنت حقا ذكيا بما فيه الكفاية لأدرك أن والدى يتحدث كلاما غير مناسب على الأطلاق. ولم أستطيع أن امنع نفسى من التدخل اكثر من ذلك ولكنهم فى النهاية اتفقوا على قيمة البقشيش !!!
واخذنى والدى إلى عربة القطار واختار لى مقعدا بجانب الباب، وفردت المعطف الصوف الذى اعطاه لى على المقعد، وطلب منى ان اكون حريصا أثناء الرحلة ، وأن اكون متيقظا طوال الليل وألا أصاب بالزكام بل وقد عهد ايضا بالنادل للأعتناء بى وتراقص قلبى بضحكة خفية على حرصه البالغ فهم يهتمون فقط بأمر المال و وعودهم دائما لاتغنى فتيلا ،بل وانه من الصعب التصديق انه لايمكن لشخص بالغ مثلى ألا يستطيع الاعتناء بنفسه؟!
اه........إننى اتذكر الأن كم كنت ذكيا عندها!
فقلت:"ابى عليك الذهاب الأن " فنظر خارج العربة قائلا "سأذهب لشراء كمية من البرتقال .ابق مكانك ولا تتحرك " ونظرت إلى ذلك الجانب من الرصيف فإذا هناك بعض الباعة المتجولين ينتظرون الزبائن ،وللوصول الى ذلك الرصيف عليك أن تعبر السكة الحديدية بل وتقفر وتتسلق للوصول الى هناك .وكان أبى شخصا ممتلئا-بدينا- لذلك فالعبور إلى ذلك الجانب من الرصيف سيسبب له به بعض المتاعب ، فى البداية كنت أريد أن أكون انا من يذهب ولكنه لم يكن ليدعنى افعل ذلك لذلك فمن الأفضل أن ادعه يذهب .
ونظرت فاذا هو يضع قبعة صغيرة من قماش أسود ويرتدى معطفا واسعا ويرتدى قميصا اسود من القطن السميك،وتوجه مترددا نحو ذلك الجانب من السكة الحديدية ومال بجسده عابرا ولم تكن هناك صعوبة حتى الأن ولكنه بعد أن عبر السكة الحديدية كان علية أن يتسلق ذلك الجانب من الرصيف ولم تكن تلك بالمهمة السهلة واستخدم كلتا يديه للتسلق وضم قدميه لأعلى ومال بجسده الممتلئ ناحية اليسار وظهر شكله المثابر ،وفى تلك اللحظة رأيت منظره من الخلف وتجمعت الدموع فى عينى ولكننى اسرعت بتجفيفها فقد خشيت أن يراها أبى او اى شخص اخر وعندما نظرت الى الخارج مرة اخرى، فاذا هو قد اشترى البرتقال عائدا ،ولما كان عليه أن يعبر السكة الحديدية مجدداً فقد وضع البرتقال أولا على الأرض ونزل ببطئ من على الرصيف ثم أخذ البرتقال مرة أخرى ومضى عائدا .
وعندما وصل إلى ذلك الجانب هرعت اليه من عربة القطار لمساعدته، ومشينا معا حتى وصلنا لعربة القطار، وكنت قد وضعت البرتقال فى معطفى ومن ثم أخذت امسح التراب من على المعطف وقد بدوت مرتاحا كثيراً عندها .
انقضت لحظة قصيرة قبل أن يقول لى " سأذهب الأن راسلنى عندما تصل الى هناك "و أخذت اراقبه وهو يمضى مبتعداً، فسار بضع خطوات وتوقف ونظر الى الخلف وقال لى "عد الى الداخل فلا يوجد احد هناك " وانتظرت حتى اختفى أثره وسط موج الحشود المتلاطمة ولم أعد اراه بعد ذلك فعدت الى الداخل، وجلست قليلا فاذا بالدموع تنهمر من عينى مجددا .
ففى السنوات الأخيرة تنقلنا أنا وأبى كثيراً ولم تختلف الأحوال فى البيت عما سبق ،فلم يكن ينقضى يوم كمثيله أبداً ،وساءت حالة يوماً بعد يوم .ففى سنوات شبابه الأولى، خرج ليكسب رزقه وساعد نفسه بنفسه وقام بالعديد من الأنجازات فمن ذا الذى يعرف شخصا فى مثل سنه قد قاسى الأهوال ووهنت عزيمته.فهو يحزن عندما يرى الحاله التى عليها البيت، فلما امتئ قلبه بالحزن كان عليه أن يفرغ هذه العاطفه ،فالحوادث الصغيرة داخل المنزل دائما ما تتسبب فى اشتعال غضبه وعادة ما يقابلك وجهه الحانق ،ولكننى لم أره فى السنتين الأخيرتين .وفى النهايه نسى عقوقى تجاهه وتذكرنى أنا وأبنى فقط وصب اهتمامه علينا نحن الأثنين .
وعندما ذهبت الى الشمال بعث الى برساله يقول فيها " اننى الأن على خير مايرام ولكن ذراعى يؤلمنى بشدة فليس من السهل على أن أرفع عيدان الطعام أو أمسك بالقلم وكان ذلك منذ اسبوع لا أكثر ....." وتوقفت عن القراءة عند تلك النقطة وأغرورقت عيناى بالدموع وتراءى لى منظر والدى من الخلف ، ذلك الجسد الممتلئ مرتديا ذلك الرداء من القطن السميك الأسود وذلك القميص الأسود من القماش فيا ترى متى سأرى ابى مرة اخرى؟!!


ترجمة / يوسف محمد فرغلى
طالب بقسم اللغة الصينية –جامعة قناة السويس –الأسماعيلية-مصر
تم فى 15/6/2009

خالد حسين عبده
24/10/2010, 04:19 AM
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.انا طالب ادرس في الصين حاليا واذا احتجت اي شيئ او اي استفسار انا مستعد لإفادتك.

الحسين محسن
17/11/2010, 02:05 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نص رائع، واختيار موفق، عربية سهلة وجميلة.

إن اختلفت الشعوب في قليل أم كثير ، إلا أن القيم الكبيرة تظل هي نفسها في رمزيتها ومعانيها. معنى الأبوة والمعاناة والحزن والفراق ... كلها وغيرها هي نفسها وإن اختلفت أسماؤها وجغرافيتها.

الترجمة رائعة. وأتمنى أن يكون بمقدورك ترجمة كثير من الأعمال المماثلة إلى العربية ومن ثم نشرها لإتاحتها أمام جماهير القراء العرب للمساهمة في التواصل الأدبي والحضاري بين الشعوب.

وفقك الله وسدد خطاك.

Jihad Al-Jayyousi
17/11/2010, 04:07 PM
أحسنت عزيزي يوسف.

أنت طبعاً تعلم أنني لا أعرفكَ ولا أعرف الصينية، غير أنني بدأت الآن بالتعرف إليكَ وإلى الأدب الصيني من خلال مساهمتك الجميلة.

عزيزي: أراك في سنِّ أبنائي ومنزلتهم، وأملي بك كبير أن تتابع ما أنت بصددهِ فهو أمرٌ عظيم الأهمية لك وللأمةِ أيضاً (لا تبتسم، فهذا صحيح) حيث أن من يُتْقِنونَ الصينية واليابانية قِلَّةٌ قليلة، وأمامهم عملٌ مهمٌّ عظيمٌ في انتظارهم، وكذلك مستقبلٌ زاهرٌ إن شاء الله.

لغتك العربية، وكما أرى، جميلة، ولا أخالُ إلا إحساسك مُرهَفٌ وعلى نفس الدرجة من الرقيِّ والجمال.

بارك اللهُ فيكَ ومنحك من الصبرِ والمثابرة على الصينية مايمكنك من إتقانها تماماً وأنت في مقتبلِ العمر.

نصيحة صغيرة هنا، وهي التواصل مع كل ما هو صيني ومن هو صيني بقدر ما تستطيع، و "اطلُب العِلمَ ولو في الصين"، إن استطعتَ في المستقبل.

مع أطيب أمنياتي لك بالتوفيق في كل مسعاك.

عَمّو جِهاد الذي لا تعرفه

يوسف محمد فرغلى
18/11/2010, 10:14 PM
شكرا استاذ جهاد على هذه الكلمات الجميلة المشجعة ، سأبذل كل مابوسعى لترجمة أكبر قدر ممكن من الأدب الصينى الذى تفتقر إليه المكتبة العربية على الرغم من أن جسور الإتصال قائمة بين الحضارتين الصينية والعربية منذ قرابة النصف القرن.

أسلمة الجندي
10/05/2016, 03:10 PM
عمل رائع موفق، وكلمات رقيقة راقية. وفقك الله