المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا الشر؟



علجية عيش
14/04/2010, 08:06 PM
في البحث عن منابع الشر و أسبابه"

إن جنون الحروب المتكررة و المتفجرة ضد الآخر - العدو- باسم الحق و الأخلاق و الإنسانية لخير دليل على أن العالم متعصب إيديولوجيا، سياسيا، دينيا و حتى سلطويا، يسير نحو تدمير ذاته قبل تدمير الآخر، و نسي أن الشر وحش قابع فيه و هوة كبيرة لا سبيل إلى ردمها إلا بالحكمة و التعقل و قبول الآخر.." إن جميع الأشياء في الطبيعة تعمل مع الإنسان الذي يعرف حقيقة كيانه، و لما كان الوجود خيرا في جوهره، و كانت الأشياء كلها خيرا في حالتها الطبيعية، فإن كل شيء هو خير في الوجود..، من أين يأتي الشر؟ أمن الغرائز أم من اللاوعي؟ ماهي أسبابه و ما علاجه؟ و هل مبدأ الشر من أجل الشر موجود لدى الإنسان؟ تلك أسئلة طرحها فلاسفة و قديسون و ذهب كل منهم حسب رأيه و الفترة التي عاش فيها..موضوع الشر موضوع قديم جعله الفلاسفة الإلهيين يتنافى مع رحمة الله، ووجوده يعود إلى نتيجة معطيات أفكارهم و هو أمر يتحدى الواقع. و موضوع الشر ينحصر في طرح السؤال " لماذا؟ " و بالتالي فهو لا يدخل في دائرة العلوم التي تبحث في "الكيف"، فمن الفلاسفة من عرف الشر بأنه المطابق للأمراض و المعاناة و الظلم و الجهل و غيرها..، وبقيت هذه التعاريف مختلطة نوعا ما ، نشأت عنها مدارس و مذاهب مختلفة، منهم من أرجعه إلى عالم المنفعة مثلما ذهب في ذلك "بنتام" زعيم المذهب النفعي، حيث اشترط على الأفراد بالتزام الطاعة إذا كانت الحكومة تعمل لصالح الجماعة، و لكن إذا انحرفت هذه الأخيرة أي الحكومة فيكون رد الفعل معاكسا، فعليهم أن يتبرءوا من هذه الطاعة و يعلنوها مقاومة.في كتابه " بين الحكمة الإلهية و نظرية الشر " يقول سفيان ابن الشيخ الحسين: إن جميع الأشياء في الطبيعة تعمل مع الإنسان الذي يعرف حقيقة كيانه، و لما كان الوجود خيرا في جوهره، و كانت الأشياء كلها خيرا في حالتها الطبيعية، فإن كل شيء هو خير في الوجود..، من أين يأتي الشر؟ و من أين يستمد سلطته؟ أمن الطمع أم التعصب؟ فهذا العدو الذي نعتقد أنه خارج عنا ، هو حي قابع في داخلنا، لقد رآه ماركس من ناحية اقتصادية رأسمالية ردة فعل عن البؤس و الظلم المتفشي ، و رآه زعيم التحليل النفسي فرويد أنه ناتج عن الكبتle refoulement الذي يولد العنف، إن الإنسان ككائن موجود يضيف سفيان ابن الشيخ الحسين هو ثالث نوع بعد الملائكة و الشياطين، نوع تتأتى منه إرادة القسمين: الخير و الشر، يغلب عليه عقله هواه و شهوته فيلتحق بالملائكة أو عكسه فيلتحق بالشيطان. لقد جاء في الحديث الشريف "الخير كله بيدك و الشر ليس إليك " فالله لا يريد الشر لعباده و هو من ناحية افتراضية وسيلة لتحقيق خيرما.لقد تساءل ليبنيتز Leibniz عن كيفية وجود منبع الشر الكامن في الإنسان، فوجد أن عدم الكمال الحقيقي للفرد يتضح قبل ارتكابه للخطيئة، و لهذا يرى هذا الفيلسوف أن العذاب و الأهوال ضرورية للنظام. أما الفيلسوف الفرنسي كونت رأى أن الإنسان اعتاد على مر العصور فكرة الألم المتفشي في العالم جراء العنف و الظلم و البؤس ، و لطالما اعتقد أن مصدر الألم تتسبب فيه مشاكل اجتماعية أكثر منها أخلاقية ، و بعد سقوط المثاليات يكتشف الإنسان مجددا أن الشر موجود، فجنون الحروب المتكررة والمتفجرة ضد الآخر - العدو- باسم الحق و الأخلاق و الإنسانية لخير دليل على أن العالم متعصب إيديولوجيا، سياسيا، دينيا و حتى سلطويا، يسير نحو تدمير ذاته قبل تدمير الآخر، و نسي أن الشر وحش قابع فيه و هوة كبيرة لا سبيل إلى ردمها إلا بالحكمة و التعقل و قبول الآخر.كانت القنبلة الذرية هي النبع الأساسي للشر، جربتها أمريكا مرة في صحراء نيومكسيكو ، و ثانية مع هيروشيما و بعدها في ناجازاكي في اليابان، ثم اخترعت بعدها القنبلة الهيدروجية ثم القنبلة النتروجية التي اخترعتها روسيا و التي كانت أدهى و أمر من القنبلة الهيدروجية..، هذا التعصب العرقي، الإيديولوجي، الديني و السياسي جعل بعض الجماعات المتطرفة و المتمردة ترى أن غاية الشر أخلاقية و هي قضية مبدئية من أجل تحقيق الخير الأسمى، فقامت الحروب و سفكت الدماء..فلو عدنا إلى الوراء قليلا نجد أن الأسباب التي دفعت هتلر زعيم النازية على القيام بمجازره الرهيبة بحسب اعتقاده لم تكن شريرة ، إنما كانت من أجل عظمة ألمانيا و تفوق العرق الآري و سلطته الخاصة، و ينطبق الأمر كذلك على الذين يسمون اليوم "بالإرهابيينles terroristes" فيم هم يقتلون و يقتلون باسم الخير الأسمى، أو من أجل أفكار هم تبنوها و حاولوا فرضها على الآخر ( الله، الوطن، الثورة، السلطة، المال و اللذة و..و.. الخ )، تلك هي الأفكار أو القضايا آمنوا بها و كانوا يحملونها منطقهم الخاص، و إذا تطرق فيها أي و احد لمجرد النقاش اصطدم معهم و ألحقوا به الأذى. و هذا ما يحدث اليوم في مختلف الدول كالعراق و فلسطين و حتى الجزائر..، جماعات متطرفة إن لم نقل عصابات تورطت في عمليات دموية باسم الجهاد في سبيل الله و الحق و خرجت عن الإطار الذي شرعه الله و قانون الطبيعة فتفرقت بهم السبل و كانت نتيجتها سفك دماء الأبرياء و اللعب بالأرواح البشرية التي هي روح إلهية نفخها الله في عباده، و أضحت هذه المأساة الإنسانية هي العقيدة المهيمنة على عقول هؤلاء، موجهة لسلوكهم ،فاستطاع الشر أن يسيطر على كيانهم على نحو" ناموس" يتخذ منه الجسد تسويفا لاقتراف الشر. يقول الأديب و الفيلسوف السوري ندره اليازجي و هو يتحدث عن حضارة البؤس: " إن الشر من صنع الإنسان فهو الذي يصوغ الأمور و يضع لها قيما و مفاهيم ، و يختارها ويريدها بإرادته و هكذا يعبر عن حريته ".أجل إن الإنسان هو الذي يخلق الصفات و المفاهيم فتبدوا له خيرا أو شرا، و لا وجود للخير و الشر معا في جوهر الأشياء، كما أن قضية سفك الدماء لهي دلالة واضحة على وجود الشر في نفس الإنسان تلك النفس الأمارة بالسوء ن و المفاهيم و القيم كلها من صنع الإنسان فكما تحمل معنى الخير فهي تحمل كذلك معنى الشر و أوصافه فعندما خاطب الله (س و ت ) الملائكة قائلا : إني جاعل في الأرض خليفة فإذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين.. قالت الملائكة: أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك ؟ قال: إني أعلم ما لا تعلمون.. لقد كانت الملائكة على دراية بأن بمجيء الإنسان سيغرق الكون في عالم الشرور و ستعم الفوضى و ينتشر الفساد و تسفك الدماء و يغرق الإنسان في لجة من الأباطيل الكاذبة.، إن سبب الشر إذن هو إرادة الإنسان ذلك المخلوق الذي فضل الابتعاد عن الخير الثابت الدائم و السير في طريق الشر الهادم:sha: