المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من الفكر الليبرالي - التعددية والدين



عبد الهادي الحمداني
19/04/2010, 11:51 AM
من الفكر الليبرالي - التعددية والدين
د. عبد الهادي الحمداني

الليبرالية, هي حركة يعتنقها عظماء ومفكروا الانسانية, مصطلح يقابل الحرية, تعني بالفرد وحرية الانسان في الفكر والعقيدة, وتمثل الفكر المناقض للسلطوية الشخصية, تؤمن بان القانون قد جاء لتنظيم هذه الحرية لا ان يقيدها. من اهم المفاصل التي تناولتها الليبرالية العقل والعدالة والمساواة والتسامح. فتعالوا نغوص بما في ذلك من ابعاد انسانية.

فمن سماتها الاجتماعية قبول التنوع الاخلاقي والعرقي والثقافي والسياسي والديني. وتاتي في هذا السياق مقولة فولتير الشهيرة " انا ضد ماتقول ولكنني سادافع حتى الموت عن حقك في ان تقوله ". وهذا يعني انه ليس من حق اي فرد ان يمنع التعبير. وان النظم السياسية التي جاءت لتدعم هذا المذهب هي الديمقراطية التي تمثل حرية التعبير والقيادة الدينية والتجمعات الانسانية كضمانه لانتشار ثقافة التسامح.

لذلك تسطع من جوهر الفكر الليبرالي التعددية التي تشمل تعدد القيم والاراء والمصالح, وتعتبر فضيلة ونعمة يكون نقيضها القمع السياسي او انتشار الطاعة العمياء والمديح اوالتهويل والتهديد والرقابة البوليسية والعدوانية واية وسيلة اخرى تهدف الى منع حرية التعبير داخل المجتمع. ان التعددية تعني التسامح وتقبل الاخر والاستعداد الى ترك حال الناس في التعبير والتفكير والتصرف والكلام بخلق حتى وان كان لا يتفق المرء معه.

عليه فان التسامح يعتبر خلقا مثاليا ومبدأ اجتماعيا وقيمة تهدف الى الاستقلال الفردي وقاعدة تحكم سلوك الافراد مع بعضهم البعض في المجتمع, وبدونها لا يمكن للفرد ان يكون جزء من المجتمع وانما يكون متمردا عليه. هذا المفهوم في التسامح في قبول الفرد للاختلاف والتنوع والتغيير يكون الاساس للقضاء على النزاعات والصراعات في المجتمع وتحريره من العبودية نحو الحرية.

ورغم ان الافراد والجماعات والشرائح الاجتماعية تسعى الى تحقيق رغباتها ومصالحها المختلفة والمتناقضة, الا انه هنالك قوى كبرى ربانية تهدف الى خلق التوازن بين المصالح المتنافسة, كما ذهب اليه آدم سميث " بان اختلاف مصالح العمال وارباب الاعمال بينه, فالعمال يطالبون باجور افضل وساعات عمل اقل وظروف عمل احسن, بينما اصحاب الاعمال يرغبون بزيادة ارباحهم عن طريق تخفيض كلف الانتاج التي تشمل بين عناصرها اجور العمل. هذا من جهة ومن جهة اخرى يحتاج العمال الى العمل واصحاب العمل يحتاجون العمالة. فتلك المصالح المتنافسة تكمل بعضها البعض. بمعنى اخر ان كل مجموعة تكون هامة لتحقيق اهداف المجموعة الاخرى. ففي حين قد يسعى الافراد والجماعات وراء مصالحهم الذاتية ولكن الموازنة الطبيعية سوف تفرض نفسها دوما ".

لذا يلاحظ ان الليبرالية لا تفرض اية قيم او عقائد معينة وانما ينحصر دورها في خلق الظروف البيئية التي يمكن ان يعيش فيها الافراد ذوو الاولويات الاخلاقية والمادية المختلفة في سلام ونجاح وتجنب القيم المطلقة او المتطرفة غير القابلة للتفاوض وغير القادرة على مواجهة واقع النزاع والصراع. القيد الوحيد المقبول للتنوع هو ان يكون كل طرف مؤهلا لتقبل تصرفات الاخرين, وبذلك يصبح التسامح القيمة الجوهرية. فهذه ليست فلسفة مثالية اكثر منها منهجا براغماتيا واقعيا يؤمن بان الاختلاف هو حقيقة ميدانية بشرية. وان الديمقراطية هي البودقة والاطار الذي يحوي هذه القيم الجوهرية.

كما انها تضمن لبعضنا حرية الاعتقاد وحرية الممارسة. وفي حين ان الحرية هي الاساس الا انها تشترط على الفرد عدم ايذاء الغير لان الاذى يعيق ويحد من المعرفة ومن مسيرة المجتمع الاصلاحية. فكل فرد له الحرية المطلقة في الاعتقاد والتطبيق ما دام اعتقاده وتطبيقه لا يضران بالافراد الاخرين في المجتمع.

كما تعترف الليبرالية بكل الاديان كمذاهب وقيم موجودة, يحق لكل فرد ان يعتنق ما شاء منها, دون ضغط خارجي, وتحمي لمعتنقي اي دين حقهم في الاعتقاد والتعبير والعبادة. ولكنها غير معنية بالدفاع عن الاديان. ففي حين انها تحمي حق المؤمن بالتعبير عن ايمانه, فانها ايضا تحمي فكر منتقدي الايمان حقهم في التعبير والحوار. وتؤمن بان النقد عملية ايجابية مشروعة. والعقل يؤمن ان النقد لن يلحق ضررا بالرسالة الالهية الا بما هو مختل اصلا, لذا لا داع للتخوف من النقد.

هنالك فكرتين تتناقضان عقليا مع هدف الليبرالية في حماية حق التعبير عن الفكر, اولاهما تلك الداعية الى الكراهية والثانية الحاملة للنظرة السلطوية. فانتقال الفكر في القنوات السلمية حق مشاع, وتقف خصما للنظرة السلطوية التي تختار للفرد ما يقرأ وتحجب عنه ما تريد ان تحجبه. لذلك فانها تحمي الفنون والفلسفة وابداء الراي ما دامت لا تدعو الى الكراهية والفكر السلطوي.

ان المجتمع الليبرالي الديمقراطي يسعى الى تراكم التجربة والحكمة والعمل التدريجي الهادف في الامد الطويل, وبذلك تظهر اشكالية علاقة الدين بالدولة التي لابد منها. وكذلك تحديد علاقة المرجعية بالدولة, بحيث تكون هنالك آليات محددة. فالمرجعيات الدينية من المسلمين والمسيحين واليهود لهم الياتهم في التوعية والوعظ والارشاد في بيوت الله في الجوامع والمساجد والكنائس ودور العبادة, ولكن بعيدا عن السياسة واشكالياتها وتقلباتها ومصالحها.

ولكن من حق اي فرد ان يمارس حقه في العمل السياسي لكنه سيفقد صفته المرجعية, ويصبح من آليات العمل السياسي او الحزبي, وعرضة الى النقد اسوة بغيره من السياسيين.

لقد اختزل القرآن الكريم هذا الفكر والعقيدة الانسانية في آية الكافرون, حينما نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ"

كما قال الامام علي ابن ابي طالب :
" لا تقصروا ابنائكم على تربيتكم فانهم خلقوا لزمان غير زمانكم "

"كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من لا يحسنه

و كفى بالجهل خمولاً أنه يتبرأ منه من هو فيه"

المصدر: ادبيات الليبرالية العالمية والعربية