المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حضاين للفروخ / أ.د عبد الكاظم العبودي



كاظم عبد الحسين عباس
25/04/2010, 06:57 AM
حضاين للفروخ

بمناسبة قرب الاحتفال بعيد العمال وسقوط الحملة الانتخابية في العراق



عبد الكاظم العبودي



بعنوان" حكايات فلاحية" التي اعتاد على نشرها الكاتب العراقي ابو سارة، ومنها مقالته الاخيرة عن " الحمار الذي اكل الدستور "، المنشورة على موقع " كتاب عراقيون من اجل الحرية" بتاريخ 23/4/2010. وللحكاية لها مغزاها السياسي ودلالاتها.

حرضتني هذه المقالة لاسترجاع الذاكرة عن طرائف بعض من اهلنا من الفلاحين الطيبين في خمسينيات القرن الماضي ممن اضطرهم القمع الاقطاعي وقسوة الحياة في ريف العمارة الى النزوح وترك ديارهم واراضيهم والاستقرار للعمل والعيش في بغداد، والقبول باي عمل يسد لهم لقمة العيش ولعوائلهم، فمنهم الحمال او الزبال او الشرطي او الجندي او الحارس الليلي... الخ، وما شابهها من اعمال اطلق عليها احد المنظرين السياسيين في تصنيفه للطبقات الاجتماعية العراقية وقتها بوصفهم: " حثالة البرولتاريا الرثة".

وبمناسبة قرب حلول الاول من آيار عيد العمال، ومعهم حلفائهم من "حثالة البرولتاريا الرثة" استعيد حكايتي الفلاحية باختصار عن قصة حقيقية حدثت لـ "ابو جبار"، ذلك الفلاح الجنوبي الذي قذفت به الاقدار الى بغداد ليصبح حارسا ليليا بلديا في احدى محلات الكاظمية القديمة.

صار الناس يعرفونه " الباصوان" و احيانا " الجرخجي"؛ لانه كان يؤكد حضوره في الحراسة من خلال اطلاق صفارته، وهو يتجول ليلا في محلات واسواق الكاظمية. وابو جبار، هو بطل حكايتنا الفلاحية بالامس واليوم.

عندما حلت مناسبة عيد الاول من آيار لاول مرة بعد ثورة 14 تموز وقيام الجمهورية العراقية، جندت لها منظمات الحزب الشيوعي العراقي من طلبة وشبيبة ورابطة نساء ووحدات المقاومة الشعبية كل الامكانيات لكي تحتفل الطبقة العاملة العراقية بيومها، وبما يليق بهذا العيد المنتظر حينها من قبل الحزب وانصاره.

كان الشغل الشاغل للجميع يومها هو تزيين المحلات الشعبية وواجهات المحلات والدكاكين والمؤسسات الحكومية باللافتات والشعارات والاعلام الحمراء والبيضاء. واستنفر افراد المقاومة الشعبية واعضاء المنظمات الجماهيرية في متابعة التزيين وفرض مظاهر الاحتفالات حتى غطيت واجهة الشوارع بكل انواع اللافتات وبالوانها وبصور الزعيم الاوحد وبرفع الاعلام الحمراء المطبوعة بالمطارق والمناجل.

وفي خضم ذلك الصراع السياسي بين الحزب الشيوعي وحلفائه من جهة وبين القوى القومية كانت المناسبة حساسة ومتوترة جدا، لاظهار كل معسكر قوته وحضوره الجماهيري في الشارع العراقي.

ومما دفع الاجواء الى التوتر والصدام، خصوصا عندما تواترت الاخبار والاشاعات ان هناك فقدان او سرقة لعدد من اللافتات والاعلام يتم رفعها ليلا من بعض الاماكن في محلات الكاظمية، فاستنفرت لذلك وحدات من افراد المقاومة الشعبية للحراسة ليلا للقبض على الفاعلين، ودارت الشكوك بالقوميين و" القوى الرجعية"و " الدينية"،"؛ كونهم من الفئات المصنفين والموصوفين باعداء الطبقة العاملة وحزبها ومناسباتها الاممية" ؛ خاصة ان المناسبة هي الاحتفال بـ " عيد الاول من آيار المجيد".

ومن الطبيعي كانت الشكوك بعيدة عن اتهام الحارس الليلي ابو جبار، لان الرجل لا ناقة له ولا جمل بما يجري من صراع سياسي، رغم ان الاحتفالية كانت مكرسة للطبقة العاملة وحلفائها من " البرولتاريا الرثة"، من الفلاحين الى العمال غير المنتجين في المصانع.

وعندما وصلت المعلومات ا ن ابا جبار، الحارس الليلي، كان الفاعل، كان يسرق اللافتات وينتزعها من اماكنها ليلا، ويأخذها الى بيته. تم القاء القبض عليه وجرى تشكيل لجنة تحقيقية واجراء التحقيق الفوري معه " لمعرفة القوى الرجعيى التي دفعته لرفع اللافتات والاساءة الى احتفالات الاول من آيار" . لم يفهم الرجل الفلاح البسيط مستوى التوتر عند المحققين معه سوى رده على استنطاقهم بالرد التلقائي العادي، وبلهجته الفلاحية الجنوبية ( .... بوية آنة اخذت اللافتات الى البيت حتى مرتي تسويهن حضاين للفروخ) للحاجة الى القماش لاغير.

ولمن لا يعرف مفردات الجملة الاخيرة، فان لفظة حضاين هي حفاضات القماش للرضع والاطفال ولفظة الفروخ بلهجة اهل الجنوب العراقي يقصد بها الاطفال او الاولاد.

منذ ايام وبعد انتهاء الحملة الانتخابية في العراق، اعدت السؤال على العم ابو جبار الذي بلغ من الكبر عتيا وبعد ان مرت على العراق كل هذه المحن:

ياعم ابو جبار: اين ذهبت اللافتات بمئات الالوف من الامتار المربعة من القماش التي طبع عليها المترشحون صورهم ووعودهم الانتخابية. اجاب العم ابو جبار مرة اخرى:

[كلها صارت حضاين للفروخ]