المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وزير في المزاد



محمد المهدي السقال
06/03/2007, 06:52 PM
قصة قصيرة


وزير في المزاد

إلى روح مليكة مستظرف خلف الرواق

محمد المهدي السقال


ليس الأمر من قبيل ما يجوز فيه الابتداء بِ يُحكى أنَّ ...
ثم وضعتِ القلم جانبا للتفكير في بداية , رُبَّما تسعفها في الاستجابة لنزوة التشفي من هذا الوزير الذي سمعتْ بعرضه للبيع في المزاد .
ترددت في ترجمة إحساسها الشخصي , بل خجلت لحظة من هذا المستوى الذي ستنزل إليه , إذا هي طاوعت ما يوحي به الشيطان لتضخيم غلها الدفين على السيد الوزير , بدأت تهدأ , وجدت نفسها تحاول فهم المقصود ببيع وزير في المزاد, راودها الانشغال بالدلالة بين الحقيقة و المجاز , و هي تفكر في سخرية الحدث بين الممكن والمستحيل .
منذ مدة , أكثر من مرة , تمنت لو تشعل عود زناد في لحيته الكثة , تمعن في تخيل حالته والنار تلتهمه حتى العظم , لكنها تتدارك نفسها , حين تستشعر أنها تنزل منزلته في التفكير بالشر دون مراعاة شيء اسمه الضمير , و بين الرغبة الجامحة في مصاب جلل يحدث له , و الرهبة الهادئة من تغلب الشيطان عليها فيما يوعز لها به , تظل " مليكة " مسكونة بهواجس التفكير في أفعاله قبل أقواله, بينما تظل صورة نفس الوزير, تملأ الشاشة في مواسم الاحتفالات الفولكلورية , لم يعد يقرفها منظر طلعته الملونة بكل تعاريج الزيف , تسمعت أمها صوتا خافتا يصدر عنها فقالت :
الله يأخذ فيه الحق .
قالت لأمها :
أتمنى له كل أمراض الدنيا إلا الموت ,
أريد أن يجرب يوماً واحداً في طابور انتظار " الديلـزة ".
قلبت الورقة ثانية , بدا الرجل أقل من حجمه الذي يتصدر شاشات التلفزيون , ابتسمت لقامته التي زادت اكتنازا مع استطالة الصورة بين اليمين واليسار , اقتربت من الألوان الباهتة , علها تتحقق من خلو جبهة الرجل من بقايا مساحيق السهرة , و دون وعي منها , تمنت لو يطيل الله في عمرها حتى تراه يمشي في الأسواق , متنقلا بين دكاكين العطارين بدون حقيبة , لا يحمل غير سقم يستعصي معه العلاج :
وزير للبيع
" بعد طرد السيد الوزير من الحزب , على إثر تورطه في فضيحة أخلاقية, سارعت بعض القوى السياسية لتقديم طلبات العروض لاحتضانه ,استعدادا لموسم الانتخابات القادمة ".
تأملت العنوان مرة أخرى بعد قراءة الخبر , تملًّكها العجب العجاب من هذه الحرية المفاجئة , والبلد بالكاد يحاول الخروج من عنق زجاجة مثقلة بالرصاص و الدم .
كيف يمكنها تصور الحادث في هذه الأرض السعيدة ؟ وهي التي لم تنجح إلى الآن في التخلص من النظرية التآمرية , لا تفلح في استقبال أية إشارة تحاول الإيهام بالتحول , دون ربطها بِ " الدغول" , ظلت تؤمن بأن من لسعه الثعبان مرة , يظل يخاف من الحبل ألف مرة .
أخذت القلم من جديد , وبدأت تسود في كتابة قصة يكون بطلها السيد الوزير , انطلاقا من الخبر في الصحيفة , تداركها عنوان طارئ فدونته على الهامش :
وزير في المزاد
كعادتها ,أخذت في استعراض مكونات مادتها الحكائية , قبل الاشتغال عليها في بناء نص سردي , لكنها ظلت مشدودة إلى العنوان , يمنعها من الحركة مستقلة بساط التخيل بحرية , في ذهنها شيء واحد , أن ترسم له صورة تليق بمقامه في مثل هذه الأحوال , أين ومتى وكيف ومع من .
لاح لها مكان " سوق الكلب " , لأنه يكتظ بالسعاة إلى اقتصاد بعض الدراهم , بعيدا عن السوق المركزي الذي تشبهه دائما بالصيدليات , و فكرت في ساعة الذروة يوم الجمعة , لعل المصلين دخولا وخروجا يتملون بالحدث الفريد في التاريخ , أما كيف , فقد حضرتها فكرة اقتعاد السيد الوزير كرسيا مهترئا وسط ساحة المزاد , بينما يتحلق حوله الناس من الفضوليين , والذين لا يقصدون المزاد إلا للفرجة وقتل الوقت الذي ما انفك يقتلهم وهم لا يشعرون .
تضخمت صورة السيد الوزير وسط البرواز الذي رسمته لمعرض بيعه في المزاد , لكنها شيئا فشيئا بدت كأنها تتلاشى أمام عينيها ,
طرحت " مليكة " القلم فوق المسودة , استرخت على ظهرها تحاول مد رجليها المطاردتين بهشاشة العظام , و أطلقت لمخيلتها العنان كي تتابع حركة السوق , ينزل السادة المعنيون بالمزايدة , يتحرك وسطاؤهم برفع عقيرتهم في جنبات الدائرة المغلقة , بينما , يأخذ السيد الوزير مكانه مقتعداً القرفصاء , تماما كما كانت ترى قعدة القرد وسط الحلقة , وهو يقلد الحاكم في قيلولته ,
ليتني كنت أستطيع الإشفاق عليه , في كثير من الأحيان , شعرت بأن الرجل مغلوب على أمره , لكنني كلما أمعنت في العمر الذي يسبقني إلى موت مبكر بسبب تعنته , كرهته أكثر , حتى ذكر اسمه صار يثير في الغثيان , و خوفا من اشتعال السوق وإمكانية شرائه بثمن , ربما يحفظ له ماء وجهه , سارعت " مليكة " إلى مناولة القلم , وكتبت تحت العنوان :
لكنها سلعة فاسدة , انتهت صلاحية استعمالها .

*****

محمد المهدي السقال


* " الديلـزة " : نحت لغوي متداول بين المترددين على غسيل الكليتين .

محمد فري
11/03/2007, 02:25 PM
قرأت القصة في مكان آخر
وأعجبني فيها هذا التداخل أو التناص
أما الوزير إياه..فلن يكون بالمزاد..
بل بسلع التخفيضات التي لا يرغب فيها أحد
لك التحية

محمــد فـــري

محمد المهدي السقال
11/03/2007, 11:55 PM
أخي محمد فري
سأظل مدينا لاهتمامك
محمد المهدي السقال


أخي محمد فري
سأظل مدينا لاهتمامك
محمد المهدي السقال