المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما بعد الذاكرة...؟



سعيد نويضي
07/05/2010, 11:58 AM
بسم الله الرحمن الرحيم...


ما بعد الذاكرة...؟

وضعت يدي في جيبي أبحث عن حقيقة ضاعت مني في زمن مضى...
فماذا وجدت غير الفراغ...؟
هل سقط الوقت من جيوبي المثقوبة دون علمي...؟
أم تسلل أحدهم في زحمة الظهيرة أو عند الصعود أو النزول من الحافلة أو قل عندما أخذت قيلولة لما كان الجو حارا في إحدى أيام الصيف و أخذ ما تبقى من عمري فوضعه وسادة و نام نوم أهل الكهف...؟
لست أدري كيف حدث ذلك...؟
و هل هذا شيء عادي أن تدس يدك في جيبك فتشعر بقشعريرة تسري في جسدك من رأسك إلى أسفل قدميك و كأن ما تبحث عنه في جيبك يفر منك ليختبأ من جديد في إحدى زوايا جسدك...؟
أعتقد أن كل شيء بقدرة الله منتظم في البناء الجسدي...
فهل الخلل في أحلامي أو أفكاري التي تتبعثر في داخلي...؟
فتارة تريد التزحلق خارج السرب و مرة تريد الإصغاء للآخر و مرة تريد أن تعيد كل شيء من جديد...
هل حدث لك مرة أن أدخلت يدك في جيبك فخرجت بها مملوءة بكل أنواع الفراغ...؟
كيف تمر الساعات المخصصة للدفء في جيوب السترة...؟
هل تستمع لدقات القلب فتحاول التنسيق بين الثواني و سريان الدم في العروق...؟
أم أنها تنام إلى حين يدق صاحب الوقت ليوقظها من سباتها فيخرجها للعراء حتى تكشف عن جوهرها بعقاربها الأصيلة ثم تتحسس في يده بذاكرة ما تسري بين الأيام في صمت اللحظات ليعيدها إلى دفء الجيوب...؟
مرة كنت في مكان تباع فيه الأشياء القديمة فانتابني شعور بأن كل تلك التحف تتباكى على زمنها و تشكو من قلة الاهتمام بما لديها من ذاكرة شهدت على أناس قلما كان لديهم الوقت ليضعوا أياديهم في جيوبهم ليملأها الفراغ القاتل...؟
كانت ساعة مستديرة كالكرة الأرضية حملت خريطة العالم على صفحتها و كانت عقاربها الثلاثة تتسابق فيما بينها في حركة منتظمة لا يعلو الكبير على الأصغر منه و لا العجوز الذي يتحرك ببطء في أيامنا هذه...
كانت حركة البحر فيها تحملها الثواني فتوزع ثرواتها على باقي الشواطئ التي اصطفت بشكل مرقم حتى يأخذ كل ما يسره الله من حصة الوقت...من حصة المد و الجزر...
لما وضعت يدي عليها سرت برودة و كأنها تشكو من غياب دفء الجيب الذي يحتضنها...وضعتها بين يداي و رفعتها قليلا حتى ترى نور الشمس فالمكان فيه رائحة البرودة القاتلة...فانتعشت قليلا و صدر منها صوت خافت يحاول استعادة أنفاسه...تك تك وضعتها بقرب سمعي فزاد حماس رنتها و كأنها تحن إلى جيب من جيوب من هم في حاجة إلى الوقت أما هي فقد ملأت عيون التاريخ بانضباطها المتوازن و جريان الساعات من بين أحضانها...؟