المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محمـــــــــــــود درويــــــــــش ...... عصيّ على النسيــــــــــــــــــان



داعس ابو كشك
14/05/2010, 04:05 PM
لقد تلقيت بفرح شديد هدية من صديق لي وكانت الهدية عبارة عن كتاب بعنوان محمود درويش عصي على النسيان لمؤلفه ميشال سعادة ويقع الكتاب في 330 صفحة وزين الغلاف بصورة المرحوم محمود درويش وهو يرتدي الكوفية الفلسطينية وقد صدر الكتاب عن دار رياض الريس للنشر ببيروت .
استهل المؤلف الكتاب بقصيدة لمحمود درويش بعنوان الى القاريءمن ديوانه اوراق الزيتون الذي صدر عام 1964 حيث يقول
الزنبقات السود في قلبي
وفي شفتي ...... أللهث
من اي غاب جئتني
يا كل صلبان الغضب
بايعت احزانــــــــــي
وصافحت التشرد والسغب
غضــــــــــــب يــــدي
غضــــــــــب فمـــــــــــــي
ودمــــــــــــاء اوردتي عصير من غضب !!!!
يــــــــــــــا قارئي ....
لا ترج مني الهمــــــــس !!
لا ترج الطـــــــــــرب
هـــــــــــذا عذابـــــــــــــي ..
ضربة في الرمل طائشة
وأخرى في السحب ....
حسبي يأتي غاضبا ...
والنــــــار اولها غضب !!!!!

لماذا هذا الكتاب ؟؟؟؟؟

يجيب المؤلف على هذا السؤال قائلا سؤال تليه اسئلة كثيرة وقد تكون لها اجوبة اكثر تراوح بين الرضا وعدمه او بين المتناهي واللا متناهي غير ان كل جواب يجب ان يفضي برايي الى سؤال اخر وهنا تكمن اهميته ان تكون او كيف تكون لتكون ومن هنا ايضا ان كل الاجابات عن شاعر بحجم محمود درويش تفتح افاق رحبة لا متناهية كمن يغمر الموج وينسى انه في البحر ويغريه زبد والؤلؤ غائر في الاعماق .
كان هذا الكتاب عن درويش لانه ليس هناك انفجار اخر غير الكتاب وان اي انفجار لا يتاتى عبر تقنية مادية مهما علا شانها لانها تلامس وجه الاشياء .كن قارئا تكن الكتابة صاحبتها والعالم ادخل عتبة الكتاب البرانية ومنها الى عتبات اخرى يكن ملكك البيت .

فساحاته ، ارجاؤه ، جزيئاته ، وتفاصيله وتفاعل مع النص ...البيت تتحقق وتتمسك بمجمل العلاقات التي تصل النصوص ببعضها البعض انها لعمري حقيقة تحتل حيزا هاما في الفكر النقدي المعاصر .

لقد ترك محمود درويش شعرا كثيرا ليس كمثله شعر انه شعر لا يشبه الا ذاته لغة وشعرا ولد من رحم القضية الفلسطينية فكان شاعرا فلسطينيا ، لا شاعر فلسطين فحسب بل شاعر اللغة العربية في تحولها من حالة شعرية عربية الى شعرية كونية وعندها غدا بحق حاجة فلسطينية عربية ودولية .

لا هولاكو جديدا بعد اليوم قادرا على احراق مكتبة تضم دواوين درويش والقاسم ومؤلفات ادوارد سعيد وغيرهم من عظماء كتاب فلسطين وان شعر درويش بما له وفيه من فكر وصور وايقاعات قد الغى ثنائية الشكل والمعنى وجعل قارئيه يطوفون في فضاء سمفوني او بيرالي ويرون وردة طالعة من المأساة حروفا منقوشة على الحجارة وصلاة بخور على الرماد .وحدها الكلمة في البدء كانت ,وحدها فلسطين ......الكلمة باحرفها المتعرجة تستوي سطرا مستقيما يسير عليه شعب طالما كان ويبقى صاحب حق شرعي دينا ودنيا

وقد امكن للشاعر درويش ان يكون تاريخا في انسان وانسانا في تاريخ .ان عاشق فلسطين لم يمت ولن يموت في حياته وللحظات راوده الحزن والتشاؤم وعلامات القهر .......غير ان سؤلا مزدوجا واحدا كان يقتله ويجيبه في ان ,الى متى تبقى فلسطين خارج حريتها ومتى يعرف العرب حقيقة حضورهم ؟؟؟

لقد استطاع درويش ان يحقق ثلاثة انجازات شعرية كبيرة لم تجتمع قبله في شاعر عربي واحد وهي :
1- ان يكون شاعر قضية بارق معاني هذا المصطلح فاصبح الشعر وفلسطين معا وتماهى الشاعر مع الرمز في كيان واحد.
2- ان يكون شاعرا شعبيا له سلطة واسعة على جمهور الشعر والادب ترتقي به الى مرتبة الشاعر النجم الذي يعشقه جمهوره.
3- ان يكون شاعرا طليعيا مهموما بتوسيع افق القصيدة وارهاف قدراتها التعبيرية والبنيوية عمقا ونفاذا.

ان في الجمع بين هذه الانجازات الثلاثة يكمن سحر محمود درويش وتحقيقه المعجزة .ياتي اصدار هذا الكتاب ليرفد المكتبة العربية كاحد المصادر الهامة التي تناولت بالدراسة والبحث والشعر والمقالة والمحاضرة والندوة واللقاء ما كتب عن محمود درويش بعد مماته ,فالاقلام التي سطرت نصوصا في وداع محمود درويش كثيرة لا تحصى عربيا ودوليا وهي تناولته في مقالات تراوحت بين النثر والشعر وفي الدراسات والابحاث وقد افرد الكاتب حيزا هاما من الكتاب تناول فيه سيرة الشاعر ووصيته كما ان الكتاب احتوى على ثلاثة اقسام خصص القسم الاول منه للدراسات والابحاث التي كتبها كل من صقر ابو فخر,طلال سلمان ,جان ميشال ,محمد دكروب ,احمد الشهادي ,احمد عبد المعطي حجازي ,ماجد ابراهيم ,انيس صايغ ,جابر عصفور ,مجدي الدقاق ,محمد بنيس ,عبد القادر ياسين ,احمد فؤاد انور .,رياض عصمت ,عماد العبد الله ,حسان نصر , عبد الاله بلقيزيز ...اما القسم الثاني فقد ضم قصائد وثائقية ونصوص وجدانية لكل من ساطع نور الدين ,سميح القاسم ,غازي القصيبي ,سناء ابو شقرا ,صلاح ستيتيه ,روجرز هامز ,سامي شطريت ,غسان شربل ,شوقي الامير ,شوقي البستاني ,عبد العزيز المقالح ,حسن عبد الله ,اما القسم الثالث فكان بعنوان لقاءات .....حوارات......ندوات لكل من فيصل دراج ,سعيد الشحات ,ريتا بدوره ,ناصر عراق .
بقي ان نشير ان اهمية هذا الكتاب تكمن في انه احتوى على مجموعة من الابداعات الادبية التي تناولت شعر المرحوم محمود درويش وهو كتاب مهم لكل دارس لأدب درويش الذي غاب عنا جسدا لكن اعماله الادبية خالدة في سماء الادب العربي والعالمي لانه ظاهرة كبيرة تستحق الاهتمام بها ولا يمكن لتراثه ان يزول او يندثر لانه تجذر في اعماق الحركة الثقافية وفي قلوب من احب محمود درويش .