المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قضايا لغوية ... ازدراء العربية في عقر دارها !!!



الدكتورمروان الجاسمي الظفيري
15/10/2006, 06:36 AM
قضايا لغوية ... ازدراء العربية في عقر دارها !!!

بعد أيام قليلة من احتفال فرنسا خلال شهر مارس/آذار 2006 باليوم العالمي للفرنكوفونية تحت شعار “التواصل بين الشعوب” والذي ابدى الرئيس جاك شيرا اهتماما استثنائيا به، ومن ذل على سبيل المثال لا الحصر استقباله 50 كاتبا من العالم الفرنكوفوني في قصر الاليزيه معربا أمامهم عن قلقه ازاء واقع اللغة الفرنسية على الساحة العالمية داعيا اياهم الى التيقظ.. بعد أيام من ذلك اعاد الرئيس شيراك الاحتفال بعيد اللغة الفرنسية على نحو أكثر إثارة أمام الملأ الاوروبي وعلى ارفع المستويات وذلك عندما انسحب من احدى جلسات القمة الاوروبية في بروكسل على أثر اقدام احد مواطنيه على القاء كلمته في المؤتمر باللغة الانجليزية الا وهو ارنست انطوان سيلييه رئيس لوبي الأعمال الاوروبي والذي برر تصرفه مقدما بأنه مضطر لالقائها بالانجليزية لكونها اضحت لغة الأعمال والاقتصاد.

الرئيس الفرنسي لم يقتنع بهذا التبرير واعتبرها طعنة غدر في الكرامة والعزة القومية الفرنسية التي لا مجال للمساومة عليهما، ذلك لئن كان شعار يوم الفرنكوفونية هذا العام “التواصل بين الشعوب” فليكن بالفرنسية وحدها وليس سواها.


الحس الوطني

والمفارقة أيضا ان رد فعل شيراك هذا جاء ايضا بعد أيام من نشر نتائج استطلاعات رأي اجرته صحيفة “الفيجارو” تظهر بأن أغلبية الفرنسيين تفضل الرئيس الفرنسي المقبل يتكلم بعدة لغات، ويناهز الخمسين من عمره، وملما بعمق بالسياسة الداخلية وكلها متطلبات يفتقر إليها رئيسهم الحالي شيراك الذي يستعد الآن للتقاعد.

مهما يكن، وسواء اتسم تصرف الرئيس الفرنسي في القمة الاوروبية بالحصافة والحس الوطني الذي ينبغي على أي زعيم دولة اتخاذه للغيرة على لغة قومه ومكانتهم بين الأمم، أم اتسم بشيء من المبالغة فإن الواقعة لا تخلو من مغزى بعيد على المآل الذي آلت إليه لغة أكثر من 350 مليون عربي في 22 بلدا عربيا، ينتمون الى حضارة ثقافية وعلمية من اعظم الحضارات العالمية وتتحدث بلغتهم نصوص أعظم الديانات والتي هي الديانة الاسلامية من أوسع الديانات العالمية انتشارا وهو مآل كارثي تتشارك في مسؤوليته جهات متعددة من أنظمة سياسية وخصوصا سياساتها الاعلامية والثقافية والتعليمية ومؤسسات ومنظمات ثقافية واعلامية وادبية عربية وبضمنها الصحافة والاقلام العربية ورموز أدبية وثقافية ناهيك عن القوى والرموز السياسية.

فلئن كان الرئيس شيراك قد بالغ في تصرفه في الاحتجاج على أحد مواطنيه لالقائه كلمته بالانجليزية أمام محفل اوروبي أممي متعدد اللغات فمعظم الاقطاب والرؤساء العرب ووزرائهم لا يتورعون عن ازدراء لغة شعوبهم في عقر بلدانهم وأمام محافل ومنتديات جل الحاضرين فيها عرب وذلك لمجرد التباهي أمام بضعة ضيوف اجانب مشاركين فيها باتقانهم الباهر للغة الانجليزية.


مفارقة ساخرة

أما على الصعيد الثقافي، دع عنك الصعد الأخرى فحدث ولا حرج عن حالة هذه اللغة، نشير هنا على سبيل المثال لا الحصر الى ما فعله المبدع الجزائري الطاهر بن جلون في برنامج تلفزيوني فرنسي مؤخرا بمناسبة يوم الفرنكفونية حيث ازدرى لغة لسانة واعتبر العربية لا تسعف على التعبير لانها مقدسة بوصفها لغة القرآن. ومن المفارقات الساخرة ان من تصدى له في ذلك البرنامج لدحض هذه الحجة عالم اللسانيات الفرنسي كلود هاجيج الذي رد على بن جلون بالقول أن جميع اللغات، لا العربية وحدها، مقدسة ودنيوية في آن واحد، وان العربية استوعبت حكايات ألف ليلة وليلة المغرقة في وصف نزوات الجسد، وان العربية كانت موجودة قبل نزول القرآن.

وهكذا فلئن يكن ثمة مغزى ودرس مستفاد من انسحاب الرئيس الفرنسي من القمة الاوروبية احتجاجا على عدم القاء احد مواطني بلاده كلمته بالفرنسية فإنه يميط اللثام ضمنيا من دون قصد منه عن فضيحة ما بلغته لغتنا بين لغات العالم من هوان على ايدي علية القوم من أهلها.
(جريدة الخليج)