المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رحلات مجهولة ...!!



صالح العمر
10/07/2010, 04:17 PM
رحلات مجهولة ...!!
تتقلب بنا لليالي ... وتمضي بنا أحداث أيامها تتوالى الأيام سراعاً تجري خلف بعضها ... تغيب شمس يومٍ ... وتشرق شمسُ يوم آخر تبدأ معها رحلتنا لقطع ساعاته واستنفاد كل أجزاءه ...!
نضع أرجلنا على أول طريق ذلك اليوم ... فتسحبنا أحداثه وتجري بنا ... تقلّبنا في ساعات يومنا من حال إلى حال ... نعمل ... وندرس ... نقرأ ونكتب ... نلعب ... ونلهو ... نبكي ... ونضحك ... نأكل وننام ... ونشرب ... نمشي ... ونتكلم ... ونصمت ... والبعض يقضي يومه في اللا شيء ...!
حتى يحين وقت النوم فإذا بنا جميعاً نلقي بأجسادنا على فرشها تأهبا لرحلة أخرى ... واستعداداً لفجر جديد ...!
قلّة من الناس ... هم الذين يسيّرون أحداث يومهم ويجدولون ساعاته وفقاً لأهدافهم ... وتبعاً لمخططاتهم ... أما بقيّة الناس فتسير بهم أحداث أيامهم وتنأى بهم بعيداً عن ما يريدون وعن ما إليه يطمحون ...!
يلهثون في هذه الدنيا ... يتعبون ... ويسرعون ... ولكنهم لا يعلمون إلى أين المسير ... !
والمصيبة أنهم لا يعلمون أنهم لا يعلمون ...!!
يسيرون وما حددوا بعد متى سيقفون ...!
يتعلقون بكل خيط يوصلهم إلى أي شيء... سواءً أكانوا يريدون هذا الشيء أم أنهم ليسو في حاجته ...!
ينتظرون ... ويبحثون ... ويكافحون ... ويسألون ... ولكن في ماذا ... وعن ماذا ... والى أين يريدون ...لا يعلمون ...!
حتى إذا ما استفاقوا يوماً وجدوا أنفسهم في منتصف الطريق ... قد قطعوا مسافةً طويلة ولكنها في الاتجاه الخاطئ ...!
مثلهم ... كمثل رجل خاض بقاربه لجج البحر ... واستلقى فيه على ظهره... تاركاً الأمر للأمواج ... تتلاعب به وتتجه به كيفما اتفق ... سارحاً في خيالاته ... ينتظر الصدفة ... ويتمنى المفاجأة ... وكيف أن هذه الأمواج ستقف بقاربه على ضفاف جزيرة نائية ... وتلقي به على رمالها الذهبية... ليقضي فيها أياماً بين جنائن وردها الغناء ... وباسق أشجارها الخضراء... وكيف انه سيسير بين أغصانها بصعوبة لكثافتها وتشابكها ... لا يسمع فيها إلا زقزقة العصافير ... وتغريد البلابل ... يستمتع فيها بصيد الظباء الشاردة ... والأسماك الشهية ... يستنشق فيها ارق النسائم ... ويشتم فيها عبير الزهور... وعبق النباتات ... يتجول بين أنهارها الرقراقة العذبة ... ويسرح في وهادها ... له فيها من كل الثمرات ... تين ... وعنب ... ورمان ... يقطف من ما دنا من أغصانها إليه ... ويأكل منها ما اشتهت نفسه ... حتى إذا ما اقبل الليل بصفاءه ... ظهر وجه البدر يتلألأ بنوره ... ترافقه نجوم ساطعة ... رسمت على صفحة السماء أجمل الصور ... وأروع الآيات ... وهبّت نسائم الليل برقّتها ... لتفتح له أبواب التأمل والاسترخاء ... ليصعد بعد هذا اليوم الرائع إلى جذع شجرة كبيرة ويأوي فيها إلى كوخ صغير ... قد أعده مسبقاً يلجأ إليه كلما غالبه النعاس ...!
وبينما هو شارد بفكره مع خيالاته ... إذ تنبه لنفسه واستفاق ... فما رأى جزيرة ... ولا رأى أشجاراً ... ولا طيور ... ولا أنهار ... ما وجد إلا نفسه وقاربه الصغير قد نأت به الأمواج بعيداً ... لا يعلم إلى أين يذهب ... ولا كيف يعود ... لم تأته الصدفة ... ولم تسعفه المفاجأة ... ولم تنفعه أمنياته ...!
أجهد نفسه بهذه الرحلة المجهولة حتى قضى عليها ... وأجهز عليه الجوع والظمأ وتاه في عرض البحر ... لم يحقق أهدافه ولم يبق في بيته عند أهله ...!
هذا هو حال الكثير عندما يلقي بقاربه في بحر يومه ...
تسوقه الأحداث ... ويكتفي بالأمنيات ... حتى يكتشف بعد مدة ... أن أيامه ما هي إلا رحلات مجهولة ...!!