المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة في شعر وشعر في قصة ( الوداع )



مصطفى سعيد ضاهر
28/08/2010, 04:00 PM
دنا منه واقترب وما زال يقترب حتى وضع فمه في أذنه وهتف بصوتٍ خفيض ٍ : ألا تريد أن تودّعها ؟ التفت إليه كأنـّما أفاق من حلم ٍ وقال هـِهْ .. ماذا تقول .. أودّعها ؟! وكيف أترك من أتى لوداعي ؟ وأنا المسافر قد تهيأ للسفر لا .. لا لن أبرح البيت دعني يرحمك الله

فالحب ليس مذلة ً ومهانة ً= الحبُ قلب ٌ دائمُ الخفقان ِ

ألا ترى أنّ الوقت ما زال مبكرا ً
لا .. لا لن أيأس من حضورها
ثم أشاح بوجهه عن صاحبه وراح يتمتم :كأنّها لا تريد أن تأتي .. وما عليها ألا تأتي وقد
أحببتها وحببتُ فيها خـُلفـَها=وكرهتُ كلَ المُخـْلفين سواها

صمتَ برهه .. ثم راح يستعيد ذكرياته الجميلة معها ولكن لماذا كل هذا التأخير ؟ عرفتُ .. أجل عرفتُ .. إنه الدلال .. دلال العذارى أم تـُرى في الأمر شيئ ٌ .. لستُ أدري هل لخير ٍ أم لشر ٍ لست أدري
أيُ شـيء قــد جــرى=لـسـتُ ادري لا أرى
بالأمس كنـا كالربيع=وكـالنسيم إذا سـرى
والزهر ينثر ما تحدّر= من شذاه على الذرى
إنّ الحبيبة َ لو حـَلـَتْ =تـُغنيك عن كل الورى

انشرح صدره وانفرجت أساريرُ وجهه وراح يسترجع الأيامَ الطوال التي كانا يقضيانها معا ً فوق الرمال الساحرة قبالة َ الشاطئ الجميل كان يحس دقات قلبها .. قلقه .. نبضه .. واضطرابه .
أتـُرى تـُخفي في نفسها كل هذا الفيض الكثير !
أتـُراها تـُخفي في نفسها كل هذا الحب الكبير !
أجلٌ .. أجل
صد ٌ تكـلـفـه الحبيبْ =حلوٌ كمنثور الزبيبْ
من غير ما يأتي أتى =ليس عن بالي يغيبْ

فلم التصنّع في الدلال

إنّ التصنّع في السلوّ تعلـّة ٌ= تـُطفي سنـاهـا لوعة الحيران ِ
أيامنا في الحب جدّ قصيرة ٌ =تمضي ويمضي عامنا كثواني

كيف تنسى كل أيام الحب التي عشناها معا ً إنْ كانت الأيامُ أنستها فلن أنسى أنا ضحكاتها التي عايشتها حينما
فضّت عن المنبع المخبوءِ مبسمها=وقد تحرّك نبعُ الثلج من فمها
وقلـّب السحرُ حسنا ً فوق وجنتها=فهل تحرّك مفتـاحٌ على دمهـا
لقد وقفتُ كليلَ الطـرف مندهـشــا ً=وقد أضاء فؤادي سحرُ مبسمها
لـن تستقيم حيــاتي في وتيـرتهــا=حتى أذوق لذيذ الشهد من فمها

مرّت الساعات ثقيلة ..ثقيلة وهو يرقب الداخل والخارج يستقبل هذا ويودّع هذا ولكنّ قلبه معلقٌ هناك
طرْفُ المحبِ بمن يحبُ معلقٌ =ويدور معه الطرفُ حيث يدور

تأخر الوقت كثيراً ولا أمل في مجيئها .. اشتعل الشوق في قلبه وراح يحدّق في عقارب الساعة وقد أوشكت أنْ تشير إلى منتصف الليل والوقت يمر مرور السحاب تململ واضطرب وهام في طرب
رجف الفؤاد لحسنها فكأنـّما=غرق الفؤاد بحسنها الفتـّان ِ
يا للمحب لمن يحب ويا لها =من لـوعة ٍ وتفرق ٍ وحنـان ِ

كان متكئا ً فجلس .. حينئذٍ جذبه صاحبه من كتفه بقوة وقال له ألا تريد أن تنام كيف تستطيع تحمل مشاق السفر وأنت ساهرٌ طول الليل هيا معي هيا نسير هنيهة في الشوارع نلقي نظرة ً على البيوت والحارات .
ألستَ مشتاقا ً إليها بعد طول غياب وأمسك بيده وانطلق نحو الباب وراح يمشي مع صاحبه وكان يسير بسرعة الحب الذي في قلبه وهو يحدث صاحبه عن الشوق الذي يعتمل في صدره ويردد منشدا ً
والشوقُ يعبق من ورود حديثنا =وتذوب فوق شفاهنا الكلمات

وما لبثا أن وصلا إلى بيتها دقّ الباب بخفة ٍ كان البابُ مفتوحا ً لقد كان ينتظرُ ويا لطول الانتظار دفعه صاحبه لصحن الدار وانصرف تقدم لوحده تجاه الصالة المطلة على ساحة الدار .
كانت جالسة مع أمها وأبيها والسأم من طول الانتظار يُلقي بظلاله على المكان .. سلم وجلس كان الرد فاترا ً وكان الترحيبُ باردا ً .. اطرق لحظة وهو يحاول اختلاس النظرة من وجهها العابس ، ولم يطلْ به الانتظار فراح ينقر بإصبعه على الطاولة فانتفضت كالعصفور من غفلتها وقالت .. أحمد .. فانفرجت أساريره وراح يتمتم :
مرت على اسمي خلسة ً فكأنني = بحرٌ تفجّر في رحيق جناها
إن لـم تـكـن نـلـتَ الــذي أمـّلته= يكفيك فضلا ً أن تكون مناها

راحت تردد .. أحمد .. أحمد .. وأخيرا ً أتيتَ وهنا حاول أنْ يغتنم الفرصة لتحطيم السكون وإضفاء جو ٍ من المرح اقترب منها قليلا ً وقال : أليس قد أتيتُ ؟ أجل بعد أن أرسلتُ إليك .. ولكنني أتيت .. وقد كدتَ ألا تأتي .. هل أنت راضية ٌ الآن .. لا أدري .. فبادرها قائلا ً أين الابتسامة التي كنتُ أعهدها دائما ً .. حاولتْ أن تـُرسلها كالضوء الخافت لفـّه الضباب الكثيف .. حاولتْ أن تـُخفي غضبها لكنّها لم تستطع وغرزت رأسها بين يديها وأطلقت لفكرها العنان تجترّ ماضيها لتحرقه في أتـّون حاضرها .. انتبهت من ذهولها على صوته المتهدّل وهو يردد وداعا ً .. وداعاً إلى اللقاء وهو يلوّح بيده بينما كان يُفارق المكان فودّعته بنظرةٍ فاترةٍ.
عاد أدراجه إلى بيت أبيه فوجده مقفرا ً فوقف والغيظ يأكل قلبه وهو يتمتم لقد ذهبتُ كيما ألقيَ نظرة ً على الوجه الذي أحببتْ فلم أحظ َ منه ولا حتى على أقل الابتسام ورجعتُ إلى البيت فوجدتـُه جوف قبر
فلا هناك ابتسامة .. ولا هنا وداع ..

..
..
الشاعر مصطفى سعيد ضاهر
\
/
\