المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل قرأ الأستاذ ابوجرة سلطاني أدب الطاهر وطار؟



الدكتور حسين فيلالي
29/08/2010, 03:04 AM
هل قرأ الأستاذ أبو جرة سلطاني أدب الطاهر وطار؟
الدكتور حسين فيلالي
الحلقة الأولى.
أثارني مقال كتبه الأستاذ أبو جرة سلطاني في جريدة الشروق الجزائرية بتاريخ 26/8/2010 بعنوان:أسبوعا على رحيل الأديب المرحوم الطاهر وطار:عندما تغتال السياسة المثقفين.
ومما جاء في مقال أبي جرة سلطاني : (.....ومع كل الاحترام والتقدير للأنواع الثقافية التي تزخر بها الجزائر (من البوقالة إلى الإلياذة) ،إلا أن العداوة الناشبة بين السياسي والمثقف مازالت مستشرية، وتزداد ضراوتها أكثر إذا ولدت المدرسة الجزائرية مبدعا يكتب بحرف الضاد، ويدافع عن (مشرقية) الجزائر وعمقها العربي الإسلامي، ويرسم معالم هويتها وثوابتها ومبادئها،.....) ثم يتابع الأستاذ كلامه(خالجت نفسي هذه المعاني وأنا أتابع "مراسيم" دفن واحد من كبار أدباء الجزائر ومثقفيها، يوم جمعة 3 رمضان 1431 هـ الموافق 13 أوت (أغسطس) 2010م.
يفهم من مقال الكاتب أن الطاهر وطار كان يدافع عن الجزائر، وعمقها العربي الإسلامي، ويرسم معالم هويتها، وثوابتها ومبادئها. كما أن هذا المقطع يوهم القارئ بأن كاتب المقال قد توصل إلى هذا الاستنتاج من قراءته لكتابات الطاهر وطار، لكن ما جعلنا نحتار ،ونتساءل : أنصدق شهادة الأستاذ سلطاني أم شهادة الطاهر وطار؟.لقد وجدنا الطاهر وطار في حوار له منشور بالعدد الأول من صحيفة جسور المؤرخة في 18/أكتوبر 1990 يخالف ما ذكره سلطاني ( لقد جئت إلى قسنطينة لأقرأ علوم الدين، و أتأهل لأكون رجل دين تلبية لرغبة والدي وجدي لكن ها هو الجمال يصرعني، فيسحرني، وها هي طريقي تتحول مرة واحدة إلى الأبد....رجل الدين الذي كان معهد بن باديس يعده، والذي كان جمال بنات قسنطينة يفسده، فيحوله إلى شاعر رومنسي يعود قاصا، صدرت مجموعته القصصية الأولى ،ومناضلا سياسيا، مسلحا يتشبع بالفكر الماركسي).
لقد دفعني مقال أبي جرة السلطاني خاصة وهو الشيخ الداعية المعروف، وله أتباع كثر إلى أن أعيد نشر دراسة، سبق وأن نشرتها في مجلة كتابات معاصرة بلبنان في حياة الراحل الطاهر وطار حتى نجعل الحكم للقاري إن كان وطار الطاهر بالفعل يدافع في كتاباته عن العمق الاسلامي للأمة.
العدوانية وهاجس المقدس.
في رواية عرس بغل للطاهر وطار.
أن يقوم الأديب بكشف عيوب مجتمعه، ويسجل مآثر قومه،فهذا من حقوقه المشروعة،بل واجبا من واجباته المقدسة تجاه مجتمعه.وهو على ما نعلم شأن أغلب كتاب ،وأدباء الأمم الأخرى.ولكن ما يميز بعض الكتاب عندنا في الجزائر عن كتاب الأمم الأخرى، هي تلك النزعة العدوانية على مقدس الأمة ،والذي نجده يشكل لهم هاجسا مركزيا، بحيث قلما تجد كتاباتهم تخلو من افتراء على هذا المقدس، أو محاولة العبث به بل نجد بعضهم يجهد نفسه في البحث عن كل السبل لإدانته، ولما يعجزه ذلك يتورط فيكذب فتأتي كذبته كالكذبة البلقاء لا تجد من يسترها.
إذا كانت الرواية حسب لوكاتش وقولدمان :( هي قصة كفاح بطل منحط يواجه حاضرا منحطا ،متدهورا بحثا عن قيم أصيلة تعيد للوجود وجاهته) ،فإن الحاج كيان بطل رواية عرس بغل أراد له كاتبه أن يكافح من اجل قيم بوهيمية تزيد الحاضر انحطاطا وتعيد للوجود حيوانيته فحدد له معالم الرحلة حيث يبدأ البطل طالبا للعلم بجامع الزيتونة وينتهي كما أراد له كاتب الرواية –موظفا بأحد المواخير. وبين نقطة البداية والنهاية يحدث الكثير من الانقلاب في رؤية وحياة البطل.
بداية الرحلة:
تبدأ رحلة الحاج كيان من جامع الزيتونة بتونس، حيث كان يتأهل ليصبح رجل دين بمصطلح وطار لكن انقلابا كبيرا يحدث في حياته، يجعله يغير اتجاه طريقه، حيث تتولد القطيعة النهائية بينه وبين مؤسسة جامع الزيتونة.هذا الانقلاب، وإن كان قد ولد لدى الكاتب نوعا من الرضا، والراحة النفسية،فإن تصرفات البطل كما صورها الكاتب تظل غير مقنعة حتى للقارئ المستهلك.فمنذ البداية يحس القاريء أن للكاتب موقفا مسبقا ليس من شخصية الحاج كيان فحسب ولكن حتى من المؤسسة التي كونته.فالبطل على حد زعم وطار عاش في الفترة الأولى وهي التي قضاها في جامع الزيتونة في وسط متخلف يؤمن بخرافة الغيبيات ،وسط متسخ (يستيقظ من نومه ملتاعا يضع جبته الزرقاء البالية على كتفيه،طربوشه الأحمر المتسخ..) .(أطول من جبته القصيرة وأعرض منها، قدماه يضيق بهما الحذاء المتسخ) .
وسيكتشف قارئ رواية عرس بغل، أن نظرة الكاتب لبطله في الفترة التالية التي أراد له أن يقضيها في الماخور قد تغيرت، وهجومه عليه قد فتر، فهو لم يعد يثير ذلك الاستغراب الذي كان يثيره من قبل بلباسه المتسخ(...عادت بعد حين العنابية ببذلة عصرية أنيقة) .
كما أنه تحرر من عقده ومن خرافة الغيبيات(لم يكن هناك أحد يدعو قوة غيبية خارقة إنما كان كل من هنالك يفرز ما في أعماقه).
رواد جامع الزيتونة معقدون و شاذون جنسيا:
هذه المقابلة التي يجعلها الكاتب بين رواد الماخور ورواد جامع الزيتونة تكشف موقفه، ونواياه الحقيقية
فالناس في الماخور عصريون غير مكبوتين يفرزون ما في أعماقهم في حين رواد جامع الزيتونة مكبوتون معقدون شاذون جنسيا(امسك شيخ التجويد بيده وقاده إلى سارية بزاوية مظلمة وراح يعلمه القراءات السبع ..في حين ظل يحتفظ بيده ويدلكها من حين لآخر..تعود أن يترك يده غير مبال بأصابع الشيخ التي تواصل حركات مريبة..)
يتبع