المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفلسطينيون .. والحادي عشر من سبتمبر : د . لطفي زغلول



لطفي زغلول
11/09/2010, 04:55 PM
الفلسطينيون .. والحادي عشر من سبتمبر

د . لطفي زغلول
www.lutfi-zaghlul.com


تشكل الكارثة التي حلت بالولايات المتحدة الاميركية قبل عشر سنوات، والتي عرفت بكارثة الحادي عشر من سبتمبر واحدة من احداث التاريخ المعاصر الخطيرة، كونها حلت بأقوى دولة في العالم وأغناها وارقاها علما وتقنية. وقد اسفرت عن اخترع الولايات المتحدة الأميركية غداتها ما يسمى الحرب على الارهاب التي اسفرت عن احتلال كل من افغانستان والعراق. وها هو الشعب الأميركي يحيي ذكراها هذه الايام كما اعتاد في كل عام.
بداية ليس في حديثنا هذا أية ذرة من ذرات التشفي او الشماتة. فنحن الفلسطينيين لنا نكبتنا التي فرضها الآخرون علينا، والذين ما زالوا على مدار نصف قرن ونيف يلحقون بنا الكارثة تلو الاخرى. ولعل اول ما علمتنا اياه نكبتنا دروس معمقة في الانسانية جعلتنا نتعاطف مع كل الشعوب التي تحل بها الكوارث، وان لا نتمنى ان يحل بها ما حل بنا.
وفي ذات السياق وانطلاقا من حقيقة ان الشعب الاميركي يتعامل في شتى مرافق حياته مع الاحصائيات والارقام والتشبيهات والاوصاف، فاننا نقدم له مثالا لا حصرا بعضا من ملف النكبة الفلسطينية: ان حجم الركام والحطام والدمار الناجم عن كافة المرافق الفلسطينية التي دمرها الاحتلال تفوق مئات المرات نظيرتها الناجمة عن حطام برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك.
ولا نبالغ في القول اذا ما اكدنا انه لو قيس ارتفاع هذه المرافق الفلسطينية المدمرة، لتجاوز مئات المرات مجموع ارتفاع برجي نيويورك، وشكل بالتالي مئات الابراج. لكن الاخطر من ذلك كله انه اذا ما اضيف الى ما ذكرناه مئات الآلاف من القتلي والجرحى والمشردين والمنفيين من وطنهم، علاوة على حقيقة الحقائق ان الشعب الفلسطيني أصبح بلا وطن ولا أمن ولا سلام ولا حرية، تصبح الكارثة الفلسطينية هي كارثة العصر دون سواها.
ان الشعب الفلسطيني وقد شاهد هذه الكارثة الاميركية لم يبرر في حينها دوافعها بأية صورة كانت، ولكنه كغيره من الشعوب المقموعة المقهورة له الحق ان"يفسر" هذه الدوافع ذلك انه أقدر من سواه على تفسيرها فهو كان ولا يزال يصطلي نار جحيم الارهاب.
وهنا ينبغي التفريق بين المشاعر الانسانية التي ابداها ولا يزال يبديها الشعب الفلسطيني بخاصة، والعربي بعامة تجاه الشعب الاميركي، كون هذه المشاعر غير قابلة للجدال او اللغط او التأويل مهما حاول المناورون والمصطادون بالمياه العكرة، وبين مشاعر الصدمة والألم والغضب تجاه السياسات الاميركية المنحازة والتي لها أكثر من مكيال.
ان الفلسطينيين والعرب يشعرون ان صناع القرار السياسي الاميركي هم فريسة اللوبيات الاسرائيلية الضاغطة، كونهم يميلون بزاوية انعطاف حادة جدا الى الطرف الاسرائيلي في الصراع، دون الأخذ بمشاعر العرب والفلسطينيين، ولا حتى التفكير بان مساحة كبيرة من المصالح الاميركية الحيوية مرتبطة بالعالم العربي.
وفي ما يخص الشعب الاميركي بالذات فلا تستطيع اية جهة أيا كانت ومهما حاولت ان تضع الشعب الفلسطيني في مصاف اعداء الشعب الاميركي. فسجل العلاقات الفلسطينية الاميركية على مستوى شعبي نظيف لا تشوبه أية شائبة. ان الاميركيين يتجولون بكل حرية بين الفلسطينيين ويلقون كل ترحاب. وليس هناك مرة واحدة اعتدى فيها فلسطيني على اميركي، وهذه حقيقة يعرفها كل اميركي تعامل مع الفلسطينيين.
ان المحاولات المسعورة والحالات المفبركة التي عرضت على الشعب الاميركي عبر شاشات تلفزته في حينها ما هي الا عمليات اصطياد في المياه العكرة، وهي واحدة من مسلسل الدعايات المسمومة والمغرضة التي برع اعداء الفلسطينيين والامة العربية في تسويقها والترويج لها. وتبقى الحقيقة الناصعة ان الشعب الفلسطيني لا يعادي الشعوب ومنها الشعب الاميركي الذي وقع فريسة اعلام معاد قدم له الاضاليل والاكاذيب على اطباق مصالحه الخبيثة.
ان اعداء الشعب الفلسطيني الحقيقيين هم الذين يشوهون صور نضالاته المشروعة ويحجبون حقائقها عن بصيرة الشعب الاميركي وبصره. وقد اختبأوا تحت مظلة الركام الاميركي في حينه وغباره ليسجلوا حلقة جديدة من نواياهم الشريرة على ثلاثة محاور. المحور الاول هدفه تحقيق مكاسب على حساب ما تبقى للفلسطينيين بهدف الاجهاض عليهم. والثاني هدفه تشويه سمعتهم والصاق صفة الارهاب بهم وبنضالاتهم. والثالث هدفه اذكاء نار البغضاء والكراهية ضد العرب والمسلمين في اميركا والعالم.
والفلسطينيون-وما حصل قد حصل– قد تكونت لديهم منذ زمن بعيد قناعات كغيرهم من الشعوب حتى تلك الأقرب الى الولايات المتحدة ثقافة وحضارة، ان الولايات المتحدة الاميركية قد جنت في النهاية حصاد ما زرعته سياساتها على مدار عقود عديدة منذ نهايات الحرب العالمية الثانية وحتى بدايات القرن الحادي والعشرين الحالي.
ولسنا هنا بصدد محاسبة الولايات المتحدة على مجمل سياساتها وتحكمها بالعالم وهيمنتها عليه باعتبارها القطب الاوحد. انما يهمنا هنا هو قضيتان اساسيتان. الاولى مطالبتها ان تعيد النظر في حساباتها مع القضية الفلسطينية التي حاق بها وبأهلها ظلم تاريخي وذلك في ضوء الكارثة الانسانية التي حلت بها مؤخرا عساها تزيل الغشاوة عن بصيرتها وتدرك وهي تعاني مرارة ما عاناه الآخرون وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني.
ان المطلوب من الولايات المتحدة التي ضغطت هذه الايام لاجراء مفاوضات مع الاسرائيليين بغية إيجاد تسوية نهائية للقضية الفلسطينية، ان تأخذ بعين الاعتبار الثوابت الفلسطينية التي بدونها لا يمكن لأية تسوية ان تنطلي على الفلسطينيين، او ان تمر بسلام.
المطلوب من الولايات المتحدة ان تعترف بأن هناك احتلالا اسرائيليا، وان هناك اغتصابا للأرض الفلسطينية التي قدمت على اطباق الإستيطان، وأن هناك تهويدا للقدس والضفة الفلسطينية، وان هناك هدما لمنازل المواطنين الفلسطينيين وتهجيرا لأصحابها الشرعيين بعد مصادرة هوياتهم. وهناك الكثير الكثير من الممارسات الإحتلالية التي تخنق الفلسطينيين.
والحقيقة الثانية تخص العلاقة مع شعب الولايات المتحدة. فالعالم العربي ومنه الفلسطينيون كان ولا يزال مصلحة من أخطر المصالح الاميركية على كافة الصعد الاقتصادية والامنية والسياسية والتسويقية والاستثمارية. والمستفيد الاول والاخير هو الشعب الاميركي. ويبقى السؤال المطروح: الا يستحق هذا العالم العربي وأهله ان يرد لهم الجميل في احترام قضاياهم ومساعدتهم على تحقيق امانيهم المشروعة ؟.
كلمة أخيرة. لقد جربت الولايات المتحدة حتى الآن نمطا واحدا من سياسات الهيمنة والعولمة والتحكم بمصائر الشعوب ومقدراتها خدمة لمصالحها هي، والمحصلة كانت هذه الكارثة على سياساتها وشعبها. واذا كانت معنية حقا بالقضاء على الارهاب فعليها ان تبحث في دوافعه ومسبباته، فهي دون ادنى شك كامنة في قهر الشعوب والتعالي عليها والكيل لها بمكيال خاص. وهي تحديدا متجذرة في النكبة الفلسطينية. وعسى ان تشكل هذه الكارثة اساسا للتغيير الايجابي الذي دون أدنى شك سيجلب الخير والرفاه والأمن والسلام لشعوب العالم، وفي مقدمتها شعب الولايات المتحدة الاميريكة قبل غيره.