المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اعترافات عاشق من زمن الرصاص



محمد المهدي السقال
16/03/2007, 09:14 PM
قصة قصيرة

اعترافات عاشق من زمن الرصاص

إلى المبدعة هويدا صالح

محمد المهدي السقال

بيد حملتْ رأسي المتعب ، و بأخرى أمسكت الزاوية اليسرى من الوسادة ، استغـرقـتْـني بنظراتٍ كئيبةٍ مثقلة تجر خلفها هموم سنين الجدب و الغياب ، لعلها مثلي أتعبها انتظار الفرج المستحيل ، يأتي راكباً ضوء الشمس الموعود في الذاكرة ، يعلن المؤذن عن صلاة الفجر ، بينما مقلتاها النديتان تصبان بسهام لحظيها سأم الوجود المتلاشي في أعماقي ، تقرأ في عيوني رغبة صمِّ سمعي عن اختراق مُكبِّـر الصوت سقفَ البيت ، لكنها لا تنبس بشيء ، تنشغل بتفادي الألم في بعض الجنبات السفلية من رأسي , لم تفلح بعد في ترويض رأسي للاستواء كما تريد ، كنتُ إذا شرع المؤذن في التهليل لصبح جديد، أدفن رأسي تحت اللحاف ، أشكو لها انزعاجي مما تحدثه في نفسي تموُّجات كلماته المبهمة ، فلا تزيد إلا على الدعاء لي بالهداية، أحيانا كنت أهمس لنفسي ، لعلي كنت أكون الآن أحسن، لو أنني استجبت لرغبتها في رؤيتي أمشي في الأسواق ، لا تحركني هذه الأساطير السياسية ، مازالت مترددة في تصديق ردتي عن الاعتقاد المطلق في " رأس المال " ، تلصصت على حديثها الهامس عنِّي مع جارتها ، أحرجتْها جارتها بالسؤال عن إقامتي للصلاة ، فاضطربتْ ، سمعتُ تَقَطُّعَ صوتها قبل المبادرة بالجواب : يُصلِّي في البيت ، واحتجَّتْ لها بما أعانيه مع المرض ، رغم أنه لم يكن قد تطوَّر إلى هذه الحالة ، أسندت رأسي إلى الجدار ، ظلَّتْ نظراتها مُسمَّرةً عليَّ ، قالت:
في هذا الشتاء ، لم يعد أحد يجرؤ على الخروج لصلاة الفجر ، وتسكت شهرزاد عن الكلام في الحرام ، قبل أن تستدرك ، حتى أولئك المؤمنون بحق ، صاروا يفضلون إقامتها في بيوتهم ، أحسَّتْ أنني أريد مزيداً من الإيضاح ، يصيب زيغ مقلتيَّ بين خديها والنهدين شبه العاريين ، شيئا في داخلها الملتهب وسط جزيرة ثلجية : يسمعون عن عصابة " الحواشي" و سيوفها الجاهلية ، تصيب الأبرياء قبل المتهمين المحتملين، حتى المسجد المحاذي لقسم الشرطة في المدينة، لا يعمِّره أصحاب الفجر، يغمز بعض الشهود بما يغيظهم من الحياد السافر للمخزن ، فيسخرون من زمن حقوق الإنسان المقلوب ، أتذكر الشجار الذي انتهى بأحد الخضَّارين إلى حتفه ، رمى أحدهما الآخر بأثقل ما يزن به ، شرخ مؤخرة رأسه ، سقط الرجل كالجدار ، فار الدم ، جحظت عيناه ، ارتعش كالخروف الذبيح ، ثم همد , بينما كان رجلا أمن في الرصيف المقابل ، ينسحبان في غير هدوء ، اختفيا عن الأنظار تلاحقهما همهمات و غمغمات منكرة ، استرسلت " أمينة " : قال أحدهم : ليت الشباب كانوا يخرجون لاعتراض طريق السراة في دهاليز الوطن المحاصر بالظلام ، و زادت : الضعيف يأكل الضعيف , كما يأكل القوي الضعيف ، شدتني ألفاظها , تأملت وجهها المنشغل عني بإعداد كوب الدواء ، تتحدث إليّ وهي غير متأكدة من استجابتي لسماع حديثها عن هذا الزمن المقيت ، تبَّاً لهذا الأقراص التي لا فعل لها إلا في الهزيع الأخير من الليل ، أكرِّرُ في نفسي الدعاء على المرض ، فلا أتسمع أكثر من تنهيداتها التَّعْـبى ، تحاول ثالثة لاستواء صدري عموديا ، لا يعرف القرص طريقه إلى معدتي عبر دفع الماء ، إلا بإسناد رأسي إلى الجدار .
مر الآن شهران على عودتي إلى البيت ، خاوي الوفاض من غير نياشين نصر كان موعودا في الصحف الحمراء ،
طرقت الباب في منتصف ليلة العاشر من رمضان ، عام الغزو الثاني على العراق ، تماما كما تصور الأفلام لقطة اللقاء بعد طول فراق ، كادت " أمينة " أن تسقط واقفة ، لولا أنني ارتميت عليها بما تبقى لدي من قوة المحارب المهزوم ، حضنتُها إليّ ، أجهشتْ مشدودة بالاختناق ، ثم استسلمتْ بكل ثقلها على صدري الواهن يسبقها نهدان تركتهما تفاحتين في أول القطف ، شعرتْ بعيائي ، دلفنا إلى فناء باهت وهي تنظر خلفي، لعلها كانت تبحث عن حمل العائد بعد عشرة أعوام ، من منفى الكهوف المنسية بعيداً عن عيون نشرات الأخبار .
شعرتُ برعشةٍ سرتْ في أوصالي المنهوكة، ثم برودةٍ تسللتْ كالماء بين لُزوجة البلَّور في كؤوس الخلفاء ،
هل نطقت شفاهي ؟ لا أذكر، غير أني الآن أعي عجزي عن الكلام , أصرخ صامتا كأني أستغيث من غرقي في لج يتوزعه ضجيج الأشياء، فقط ، عيناي كانتا ترفَّان للإمساك بوجهها ، يسود صمت غريب ، لم تعد تتساءل عن احتباس الكلمات في حلقي ، لحظة ، بدت متطلعة لسماع صوتي بإشارات الأهداب ، ساعتها أنقذني تقدم خطوي نحو الداخل ، كان الصداع قد نال مني مأخذه ، لمحتُ في نظراتها استغراباً من رغبتي في الوقوع على فراش يدفئ برودة سكنت أحشائي ، حملتْ رأسي إلى الأعلى قليلا لتحاشي برودة الجدار ، كما تفعل كل ليلة منذ تمكن مني هذا الشلل النصفي آخذاً من جسدي حتى الصوت ، لم أشعر بِبَحَّةٍ قبل انسداد تدفق الهواء من الحلق ، من يومها ، و" أمينة" لا تسمع لي غير إشارات بالعينين ، أو تنمل أصابعي اليسرى، أرسم من خلالها رغائبي المكبوتة .
هل تدري أنني أحس بوجودها الآن ، تماما كما كنت حين أحضنها في الليالي الباردة ، أدعوها للاقتراب مني أكثر ، تتمنع جذلى بدلع النساء ، بيننا لغة نستفز بها حاجاتنا إلى دفء اللحاف ، أغازلها، ألامس بيدي رقبتها، تتنثَّر منِّي ، أعرف و تعرف أنا نُشرع نافذة على الحلم ،
يكسر السجان خلوتي بها ، أتبعه إلى مدخل الباحة , حيث لا سماء ، سوى جدارات عالية تربَّع فوقها غطاء إسمتني ، الكوى تذكرني باستمرار ، بمنافذ الضوء عبر ثقوب الحمامات العتيقة . ليتني كنت أحسن قراءة الفنجان ، ليتني كنت صدقتُ رفاقاً عادوا من جزائر النسيان ، ظلُّوا يصرخون بملء عقيرتهم أن لا فائدة من الموت في سبيل هذا الوطن ، وظللت عنيداً أراود الحلم بالثورة ، في غابة أشجار رضيتْ أن تموت واقفة على حافة النهر يجرفها تيار الغضب .
رغم أن أيامنا كانت معدودات ، فقد كانت لحظاتُ الوصال بحجم العمر الذي لم نعشه بعد الانفصال ، انتهيت إلى إسنادي بمقدمة ظهري إلى ركن حائط الغرفة المهترئة، لم تتحقق أمنيتنا في طلائها باللون الأزرق الذي كانت تعشقه ، وبقيت كما تركتها منذ عشرة أعوام ، لم أسألها عن علَّة عدم طلاء الجدار ، كنت أعرف أنها ستحتج بالخوف من حجْب لونِ البحر لونَ وجهي في الذاكرة ،
قالت لي يوما بأنها ترى وجهي أزرق ، لم تعجبني عبارتها ، لكنها استدركت بأن البحر أزرق ، وأنها لا تحب شيئا أعز من البحر ، كدت أقبلها لولا تردد أصوات العيال بالبهو الفاصل بين الغرفة والمطبخ . ولم أسألها حين عودتي عن حجم تشوقها لوجودي الجسدي ،لأن الكلمات تهرب في عز الحاجة إليها ، استبعدت أن تصبر عليَّ طول هذه المدة ، ولم تخطئ فراسة شكِّي ، فقد نما إليَّ بالتلميح تردُّد جاري عليها أثناء غيابي ، يأتيها باسم العشرة والملح ، فتفتح له الأبواب ، صار يدخلها متى يشاء أو تشاء .
حين زارتني قبل خروجي بأيام ، وكانت الأولى والأخيرة ، قرأتُ في عينيها الذابلتين الخوف من السؤال ، لم تنجح في معرفة الطريق إليّ، إلا بعد السنة العاشرة ، أسرتْ لي بأنها أقامت فيَّ العزاء ، ثم استدركت أنها ظلت تُمنِّي نفسها ببقائي على قيد الحياة ،
رغم طول الفراق ، ورغم الغيبة التي يقبل فيها الشرع بالطلاق ، أسرَّتْ لي أنها لم تكن تتخيَّل إقدام السجان الذي احتفظ بنا كل هذه الأعوام ، خلف كهف يمتد عميقاً في جوف جبل في لا مكان ولا زمان، على أن يفرج عن مجموعة " صيف الريف " ،
بيني وبين نفسي تمنيت القدرة على النطق ، لأسرَّ لها بهواجسي اتجاهها ، هل تسمع تفكيري " أمينة " الآن؟
لم أشعر ببرودة الجدار ، ناولتني كأس ماء ، يهرق في فمي منسكبا نحو الحلق مائلاً إلى الوراء ، أتعلَّق بالنظر إلى ما بين حاجبيها ، لا أحس بأدنى إحساس بالرغبة في حضنها إليّ ، ترمق استراق نظراتي، تبتسم ، لا أدري هل كانت قسمات وجهي تنبئ بابتسامة ، ثم ابتسمتْ ثانية كأنها ترد عليّ ، قلت لها في نفسي :
ليت الذي حضنتِ يوماً في الليل أثناء غيابي حبيبتي ، كان صدري الحزين قبل الرحيل .

*****
محمد المهدي السقال
المغرب
[/b]

هري عبدالرحيم
16/03/2007, 11:50 PM
اعترافات عاشق
قصة مأخوذة من واقع بلاد المغرب،سردها المبدع محمد المهدي السقال بروح مُبْدعة،تتشابك فيها حروف متعة النص وآلام السجن.
والسجن في المغرب ليس ككل السجون،السجن هنا الداخل إليه مفقود :"لم تنجح في معرفة الطريق إليّ، إلا بعد السنة العاشرة ، أسرتْ لي بأنها أقامت فيَّ العزاء "، والخارجُ منهُ مولود:"لقطة اللقاء بعد طول فراق ، كادت " أمينة " أن تسقط واقفة ، لولا أنني ارتميت عليها بما تبقى لدي من قوة المحارب المهزوم ، حضنتُها ".السجن في المغرب سجون للموت البطيء
:"منفى الكهوف المنسية بعيداً عن عيون نشرات الأخبار ".،ففي مدينة" تمارة" سجن من هذا النوع وفي "البيضاء" آخر وفي قلعة مكونة ثالث،وفي تزمامارت رابع وهو مكان الأحداث في القصة :" احتفظ بنا كل هذه الأعوام ، خلف كهف يمتد عميقاً في جوف جبل في لا مكان ولا زمان، على أن يفرج عن مجموعة " صيف الريف " ،
الصيف هو الصيف الذي ضاع فيه اللبن،الصيف الذي قام فيه الجيش بانقلاب فاشل،وتشابكت الخيوط لتجرف الإعتقالات كل مناضل غيور على بلده،والتهمة قد تكون حيازة كتاب:" مازالت مترددة في تصديق ردتي عن الاعتقاد المطلق في " رأس المال " ".

"
رأس المال هو الكتاب المعروف لكارل ماركس،كتاب الشيوعيين بامتياز،كان هذا الكتاب من الممنوعات في السبعينيات،وكل من حازه يُحاكم محاكمة عسكرية بتهمة التخطيط للثورة،ما أتعس الوطن.
العنوان يوحي بشيء بل بأشياء لا تُداعب أحاسيس إلا الذين اكتووا بجمرها،إنه "الرصاص"،قد يكون رصاص الصيد في غابة الأرانب،أو الرثّ(الخنزير البري)،لكن الصيد في القصة هو صيد الآدميين،وليس كل الآدميين ،صيد من كان في مُخِّهِ عقلٌ يُفكِّر: " ليتني كنت صدقتُ رفاقاً عادوا من جزائر النسيان ، ظلُّوا يصرخون بملء عقيرتهم أن لا فائدة من الموت في سبيل هذا الوطن ، وظللت عنيداً أراود الحلم بالثورة ، في غابة أشجار رضيتْ أن تموت واقفة على حافة النهر يجرفها تيار الغضب ".
الرصاص زمن كان طويلا على من يحمل همَّ الوطن ،عشرات السنين بل وأكثر ،هي عمر الرصاص في المغرب،افنى كل غيوري الأمة،ومن هو محظوظ كبطل قصتنا زُجَّ به في الكهوف ليموت الموت البطيء.
النص يُحيل على هذه المعاناة بشكل ذكي غير مفضوح :"وتسكت شهرزاد عن الكلام في الحرام "
تنتقل القصة لتحكي حياد الدولة، وتشجيعها ذبح المناضلين من طرف الهامشيين،هولاء الذين تجبروا اليوم فصاروا على خطى التفجيرات التي تُميتُ اليابس والأخضر من القوم.
الحديث عن السجن لم يأخذ من الوقت سوى شذرات،لينتقل الكاتب للدخول في العالم الجواني للمُعاناة الأخرى للمناضل:"يعرف القرص طريقه إلى معدتي عبر دفع الماء "،ضريبة حُبِّ الوطن."رغبتي في الوقوع على فراش يدفئ برودة سكنت أحشائي ".تأثيرات السجن الدائمة."استبعدت أن تصبر عليَّ طول هذه المدة "معاناة من نوع آخر.ويسترسل الكاتب في تصوير معاناة المناضل خصوصاً لما يسري فيه الإحساس أن ما ضحى من أجله ذهب هدراً:الوطن والأبناء.
قصة ليست ككل القصص،إنها تدخل في باب أدب السجون،السجن هنا لمن يحملُ فكراً،السجن هنا لمن يُريد أن يعيش أبناء الأمة سواء ،السجن هنا رغبة في الإنعتاق من السجن الكبير "دهاليز الوطن المحاصر بالظلام".
القصة تؤرخ لزمن لن يُنسى في تاريخ البلد،ولازالت آثاره بادية على محيا الحالة المُزرية التي يعيشها المواطن ،مُثْقلة بصنوف التناقضات والسلبيات.
تحية للكاتب محمد مهدي السقال على هذا الإبداع.

محمد المهدي السقال
17/03/2007, 12:40 AM
اعترافات عاشق
قصة مأخوذة من واقع بلاد المغرب،سردها المبدع محمد المهدي السقال بروح مُبْدعة،تتشابك فيها حروف متعة النص وآلام السجن.
والسجن في المغرب ليس ككل السجون،السجن هنا الداخل إليه مفقود :"لم تنجح في معرفة الطريق إليّ، إلا بعد السنة العاشرة ، أسرتْ لي بأنها أقامت فيَّ العزاء "، والخارجُ منهُ مولود:"لقطة اللقاء بعد طول فراق ، كادت " أمينة " أن تسقط واقفة ، لولا أنني ارتميت عليها بما تبقى لدي من قوة المحارب المهزوم ، حضنتُها ".السجن في المغرب سجون للموت البطيء
:"منفى الكهوف المنسية بعيداً عن عيون نشرات الأخبار ".،ففي مدينة" تمارة" سجن من هذا النوع وفي "البيضاء" آخر وفي قلعة مكونة ثالث،وفي تزمامارت رابع وهو مكان الأحداث في القصة :" احتفظ بنا كل هذه الأعوام ، خلف كهف يمتد عميقاً في جوف جبل في لا مكان ولا زمان، على أن يفرج عن مجموعة " صيف الريف " ،
الصيف هو الصيف الذي ضاع فيه اللبن،الصيف الذي قام فيه الجيش بانقلاب فاشل،وتشابكت الخيوط لتجرف الإعتقالات كل مناضل غيور على بلده،والتهمة قد تكون حيازة كتاب:" مازالت مترددة في تصديق ردتي عن الاعتقاد المطلق في " رأس المال " ".

"
رأس المال هو الكتاب المعروف لكارل ماركس،كتاب الشيوعيين بامتياز،كان هذا الكتاب من الممنوعات في السبعينيات،وكل من حازه يُحاكم محاكمة عسكرية بتهمة التخطيط للثورة،ما أتعس الوطن.
العنوان يوحي بشيء بل بأشياء لا تُداعب أحاسيس إلا الذين اكتووا بجمرها،إنه "الرصاص"،قد يكون رصاص الصيد في غابة الأرانب،أو الرثّ(الخنزير البري)،لكن الصيد في القصة هو صيد الآدميين،وليس كل الآدميين ،صيد من كان في مُخِّهِ عقلٌ يُفكِّر: " ليتني كنت صدقتُ رفاقاً عادوا من جزائر النسيان ، ظلُّوا يصرخون بملء عقيرتهم أن لا فائدة من الموت في سبيل هذا الوطن ، وظللت عنيداً أراود الحلم بالثورة ، في غابة أشجار رضيتْ أن تموت واقفة على حافة النهر يجرفها تيار الغضب ".
الرصاص زمن كان طويلا على من يحمل همَّ الوطن ،عشرات السنين بل وأكثر ،هي عمر الرصاص في المغرب،افنى كل غيوري الأمة،ومن هو محظوظ كبطل قصتنا زُجَّ به في الكهوف ليموت الموت البطيء.
النص يُحيل على هذه المعاناة بشكل ذكي غير مفضوح :"وتسكت شهرزاد عن الكلام في الحرام "
تنتقل القصة لتحكي حياد الدولة، وتشجيعها ذبح المناضلين من طرف الهامشيين،هولاء الذين تجبروا اليوم فصاروا على خطى التفجيرات التي تُميتُ اليابس والأخضر من القوم.
الحديث عن السجن لم يأخذ من الوقت سوى شذرات،لينتقل الكاتب للدخول في العالم الجواني للمُعاناة الأخرى للمناضل:"يعرف القرص طريقه إلى معدتي عبر دفع الماء "،ضريبة حُبِّ الوطن."رغبتي في الوقوع على فراش يدفئ برودة سكنت أحشائي ".تأثيرات السجن الدائمة."استبعدت أن تصبر عليَّ طول هذه المدة "معاناة من نوع آخر.ويسترسل الكاتب في تصوير معاناة المناضل خصوصاً لما يسري فيه الإحساس أن ما ضحى من أجله ذهب هدراً:الوطن والأبناء.
قصة ليست ككل القصص،إنها تدخل في باب أدب السجون،السجن هنا لمن يحملُ فكراً،السجن هنا لمن يُريد أن يعيش أبناء الأمة سواء ،السجن هنا رغبة في الإنعتاق من السجن الكبير "دهاليز الوطن المحاصر بالظلام".
القصة تؤرخ لزمن لن يُنسى في تاريخ البلد،ولازالت آثاره بادية على محيا الحالة المُزرية التي يعيشها المواطن ،مُثْقلة بصنوف التناقضات والسلبيات.
تحية للكاتب محمد مهدي السقال على هذا الإبداع.



الصديق بالتفاعل في زمن الحواجز

أقدر جهدك المبذول في تتبع مفاصل النص بدقة تحليلية

تثير الإعجاب ,

ليست المرة الأولى التي أقرأ لك فيها تحليلا أحترم تذوقه

الفني ,

فأجدك قارئا سيزيفيا يمعن في الإصرار على ملاحقة

الإشارات والإيحاءات ,

أتمنى أن تتاح لي فرصة مجالستك حول هموم المتن السردي

المغيب عن الساحة ,

لا أدعي أنني خرجت من طوق التجريب ,

لأنني مازلت أتطلع إلى النص الذي يكونني ,

قبل أن يجف حبر ذهني المتعب من توالي الإحباط الوجودي .

أما الإحباط الثقافي والسياسي حتى لا أقول الإبداعي ,

فأنت تعرف أنه يصح فينا قول القائل :حدث ولا حرج .

محمد المهدي السقال