المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حوار مع الدكتور عصام البشير



نجيب بنشريفة
19/09/2010, 12:57 AM
.
.
.
.
تشهد الساحة الإسلامية العديد من الفصائل والجماعات الإسلامية، بعضها يدعي أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، وأنه يمثل جماعة المسلمين، ومن ثم يتعصب لرأيه ومذهبه الفقهي ولا يقبل بالآخرين بل يزعم أن منهجه في الدعوة هو الأصوب والأمثل إلا أن ما حدث في مصر مؤخراً من تراجع الجماعة الإسلامية عن لغة القوة، وتقديمها «مبادرة وقف العنف إلى السلطات» دفعنا إلى اجراء حوار فكري موسع مع د. عصام البشير وزير الأوقاف في السودان لاسيما أنه يمتلك رؤية عميقة ومتزنة للمشروع الإسلامي فجاءت اجاباته وسطية معتدلة، لا افراط فيها ولا تفريط مؤكداً أن كثرة الجماعات الإسلامية تعتبر بمنزلة إثراء وتنوع للطرح الإسلامي، اذا آمنت بقاعدة «نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه» ولهذا فإن الاختلاف ينبغي أن يكون مضبوطاً بآداب الإسلام ولا يصل إلى حد التفرق والتشرذم وذهاب الريح، وفيما يلي تفاصيل الحوار:

بعض المنتمين إلى الفصائل الإسلامية يتعصبون لمذاهب فقهية معينة ومن ثم يضمرون الخصومة التي قد تصل إلى حد العداء لمخالفيهم.. إلى أي مدى يتسع تراثنا الفقهي إلى مبدأ التنوع والتعدد في المذاهب الفقهية والفكرية؟

- إن الإسلام عرف أنواعاً شتى من التعددية ومنها التعددية المذهبية والفقهية، وهذا من رحابة هذا المنهج وشمول نظرته، واتساع رؤيته، فاللّه عز وجل جعل من الآيات الدالة على كمال قدرته اختلاف الألوان والألسنة «ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم» بيد أن هذا الاختلاف بين بني البشر لا يقف عند حد اللون أو البشرة أو الجنس أو اللغة أو الدم وإنما يتعداه إلى الفكر والمعتقد والمشاعر والوجدان، وقرر الإسلام مبدأ عظيماً نفى فيه الاكراه في حرية الاختيار بما فيها المعتقد، وإذا كان الإسلام قد نفى الاكراه عن حرية الاعتقاد، فما دون ذلك من باب أولى ما يتعلق بحركة الحياة وهديها سياسة أو اقتصاداً أو اجتماعاً أو فكراً، وقد كتب العلامة د. يوسف القرضاوي حول هذا الموضوع تحت عنوان الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق الممنوع، وذكر أن هذا الاختلاف ضرورة تقتضيها طبيعة هذا الدين الذي نزل منه آيات محكمات هن أم الكتاب تمثل الوحدة الفكرية في الأمة وأخر متشابهات قابلة للنظر والاجتهاد وتفاوت المدارك، كما تقتضيه طبيعة اللغة التي نزل بها هذا القرآن بلسان عربي مبين ولسان العرب فيه الحقيقة والإعجاز، وفيه المطلق والمقيد، وفيه ما يدل عليه بالعبارة وما يؤخذ بالإشارة وطبيعة البشر، والبشر - كما ذكر د. القرضاوي- منهم من يميل إلى الترخص ومنهم من يميل إلى العزيمة، وهذا الضرب من الاختلاف هو رحمة اللّّه وسعة الكون والحياة وهو ثروة وغناء لهذه الأمة وبالتالي فإن الاختلاف بين بني البشر سنة من سنن اللّه في الكون وسنة من سنن اللّه في المجتمع الإنساني، ومطلوب منا ألا نغالب هذه السنة، وإنما نتكيف في التعامل معها على نحو يجعل الاختلاف والتنوع عامل اثراء وخصوبة وليس عامل تفرق وتشرذم.

نبذ التعصب

رغم أن كبار الأئمة الذين يتبعهم بعض الشباب المتدين كانوا لا يتعصبون لآرائهم وكانوا ينطلقون من مبدأ رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب إلا أن الأتباع من الشباب ينطلقون من مبدأ أن رأيهم صواب دائماً ورأي غيرهم خطأ دائماً.... كيف تردون على هؤلاء؟

- كما قلت التنوع الفقهي كان عامل اثراء وخصوبة ولم يدع أحد من أهل العلم أن لرأيه قداسة ولاجتهاده عصمة فكلهم قرروا مبدأ :اجتهادي صواب يحتمل الخطأ واجتهاد الآخرين خطأ يحتمل الصواب، فكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر، قيل للإمام أبي حنيفة أهذا الرأي الذي ارتأيته أهو الحق الذي لا باطل معه، قال: لعله الباطل الذي لا حق معه، فكل العلماء أقروا أن اجتهادهم هو محل نظر يؤخذ منه ويترك، ونحن هنا لم ندع إلى محاربة المذهبية الفقهية وإنما ندعو إلى نبذ التعصب الذي يدور حول اجتهاد واحد ورأي واحد، فقد كان في المذهب الواحد تعددية في الآراء بين ضعيف وراجح ومرجوح، بين قول المتقدمين وقول المتأخرين، بل كان للإمام أحمد في المسألة الواحدة أكثر من رأي، وقد عرفت بثلاثيات الإمام أحمد وأكثر من ذلك، فالأمة عرفت هذه التعددية في المدرسة الفقهية وعرفتها كذلك في مدارس التفسير المتعددة، فالطبري له منهجه، والقرطبي وابن عربي ذهبوا في مدارس الأحكام ومنهم من اعتنى بالإعراب واللغة والجانب البلاغي كالإمام الزمخشري ومنهم من اهتم بالعلوم الكونية وهذا أشبه بتعدد التنوع وليس التضاد.

الجماعة المسلمة

لكن كثرة الجماعات والفصائل الإسلامية وضعت بعض المسلمين في حيرة متسائلة فأي الجماعات أصوب وأيها يمتلك الحقيقة، لاسيما أن البعض يدعى أنه الجماعة المسلمة أو الفرقة الناجية... فما تعليقكم على هذا الأمر؟

- بعض جماعات الدعوة والعمل الإسلامي المعاصر ضاق بهذه التعددية وأخذ يلوي أعناق بعض النصوص ويفسرها على ما انتهى إليه اجتهاده في أولويات الدعوة ومنهج الحركة، فحمل مفهوم الطائفة الظاهرة أو الفرقة الناجية أو الجماعة المسلمة على حدود الانتماء الضيق الذي بنى عليه مدرسته الفكرية أو وعاءه الحركي، مع أن مفهوم كلمة الجماعة المسلمة التي وردت النصوص في الحض عليها جاءت بآل العهدية «من فارق الجماعة» «عليكم بالجماعة» وقد تتبع الإمام الشاطبي رحمه اللّه أقوال أهل العلم في معنى الجماعة التي ورد ذكرها في النصوص وخلص إلى أن ثمة جملة من الأقوال تدور على معنى الجماعة:

- أن الجماعة يراد بها أهل ملة الإسلام في مقابل أهل ملة الكفر.

- جماعة الصحابة على الخصوص.

- جماعة المجتهدين.

- جماعة أهل الحل والعقد الذين اجتمعوا على أمير وبايعوه.

وواضح مما ذكره الإمام الطبري أن الجماعات الإسلامية اليوم المعروفة بأسمائها وقادتها وشعاراتها وأولوياتها ليست هي جماعة المسلمين بعينها بل هي كلها تندرج في مفهوم جماعة المسلمين، وهي تتفاوت في عطائها شمولاً وتكاملاً ورعاية وأولويات ومرحلية حسب عطائها، منها السابق بالخيرات ومنها المقتصد ومنها الظالم لنفسه، ولذلك ينبغي أن نقبل مسارات العمل الإسلامي المتعددة، فإن ذلك مما يثري العمل فمنهم من تبنى كل ذلك، وأنا أعتقد أن كل هذه أشبه بالروافد التي تصب في نهر كبير، فلا ينبغي أن نضيق ذرعاً بتعدد العمل الإسلامي ولا ينبغي لأية جماعة أن تسحب على نفسها دون غيرها جماعة المسلمين، وهذا التعدد - كما يقول شيخنا القرضاوي- ينبغي أن يتحول إلى تعددية التنوع والتخصص وليس تعددية التضاد والتشاحن التي تؤدي إلى الفشل وذهاب الريح، وهنا تأتي القاعدة نتعاون في المتفق عليه ونتغافر ونتسامح في المختلف فيه، وندير حوارنا على أساس من أدب الإسلام وأخوة الإسلام.

الأولويات

هناك أيضاً مسألة أخرى تحتاج إلى بسط وهي أن بعض أبناء الحركة الإسلامية انصرفوا إلى الاهتمام بالفرعيات والانحياز إلى الجزئيات... كيف تنظرون إلى هذه المسألة وهل من رسالة يمكن توجيهها إلى الدعاة في هذا الشأن؟

- واقع الأمة الآن يحتاج إلى تحديد الأسبقيات وترتيب الأولويات إزاء قضاياها الكبرى وهمومها المصيرية والرسالة التي نود أن نوجهها إلى الدعاة أننا نعيش مرحلة تقتضي منا أن نرتفع على صغائر الأمور وسفافسها لأن اللّه يحب معالي الأمور ويكره سفافسها، ولذلك نحتاج إلى تجاوز الفرعيات في أنماط العمل واجتهاد السلوك وتنوع الآراء التي تكون بين راجح ومرجوح وفاضل ومفضول، بيد أن معركة الأمة الحضارية لا تحتمل هذا الدرب من الخلاف الذي يؤدي إلى الفشل وذهاب الريح، ولهذا يجب أن نلتقي على الثوابت الكبرى وعلى الأرضية المشتركة من جوامع الرأي والفكر وأن نقف في خندق واحد ازاء قضايا الأمة الكبرى وهمومها المصيرية، فاستهداف الأمة لا يفرق بين فريق وآخر وطائفة وأخرى ومذهب وآخر وإنما يستهدف الأمة في أصولها ومرتكزاتها وثوابتها.

حوار إسلامي - مسيحي

وإذا تجاوزنا المنتمين إلى الفصائل الإسلامية... كيف ترى العلاقة مع الآخر غير المسلم وهل يقبل الإسلام بأن نلتقي معه في حوار للوصول إلى أرضية مشتركة إزاء قضايا معينة؟

- الإسلام أقر التعددية الدينية وخص أهل الكتاب بمعاملة خاصة في جواز نكاح نسائهم وإباحة طعامهم ومجادلتهم بالحسنى، ومعاملتهم بالبر والقسط، ولذلك لا بأس أن يكون هناك حوار إسلامي مسيحي يبحث عن القواسم المشتركة لتلتقي بها على خير الإنسانية كلها كالالتقاء على محاربة الإلحاد والتحلل الأخلاقي والتفسخ الأسري والانحلال الاجتماعي، وقد وقف بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر الشريف ورابطة العالم الإسلامي في خندق واحد وأصدروا وثيقة مشتركة جددوا فيها موقفهم الرافض لإباحة الشذوذ الأخلاقي والتحلل والتفكك.

والإسلام يعترف بالتعددية الحضارية، فالحضارات تتقاسم أقداراً من القيم وأهل الحكمة يستحقون الشكر والعرفان من كل أمة ونحن ازاء ذلك نرفع شعار «الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها» ولقد صدق اللّّه العظيم قول بلقيس قبل أن تسلم مع سليمان فحين قالت: «ان الملوك اذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة». قال القرآن:«وكذلك يفعلون» هذا تصديق لقولها مع كونها كافرة.

تصادم الحضارات

لكن البعض يرى أنه يوجد تناقض استراتيجي بين الفكر الإسلامي ونظيره الآخر، كما أن بعض المفكرين الغربيين مثل هنتنجتون نادى بصدام الحضارات.... ما موقف الفكر الإسلامي من هذه القضية الشائكة؟

- إن الإسلام في معركته لم يعرف التصادم الحضاري وإنما عرف التواصل الإيجابي مع الأمم والحضارات من حوله، يأخذ أفضل ما عندهم ويمنحهم أفضل ما عنده، فقد أفاد الأوروبيون من علوم المسلمين وتراثهم في الأندلس، كما أفاد المسلمون من غيرهم من حضارات العالم أثناء حقب التاريخ المختلفة، وقد قال معاذ ]:«اقبلوا الحق من كل من تكلم به وإن كان فاجراً أو كافراً واحذروا زيغة الحكيم، قالوا: وكيف نعرف أن الكافر يقول الحق، قال: إن على الحق لنوراً» ولهذا نحن اليوم ندعو إلى ما يسمى بمبدأ التساكن الحضاري والتدافع الحضاري، فهذا التدافع من شأنه أن ينحو بنا إلى تحقيق الأمن والسلم اللذين ينشدهما العالم في رحلة البشرية الهادئة.

الخلافة الراشدة

الواقع المعاصر يشهد نوعاً جديداً من التعددية وهي التعددية السياسية.... ما شكل ونوع ومرجعية التعددية السياسية والحزبية التي يقبلها الإسلام وهل الخلافة الراشدة لها صورة محددة؟

- إن كثيراً من الذين ينتمون إلى الفكر الإسلامي طرحوا لنا الواقع التاريخي لدولة الإسلام وحسبوا أن هذه الصورة التاريخية التي وقعت في عهد الخلافة الراشدة وما بعدها تمثل صورة الالزام. وفرق بين أن يكون العمل مشروعاً وبين أن يكون ملزماً في صورته الشكلية التي خضعت لظرف الزمان والمكان، فإذا تراضت الأمة على خيار التعددية السياسية لتحول دون الاستبداد بالرأي حتى لا يأتي من يتفرعن ويقول :«ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد» ويظن أن الحقيقة المطلقة هي التي تخرج من وعائه، واذا تراضت على مبدأ التداول السلمي للسلطة وحددت فترة الحاكم الزمنية بقيد زمني، فالمسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أوحرم حلالاً.

حينما قام عبدالرحمن بن عوف يعرض شروط الأمة على المرشحيْن عثمان وعلي رضي اللّه عنهما، قال عثمان: أقبل شرط الأمة بأن يعمل بالكتاب والسنة وسيرة الشيخين، أما علي ] فقال: أعمل بالكتاب والسنة أما الشيخان فاجتهد كما اجتهدا، فأمضت الأمة لمن قبل بشرطها، فنحن لا نرى حرجاً من خلال هذه التجربة التي نعيش في واقعنا المعاصر من القول بمبدأ التعددية السياسية التي هي اختلاف البرامج والمشاريع في اطار مرجعية واحدة نحتكم إليها وفي اطار الولاء لدولة الإسلام دون ولاء خارجي.

وإذا كان القرآن قد ذم التحزب، فإنما يعني بذلك ذم التعصب الذي يقوم على الانتماء الجاهلي والاتباع بالهوى ولم يذم أصلاً أن يتجمع الناس على قضية اجتهادية وعلى نصرة الإسلام وكما قال شيخنا القرضاوي المذاهب هي أحزاب في الفقه والأحزاب هي مذاهب في السياسة، ولهذا اذا كان الإسلام أقر مذهب لا اكراه في الدين فيما يتصل بالعقيدة التي مبناها على الكفر والإيمان وهي المعبر لدخول الجنة أو النار فما يكون في باب السياسة والاقتصاد والاجتماع هو من باب أولى.

نقد الذات

بين نقد الذات وجلدها خيط رفيع... فنقد الذات يبني ويحسن بينما الجلد يهدم ويقوض... في ضوء ذلك كيف ترون الخطاب الإسلامي؟

- خطابنا الإسلامي الدعوي ينبغي أن يتسم في هذه المرحلة بالخصوصية التي تعالج أوضاعنا في رفق وروية وموضوعية علمية بما يبعث الأمل في نفوس الأمة لأن الأمة وهي تعيش حالة الذل والهوان قد أصابها درب من دروب الإحباط، ولهذا خطابنا ينبغي أن يتوجه نحو نقد الذات وليس جلدها، فجلد الذات يحول أمر الأمة إلى حالة من اليأس والقنوط والإحباط أما نقد الذات هو محاولة تصويب المسار الفكري من اختلالاته المعوجة وترشيد المنهاج العملي في الدعوة إلى اللّّه عز وجل وهذا شأن النفس اللوامة التي تلوم صاحبها على الذنب، يحيث تؤمن المكتسبات الإيجابية وتعرف مكامن الضعف والخلل في الأمة.

الإرهاب

مصطلح الإرهاب أصبح يتردد بشكل واسع النطاق في جميع الدوائر المحلية والاقليمية والدولية فماذا يعني هذا المفهوم في الفكر الإسلامي؟

- نحن ننطلق في فهم موضوع الارهاب من خلال المواقف الشرعية، وما يريده البعض من أن يكون مائعاً رجراجاً تحدده معايير «من لم يكن معنا فهو مع الارهاب» هو كلام لا يتفق مع مرجعيتنا، لأن هذه المعايير المختلفة تضع المقاومة المشروعة للمغتصب المحتل المنتهك لمقدسات الأمة في تصنيف الارهاب، وتضع ارهاب الدولة الذي يمارسه الكيان الصهيوني على مقدسات الأمة وأبنائها في تصنيف الدفاع عن النفس، ان المشكلة يمكن حلها بالتعرف على الجذور الحقيقة الكاملة والتي قامت على الظلم الذي حاق بهذه الشعوب المنهوكة والمسحوقة، وإن مقياس العدل اذا لم يتحقق ضمن المعايير الدولية ومؤسساتنا العالمية فإن ذلك يشكل تربة خصيبة لزلزلة استقرار المجتمع الإنساني وزعزعة الأمن والسلام الدوليين.

إن العالم يحتاج إلى منظمات دولية تحتكم إلى مقياس العدل والحرية والكرامة لكل إنسان بل وأمنه في ماله ودينه وعرضه ومعتقده، والعدل في قضايا الشعوب بأن لا نتعامل بمكيالين وأن لا نزن فيها بميزانيين.

أزمات حقيقية

هل الأمة تعاني من أزمة حقيقية؟ ما أهم ملامح هذه الأزمة وما نوعيتها؟ وكيف يمكن علاجها في تقديرك؟

- إن الأمة الإسلامية تمر بأزمات حقيقية فهناك أزمة الهوية والثقافة والخصوصية الحضارية وتوجد أزمة متعلقة باختلال العدالة الاجتماعية واخرى تتعلق بالتفرق والتشتت والتشرذم بين فعاليات الأمة المختلفة وهناك أزمة تتعلق بالعلاقة مع الآخر وأزمة أخرى تتعلق بانتهاكات مقدسات الأمة والتي تمثل قضية فلسطين رأس الرمح فيها مع أوضاع المسلمين المضطهدين في كشمير والشيشان وكوسوفا والفلبين وغيرها، وهناك أزمة متعلقة بالهجمة الغربية الشرسة التي تستهدف الأمة في عقيدتها وشريعتها وقيمها وأخلاقها وخصوصيتها.

وهذه الأزمة لها بعدان داخلي وخارجي وبقدر ما يقع من ضعف في البناء الداخلي بقدر ما تتمكن القوى الخارجية من ارساء مخططاتها وبرامجها التي تفتك بالأمة على الأصعدة فهي أزمة متعددة الجوانب متنوعة المناحي كثيرة الشعب بدءاً بأبعادها الفكرية ومروراً بالجانب الاقتصادي وانتهاء بالأبعاد السياسية والاجتماعية والتعليمية والاعلامية والتربوية.

الأزمة لا تستهدف فريقاً دون آخر بل تستهدف الأمة بكل فعالياتها حكاماً ومحكومين وأنظمة وشعوباً ومؤسسات رسمية وشعبية فلا يمكن أن يكافح هذا التحدي إلا باجماع كلمة الأمة في خندق واحد وهذا يقتضي أن يرتفع الجميع فوق جراحات الماضي وفوق سفاسف القضايا وفوق صغائر الخلافات لأن المعركة على الكليات وقبيح بنا أن نرتكس في حمأة الخلاف في هذه الجزئيات وهذا يقتضي أن نحيي شعار التصالح بين فئات الأمة وبين التيارات الإسلامية مع بعضها البعض.

ولابد من التصالح والحوار بين القوى الإسلامية والقوى الوطنية في داخل الأمة ثم المصالحة بين المؤسسات الرسمية والشعبية وعدم افتعال أي معركة على أي مستوى لأن هذا ما يريده الخصم ليفتك بهذه الأمة ويحدث الاختراق المنشود بإيجاد حالة العداء بين فعاليات الأمة الرسمية والشعبية.

وأيضاً لابد من توسيع مناخ الحريات لإبقاء الكفاءات بالمنطقة وتهيئة مناخ التصالح بعيداً عن مناخ الاكراه والقهر حتى نعيد كفاءاتنا التي يستفيد منها الغرب كما أنه مطلوب من مفكري الأمة في ظل ما يسمى بحوار الثقافات والحضارات أن يبلوروا مشروعاً نهضوياً للأمة تقدمه كنموذج للعالم نعالج فيه قضايانا في الوسط الإسلامي وندعو من خلاله العالم إلى قيام مجتمع بشري آمن في هذا المنتدى العالمي الرحيب يقوم على احترام كرامة الإنسان وتبادل المنافع واحترام الخصوصيات لكل بيئة دون تدخل فيها.

حملة شرسة

وماذا تقولون في الحملة الشرسة التي تقوم بها جهات معينة لتشويه صورة العمل الخيري والصاق تهم الارهاب به؟

زج العمل الخيري في الارهاب هو تزييف للحقائق وتشويه للصورة الناصعة للعمل الخيري الإسلامي لأن لهذا العمل بعداً ربانياً وصبغة اخلاقية وأهدافاً انسانية وهو من أقوى العوامل التي تجفف منابع الغلو والارهاب والتطرف لأنه يسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية برفع صور الظلم ويغيث الملهوف ويطعم الجائع ويكسو العاري ويداوي الجرحى ويشفي المرضى ويؤوي من لا مأوى له ويقيم المؤسسات الدعوية مساهماً مساهمة فعالة في النهضة التنموية على المستوى الإسلامي والعربي والإنساني وهو يعمل تحت الأضواء الكاشفة ولا يعمل بالسراديب فحساباته معلومة وأنشطته مشهودة وبرامجه مدركة وكل منصف لا يملك إلا الاشادة والعمل على حماية هذا العمل الخيري وتيسير الدعم له لأنه يسهم برسالة حضارية كبرى ويحقق معنى أن المسلمين أمة واحدة.

المصدر: مجلة العالمية

.
.
...
.
.