المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لم يمتحنا بما تعي العقول به حرصا علينا فلم نركب ولم نهن



سهام محمد نعمان
19/09/2010, 11:47 PM
هل يعتراف الاسلام بالواقع النفسي للانسان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، قاهر الطغاة الظالمين، الحمد لله قاصم الجبارين المستكبرين المستبدين، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له القائل {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ } وأشهد أن محمداً نصير المستضعفين ورائد المجاهدين الصادقين، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين
أما بعد:
عندما يقول الله تعالى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} , أو يقول{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ }, فمعنى هذا : أن الإسلام يعترف بالواقع النفسي للإنسان , ويقره على هذا الواقع , أن لديه نزعات فطرية نحو هذه الشهوات من مال وبنين ونساء وما شابه , و لم يأت الإسلام ليستأصل هذه النزعات من كيان الإنسان , و إنما جاء ليهذبها , وليحول دون انفلاتها , لكنها محترمة لدى الإسلام , هذه النزعات , الإسلام لا ينظر إليها بازدراء أو احتقار , عاطفة الإنسان , مشاعر الإنسان , لأن الإسلام دين الفطرة -كما جاء في القرءان الكريم - {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا }, فكيف يكون دين الفطرة ثم يحتقر هذه النزعات الفطرية لديك ؟! إنما هناك ضوابط لهذه النزعات , أن تحب المال فليس هذا منكرا في الإسلام, لكن كيف تجمع هذا المال ؟ وكيف تكسبه؟ وكيف تنفقه؟ المهم, نريد أن نركز على جانب واحد. أن الإسلام دين سمح يعترف بعواطف الناس ومشاعرهم , ولا يصدمها, فهو لا يصدم الفطرة , ولا يصدم العقل , ولا يصدم المشاعر , دين يتطابق مع الفطرة والعقل والمشاعر , أو كما قال القائل:
لم يمتحنا بما تعي العقول به حرصا علينا فلم نركب ولم نهن
(لم يمتحنا بما تعي العقول به) لم يأتينا بما تعجز العقول في فهمه , وإذا لاحظت أحكام الإسلام وتشريعاته , تجد أنها توافق الإنسان في كل أحواله وظروفه , تجد فيها مراعاة لأحوال الإنسان وظروفه, تجد أحكاما للإقامة , وأحكاما للسفر, تجد أحكاما للصحة والمرض , تجد أحكاما وتشريعات للطفولة والبلوغ , تجد أحكاما وتشريعات للقوة والضعف , و للغنى والفقر, و للعقل و السفه, المجنون له أحكام , والعاقل له أحكام , وهناك أحكام تخص الذكر دون الأنثى , و أحكام تخص الأنثى دون الذكر . المهم أن ندرك تماما, بعيدا عن التزمت والتضييق الذي يريد أن يفرضه بعض الناس على الدين, و ما هو من الدين, أن نفهم أن الإسلام يقدر مشاعر البشر وعواطفهم , ويقدر ظروفهم , وأنا سأسوق بعض الأحداث من عصر النبوة تؤكد ما أقول , تجلت في هذه الأحداث سماحة الإسلام, وتجلت في هذه الأحداث مراعاة الإسلام لمشاعر الناس ولظروفهم .
هناك فتاة في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمة عبدة كان اسمها –بريرة- و هذه وتزوجت وأنجبت - وهذه الروايات التي أذكرها كلها من صحيح البخاري- تزوجت بريرة هذه وهي عبدة , و أنجبت , ثم حررت , الحكم الشرعي يقول :" إن الأمة المتزوجة إذا حررت, تملك الخيار أن تبقى مع زوجها أو تفارقه" , لكنها اختارت أن تفارق زوجها فهي لا تحبه , بمجرد أن حررت فارقت زوجها , لكن المشكلة هنا
, أن زوجها يحبها , فنظر النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات مرة , وإذا بزوجها -واسمه مغيث - يطوف وراءها في طرق المدينة , بعد أن فارقته وهو يبكي ودموعه تسيل على لحيته , وكان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- العباس- عمه- فقال :" يا عباس , ألا تعجب من حب مغيث لبريرة وبغض بريرة لمغيث؟!" ثم رق له النبي- صلى الله عليه وسلم- رق لوضعه , فنادى بريرة وقال لها:" يا بريرة لو راجعت مغيثا", فقالت المرأة الذكية:" يا رسول الله أو تأمرني ", هذا أمر شرعي يبدو أنها فقيهة أيضا , لأن الله يقول{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} , إذا كان قولك هذا أمرا فلابد أن تنفذ , يا رسول الله أو تأمرني ؟ فقال النبي -الإنسان الكريم- قال :"لا إنما أنا أشفع ", فقالت المرأة :"يا رسول الله لا حاجة لي به ", ولم ينكر عليها النبي , ولم ينكر على الرجل الذي عبر عن عاطفته وشعوره لحب هذه المرأة التي كانت أما لأولاده, فهو يتبعها- كما جاء في رواية البخاري -في سكك المدينة , ويبكي ودموعه تسيل على لحيته , وترجم البخاري لهذا الموضوع لقوله -باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة - . الإسلام لا يعرف هذه المظاهر المصطنعة من التزمت , يقر الواقع النفسي للإنسان , لو راجعته يا بريرة , أو تأمرني يا رسول الله؟, قال :لا إنما أنا اشفع , فقالت: لا حاجة لي به , وانتهت القصة عند هذا الحد , لم ينكر النبي عليه , ولم ينكر عليها , لم يقل لها أنت كذا وكذا , وكذلك لم يؤنب الرجل ولم ينكر عليه .
لقي النبي- صلى الله عليه وسلم- جابر ابن عبد الله -وهو من مشاهير الصحابة - وجابر استشهد أبوه عبد الله في معركة أحد وكان شابا, فسأله النبي :"هل تزوجت ؟" قال :" نعم ", فقال- صلى الله عليه وسلم- : "بكرا أم ثيبا؟ " أي سبق لها الزواج, فقال :"ثيبا يا رسول الله" , فقال له -صلوات الله وسلامه عليه - :" ألا بكرا تلاعبها وتلاعبك -وفي رواية- تضاحكه وتضاحكك " , فاعتذر الشاب- جابر ابن عبد الله- اعتذارا أعجب النبي , قال له:" يا رسول الله إن أبي- كما تعرف - استشهد في أحد , وترك لي من البنات سبعا أو تسعا -أخوات له - فكرهت أن أجيئهن بمثلهن- فتاة صغيرة- فأحببت أن أجيئهن بمن تمشطهن , وتقوم عليهن , ( أي على خدمتهن ومصالحهن ) , فأحببت أن أتزوج امرأة لديها خبرة في إدارة شؤون الأسرة وما شابه , لا أن آتي بفتاة مثل ما عندي , وقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- :" بارك الله فيك", الشاهد هنا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لم يجد غضاضة , ذكره بما يحس به البشر جميعا , ألا بكرا , لابد أن يكون هناك انسجام وكفاءة بين الزوجين , ألا بكرا تلاعبها وتلاعبك , ربما يخجل بعضنا من هذا الموضوع ويعتبر هذا خدشا للدين , لكن ديننا أكثر تسامحا , إن ديننا يقر مشاعر البشر ولا يتنكر لها .
في موقف ثالث :عندما جاءت امرأة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالت :"يا رسول الله زوجي لا أعيبه في خلق ولا دين " (رجل محترم ,أخلاقه محترمة وعلى دين ) " زوجي لا أعيبه في خلق ولا دين , ولكني لا أطيقه بغضا- أكرهه- و أكره الكفر في الإسلام , وأخشى أن أبقى معه وأنا له كارهة , فأقع فيما يجرني إلى الكفر , و أكره الكفر في الإسلام , وهي تطلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يطلقها من زوجها , أو أن يأذن بفراقها لزوجها , وهذا ما سمي في الشرع الإسلامي أو في أحكام الشريعة الإسلامية- بالخلع - والذي عطل , لأن نفر من إخواننا الفقهاء رفعوا مشاعر الرجل في الاعتبار فقط , لكن مشاعر المرأة لا قيمة لها , يستطيع الرجل في آخر الدنيا أن يطلق زوجته وقت ما يريد , لكن المرأة المسكينة تبقى حبيسة وأسيرة لدى هذا الرجل , حتى يسمح لها , لكن ليس هذا هو الشرع , الشرع أعطى الرجل حق الطلاق , نعم, وأعطى المرأة في مقابل ذلك حق الخلع , وأنها إذا كرهت زوجها لها الحق أن ترفع أمرها إلى الجهات المسئولة , و أن تقول إني أبغض هذا الزوج , نضبت مشاعري نحوه , هل يعقل -أيها الإخوة - أن الإسلام يضع مشاعر الرجل فقط في الاعتبار ؟ ثم يهدر مشاعر المرأة؟! " يا رسول الله زوجي لا أعيبه في خلق ولا دين, لكني لا أطيقه بغضا أكرهه " وهناك روايات أخرى :" أنها تحدثت عن دمامة خلقته " , قالت :" أنت ترى ما بي من جمال , وثابت زوجها رجل دميم", بل قالت أكثر من ذلك , قالت :" لقد رأيته أقبل في عدة من الرجال , فإذا هو أسودهم وجها , وأقبحهم منظرا , وأقصرهم قامة, والله يا رسول الله لا يضمني وإياه وساد واحد", ولم ينكر عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا هنا أتكلم في مبادئ عامة, لأن هذه المسائل استثناءات فقهية وتشريعية, لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها كلمة واحدة :" أو تردين عليه حديقته -المهر وكانت قد أمهرها بحديقة - فقالت المرأة :" ومثلها معها يا رسول الله " و في رواية " وإن شاء زدته" , وفعلا طلقها زوجها مقابل أخذ المهر الذي دفعه , وهذا ما ذكره القرءان الكريم في قوله تعالى{ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ }, تفتدي نفسها بالمال الذي دفعه زوجها .
كل ذلك -أيها الأعزاء- يؤكد سماحة الإسلام , وجمال هذا الإسلام, و أنه ليس -كما نسمع أحيانا -في بعض القنوات أو -كما نرى في واقعنا المعاش - ذلك التزمت والتضييق والتشدد والتنكر لمشاعر الإنسان , و واقعه النفسي , هذا هو القرءان , فلنقرأه وهذه السنة فلنقرأها .
ننتقل إلى مجال آخر, يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها, فأسمع بكاء الطفل خلفي , فأتجوز في الصلاة كراهية أن أشق على أمه " و في رواية أخرى :" لما أعلم من وجد أمه عليه" , ما معنى هذا الكلام ؟ معناه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- يدخل الصلاة ويريد أن يطيل القراءة فيها , والنسوة كن يصلين خلف النبي خلف الرجال, فيسمع بكاء الطفل , فيخفف صلاته , أليس هذا مراعاة وتقديرا لعواطف الناس والبشر؟ لماذا؟ قال:" كراهية أن أشق على أمه " أن تحزن , أو في رواية أيضا :"كراهة أن تفتن أمه ", ومعنى هذا أن يلتهي قلبها بولدها في الصلاة, فيخفف الصلاة من أجل الأم عندما يسمع بكاء الطفل , أو قال:" لما أعلمه من وجد أمه عليه" أي حزن أمه عليه, -صلوات الله وسلامه عليه- فيخفف الصلاة . ما زلت أؤكد الفكرة الأساسية , الإسلام لا يتنكر لمشاعر الناس , ولا لعواطفهم , ويقدر ظروفهم وأحوالهم .
عندما جاء رجل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم -وكان قد أفطر في نهار رمضان بالاختلاط الخاص مع زوجته , خالط زوجته بالمخالطة الخاصة , والتي هي من مفطرات الصائم في نهار رمضان , فجاء للنبي -صلى الله عليه وسلم- يعترف , يقول :" هلكت يا رسول الله" , قال:" وما أهلكك؟" قال :"فعلت كذا وكذا ", أشار إلى أنه التقى مع زوجته اللقاء الخاص الممنوع في نهار رمضان, فقال له -صلى الله عليه وسلم- بكل هدوء :" أعتق رقبة", قال :"لا أجد", قال :"صم ستين يوما", قال:" لا أستطيع" , قال:" أطعم ستين مسكينا " , قال :" لا أجد" , فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يحضر له شيئا من التمر , فقال:" خذ وتصدق به ", فقال الرجل:" والله يا رسول الله ما بين لابتيها ,( أي أنحاء المدينة ) أهل بيت أفقر مني ", فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه- صلوات الله وسلامه عليه- ثم قال له:" خذه كله أنت وأهلك ", أطعمه أهلك . هذه سماحة الإسلام -أيها الإخوة - هذه أدلة ومواقف , تؤكد على أن الإسلام يراعي ظروف الناس , و يراعي مشاعرهم.
جاءه رجل فقال له :" يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الفجر , (لا أصلي الفجر في المسجد) إني لأتأخر عن صلاة الفجر من أجل فلان مما يطيل الصلاة بنا" , والله أنا لا أحضر صلاة الفجر لان فلانا يصلي بنا فيطيل , فغضب النبي- صلى الله عليه وسلم -غضبا لم يغضب مثله من قبل , و قال لهذا الإمام:" أفتان أنت ؟ إن منكم منفرين , من أم الناس فيلخفف , فان وراءه الضعيف والمريض والكبير و ذا الحاجة " , ليس هذا فقط , بل صلى معاذ بالناس ذات يوم , وقرأ سورة البقرة, فكان وراءه رجل يصلي , وهذا الرجل خرج من الصلاة , و صلى صلاة خفيفة , ثم غادر المسجد , وترك معاذا يصلي بالناس , كان وراءه عمل لابد أن يتمه , فبلغ ذلك معاذ , وقال :" إنه منافق" , فبلغ هذا الكلام الرجل , فقال :" والله ما نافقت منذ أن أسلمت " , وذهب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال يا رسول الله:" إن معاذا صلى بنا , فقرأ سورة البقرة , وكان وراءي نخل لابد أن أسقيه " ( لا ليذهب إلى الجبهة , ليسقى نخلة و هذا أيضا عمل و هو شكل من أشكال العبادة) فأقره النبي على فعله , وعاتب معاذا , فقال يا معاذ- أيضا - :" من أم الناس فليخفف , أفتان أنت يا معاذ؟ إن منكم منفرين" , ليتنا- أيها الأعزاء - نعرف ديننا معرفة حسنة , نعرف سماحة ديننا , ونعرف قدر هذا الدين , إننا محتاجون أن نعرف ديننا , و أن نعلم حقيقته , و أن نحمله للعالمين, يبشر بالرحمة والتسامح ويبشر بالمحبة , هذا دين للإنسان ليرتفع بالمستوى الإنساني, و العقلي والنفسي والروحي , أقول قول هذا واستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله نكال الظالمين , الحمد لله غياث المستغيثين , الحمد لله صريخ المستصرخين , و أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له القائل " وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَ لَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ " و اشهد أن محمدا رسول الله وقف في وجه الطغيان و قاوم الظلم و الاستكبار , اللهم صل على سيدنا محمد و على اله و صحبه أجمعين , أما بعد:
هناك فهمان للسياسة , فهم يقره الإسلام , وفهم ينكره ويبغضه , ويحذر الناس منه . الفهم الذي ينكره الإسلام للسياسة : أن تفهم السياسة على أنها امتلاك للسلطة , وتشبث بها , و أنها فرصة لتحقيق المغانم , وتقريب الموالين وإبعاد المخالفين, هذا الفهم لا يقره الإسلام , ويكرهه وينكره, أن تفهم السياسة على إذلال للناس , وتحقيق لمصالح الأهل والأتباع والموالين , لان الله -جل جلاله –يقول: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } , هو لا يقر هذا الشكل من أشكال السياسة , تقريب الموالين وإبعاد المخالفين, تحقيق المغانم و المصالح ,لا يرى أصحاب هذا الفهم إلا أهلهم وأتباعهم وأنفسهم , هذا الإسلام لا يقره , قال- صلى الله عليه وسلم - :" من ولي من أمر المسلمين شيئا , فولى عليهم رجلا وهو يجد من هو أصلح منه في المسلمين , فقد خان الله ورسوله والمؤمنين" وهذا الحديث ذكره الإمام- ابن تيمية - في كتاب السياسة الشرعية , والله تعالى يحذر الذين تصير إليهم أمور الناس, و يصبحون ولاة, يحذرهم من هذا الفهم السيئ للسياسة , فيقول {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ }, الأرحام العامة والخاصة , و في تجربة بني إسرائيل في الحكم في القرءان الكريم , عندما اشتكوا إلى موسى من إذلال فرعون لهم قال لهم{ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }, فالحكم ليس غاية في ذاته , إنما هو وسيلة , قد ابتليت أمتنا في الماضي والحاضر , وفي بيئات متعددة لمن يفهم السياسة بهذا الفهم, وهذه هي مصيبة كبرى في واقعنا العربي وواقعنا الإسلامي , أن تفهم السياسة على أنها مغنم , وعلى أنها امتلاك للسلطة, هذا فهم لا يجوز , يكرهه الإسلام وينكره . أما الفهم الذي يقره الإسلام فهو أن يفهم السياسة على أنها مغرم , على أنها تضحية , وعلى أنها مسئولية , وعلى أنها إصلاح للبلاد والعباد , وأنها أمر بالمعروف ونهي عن المنكر , وإحياء لحقوق الله , وإبطال الباطل وإحقاق للحق {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } , كان النبي- صلى الله عليه وسلم - يؤم الناس بالمسجد , ويقرأ بهم, {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} , إقامة موازين العدل والقسط , هذه هي سياسة الإسلام , أيضا جانب آخر من السياسة التي يقرها الإسلام , النضال والمقاتلة من أجل المستضعفين , من أجل المظلومين {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً } , سياسة الإسلام , أمر بالمعروف , و نهي عن المنكر, إشاعة للخير , وتطويق للشر , سياسة الإسلام عدل وإقامة لموازين العدل, سياسة الإسلام نضال من أجل مصالح البشر , من أجل مصالح الناس, هذا الفرق بين السياسة التي يقرها الإسلام والسياسة التي ينكرها .
بقيت مسألة صغيرة وهي أننا على أبواب شهر ربيع الأول , وهو شهر مولد النبي- صلى الله عليه وسلم- وسيقام في هذا المسجد ابتداء من يوم السبت غدا على وعلى طوال الشهر بين المغرب والعشاء, سيعقد لقاء في هذا المسجد ابتهاجا واحتفالا بذكرى مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- سيشتمل هذا اللقاء اليومي الذي سيبدأ غدا على تلاوات قرآنية, وعلى أناشيد مختارة في مدح سيد الخلق- صلى الله عليه وسلم- وعلى قراءات مستفيضة في سنته وسيرته وشمائله وأخلاقه الزاكية , ونحن -أيها الإخوة - محتاجون بأن نطور علاقتنا برسول الله -صلى الله عليه وسلم – و أن ننتقل بهذه العلاقة من العلاقة الثقافية الرسمية , إلى علاقة وجدانية عاطفية , نحب النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحب هديه ونناضل في شريعته وإقامة دينه.
اللهم املأ قلوبنا إيماناً، واملأ عقولنا وعياً، وآت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إننا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها الكفر وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى دينك والهداة إلى سبيلك وترزقنا فيها كرامة الدنيا والآخرة، عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.

فتحي عوض
21/09/2010, 02:26 AM
الاخت سهام ...
المشاركة أدناه لم يتمكن الاخ الاستاذ عمر ابودقة من تحريرها لك لخطأ ما في متصفحه..
وطلي الي ارسالها لك...
يارك الله بك...
وحيا الله الاستاذ عمر...

"]الأخت الفاضلة سهام محمد نعمان المحترمة
طيب الله ثراك , وجزاك كل خير , وجعل لك في كل كلمة هنا نوراً يهديك لطريق الجنة وبعد
ماأجمل هذا الفهم السديد لديننا الحنيف , فهو ليس طقوساً وحركات مبهمة وعبادات لامعنى لها أبداً , وليست فرائضه وسننه عصية الفهم , وليس كتاب شعر رمزي وفكر جدلي وفلسفة سفسطائية , ليس نهياً عن منكر بلا تفسير هو أمرأً بالمعروف ليس بحاجة إلى تفسير , قرأننا للحياة في الدنيا وزادأ لنا بعد الممات , إسلامنا قولاً وعملاً لايتناقضان , إسلامنا يسر لاعسر , دين العزة والكرامة , ومكارم الأخلاق جميها , ومن آخر ماكتشفه علماء الأرض أحدثك عن العالم بيدرمان الذي أكد ببحث عصبي فيزيولجي أن الفهم والإسيعاب لأي مسألة أو مفهوم بسيط يولد في جدر الخلايا العصبية "للحزمة البصرية الجوفيه في الدماغ " أفيونات طبيعية تثير الشعور بالرضى والسرور وتصل لقمة مفرزاتها في الوصول للمتعة الروحية "التي تقابل الشعور بالإنجاز " عند حل مشكلة صعبة . ولهذا نفهم لماذا ركز القرآن على مناداته قوم يتفكرون !!! قوم يفهمون !!! وقوم يعقلون !!! نعم هنا المسألة ليست المتعة الحقيقية بجرعة أفيونات صناعية,أو خمر ,أو مهلوسات , تصيب الدماغ بالشلل التام ليصار بليدا خمولاً أقرب لحيوان جميل غير مفكر .[/RIGHT] [/SIZE][/COLOR]

سهام محمد نعمان
21/09/2010, 02:54 PM
[

الاخوة الكرام،فتحي عوض وعمر ابو دقة، أشكر لكما قراءة مداخلتي فالانسان العاقل المتفهم فقط من يعي هذه الكلمات
نعم فكلما تأملنا هذا الدين رائع وجدنا أنفسنا نسبح بين أمواجه بهدوء ، ما أجمل أن يتفكر الانسان ويعي ما حوله، فالبعض يظن أنه سيأخذ من الدنيا اكثر مما قسم الله له فإذا به أمام سراب. وديننا الحنيف ينقذنا دائما من هذه الامور ، إننا لا ننكر على الانسان جهده وكده ولكننا ننكر عليه أنانيته وعدم رقي أخلاقه
فديننا هو دين الرقي والعزة والكرامة وبدونهما نصبح أذلاء. نحن نتمنى للجميع النجاح والعيش الرغيد في الدنيا ولآخرة فمتعتنا الحقيقية أن نصل دار السلام بسلام بإذنه تعالى.وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ودمتم[/SIZE][/FONT][/RIGHT]
دمتم بخبر